ثلاثون عاما علي اتفاقية گامب ديفيد 1-3
حين اعتقلت إسرائيل أنياب مصر العسكرية في سيناء متاهة السلام بين الانفراد في صناعة القرار ونهج التسويات الجزئية المنفردة كنت أقوم بكتابة مسودة مقترح أراه مناسبا ثم آخذه إلي السادات للحصول علي موافقته السريعة أو إدخال بعض التعديلات الطفيفة، ثم أمضي ساعات أو أياماً من العمل حول كل نقطة مع البعثة الإسرائيلية".
من مذكرات الرئيس الأمريكي جيمي كارتر
يوافق اليوم 17 سبتمبر 2008 مرور ثلاثين عاما علي توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و إسرائيل، و هي الاتفاقية التي أثارت و لا تزال تثير العديد من الجدل داخل الشارع المصري بين مؤيدين و معارضين. . و قد
مثلت الاتفاقية ذروة مسار التسوية الذي بدأ أولي خطواته باتفاقية فض الاشتباك الثاني بين مصر و إسرائيل عام 1975 في أعقاب حرب 1973 بوساطة أمريكية و التي أنهت فعليا حالة الحرب بين مصر وإسرائيل رغم وجود قوات الاحتلال الإسرائيلية علي الأراضي المصرية ، ثم زيارة الرئيس السادات للقدس عام 1977 و هي الزيارة التي أحدثت تحولا جذريا في الصراع العربي الإسرائيلي و غيرت الواقع الجيو- سياسي في الشرق الأوسط بأكمله. و قد تزامن توقيع اتفاقيات كامب مع تحولات جذرية في السياسة المصرية الداخلية و الخارجية وتوجهها نحو الانفتاح الاقتصادي و نحو الغرب و العمل في إطار الاستراتيجية الأمريكية.
تفريط
ويري المؤيد لهذه الاتفاقيات أنها أنهت الحرب بين مصر وإسرائيل و أرجعت لمصر سيناء كاملة وأنقذت مصر من ويلات الحروب وساهمت في تفرغ مصر لدفع عجلة التنمية في الوقت الذي لم تقدم فيه مصر تنازلات جوهرية. كما بشر مؤيدو اتفاقيات كامب ديفيد بأنها ستكون مقدِّمة لسلام شامل ورخاء في مصر و المنطقة العربية ، و لكن الواقع يؤكد غير ذلك تماما، حيث أنطوت هذه الإتفاقيات علي تراجعات و تفريط في الحقوق المصرية و العربية نتيجة انفراد السادات باتخاذ العديد من القرارات وتقديم التنازلات خلال عملية التفاوض في كامب ديفيد والتي جاءت مخلة بالمصالح الوطنية و السيادة المصرية و انتهت بحل منفرد بين مصر وإسرائيل في إطار معاهدة السلام المصرية -الإسرائيلية عام 1979 عزلت مصر عن محيطها العربي و أخرجتها من معادلة التوازن مع إسرائيل و أصبح الموقف العربي في أضعف حالاته فانطلقت يد إسرائيل في المنطقة في محاولة لترتيب الأوضاع الإقليمية وفقا لمصالحها و المصالح الأمريكية و بدعم أمريكي.
وشهدت العقود الثلاثة الماضية المزيد من العنف و العدوان الإسرائيلي علي الأراضي و الحقوق العربية و المزيد من التراجعات والتنازلات من جانب النخب العربية، بالإضافة إلي عدم تحقق وعود الرخاء والتقدم التي أطلقها مؤيدو كامب ديفيد في حينها بل يواجه السواد الأعظم من الشعب المصري أزمات طاحنة وتدهورا مستمرا في مستوي معيشته.
السادات00 طريق مسدود
مثلت مبادرة السادات عام 1977 و زيارته للقدس و عرضه للسلام مع إسرائيل خطوة غير مسبوقة في الصراع العربي الإسرائيلي و في تاريخ الصراعات الدولية و حركات التحرر الوطني و أحدثت تحولا جذريا في هذا الصراع.
وقد أعقب هذه الزيارة عشرة أشهر من الاتصالات والمفاوضات الثنائية بين مصر و إسرائيل برعاية مكثفة من الولايات المتحدة و تعددت مستوياتها و صياغاتها ، من قمة الإسماعيلية بين الرئيس السادات و رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجين، إلي اجتماعات اللجنتين السياسية والعسكرية التي تشكلت عقب هذه الزيارة ، إلي اللقاءات الشخصية بين الرئيس السادات و عيزرا وايزمان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، إلي المؤتمر الوزاري الثلاثي المصري و الإسرائيلي الأمريكي بقلعة ليدز البريطانية...إلا أن هذه الجهود كافة انتهت جميعها إلي طريق مسدود.
ولم يكن ذلك غريبا فذهاب السادات إلي القدس وما أعقب ذلك من اتصالات و مفاوضات انطوي في حد ذاته علي اعتراف تلقائي بإسرائيل و إنهاء لحالة الحرب أي أنه انطوي علي تقديم تنازلات في القضايا الاستراتيجية مثل الاعتراف بمطالب إسرائيل الأمنية العسكرية و السياسية و تطبيع العلاقات علي أساس التعايش و حسن الجوار دون أي مقابل. و كان السادات يتوقع و ينتظر ردا من إسرائيل و مقابلا علي مستوي زيارته و مبادرته وكان يتصور أن هذه الزيارة ستحدث صدمة كهربائية تدفع إسرائيل و العالم نحو حل الصراع في الشرق الأوسط. و لم تفكر إسرائيل أبدا في رد من جانبها علي مستوي المبادرة بل قال وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك موشيه دايان في حديث له كما أورده هيكل في كتابه عن المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل : "لا اعرف لماذا يتحتم علينا أن نقدم ثمنا لما حدث في القدس...إن ما حدث كان عظيما بلا شك...إن الآخرين و العالم كله دعوا أنفسهم إلي مهرجان حافل علي أرضنا ، وقد رحبنا بهم. و كان هذه المهرجان نوعا من حفلات المفاجآت يجيء فيه الذين دعوا أنفسهم إليه بطعامهم و شرابهم وموسيقاهم ، ثم يذهبون بعد تقديم شكواهم للذين فتحوا لهم بيتهم مسرحا لمهرجانهم".
التشدد
و يشير المشير الجمسي ، وزير الحربية المصري الأسبق في مذكراته كيف أن إسرائيل وجدت في مبادرة السادات "الفرصة السانحة لها للتشدد في مطالبها ، إستغلالا لرد فعل الدول العربية ضد السادات شخصيا و مبادرته الأمر الذي يرغمه علي تقديم تنازلات لإسرائيل حتي يكتب لمبادراته النجاح كما كان يتوقع.. كان هدف إسرائيل عزل مصر عن محيطها العربي كما يشير وزير خارجية مصر آنذاك محمد إبراهيم كامل وتكريس الفرقة مع العرب عقب زيارة القدس نتيجة إقدام السادات علي مبادرته دون مراعاة الدول العربية أو استشاراتها سلفا و ردود الفعل العربية غاضبة، فخروج مصر - وهي أقوي الدول العربية و أكثرها خطرا علي مخططات إسرائيل التوسعية- من دائرة الدول العربية و من المواجهة و تنحيتها جانبا سيعني أن باقي الدول العربية لن تشكل خطرا علي إسرائيل و لن تملك حراكا فعالا، ثم إن عزل مصر عن الدول العربية يقطع عليها الكثير من مقومات قوتها و يضعفها هي نفسها ، و إذا تحقق ذلك يمكن لإسرائيل أن تتوصل إلي حل منفرد مع مصر والتفرغ لتثبيت جذورها في الأراضي العربية المحتلة في الضفة الغربية و قطاع غزة.
و قد تركز الموقف الإسرائيلي في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية و غزة، التمسك بالأمن الإقليمي أي ضم الأراضي المحتلة بالقوة، رفض الالتزام بالقرارات الخاصة باللاجئين، رفض أي نوع من تقرير المصير للشعب الفلسطيني، التمسك بدعاوي السيادة الإسرائيلية و التمسك بالمستوطنات . و قد عرض مناحم بيجين خلال لقاء الإسماعيلية في ديسمبر من عام 1977 مشروع إسرائيل للتسوية يعيد سيناء لمصر مع بقاء بعض المستوطنات اليهودية فيها وتعديل في الحدود بالإضافة لحكم ذاتي إداري فلسطيني في الضفة و القطاع تحت السيطرة السياسية و العسكرية الإسرائيلية يمتد لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات لا يجوز خلالها لأي طرف عربي أو إسرائيلي المطالبة بالسيادة علي هذه المناطق ، و هو ما رفضته مصر تماما، فالمشروع الإسرائيلي كان يتناقض مع قرار مجلس الأمن رقم 242 والذي يقضي بعدم جواز اكتساب الأرض عن طريق القوة و ينص علي الانسحاب من الأراضي المحتلة فضلا عن أنه يغفل حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة و يحولهم إلي مواطنين من الدرجة الثانية أو "فلسطينيين عرب" و هو المصطلح الخبيث الذي استخدمه بيجين حتي لا يعترف بهم كشعب له حق تقرير المصير. و مشروع الحكم الذاتي (و هو ما تم تطبيقه فيما بعد في اتفاقيات أوسلو) كما يوضح محمد إبراهيم كامل علي غرار المشاريع التي كانت تطبقها الدول الاستعمارية في القرن التاسع عشر علي شعوب مستعمراتها وكان غرض إسرائيل من الفترة الإنتقالية هو استغلال هذه الفترة الزمنية في اتخاذ إجراءات و إنشاء أوضاع من شأنها و استمرار سيطرتها الفعلية علي الأراضي الفلسطينية المحتلة و تغيير تكوينها السكاني إلي أن تتمكن من ضمها في النهاية بشكل أو بأخر.
باحثة في الصراع العربي الإسرائيلي