في
ربيع عام 72 ، تم دفع تشكيل قتالي من خمسة كتائب صواريخ الى قطاع بورسعيد و
بورفؤاد .. لتوفير الحماية من الهجمات الجوية لهذا القطاع و لميناء
بورسعيد . .
.. ، وكانت محطة الرادار الخاصة بي على البحر و القناة
مباشرة ، وكانت موقعا مثاليا حدده الخبراء ، لاكتشاف الطيران المنخفض جدا ،
والذي يفضل الطيران الإسرائيلي استخدامه لمهاجمة مصر
، ولأنه في
عام 70 استخدمت إسرائيل هذا الأسلوب في الإغارة على مدرسة بحر البقر و
مصانع منطقة ابو زعبل .. ، وكانت الأوامر المشددة تقضي بإسقاط و تدمير أي
هدف منخفض يظهر من اتجاه البحر .. فورا
وفي منتصف مايو عام 73
التقطت محطتي ، هدفا منخفضا ..على مسافة أقل من عشرين كيلومتر ويطير بسرعة
بطيئة .. قمت بتمييز الهدف على إنه طائرتان هليكوبتر تحلقان على ارتفاع
منخفض جدا .. وفورا تم رفع حالة الاستعداد القتالي للجبهة كلها .. الى درجة
التأهب القصوي ..
وطلبت مني القيادة تحديد سرعة الهدف .. ولكن
ذلك كان صعبا .. لأنه لا يكاد يتحرك .. فقدرت انه يحوم في مكانه .. أي يدور
في دائرة قطرها نحو كيلومتر ..، ولكن القيادة أبلغتنا أن هذا الهدف هو هدف
للمشاغلة .. وقد يكون هناك إغارة من اتجاه آخر .. ويجب علي الانتباه
الكامل الى باقي الاتجاهات .. وتم تشغيل كل محطات الرادار ووحدات تتبع
الأهداف في كتائب الصواريخ .. في الجبهة وفي مصر كلها .. للتفتيش عن الهدف
في الإحداثي الذي قمت بتحديده .. ولكنها كلها ..ابلغت أنه لا توجد أهداف في
هذه المنطقة ..
وبعد عدة دقائق ..مرت كأنها الدهر .. تمكنت من
تحديد سرعة الهدف بأنها في حدود اثني عشر كيلومتر في الساعة .. ، وبعد أن
تدارست القيادة العليا للدفاع الجوي هذا الموقف .. قررت أن هذا الهدف سحابة
.. ربما تكون محملة بشحنات كهرومغناطيسية .. وطلبت مني إلغاء هذا الهدف ..
مع استمرار الانتباه الكامل .. ،
رفضت هذا الأمر وقررت الاستمرار في التبليغ ..
فإتصل بي أحد نواب قادة التشكيل بالتليفون قائلا ..
” ليه مش عايز تلغي الهدف ..
يا حضرة الظابط .. هدف منخفض جدا بسرعة اتناشر كيلو في الساعة .. وأنت
عامل قلق للجبهة كلها .. يعني حيكون أيه .. واحد راكب بسكليته .. وبيتمشى
في الجو .!؟. وبعدين محطة الرادار بتاعتك .. هيه الوحيدة في مصر التي رصدت
هذا الهدف.. “
، كان عند قائد كتيبتي في كابينة توجيه الصواريخ شاشة
مطابقة لشاشة الرادار عندي .. وكان معنا على نفس خط التليفون .. فتدخل في
المكالمة قائلا لنائب القائد ” يعني لو الظابط الرادرجي بتاعي عنده تهيؤات
..يبقى أنا كمان عندي تهيؤات ..الهدف قدامي وأنا شايفه .. مؤكد أنه هدف
..ولكن لا نعلم ماهو ..؟.” .
وتعجبت القيادة من موقف هذا الضابط الرادرجي العنيد .. ولكنها سوف تقوم بتأنيبه .. ولكن بعدين ..!.
والسحاب يظهر على شاشات الرادرات بصور مختلفة حسب شهور السنة .. يعني
الصيف غير الشتاء غير الربيع .. والصباح غير المساء و الأماكن الزراعية غير
الأماكن الصحراوية ..غير سحاب البحر .. وكل محطة رادار بها دفتر لتدوين
أحوال السحاب وأيضا المحطات مزودة بوحدات لتنقية الرادار من السحاب .. فضلا
عن أن السحاب يتحرك مع اتجاه الريح , والريح كانت هادئة في ذلك الوقت وتهب
من اتجاه الشمال الشرقي بينما الهدف يتحرك من الشمال الى الجنوب ..
واستخدمت كل إمكانيات المحطة لعزل هذا السحاب .. ولكن دون جدوى ..
كنت
من الجيل ألأول الذي عمل على هذه الرادارات في مصر .. ونحن الذين اكتشفنا
الخبرة .. وقدمناها للأجيال التالية .. ونحن أمام موقف جديد وخطر .. ولم
يحدث لنا من قبل ..؟.
وبعد ساعة مرت كأنها الدهر .. قدرت أن الهدف
سوف يكون أمامنا ويمكن رؤيته بالعين المجردة .. خرجت من دشمة المحطة
..ونظرت في الأفق .. كان أمامي سرب من الأوز العراقي .. حوالي عشرين طائر
.. يطير متهاديا .. ولا على باله … !!. ويأخذ تشكيل الحرف (V ) .. ، اتصلت
بقائد الكتيبة وطلبت منه الخروج من كابينة توجية الصواريخ لرؤية الهدف ..
أخذت أنا و قائد كتيبتي و زملائي نضحك في جنون من هذا الموقف .. وطلبت من
القائد أن يسمح لي بإطلاق النار من مدفعي الكلاشينكوف ..على هذا السرب ..
انتقاما منه .!. ولعلنا أيضا نحصل على وجبة شهية .!.
رد علي
القائد المقدم محمد عباس ( رحمه الله ) قائلا ” يعني مش كفاية القلق اللي
عملته للجبهة كلها .. وعايز كمان تضرب نار .. و تولعها تاني .. يا برنس
..!. إنصراف على دشمة الرادار بتاعتك يا حضرة الظابط .. ولا تخرج منها ..
إلا عندما أعطيك الأمر بذلك ..” .
وما زلت عندما أتذكر هذا الهدف
.. احزن لأن قائد كتيبتي .. رفض اعطائي الأمر بضرب هذا السرب من الأوز
بالكلاشيكوف .. فقد كان ممكنا أن نصنع منه وجبة شهية من الملوخية ..تكفي
بورفؤاد كلها …!.. ولكن لم يكن لي نصيب في هذا الأوز ..إلا رصده و الإبلاغ
عنه ..!.
( منقولة من كتاب ( نوتة الرادرجي ) .
مهندس سامح فرج .( مؤلف معجم فرج للعامية المصرية )
المصدر