الأمن الإقليمى :
بالفعل ثبتت أمريكا وجودها العسكرى فى تحالف الأمن اليابانى الأمريكى - الأسيوى باعتباره مفتاحا للأمن الاستراتيجى الأمريكى والأمن الاقليمى . والصين لفترة طويلة كانت تعارض مبدأ القواعد والتحالفات العسكرية ، والصينيون مرتابون فعلاً من الاشتراك الأمريكى فى التحالف العسكرى الآسيوى حالياً ومستقبلاً باعتباره يقصد أساساً الصين ، وما فعله الأمريكيون خلال أزمة تايوان يؤكد تلك الريبة ، لذلك تقف الحكومة الصينية بقوة ضد تقوية وتدعيم التحالف العسكرى الأمريكى - اليابانى ، خاصة خطوط التعاون الأمنى الأمريكى - اليابانى التى تغطى تايوان ، وفقا للترتيبات الأمنية الأمريكية - اليابانية.
تايوان - هونج كونج - التبت والاهتمامات الأمنية والقومية
يؤمن الصينيون بوجود غرض واحد فقط من السياسات والافعال الأمريكية بالنسبة لتايوان وهونج كونج والتبت ، وهو قسم الصين كوحدة قومية متكاملة ، وحتى ذلك الحين يوجد المزيد والمزيد من الفهم الصينى بوجود عامل سياسى داخلى خلف تلك الاستراتيجية الأمريكية. بالنسبة للصينين تعتبر تلك القضايا أحداثا جوهرية تتبع القومية والتكامل والأمن الداخلى.
والتخطيط الأمريكى الاستراتيجى حول الاهتمامات القومية الصينية الجوهرية يؤكد ان كل الاستراتيجية الأمريكية بالنسبة للصين ما هى إلا مؤامرة. ووفقا للمفهوم الصينى ، فإن الضغط على الديمقراطية وحقوق الانسان والحرية الدينية فى تلك المناطق وغيرها فى الصين ، ما هو الإ غطاء وتكتيك أمريكى تختفى وراءه الاستراتيجية الأمريكية الخبيثة ، وهكذا يكون غرض أمريكا الحقيقى هو تقسيم الصين وتدمير استقرارها ودورها العالمى .
ليس من المنطق فى العلاقات الدولية أن تقوم دولة واحدة بالتدخل دائما فى الاهتمامات الجوهرية والقومية والأمنية للدول الأخرى .
حقوق الإنسان والحرية الدينية
إن الضغط على حقوق الانسان والقضايا الدينية، ماهو إلا انعكاس للاختلافات الجوهرية بين أمريكا والصين فى الأيديولوجية والنظام السياسى والاجتماعى . وأيضا اختلاف مستويات التنمية الاقتصادية ومبادئ العلاقات الدولية ، والمشكلة الحقيقية ليست وجود تلك الاختلافات بين الطرفين ، ولكن كيفية التعامل معها ، والممارسة تؤكد انه دائما يتم البحث عن مشكلات الآخرين، وهى ليست طريقة لصياغة العلاقات الخارجية بجانب ذلك . فالاهتمامات الأمريكية أغلبها ليست للمحافظة على اوضاع حقوق الانسان فى الصين ، ولكن خلخلة النظام السياسى والاجتماعى والاستقرار الصينى .
الشك الاستراتيجى بين الطرفين
ما يمكن استخلاصه من علاقات الطرفين هو احساس الشك القائم ومازال بينهما، فمازالت أمريكا تنظر الى الصين كديكتاتور لا يرى مصالح شعبه ولا جيرانه ، وفى المستقبل عندما تصبح الصين أقوى بمساعدة الأمريكيين من المحتمل أن تهدد الدور الامريكى فى آسيا وفى العالم، وهذا يتعارض مع أمريكا والدول الآسيوية والنظام العالمى ككل . تلك الاستراتيجية تجعل الصين مصدرا للتهديد ان لم تكن عدوا لدودا .
وكثير من الأمريكيين يميلون الى التشاؤم بالنسبة لمستقبل الصين، وهم يرون ان تحديث الصين لا يعنى ان تصبح دولة غربية ، لأنه حتى لو أصبحت الصين نموذجا للنمط الديمقراطى الغربى، فستظل تشكل تهديدا لآسيا وللعالم ولأمريكا. ولأنها تنمو وتقوى بإطراد ، فإن قوميتها تعلو وسوف ترعى المصالح الاسيوية والدولية ، لذلك ينظر اليها كمعارض كبير وعدو يهدد الدور الأمريكى .
على الجانب الآخر من المحيط الهادى، يعتقد أكثر الصينين أن الهدف الاستراتيجى الذى لم ولن يتغير حاليا ولا مستقبلا ، هو تقسيم واحتواء الصين وجعلها نموذجا غربيا تماما، وحتى ذلك الحين تقوم أمريكا بسياسه ارتباطية فى تعاملها مع الصين ،هذا الارتباط مجرد تكتيك وليس استراتيجية ، تلك السياسة تخدم فقط على المدى البعيد هدفا استراتيجيا معروفا للأمريكيين..!
استراتيجية الحوار والتعاون
إن الاهتمامات المشتركة ومناطق التعاون بين امريكا والصين جوهرية ، مع ذلك تبقى الاختلافات بينهما هامة وذات مغزى. لذلك فإن مستقبل العلاقات بينهما يعتمد على كيفية التعامل مع تلك الاهتمامات والاختلافات المشتركة حاليا وفى المستقبل القريب .
الشئ الرئيسى الذى يواجه حكومات وشعوب الدولتين حاليا ومستقبلا هو تنمية الاهتمامات المشتركة، وقهر الاختلافات القائمة بين المجتمعين ، لذلك فإن الحوار والتعاون الاستراتيجى بين الطرفين مطلوب للاتفاق حول القضايا الرئيسية وتنمية التعاون والتحكم والتقارب فى الاختلافات .
توسيع وتعميق الحوار الاستراتيجى حول القضايا الاستراتيجية
تحليل القضايا النوعية مثل التجارة وحقوق الانسان ووقف سباق التسلح هام لتحسين العلاقة بين الدولتين ، لكن لأن الدولتين عظميان فإن أغلب القضايا التى تواجههما ليست نوعية بل استراتيجية ، فالعلاقة بين أمريكا والصين ليست كالعلاقة بين الدول الصغيرة أو العلاقة بين دولة كبيرة وأخرى صغيرة، بحيث تكفى قضية نوعية لتحديد الصورة الكاملة للعلاقة بينهما .
عامة ، إذا لم يتقارب الطرفان حول القضايا الاستراتيجية ، فإن تحليل قضية نوعية أو اثنتين لن يساعد كثيرا ، فعندما يعتقد المرء أن الهدف الرئيسى للآخر هو قتله ، فمن الصعب عقد اتفاق معه ، لذلك فالمطلوب هو الحوار والتفاهم الاستراتيجى ، وتاريخ الدولتين يؤكد أن علاقاتهما تستقر عندما يصل الطرفان الى اجماع حول القضايا الاستراتيجية كما حدث عام 1970 و 1980 ، ذلك الحوار لا يكفيه قضاء عدة ساعات أو يوم عمل شاق، ولكن يحتاج الجهد والصبر والعمل فى القضايا الحقيقية .
تنمية الاهتمامات المشتركة
احداث تقدم فى الحوار الاستراتيجى حول القضايا الاستراتيجية أساسى لحدوث تطور فى علاقات الدولتين ، مع ذلك لا يمكن للدولتين الذهاب مباشرة فى ذلك دون إرساء قواعد تفاهم حول القضايا النوعية ، فهما يحتاجان العمل سويا لتطوير وتوسيع مجالات التعاون بينهما
وتشييد البناء الذى تتغلب فيه الاهتمامات المشتركة على الاختلافات .
قهر أو إدارة الصعاب
وجود علاقة تعاون واستقرار بين أمريكا والصين ليس سهلا بدون إزالة الاختلافات والتقارب حول القضايا الرئيسية. وليس التقارب فى زيادة التركيز على المشكلات والاختلافات بين الدولتين ، فلا يمكن لأحد أن يتوقع يوما تكون فيه علاقات الدولتين أو أية دول أخرى مستقرة تماما لذلك يجب أن تقبلا خلافاتهما وتعملا على إدارتها ولا تدعانها تسيطر على علاقاتهما .
والحوار هو الطريق الوحيد لذلك ، بعض الاختلافات يمكن حسمها عن طريق المحادثات .وبالنسبة لقضايا كحقوق الانسان، يوجد حاجة لمزيد من الأمريكيين من صانعى الحوار لا يعتمدون على قيمة أمريكا فقط ، ولكن ينظرون الى واقع الصين اليوم ووضعها وما أحرزته من تقدم فى مجال حقوق الانسان .
خلافات أخرى يمكن تقريبها من خلال الحوار والمفاوضات وعامل الوقت، وقد أحرز الطرفان تقدما فعليا مؤخرا فى مجال حماية حقوق الملكية الفكرية وتوسيع اتفاقية منع انتشار الاسلحة ، والاستخدام السلمى للطاقة النووية .
أما القضايا التى من الصعب الاتفاق حولها ، فيمكن إدارتها أيضا مثل مشكلة تايوان ، فلم يحل الطرفان تلك القضية منذ 25 عاما، ولكن كانت هناك أوقات خلال تلك الفترة عمل فيها الطرفان على إدارة الخلافات وذلك لمنع تلك القضايا من زيادة توتير العلاقات .
خفض الشك الاستراتيجى
عند محاولة كل طرف التنبؤ بمستقبل الآخر ، يجب عليه مراعاة الحقائق . فإذا نظرنا الى مستقبل الصين فإن كل شئ ممكن ، ولكن لاشئ مضمون ، الصين يمكن أن تصبح أفضل أو أسوأ ، وهذا يتوقف على مستوى التنمية داخل الصين وخارجها أيضا . وردود الصين على الأزمة المالية الأسيوية ، وعلى التجارب النووية الهندية، كلها تشير الى ايجابية التنمية الصينية، وأنها ليست ضد اهتمامات وتوجهات المجتمع الدولى .
- ربما مازال داخل الصين من يؤمنون بفكرة المملكة المركزية ويرغبون أن تلعب دورا رئيسيا فى آسيا والعالم . لهذا يردد القادة الصينيون أن ذلك مستحيل ، ولعل من يعلم شيئا من الصين يدرك أن الحكومة والقارة والشعب يركزون على التنمية الاقتصادية وتحسين مستويات المعيشة . وقد ركزت الصين على ذلك الهدف القومى فى العقدين الأخيرين ، وعقدت العزم على قضاء عقدين آخرين أو خمسة على الأقل فى الاصلاح ، لأن هذا يخدم كلا من الاهتمامات القومية والشخصية الصينية .
عشرون عاما من التحديث والتطوير تشهد ان الصين بذلت جهودا عظيمة لتحسين علاقاتها مع جيرانها، سار هذا جنبا الى جنب مع النمو الاقتصادى المتجه للأفضل ، وليس للأسوأ. والواقع أن علاقات الصين مع جيرانها الآن أفضل من العقدين السابقين ، تلك هى الحقيقة.
تايوان - قصة أخرى - بسبب اعتبارها من الشئون الداخلية للصين، لذا نجد أن أمريكا وأغلب المجتمع الدولى يدركون أن تايوان جزء من الصين ، هى ليست قضية علاقات خارجية إذن ، فكل صينى يعلم الأمر بوضوح تام، فهو أمر مختلف جوهريا عن كيفية إدارة الصين لعلاقاتها مع الدول الأخرى .
الصين طموحة ، نعم ، الصينيون يطلبون مزيدا من المساواة والاحترام من الآخرين ، والصين ترغب فى لعب دور أهم فى آسيا والعالم ويمكنها بلوغ هدفها من خلال التنمية الاقتصادية ، فهى لا تريد بذل المال والدماء لاكتساب الاحترام .
- مقارنة بعشرة أو عشرين عاما مضت ، تتمتع الصين اليوم باحترام كبير فى آسيا والعالم. هذا الانجاز له وضعه، ليس لأن الصين امتلكت مزيدا من الطائرات المقاتلة أو السفن البحرية، ولكن لزيادة الأموال فى أيدى الصينيين نتيجة استمرار التقدم الاقتصادى .
الصين والولايات المتحدة ، لا يجب عليهما اعادة العلاقة العدائية التى قامت في الخمسينيات، والستينيات فهم لا يستطيعون اعادة بناء العلاقة ثانية على أساس العدو المشترك كما حدث في السبعينيات والثمانينيات ، كما أنه ليس من المحتمل أن يتحالف الطرفان مستقبلا . مع ذلك ، فاهتمامات الطرفين تتطلب إقامة علاقة تعاونية بينهما. والآن ونحن على مشارف القرن الواحد والعشرين، حان الوقت للطرفين لتقريب الاهتمامات الجوهرية لكلتا الأمتين فى علاقاتهما، وتقريب وإدارة الاختلافات، وبناء إطار للحوار والتعاون بين الصين وأمريكا الآن وفى المستقبل .