هذا الجزء هو من باب أخبار الخوارج في كتاب العقد
الفريد دون تدخل مني .. وهو يصف حالة قد تبدو بلغتها وأسماء أبطالها
مختلفة قليلا عما نحن فيه الآن .. ولكن الجوهر واحد لو تمعنا النظر قليلا
.. فلنقرأ معا :
" لما خرجت الخوارجُ عَلَى عليّ بن أبي طالب رضي الله
عنه وكانوا من أصحابه وكان مِن أمر الحَكمين ما كان واختِداع عمرو لأبي
مُوسى " الأشعريّ " قالوا: لا حُكْم إلا للهّ.
فلما سمع عليٌ
رضي اللهّ عنه نِداءهم قال: كلمة حق يراد بها باطل وإنما مَذْهبهم أن لا
يكون أمير ولا بُدَ من أمير بَرًّا كان أو فاجرًا.
وقالوا لعليّ: شككتَ في أمرك وحكَّمت عدوّك في نَفْسك.
وخرجوا
إلى حَرُوراء وخرج إليهم عليٌّ رضي الله عنه فخَطَبهم متوكِّئاً على قوْسه
وقال: هذا مَقام مَن أفلح فيه أَفلح يومَ القيامة أنْشُدكم اللهّ هل
عَلِمتم أنّ أحداً كان أكرَه للحكومة منِّي قالوا: اللهم لا " قال:
أفعلتم أنكم أكرهتموني عليها حتِى قبِلْتُها قالوا: اللهم نعم " قال:
فعلامَ خالفتُموني ونابذتموني قالوا: إنَّا أتينا ذنباَ عظيما فتُبْنا
إلى اللهّ منه فتُب إلى اللهّ منه واْستغفره نُعدْ إليك.
فقال عليٌ: إني أستغفر الله من كلّ ذنب فرَجَعوا معه وهم في ستّة آلاف.
فلما استقرُّوا بالكوفة أشاعُوا أن عليَاً رَجع عن التحكيم وتاب منه ورآه ضلالاً.
فأتى
الأشعثُ بن قيس عليَاً رضي اللهّ عنه فقال: يا أمير المؤمنين إنّ الناس
قد تحدثوا أنك رأيتَ الحكومة ضلالاً والإقامة عليها كُفْراً وتُبْت.
فخطب عليٌ الناس فقال: مَن زَعم أني رجعتُ عن الحكومة فقد كذَب ومَن رآها ضلالاً فهو أضلّ منها.
فخرجت الخوارج من المسجد فحكّمت فقيل لعليّ: إنهم خارجون " عليك " فقال: لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسيَفعلون.
فوَجّه
إليهمٍ عبدَ الله بن العبّاس فلما سار إليهم رحَّبوا به وأكرموه فرأى لهم
جباهًا قَرِحة لطول السجود وأيديًا كثَفِنات الإبل وعليهم قمُص مُرْحَضة
وهم مُشمِّرُون فقالوا: ما جاء بك يا بن عبّاس قال: جِئتكم من عند صِهر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه وأَعْلمنا برّبه وسنة نبيّه ومن
عند المهاجرين والأنصار فقالوا: إنا أتينا عظيماَ حين حَكّمنا الرجالَ في
دين اللّه فإن تاب كما تُبْنا ونهض لمًجَاهدة عدوّنا رَجعنا.
فقال
ابن عبّاس: نَشدتكم الله إلا ما صَدَقتم أنفسَكم أمَا عَلمتم أنَّ الله
أمر بتَحْكيم الرِّجال في أَرْنب تُساوي رُبع درْهم تًصَاد في الحَرَم وفي
شِقاق رجل وامرأته فقالوا: اللهم نعم قال: فأنشُدكم اللّه هل علمتم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمْسك عن القِتال للهُدنة بينه وبين أهل
الحُدَيبية قالوا: نعم ولكن عليًّا مَحا نفسَه من خِلافة المسلمين قال
ابن عبّاس: ليس ذلك يُزِيلها عنه وقد مَحا رسول الله صلى الله عليه وسلم
" اسمه " من النبوَّة وقال سُهَيل بن عمرو: لو عَلمتُ أنك رسول الله
ما حاربتُك فقال للكاتب: اكتُب: محمد بن عبد الله.
وقد أخذ على
الحَكَمين أن لا يَجُورا " وإِن يَجُورا " فعليٌّ أوْلى من مُعاوية
وغيره قالوا: إنّ مُعاويةَ يدَّعي مثلَ دعوى عليّ قال فأيُّهما رأيتُموه
أوْلى فولُوه قالوا: صدقتَ.
قال ابن عباس: ومتى جار الحَكَمان فلا طاعة لهما ولا قَبُول لقولهما.
فاتَّبعه منهم ألفان وبَقي أربعة آلاف.
فصلّى بهم صلاتَهُم ابن الكَوّاء وقال: متى كانت حرب فرئيسُكم شَبَث بن رِبْعِيّ الرِّياحي.
فلم
يَزالوا على ذلك حتى أجْمعوا على البَيعة لعَبد الله بن وَهْب الرَّاسبيّ
فخرج بهم إلى النَّهروان فأوْقع بهم عليّ فقَتل منهم ألفين وثمانمائة وكان
عددُهم ستةَ آلاف وكان منهم بالكوفة زُهاء ألفين ممن يُسِرّ أمره فخرج منهم
رجلٌ بعد أن قال عليٌّ رضي اللهّ عنه: ارجعوا وادفعوا إلينا قاتلَ عبد
الله بن خَبّاب قالوا: كلّنا قَتله وشرك في دَمه وذلك أنهمٍ لما خرجوا
إلى النَّهْروان لقُوا مُسْلمًا ونَصرانيا فقتلوا المُسْلم وأوْصَو!
بالنصرانيّ خَيرا وقالوا: احفظًوا ذمّة نبيّكم.
ولقُوا عبدَ الله بن
خبّاب وفي عُنقه المُصحف ومعه امرأته وهي حامل فقالوا: إنّ هذا الذي في
عنقك يأمرنا بقَتلك فقال لهم: أحْيوا ما أحْيا القُرآن وأميتوا ما أمات
القرآن قالوا: حَدِّثنا عن أبيك قال: حدَّثني أبي قال: سمعتُ رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: تكون فتنة يموت فيها قلبُ الرجل كما يموت
بدنه يمسى مؤمناً ويُصبح كافرًا فكُن عبدَ اللهّ المقتول ولا تكن عبدَ
اللهّ القاتلَ قالوا: فما تَقول في أبي بكر وعمر فأثنى خيراً "
قالوا: فما تقول في عليّ قبل التحكيم وفي عثمان فأثنى خيراً " قالوا:
فما تقول في الحكومة والتحكيم قال: أقول: إنَّ عليًّا أعلمُ بكتاب
اللهّ منكم وأشد تَوقِّيا على دينه وأبعد بصيرةً قالوا: إنك لستَ تتَّيع
الهدى بل الرجالَ على أسمائها ثم قَرَّبوه إلى شاطئ البَحر فذَبحوه فا
مذَقَرَّ دمُه أي جَرى مستقيماً على دقة وسامُوا رجلاً نَصْرانيا بنَخْلة
فقال: هي لكم هِبَة قالوا: ما كُنَّا نأخذها إلا بثَمن فقال: ما
أَعجبَ هذا! أتقتلون مثلَ عبد الله بن خبّاب ولا تَقبلون منا " جنَى
" نخْلة إلا بثَمن ..."
هذا هو سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وتراثه الذي نسينا منه الكثير .. ورايه أن البشر باستعمال عقولهم هم من
يقيمون الحكومة .. مستلهمين المباديء العظيمة من الاسلام والقرآن .. العدل
والمساواة والتسامح ولكنهم يحكمون أنفسهم بالأتفاق والمصلحة والتحاكم ..
ورأيه أن شعار لا حكم ألا لله .. أنما كلمة حق يراد بها باطل .. فالناس هم
من يحكمون أنفسهم في الارض مستلهمين مباديء الأديان التي من عند الله نعم
ولكنهم يجب ألا يصبحوا عبيدا لتفاسير خاطئة استعملت نفس منطق الخوارج ..
وهؤلاء
هم الخوارج الآن كما في الماضي يرفعون نفس الشعار عن فهم خاطيء ويهدرون
دماء الجميع مسلمين قبل غيرهم بحجة أنهم حماة الدين وتحت نفس الشعار" لاحكم
ألا لله" .. كلمة حق يراد بها باطل ..
هؤلاء هم الخوارج الذين أذاقوا
العذاب للشعب الأفغاني فطاردهم هذا الشعب الي جبال وكهوف تورا بورا خلاصا
منهم ولكن لأنهم يبتزون مشاعر المسلمين بهذا الشعار ويبتزونه بقضية فلسطين
التي لم يفيدونها في أي شيء مازالوا يمارسون غيهم واستهانتهم بأرواح
الأبرياء من المسلمين هناك في أفغانستان وفي العراق وفي الرياض وطابا وشرم
الشيخ .. ويستهينون بالأنسانية بأهدارهم أرواح الأبرياء في مدريد ولندن ..
هؤلاء
هم الخوارج الذين يعيشون مثل الطفيليات دون عمل كما كان يفعل عمر بكري
وغيره في لندن علي مايدفعه دافعي الضرائب في بريطانيا ثم يفتي بقتلهم ..
هؤلاء هم الخوارج الذي كانوا يسخدمون أموال الصدقات و التبرعاب لشعوب
المسلمين في صنع القنابل والسيارات المفخخة وخطف الطائرات عبر مؤسسات مالية
مشبوهة .. بدلا من أن تذهب هذه الأموال لإطعام جياع المسلمين وعلاج مرضاهم
..
هؤلاء هم الخوارج الذين نجحوا في استعداء العالم كله علي المسلمين
والإسلام ونغصوا عيشة المسلمين في الغرب حيث كانوا يتمتعون بحريتهم الدينية
كاملة بصرف النظر عن كونهم شيعة أو سنة .. وحرية أقامة شعائرهم الدينية
بصرف النظر عن مذهبهم .. تلك الحرية التي يفتقدونها في كل البلاد العربية
.. هؤلاء هم الخوارج الذين يضرون بالإسلام أكبر الضرر لأنهم يجبرون الجميع
بعد فشل اسئصالهم أمنيا.. نتيجة احتمائهم الخسيس وأخذهم دروعا بشريا من
المدنيين.. علي العلاج الآخر وهو تجفيف الينابيع .. ينابيع الدين الإسلامي
العظيم الذي هو منهم ومن أفكارهم براء .. لقد وصلوا بالجميع ألي عدم
القدرة علي التفريق بينهم وبين المسلم المسالم المتسامح الذي يريد أن يقيم
شعائره بحرية ولا يمنع الآخرين من نفس الحق ويأكل ويطعم أولاده من عمل يدية
بينما هم يعيشون كالطفيليات علي ناتج عمله ..
هؤلاء هم الخوارج الذين
قتلوا سيدنا علي بن أبي طالب وأوغلوا في دماء المسلمين قديما ومازالوا
يفعلون ذلك حتي اليوم وبنفس الحجة ونفس المنطق المريض .. منطق تكفير كل من
يخالفهم الراي في تفسير الدين والإسلام بعقولهم القاصرة المعفرة بالغبار
والتراب .. اللهم انقذنا منهم
وماأشبه اليوم بالبارحة ...
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=42859