أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.
موضوع: استعراض كتاب رابينوفيتش عن حرب اكتوبر73 الإثنين 14 يناير 2013 - 14:32
استعراض كتاب رابينوفيتش عن حرب اكتوبر73 كتاب ـ حرب اكتوبر73 المواجهة التي غيرت الشرق الاوسطـ تأليف :ابراهام رابينوفيتش تلخيص باللغة العربية: فكري بكر
=============================================
، تعتبر حرب اكتوبر1973 أهم الحروب بين العرب واليهود خلال القرن العشرين ففيها ظهر ضعف جيش إسرائيل وتحطمت الأسطورة عن القوة العسكرية الاسرائيلية التي لا تقهر. وفيها تمكن المصريون من عبور قناة السويس وتحطيم دفاعات خط بارليف الحصين والذي ظن الاسرائيليون انه خط دفاعي منيع، يصعب على اي جيش في العالم اختراقه، وتمكن السوريون من تحطيم الدفاعات الاسرائيلية على جبهة الجولان، حتى ان السلاح الجوي الاسرائيلي لم يتمكن من وقف تدفق الدبابات السورية على جبهة الجولان حيث دفعت سوريا بنحو 1460 دبابة سورية لتواجه 177 دبابة اسرائيلية فقط، وبنحو 115 بطارية مدفعية في مواجهة 11 بطارية اسرائيلية. وكانت النتيجة الاولي أن انهارت الجيوش الاسرائيلية في ساعات، وليس في أيام. ولكن للأسف تدخلت أمريكا لأجل انقاذ حليفتها إسرائيل من الزوال وكانت ذلك بواسطة بناء الجسر الجوي الهائل لاعادة التوازن العسكري وإمداد بأحدث المعدات والطائرات للقوات الاسرائيلية في ميادين القتال الكتاب الذي نحن بصدده : صدر سنة 2006 عن دار شوكين بوكس الاميركية الكتاب من 38 فصلاً على امتداد 543 صفحة من القطع المتوسط. المؤلف : ابراهام رابينوفيتش، يهودي أمريكي تخرج من كلية بروكلين بنيويورك، ثم التحق بالجيش الأميركي ثم عمل صحافياً في «نيوزداي» الاميركية ثم هاجر إلي إسرائيل والتحق بالعمل في «جيروزاليم بوست». وكان محرراً عسكرياً خلال الحرب لصحيفة «جيروزاليم بوست»
ويعتمد رابينوفيتش في سرد احداث الحرب على العديد من الوثائق العسكرية الاسرائيلية التي تم رفع اطار السرية عنها، وعلى سلسلة من اللقاءات والحوارات التي اجراها مع كبار المسئولين العسكريين الاسرائيليين الذين كانوا في دائرة صنع القرار خلال الحرب.
=================================================
يقول المؤلف الاسرائيلي: إن العرب رفضوا الهزيمة في عام 1967. وخلال حرب الاستنزاف التي شنتها مصر ابتداء من مارس 1969، قتل المصريون المئات من الجنود الإسرائيليين خلال عمليات القصف المدفعي المكثف، وجري تم بناء خط بارليف خلال فترة تولي الجنرال حاييم بارليف رئاسة هيئة الأركان وظن الجيش الاسرائيلي أن الخط منيع ولا يمكن عبوره شأن خط ماجينو أوخط سيجفريد، الا انه في الواقع كان عبارة عن مجموعة نقاط صغيرة منعزلة، كل نقطة منها تتولى حراستها حامية تضم عشرين او ثلاثين جنديا فقط. وكانت هناك فجوات تصل الى عدة أميال بين كل نقطة وأخرى.
لكن لما حلقت الطائرات الإسرائيلية في العمق المصري وأغارت علي المدن فاضطر جمال عبد الناصرعلي مضض إلي قبول وقف إطلاق النار في أغسطس 1970. ومنذ ذلك الوقت ساد الهدوء جبهة قناة السويس أما على الجبهة السورية فقد استمر تبادل متقطع لإطلاق النار من وقت لآخر لكن الموقف لم يصل إلى مستوى تحدي الهيمنة الإسرائيلية علي الجولان ----------------------------------- في اول يناير 1971 عندما عقد ديفيد اليعازر رئيس الاركان الاسرائيلي الجديد اول اجتماع له مع جنرالات هيئة الاركان العامة بعد ان تولى منصب رئيس الأركان في الاجتماع قال ديفيد للحاضرين ان احتمال الحرب قوي وذلك على عكس ما كان سائدا من قبل، واعرب اليعازر عن اعتقاده بأن الرئيس المصري انور السادات ليس امامه خيار آخر اذا ما اراد تحريك اية عملية سياسية. وقال اليعازر امام الجنرالات ان اسرائيل لن تحقق اية مكاسب من نشوب حرب اخرى، واذا ما نشبت الحرب فيجب ان تنتهي بنصر اسرائيلي سريع حتى لا تؤثر اعباؤها على الاقتصاد وحتى يصاب العرب باحباط يجعلهم لا يحاولون مرة اخرى شن حرب على اسرائيل. كان خط بارليف واحدا من الموضوعات الاولى التي استعرضها اليعازر مع هيئة الاركان، وقد بنيت هذه التحصينات لحماية القوات من قصف المدفعية خلال حرب الاستنزاف. الا ان القيادة الاسرائيلية رأت امكانية أن يلعب الخط دورا في حالة حدوث هجوم مصري شامل، حيث يمكن ان يلعب دورا في ابطاء الهجوم حتى يتم توزيع قوات الاحتياط. الا ان آخرين رأوا ان هذا الخط ما هو سوى مصيدة موت. وقد اقترح الجنرال ارييل شارون الذي كان تولى منصب قائد الجبهة الجنوبية منذ عام 1970، اغلاق التحصينات والابقاء على وجود اسرائيلي في منطقة القناة من خلال دوريات واقامة مراكز مراقبة خلف الشريط المائي. وكان الجنرال ( اسرائيل طال) نائب اليعازر قد تبنى وجهة نظر مماثلة، اذ قال ان التحصينات هي بمثابة أهداف ثابتة، وينبغي اخلاؤها في حالة نشوب حرب. وابلغ اليعازر هيئة الأركان بأنه لن يعتمد على التحصينات في الدفاع عن منطقة القناة، ولكنه سيعتمد في ذلك على سلاح الدبابات، الا انه نظرا لوجود هذه التحصينات وامكانية قيامها بدور في وقف أي عملية عبور مصرية، فانه لا يرى ما يدعو الى تفكيك هذه التحصينات، خاصة وأنها يمكن ان تمثل أيضا نقاطا لمراقبة الخطوط المصرية.
ويمضي المؤلف قائلا ان المخابرات الاسرائيلية كانت تعتقد انه اذا ما نشبت حرب، فانه من المحتمل أن تكون تكرارا لحرب الاستنزاف أي ستشتمل على قصف مدفعي وغارات على نطاق محدود، بينما كان هناك سيناريو محتمل اخر وهو أن تحاول مصر الوصول الى موطئ قدم محدود في سيناء والتمسك به الى أن يتم تنفيذ وقف لاطلاق النار.
ولمواجهة هذه الاحتمالات، وضعت اسرائيل خطة دفاعية اطلق عليها اسم رمزي (كود)هو «برج الحمام». هذه الخطة الاسرائيلية تعتمدعلى فرقة سيناء المكونة من 300 دبابة، وهي فرقة مدرعة وحيدة كانت تنشرها اسرائيل في سيناء، وكذلك على السلاح الجوي الاسرائيلي المتفوق علي السلاح الجوي المصري ونتيجة للثقة الزائدة لدى القيادة الاسرائيلية، فان هذه الخطة لم تركز كثيرا على المعركة الدفاعية في حد ذاتها بل على شن هجوم مضاد سريع عبر القناة.
ففي حالة عبور مصري واسع النطاق للقناة، تقضي خطة اخرى، اطلق عليها اسم سيلا «أي الصخرة»، بنشر فرقتي مدرعات من الاحتياط خلف الخطوط ويتم تعبئتها قبل الحرب على أساس تقارير المخابرات. ولم تضع الخطتان أية تدابير مهمة للتصدي لأية محاولة هجوم مصرية، كما لو أن تدمير القوات المصرية العابرة للقناة مسألة ستتم بسرعة، ولا تتطلب وضع أية خطط بشأنها. وفي حالة عدم تلقي تحذيرات من المخابرات في وقت يتيح انتشار قوات الاحتياط قبل بدء الحرب، فانه بامكان فرقة سيناء وقف هجوم الجيش المصري، بمساعدة سلاح الطيران الى ان تصل قوات الاحتياط. ---------------------------- في يوليو 1972 استقر السادات علي قرار الحرب فقام بطرد المستشارين العسكريين السوفييت من الجيش المصري ، و اصدر اوامره لوزير الحربية الفريق محمد أحمد صادق باعداد الجيش المصري للحرب بسرعة بحلول منتصف شهر نوفمبر --------------------------------- في اغسطس 1972 وضعت القيادة الجنوبية الاسرائيلية تصورا للحرب ويقوم هذا االتصور الذي قام العسكربتطبيقه عملياً في مناورة على أساس سيناريو يتخيل سلسلة الأحداث التالية : 1- وصول تحذير من المخابرات قبل الهجوم المصري بـ 48 ساعة. 2-عبور أربع فرق مصرية لقناة السويس، 3- ستنجح فرقة سيناء في ابادة رأس الجسر المصري في غضون نصف يوم. 4-في اليوم الثالث ستصل فرقة الاحتياط الاسرائيلية الأولى الى الجبهة وتعبر القناة من نهايتها الشمالية
واعتبر المشاركون في هذه المناورة توقيت تحذير المخابرات بأنه غير منطقي نظرا لكفاءة رجال المخابرات العسكرية الاسرائيلية وان التوقيت المنطقي للتحذير هو خمسة أو ستة أيام قبل الهجوم المصري ورأى شارون ان هذه المناورة اثبتت ان فرقة سيناء يمكنها التصدي لأي تهديد مصري.
وفي ضوء ما حدث من كارثة للجيوش العربية في حرب يونيو 67 كان من الصعب علي القيادة الاسرائيلية أن تتصور أي سيناريو آخر غير ذلك ------------------------------ في أكتوبر 1972 تم تعيين ايلي زيرا رئيسا لجهاز( أمان ) وهو جهازالمخابرات العسكرية الاسرائيلية0 وقد كان إيلي يعمل قبل ذلك ملحقاً عسكرياً في السفارة الاسرائيلية بواشنطن، وعمل مساعداً لموشى ديان. --------------------------------. ففي ربيع 1973 تم رصد تحركات غير مسبوقة للقوات المصرية بمدفعيتها وبمعدات لعبور القناة وحذرت مصادر المخابرات من ان الرئيس المصري انور السادات يعتزم شن حرب وانه تم رفع حالة الاستعداد في الجيش المصري إلى حالة الاستعداد القصوى وحددت مصادر المخابرات موعد شن الحرب بيوم 15 مايو، وتم وضع القوات الاسرائيلية في حالة الاستعداد. ----------------------------------------------- وفي يوم 8 مايو 1973زارت رئيسة الوزراء الاسرائيلية غولدا مائير مقر الجيش حيث استمعت إلى العديد من الجنرالات الذين اكدوا لها ان اسرائيل ستعرف نية المصريين قبل وقت كاف للاستعداد لاي تطورات وكان من بين المتحدثين رئيس أمان (ايلي زيرا) الذي اكد لمائير ان فرص الدخول في حرب شاملة مع مصر «منخفضة جداً» إلا انه لم يوافق على هذا التقييم واصدر اوامره لهيئة الاركان باتخاذ الاستعدادات اللازمة على اساس احتمال نشوب الحرب.
وتضمنت هذه الاستعدادات نقل وحدات الدبابات بالقرب من الجبهة وتسريع انشاء وحدات جديدة وتجهيز معدات عبور قناة السويس كما لم يقتنع رئيس الموساد زفي زامير بوجهة نظر إيلي زيرا، بل رأى ان السادات يستعد لشن الحرب كما اعرب ديان عن اعتقاده بأن الحرب هي خيار معقول بالنسبة لمصر نظراً لأنها ستنهي حالة الجمود السياسي وتؤدي إلى التدخل الدولي، واذا ما بدأت الحرب فإنها ستكون شاملة.
في يوم 24 اكتوبر 1972 اعلن الرئيس المصري انور السادات امام المجلس الاعلى للقوات المسلحة انه يعتزم اتخاذ اجراء عسكري من دون انتظار وصول طائرات طويلة المدى وصواريخ سكود وقال انه يمكن تحقيق اهدافه العسكرية في سيناء بما هو متوفر بالفعل.
وعندما طلب السادات من محمد صادق في الاجتماع ان يقدم تقريراً عن استعداد الجيش، همس محمد صادق في اذن السادات قائلاً انه لم ينقل القرار إلى قيادات الجيش خوفاً من ان يتسرب الخبر لإسرائيل. فتأثر السادات وبعد ذلك بيومين اقال السادات صادق وعين مكانه الفريق احمد اسماعيل.
يقول المؤلف ان الفريق محمد صادق كان يرى ان مصر يجب ان تحقق اهدافها من خلال حرب شاملة تجبر اسرائيل على الانسحاب من سيناء وقطاع غزة، بينما كان أنور السادات يعتقد ان عبور القناة وتأمين موطيء قدم في سيناء سوف يؤدي إلى تحريك المجتمع الدولي وتدخل القوى العظمى مما يؤدي في النهاية إلى اجبار اسرائيل على الانسحاب إلى الحدود الدولية. وهذه الرؤية كان يدعو اليهاالشاذلي الذي كان قد عينه السادات قبل عام رئيساً للاركان.
استعرض وزير الحربية الجديد الفريق أحمد اسماعيل مع رئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلي خطة «جرانيت ـ 2» التي كان تقضي بعبور القناة والتقدم حتى الوصول إلى الممرات في سيناء على بعد 40 ميلاً شرقي القناة وهي خطة اعتبرها الشاذلي غير واقعية نظراً لانها ستجعل القوات المصرية خارج مظلة صواريخ سام. وقام الشاذلي بتصميم خطة اخرى عرفت باسم «المآذن الشاهقة» تحولت فيما بعد إلى خطة «بدر» وهي تقضي بتقدم الجيش المصري خمسة او ستة اميال فقط شرقي القناة، وهي مسافة تظل فيها القوات المصرية ضمن مجال بطاريات صواريخ سام. الشاذلي كان يرى ان هذه الخطة هي الخيار الواقعي الوحيد امام مصر. وافق الوزيرأحمد اسماعيل على رأي الشاذلي وطلب منه ان يواصل وضع تفاصيل الخطة ------------------ وبحلول يناير 1973 تم بالفعل استكمال وضع الخطة مصر دأبت على نشر خمس فرق مشاة على طول القناة منذ حرب 1967 كانت ثلاث فرق تنتشر في الجزء الشمالي، وهي الفرق التي كانت تشكل الجيش الثاني، بينما كانت تشكل الفرقتان المرابطتان بالجزء الجنوبي الجيش الثالث.
وكانت اي خطة مصرية تقضي بعبور القناة من نقاط على طول خط القناة البالغ مئة ميل في وقت واحد. ويشير المؤلف الى ان المخابرات الاسرائيلية علمت بالخطة المصرية باستخدام خراطيم المياه لفتح ثغرات في الحواجز الرملية بخط بارليف، وذلك بعد ان قامت السلطات المصرية بشراء مئات المضخات من بريطانيا والمانيا، الا ان مسئولي المخابرات استبعدوا امكانية تنفيذ مثل هذه الخطة، ورأوا انها غير قابلة للتطبيق.
كما كانت المخابرات المصرية تعرف الخطوط العريضة لخطة «برج الحمام» وذلك من وثائق استولت عليها خلال غارات وعمليات كوماندوز قامت بها عبر القناة، ومن خلال متابعة المناورات الاسرائيلية المتكررة على طول خط القناة وكانت خطة برج الحمام تقضي بأنه في غضون نصف ساعة من بدء القتال ستصل الموجة الأولى من الدبابات الاسرائيلية الى القناة، ولن تتمكن الدبابات المصرية من التصدي لها قبل ان تنفذ عملية هدم الحواجز الرملية واقامة الجسور على القناة. وهي عملية قد تستغرق ساعات ولمواجهة ذلك سيتعين علي المصريين وقف تقدم المدرعات الاسرائيلية من جانب جنود مشاة بأسلحة مضادة للدبابات وكان هناك سلاحان زود بهما السوفييت مصر لهذا الغرض الأول هو «آر بي جي -7» الذي يتم حمله على الكتف والذي أثبت فعاليته ضد الدبابات خاصة عند المسافات القريبة والسلاح الآخر هو «ساجر» الذي يماثل في ادائه دانة الدبابة ومعنى ذلك ان المشاة المصريين سوف يقاتلون بمفردهم خلال الساعات الأولى الحرجة من القتال، ولكنهم سوف تغطيهم نيران من تلال بناها المصريون على الجانب الغربي من القناة.
كان الاسرائيليون قد بنوا في البداية تلاً أعلى من سلسلة التلال المصرية، وكان في كل مرة يقوم فيها المصريون بتعلية تلالهم، كان الاسرائيليون يفعلون الشيء نفسه ولكن في 1972 نفذ المصريون مشروعاً ضخماً، بناء على أوامر الفريق أحمد اسماعيل، اصبحت فيه سلسلة التلال المصرية اعلى مرتين عن الحاجز الاسرائيلي وبالنسبة للدفاع الجوي اعتمدت مصر علي نظام سام للدفاع الجوي الذي زودهم به الاتحاد السوفييتي، ويعد واحداً من اقوى انظمة الصواريخ في وقتها ، وكانت تدعمه المئات من المدفعية المضادة للطائرات القادرة على ضرب اية طائرات تحلق علي ارتفاعات منخفضة لا يتمكن من نظام سام من رؤيتها
كان قد تم وضع كل تفاصيل خطة العبور، ولكن كانت هناك علامات استفهام كبيرة منها كيف سيتم تجهيل المخابرات الاسرائيلية عن الهجوم الوشيك وما هي الخطوات التي ستتخذها القوات الاسرائيلية لصد الهجوم ومدى قدرة القوات المصرية على تحمل رد اسرائيل على هذا الهجوم
موضوع: رد: استعراض كتاب رابينوفيتش عن حرب اكتوبر73 الإثنين 14 يناير 2013 - 14:39
في مايو 1973تولي الجنرال بيني بيليد منصب قائد سلاح الجو الاسرائيلي،ليجد ان الخطط الاسرائيلية الموضوعة للتعامل مع بطاريات سام معقدة وسخيفة.
فقد واجهت اسرائيل بطاريات سام ـ 2 إس خلال حرب يونيو 1967، وفقدت ثلاث طائرات فقط اسقطتها تلك البطاريات. لكن عدد البطاريات لدي العرب كان قليلاً وكان من السهل على الطائرات الاسرائيلية التي تحلق على ارتفاعات منخفضة تدميرها. ولكن خلال حرب الاستنزاف زاد عدد هذه البطاريات. وكانت كل منصة إطلاق تضم مجموعة من ستة صواريخ، كما تم تعزيزها بصواريخ سام ـ 3 إس الاكثر فعالية والأكثر صعوبة في تفاديها ----------------------- في يوليو 1970 اختبر سلاح الجو الاسرائيلي نظاماً مضاداً للصواريخ ابتكره الاميركيون لمواجهة صواريخ سام ـ 2 فوق فيتنام الشمالية. وكان هذا النظام يقوم على اساس جيوب الكترونية تبعث باشارات تضلل رادارات الصواريخ، إلا ان الطائرات المجهزة بمثل هذه الجيوب يتعين عليها ان تحافظ على تشكيل على ارتفاع محدد حتى لو اطلقت الصواريخ عليها والمشكلة هي ان الاميركيين انفسهم لم يعرفوا مدى فعالية هذا النظام في العمل ضد صواريخ سام ـ 3 ومع ذلك أصر القادة الاسرائيليون على تجربته عملياً في ميدان القتال مع مصر وقاد الكولونيل (صامويل هيتز) سرباً يضم 20 طائرة فانتوم الى منطقة عمل بطاريات الصواريخ المصرية بقصد تدميرها وقامت الطائرات بتنشيط الجيوب الموجودة تحت الاجنحة، وحلقت على ارتفاع ثابت. ونجحت الطائرات الاسرائيلية في تدمير اربع بطاريات من البطاريات العشر واصابة ثلاث بطاريات اخرى، الا ان المصريون استطاعوا قصف طائرة الكولونيل (صامويل هيتز) وهي عائدة ، ونجح الطيار الذي كان يقودها في القفز بالمظلة ليقع في أسر المصريين ، بينما نجح صامويل بصعوبة في الهبوط بالمظلة باحدى القواعد الاسرائيلية في سيناء وخرج من الطائرة قبل احتراقها 00وتساءل عن الخسائر في السرب فقيل له أن المصريون أسقطوا خمس طائرات فانتوم، والتي كانت تعد فخر سلاح الجو الاسرائيلي، وكانت تلك الحادثة قبل سريان وقف اطلاق النار بعد ذلك بثلاثة أسابيع.
وأدركت اسرائيل انها لم تعد تتمتع بأي تفوق في السماء وان التقنية الني نعمت بتفوقها من قبل على العرب قد انقلبت عليها بين عشية وضحاها وتفاقمت المشكلة عندما تمكن المصريون من تحريك اصواريخهم الى منطقة القناة ليتسع مداها جزءً من سماء سيناء.
ووسط المحاولات الاسرائيلية لتطوير نظام لتضليل صواريخ سام المنصوبة على الجانبين المصري والسوري، ظهر جيل جديد من هذه المنظومة المضادة للطائرات،وهو الصاروخ سام ـ 6، الامر الذي شكل تهديدا اكبر للطائرات الاسرائيلية.
وكانت التركيبة الالكترونية للصاروخ الجديد غير معروفة لا لإسرائيل ولا لأمريكا واستنتج سلاح الجو الاسرائيلي أنه من الممكن أن يفقد طائرة إسرائيلية أمام كل بطارية سام وفي ظل وجود 87 بطارية صواريخ على الجبهتين المصرية والسورية بالاضافة الى 95 بطارية اخرى للدفاع عن المناطق الخلفية، مثل القواعد العسكرية، فقد أدركت اسرائيل ان الثمن المدفوع من طائراتها سيكون فادحا فالاعتماد الكبير للقوات الاسرائيلية على السلاح الجوي لتحطيم جيوش العرب اصبح موضع شك.
كان سلاح الطيران الاسرائيلي يستحوذ وحده على نصف الميزانية العسكرية الاسرائيلية، وينظر اليه على أنه السلاح الأهم بين مختلف الأسلحة، وتعتمد قوات المواجهة الموزعة على طول الجبهتين المصرية والسورية على افتراض مفاده ان سلاح الطيران سوف يبطئ من تقدم القوات المصرية والسورية الى أن تصل قوات الاحتياط الى خطوط المواجهة.
============================================= كان الاسرائيليون قد أصابهم شعور بالتفوق علي العرب الضعفاء بدا واضحاً في الكلمة التي ألقاها وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان أمام مجموعة من ضباط الجيش في أغسطس 1973، والتي قال فيها إن قوة إسرائيل لا تنبع من الإمكانيات العسكرية الإسرائيلية فقط، بل من حالة الضعف التي يعاني منها العرب
اقتنع الاسرائيليون بتفوقهم على العرب واعتقدوا أن فجوة التفوق بينهم وبين العرب سوف تحتاج لأجيال لسدها. وكمثال على ذلك ما قاله عام 1970 حاييم بارليف، رئيس هيئة الاركان الاسرائيلية في ذلك الوقت: «ان الجندي العربي يفتقر الى المواصفات الضرورية لخوض حرب حديثة، ومنها رد الفعل السريع، الكفاءة الفنية ومعدل الذكاء العالي والقدرة على رؤية الأحداث بشكل واقعي».
لقد تغيرت الأوضاع النفسية لشعب إسرائيل تغيرت كثيراً بعد انتصارهم علي العرب في حرب يونيو 1967 لاحظ مسئول بجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد» كان يتولى مهمة بالخارج وعاد إلى إسرائيل بعد خمسة أعوام من حرب 1967 لاحظ أن يهود إسرائيل يعيشون حالة من الثقة الزائدة في النفس والرضا عن الذات.وأنهم يعيشون في حالة من السعادة والاسترخاء، وينعمون بمباهج الحياة وكأن هذا الوضع سيستمر إلى الأبد. كما لاحظ أن موظفي الحكومة والضباط بالجيش اقتنوا سيارات فارهة، وبدت الرفاهية مسألة مذهلة بالنسبة لشخص اعتاد على التعايش مع حياة التقشف في إسرائيل قبل حرب 1967. وذهب الإسرائيليون إلى سيناء ليس للدفاع عن «الحدود» الجديدة، ولكن لقضاء العطلات الصيفية على شواطئ سيناء الجميلة ولاحظ مسئول «الموساد» أن أعداد الضباط قد ازدادت بشكل كبير، وأصبحت القيادات العسكرية تحتل مكاناً بارزاً في الحياة العامة وانهمك كبار الضباط في توسيع مكاتبهم بما يعكس المكانة الكبيرة التي وصلوا اليها، وبدت العجرفة على تصرفات الكثيرين منهم، بل واقام البعض منهم حفلات شاركت فيها فرق الترفيه العسكرية، كل هذه الامور كانت مثيرة لدهشة المسئول الاسرائيلي الذي عاد لتوه من الخارج.
--------------
ونسي اليهود ان المصريين، اثبتوا منذ الحرب الاسرائيلية العربية الاولى في 1948، انهم مقاتلون أكفاء. وفي حرب الاستنزاف، التي شهدت غارات فدائية جريئة خلف الخطوط الاسرائيلية، اظهر الجيش المصري وجها آخر غير ذلك الوجه الذي كان عليه عام 1967.
سلاح المدرعات الاسرائيلي كان بشكل خاص ضحية لحرب يونيو 1967، فالنجاح الذي حققه هذا السلاح في اقتحام المراكز المصرية الحصينة خلال حرب يونيو عزز التصور القائل ان «الدبابة هي الملك». وكان مبدأ الدبابات الاسرائيلية يعتمد في جزء كبير على مفهوم طوره الجنرال طال خلال فترة سنواته السبع كقائد لسلاح المدرعات، وهو مفهوم اطلق عليه تعبير «شمولية الدبابة».
وكان المبدأ التقليدي، النابع من تجارب كبيرة خلال الحرب العالمية الثانية، يدعو الى اسلوب اسلحة مجمعة تتقدم فيه الدبابات تساندها وحدات من المشاة والمدفعية بحيث يحمي المشاة الدبابات من القوات البرية المعادية، بينما تقدم المدفعية الحماية للدبابات والمشاة على حين تسبق فرق المهندسين الجميع لتطهير المنطقة من الالغام وازالة اية عقبات اخرى.
الا ان طال اعتقد انه في معارك الصحراء بالشرق الاوسط فانه بمقدور الدبابة ان تقوم بالمهمة بمفردها، على ان تتحرك بسرعة لتقليل تعرضها لنيران القوات المواجهة لها، ولا تتوقف حتى تحطم الخطوط الدفاعية وعلى الرغم من ذلك فقد كان هناك الكثير من المنتقدين لهذا الاسلوب وقال بعضهم ان حرب 1967 لا تثبت بالضرورة امكانية تطبيقه على حروب اخرى. -------------------------- وفي 1972 عندما طلب سلاح المشاة الاسرائيلي تدبير اسلحة افضل ومن بينها بنادق واسلحة مضادة للدبابات، قال طال الذي كان قد اصبح في ذلك الوقت نائبا لرئيس الاركان ان البنادق البلجيكية المتوافرة لدى افراد السلاح كافية وبالنسبة للاسلحة المضادة للدبابات، قال ان القوات الاسرائيلية تمتلك بالفعل افضل منظومة مضادة للدبابات في العالم. ------------------------------------------- ويشير المؤلف الى ان حصول المصريين والسوريين على صواريخ «ساجر» المضادة للدبابات لم يقلق الاسرائيليين كثيرا فقد تعاملوا مع عدد من هذه الصواريخ خلال تبادل لاطلاق النار عبر الخطوط اثناء حرب الاستنزاف، واعتبروها مجرد سلاح آخر مضاد للدبابات، جنبا الى جنب مع الاسلحة التقليدية الاخرى، وبالتالي فان الامر لا يستدعي تعديلا اساسيا في العقيدة القتالية التي يتبعونها وهو خطأ آخر ترتكبه القيادة الاسرائيلية نتيجة لترهل التفكير.
وفي الواقع فإن الصاروخ «ساجر» غير مفهوم ساحة القتال وبخلاف المدفعية التقليدية المضادة للدبابات، فان جنديا واحدا بامكانه استخدام «ساجر» الذي لا يحتاج الى اشجار ليختفي وراءها بل يمكن استخدامه من وراء كومة صغيرة من الرمل او حفرة سطحية وتصويبه من مسافة قصيرة على رتل من الدبابات، كما يمتاز بسهولة استخدامه وامكانية اصابته للدبابة من مسافات تماثل مسافات مدفع الدبابة ذاتها.
من الجوانب الاخرى التي طرأت على التقدم الفني للجيوش العربية الحصول على اجهزة الاشعة تحت الحمراء اللازمة للقتال الليلي، وهي الاجهزة التي كانت حكرا على القوات الاسرائيلية حتى مطلع السبعينيات، عندما تم تجهيز الدبابات السوفييتية لدى مصر وسوريا بشاشات واضواء اشعة تحت الحمراء.
كما تم توزيع اجهزة رؤية ليلية بين وحدات المشاة، ولم تتراجع اسرائيل عن استخدام اجهزة القتال الليلي، ولكنها فضلت عدم استخدام مثل هذه الاجهزة التي يمكن رصدها بتلسكوبات تعمل بالاشعة تحت الحمراء، الا ان النتيجة كانت، كما يرى المؤلف، ان الجيوش العربية اصبحت مجهزة بمعدات الرؤية الليلية، بعكس القوات الاسرائيلية التي تخلت عن مثل هذه الاجهزة.
في البحرية الاسرائيلية
يقول ابراهام رابينوفيتش ان البحرية الاسرائيلية افلتت من حالة الرضا عن الذات التي سيطرت على بقية اسلحة القوات الاسرائيلية، بعد حرب يونيو، خاصة وان سفنها العتيقة التي يعود تاريخ انتاجها الى الحرب العالمية الثانية لم تشارك فعليا في القتال.
وتنظر المؤسسة العسكرية الاسرائيلية الى سلاح البحرية على انه مجرد حرس سواحل، ورأت انها غير مستعدة لانفاق أموال طائلة لبناء اسطول حديث. وكان واضحا للجميع ان مصير اسرائيل يعتمد على القوات البرية والسلاح الجوي، وان ما يحدث في البحر لن يؤثر بشكل أو آخر على سير المعارك. إلا انه خلال الستينيات استثمر سلاح البحرية الاسرائيلي الكثير من المال والجهد لاستحداث نظام صاروخي بحري وزوارق لاطلاق النظام.
واستغرق الامر 13 عاما من العمل لتطوير الصاروخ ـ الذي أطلق عليه اسم «جابرييل». وخلال العمل على المشروع علمت اسرائيل ان السوفييت طوروا زوارق صاروخية وزودوا بها قوات البحرية المصرية والسورية. وبعد أشهر من حرب يونيو ظهرت الزوارق الصاروخية المصرية في ميناء بور سعيد، ونجحت هذه الصواريخ المحمولة بحرا في اغراق المدمرة الاسرائيلية «ايلات». يقول المؤلف ان العرب استفادوا كثيرا من هزيمة 1967، بعكس اسرائيل التي غرقت في الاحساس بالرضا والتفوق.
وراح العرب بعد يونيو 1967 يجتهدون في الاجابة على الأسئلة المتعلقة بأسباب التفوق الاسرائيلي في الجو وعلى الارض، وتم ايفاد ألوف الضباط العرب لتلقي دورات عسكرية متقدمة في الاتحاد السوفييتي، كما تم تدريب ضباط المخابرات على أساليب عمل المخابرات الحديثة واعطائهم دورات مكثفة في تعلم اللغة العبرية، مما سمح لهم برصد الاتصالات الاسرائيلية.
وبذلك نجد ان الانتصار أدى الى جمود التفكير الاسرائيلي في الوقت الذي أدت النكسة الى تنشيط التفكير العربي. وتخلص العرب من الشعارات الطنانة التي سادت الحروب السابقة وراحوا يستعدون للحرب المقبلة بكل هدوء ونشاط.ويرى المؤلف ان حالة الاسترخاء على الجانب الاسرائيلي كانت واضحة للغاية، خاصة وان القيادة الاسرائيلية شعرت بالثقة في انها ستتلقى من جهاز المخابرات انذارا بتحرك القوات العربية قبل فترة تكفي لتعبئة الاحتياطي، الذي يشكل ثلثي القوة القتالية الاسرائيلية، بل واعتقدت انه في أسوأ الأحوال فإن سلاح الجو سوف يمنع تقدم أي هجوم عربي في حالة عدم تلقي انذار من المخابرات في الوقت المناسب.
وهذا الاعتقاد كان سائدا على الرغم من ان حرب الاستنزاف انتهت من دون معرفة كيفية مواجهة أو تحييد صواريخ سام المضادة للطائرات. بل ان هيئة الاركان الاسرائيلية لم تضع أية خطة طوارئ في حالة تعرض فرقة سيناء الاسرائيلية لهجوم مفاجئ من جانب خمس فرق مصرية بدون وصول قوات الاحتياط ودعم السلاح الجوي.
وثمة سيناريو أسوأ لم تضعه القيادة الاسرائيلية العليا في اعتبارها، وهو التكتيكات المصرية المبتكرة لاصابة سلاح المدرعات الاسرائيلي بالشلل. وفي حالة حدوث واحد من هذه السيناريوهات الثلاثة فسوف تتعرض القوات الاسرائيلية لتحد كبير، أما اذا حدثت السيناريوهات الثلاثة كلها ـ وهي تحييد المخابرات والسلاح الجوي والمدرعات ـ فإن اسرائيل ستواجه كارثة لا محالة.
ديان لا يتوقع حربا
على الرغم من كل ذلك، فإن أحدا داخل القيادة الاسرائيلية لم يكن مقتنعا بامكانية نشوب حرب، بل ان وزير الدفاع الاسرائيلي موشى ديان قال في مقابلة مع مجلة «تايم» انه لا يتوقع نشوب حرب خلال السنوات العشر المقبلة.
وفي واشنطن، قال محلل شاب في مكتب المخابرات والابحاث التابع لوزارة الخارجية الاميركية في مذكرة قدمها في مايو 1973 ان الرئيس المصري أنور السادات قد استنفد بدائله السياسية، وان امكانية نشوب حرب اسرائيلية ـ مصرية في غضون ستة أشهر تزيد على 50%.
وفي اسرائيل، ساد الاعتقاد بأنه اذا نشبت الحرب فسوف يلقى العرب هزيمة اخرى، قد يقبلون بعدها بشروط اسرائيل. وقال الجنرال اليعازر خلال اجتماع في منزل جولدا مائير يوم 18 ابريل «اذا ما نشبت الحرب، فسوف نحقق انتصاراً في غضون اسبوع او عشرة ايام تجعل العرب يحتاجون الى خمس سنوات ليرفعوا رؤوسهم مرة أخرى».
كانت جولدا مائير لا تعتبر الحرب فرصة استراتيجية، ولكنها خيار يتعين تجنبه. وقالت خلال الاجتماع نفسه انه اذا ما تزايد احتمال نشوب الحرب، فينبغي احاطة الاميركيين علماً حتى يتدخلوا وينزعوا فتيلها. وقال مستشارها السياسي اسرائيل جاليلي ان خطر نشوب الحرب سببه عدم رغبة اسرائيل في الانسحاب الى حدود 1967، واشار الى الاجتماع الذي عقد بين حافظ اسماعيل مستشار الرئيس المصري وهنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي في فبراير قائلاً: «اذا اعتبرتم ما قاله حافظ كنقطة انطلاق، فإن المصريين على استعداد للسلام، اذا وافقت اسرائيل على الانسحاب الكامل الى الحدود السابقة».
ومرت الأسابيع ولم ترصد المخابرات الاسرائيلية أية دلالات خطيرة على الرغم من التقرير الذي قدمته يوم 24 أغسطس بحصول مصر على سلاح الردع الذي كان يسعى اليه السادات منذ فترة وهو صواريخ سكود أرض ـ أرض التي يبلغ مداها 200 ميل الأمر الذي يعني امكانية ضربها لتل ابيب من دلتا النيل وسيستغرق الأمر أربعة اشهر على الأقل من التدريب قبل ان يسلمها السوفييت للأطقم المصرية وعلى طول جبهة القناة، لم يتغير اي شيء، وبدا الجنود المصريون في حالة استرخاء، بل شوهد البعض منهم يصطاد السمك من مياه القناة.
ويقول مؤلف الكتاب ان الرئيس المصري سعى في خطبه السياسية الى التلميح الى ان خيار الحرب قد تم تأجيله للمستقبل المنظور، وذلك في اطار استراتيجية مصرية تم الشروع فيها في مايو مع انشاء لجنة وزارية للخداع وتم عمداً نشر شائعات بشأن الصيانة الرديئة لمنظومات الأسلحة المصرية، وهي الشائعات التي رددتها الصحف الاجنبية.
وكذلك عدم قدرة الأطقم المصرية على تشغيل صواريخ سام بل ان وزير الحربية المصرية أعلن خلال زيارة لرومانيا ان القوة العسكرية المصرية ليست كافية للدخول في مواجهة مع اسرائيل وكان العنصر المحوري في سياسة الخداع المصرية هو قدرة السادات على قصر المعلومات الخاصة بالحرب المقبلة على عدد محدود من المسئولين المدنيين والعسكريين.
وعن خطة حرب اكتوبر يمضي المؤلف الاسرائيلي قائلاً انه تحت قيادة الفريق عبدالغني الجمسي قامت هيئة عمليات الجيش المصري بدراسة مواعيد المد في القناة والتقويم اليهودي من اجل اختيار موعد دقيق لشن الهجوم كان المخططون يريدون شن الهجوم اثناء ليلة طويلة لعبور القناة نصفها تحت ضوء القمر والنصف الآخر في الظلام بحيث يتم تجميع الجسور تحت ضوء القمر، بينما تعبر الدبابات تحت جنح الظلام، حتى لا ترصدها الطائرات الاسرائيلية.
وكان احد الأيام المناسبة للعبور خلال شهر اكتوبر هو اليوم الموافق لعيد الغفران الاسرائيلي، وضع المخططون دائرة حول يوم 6 اكتوبر، واشاروا الى ان هذا اليوم سيحقق الكثير من الفوائد، أهمها ان الاذاعة والتلفزيون ستتوقفان عن البث، وهما الاداة الأساسية لتعبئة قوات الاحتياط الا ان المؤلف يرى ان «يوم كيبور» كان يمكن في الوقت نفسه ان يكون أسوأ موعد بالنسبة للعرب.
اذ انه بخلاف اي يوم آخر في السنة فإنه من السهل العثور على افراد الاحتياط اما في منازلهم او في اي معبد قريب من محل اقامتهم كما انه في ظل عدم وجود اية حركة مرور في الشوارع الاسرائيلية فإنه يصبح من السهل على افراد الاحتياط الالتحاق بوحداتهم بسرعة.كما يوافق اكتوبر شهر رمضان، وهو ما اعتبره المخططون المصريون ميزة أخرى، إذ ان الاسرائيليين سوف يستبعدون إمكانية شن الهجوم خلال هذا الشهر.
على الجبهة السورية
يوضح المؤلف أن السوريين كانوا ينشرون في العادة ثلاث فرق على طول جبهة الجولان. وفي ابريل 1973 تم سحب هذه الفرق في عملية تدريب سنوية لتعود مرة أخرى في منتصف الصيف. وبحلول منتصف سبتمبر تزايد عدد الدبابات وقطع المدفعية بصورة أكبر من أي وقت مضى. كان أكثر ما يقلق الاسرائيليين، وخاصة الميجور جنرال اسحاق هوفي قائد القيادة الشمالية وهو وجود بطاريات صواريخ «سام 6» منذ شهر أغسطس، الأمر الذي يعني عدم قدرة سلاح الطيران الاسرائيلي على التعامل مع القوات البرية السورية.
وكانت الطائرات الاسرائيلية قد أوقفت بالفعل طلعاتها فوق الجولان حاول الجنرال زيرا رئيس المخابرات تهدئة هوفي وطمأنته بأن الوضع تحت السيطرة وعلى الرغم من التعزيزات السورية فقد قال زيرا إن العرب يدركون انه ليست أمامهم فرصة للانتصار في حرب ضد إسرائيل، وان الأمر سيتطلب عامين آخرين قبل أن يكون لدى مصر طائرات وصواريخ سكود بعيدة المدى تكفي لمجرد التفكير في شن حرب، أما بالنسبة لسوريا فإنها لن تخوض حرباً بدون مصر.
إلا أن هوفي لم يشعر بالاطمئنان، فالانتشار السوري يتزايد يوماً بعد آخر وقد تحركت المدفعية التي عادة ما تتمركز في المؤخرة الى مواقع أمامية وليس لهذا معنى سوى أن السوريين يعتزمون استخدامها لدعم القوات التي ستتقدم نحو الجولان وبلغ عدد الدبابات السورية في مواجهة الخطوط الاسرائيلية 800 دبابة بينما كان كل ما لدى هوفي هو لواء مدرع ضعيف يضم 77 دبابة فقط ومئتي جندي مشاة موزعين على عشر مراكز صغيرة منتشرة على طول خط المواجهة.
ولا يفصل بين الجيشين سوى 200 إلى 400 ياردة. وعلى الرغم من ذلك كان هوفي مقتنعاً بأن سلاح الطيران يمكن أن يعوض التفوق السوري في مجال القوات البرية، وأن الطائرات الاسرائيلية ستتمكن من وقف الهجوم السوري إلى أن تصل قوات الاحتياط إلا أنه مع نشر بطاريات «سام 6» في مواقع متقدمة، فإن سلاح الطيران أصبح الآن خارج الصورة، خاصة في لحظات بدء الهجوم الحرجة.
وقرر الجنرال هوفي نقل قلقه إلى زملائه في الاجتماع الأسبوعي لهيئة الأركان يوم 24 سبتمبر الذي تصادف أن حضره ديان. وكان الموضوع الرئيسي المطروح على جدول أعمال الاجتماع هو اقتراح الحصول على طائرات «اف 15» الأميركية كان هوفي أول المشاركين الذين تقرر أن يعلقوا على هذا الاقتراح. قال هوفي «قبل أن أعبر عن رأيي بشأن الحصول على الطائرات أو عدم الحصول عليها، فإنني أود التحدث عن أمر آخر.
إن الموقف على الجولان خطير للغاية. لقد أصبح السوريون مستعدين للهجوم في أي لحظة بدون سابق إنذار وليس هناك عمق يسمح لقواتنا بالتصدي للهجوم إن نشر صواريخ «سام 6» يعني حرماننا من الدعم الجوي، وأعتقد أن السوريين أكثر خطراً على إسرائيل من المصريين»لا أن المناقشات حول الطائرات وقضايا استراتيجية أخرى استمرت من دون التعليق على ملاحظات هوفي.
يقول المؤلف إن وجهة نظر هوفي بشأن خطورة الجيش السوري صحيحة تماماً، على الرغم من أن هذا الجيش ليس في قوة الجيش المصري الذي سيتعين عليه عبور القناة وتجاوز خط بارليف أما السوريون فإنهم على بعد 20 ميلاً فقط من قرى وبلدات في الجليل وأكثر قرباً إلى مستوطنات في هضبة الجولان نفسها وليس هناك حاجز مائي يبطئ تقدمهم وبالتالي فإن بمقدورهم اذا قاموا بهجوم مفاجئ ان يكونوا داخل الاراضي الاسرائيلية في غضون ساعات.
وقلل اليعازر من خطورة تعليقات هوفي وقال: «انني لا اوافق على احتمال ان يقوم السوريون بغزو الجولان، كما ان القوات المرابطة في الهضبة كافية للتصدي لأي هجوم محدود اما اذا شن هجوم شامل، فإنه من المؤكد ان ترصد أجهزة المخابرات ذلك، وترسل باشارات في الوقت المناسب الذي يسمح بوصول تعزيزات الى الجبهة مع سوريا». -------------------- وفي صباح يوم 26 سبتمبر1973 اجتمع اليعازر مع هيئة الاركان لبحث ما يمكن القيام به لتعزيز الجبهة مع سوريا وقال اليعازر للجنرالات «لقد تلقينا معلومات من مصدر واسع الاطلاع تفيد بأن الجيش السوري يستعد لشن حرب في اية لحظة ولا نعرف ما اذا كان هناك اي نوع من التنسيق مع مصر».
الا ان هوفي نفسه استبعد احتمال قيام السوريين بشن حرب شاملة ورد اليعازر قائلاً: «من غير المعقول التفكير بأن السوريين سوف يقومون بهجوم بدون مصر، الا انه من غير المستبعد ان يقوموا بهجوم محدود ولذلك فقد قررنا ارسال سريتين من اللواء المدرع السابع المتمركز في الجنوب الى الجولان، ليرتفع عدد الدبابات على الجولان الى مئة دبابة في مقابل 800 دبابة سورية واعتقد ان هذا يكفي!» كما تم ارسال بطارية مدفعية الى الجولان، وصدرت اوامر الاستعداد للقوات الجوية وعدد من الوحدات البرية.
وفي الساعة التاسعة صباحاً انضم ديان الى الاجتماع، ولخص اليعازر الخطوات التي تم اتخاذها قائلاً: «اعتقد ان السوريين سوف يشنون هجوماً بمفردهم، ولن تكون هناك حرب على الجبهتين المصرية والسورية واعتقد ان كل الدلالات تشير الى ذلك، وبالتالي فإننا لن نقوم باستعدادات لمواجهة حرب شاملة من اجل منع حرب على جبهة الجولان».
ووافق ديان على ان نشوب حرب شاملة امر غير محتمل، لكنه اشار الى ان السوريين لن يواجهوا حاجزاً كبيراً للوصول الى الخطوط السورية، وعلينا ان ندرك ان هناك بعض الروس الذي يقدمون لهم الاستشارات الفنية». وابلغ وزير الدفاع اليعازر بأنه يعتزم بعد الاجتماع التوجه الى الجولان وينقل رسالة الى السوريين من خلال الصحافيين الذين يقومون بتغطية الزيارة كما قال انه يرغب ايضاً في اعداد الرأي العام الاسرائيلي لمثل هذا الاحتمال حتى لو كان مستبعداً.
حاول اليعازر إثناء ديان عن القيام بهذه المرحلة على اساس انه سيصيب الاسرائيليين بالذعر خلال فترة الاعياد والاجازات، لكن ديان اصر قائلاً:«يجب ان يكونوا مستعدين لكل الاحتمالات» ولدى وصول ديان إلى الجولان صرح للصحافيين قائلاً: «إذا اراد السوريون شن هجوم على اسرائيل، فعليهم ان يعرفوا ان ضرراً سيلحق بهم اكثر من الضرر الذي سيلحق بنا».
مرت اجازة عيد «روش هاشان» من دون وقوع اي احداث خطيرة، بينما ظل رجال المخابرات منهمكين في متابعة التطورات على الجبهة المصرية الهادئة حتى ذلك الوقت وفي يوم 25 سبتمبر نقلت المخابرات إلى القوات الاسرائيلية ان القوات المصرية تتحرك باتجاه قناة السويس وفي 28 سبتمبر تم رفع حالة الاستعداد بين صفوف القوات الجوية والبحرية وبعض الوحدات البرية المصرية.
وارجعت المخابرات الاسرائيلية في بداية الامر هذه التحركات إلى الخوف من هجوم اسرائيلي له علاقة بمعركة جوية مع السوريين إلا ان المخابرات تراجعت وقدمت تفسيراً آخر للتحركات وقالت ان المصريين يخططون لمناورة كبرى في منطقة القناة خلال الفترة من 1 ـ 7 اكتوبر اطلقت عليها اسم «تحرير 41».
موضوع: رد: استعراض كتاب رابينوفيتش عن حرب اكتوبر73 الإثنين 14 يناير 2013 - 14:42
كان عدد أفراد الجيش المصري 650 ألف جندي ، بينما كان قوام الجيش السوري 150 ألف جندي كما اشتركت في الحرب وحدات من دول عربية مثل العراق والأردن بإجمالي 100 الف جندي بينما تكون جيش إسرائيل من 375 ألف جندي اسرائيلي من بينهم 240 ألفاً من افراد الاحتياط.
ويشير المؤلف إلى ان عدد الدبابات الاسرائيلية كان يبلغ 2100 دبابة، وهو مايعادل نحو نصف عدد الدبابات المصرية (2200) والسورية (1650). وتم الاتفاق على أن ترسل العراق والاردن 650 دبابة أخرى بعد بدء الحرب. وكان لدى اسرائيل 359 طائرة حربية على خطوط الجبهة في مقابل 680 طائرة من بينها 400 طائرة لدى مصر و280 لدى سوريا.
وإذا لم تقم اسرائيل بتعبئة الاحتياطي، فإن الوضع في بداية الحرب سوف يكون لصالح العرب تماماً. فالمئة ألف جندي مصري والـ 1350 دبابة المرابطون غربي القناة سيكونون في مواجهة 450 جندياً اسرائيليا موزعين على حصون خط بارليف و91 دبابة اسرائيلية في منطقة القناة، بالاضافة إلى 200 دبابة اخرى في اعماق سيناء.
---------------------------------------
طلب الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان المصري من القيادة السياسية المصرية ابلاغه بموعد الحرب قبل 15 يوماً للقيام بالاستعدادات الاخيرة، لكنه حصل منها على 14 ليلة، وهو الأمر الأهم، إذ يتم خلال الليل تحريك أرتال العربات المدرعة من القاهرة عبر الصحراء إلى مناطق القتال على طول قناة السويس. ------------------------------------- في 22 سبتمبر1973 اجتمع الرئيسان حافظ الاسد وأنورالسادات سراً في دمشق، واتفقا على شن الحرب يوم 6 أكتوبر، لكنهما لم يتفقا في البداية على ساعة الصفر، فقد كان الأسد يريد أن تكون الساعة هي السابعة صباحاً حتى تكون الشمس في مواجهة القوات الاسرائيلية فتعوق الرؤية، بينما أراد السادات شن الهجوم قبل الغروب حتى يتمكن المهندسون من مد الجسور على القناة والعبور في الظلام.
وبالنسبة للمدفعية الثقيلة فان المصريين يتفوقون على الاسرائيليين على طول خط القناة بنسبة تصل إلى 40 إلى 01 وعلى الجبهة الشمالية يتمتع السوريون بتفوق في عدد الدبابات تبلغ نسبته 8 إلى 1 بينما تزداد النسبة كثيراً في سلاحي المشاة والمدفعية، لكن هذه النسبة ستتراجع كثيراً مع وصول أفراد الاحتياط إلى خطوط الجبهة. ------------------------------------------------------------------- وخلال شهر سبتمبر قامت مصر بتعبئة الاحتياطي بصورة متكررة، حتى تعتاد المخابرات الاسرائيلية على هذه النداءات، وحتى يتم اتقان مهمة الاستدعاء. وفي الاسبوع الأخير من سبتمبر تم استدعاء نحو 120 فرداً بالاحتياط، وفي يوم الرابع من اكتوبر تمت اعادة 20 الفاً الى منازلهم في خطوة كان هدفها تضليل الاسرائيليين. كما ابلغ المصريون الخبراء السوفييت بأنهم يتخذون اجراءات وقائية تحسباً لهجوم اسرائيلي محتمل علمت به المخابرات المصرية. يقول المؤلف ان المخابرات الاسرائيلية رصدت أول تحركات كبرى للقوات المصرية ليلة 24 ـ 25 سبتمبر. شملت التحركات فرقة بكاملها كانت تنتقل الى خارج القاهرة ترافقها قوات كثيفة من الشرطة العسكرية. وتم رصد تحركات مماثلة على مدى الليالي التالية. ------------------------------------------------------------- وفي 28 سبتمبر1973 ألقى الرئيس السادات خطاباً في ذكرى وفاة عبدالناصر، وفسرت المخابرات الاسرائيلية بعض عباراته على انها اشارة إلى ان الرئيس المصري يريد ان يقول لمواطنيه ان الوقت ليس مناسباً لمواجهة اسرائيل الا ان الحقيقة هي ان السادات التزم الصمت تجاه التطورات على الجبهة، ولم يشر في خطابه إلى ضرورة الحرب او النضال من اجل استعادة الاراضي المغتصبة، كما كان يردد من قبل في معظم خطاباته، وهو الامر الذي يصب في سياسة التضليل التي انتهجتها القيادة المصرية ----------------------------------------------- واصلت المخابرات العسكرية الاسرائيلية تزويد القيادة العسكرية والسياسية الاسرائيلية بالتطورات المتلاحقة من خلال نشرات كانت تصدر عدة مرات في اليوم الواحد. وفي 30 سبتمبر ذكر تقرير للمخابرات ان مناورة عسكرية مصرية واسعة النطاق سوف تبدأ في اليوم التالي، وتنتهي في 7 اكتوبر. وسوف تشمل المناورة تعبئة الاحتياطي وبناء التحصينات وتحريك القوات وتعبئة قوارب الصيد المدنية لتكون وسائل لنقل الجنود.
وبالتالي نرى ان كل التحركات غير العادية للجيش المصري وضعتها المخابرات العسكرية والقيادة العليا في اسرائيل ضمن اطار المناورات، ومن بينها الغاء الاجازات وتشديد الحراسة على مراكز القيادة الامامية وهكذا فإنه بتفسير التحركات غير العادية للجيش المصري على انها جزء من مناورة عسكرية يكون نظام الانذار المبكر الاسرائيلي قد توقف عن العمل وانهار.
وخلال شهر سبتمبر، تلقت اسرائيل 11 انذاراً من مصادر رفيعة. إلا ان ايلي زيرا رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية واصل اصراره على ان الحرب ليست خيار العرب. وايد زيرا في موقفه نائبه البريجادير جنرال آري شاليف ورئيس القسم المصري بالمخابرات اللفتنانت كولونيل يونا باندمان.
وبصورة عامة فقد اعتقد كبار رجال المخابرات الاسرائيلية انهم يعرفون الامور على حقيقتها، وهو الاعتقاد الذي جعلهم يرفضون كل الانذارات التي وصلت اليهم من مصادر مهمة واظهر زيرا ورجاله مقدرة على ابداء مدى براعتهم في الالتزام بالصورة القديمة التي رسموها عن القوات المصرية والسورية، على الرغم من الكم الهائل من الاشارات التي تشير الى عكس ذلك.
وكانوا يفندون كل معلومة تتعارض مع نظريتهم، ويدافعون عن كل رأي يؤكد هذه النظرية. ويتضمن ذلك المعلومات الخاطئة التي سربتها مصر والتي كان يتعين الشك فيها نظراً لانها تأتي من قنوات يدرك المصريون بوضوح ان المخابرات الاسرائيلية ترصدها مثل الصحف العربية وقد تشبث زيرا ومساعدوه بوجهة نظرهم على الرغم من تعارض سياسة الخداع المصرية مع الأدلة الدامغة على الاستعدادات لشن الحرب والتي كانت تجمعها المخابرات العسكرية الاسرائيلية بشكل يومي.
ويقول المؤلف ان سياسة الخداع نجحت بشكل يفوق التوقعات المصرية لان قيادة المخابرات العسكرية الاسرائيلية كانت مستعدة للتعايش مع خداع الذات. وقد قال زفي زامير رئيس الموساد امام لجنة التحقيق بعد انتهاء الحرب «اننا لم نشعر بقدرتهم على شن حرب».
وتصاعدت وتيرة الاستعدادات وتزايدت دقات طبول الحرب خلال الايام الاخيرة من شهر سبتمبر، ومررت المخابرات الاميركية تقريراً من مصدر اعتبرته واسع الاطلاع جاء فيه ان السوريين يستعدون لاستعادة هضبة الجولان عبر هجوم وشيك للغاية وفي صباح اليوم التالي، عقد اليعازر اجتماعاً مع كبار مسئولي هيئة الاركان لبحث التقرير، الذي لم يلق اهتمام معظم الضباط، وظل الاجماع السائد أن سوريا لن تخوض حرباً بدون مصر، وان المخابرات العسكرية الاسرائيلية تؤكد ان مصر لن تخوض حرباً.
وان اكثر ما يمكن توقعه من سوريا هو ضربة محدودة، رداً على معركة جوية جرت يوم 13 سبتمبر. ولم تكن هناك أصوات تعارض تلك النظرية سوى صوت الجنرال ( طال )نائب رئيس الاركان الذي قال ان كل الدلالات تشير الى ان الحرب سوف تنشب على هضبة الجولان، ومن هذه الدلالات الانتشار الكثيف للدبابات السورية الامر الذي سيعني امكانية نشوب الحرب دون أي انذار آخر، كما تغطي صواريخ سام كل الجبهة، لقد تغير توازن القوى على الارض والشيء الوحيد الذي يمكن ان يعوق سوريا من الهجوم هو السلاح الجوي. وقد اعتقد طال، مثال اليعازر، ان السلاح الجوي يمكن ان يعالج مشكلة صواريخ سام.
كانت الاحوال الجوية مشكلة أخرى، خاصة مع بدء فصل سقوط الامطار. وقال طال «انه اذا ما تم تحييد السلاح الجوي، فإنه سيكون بمقدور السوريين التقدم داخل الجولان ولن تكون امامنا اية فرصة» ودعا طال الى تعزيز جبهة الجولان ببقية اللواء السابع وبكتيبة مدفعية لم يتفق اليعازر مع تقويم نائبه، لكنه وافق على إرسال المزيد من سرايا الدبابات والمدفعية.
لم يشعر طال بالارتياح بعد اجتماع هيئة الاركان واتصل هاتفياً بزيرا، وطلب منه ان يواصل معه ومع شاليف مناقشة الموضوع في مكتب رئيس المخابرات وعندما تم اللقاء قال طال ان الامر الوحيد الذي يمنع اليعازر من اصدار امر التعبئة هو تقويم المخابرات العسكرية لاحتمال نشوب الحرب بأنه «احتمال ضئيل».
رفض زيرا طلب طال باعادة النظر في هذا التقويم وقال له انه فيما يتعلق بفهم نوايا العدو فإنه وليس تال الخبير في هذا الصدد رد طال قائلاً انه خبير في حرب المدرعات واذا ما شن السوريون هجوماً مفاجئاً فإنه لن تكون أمام القوات الاسرائيلية على الجولان فرصة لوقف الهجوم.
وفي الساعة الثانية من صباح الاول من اكتوبر، تلقت المخابرات العسكرية الاسرائيلية تقريراً من مصدر موثوق فيه، يفيد بأن الحرب ستنشب اليوم على الجبهتين المصرية والسورية
واشار التقرير الى ان المناورة المصرية التي ستبدأ عند الفجر سوف تتطور الى عبور فعلي للقناة لم يجد زيرا في التقرير ما يدعو الى ايقاظ اليعازر أو ديان وفي الاجتماع الصباحي لهيئة الاركان قال زيرا «لقد أرحتك من الاستيقاظ بعد منتصف الليل» لم يرد اليعازر، لكن ديان بعث بمذكرة الى زيرا خلال الاجتماع يحمله مسئولة عدم نقل التحذير اليه على الفور رد زيرا قائلاً انه قضى هو ورجاله الليل يدرسون التقرير، ووجدوا عند الصباح انه لا اساس له من الصحة.
وقال زيرا امام المشاركين بالاجتماع ان فرق المشاة الميكانيكية المصرية تم نقلها الى القناة وكذلك وحدات الجسور والقوات المحمولة جواً. وهناك مصادر عديدة تقول ان المناورة سوف تتطور الى حرب وهذا الامر نرى انه غير محتمل على الرغم من سعة اطلاع مصادرنا.لم يدرك اليعازر وديان ان التقويم الذي قدمه زيرا وشاليف لا يلقى موافقة كل الهيكل القيادي للمخابرات العسكرية.
فقد اصر عدد من المنشقين عليهما ان الدلالات تتحدث بوضوح عن نشوب حرب وشيكة على الجبهتين المصرية والسورية إلا ان رئيس القسم السوري اللفتنانت كولونيل يعاري اقتنع بتقويم المخابرات العسكرية بأن مصر لن تخوض حرباً وبالتالي سوريا وكانت المخابرات الاسرائيلية «الموساد» قد مررت تقريراً، في الساعات الاولى من صباح اليوم الاول من اكتوبر، يحذر من حرب على جبهتين، كما اكدت مصادر رفيعة عديدة التحذير نفسه.
وكان الكولونيل يويل بن بورات رئيس قسم الاشارة في المخابرات العسكرية، وهو القسم الذي يلتقط الاتصالات اللاسلكية في العالم العربي، واحداً من الذين نجح السادات في تضليلهم بكلمات خطابه الهادئة في 28 سبتمبر فقد استمع بورات لخطاب السادات وهو مسترخ على أحد شواطيء تل أبيب وبجانبه راديو ترانزستور وقال بورات لزملائه في اليوم التالي «لقد استمعت إلى خطاب السادات، لقد تحدث عن الأشجار والأحجار وكل شيء ماعدا الحرب».
ولكن بعد ذلك تناول تقارير المصادر بجدية وطالب بتنشيط أجهزة الاستماع الحساسة، وهي اجهزة لا تستعمل سوى في حالات الطواريء، الا ان شاليف قال له ان زيرا لم يرد حتى الآن على طلبه وعندما التقى بورات بزيرا طلب منه التصريح بتعبئة مئتي فرد من الاحتياط بجهاز المخابرات العسكرية رد عليه زيرا بشكل قاطع: «أصغ إليّ جيداً ان مهمة المخابرات هي حماية الأعصاب، لا اثارة ذعر الرأي العام ولا تقويض الاقتصاد.
إنني لن اسمح لك بمجرد التفكير في تعبئة فرد واحد من الاحتياط». عندئذ طلب بورات تنشيط أجهزة الاستماع الحساسة، لكن زيرا رفض أيضاً هذا الطلب. تساءل بورات «إذن ما سبب وجود مثل هذه الأجهزة اذا لم نستغلها في ظروف مثل تلك التي نواجهها؟» رد زيرا قائلا: «إن الظروف التي تراها ليست هي التي أراها».
-----------------------------------------------
في 28 سبتمبر1973، تلقى شابتاي بريل ضابط العمليات في قسم الاستماع بالمخابرات العسكرية تقريراً يفيد بأن سوريا حركت سربين من القاذفات من طراز سوخوي الى قاعدة جوية متقدمة، وهي خطوة لم يتم رصدها منذ حرب يونيو الأمر الذي يعني أنها سوف تساند هجوماً للقوات البرية وعلى الجبهة المصرية تم رصد تحرك قافلة تضم 300 عربة ذخيرة من القاهرة في طريقها الى منطقة القناة. ورأى بريل أن مناورة لا تتطلب كل هذه الذخيرة.
وكانت هناك تحركات عديدة اخرى تدعو الى الذعر من بينها نقل بطاريات سام من منطقة دمشق الى مناطق مجاورة للجولان، فإذا كان السوريون يخشون من حدوث هجوم اسرائيلي، كما ترى قيادة المخابرات العسكرية الاسرائيلية، فما الذي يدعو السوريين إلى اضعاف الدفاعات عن العاصمة؟ من كل هذه الدلالات، بدا واضحاً أن الحرب وشيكة، إلا أن تحذيراته لم تلق آذاناً صاغية داخل المخابرات العسكرية الاسرائيلية.
يقول المؤلف ان توجه جولدامائير لأوروبا أكد للقيادة العربية انه من غير المحتمل ان تتخذ الحكومة الاسرائيلية قراراً بشأن التعبئة، طالما أن مائير خارج اسرائيل. وأشار تقرير للمخابرات المصرية، التي تراقب بشكل مكثف التطورات في اسرائيل وسيناء، إلى أن اسرائيل لم تتخذ أية اجراءات احترازية. واندهش المصريون من عدم ادراك الاسرائيليين للاستعدادات الكبيرة التي تجري على قدم وساق للحرب.
وعندما عادت غولدا مائير الى اسرائيل، عقد معها موشي ديان اجتماعاً، احاطها خلاله بتطورات الامور، قائلا: ان هناك تقارير تشير الى ان مصر تخطط لشن حرب، لكن الوضع على الجبهة السورية أخطر، فقد نشر السوريون أكثر صواريخ سام تطوراً، ليس حول دمشق، ولكن على خط المواجهة في الجولان وهذه ليست عملية انتشار دفاعية عادية. واذا عبر المصريون القناة، فسوف يجدون أنفسهم أمام صحراء مفتوحة في مواجهة القوات الاسرائيلية، أما السوريون فإنه بهجوم واحد سيكون بامكانهم طرد الاسرائيليين من الجولان، ثم يكونون فوق الهضبة التي ستحميهم من أي هجوم مضاد.
كان الجنرال شاليف، نيابة عن زيرا المريض، حاضراً الاجتماع. وقال إنني اعتقد، وفقاً للتقارير العديدة التي تم الحصول عليها خلال الأيام الأخيرة، ان مصر ترى انها ليست مستعدة للحرب حتى الآن، وإذا لم تشن مصر حرباً، فإن سوريا لن تستطيع خوض حرب بمفردها، وباختصار فإن احتمال الحرب يظل ضئيلاً.
واتفق الجنرال اليعازر مع تحليل شاليف، وقال إن لدى مصر وسوريا خططاً للقيام بهجوم منسق لكنني لا أرى أي خطر فعلي في المستقبل القريب، وإذا حاولت سوريا القيام بهجوم واسع النطاق فإن اسرائيل ستعرف بالهجوم قبل وقت مناسب». وعندما تساءلت مائير عن امكانية القيام بمزيد من التعزيزات، قال اليعازر: «إن هذا سيعني إما اضعاف الجبهة الجنوبية أو تعبئة الاحتياط لفترة طويلة».
وانتهى الاجتماع، وكانت النتيجة ان الحكومة الاسرائيلية لم تكن لديها أدنى فكرة عن امكانية نشوب حرب خلال أيام. كما لم تتم احالة الوضع على الجبهتين المصرية والسورية لاجتماع هيئة الاركان المقرر عقده يوم الخميس، وكان الموضوع الوحيد على جدول اعمال هذا الاجتماع، الذي يعقد قبل يومين من عيد الغفران هو ضرورة التشديد على الجنود بالالتزام بالزي العسكري!
يقول المؤلف إن هذا التقصير الخطير وعدم وضوح الرؤية ظل هو السائد على الرغم من التطورات المتلاحقة وما تتلقاه المخابرات العسكرية الاسرائيلية نفسها من تقارير تفيد بزيادة التعزيزات العسكرية المصرية على طول القناة.ولم يقم الكولونيل ديفيد جيراليا رئيس المخابرات بالجبهة الجنوبية بتمرير هذه التقارير الى القيادات الأعلى. وفي ظل اعتناقه لنظرية مؤسسته بأن احتمال الحرب ضعيف فإنه اعتبر مثل هذه التقارير مجرد ضجيج يرجع الى المناورة المصرية.
حتى التقارير التي مررها الى المكتب المصري في المخابرات العسكرية لم يتم تمريرها الى زيرا وشاليف، اللذين بدورهما لم يمررا أية تقارير أو معلومات تصل اليهما. أما التقارير عن الاستعدادات العربية التي وصلت الى اليعازر وديان فكانت مرفقة بتفسيرات مطمئنة، وهي المناورة المصرية والمخاوف السورية من هجوم اسرائيلي، مما أفقد مثل هذه التقارير أهميتها وخطورتها.
حتى خلال قيام جولدا مائير بالتشاور مع ديان وآخرين يوم الاربعاء، كان وزير الحربية المصري الفريق أحمد اسماعيل في طريقه الى دمشق لوضع الترتيبات الأخيرة مع السوريين.وقد رفض اسماعيل طلباً سورياً بارجاء الحرب 48 ساعة حتى يتم تفريغ خزانات الوقود في حمص خوفاً من ان تتعرض للقصف الاسرائيلي ورأى ان أي ارجاء سيعرض سرية العملية للخطر وتخلى السوريون عن طلبهم، لكنهم طلبوا ان يتم تغيير ساعة الصفر التي كانت قد تحددت عند السادسة مساء، واتفق الجانبان على أن تكون الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من اكتوبر.
يواصل المؤلف الاسرائيلي قائلا ان عملية الانتشار السورية تواصلت خاصة مع وصول اللواء السابع والأربعين المدرع الذي أثار وصوله دهشة ضباط المخابرات الاسرائيلية، فمغادرة هذا اللواء مركزه في حمص يعني أن سوريا مقدمة بالفعل على شن حرب.وعلى خط بارليف أشارت التقارير الى وجود نشاط محموم عبر القناة فقد كانت طوابير العربات تصل كل ليلة.
وتم اعداد القوارب المطاطية في عشرات المواقع، وكان المصريون يعملون في ساعة متأخرة من كل ليلة لزيادة مستوى التلال التي تشرف على المواقع الاسرائيلية على الجانب الآخر من القناة. بدأ الجنرال البيرت مندلر قائد فرقة سيناء في عقد اجتماع لضباط الفرقة مرتين في اليوم لتحديث عمليات تقييم الوضع وبدا واضحاً له أن المصريين لا يقومون بمناورة تدريبية ولكنهم يستعدون لشن حرب وعندما مرر ملاحظاته الى القيادة الجنوبية، تم ابلاغه بأن كل هذه الانشطة، وفقاً للمخابرات العسكرية، لا تخرج عن اطار المناورة المصرية.
وظل الجنرال اليعازر، الذي كان يركز على الجبهة السورية، غير مدرك بحدوث أي شيء، غير عادي في الجنوب باستثناء أن المصريين يقومون بمناورة عسكرية مكثفة تماثل المناورات التي جرت في سنوات سابقة وكان الحال كذلك بالنسبة للقيادة الاسرائيلية العليا التي لم تصدر أوامر بالتقاط صور من الجو للخطوط المصرية خلال الفترة من 25 سبتمبر حتى الأول من اكتوبر، وهو اسبوع شهد زحفاً كبيراً للقوات تجاه القناة كل ليلة.
كما لم تتم أية عمليات استطلاع جوي خوفا من صواريخ سام. وتم الغاء مهمة تصوير كانت مقررة يوم 2 اكتوبر بسبب رداءة الاحوال الجوية وضعف الرؤية، وتأجلت المهمة الى اليوم التالي ولكن عندما عادت الطائرة تم اكتشاف عطل بالكاميرا حال دون الحصول على أي صور ولم يتم تنفيذ المهمة الا بعد ظهر اليوم التالي الخميس الرابع من اكتوبر
موضوع: رد: استعراض كتاب رابينوفيتش عن حرب اكتوبر73 الإثنين 14 يناير 2013 - 14:45
بحلول عصر الجمعة 5-10-1973 ساد الهدوء معظم الشوارع الاسرائيلية استعداداً لبدء احتفالات عيد الغفران لحظة غروب الشمس وتوقفت حركة المرور، وباتت الشوارع خالية من المارة لكن اليعازر ظل في مكتبه يقلب الأوراق امامه، وينتظر تقريراً جديداً يعرف منه آخر التطورات.
تلقى قسم الاستماع بالمخابرات العسكرية رسالة من مصدر سري بأن سبب اجلاء السوفييت للمدنيين هو ان مصر وسوريا على وشك شن حرب على جهتين ضد اسرائيل.
تم تمرير الرسالة في الساعة الخامسة من مساء يوم الجمعة 5 أكنوبر الى الضابط المناوب في مكتب زيرا بمقر قيادة الجيش وبدلاً من ارسالها الى اليعازر والقيادات الاخرى، استدعى ضابط المخابرات رؤساءه وراحوا يتناقشون بشأنها الى ان تحدث في نهاية الامر الى زيرا بمنزله الذي طلب من الضابط المناوب عدم توزيعها وفقاً للقواعد المتبعة وانتظار كلمة منه.
ويقول المؤلف ان إصرار زيرا على أن احتمال الحرب ضعيف جعله لا يريد تصديق أي شيء وازداد عناده ورفضه لأي تفسير آخر. ففي لحظات حرجة للغاية مثل هذه اللحظة امتنع عن توزيع معلومات حيوية فقط لأنها تتناقض مع نظريته. وقد قال اليعازر للجنة التحقيق فيما بعد انه لو تلقى الرسالة من زيرا لكان قد أصدر قراره بتعبئة الاحتياطي على الفور لأن هذا التطورمع غيره من الدلالات إثبات مؤكد على النوايا العربية في بدء الحرب وأضاف انه كان في أمس الحاجة لمثل هذه الدلالات الاضافية لاتخاذ القراربالتعبئة
وبعد ان ظل اليعازر في مكتبه حتى الساعة التاسعة مساء يوم 5 أكتوبر اتجه الى منزله وهو يتساءل مع نفسه عما إذا كان قد بالغ في وضع الجيش في حالة استعداد قصوى.
أما عند قيادة الجيش المصري فقد أدهشها بالفعل عدم تعبئة الاحتياطي بإسرائيل أو ظهور أية مؤشرات لردود فعل اسرائيلية لالنظر إلي التعزيزات المصرية وكان ذلك مصدراً للقلق عند قادة مصر أكثر منه مصدراً للارتياح. فقد رأى الفريق الجمسي مثلاً أنه من غير المفهوم أن يكون الاسرائيليون قد انخدعوا إلى هذا الحد. ولم يتأكد التقرير الذي أفاد في وقت سابق من اليوم نفسه أن اسرائيل قد عرفت أن الهجوم أصبح وشيكاً، إذ لم يصدر أي قرار بتعبئة الاحتياطي، كما لم يتم تعزيز خط المواجهة. تزايدت الشكوك المصرية، واعتقد البعض أن الاسرائيليين يقومون بنقل قوات سراً إلى سيناء، أوانهم يعدون لمفاجأة كبرى. ولحسم الموقف تم ارسال فرق استطلاع مصرية عبر القناة إلى نقاط عديدة داخل سيناء خلف التحصينات الاسرائيلية. وحملت تقارير الفرق لدى عودتها قبل الفجر يوم السادس من اكتوبر الرسالة نفسها: اليهود يغطون في نوم عميق. ------------------------------ «لكن زفي زمير رئيس جهاز «الموساد» كان في قمة الاستيقاظ في ذلك الوقت، حيث كان قد التقى بمصدر خطير للمعلومات في لندن في اجتماع انتهى بحلول منتصف الليل بتوقيت شرق المتوسط. ابلغه المصدر بوضوح تام أن مصر ستبدأ الحرب غداً قبل غروب الشمس، وأن الهجوم سوف يتم تنفيذه وفقاً لخطة الحرب التي لدى الاسرائيليين بالفعل، الأمر الذي يعني ان عبور القناة سيتم بخمس فرق قبل حلول الليل.
وعندما سأله زامير عن احتمال أن يكون ذلك انذاراً كاذباً، كما حدث في ديسمبر ومايو، قال له المصدر انه ليس بامكانه استبعاد ذلك، لكن احتمال بدء مصر الحرب تبلغ نسبته 9و99% فهرع زامير إلي نقل فحوى الرسالة إلى تل أبيب بأسرع وقت ممكن، وبدلاً من ارسالها بالأساليب الآمنة المشفرة، اتصل هاتفياً بالقيادة العليا الاسرائيلية منذراً ومطالباً بسرعة تعبئة الاحتياطي. ------------------------- استلم (فريدي ايني) رئيس مكتب زامير الرسالة في الساعة 2.40 صباحاً. استيقظ الزعماء السياسيون والعسكريون الاسرائيليون في الساعات الأولى من صباح عيد الغفران على أجراس الهواتف، فقد تم تمرير رسالة زامير إلى عدد محدود من القيادات العليا.
وأيقظ ايني الجنرال اسرائيل ليور مساعد جولدا مائير العسكري بالتليفون في الساعة 3.40 فجراً بينما حصل مساعد ديان على رسالة زامير في الساعة 4.30 صباحاً
، وعندما تلقى اليعازر الرسالة دعا على الفورقادة الجبهتين الشمالية والجنوبية إلى اجتماع لاعضاء هيئة الاركان في الساعة5.15 صباحاً بمقر قيادة الأركان وبالفعل وصل قادة الجبهتين الشمالية والجنوبية في الساعة السادسة صباحاً، وقبل أن يغادر اليعازر منزله اتصل بقائد السلاح الجوي بيني بيليد وقال له: لدينا معلومات تفيد انه ستنشب حرب مع مصر وسوريا الليلة هل أنت جاهز؟ رد بيليد قائلاً:نعم أنا جاهز سأله اليعازر: ما الذي ستفعله؟ قال بيليد : ستكون الأولوية لمهاجمة صواريخ سام السورية وسيكون سلاح الطيران الاسرائيلي سيكون جاهزاً للغارات بحلول الساعة 11 صباحاً . وصل اليعازر الى مقر هيئة الاركان، وجاء بعده زيرا الذي ظل يردد أن السادات لن يحارب.
شعر اليعازر بأن المصيدة التي وقعت فيها اسرائيل تنذر بحدوث كارثة، لكنه ظل يتعلق بالأمل في صحة تشكك المخابرات العسكرية الاسرائيلية في قيام الحرب اليوم حيث قالت بأن احتمال نشوب الحرب ضعيف على الرغم من التعزيزات العربية وشعوره بحتمية ان يشن المصريون والسوريون هجوماً شاملاً، في ظل جمود الموقف السياسي. ------------------------------------------------------------
عندما التقى اليعازر ديان في الساعة 50و5 رفض موشي ديان طلب اليعازر بشن هجوم وقائي. وعلى الرغم من التحذير الذي نقله زامير، تشكك ديان في احتمال نشوب الحرب قال ديان اننا لن نأمر بتعبئة شاملة لمجرد تقرير من زامير، لقد تلقينا تحذيرات مماثلة في السابق وثبت انها كاذبة .وهنا أكد زيرا نظرية ديان، قائلاً إن اجهزة المخابرات الاميركية لم ترصد أي دلالة على احتمال حدوث حرب وشيكة.
وقال ديان: «اننا في وضع سياسي لا يسمح لنا بالقيام بهجوم كما فعلنا سنة 1967، وشن هجوم في وقت يقول فيه الأميركيون ان العرب لن يشنوا حرباً سيجعل اسرائيل في عيون العالم البادئة بالحرب».
كما عارض ديان الاقتراح بتعبئة ما يتراوح بين 200 ألف و250 ألف رجل، وقال انه مع عدم وجود قتال فعلي، فإن تعبئة بهذا النطاق ستعتبر بمثابة إعلان حرب، وانه يكفي في هذه المرحلة تعبئة ما يتراوح بين 20 ـ 30 ألفاً فرد، وسوف يتم استدعاء بقية أفراد الاحتياط إذا ما نشبت الحرب فعلاً. فاعترض اليعازر قائلاً إن الدفاع في ذاته يتطلب ما يتراوح بين 50 ـ 60 ألف فرد، عندئذ وافق ديان على تعبئة هذا الرقم للدفاع. ووصل قادة الجبهتين الشمالية والجنوبية في الساعة السادسة صباحاً ---------------------------------------------------------------------
كان بيليد جالساً الى مكتبه في الساعة السابعة صباحاً، عندما دق باب مكتبه ليدخل عليه مساعده لشئون الارصاد، ويقول له ان مرتفعات الجولان تغطيها السحب فأسرع بيليد واتصل باليعازر ليبلغه عدم امكانية تنفيذ عملية قصف بطاريات الصواريخ السورية، لكنه اقترح ضرب القواعد الجوية السورية بدلاً من ذلك، فوافق اليعازر على الاقتراح.
التقى اليعازر بعد ذلك بقائدي الجبهتين الشمالية والجنوبية، ثم بقادة الطيران والبحرية والمدرعات وأبلغهم ان الحرب ستنشب في الساعة السادسة مساء، لم يكن المصدر قد ذكر موعداً للحرب، لكنه قال ان الهجوم سيتم وفقاً لخطة الحرب المصرية الموجودة بالفعل لدى اسرائيل. وتدعو الخطة إلى عبور أول موجة للقناة قبل آخر ضوء للشمس، الأمر الذي يعني الساعة السادسة بعد غروب الشمس بنحو 40 دقيقة وقال اليعازر لجنرالاته ان فرق الاحتياط سيتم تنظيمها لشن هجوم مضاد، بينما سيحاول أفراد الجيش وقف تقدم القوات العربية وذلك بمساعدة السلاح الجوي. --------------------------------------------- عقد ديان واليعازر اجتماعاً مع مائير في الساعة 50و8 صباحاً، وطرح الجنرالان على رئيسة الوزراء الإسرائيلية خلافاتهما حول التعبئة والضربة الوقائية. وبعد مناقشات مطولة، وافقت مائير على حل وسط يقضي بتعبئة ما يتراوح بين 100 ألف و120 ألف فرد لكنها رفضت الضربة الوقائية، قائلة: «ان اسرائيل بحاجة الى مساعدات اميركية في القريب العاجل، وإذا وجهنا الضربة الأولى فإن أحداً لن يفكر في مساعدتنا». اتصل اليعازر فور انتهاء الاجتماع بقائد السلاح الجوي ليبلغه باستبعاد الضربة الوقائية.
وهنا يقول مؤلف الكتاب انه حتى في حالة شن هجوم على القواعد الجوية، فإن نتيجة الحرب ما كانت لتتغير، فبعد حرب يونيو 1967 حرصت مصر وسوريا على وضع طائراتها في أماكن حصينة من الصعب تدميرها. والأهم من ذلك ان صواريخ سام هي التي تشكل تهديداً للطائرات الاسرائيلية وليست القواعد الجوية. -------------------------------------------------------------- في الساعة 30و9 صباحاً استدعت مائير السفير الأميركي لدى تل أبيب (كينيث كيتينج) لتبلغه بتطورات الموقف. بدت الحيرة على السفير، الذي كان قد حصل على تأكيدات من الـ «سي.آي.ايه» ومن الاسرائيليين انفسهم قبل يوم واحد بأنه ليس هناك خطر نشوب حرب. ------------------------------------------------ بعد ذلك التقت مائير بالسفير الاسرائيلي لدى واشنطن (سيموا دينتز ) الذي كان قد عاد الى اسرائيل في اجازة لمدة اسبوع.
وطلبت مائير من دنتز قطع أجازته و العودة على الفور الى واشنطن وطلبت من مساعدها ان يجد وسيلة لسفر دنتز، خاصة مع توقف الرحلات التجارية من اسرائيل واليها بسبب عيد الغفران ----------------------------------------------------------- ايقظت ازمة الشرق الأوسط هنري كيسنجر من نومه في فندق والدورف استوريا بنيويورك، عندما اندفع مساعده جوسيسكو الى جناحه في الساعة 15و6 صباحاً بتوقيت شرقي اميركا (12و5 ظهراً بتوقيت شرق المتوسط) ليبلغه رسالة جولدا مائير. ----------------------------------------------------------- في الساعة العاشرة صباحاً، نزل اليعازر الى غرفة الحرب الواقعة تحت الارض، ليلتقي بالقيادات العليا واستعرض زيرا خطة الحرب المصرية وخطة الحرب السورية أمام القادة وقال ان المصريين سيبدأون الحرب بهجوم مدفعي وجوي، يتبعه عبور زوارق صغيرة جبهة القناة وقد يرسل المصريون طائرات هليكوبتر لنقل عناصر من الصاعقة الى داخل سيناء لقطع الطرق والهجوم على مراكز القيادة.
واضاف انه ستكون هناك خمسة رؤوس جسور، ولكن ثلاثة منها فقط ـ المواجهة للطرق الرئيسية المؤدية الى قلب سيناء ـ هي التي ستشكل نقاطاً رئيسية للهجوم.وبغطاء من صواريخ سام يعتزم المصريون اجتياز ستة اميال داخل سيناء ثم التمركز بعد ذلك. اما المرحلة التالية فستعتمد على نتائج المرحلة الأولى.
اما بالنسبة للخطة السورية فقال زيرا ان ثلاث فرق سورية على خط المواجهة سترسل جنوداً من سلاح المشاه لعبور الخنادق الاسرائيلية على اقدامهم، وتأتي خلفهم دبابات لمد ما يشبه الجسور فوق الخنادق بعدها ستتقدم ألوية الدبابات الملحقة بهذه الفرق.
وقال اليعازر، رداً على استفسار من ديان، ان لواء من الالوية المدرعة التابعة لفرقة سيناء متمركز الآن في منطقة القناة، وان اللواءين الآخرين متمركزان في المؤخرة وعندما سأله ديان عن موعد وصول قوات الاحتياط، قال اليعازر ان 300 دبابة تصل مساء الغد الأحد 7 أكتوبر، تليها 300 دبابة يوم الاثنين 8 أكتوبر ثم 300 دبابة اخرى يوم الثلاثاء 9 أكتوبر
واضاف ان العدد الاجمالي للجنود، سواء أكانوا مجندين ام متطوعين تصادف انهم كانوا يؤدون خدمتهم السنوية، يبلغ مئة ألف وقد صدرت بالفعل اوامر بتعبئة 70 ألف فرد وستصدر الاوامر بالبقية في القريب العاجل
لم يكن ديان مقتنعاً، حتى هذه اللحظة، بأن الحرب ستبدأ، وكان يشعر بالقلق ازاء استدعاء هذا العدد الكبير من افراد الاحتياط في ظل الشكوك الحالية بشأن نشوب الحرب. --------------------------------------------------------------- ودعت مائير الى اجتماع لمجلس الوزراء في الساعة 12.30 من بعد ظهر يوم الجمعة الخامس من اكتوبر دخلت مائير قاعة الاجتماعات مع ديان. كان وجهها شاحباً، وعيناها غائرتين، وهي تسير ببطء نحو مقعدها ولأول مرة يرى الوزراء في مائير عجوزاً اثقلت كاهلها السنون.
بدأت مائير الاجتماع بقراءة تقرير مفصل عن تطورات الأيام الثلاثة الماضية التي تتلخص في التعزيزات المصرية والسورية،و اجلاء عائلات الخبراء السوفييت،و الصور الجوية،و اصرار جهاز المخابرات العسكرية الاسرائيلية «امان» على ان الحرب لن تنشب على الرغم من الدلائل المتزايدة التي تفيد عكس ذلك وقالت جولدا ان القادة العسكريين انقسموا حول احتمال قيام الحرب وحول تعبئة الاحتياط وتوجيه ضربة وقائية ولكن فجر اليوم وصل تأكيد من مصدر واسع الاطلاع بأن الحرب ستبدأ في الساعة السادسة من مساء اليوم على الجبهتين المصرية والسورية.
بهت الوزراء من هول الصدمة، اذ لم تصلهم اية اخبار عن التعزيزات العربية على الحدود، وعلاوة على ذلك فقد قيل لهم انه حتى في اسوأ الاحوال فإن القوات الاسرائيلية ستتاح لها مهلة تصل الى 48 ساعة لاستدعاء الاحتياطي قبل بدء الحرب والآن يقال لهم ان حرباً على جبهتين ستبدأ في اقل من ست ساعات، ولم تتم تعبئة الاحتياط حتى الآن.
بعدها طلبت جولدا مائيرمن موشي ديان شرح الموقف على الجبهتين. بدأ ديان في الحديث وكان صوته مرتعشاً، وبدا كرجل اهتزت معتقداته بشدة وبشكل مفاجئ ----------------------------------------------------------------- في الساعة 30و12من بعد الظهر التقى اليعازر بالجنرال جونين الذي كان قد تولى قيادة الجبهة الجنوبية قبل ثلاثة اشهر فقط لم يكن جونين يتابع تقارير المخابرات، وبالتالي فلم يكن يعلم، على سبيل المثال، بأن خطط الحرب المصرية التي تحت يد جهاز المخابرات العسكرية «امان» تدعو الى عبور للقوات على طول خط القناة بالكامل، كما لم يكن يعلم ان قصف المدفعية الاولى، وفقا للخطة سيستمر ما بين 30ـ 45 دقيقة في الوقت الذي كان يعتقد انه سيستمر عدة ساعات. ------------------------------------- وقد نجح قائد الجبهة الشمالية ( الجنرال هوفي) في الحصول على تعزيزات كبيرة خلال الايام القليلة الماضية، بعد ان اعرب عن قلقه ازاء التعزيزات السورية --------------------------------------- أما قائد الجبهة الجنوبية جونين فقد اقتنع بتقويم «امان» بأن احتمال الحرب ضئيل، ولم يبذل جهدا يذكر لتعزيز دفاعاته على الرغم من وصول التعزيزات المصرية الى مستويات غير مسبوقة
ومساء يوم الخميس 4 أكتوبروفي الوقت الذي كان القادة ينتظرون بفارغ الصبر الصور الجوية من منطقة القناة، لم يحضر جونين الاجتماع بمقر هيئة الاركان، وفضل زيارة صديق له في حيفا.
وبدلا من ان يقوم جونين بتحريك فرقة مساعدة الجنرال منيدلر بعد الظهر الى المواقع الامامية، كما تدعو خطة «برج الحمام» قرر جونين الانتظار حتى الساعة الخامسة مساء، اي قبل ساعة واحدة من الهجوم المصري المتوقع
واعتقد جونين ان اي نشر مبكر للقوات سيستغله المصريون، ويعتبرونه عملا استفزازياً، كما انه سمع زيرا يقول صباح اليوم ان الحرب غير مؤكدة الوقوع الى حد كبير. ------------------------- ان العديد من الجنود الاسرائيليين في تحصينات خط بارليف لم يذوقوا النوم طوال ليل الجمعة 5 أكتوبر، وهم يسمعون حركة ونشاطاً عبر القناة، وكان بمقدورهم رؤية المصريين وهم يسحبون اشياء وينقلونها الى حافة الماء، كما كان العمل مستمرا بكثافة في مناطق التخرين خلف الخطوط وفي الصباح رأى الاسرائيليون كميات كبيرة من اطواق النجاة برتقالية اللون بجانب معدات مد الجسور. --------------------------------------------------- وفي الساعة العاشرة من صباح السبت 6 أكتوبر ، تم ابلاغ قيادات الجبهة الشمالية بأن الحرب ستبدأ مساء اليوم، وابدى الضباط عدم تصديقهم لهذا الخبر على الرغم من الحشود الكبيرة للقوات السورية على خط المواجهة، وطلب من الضباط التجمع عند الساعة الثانية من بعد الظهر لوضع اللمسات الاخيرة للاستعداد.
لم تتضمن تقارير وحدات خط المواجهة اية انشطة سورية غير عادية، وطوال ليلة امس تناهى الى مسامع الاسرائيليين صوت تحركات دبابات سورية، كما لو ان قوات جديدة تصل الى الجبهة. ------------------------------------------------ وفي سيناء كان الجنرال منيدلر مجتمعاً مع قياداته عندما اتصل به جونين هاتفيا في الساعة العاشرة صباحا يوم 6 أكتوبر قال منيدلر لضباطه، وهو ينقل رسالة جونين لهم، انه من المتوقع حدوث شيء عند غروب الشمس ولكن ليس من الواضح ما اذا كان ذلك سيكون نشوب حرب ام نهاية للمناورة المصرية.
اعتقد الجنرال منيدلر وضباطه انه اذا بدأ اطلاق النار، فانه سيكون بمثابة استئناف لحرب الاستنزاف مع قصف مدفعي مكثف واحتمال شن غارات جوية. وفي الواقع فان منيدلر لم يركز المناقشة على الخطوات الدفاعية، ولكن على الخيارات الهجومية الواردة في خطة «برج الحمام» وتقضي بهجوم بلواء او لواءين عبر القناة، بينما يحاول لواء آخر منع القوات المصرية من العبور. ------------------------------------------------------- وفي الساعة 12.30 ظهرا اصدر جهاز «أمان» نشرة جديدة تشير الى استعدادات عسكرية مكثفة في مصر وسوريا واعترف مسئولو «أمان» بتلقي تقارير تفيد بأن الحرب وشيكة ومع ذلك ذكرت النشرة: «اننا نفترض ان المستوى الاستراتيجي في مصر واسرائيل يدرك عدم وجود اي فرص للنجاح». ---------------------------------------------------------- في قاعة مجلس الوزراء الاسرائيلي، أبلغ الوزير ديان زملاءه انه اذا عبر المصريون القناة، فإنه سيتم تدميرهم لكنه أشار الى ان الموقف في الجولان اكثر تعقيدا، فليس هناك على جبهة الجولان حاجز يؤدي إلى ابطاء تقدم السوريين، كما ان القوات الاسرائيلية أقل من تلك الموجودة في سيناء. سأل وزير العدل الاسرائيلي (ياكوف شابيرا) عما يمكن ان يحدث لو رصد المصريون الاستعدادات الاسرائيلية فقدموا موعد شن الهجوم؟ رد ديان قائلا ان سلاح الطيران يقوم بالفعل بدوريات للتأكد من عدم حدوث ذلك. ----------------------------------------------------------- وفي القاهرة، وصل وزير الحربية أحمد إسماعيل إلى منزل الرئيس أنور السادات في سيارة جيب في الساعة الواحدة والنصف من بعد الظهر ليصطحبه إلى مركز العمليات، جلس ضباط القيادة العليا في منطقة منخفضة تشرف على غرفة العمليات حيث يجلس قادة أفرع القوات المسلحة أمام منصات اتصالات. وقد امتلأت القاعة بخرائط للموقف معروضة على شاشات ضخمة. ----------------------------------------------------- وعلى الجانب الاسرائيلي وفي الوقت نفسه صدرت الأوامر للجنود على الضفة الشرقية للقناة بارتداء الخوذات ودخول المخابئ. ولم يبق سوى قادة التحصينات بالخارج يرصدون التحركات من خنادق صغيرة. وصعد أحد الضباط إلى برج المراقبة القريب من ضفة القناة لكن الشيء الوحيد الذي رآه يتحرك على الجانب الآخر من القناة مجموعة مزارعين في حقل بعيد يعملون في فلاحة الأرض -------------------------------------------------- وفي هضبة الجولان في الساعة الواحدة والنصف أيضا ذكر ضابط استطلاع ان السوريين يقومون بازالة شبكات التمويه من فوق مدفعيتهم ودباباتهم. ---------------------------------------------------- في ذلك الوقت كانت القدس لا تدرك طبيعة التطورات غير العادية، لكن الاسرائيليين كانوا مندهشين من رؤيتهم لطائرات الفانتوم المقاتلة وهي تحلق على ارتفاع منخفض في عيد الغفران بينما كانت العربات العسكرية فقط تنطلق في الشوارع الخالية من المارة والسيارات المدنية فيما توجه موظفو البريد حاملين أوامر التعبئة لتسليمها إلى أفراد الاحتياط في منازلهم أو في المعابر القريبة من منازلهم. وعندئذ بدا واضحا للجميع انه اذا كانت عملية استدعاء الاحتياط تتم يوم عيد الغفران، فإن الأمر لا يمكن أن يعني المشاركة في مناورات، ولا بد وان حربا باتت وشيكة.
موضوع: رد: استعراض كتاب رابينوفيتش عن حرب اكتوبر73 الإثنين 14 يناير 2013 - 14:48
في الساعة الثانية بعد الظهر يوم 6 أكتوبر 1973 وبداخل قاعة مجلس الوزراء الاسرائيلي كان موشي ديان على وشك الانتهاء من اطلاع أعضاء المجلس على تطورات الموقف عندما دخل أحد مساعديه القاعة، وسلمه مذكرة عندئذ أعلن ديان ان الطائرات المصرية بدأت الهجوم على المواقع الاسرائيلية في سيناء ثم أعلنت جولدا مائير انهاء الاجتماع،وفي نفس اللحظة سمع المشاركون باجتماع المجلس صفارات الانذار تدوي في الشارع بالخارج. ------------------------------------------------------------ وفي سيناء، رددت شبكات الاتصالات بدء الغارات الجوية، وتلقى الاسرائيليون اشارات بحدوث اختراق جوي مصري لسيناء وعندما خرج الكولونيل امنون ريشيف قائد اللواء المدرع الاسرائيلي من مقره، رأى طائرات سلاح الجو المصري تنطلق نحو معسكر كتيبة قريب منه وتبتعد عنه بعد ان تتصاعد منه أعمدة الدخان الأسود. وبدأت أرض الصحراء تهتز تحت قدميه.
على بعد عشرين ميلا نحو الغرب، فتحت المدفعية المصرية نيرانها باتجاه خط بارليف. كانت الطائرات المصرية تحلق في البداية على ارتفاع منخفض فوق القناة ثم ترتفع لفترة قصيرة لتحدد الاهداف التي ستقصفها ثم تطير بعد ذلك على ارتفاع منخفض لتلقي بقنابلها فوق الأهداف المحددة لها، وهي مراكز القيادة الاسرائيلية وبطاريات صواريخ هوك المضادة للطائرات والمدفعية والقواعد الجوية ومحطات الرادار ومركز المخابرات الرئيسي في سيناء ------------------------------------------------------- بعد الغارات الجوية المصرية على الأهداف الحيوية الإسرائيلية في سيناء، فتحت المدفعية المصرية نيرانها وفي الدقيقة الأولى سقطت أكثر من عشرة آلاف قذيفة على الخطوط الإسرائيلية، معظمها على التحصينات المقامة على امتداد القناة وحولها وتطايرت أبراج المراقبة بالتحصينات الإسرائيلية خلال الدقائق الأولى. -------------------------------------------------------- وبعد 15 دقيقة من بدء قصف المدفعية، اندفع أربعة آلاف من رجال الصاعقة والمشاة ضمن الموجة الأولى نحو حافة الماء على امتداد القناة، حيث كانت بانتظارهم 720 من الزوارق المطاطية والخشبية وبدأوا في عبور القناة وهم يهتفون «الله أكبر»
وكان الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان المصري قد أمر بوضع مكبرات صوت عند نقاط العبور ينطلق عبرها هتاف «الله أكبر» مما ألهب حماس الجنود . ------------------------------------------------------------ كانت في مقدمة الموجة الأولى مجموعات المهندسين العسكريين، وذلك لتفحص منافذ فتح النابالم للتأكد من أن رجال الضفادع البشرية قد أغلقوها تماماً عندما تسللوا إلى الجانب الإسرائيلي خلال الليل للقيام بهذه المهمة.
وعندما استقر الجنود على شاطئ سيناء، شقوا طريقهم بسرعة صاعدين التل الرملي، وارتقوا السلالم المصنوعة من الحبال لتصل الى أعلى. صعدت بعدهم فرق اصطياد الدبابات وكان بعضها يحمل عبوات صواريخ «ساجر» التي تشبه الحقيبة. بينما حمل البعض سلاح الـ «آر.بي.جي» اما الذخيرة والمعدات التي يصعب حملها فقد تم وضعها فوق عربات يد صغيرة يجرها الجنود وكان الفريق الشاذلي قد أمر بإنتاج الآلاف من هذه العربات لاستخدامها الى حين عبور سيارات الإمداد ---------------------------------------------------- وفي أماكن عديدة وصل الجنود إلى الحواجز الأرضية على بعد ميل داخل أراضي سيناء، ووراء هذه الحواجز تتخذ الدبابات الإسرائيلية موقعها للتعامل مع عناصر الهجوم المصري. واشارت سحب الغبار الممتدة الى الشرق الى سرعة اقتراب هذه الدبابات. -------------------------------------------------- وعند البحيرات المرة، بدأ لواء برمائي يتكون من عشرين دبابة طافية وثمانين ناقلة جنود في شق الطريق باتجاه سيناء ---------------------------------------------- وعبرت بحيرة التمساح الى الشمال سرية مشاة على متن عربات برمائية ولم تكن هناك دفاعات اسرائيلية قوية على شواطئ سيناء امام البحيرات --------------------------------------------------- وعند الطرف الشمالي عن خط قناة السويس استعد المصريون لشن هجوم مضلل بالدبابات وحاملات الافراد من خلال التقدم نحو المنطقة الرملية المؤدية الى واحد من اهم التحصينات الاسرائيلية. ------------------------------------------------------------------- والى الجنوب من قناة السويس تم تجميع العشرات من زوارق الصيد داخل كهوف على طول الشاطئ الغربي لخليج السويس لاستخدامها في نقل قوات الصاعقة الى جنوب سيناء بعد حلول الظلام كما كانت وحدات صاعقة اخرى تنتظرنقلها بطائرات الهليكوبتر الى وراء الخطوط الاسرائيلية بعد الغروب -------------------------------------------------------------------- ومع عبور الموجة الأولى من قوات الهجوم، بدأت الفرق الهندسية المجهزة بالمضخات وخراطيم المياه، في احداث فجوات في خط بارليف الاسرائيلي. وقد تم اعطاء سلاح المهندسين فترة تتراوح بين 5 ـ 7 ساعات فقط لاتمام هذه المهمة. --------------------------------------------------------------------- كان قد تقرر ان يتم العبور بمئة ألف جندي وفقاً لنظام نموذجي. وقامت الموجة الأولى بنصب لوحات كبيرة تحمل ارقاماً مضيئة على شاطئ سيناء، وهذه الارقام تساير ارقاماً على لوحات على طول الطرق التي تتخذها الوحدات المتجهة الى حافة القناة.
وقد حرصت الشرطة العسكرية المصرية على الا تضل الوحدات طريقها او تختلط فيما بينها وفي غضون ساعات، عبر 23 ألف جندي مصري القناة، وتم نصب خمسة رؤوس جسور على الضفة الشرقية للقناة في ذلك الوقت راحت المدفعية تتحول لدك اهداف في عمق سيناء -------------------------------------------------------------- حملت عربات كبرية اجزاء من الجسور الى حافة المياه، حيث بدأ المهندسون في تجميع هذه الاجزاء. كما بدأت وحدات اخرى في تجميع 31 عبارة مسبقة التجهيز قادرة على حمل الدبابات. -------------------------------------------------------------- وشعر الفريق سعد الدين الشاذلي، وهو داخل مقر القيادة بأن الخطوات تسير بشكل رائع، وبدا ان توقيت الحرب كان مفاجئاً للاسرائيليين تماماً. -------------------------------------------------------------- وفي الساعة الخامسة والنصف مساء عبرت الموجة الثانية عشرة والاخيرة لقوة الهجوم الأولى قناة السويس ، ليصل اجمالي القوات المصرية على شاطئ سيناء الى 32 ألف جندي. ----------------------------------------------------------------- وفي الساعة 30و6مساء فتحت خراطيم المياه أول ممر في الحاجز الرملي. وفي غضون ساعتين كان قد تم فتح 60 ممراً من هذا النوع، ------------------------------------------------------------------- وتم استكمال مد اول جسر في الساعة 8.30 مساء، اي بعد مرور ست ساعات ونصف الساعة على ساعة الصفر وبعد ذلك بساعتين كانت كل الجسور مفتوحة، وتتضمن ثمانية جسور ثقيلة للدبابات واربعة جسور خفيفة للعربات الخفيفة والمشاة. أصبح الطريق الى داخل سيناء مفتوحاً، وتدفقت المدرعات المصرية على الجسور ثم الفتحات التي احدثتها خراطيم المياه في خط بارليف. --------------------------------------------------------------------- يقول المؤلف اليهودي إن مصر لم تشهد منذ بناء الأهرامات، أو على الأقل منذ شق قناة السويس نفسها مشروعاً هائلاً تم تنفيذه على أكمل وجه مثل مشروع العبور. تم بكفاءة لدرجة أن الإسرائيليين قد رأوا الطائرات المصرية قبل أن يسمعوا أزيرها، وهي تطير على ارتفاعات منخفضة، وتتجه نحو المؤخرة الإسرائيلية، كما سمعوا قصف المدفعية المصرية، قبيل أن تدمر تحصيناتهم كانت الارض تهتز من تحت قدم شعب إسرائيل.
اعتقدوا ان ما يرونه هو شيء اشبه بمعركة نورماندي أو ستالينجراد كان من الصعب عليهم رؤية أي شيء، بسبب أعمدة الدخان المتصاعدة نتيجة للقصف المكثف. وعلى الرغم من ان الإسرائيليين استطاعوا اغراق بعض الزوارق المصرية، الا ان الغالبية تمكنت من العبور، واستطاعت المدفعية تدمير العديد من الدشم والتحصينات الإسرائيلية في مواجهة خط القناة، وتم رفع العلم المصري على أحد المراكز الإسرائيلية التي جرى تدميرها.
و بدا واضحاً، من خلال شبكة اللاسلكي الإسرائيلية، ان المصريين عبروا القناة بكل قوتهم، ولم تتمكن القوات الإسرائيلية الموزعة على طول خط بارليف من وقف عملية الهجوم أو وقف تقدمهم إلى داخل سيناء وهنا يؤكد المؤلف أن الدور الذي كان من المفترض أن تقوم به تحصينات خط بارليف كحاجز ضد أي هجوم شامل اثبت فشله الذريع. ------------------------------------------------------------------ في المناطق التي ستنطلق منها الدبابات على طول طريق المدفعية في سيناء، كان قادة السرايا يصدرون التوجيهات الأخيرة، عندما سمعوا إنذاراً على شبكة الرادار يفيد بغارة جوية مصرية قصفت القنابل تجمعات الدبابات قبل أن تتمكن من التحرك، إلا أنها لم تصب. اسرعت الدبابات نحو القناة وقطعت المسافة في غضون 20 ـ 30 دقيقة، لكنها خسرت السباق. فالحواجز الرملية التي كان سيتعين على الدبابات الإسرائيلية ان تأخذ مواقعها خلفها لاطلاق النار قد وقعت تحت سيطرة المصريين، فقد عرف المصريون من خلال رصدهم لمناورات «برج الحمام» المكان الذي ستستقر فيه الدبابات الإسرائيلية عند إطلاق النار.
وعندما حاولت الدبابات الإسرائيلية التصدي لهذا الموقف الجديد، وجدوا ان المصريين قد اعدوا لهم مفاجأة مختلفة فقد خرج رجال المشاة من حفر صغيرة حاملين سلاح الـ «آر.بي.جي» على أكتافهم وشرعوا يطلقون قذائفها على الدبابات المتقدمة فوجئ الإسرائيليون بهذا السيناريو، ولم يتوقعوا مثل هذه المقاومة، فاضطرت بقية الدبابات التي خرجت من المعركة سليمة إلى التقهقر بعيداً عن مدى الـ «آر.بي.جي» اي حوالي 300 ياردة، الا ان هذا المسافة لم تكن كافية للابتعاد عن القذائف المصرية.
إن قائد إحدى الفصائل الإسرائيلية رأى ضوءاً أحمر عبر بسرعة فوقه وينفجر فوق دبابة قريبة منه اندفع قائد الدبابة التي أصيبت إلى خارجها بفعل ضغط الهواء، كما لو أنه «فلينة» تخرج من زجاجة، وراحت أضواء حمراء أخرى تنطلق في الهواء من الجانب المصري عبر القناة.
لم تكن لدى قائد الفصيلة الإسرائيلية أدنى فكرة عن هذه الأضواء الحمراء، إلى أن جاءه التفسير عبر الشبكة اللاسلكية، قال قائد السرية انها «صواريخ ساجر» وكانت هذه هي المرة الأولى التي يعرف فيها قائد الفصيلة بوجود هذا النوع من الصواريخ الذي يبلغ مداه ثلاثةكيلومترات اي عشرة إضعاف الـ «آر.بي.جي» كما انه ذو قوة تدميرية تفوق القذائف الصاروخية بكثير.
ولأول مرة منذ دخلت الدبابات ساحات المعارك في الحرب العالمية الأولى وجدت نفسها في مواجهة هذا الخطر في السابق لم يكن الخطر الاكبر هو المدفعية المضادة للدبابات، ولكن من الجنود المشاة كان المشاة يستخدمون البازوكا في الحروب السابقة ضد الدبابات، ولكن ليس بهذا الكم، وليس بسلاح الـ «آر.بي.جي» ولا بسلاح «ساجر» الأكثر تدميراً لقد استخدم الجنود المصريون صواريخ «ساجر» المضادة للدبابات بأعداد هائلة وبناء على اوامر الفريق سعد الدين الشاذلي فقد تم سحب هذه الصواريخ من وحدات المؤخرة وأضيفت إلى أسلحة قوات رأس الحربة.
ويقول المؤلف ان كل فرقة من الفرق المصرية الخمس المهاجمة كانت لديها أفراد مشاه مسلحون بـ 72 صاروخ «ساجر» و535 صاروخ «آر.بي.جي» وذلك بالإضافة إلى 57 مدفعا مضادا للدبابات و90 مدفعا عاديا كما ان كل فرقة كانت ملحقة بها 200 دبابة ولم يحدث على مدى التاريخ ان شهدت ساحة معارك استخدام مثل هذا الكم من النيران المضادة للدبابات.
وعلاوة على ذلك، فقد كان قائدو الدبابات الإسرائيلية، الذين اخرجوا رؤوسهم من ابراج دباباتهم للحصول على مدى رؤية افضل، عرضة لنيران مدفعية مصرية كثيفة ولنيران البنادق والرشاشات من جنود المشاة الذين طوقوهم من كل مكان كان حجم النيران مذهلا ومثيرا لرعب الإسرائيليين، وكذلك حطم قلوبهم بسالة وجرأة جنود المشاة المصريين في مواجهة الدبابات الإسرائيلية المواجهة لهم.
وقد أدى قرار إسرائيل القاضي بعدم تعلية التلال التي اقيمت في سيناء إلى تفاقم الوضع، فقد هيمنت الدبابات وصواريخ «ساجر» والمدفعية المضادة للدبابات الموجودة فوق التلال المصرية الاعلى على التحصينات الإسرائيلية وايضا على منطقة شاسعة تصل إلى ميلين داخل سيناء، وكان لفرق الـ «آر.بي.جي» المصرية المختبئة بخنادق في كل مكان حول القوات الإسرائيلية دور كبير في تقويض الخطة الإسرائيلية بتحيير مسألة ارتفاع التلال من خلال اطلاق نار من مسافات بعيدة من ملاجيء بالحواجز الرملية على بعد ميل من القناة. ------------------------------------------------------------- أما بالنسبة لسلاح الطيران الإسرائيلي الذي علق عليه اليعازر كل آماله، فلم يتمكن من وقف المد المصري الكاسح وبسبب صواريخ سام، لم تتمكن الطائرات من التحليق فوق ساحة المعارك وقد نفذت الطائرات الإسرائيلية 120 طلعة فوق الجبهة المصرية هذا اليوم، وسقطت منها اربع طائرات فقط لكن بقية الطائرات لم تحقق اي نجاح في مهماتها كان المشاه المصريون عرضة لنيران المدافع الاسرائيلية لكن الإسرائيليين لم يكن لديهم سوى 50 بطارية مدفعية على طول خط الجبهة الطويل البالغ مئة ميل. وكانت هذه المدافع أيضاً تتعرض لنيران مصرية مضادة كثيفة ------------------------------------------------------------------------ ، كما لم تكن التحصينات تمثل اي حاجز لاحباط اي هجوم، وكان من السهل على المصريين استغلال المساحات الخالية بينها وتنفيذ العبور ببراعة يقول المؤلف ان مهمة الدفاع عن جبهة القناة اوكلت بعد ظهر عيد الغفران (يوم كيبور) إلى الكولونيل ريشيف الذي كانت تحت قيادته 91 دبابة تشكل اللواء المتقدم لفرقة سيناء التي يتولى قيادتها الجنرال ميندلر وذلك بالاضافة إلى 450 جنديا في التحصينات الستة عشر على طول خط بارليف. ------------------------------------------------------------------- كانت التحصينات الشمالية الاربعة على القناة مبنية على طول طريق بين القناة نفسها وبحيرة تغطي معظم القطاع وكان هناك تحصين في اقصى الشمال يطلق عليه اسم «اوركال» ونظرا لبعده عن الجبهة فقد تمركز فيه عدد من الدبابات طوال الوقت وعندما نشبت الحرب كانت لدى «أوركال» ثلاث دبابات تم ارسال اثنتين منها إلى التحصينات الأخرى عبر طريق يمر من خلال البحيرة إلا ان الدبابتين تعرضتا لكمين وتم تدميرهما. ---------------------------------------------------------------- كما تعرضت دبابات إسرائيلية أخرى لنيران الـ «آر.بي.جي» أو لصواريخ «ساجر«، كما تعطلت دبابات أخرى نتيجة لمرورها فوق ألغام مضادة للدبابات زرعها المصريون، بينما تعطلت دبابات عديدة بعد ان دخلت منطقة مستنقعات عميقة. -------------------------------------------------------------------------- وعند اقتراب غروب الشمس صدرت الأوامر إلى قائد كتيبة الدبابات (اللفتنانت كولونيل توف تامير) بارسال دبابات إلى حصن يطلق عليه اسم «لاتزانت» الذي انقطعت الاتصالات به. كان قائد الحصن، ويدعى مولى مالهو قد قتل وأرسل تامير كل ما تبقى لديه من دبابات مع جنود مشاه، إلا ان هذه القوة تعرضت هي الأخرى لكمين لم يكن قد مضى على الحرب سوى أربع ساعات ليجد تامير ان كتيبته قد أبيدت بالكامل تقريبا ----------------------------------------------------------------------- .يقول المؤلف إن حظ الكتيبتين الأخريين على خط المواجهة كان أفضل، ولكن ليس أفضل كثيرا ففي القطاع الأوسط، حيث كانت تعبر معظم قوات الجيش المصري الثاني، أفادت التقارير ان مجموعة من المشاه المصريين تم رصدهم على بعد ثلاثة أميال شرقي القناة متجهين نحو طريق المدفعية، وتمكنت مجموعة إسرائيلية من وقف تقدمهم.
وفي القطاع الجنوبي حيث تعبر وحدات الجيش الثالث أوقف اللفتنانت ساندروف سرية دباباته على بعد 600 ياردة من حصن «مافزيه»، وراح يمسح بعينيه المنطقة، لم تكن هناك أية قوات مصرية في المكان، ولم تلح أية اشارة لوجود نشاط على التل المصري المواجه وعندما بدأت السرية تقدمها مرة أخرى، ظهر المصريون حاملين قذائف الـ «آر.بي.جي» من وراء التل الرملي ليشعلوا النار في الدبابة بالمقدمة.
وفي الوقت نفسه أطلقت صواريخ «ساجر» من فوق التل المصري وانطلقت قذائف المدفعية حاولت دبابة الاقتراب لانقاذ الدبابة المحترقة، لكنها أصيبت بصاروخ «ساجر» عاد السائق بدبابته وقد قتل ثلاثة من أفراد دبابته وأصيب ساندروف بشظية في عينه، وتراجع وهو يطالب نائبه غور بأن يقوم بمسح المنطقة الواقعة جنوب الحصن بنصف الدبابات، بينما اتجه ساندروف نفسه نحو الشمال بالنصف الآخر.
عندما مر غور بالقرب من حاجز إسرائيل ظهر جندي مصري وأطلق قذيفة «آر.بي.جي» لكنها لم تصب الدبابة التي تقهقرت مسرعة، وعندما لحق بقوة ساندروف سبقه صاروخ منطلق من فوق تل مصري ليصيب دبابة قائد السرية اندفع غور نحو الدبابة ليجد ساندروف ومساعده وقد لقيا مصرعيهما كما وجد غور دبابة اخرى على بعد 50 ياردة مصابة وعندما اقترب من قائدها وجده قد قتل.
ويقول المؤلف ان العديد من الدبابات الإسرائيلية دمرها المصريون اما بصواريخ «اجر» أو بقذائف الـ «آر.بي.جي» أو بمرورها فوق ألغام مضادة للدبابات
وقبل غروب الشمس بنحو نصف ساعة تأكد الإسرائيليون على طول خط المواجهة من ان المصريين لا يهاجمون بقوة وشراسة فقط، بل انهم يعتزمون نشر قوات داخل سيناء. وقد تأكدوا من ذلك عندما رأوا أجزاء من جسر يتم تجميعها في مياه القناة بالقرب من حصن «بركان» حاولت مجموعة دبابات مهاجمة الجسر، إلا انها تعرضت لنيران المصريين سواءـ «آر.بي.جي» أو«ساجر» وأصيب العديد منها، وصدرت الأوامر بانسحاب ما تبقى منها بعد تعرض أعداد كبيرة من الدبابات للتدمير
أدرك قادة سلاح المدرعات الإسرائيلي وجنوده انهم يواجهون نقلة نوعية في طبيعة المعارك، وان هناك شيئا ثوريا يحدث لا يستطيعون التصدي له، شيئا يماثل ظهور المدفع الرشاش واختفاء سلاح الفرسان فالدبابات التي ظلت لأكثر من نصف قرن السلاح الذي يحسم نتيجة أي معركة، أصبحت الآن صيداً سهلاً، بل اصبح بإمكان جن ي مشاة عادي ان يدمرها بسهولة. ----------------------------------------------------------------- مع الغاء الضربة الوقائية، لم يقم سلاح الطيران الإسرائيلي بأي نشاط يذكر خلال اليوم الاول من القتال وتركز دوره في حماية الاجواء الإسرائيلية وبعد ان امضى الميكانيكيون ساعات منذ الصباح في تجهيز الطائرات بالقنابل لشن هجوم على منصات الصواريخ السورية ثم على القواعد الجوية السورية، فقد اصبح يتعين عليهم الآن تفريغ الطائرات من حمولاتها واعدادها مرة اخرى للمعارك الجوية.
وقد صدرت الأوامر لبعض الطيارين بالاقلاع وتفريغ حمولاتهم في البحر حتى يتمكنوا من القيام بسرعة بطلعات جوية.
وقد قال بيليد، قائد السلاح الجوي الإسرائيلي، أمام لجنة تحقيق بعد انتهاء الحرب، إن اجراءات روتينية افقدتنا فرصة لتوجيه ضربة كبيرة، فقد حصل جهاز المخابرات العسكرية «أمان» على صور جوية حيوية التقطتها طائرات استطلاع لتحركات القوات المصرية قبل الحرب. إلا انه لم يحصل على تكبير لهذه الصور إلا بعد اسبوعين. وتظهر الصور لواءات مصرية مدرعة مصطفة بأعداد هائلة بانتظار التحرك نحو الجسور على القناة. وادعي أنه لو علم سلاح الطيران الإسرائيلي بهذه الاهداف الثابتة لكان قد الحق ضربة استباقية مدمرة بالقوات المصرية.
لم تتمكن القيادة الإسرائيلية من استيعاب الطابع الهائل للهجوم المصري، ولم تتمكن من استيعاب ما يحدث من تدمير شامل لقواتها على امتداد خط القناة. وقد نجح المصريون ببراعة في تحويل خطتهم الهجومية ـ التي تتلخص في عبور القناة ـ إلى معركة دفاعية. وكانت الدبابات الإسرائيلية فريسة سهلة لجنود المشاة المصريين. فقد حاولت الدبابات اقتحام الوحدات المصرية، إلا انها كانت دائماً تتعرض لكمائن من المصريين الذين كانوا يتوقعون منها القيام بهذه المحاولات.
لقد انقلب السحر على الساحر. وادت الأسلحة والتكتيكات المصرية الجديدة إلى تحطيم مفهوم صدمة المدرعات الذي تبنته القيادة الإسرائيلية.وأصبح الموقف خلال الساعات الأولى من الحرب هو صدمة المدرعات الإسرائيلية على ايدي المشاة المصريين. لقد ادى الهجوم المصري المفاجئ إلى إصابة القيادات الإسرائيلية بالشلل، والى إصابة العديد من ضباط جبهة سيناء بصدمة نفسية، لم يتمكنوا من الخروج منها إلا بعد مرور عدة أيام على الحرب، وذلك على حد قول احد كبار الضباط امام لجنة التحقيق الإسرائيلية في هزيمة حرب أكتوبر.
في ظل الخسائر الهائلة لسلاح المدرعات الإسرائيلي، أصدر اليعازر في الساعة 30,6 مساء يوم السبت أوامره إلى جونين بإخلاء كل التحصينات على ضفة القناة باستثناء تلك التي تقف في طريق التقدم المصري، أو التي يمكن استخدامها كمراكز مراقبة.
كان جونين يتولى قيادة العمليات من مقر المؤخرة على بعد 150 ميلاً من الجبهة، لم يكن يدرك ان العبور المصري يجري على طول خط القناة. وعند منتصف الليل، طلب جونين من اليعازر السماح له بشن هجوم على موقع مصري يقع على بعد نصف ميل شمال حصن «أوركال».
لم يكن جونين يدرك حقيقة ان الطريق المؤدي إلى «أوركال» قد تحول إلى مصيدة موت وقد تم تدمير كل دبابة ذهبت إلى هناك. ولذلك لم يمنح اليعازر تصريحاً لجونين لتنفيذ خطته. وفي الساعة 30,1 من صباح يوم الاحد، وبعد تدمير معظم دبابات فرقة سيناء، التي يقودها الجنرال البرت ميندلر، في الوقت الذي لم تتعرض فيه القوات المصرية لأية اصابات، اعلن جونين عن جهل ان العبور المصري قد فشل نظرا لانهم لم ينقلوا المدرعات المصرية إلى الضفة الشرقية من القناة حيث في الواقع كانت عدة مئات من الدبابات المصرية قد عبرت بالفعل القناة، على الرغم من انها لم تدخل ساحة القتال حتى الصباح.
في هذا الصدد كتب الجنرال أفرام أدان قائد سلاح المدرعات فيما بعد يقول: «ان جونين كان يتوصل إلى استنتاجات من دون ان يتشاور مع ضباطه في عملية تقويم الموقف. لقد كان يعتمد على حدسه وعلى تجاربه السابقة مع المصريين، الذين كان يكن لهم العداء والكراهية الشخصية. كما كان مساعدوه يخشون تقديم أية تقارير له خوفاً من ردود أفعاله. ولم يتوجه جونين إلى مقر المقدمة عند أم حصيبة على بعد 30 ميلاً من القناة إلا بحلول الساعة الثانية من صباح يوم الأحد، أي بعد مرور 12 ساعة من بدء الحرب».
لم يشارك ميندلر قائد فرقة سيناء الجنرال جونين في أوهامه لكنه لم يتمكن من التوصل إلى الاستنتاجات الضرورية انطلاقاً من الصورة المرسومة أمامه. فقد جلس في مقره هادئاً، وقد تركزت عيناه على خريطة كبيرة معلقة على الجدار يقوم ضباطه بتطوير التغيرات التي تطرأ عليها بين لحظة وأخرى وبعد أن اصدر اوامره لقادة لواءات الفرقة، وهي أوامر للدفاع أساساً عن خط القناة، لم يصدر بعد ذلك اية تعليمات اخرى، ونادراً ما كان يتحدث عبر شبكة اللاسلكي. وكان ما قاله للجنرال شومرون: «افعل ما في وسعك أن تفعله» هو آخر التعليمات التي تلقاها قائد اللواء في هذا اليوم.
كانت ترتسم على وجه ميندلر ابتسامة مريرة وهو يتطلع إلى الدوائر والأسهم الحمراء التي رسمها مساعدوه على الخريطة والتي تشير إلى توسيع نطاق رؤوس الجسور المصرية وذوبان الوحدات الإسرائيلية. كان ميندلر يختفي لفترات داخل مكتبه، حتى موعد اجتماع كبار ضباط الفرقة. لم تكن لديه صلاحية اصدار أوامر اخلاء التحصينات، لكنه لم يطلب هذه الصلاحية من القيادة العليا.
ولم تفهم الوحدات الموجودة في التحصينات على طول خط بارليف سبب مطالبتها بالبقاء في هذه التحصينات في الوقت الذي اصبح الموقف ميئوساً منه. وبدا واضحاً لهم ان التحصينات اصبحت بمثابة شراك يتعين الهروب منها، وليست نقاطاً مهمة يتعين الدفاع عنها. لكن جونين كان يعتزم استعادة شاطئ القناة بل وعبور القناة ولم يكن راغباً في التخلي عن النقاط الواقعة تحت سيطرته.
بعد توقف الحرب اثبت قرار جونين عدم اجلاء التحصينات انه تحول إلى كارثة على التحصينات وعلى الدبابات التي حاولت حمايتها وأنه في بعض التحصينات تم القضاء على معظم الجنود ، ولم يتبق سوى افراد الخدمة، وليس أفراداً مقاتلين. وقد ناشدوا افراد الدبابات الذين وصلوا إليهم ان يخرجوهم من هذه المقابر، وتم نقل طلبهم إلى القيادة، لكن الرد كان سلبياً.
وأعطى الظلام غطاء لصائدي الدبابات المصريين الذين كانوا يغطون كل الطرق المؤدية إلى التحصينات وتمكن هؤلاء من تدمير عشرات الدبابات أو تعطيلها وإصابة كل أفرادها. --------------------------------------------------------------------- في الوقت الذي تواصلت المعارك خلال الليل على طول القناة، أصدر القائد البحري الاسرائيلي زيف المونج أوامره للزوارق بالقيام بدوريات عند شرم الشيخ توقعا لمحاولات مصرية لانزال امدادات وتعزيزات لرجال الصاعقة الذين يتم نقلهم بطائرات الهليكوبتر عبر خليج السويس
وفي الساعة العاشرة مساء التقط زورقا دورية اشارات عبر الرادار رصدت عشرات الزوارق المصرية الصغيرة تقترب من خليج السويس لكن الزوارق المطاطية المصرية وعلى متنها العشرات من رجال الصاعقة نجحت في الاختفاء بمنطقة تنتشر بها سلسلة من الصخور، حيث لم تتمكن الزوارق الاسرائيلية من دخولها.وكانت طلعات طائرات الميج المصرية خلال الساعات الأولى من الحرب قد نجحت في قطع الاتصالات اللاسلكية بين المونج وزورقي الدورية عند الحافة الشمالية لخليج السويس.
وفي الساعة العاشرة مساء ذهل قائد الدورية عندما تلقى اتصالا مباشرا من قائد سلاح البحرية الاسرائيلي الادميرال بنيامين تيليم من غرفة عمليات البحرية في تل أبيب ليحذره من أن هناك استعدادات مصرية لنقل عناصر من الصاعقة الى شواطئ سيناء على متن قوارب صيد. ووقعت معركة بين الاسرائيليين والمصريين وانتهت بخسائر بين الجانبين، وفقد الاسرائيليون نصف قوتهم.
في ذلك الوقت، تعرضت التحصينات الاسرائيلية لهجمات مصرية عنيفة، وخسرت عددا كبيرا من افراد حاميتها ومدرعاتها.
وفي ظل هذه الأوضاع تلقى ميندلر تصريحا من جونين باخلاء الحصون لكن الوقت كان متأخرا جدا فقد كان العشرات من جنود المشاه المصريين يحاصرون التحصينات من كل الاتجاهات.
مع حلول ليل السادس من اكتوبر اصبح واضحا ان المصريين قد حققوا نصرا صريحا في المعركة، واجتازوا بأعداد هائلة خط بارليف بأقل خسائر. وكان ذلك نتيجة للتقصير الكبير واهمال التحصينات على طول خط بارليف وعدم وجود القوات الكافية لصد هجوم شامل. الا انه في هذا الصدد يعترف كبار الضباط الاسرائيليين بأنه حتى لو تم تعزيز التحصينات وزيادة عدد القوات، فان ذلك ما كان ليوقف الهجوم المصري.
ويرى المحللون أن كل افتراض من جانب القيادة الاسرائيلية بشأن طبيعة الحرب المقبلة ثبت أنه افتراض خاطئ، فقد افترضت ان جهاز المخابرات العسكرية «امان» سوف يزودها بانذار قبل نشوب الحرب بفترة، ولم يحدث ذلك، وافترضت ان السلاح الجوي سينقذها في الوقت المناسب، ولم يحدث ذلك أيضا، وافترضت انه بأعداد محدودة من المدفعية والمشاة فان «صدمة المدرعات» سوف تتمكن من وقف الهجوم، ولكن في الحقيقة انقلبت الاوضاع وسيطر المشاة المصريون بنيران «الار بي جيه» وصواريخ «ساجر» على مساحة القتال، وتعرض الاسرائيليون لصدمة فعلية مع سقوط الدبابات بالعشرات.
وتراخت كل القيادات الاسرائيلية في أعقاب حرب يونيو 1967 وتزايدت ثقتها في قوتها، وفسر أحد الضباط ذلك قائلا: كنا نقول لأنفسنا اننا نواجه مقاتلين عرباً وليسوا من الألمان كما فشلت هيئة الاركان الاسرائيلية في وضع خطط للتصدي للاعداد الهائلة من الاسلحة المضادة للدبابات الموجودة لدى المشاة المصريين، وهي الاعداد التي كانت القيادة الاسرائيلية على علم بها.
ومن بين كل الاخطاء القاتلة التي ارتكبتها القيادة الاسرائيلية خلال الاستعدادات للحرب، فإن الاعتماد على الدعم الجوي كان الخطأ الأكبر فقد عرف الاسرائيليون ان صواريخ سام تشكل تهديداً خطيراً بالنسبة لأي طلعات جوية، الا ان اليعارز وجنرالاته تركوا أنفسهم للاعتقاد بأن السلاح الجوي الذي تفوق خلال حرب يونيو سوف يتمكن بطريقة ما من التعامل مع صواريخ سام، عندما يصبح هذا التعامل ضرورياً وأدى هذا الاعتماد الى نشر أعداد قليلة من قطع المدفعية في سيناء.
وفي ظل عدم وجود ما يكفي من قطع المدفعية واختفاء الدعم الجوي، افتقر الجيش الاسرائيلي لقوة النيران بشكل أكبر من افتقاره للقوة البشرية. وأثبت المصريون انهم كانوا حريصين على توفير القوتين كليهما بشكل كبير.
وبالنسبة لجهاز المخابرات العسكرية الاسرائيلية «أمان» فإن فشله كان أكبر من الفشل في التحذير باقتراب الحرب فالجهاز لم يؤد دوره في إعداد الجيش الاسرائيلي لنوعية الحرب المقبلة وطبيعتها كما فشلت في التحذير من التكتيكات المبتكرة التي سيوظفها الجيش المصري، كما لم تدرك قوة الدافع والتدريب والتجهيز، وكلها عوامل جعلت الجندي المصري مختلفاً في حرب 1973 عن ذلك الجندي الذي واجهه الاسرائيليون في يونيو 1967. والعامل المشترك لكل ذلك هو التراخي والتكاسل في التفكير والحركة عند اليهود
أصاب الهجوم العربي المفاجيء اسرائيل بصدمة نفسية ألقت بظلال كئيبة على القيادة العسكرية الاسرائيلية التي انتهجت أسلوب الحذر خلال بقية الحرب ولكن لابد هنا من القول ان الاستعدادات الضعيفة هي المسئولة عن الهزيمة في «عيد الغفران» وليس عنصر المفاجأة في شن الهجوم فحتى لو لم تكن هناك أي مفاجأة في موعد الحرب، فإن الجيش الاسرائيلي لم يكن مستعداً لمواجهة التكتيكات المصرية الجديدة المضادة للدبابات، كما ان السلاح الجوي لم يكن ليصلح كسلاح دعم للقوات البرية نظراً لامتلاك المصريين لصواريخ سام المتطورة.
الجيش الاسرائيلي كان يضم قيادات شاخت، ولم يعد بمقدورها وضع سيناريوهات متعددة، لكنها ظلت حبيسة أفكار قديمة عن الجيشين المصري والسوري، والأخطر من ذلك ان هذه القيادات كانت تصدر أوامر خاطئة إلى الوحدات، وبعض هذه الأوامر كان تأثيرها كارثياً، كما هي الحال في عدم اصدار قرار باخلاء تحصينات خط بارليف في اليوم الأول، الأمر الذي حوّل هذه التحصينات الى مقابر للجنود الاسرائيليين.وقد تعرضت فرقة سيناء لخسائر فادحة في الأفراد والمعدات، حيث تم تدمير معظم دباباتها. --------------------------------------------------------------- بين عشية وضحاها تحول أكثر من 200 ألف مدني اسرائيلي الى أفراد بالجيش. الوحدات العسكرية لم تكن مستعدة لاستقبال هذه الاعداد وتحضيرها وتجهيزها للمشاركة في الحرب. وبالاضافة الى ذلك فإن الدبابات وضعت في المخازن بعد تفكيك أسلحتها، ولاعادتها مرة اخرى لأفراد الاحتياط كان يتعين تجهيزها وتسليحها، كما تم في حالات كثيرة تخصيص دبابات الاحتياط لعمليات التدريب وإعادتها الى ساحة العمليات مما يتطلب الكثير من العمل.
وكان الجيش الاسرائيلي يفترض انه سيتلقى انذاراً قبل نشوب الحرب بأربع وعشرين ساعة على الأقل، وبالتالي ستتاح له فرصة اصلاح مثل هذه الدبابات وتجهيزها وتسليحها كما ان المستودعات لم تكن مستعدة لاستدعاء كل الاحتياط في يوم واحد، ومن دون اشعار مسبق وفي بعض الأحيان كان جنود الاحتياط يبحثون عن دباباتهم في العديد من القواعد، او يبحثون عن بدائل لها واضطر أحد اللواءات الى البحث عن دباباته في ست قواعد مختلفة.
ولم تتوفر بعض تجهيزات الجنود مثل المناظير والكشافات والخوذات والأخطر من ذلك أن لواءات بكاملها اضطرت للتوجه الى الجبهة من دون مدافع رشاشة وهي التي قد تكون أكثر أهمية من مدافع الدبابات، خاصة في المواجهات مع جنود المشاة المصريين
موضوع: رد: استعراض كتاب رابينوفيتش عن حرب اكتوبر73 الإثنين 14 يناير 2013 - 14:51
إن افراد الاحتياطي الاسرائيلي لم ينضموا في ساحة المعارك إلى الجنود المجندين الذين تحملوا عبء الهجوم العربي الكبير، الا بعد يومين كاملين من المعارك لذلك كان الموقف بالنسبة لأفراد الاحتياطي غير واضح، لكنهم ادركوا ان القتال يدور بشراسة في كل مكان من الجبهة إلا أن الأمر الذي خفف من هم الجنود الاسرائيليين المحاربين في سيناء هو معرفتهم ان الوضع على الجبهة السورية أسوأ بكثير من الموقف الذي يواجهونه علي الجبهة المصرية. --------------------------------------------------------------- كانت القيادة العسكرية الاسرائيلية منقسمة في تصورها حول الجبهة التي سيتركز عليها الهجوم السوري الرئيسي كان جهاز المخابرات العسكرية «أمان» يعتقد أنه سيكون في الجزء الجنوبي من الجولان، حيث الأرض منبسطة نسبياً وكانت القيادة الشمالية تعتقد ان الهجوم سيتم شنه من القطاع الشمالي بالقرب من مدينة القنيطرة. وعلى الرغم ان الأرض وعرة إلا أن الهجوم من هذه المنطقة سيؤدي الى تقدم القوات السورية بسرعة نحو قاعدة «نافاخ» الاسرائيلية الرئيسية على الجولان والى جسر «بنات يعقوب» الذي يمثل البوابة الأساسية بين الجولان واسرائيل. -------------------------------------------------------------- بدأ القتال على الجبهة الشمالية بقصف مدفعي كثيف من دون سابق إنذار على عكس الحال في سيناء، حيث تم التقاط رسالة من مركز تابع للأمم المتحدة، عرفت المخابرات الاسرائيلية منها ان المدفعية المصرية على وشك فتح نيرانها علي سيناء
بسبب القصف السوري غطت سحب الدخان كل شيء من مفترق الطرق إلى معسكرات الجيش والنقاط الحصينة ومركز القيادة ومنطقة المستودعات ومركز الاتصالات على الهضبة كان قادة الكتائب التابعة للواء السابع قد وصلوا لتوهم إلى قاعدة «نافاخ» لحضور الاجتماع المقرر عقده في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 6-10-1973 مع الكولونيل بن جال، عندما تعرض المكان لقصف جوي من طائرات ميج سورية. ---------------------------------------------------------- أحدث الهجوم السوري المفاجيء فراغاً في القيادة الاسرائيلية، التي تصارع عليها عدد من الجنرالات في ظل غياب الجنرال هوفي عن الجولان لحضور اجتماع في تل أبيب مع الجنرال اليعازر
استقروا علي أن يتولى اللفتنانت كولونيل يوري سمحوني ضابط عمليات القيادة الشمالية اصدار الاوامر وكان الأمر الاول الذي أصدره سمحوني واحداً من أهم القرارات التي صدرت خلال الحرب00 ولقد ظل المحللون العسكريون يتناقشون لعدة أعوام تلت الحرب حول ما إذا كان هذا القرار سليماً أم خطأ فبعد نصف ساعة من بدء القصف السوري المدفعي، اصدر ( يوري سمحوني )توجيهاته الى ( بن جال) بإرسال كتيبة دبابات من كتائبه الثلاث الى الجزء الجنوبي من الجولان ونشر الكتيبتين الأخريين شمالي القنيطرة، حتى تساند هذه الكتائب كتيبتي الدبابات التابعتين للواء بن شوهام على خط المواجهة ويقوم هذا القرار في جانب منه على معلومات واردة من الجبهة، فقد ذكرت التقارير ان القطاع الجنوبي يحاول وقف تقدم السوريين، أما القطاع الشمالي فيشهد وضعاً خطيراً، خاصة مع ما توصلت اليه القيادة الشمالية الاسرائيلية من ان الهجوم السوري الرئيسي سيكون من منطقة القنيطرة.
وقد ارتكب يوري سمحوني خطأً كبيراً، وانتهك واحدا من المباديء الاساسية للحرب بنشر ثلاث كتائب في القطاع الشمالي وكتيبتين في القطاع الجنوبي وعدم ابقاء أية قوة احتياطية في حالة حدوث أي تطور غير مواتي لجيش اسرائيل وعندما توقف قصف المدفعية السورية تقدمت مئات من الدبابات والعربات المدرعة، وعلى متنها جنود المشاة حاملين بنادقهم ودارت معارك شرسة بين الجانبين، ونجحت الدبابات السورية في التسلل من منطقة خالية بعيدة عن النقاط الاسرائيلية الحصينة
لقد كانت فكرة الاستراتيجية السورية تتلخص في ارهاق الدفاعات الاسرائيلية المحدودة من خلال الهجوم على جبهة عريضة قدر الامكان واستغلال النقاط الضعيفة بعثت الفرقة التاسعة في وسط الخطوط السورية بقوات ضد القنيطرة في القطاع الشمالي، كما شنت هجوماً في الجنوب. وعندما تحقق تقدم في الجنوب نقلت الفرقة ثقلها هناك مما زاد الضغط على القوات الاسرائيلية بالجنوب
وفي الساعة التاسعة مساء نفدت ذخيرة الاسرائيليين بعد معارك دبابات شرسة، قتل فيها العديد من الضباط والجنود الاسرائيليين وتمكن السوريون من تجاوز خط وقف اطلاق النار واحراز تقدم على جبهة الجولان. ---------------------------------------------------------------------- كان الاسرائيليون قد أقاموا فوق قمة جبل الشيخ مركزاً استخباريا ومحطة انذار مبكر كما أتموا بناء نقطة محصنة كبيرة فوق الجبل معظم مبانيها تحت الارض. وكانت الاجهزة الاليكترونية للمحطة ترصد التحركات السورية على طول الجبهة. --------------------------------------------------------------------- وفي يوم 6 اكتوبر 1973كان هناك 55 رجلاً داخل مركز جبل الشيخ، معظمهم من افراد الجيش والسلاح الجوي والمخابرات وبعض الفنيين كان المركز يمر بمراحله الاخيرة لعملية اعادة بناء مكثفة، ويتكون افراد أمنه من عشرة جنود مشاة من لواء جولاني، ثلاثة منهم تم الحاقهم بمركز مراقبة يبعد ميلاً واحداً عن المبنى الرئيسي وكان ترك هذه المنشأة ذات القيمة الكبيرة بدون تأمينها بقوة أكبر يعكس سلسلة الاخطاء التي ارتكبتها القيادة الاسرائيلية، ومن بينها الاعتقاد ان السوريين لن يستطيعوا مهاجمته.
وفي الواقع فإن السوريين وضعوا مركز جبل الشيخ الاسرائيلي على قمة قائمة اهدافهم. وتلقى المقدم ( أحمد رفاعي الجوجو ) قائد احدى سرايا الكتيبة 82 التي تعد افضل الوحدات المقاتلة في الجيش السوري، التعليمات الاخيرة حول مهمته صباح يوم السبت 6- 10-1973حيث ستقوم طائرات هليكوبتر بانزالهم على بعد نصف ميل من المركز الاسرائيلي وسيتخذ رجاله مواقع لهم حول المركز والطريق المؤدي اليه من هضبة الجولان. وسوف يسير بقية أفراد الكتيبة التي تضم نحو مئتي جندي، على اقدامهم من الجانب السوري. وسوف تهاجم هذه القوة الموقع، فيما سيقدم لهم رجال أحمد الجوجو الحماية اللازمة.
غادرت اربع طائرات هليكوبتر سورية في الساعة الثانية بعد الظهريوم 6-10 أي في لحظة اندلاع الحرب، واتجهت نحو الموقع الاسرائيلي. احدى طائرات الهليكوبتر تحطمت بينما وصلت الطائرات الثلاث بسلام، وقفز الرجال منها، وهي تقترب من الارض وبحلول الساعة 2.45 بعد الظهر وصلت بقية الكتيبة الى الموقع.
وفي ظل عدم وجود اية خنادق او مواقع لاطلاق النار لم يتمكن الاسرائيليون سوى من اطلاق النار علي السوريين من المداخل الضيقة للمركز. وبعد تبادل لاطلاق النار استمر 45 دقيقة انسحب ما تبقى من الاسرائيليين الى داخل المبنى وأغلقوا الباب الحديدي. وبحلول الساعة الخامسة مساء تمكن السوريون من اقتحام المبنى بعد ان ألقوا القنابل اليدوية وقنابل الدخان. تمكن 11 اسرائيلياً من الفرار ولكن تمكن السوريون من قتل 13 اسرائيلياً وأسر 31 منهم أربعة ظلوا مختبئين في سرادب تحت الارض لمدة سبعة ايام. بعد ذلك وصل الخبراء السوفييت وقاموا بتفكيك المعدات الالكترونية الموجودة داخل المركز، كما قام السوريون باستجواب الاسرى من افراد المخابرات الاسرائيلية وحصلوا منهم على معلومات مهمة للغاية حقاً كان سقوط هذا المركز من الامور المهينة التي تعرضت لها اسرائيل خلال حرب اكتوبر. ----------------------------------------------------------------------- صعد السوريون من هجومهم علي الاسرائيليين -وقبل حلول الظلام تم دفع لواءين سوريين باتجاه القطاع الشمالي، بينما اتجهت أربعة ألوية للقطاع الجنوبي. خسرت كتيبة اسرائيلية واحدة 12 دبابة خلال القتال الذي دار عصراً، وهو ما يعادل ثلث قوتها. كما قتل خلال القتال ثلاثة من قادة السرايا، بينما اصيب الميجور ابسكاروف، نائب قائد الكتيبة. ----------------------------------- عندما هبط الظلام بدأ السوريون في تعزيز هجومهم وطلب قائد القطاع الجنوبي الاسرائيلي دعماً جويا ومساندة المدفعية ولكن من دون جدوى. اما في القطاع الشمالي فقد خسرت كتيبة واحدة سبعة دبابات من دباباتها الثلاث والثلاثين. -------------------------------------------------------- كان الاسرائيليون يعتقدون ان العرب لا يميلون الى القتال الليلي ولذلك لم تهتم القيادة الاسرائيلية بالأجهزة التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء الموجودة لدى الجيش السوري.
ولكن في هذه الليلة هاجمت الدبابات السورية مستخدمة اجهزة الاشعة تحت الحمراء وكان بمقدور سائقي الدبابات السورية الانطلاق باستخدام الاشعة تحت الحمراء التي تضييء الطريق وباستخدام ادوات تسليط ضوء بالأشعة تحت الحمراء تضييء الاهداف امام رجال المدفعية من دون ان يدرك الاسرائيليون انهم في بؤرة الضوء و في هذه الليلة هاجمت الدبابات السورية الاسرائيليين بضراوة شديدة ونجحت في التقدم داخل هضبة الجولان والسيطرة على مواقع مهمة. --------------------------------------------- مع استمرار الهجوم السوري قال اللفتنانت كولونيل ديني اجمون، ضابط المخابرات الملحق بالقوات الاسرائيلية بالجبهة الشمالية، انه يبدو ان السوريين يحاولون استعادة الهضبة كلها وليس مجرد مستوطنة او نقطة حصينة واذا كانوا يحاولون ذلك، فانهم سيسعون الى الاستيلاء على جسر «بنات يعقوب». تشكك (هوفي) قائد القوات الشمالية في ذلك ، لكنه امر بتحذير وحدة هندسية بالقرب من الجسر من احتمال تعرض جسر بنات يعقوب لهجوم سوري. -------------------------------------------------- وعلى امتداد ساعات بعد حلول الليل نفت القيادة الشمالية تقارير بحدوث اختراقات سورية للقطاع الجنوبي وتقوم هذه التقارير على اساس افادات لوحدات الدبابات بأن السوريين لم يشنوا اي هجوم عليهم، الا ان الحقيقة هي ان السوريين كانوا يتسللون بكثافة بين النقاط الحصينة، ونظرا لقلة اجهزة الرؤية الليلية المتوافرة لدى القوات الاسرائيلية لم يدرك احد ما يدور خلف الجبهة مباشرة، وعندما سمع ضابط لاسلكي اسرائيلي صوت قائد سوري يبلغ قيادته انه وصل بقواته الى الحوشنة فوق الجولان، سارعت القيادة الشمالية بالكولونيل (اسحاق بن شوهام ) قائد اللواد 188 لتتأكد منه من صحة ذلك. رد إسحاق قائلاً لابد وان يكون القائد السوري قد اختلط عليه الامر، خاصة وانني شخصياً قد مررت بالقرب من الحوشنة قبل فترة قليلة). الا ان قائد النقاط الحصينة الجنوبية تلقى تقارير من رجاله تفيد بعكس ذلك الكلام ، بل انها تشير الى ان الدبابات السورية اصبحت في الجانب الاسرائيلي من الخط القريب من النقطة 116 الحصينة، وانها تندفع جنوبا باتجاه مستوطنة ( رامات ماجشميم )، كما علم قائد النقطة 111 الحصينة ان الدبابات السورية اخترقت الخط هناك، بينما تحدث تقرير آخر عن اختراق سوري بين النقطتين 115 و116 عندما وصلت كل هذه التقارير الى بنى شوهام رفض تصديقها. ------------------------------------------------------ يري المحللون الاسرائيليون ان انهيار القطاع الجنوبي بخط المواجهة بين السوريين والاسرائيليين يرجع إلي سببين : 1- في جانب منه الى الطبيعة الجغرافية المنبسطة نسبيا للمنطقة مما جعل مهمة اختراق الدبابات السورية لها مهمة سهلة، وفي جانب آخر الى عدم وجود دبابات اسرائيلية كافية للدفاع عن هذا القطاع، بالمقارنة مع القطاع الشمالي. 2- عدم ترابط الخطوط بالقيادة الشمالية الاسرائيلية ففي القطاع الشمالي، كان قائد القطاع الشمالي (بن جال )متمركزا خلف خطوط الجبهة مباشرة، بينما كان إبن شوهام يدير المعركة خلال الساعات الاولى الحرجة من بدء الحرب من غرفة محصنة تحت الارض في «نافاخ»، وكانت هذه الغرفة مكانا مناسبا في بداية الامر، عندما كان يتولى قيادة كل القوات في الجولان اثناء وجود هوفي في تل ابيب.
ولكن عندما عاد (هوفي ) في الساعة 30,4 مساء ظل ابن شوهام في مخبئه في نافاخ ساعتين أخريين، ولم يتمكن بعد ذلك من الوصول الى الجبهة نتيجة للقصف المدفعي، لكنه كان على اتصال لاسلكي بوحداته الا انه لم يتمكن من قراءة سير المعارك وهو بعيد عنها. ومع نفي هوفي للتقارير التي تؤكد حدوث هجوم سوري مكثف، فقد فشل (بن شوهام )في متابعة التطورات الرئيسية في قطاعه. ---------------------------------------------------------------- وفي القطاع الشمالي، وصل لواء ميكانيكي سوري الى مستوطنة رامات ماجشيميم. ولم تكن هناك اية عقبات توقف تقدم اللواء الى الجنوب لمسافة 20 ميلا اخرى الى الجانب الاسرائيلي من وادي الاردن، كما كان بامكان السوريين التقدم غربا لمسافة عشرة اميال اخرى، لكن هذه لم تكن السيناريوهات التي رسمها السوريون، فقد كان هدفهم الاساسي هو القاعدة الاسرائيلية الكبرى في «نافاخ» وجسر «بنات يعقوب». لقد كانت الخطة السورية تقضي بالتقدم حتى الوصول الى جنوب الجولان ثم التحول شمالا، وان يقوم اللواء 51، الذي يضم مئة دبابة، بالتقدم الى ان يصل الى الحوشنية ثم الاتجاه شمالا نحو «نافاخ». كما سيقوم اللواء 43السوري بهجوم موازي ليصل الى طريق ريشيت، الذي لم تكن تحرسه سوى سبع دبابات اسرائيلية، اما طريق التابلاين الذي ستمر منه الدبابات السورية فلا توجد به اية دبابات اسرائيلية على الإطلاق. لم يدرك هوفي مدى خطورة الهجوم السوري إلا عند حلول منتصف الليل فقد تمكنت 300 دبابة سورية من التقدم داخل القطاع الجنوبي من الجولان، ولا توجد بالقطاع سوى نحو ثلاثين دبابة اسرائيلية بدون ما يكفي من الذخيرة والوقود بعد عشر ساعات من القتال المستمر، ولن تصل قوات كبيرة من الاحتياط قبل بعد ظهر اليوم التالي.
نقل (هوفي) مخاوفه الى (اليعازر) فيما يتعلق بتعذر صد الهجوم لحظتها كان هوفي داخل غرفة حصينة في قاعدة «نافاخ» حيث ساد الرعب من الجيش السوري بين جميع العسكريين بمختلف رتبهم، ومع تزايد الحصار السوري للقاعدة نصح كبار الضباط هوفي بسرعة مغادرتها قبل سقوطها وسلم (هوفي ) قيادة الجولان الى الجنرال ( ايتان )، وفر هاربا على متن سيارة جيب الى اسرائيل. ------------------------------------ افادت تطورات الحرب، خلال الجزء الأول من الليل، ان الهجوم السوري خف قليلاً، بينما يتقدم الهجوم المصري بايقاع سريع، فقرر اليعازر اعطاء الاولوية للجبهة مع مصر. كما اصدر اوامره إلى هوفي باخلاء النقاط الحصينة المعرضة للخطر والاستعداد للانسحاب إلى خط بالقرب من حافة هضبة الجولان. ---------------------------------------------------------------------- أبلغ اليعازر مجلس الوزراء الاسرائيلي ليلة السبت السادس من اكتوبر بأن الامور سيئة والتقارير الواردة من الجبهتين المصرية والسورية لا تدعو إلى الارتياح وقال: «نحن نحاول تلمس طريقنا وسط ضباب الحرب».
حاول اليعازر تهدئة مجلس الوزراء حيث كان بعض الوزراء على وشك الانهيار العصبي فقال اليعازر لهم: هذه هي المرة الأولى التي يخوض فيها الجيش الاسرائيلي معارك دفاعية كما حاول الوزير موشي ديان ان يكون متفائلاً، مشيراً إلى أن قوات الاحتياط سوف تبدأ في الوصول إلى ساحات المعارك غداً، لكنه لم يحب أن يتجنب الاشارة إلى الخطر الذي يحوم في الافق. وقال انه اذا حققت مصر وسوريا انتصارات كبيرة، فإنه من المحتمل ان ينضم العراق والاردن ولبنان الى الحرب. ------------------------------------------------------------- يشير المؤلف الى انه حتى في الوقت الذي بدأت وحدات الاحتياطي تصعد هضبة الجولان، كانت القيادة الشمالية تستعد للانسحاب من الجولان بكاملها وفي الساعة 30,4 من فجر الاحد 7 أكتوبر صدرت الاوامر باخلاء قواعد الجيش من أية وثائق مهمة. وبدأت الشاحنات في انزال الذخيرة من مستودع كبير بالقرب من جسر «بنات يعقوب» في الوقت نفسه واصلت المدرعات السورية تقدمها، فيما كانت القوات الاسرائيلية تتقهقرأمامها0 وقبل الفجر هدأت حدة القتال على طول خط المواجهة، فيما واصلت القوات السورية تدفقها على القطاعات غير المحصنة. ------------------------------------------------------------------------------- عندما وصل ديان على متن طائرة هليكوبتر إلى مقر القيادة الشمالية، ابلغه هوفي، بكل وضوح وصراحة، بأنه يتعين اخلاء الجولان. وقال له ( ليس هناك ما يكفي من القوات القادرة على منع السوريين من الاندفاع جنوباً من رامات ماجشميم إلى وادي الأردن) كان الجنرال دان لانر قائد احدى فرق الاحتياطي، متشائماً مثل هوفي، وقال: «ان القتال انتهى في جنوب الجولان، وقد خسرنا المعركة. وليس بمقدورنا القيام بأي شيء لوقف التقدم السوري».
وواجهت هذه الصورة الكئيبة وزير الدفاع الاسرائيلي موشي ديان خلال الأيام التالية. لم يتمكن موشي من الاتصال باليعازر، فاضطر( موشي )الى الاتصال بقائد السلاح الجوي ( بيليد) في الساعة الخامسة من صباح الأحد، تساءل موش ديان عن خطط بيليد لهذا اليوم. قال بيليد : سنشن هجوما على كتائب الصواريخ المصرية. فطلب منه ديان الغاء هذا الهجوم قائلا لا توجد سوى الرمال في سيناء، كما ان قناة السويس تبعد 150 ميلا عن تل أبيب 0 إن الموقف أخطر على جبهة الجولان، وان السلاح الجوي هو الوحيد القادر على وقف تقدم السوريين الى ان تصل قوات الاحتياطي. وأري انه اذا لم تشن الطائرات هجوما بحلول الظهر، فإن السوريين سوف يصلون الى وادي الأردن. وهنا استخدم ديان عبارة لأول مرة وسوف يكررها على مدى الأيام المقبلة وسط استياء كل من يسمعها، فقد قال لبيليد ان «المعبد الثالث في خطر». ويقصد بالمعبد الثالث اسرائيل، وكان المعبد الأول قد بناه سليمان، وهدمه البابليون في 586 قبل الميلاد، بينما بنى المعبد الثاني هيرود، ودمره الرومان في 70 ميلادية.
يقول المؤلف ان هذا الأمر الصادر من وزير الدفاع أثار دهشة كبار ضباط السلاح الجوي خلال اجتماع عقد في غرفة العمليات. فقد رأى كبار الضباط ان هذا الهجوم الجوي لن يقدم أي دعم للمعارك على جبهة الجولان، خاصة وأن بطاريات سام ـ 6 السورية في حالة حركة مستمرة ومن الصعب رصد مواقعها. وبالاضافة الى ذلك فليس هناك أي منطق يقف وراء الغاء هجوم كان مقرراً على الجبهة الجنوبية لاحداث الاضطراب في صفوف القوات المسلحة المصرية.
دخل الكولونيل جيورا فورمان رئيس العمليات في مناقشة ساخنة مع بيليد وصلت الى حد تبادل الكلمات. ان المنطق الحربي ربما يقف في صف كبار الضباط، لكن بيليد كان الرجل الوحيد في الغرفة الذي سمع تحذير ديان فجر يوم الاحد7أكتوبر. اغلق بعنف باب المناقشة قائلاً: «انني اتفهم وجهات نظركم، ولكن الطائرات في طريقها الآن الى الجولان».
وقبل الظهر اتجهت 60 طائرة فانتوم نحو هضبة الجولان كانت القوات السورية المتقدمة منتشرة الآن على جانبي الخط البنفسجي ـ وهو الاسم الذي يطلق على خط وقف اطلاق النار بسبب لونه على خريطة اسرائيل. وعندما حلقت الطائرات على ارتفاع منخفض فوق رؤوس القوات السورية، انضم المشاة والدبابات إلى المدافع المضادة للطائرات في عملية اطلاق النار علي الطائرات. فارتفعت الطائرات لتحديد مواقع بطاريات الصواريخ، لكن الطيارين اكتشفوا ان كل بطاريات سام ـ 6 قد ذهبت ولم يجدوا سوى بطارية واحدة قاموا بتدميرها، ولكن في المقابل تم اسقاط ست طائرات فانتوم بنيران المدفعية، وليس بصواريخ سام. كانت نتائج اليوم كارثية بالنسبة للسلاح الجوي الاسرائيلي، ولكل الجيش الاسرائيلي برمته. وفي يوم واحد اهتزت سمعة الجيش كقوة عسكرية، كما اهتزت كثيراً ثقة صانعي القرارات في قدراتهم.
يقول الجنرال ديفيد افري خلف بيلير في شهادة امام لجنة التحقيق بعد الحرب انه لو تم تأجيل الهجوم الجوي لمدة ساعتين فقط، لتوفر لنا الوقت لاكمال مهمة التقاط صور جوية لتحديد موقع صواريخ سام ولاعادة طائرات الهليكوبتر الحاملة للمعدات الالكترونية من سيناء لتقوم بالتشويش على هذه الصواريخ.
وكان بيلير قد حذر كبار قياداته قبل يومين من أنهم قد يدخلون في مجال النيران اذا لم يتم تدمير صواريخ سام. وقد حدث ذلك، فقد دخلوا في مجال النيران التي سرعان ما التهمتهم ففي خلال اليومين الاولين من الحرب: خسرت اسرائيل 35 طائرة، ولم تصيب دفاعات الصواريخ العربية. لم تتعرض القوات البرية العربية لأي تهديد يذكر من الجو. لم يحقق سلاح الجو الاسرائيلي أي نجاح يذكر، حتى ان القوات البرية الاسرائيلية التي كانت تتعرض لهجمات وقصف مستمرين كانت تتطلع الى السماء، وتتساءل: «أين السلاح الجوي؟». ------------------------------------------------------------------ مع حلول فجر يوم الأحد 7-10-2006، دارت معركة عنيفة في جنوب الجولان بين المدرعات السورية والاسرائيليين، شاركت فيها طائرات الميغ السورية. وبحلول الظهر تلقى (بن جال) قائد اللواء السابع بجبهة الجولان تقريرا يفيد بمقتل الكثير من الجنود. وبدأت الصورة تزداد قتامة بالنسبة لقيادات الجيش الاسرائيلي - فقد خسروا معركة جنوب الجولان، وفي سيناء دمر المصريون خط بارليف وأحرزوا تقدما كبيرا على الأرض، وفي الجو اسقطت صواريخ ساجر أعداداً كبيرة من الطائرات الاسرائيلية بطريقة متكررة وسهلة. ---------------------------------------------- بدأت طائرات سكاي هوك تحلق على ارتفاع منخفض فوق جنوب الجولان على الرغم من امكانية تعرضها لصواريخ ساجر، وذلك في محاولة يائسة لابطاء تقدم الدبابات السورية. ولكن في غضون ثوان اطلقت عليها صواريخ ساجر، فأصابتها جميعا. وبعد دقائق طلعت اربع طائرات اخرى اسقطت صواريخ ساجر اثنتين منها، فتأكد عندئذ الجنود الاسرائيليون ان الخلاص لن يأتي من الجو.
فقد حاولت الطائرات الاسرائيلية الهروب من صواريخ ساجر، الا ان ست طائرات سكاي هوك تم اسقاطها، وهي تحاول وقف هجوم الدبابات السورية، بينما اصيبت 11 طائرة اخرى. وبدا بوضوح ان الغارات الجوية لوقف التقدم السوري كانت ذات تأثير هامشي. -------------------------------------------- تعرضت القوات الاسرائيلية طوال يوم الأحد لهجوم سوري قوي يتجاوز نطاقه اي شيء تخيله الاسرائيليون. وعلى عكس الجبهة المصرية، فان المعارك التي دارت على الجبهة السورية كانت معارك دبابات في مواجهة دبابات. ان المصريين لجأوا الى استخدام صواريخ «ساجر» وقذائف «ار بي جي» بأعداد كبيرة خلال المعارك الاولى في سيناء نظرا لأن الدبابات المصرية لم تتمكن من عبور القناة في الوقت المحدد للتصدي للمدرعات الاسرائيلية. ومع ذلك لم تتوقع القيادة المصرية ان تفقد اسرائيل ثلثي فرقة مدرعة في نصف يوم فقط، خلال معركة كان ابطالها جنود المشاة وحدهم. ولم يكن السوريون، في المقابل، يعانون من نقص في «الار بي جي» وصواريخ «ساجر»، لكنهم لم يلجأوا لاستخدامها بأعداد كبيرة لأنهم لم يكونوا بحاجة للمشاة، فقد تمكنوا من عبور الحواجز التي تفصلهم عن الخط الاسرائيلي وهذه الحواجز كانت عبارة عن خنادق مضادة للدبابات وحقول ألغام، وواجهوا الدبابات الاسرائيلية بدباباتهم. ------------------------------------------------------------------------------------ في أي موقع تريدني؟
كان الهجوم السوري قويا مما دعا (اليعازر) الى التحدث مع (هوفي )عصر يوم الاحد ليحثه على تشكيل خط دفاعي ثاني عند حافة الهضبة، بعد ان استعاد السوريون معظمها.وقال اليعازر انه من المهم الابقاء على موطئ قدم فوق الهضبة الى ان تصل فرقة موشي بيليد صباح الاثنين لم يكن هوفي متأكدا من امكانية ذلك، خاصة وان السوريين قد استولوا تقريبا على قاعدة «نافاخ». أثارت هذه المحادثة قلق اليعازر- فعلى الرغم من احترامه لقائد الجبهة الشمالية وادراكه انه لولا تحذيرات هوفي بشأن التعزيزات السورية، لكانت هضبة الجولان قد سقطت الآن لكنه شعر بأن هوفي يعاني من الاستنزاف، ويحتاج الى ضابط كبير بجواره ليشاركه العبء الذي يتحمله بمفرده. قرر اليعازر ارسال حاييم بارليف، الذي سبقه في تولي رئاسة هيئة الاركان، لتقويم الموقف هناك.
وعندما طرح اليعازر الفكرة على جولدا مائير وديان، وافقا على الفور، كما وافق بارليف، وسأل ديان عما يريده منه، فقال له انه كان يعتزم أصلا ان يحل محل هوفي الذي يعاني من الانهيار والاجهاد نتيجة لاتساع نطاق الهجوم السوري، لكن اليعازر استبعد الفكرة وبالتالي فإنه سيحل محله، ولكن دون تعيين رسمي.
وفي مقر القيادة الشمالية، لم يتغير الموقف الصعب كثيراً على الرغم من وصول وحدات الاحتياطي، التي لم تتمكن من ان تفعل شيئاً يذكر أمام تدفق المدرعات السورية وعندما وصل الجنرال موشي بيليد الى المقر وجد هوفي مستلقياً في ركن مظلم بإحدى الغرف يحاول الحصول على قسط من الراحة فسأله بيليد: «إن فرقتي ستصل الليلة.. في اي موقع تريدني؟».
عندئذ طلب منه هوفي ان يشكل خطاً دفاعياً على طول نهر الاردن، صدم بيليد من هذا الامر الذي يعني التخلي عن الجولان، بل إنه تلقى صدمة أخرى، عندما علم أن المهندسين يستعدون بالفعل لتفكيك الجسور بدا هوفي هادئاً، لكن بيليد شعر بأنه منهك نتيجة لتطورات اليوم السابق.وعندما وصل بارليف إلى مقر القيادة الشمالية، ذهل من حالة التخبط والفوضى التي يعاني منها الجميع. ----------------------------------------------------------- أعد بارليف وبيليد اعدا معاً خطة لشن هجوم مضاد، من خلال التقدم باتجاه الشمال الشرقي وقطع نقاط الدخول السورية الرئيسية لجنوب الجولان وعندما تنقطع خطوط الامدادات ستضطر القيادة السورية الى سحب قواتها.
قام الاسرائيليون بإخلاء تل فارس وتركوا النقطة 116 الحصينة لتكون المركز الاسرائيلي الوحيد على طول الجزء الجنوبي من خط وقف اطلاق النار ، وفي الساعة الثامنة مساء اتجهت خمس دبابات سورية نحو هذه النقطة وحاصرتها وبحلول صباح اليوم التالي، بدأت الدبابات في قصف الحصن، الذي سقط بعد مقتل جميع الاسرائيليين بداخله.
وعندما حل الظلام يوم الاحد، هدأت حدة المعارك في القطاع الأوسط طلب قائد الوحدة من عدد من جنود المشاة تفقد ساحة المعركة بحثاً عن الدبابات المعطلة والجرحى والقتلى كان هناك الكثير من المفقودين من بينهم قائدا كتيبتين عثر المشاة على الكولونيل شافر وافراد طاقمه ممددين على الأرض في حالة سيئة بجوار دبابتهم على الطريق من نافاخ الى القنيطرة، كانت احدى عيني الضابط شافر قد فقئت بعد اصابتها بإحدى الشظايا، كما وصل هاريل، قائد الكتيبة الثانية الذي اصيبت دبابته، سيراً على قدميه وهو في حالة سيئة هو الآخر.
في ضوء الخسائر الثقيلة، كان من الضروري إعادة بناء اللواء الاسرائيلي من الصفر مرة اخرى، خاصة بعد مقتل معظم قياداته. خلال يومين من المعارك تكبد فيها الجيش الاسرائيلي خسائر فادحة إلا أنه تمكن من وقف الهجوم السوري. وبعد ان كانت القيادة الشمالية الاسرائيلية تفكر صباح يوم الاحد في الانسحاب من كل الجولان، اصبحت تستعد لشن هجوم مضاد على الجبهة المصرية
على الرغم من ان قائد القيادة الجنوبية جونين كان اكثر ثقة في نفسه من نظيره، بالقيادة الشمالية هوفي، فإن وزير الدفاع الاسرائيلي ديان كان يرى في ثقته مشكلة، وبمجرد أن أبلغ جونين ديان بأنه مع وصول فرق الاحتياطي، فإنه من الممكن له أن يقوم بإخراج المصريين من سيناء، بل من الممكن العبور الى الضفة الغربية من القناة هنا رد عليه موشي ديان قائلاً ومحذراً له : ( ينبغي اعطاء الأولوية لتشكيل خط دفاعي ثانٍ، والتخلي عن تحصينات بارليف، ويتعين على الأفراد الموجودين داخل التحصينات المحاصرة ان يعجلوا بالهروب منها سيراً على الاقدام عند حلول الظلام. وينبغي عدم بذل أية محاولات اخرى لاعادتها للسيطرة من خلال هجوم بالدبابات كما ينبغي ترك الجرحى غير القادرين على الحركة ليكونوا اسرى لدى المصريين فهذا أفضل لهم وأوصى بأن يكون خط الدفاع الجدير على طول طريق المدفعية على بعد ستة أميال من القناة). -------------------------------------------------------- بعد ان زار ديان الجبهتين الشمالية والجنوبية شعر بالصدمة من اتساع نطاق الهجوم العربي، كما انتابته حالة من القلق لم يشعر بها من قبل. وهو التعبير الذي استخدمه ديان نفسه في مذكراته عن الحرب بعد ذلك، لقد بنت اسرائيل استراتيجيتها الدفاعية على اساس افتراض مفاده ان العرب الذين سيواجهونهم في الحرب المقبلة سيكون هم انفسهم الذين هزمهم الاسرائيليون في حرب يونيو 67. وهذا الافتراض هو الذي تسبب في هذا التقصير الخطير وأدى الى نشر اعداد قليلة من القوات على طول خطوط المواجهة، وقد اظهرت معركة اليوم الاول وحده بأن العرب قد تغيروا كثيراً. فالمصريون والسوريون كانوا يهاجمون وفقاً لخطة مدروسة بعناية افضل كثيراً من الخطة الاسرائيلية كما يمتلكون اسلحة حديثة، من بينها اسلحة لا تستطيع اسرائيل التصدي لها، مثل صواريخ سام 6 وساجر. والاكثر أهمية من ذلك ان الروح القتالية للمصريين والسوريين كانت عالية للغاية، ولم يتوقعها الاسرائيليون، والآن عندما يتعرض الجنود العرب لهجوم عليهم فإنهم لا ينسحبون أو يهربون ولكن يتمترسون في اماكنهم ويوجهون ضربات موجعة للمهاجمين الاسرائيليين. --------------------------------------------------- يقول المؤلف هنا ان اسرائيل لم تضع ضمن حساباتها قوة الدفع النفسية الحيوية التي استفاد منها العرب، بعد ان اخذوا بأيديهم زمام المبادرة. شعر ديان بحالة من اليأس، على الرغم من انه كان يتحدث بتفاؤل بعد ساعتين فقط من نشوب الحرب، عندما قال لعدد من رؤساء تحرير الصحف الاسرائيلية: «ان المصريين اقحموا انفسهم في مغامرة لم يفكروا جيداً في عواقبها فبعد غد عندما يبدأ افراد الاحتياطي في الوصول الى الجبهة سيدرك المصريون خطأهم، ولا اتمنى ان اكون مكانهم». وقد جاء بعد غد ولاتزال اسرائيل هي التي تواجه المتاعب، وليس العرب. -------------------------------------------- عندما عاد ديان الى تل ابيب، وعقد على الفور اجتماعاً مع اليعازر وكبار الضباط، قال لهم بنبرة حزينة: «اتدركون ما اخشاه من كل قلبي؟ ألا يكون لدى اسرائيل أسلحة تمكنها من مواصلة القتال، بغض النظر عن المكان الذي سيتم فيه رسم خط الدفاع الجديد. لن تكون لدينا دبابات وطائرات تكفي للمواجهة. والأهم من ذلك ان يكون لدينا افراد مدربون بما فيه الكفاية. ان الحرب ليست ضد مصر وسوريا، انها الحرب التي تخوضها اسرائيل ضد العرب، العالم العربي كله». بعد ذلك خاطب الوزير ديان أليعازر قائلاً انه لا يفضل عملية انسحاب سريع، لكنه مع رسم خط دفاعي جديد.
--------------------------------------------------------------- في مذكراتها التي كتبتها جولدا مائيربعد الحرب قالت مائير انها بعد ان استمعت الى موشي ديان وما يفكر به انتابتها الرغبة في الانتحار فقد حضرت اجتماع مجلس الوزراء مع ديان وهي في حالة انهيار00.كان وجهها شاحباً، وترتسم علامات اليأس على محياها، وبعد الاجتماع استندت على جدار في الممر، وقالت لأقرب مساعديها بصوت منخفض مهزوم: إن ديان يتحدث عن الاستسلام.
ويقول المؤلف انه على الرغم من ان وزير الدفاع ديان لم يذكر هذه العبارة صراحة، إلا انه تحدث لمجلس الوزراءعن ضرورة الانسحاب من المواقع والتخلي عن خط بارليف، كما أعرب عن اعتقاده باستحالة اجبار المصريين على التقهقر الى الجبهة الغربية من القناة. ثم قدم ديان استقالته أمام الحضور، لكن مائير رفضتها على الفور، وعندما سألت جولدا مائير الوزيرموشي ديان عن رد فعله اذا صدر قرار من الامم المتحدة بوقف اطلاق النار قال ديان انه سيتمسك به، حتى اذا كان ذلك يعني بقاء الجيش المصري على الضفة الشرقية للقناة.
لم يكن هذا الشعور باليأس والاحباط هو شعور ديان ومائير فقط، بل شعور معظم الاسرائيليين، الذين احسوا بأن جيشهم قد تلقى ضربات موجعة خلال الساعات الاولى من المعركة. كما أدرك كبار الضباط ان افتراضاتهم الاساسية التي بنوا عليها ثقتهم في النفس كانت مجرد أوهام00فالجندي العربي لا يهرب من أرض المعركة، كما اعتقدوا بل انه يهاجم ويقاتل ببسالة، ويستخدم ببراعة أسلحة جديدة وبروح قتالية جديدة. وأما أملهم الواسع في سلاح الجوالاسرائيلي فقد تلاشي ولم يبذل هذا السلاح أي دور يذكر في ساحة المعارك، بل تم اسقاط طائراته بمعدل متسارع أثار رعب الاسرائيليين.
كما لم تتمكن الدبابات الاسرائيلية من الصمود على الجبهتين الجنوبية والشمالية، باستثناء بعض المعارك بالقطاع الشمالي من جبهة الجولان. و المخابرات الاسرائيلية كانت خارج الصورة تماماً، بل انها كانت مسئولة عن الخلل الرهيب الذي هدد اسرائيل بكارثة. لم يكن قد مرّ سوى يوم واحد من الحرب وبدأ كل شيء ينهار داخل المؤسستين العسكرية والسياسية الاسرائيلية.-- فإذا كان العرب قد نجحوا في انجاز كل هذا في يوم واحد، فما الذي سيحدث خلال الأيام القليلة المقبلة؟
أما الجنود الاسرائيليون على خط المواجهة فقد حاولوا إبعاد الأفكار السوداء عن أذهانهم، ولكن كان بعضهم لا يتمكن من استبعاد هذه الأفكار، وفي مقدمتهم الطيارون الذين يرون الخطر بشكل أوضح. وقد تصادف أن سألت إحدى موظفات العمليات قائد طائرة فانتوم عاد لتوه إلى القاعدة من مهمة فوق الجولان يوم الاحد عن الوضع، فقال لها ان المئات من الدبابات السورية تتقدم على طول الجبهة، مثل حشود من النمل العملاق، ولا توجد أي وسيلة لوقفها. أصيب المدنيون الاسرائيليون بصدمة عنيفة وهم يحتفلون بعيد الغفران. ففي يوم واحد فقدوا الثقة بالنفس، وانتابتهم حالة من الذعر والخوف أثرت بشدة على حالتهم النفسية، وهي حالة لم يخرجوا منها لسنوات. ------------------------------------------------ سرعان ما أشارت أصابع الاتهام الى رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي (ديفيد اليعازر)، فهو المسئول عن تبني الجيش الاسرائيلي لعقيدة جعلته لا يتخذ الاستعدادات اللازمة لهذه الحرب، عقيدة تقلل كثيراً من قوة الخصم العربي، كما انه يتحمل مسئولية الاعتماد على تقويم المخابرات العسكرية بأن احتمال نشوب الحرب هو «احتمال ضعيف»، كما ان اليعازر لم يسارع بإصدار أمر التعبئة الجزئية خلال الأيام التي سبقت الحرب. واعتمد سياسة دفاعية ضعيفة على خط القناة، بخلاف كل القواعد العسكرية الأساسية، كما انه وراء تعيين (جونين) رئيساً للقيادة الجنوبية. ------------------------------------------------------------- ان التغيير في القدرات الحربية العربية لا يرجع إلى تغير مفاجيء في الشخصية العربية، لكنه تغير إيجابي حدث على مدى ستة سنوات منذ حرب يونيو 1967، وذلك في الوقت الذي تأثرت فيه اسرائيل سلباً بانتصارها في حرب 1967. ------------------------------------------------------ في منتصف ليلة الاحد 7 اكتوبر التقى ديفيد اليعازر بهيئة الأركان، حيث طرح عليهم خطة الهجوم المضاد على الجبهتين المصرية والسورية على ان يتم تنفيذها صباح يوم الاثنين.
وكانت الخطة الاسرائيلية على الجبهة المصرية تقضي بالسيطرة على المنطقة الممتدة بين القناة وطريق المدفعية داخل سيناء، وانقاذ الاسرائيليين المحاصرين داخل النقاط الحصينة، واستعادة الدبابات المعطلة والاستعداد لعبور قناة السويس. ------------------------------------------------------------- وفي الساعة الثانية من قبل فجر يوم الاثنين انطلقت فرقة الجنرال (ابراهام أدان) باتجاه الغرب، وتحركت الدبابات ببطء، خوفاً من مواجهة قوات مصرية، وذلك وفقاً لتعليمات قيادة الجبهة الجنوبية التي كانت لا تزال تعاني من صدمة الهجوم المصري المفاجيء والتصميم والمعنويات العالية التي أظهرها المصريون. -------------------------------------------------------------- وفي الساعة الرابعة فجراً، تلقى أدان اتصالاً من الجنرال كالمان ماجن الذي تولى قيادة قطاع بالوظة، حيث نقل له أوامر جديدة من جونيث تتعارض مع خطة اليعازر مما جعل أدان يدرك ان هناك مشكلة خطيرة داخل القيادة الجنوبية. السبب إن اليعازر كان في نهاية القلق والحذر ولم يكن متفائلاً مثل بقية أفراد هيئة الأركان. ويبدو أن قلق اليعازر كان في موضعه، حيث ان اللواءات الثلاثة ضمن فرقة ادان كانت تتحرك من دون أي تنسيق فيما بينها، كما ان اوامر جونين للجنرال (ابراهام أدان) كانت غير واضحة، كما كانت تتغير من وقت لآخر، وفي بعض الاحيان كانت تتعارض فيما بينها.
بدأ ديان يشعر بالقلق الشديد واحس بأن الهجوم المضاد لا يحرز اية نتائج مهمة، خاصة وان فرقة أدان لم تواجه حتى الآن اية مدرعات او قوات مصرية شكك ديان في تقرير افاد بأن المصريين يتراجعون، وقال: ان المصريين يواصلون التقدم وصدق اليعازر على وجهة نظر ديان، وابدى عدم ارتياحه تجاه الطريقة التي تتطور بها المعركة ولم يتمكن اليعازر من الحصول على صورة واضحة للموقف من جونين، كما لم تكن لديه فكرة مما يحدث لفرقة ادان.
موضوع: رد: استعراض كتاب رابينوفيتش عن حرب اكتوبر73 الإثنين 14 يناير 2013 - 14:56
[b]في ظل كل هذا التخبط تحول يوم 8-10-1973الى وصمة عار في تاريخ العسكرية الاسرائيلية، فقد نجح المصريون في تدمير عشرات الدبابات وفي قتل واصابة الكثير من الضباط والجنود، وقد تعرضت كتيبة مدرعات اسرائيلية بقيادة عساف ياجوري لقصف مصري مكثف بصواريخ "ساجر" وصواريخ "آر بي جي" من ثلاثة اتجاهات، وفقد عساف ياجوري معظم قيادات دباباته وحاول الانسحاب مع القليلين الذين تبقوا على قيد الحياة وجميعهم كانوا خمسة فقط من بينهم ضابط عمليات الكتيبة، لكن أحد الضباط المصريين تمكن من اللحاق بهم وامرهم بالتوقف، وقام المصريون بأسر عساف يا جوري والآخرين ونقلوهم للمعتقل على متن عربة مدرعة كما تعرضت كتيبة اسرائيلية اخرى لخسائر فادحة،، اذ لم تتمكن سوى اربع دبابات فقط من الانسحاب، وذلك من اصل 18 دبابة. ان المشهد كان مأساويا بحق، فعلى مدى البصر كانت عشرات الدبابات الاسرائيلية تحترق، فيما يحاصرها مئات الجنود المصريين ووراء هذا المشهد كانت هناك نحو مئة دبابة وعربة مدرعة مصرية تصطف في تشكيل استعدادا للهجوم. بالنسبة للعديد من الضباط الاسرائيليين كانت هذه هي أسوأ ازمة تعرضوا لها في تاريخ إسرائيل على مدى اربع حروب، فبالاضافة الى الخسائر الثقيلة خسر الاسرائيليون الكثير من المواقع الاستراتيجية المهمة ومع حلول الظلام انسحبت كل القوات الاسرائيلية من ساحة القتال، لينتهي اسوأ يوم في تاريخ اسرائيل لم تكن المفاجأة في ذلك اليوم في القدرة القتالية العالية للمصريين فقط، بل حالة التخبط وعدم وضوح الرؤية للقيادة الاسرائيلية التي تأكدت انه هذه الحرب لن تكون حرباً سريعة او سهلة.
لقد فقدت الفرقة الاسرائيلية التي شنت اول هجوم مضاد في حرب اكتوبر نحو 60 دبابة، والاهم من ذلك انها فقدت الثقة في النفس. ان الفشل الاسرائيلي كان شاملا
================== كان يتعين على رئيس هيئة الاركان الاسرائيلية ديفيد اليعازر ان يقرر قبل حلول الفجر هل الجبهة السورية أم الجبهة المصرية هي التي في حاجة أكثر للسلاح الجوي ولفرقة مدرعة من الاحتياط بقيادة الجنرال موش بيلير. ------------------------------------- ان اليعازر كان يشعر بالقلق تجاه تطورات الاوضاع على الجبهة الشمالية حيث قال لمساعديه ان السوريين قد تقدموا كثيراً على هضبة الجولان،وليست هناك دبابة واحدة تقف في مواجهتهم حتى حيفا، ومن السهولة الاندفاع من حيفا الى تل ابيب، ودعا الى تشكيل خط دفاعي عند حافة الهضبة والتركيز على الجولان، اذا ان القناة بعيدة عن حدود اسرائيل، الامر الذي يتيح الفرصة لانسحاب تكتيكي، بينما الوضع في الجولان مختلف تماماً. ----------------------------------- حاول الاسرائيليون انقاذ المحاصرين داخل مركز الاستخبارات في جبل الشيخ الذي تمكن السوريون من الاستيلاء عليه. واتجهت كتيبة الى المركز، ودارت معركة انتصر فيها السوريون من جديد، وانسحبت القوات الاسرائيلية، بعد ان تكبدت 25 قتيلاً و57 جريحاً. ------------------------------- وفي غرفة العمليات بتل أبيب، اقترح الجنرال طال التخلي عن خطط عبور القناة، وارسال قوة برمائية عبر خليج السويس بدلاً من ذلك لاحداث ثغرة بين الجيشين الثاني والثالث وتهديد حقول البترول المصرية بل ووادي النيل ايضاَ. ولم يرفض موشي ديان هذه الخطة، لكنه كان يفضل مهاجمة الطرف الآخر من الخط المصري والاستيلاء على مدينة بورسعيد عند مدخل القناة الشمالي. وعندما قيل له ان ارييل شارون مصمم على عبور القناة، رد ديان قائلاً: (على حد معرفتي بشارون فإنه يريد التوجه مباشرة الى القاهرة وكسب المزيد من الاصوات الانتخابية لصالح الليكود).
إلا ان شارون كان مقتنعاً بأن فرصة تغيير مسار الحرب قد ضاعت هذا اليوم مع فشل الهجوم المضاد الذي تم شنه بفرقتين واحدة يقودها هو والاخرى يقودها ادان، وعلى الرغم من ان شارون لم يفقد الأمل تماماً، فإنه لم تعد لديه ثقة في اولئك الذين يديرون الخطط القتالية. ومع ذلك فإنه كان يرى ان الامكانية لاتزال قائمة لشن هجوم مضاد جديد، لكنه حذر من ان كل يوم يمر يزيد هذه المهمة صعوبة.
اما أدان فإن لم يشارك شارون تقويمه للموقف، وتوقع انه في ظل معاناة الجيش الاسرائيلي في الجبهة الجنوبية وعدم تنظيم صفوفه وضعف قواته، فإن أي هجوم شامل يمكن ان يؤدي الى كارثة أكبر. ----------------------------------------------------------------------- كانت الاجواء في مقر القائد جونين متوترة للغاية ، حيث وصل إليه تجمع من كبار القادة الاسرائيليين وقادة الفرق العسكرية ، كان أدان آخر من وصل من قادة الفرق، وكان يشعر بمرارة الفشل الذي تعرض له اليوم، لكنه كان ساخطاً لانه وضع في موقف لا يحتمل نتيجة للأوامر المتضاربة التي تلقاها من (جونين) ونتيجة لتعرض فرقته لقصف مدفعي عنيف من جانب المصريين، في الوقت الذي كان ينتظر الدعم الجوي، الذي توقعه وفقاً للخطة، لكنه لم يتحقق أبداً. -------------------------------------------------- وفي طريق عودتهما الى تل ابيب بالهليكوبتر غرق ديان واليعازر في التفكير. لقد بدا واضحاً لهما ان استراتيجية الحرب تحتاج الى اعادة دراسة، خاصة بعد الفشل الكبير للهجوم المضاد في سيناء، وبعد فشل لواء الجولان في استعادة جبل الشيخ في وقت سابق من اليوم.وفي غرفة العمليات بتل ابيب قال وزير الدفاع لاعضاء هيئة الأركان ان اسرائيل تواجه ازمة خطيرة، وانه يتعين احداث تعديلات مؤلمة. واضاف ان الحرب اثبتت خطأ الكثير من الافتراضات الاساسية التي اعتمد عليها الجيش الاسرائيلي، وأوضح قائلاً: لقد اعتقدنا ان دباباتنا بإمكانها منع المصريين من تركيب الجسور على القناة، لكننا لم نتصور مدى الدور الذي يمكن ان تلعبه الصواريخ المضادة للدبابات، وكانت لدى السلاح الجوي خطط لتدمير هذه الصواريخ، لكن هذه الخطط لم تنجح، لقد اصبح العالم العربي يمتلك قدرات قتالية اكبر، ويجب علينا ان نفهم انه ليست هناك تركيبة سحرية لمواجهة ذلك. --------------------------------------------------------- ودعا ديان إلى توقع إمكانية مواجهة صراع طويل، وطالب بتعزيز أفراد الجيش وتوسيع نطاق التعبئة، بحيث تشمل أفراداً في أعمار متقدمة وشباباً تحت الثامنة عشرة، ورأى ضرورة مطالبة الولايات المتحدة بتزويد اسرائيل بكميات اضافية من السلاح والذخيرة، وخاصة الصواريخ المضادة للدبابات، المماثلة لتلك التي في أيدي أفراد المشاة المصريين.بل أظهر ديان تشاؤمه فقال انه ينبغي توزيع مثل هذا السلاح على جميع الاسرائيليين في حالة وصول المدرعات المصرية الى قلب اسرائيل وجسد هذا الاقتراح المذهل مدى اتساع نطاق الخطر الذي يشعر به ديان. وبالنسبة لجبهات القتال، اقترح ديان تشكيل خط دفاعي خلف المضايق في سيناء، بينما قال إنه ينبغي ألا نعطي أي مجال للتراجع على جبهة الجولان. ----------------------------------------- وكان ديان قد أبلغ اليعازر بعد زيارته للقيادة الشمالية صباح يوم الاحد 9-10-1973 بأن القائد (هوفي) يشعر بالاجهاد والاحباط وان جزءاً من المشكلة يكمن في انه كان جندي مشاة وليس ضابط مدرعات واقترح ديان ايفاد قادة أكفاء الى الجبهة الشمالية، لتعزيز الوضع، ووضع ضابط كبير بجانب هوفي لمساعدته في اتخاذ القرارات الحاسمة.أما بالنسبة للقائد (جونين) فرأى ديان ضرورة تغييره اذ ان أوضاع الجبهة الجنوبية اصعب من قدرات جونين وكان المرشحان المحتملان هما شارون أو بارليف. وقال ديان انه من الضروري التركيز على الجبهة الشمالية، لأنها الأقرب الى اسرائيل وينبغي القيام بأي شيء حتى لو أدى الأمر الى قصف العاصمة السورية، دمشق، بالقنابل. (( ويقول المؤلف هنا إن هنري كيسنجر كان قد أوصي اسرائيل بالتحرك نحو العاصمة السورية من أجل تعزيز الموقف الاسرائيلي على طاولة المفاوضات، بعد انتهاء الحرب )). --------------------------------------- بمجرد ان غادر ديان غرفة العمليات، أبلغ اليعازر هيئة أركانه بأنه يتعين على سلاح الجو ان يوقف هجماته على القواعد الجوية السورية، ويتجه بدلاً من ذلك الى قصف أربع مدن رئيسية، هي دمشق وحمص وحلب واللاذقية مع التركيز على محطات الكهرباء والمرافق الرئيسية. ------------------------------------------------------------ عقد اجتماع هام في الساعة30و7 صباح يوم الثلاثاء 9-10-1973 وحضر الاجتماع ديان واليعازر وأقرب مستشاري مائير والوزيران اسرائيل جاليلي وايجال ألون تم كشف النقاب عن الحقائق المؤلمة للموقف العسكري الذي تتعرض له اسرائيل أمام رئيسة الوزراء جولدا مائير، وذلك خلال هذا الاجتماع
وبدأ ديان الكلام بالقول انه ليست هناك في الوقت الراهن امكانية للاقتراب من القناة أو عبورها ويجب أن يكون تركيز الجيش الاسرائيلي على سوريا حتى تقبل وقفاً لاطلاق النار، ولتحقيق ذلك اقترح قصف عدد من الأهداف العسكرية في دمشق، إلا أنه لم يستبعد امكانية ان يلحق الضرر بالمدنيين في هذا القصف.
اعترضت مائير على ضرب أهداف مدنية في دمشق، وقالت إنه اذا وقعت خسائر بين المدنيين، فإن أمريكا ستوقف اي امدادات للأسلحة والذخيرة ثم دعت الوزير جاليلي لابداء رأيه ففوجئت به يؤيد الوزير ديان في قصف المدنيين ويقول: «إن قصف دمشق أمر لابد منه». عندئذ أذعنت مائير ولم تعترض علي قصف المدن السورية وطالبت بتوجيه رسالة الى دينتز تطالبه فيها بتوضيح هدف القصف لهنري كيسنجر. -------------------------------- وبالفعل تم قصف المدن السورية تنفيذها بخسائر من الطرفين المتحاربين، إلا أن قصف المنشآت السورية الحيوية لم يحقق الهدف من ورائه، وهو اضعاف الموقف السوري على جبهة القتال، كما أدت الأحوال الجوية السيئة في ذلك الوقت الى فشل الطائرات في تحديد الأهداف المهمة التي كان من المفترض قصفها، وسقطت بعض القنابل على بعض المنشآت المدنية
موضوع: رد: استعراض كتاب رابينوفيتش عن حرب اكتوبر73 الإثنين 14 يناير 2013 - 14:58
كان يوم الثلاثاء 9 اكتوبر1973 بالنسبة لمعظم الاسرائيليبن هو أسوأ يوم في التاريخ. ففي هذا اليوم عرفوا أبعاد الهجوم المضاد الفاشل في سيناء، وأدركوا ان توقعاتهم بتحول سريع في مجريات الحرب ليست سوى مجرد أوهام. وقد وصف الجنرال طال هذا اليوم فيما بعد قائلا لم يعد لدينا أي احتياطي يمكن الاستعانة به، لم يعد لدينا أي شيء) ووفقا لرواية نشرت خارج اسرائيل، فقد اجتمع مجلس الوزراء المصغر يوم الاثنين 8-10-1973، وقرر اعداد ترسانة اسرائيل النووية، خوفا من انهيار الجيش الاسرائيلي كلية. ووفقا لتقرير نشرته الصحف الاسرائيلية بعد مرور ثلاثين عاما على الحرب، ابلغ الجنرال طال مشاركين في اجتماع سري في 1974 بأن هيئة الاركان العامة أوصت صباح يوم الثلاثاء 9 اكتوبر باتخاذ «اقصى الاجراءات» ضد العرب. ومعني أقصي الاجراءات بانسبة لدولة تمتلك قنابل ذرية هو استعمالها ضد العواصم المصرية أي القاهرة ودمشق ووفقا للتقرير فقد اقترب احد كبار الضباط من (طال) والدموع في عينيه، وقال له: «عليكم إنقاذ اسرائيل من هؤلاء المجانين، ويقصد أليعازر واولئك الذين وافقوا على «اقصى الاجراءات». وقد أقيمت لرؤساء الصحف الاسرائيلية فرصة التعرف على رؤية ديان القاتمة لتطورات الحرب علي شرط عدم نشرهم أي شئ بالصحف عما دار في الاجتماع ، وذلك مساء يوم الثلاثاء 8-10-1973 وتحدث وزير الدفاع إليهم عن أوضاع الجبهتين الشمالية والجنوبية. وقال لهم ان الجيش الاسرائيلي ليست لديه القوة في الوقت الحالي لرد المصريين الى الضفة الغربية للقناة ويتعين على اسرائيل ان تنسحب الى عمق سيناء، وهو الامر الذي يحمل الكثير من المعاني، وفي مقدمتها فقدان الثقة في قوة الجيش الاسرائيلي. ------------------------------------------------------------------ وفي داخل نقطة «هيزايون» المحصنة تبخر امل الاسرائيليين بحلول عصر يوم الاثنين 8 اكتوبر. فقد اخترق رجال الصاعقة المصريون هذه النقطة عدة مرات وفي الساعة 15و5 مساء ابلغ نائب القائد رؤساءه بأنهم لن يستطيعوا الصمود أكثر من ذلك، وانهم سوف يستسلمون للكوماندوز المصريين
لم تكن هذه النقطة المحصنة الوحيدة التي استسلم افرادها للجيش المصري، فقد تم اخلاء العديد من النقاط الاخرى، أو استسلم افرادها. وقد هرب العديد من الجنود الاسرائيليين، عندما هبط الليل، وساروا لساعات ربما لأيام في الصحراء الى ان وصلوا الى الخطوط الاسرائيلية، وبعضهم سقط في أيدي المصريين. --------------------------------------------------------------- وفي نقطة «فاتسميد»، هاجم المئات من جنود المشاة المصريين المكان بعد ظهر يوم الاثنين، وطلب قائد النقطة الكابتن جدعون جور امداده بدعم مدفعي، ولكن الدعم كان ضعيفا. كان هذا هو اليوم الثالث للمعركة حول نقطة «فاتسميد» وبدأت الذخيرة تنفد، وفي صباح يوم الثلاثاء 9-10-1973 استأنف المصريون هجومهم، فهرب الاسرائيليون الى المخابئ، لكن قنابل الدخان أجبرت كل افراد النقطة، وعددهم 35 جنديا اسرائيليا، على الاستسلام، وذلك في الساعة الثامنة من صباح الثلاثاء. -------------------------------------------- وفي نقطة «بركان» الحصينة، أدرك قائدها الاسرائيلي أن المصريين سيصلون اليها بين لحظة وأخرى وانه من غير المرجح وصول فرق انقاذ اسرائيلية، لذلك فقد اتصل بالقيادة العليا وأبلغها بأنه سينسحب منها مع افراد وحدته. وعلى الرغم من تردد القيادة في السماح له باخلاء هذه النقطة المهمة، الا انه اتخذ القرار، وقام بتنفيذه بعد منتصف الليل، بعد احتجاب القمر، وقام أكثر من 30 اسرائيليا بالسير في الصحراء لمسافة تزيد على عشرة كيلومترات. وفي الصباح اكتشف المصريون ان الاسرائيليين قد انسحبوا من حصن «بركان». عندها دخل الفريق سعد الدين الشاذلي من بوابة الحصن بعد ساعات قليلة على هروب الاسرائيليين قال «الحمد لله، الله اكبر». -------------------------------------------------------------- يقول المؤلف ان الجبهة الشمالية (سوريا) واجهت تطوراً جديداً قلب موازين التفكير الاسرائيلي. فقد قررت حكومة حزب البعث في العراق ارسال جنود ودبابات وعربات مدرعة الى الجبهة للوقوف الى جانب الجيش السوري. وعلى الرغم من ان المخابرات الاسرائيلية قد دربت رجال حرب العصابات والاكراد لسنوات على إحداث اضطرابات تشغل الجيش العراقي في حالة نشوب حرب اسرائيلية عربية، إلا أن الزعامة الكردية لم تستغل الوضع وقررت في هذه اللحظة الحاسمة عدم التورط في مغامرة عسكرية لصالح اسرائيل بناء علي ذلك اشترك جيش العراق في الحرب ولم تعد الحرب مقصورة علي مصر وسوريا بدأ العراقيون بإرسال فرقة مدرعة على أن يتم إرسال فرقة مدرعة ثانية بعد ذلك. ويقول المؤلف إن العراق أرسل خلال الحرب 500 دبابة و700 عربة مدرعة و30 ألف جندي من بينهم وحدات قوات خاصة. -------------------------------------------------------------- يشير المؤلف إلى أن النجاحات التي حققها العرب أذهلت المراقبين العسكريين في عاصمتي القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. ولم يكن رئيس هيئة الاركان العامة السوفييتية ( المارشال/ فيكتور كوليكوف ) يعتقد أن بمقدور المصريين عبور قناة السويس من دون مشاركة مباشرة من المستشارين السوفييت، إلا أنه اعترف بعد ثلاثة أيام من نشوب الحرب بالنجاحات التي حققها العرب المصريون وذلك في مذكرة قدمها إلى المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي. وفسر نجاح العرب بأنه يرجع إلي مفاجأتهم الاسرائيليين بالحرب في وقت لم يكن الاسرائيليون في حالة استعداد وكذلك يرجع لاجادة العرب استعمال السلاح السوفييتي، خاصة صواريخ سام والاسلحة المضادة للدبابات في تحقيق التقدم العربي في ميدان المعارك.
أما في واشنطن فقد أثار النجاح العربي حيرة صانعي القرار الأميركيين00 وفي اجتماع لهم يوم السبت 6-10-1973 افترض معظم المشاركين أن اسرائيل بدأت الحرب. ولكن عندما تأكدت الانتصارات العربية توقع خبراء وزارة الدفاع الأميركية أن إسرائيل سوف تستعيد زمام المبادرة في غضون 72 ساعة مع بدء وصول أفراد الاحتياط الى وحداتهم.
ولكن مع مرور الوقت أدرك وزير الخارجية الأميركي الدكتور هنري كيسنجر أن المصريين يواصلون التقدم، بل إنهم يرفضون وقفاً لإطلاق النار. واعتقد كيسنجر أن الرئيس المصري أنور السادات لن يستطيع الصمود طويلاً أمام اسرائيل، وانه سيسعى إلى الحفاظ على الأرض التي كسبها من خلال طلب وقف إطلاق نار، لكن ذلك لم يحدث.
وفي مساء يوم الاثنين 8 اكتوبر1973، نقل السفير الاسرائيلي دينتز رسالة إلى كيسنجر تشرح تقويم تل أبيب للوضع، وهي الرسالة التي سبقت معرفة اليعازر بالخسائر الفادحة التي لحقت بالجيش الاسرائيلي عندما قام بزيارة مسائية للجبهة الجنوبية.
وبالتالي لم يكن كيسنجر مستعداً لتلقي مكالمة هاتفية من دينتز في الساعة 45و1 صباحاً ليطلب منه الاسراع في تلبية مطالب السلاح الاسرائيلية. لم يكن لهذا الاستعجال أي معنى لدى كيسنجر في ضوء التقويم الاسرائيلي لسير المعارك، الذي تلقاه قبل ساعات. أبلغ كيسنجر السفير الاسرائيلي بأنه سيبحث هذه المسألة صباحاً، لكن دينتز أعاد الاتصال به بعد ساعة، فأدرك كيسنجر عندئذ ان الأمور تسير على نحو غير جيد. كانت جولدا مائير هي التي طلبت بنبرة تحذيرية من دينتز التعجيل بالاتصال بوزير الخارجية الأمريكي كيسنجر قائلة له :«لا يعنيني ما الوقت الآن، اتصل بكيسنجر في الحال، فغداً ربما يكون قد فات الأوان». --------------------------------------------------------------------- في الساعة 20و8 صباح يوم 9-10-2006، التقى كيسنجر ومساعدوه في البيت الأبيض بدينتز وموردخاي جور الملحق العسكري الاسرائيلي.
ذهل الأميركيون عندما أوضح لهم جور مدى الخسائر التي تكبدتها إسرائيل خلال الأيام الأربعة الأولى من المعارك، وقد تضمنت تلك الخسائر 49 طائرة حربية و500 دبابة، أي ما يعادل ثمن سلاح الطيران وريع سلاح المدرعات فتساءل كيسنجر مذعورا كيف حدث ذلك؟ رد دينتز قائلا : أنا لا أعرف، ولكن من الواضح ان هناك اخطاء قد وقعت.
امر كيسنجر مساعديه بتقديم المعلومات الاستخباراتية التي طلبتها اسرائيل، وابلغ دينتز بأنه سيرى ما يمكن فعله بشأن زيادة شحنات الاسلحة ولاول مرة يفهم كيسنجر السبب وراء رفض السادات لوقف اطلاق النار، فقواته المسلحة تعمل بكفاءة بشكل مذهل، وتم الاتفاق على ان تقوم طائرات شركة الخطوط الجوية الاسرائيلية «العال» بالهبوط، بعد اعادة صبغها، في قواعد جوية اميركية حيث يتم شحنها بالذخيرة والمعدات الالكترونية واسلحة اخرى تطلبها اسرائيل ثم اتضح ان طائرات شركة العال السبع المتوافرة لا تكفي لتلبية احتياجات اسرائيل فلم يخذلهم كيسنجر وقال انه سوف يجري مشاورات مع زملائه بشأن سبل زيادة هذه الشحنات.
في نهاية الاجتماع ابلغ دينتز كيسنجر على إنفراد بأن جولدا مائير ترغب في زيارة واشنطن وتلتقي بالرئيس نيكسون لترجوه زيادة شحنات الاسلحة، رفض كيسنجر جملة وتفصيلا هذا الطلب وقال انه من الصعب الحفاظ على سرية الزيارة، كما انها ستفسر على انها تعد انعكاساً لحالة الذعر وبالاضافة الى ذلك فإن الزيارة ستؤكد للعالم ان الولايات المتحدة تقدم دعماً عسكرياً هائلا لاسرائيل، الامر الذي يمكن ان ينسف اي دور يمكن ان تقوم به في المستقبل كوسيط. ------------------------------------------ تدخل الوزير هنري كيسنجر بسرعة لدي كبار مسئولي الحكومة الاميركية البعض كانوا متشككين في طبيعة الطلب الاسرائيلي العاجل، وقال البعض انها محاولة من اسرائيل للحصول على مزيد من السلاح، بينما اشار رئيس المخابرات المركزية الاميركية وليام كولبي الى ان لدى اسرائيل ذخيرة تكفيها لمدة اسبوعين آخرين على الاقل اما وزير الدفاع الاميركي جيمس شليزنجر، الذي لم يكن متحمساً لتقديم المساعدات التي تريدها اسرائيل، فقد قال انه ينبغي ان نميز بين ضمان بقاء اسرائيل داخل حدودها وبين مساعدتها على احتلال اراض عربية، وشاركه في هذا الرأي آخرون حضروا الاجتماع رد كيسنجر قائلا ان كل هذه الحجج لا معنى لها الآن، فهزيمة الاسلحة السوفييتية التي بأيدي المصريين والسوريين للاسلحة الاميركية ستكون كارثة جيوبوليتيكية لاميركا00 والمساعدات الاميركية لاسرائيل مسألة ضرورية، حتى تتمكن اسرائيل من رأب الصدع ---------------------- بعد ذلك التقى كيسنجر بالرئيس نيكسون الذي وافق على كل بنود قائمة الطلبات العسكرية الاسرائيلية باستثناء القنابل الموجهة بالليزر، وهي القنابل الاحدث في ترسانة السلاح الاميركي. وقال نيكسون: «انه يجب تعويض كل الطائرات والدبابات التي خسرتها اسرائيل يجب عدم السماح بهزيمة اسرائيل» -------------------------------------------------------------------- وحدثت مشكلة جديدة وهي رفض شركات الطيران الأمريكية المدنية نقل السلاح الاميركي الى منطقة القتال خوفا من المقاطعة العربية التي كانت تراقب الشركات العالمية وقتها وهنا قرر نيكسون يوم السبت 13 أكتوبر ان تقوم وسائل نقل عسكرية اميركية بنقل شحنات السلاح مباشرة الى اسرائيل.
وفسرت دوائر في واشنطن هذا الجسر الجوي، الذي بدأ تنفيذه في اليوم التالي، على انه يخدم المصالح الاميركية، بغض النظر عن انه يدعم حليفا يعاني من ازمة. ------------------------------------------------------ وحدثت مشكلة تالية وهي أن الدول الاوروبية خافت التدخل في الحرب لصالح الطرف الاسرائيلي فرفضت السماح للطائرات الاميركية بإعادة التزود بالوقود وهي في طريقها الى اسرائيل الا ان واشنطن مارست ضغوطا على البرتغال لإقناعها بمنح هذه الطائرات حق الهبوط في جزر الازور كما تم استخدام حاملات الطائرات الاميركية في المحيط الاطلنطي والبحر المتوسط كنقاط توقف للتزود بالوقود لطائرات السكاي هوك المتجهة الى إسرائيل.
وفي المقابل تحمس المسئولون السوفييت الذين كانوا متشككين في البداية، وعززوا دعمهم للمصريين والسوريين، وتزايد التوتر بين القوتين العظميين. وقال كيسنجر فيما بعد: «إذا انتصر السلاح السوفييتي، فإن ذلك يعني أن موسكو ستسيطر على دبلوماسية ما بعد الحرب في المنطقة» كان كيسنجر يتطلع إلى القيام بدور أميركي كوسيط مقبول من الجانبين. وفي رسالة إلى حافظ اسماعيل، مستشار الرئيس المصري قال: «ان الجانب الأميركي سيبذل قصارى جهده للمساعدة في تحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط».
يقول المؤلف إن الاتحاد السوفييتي لم يكن يريد أن يؤدي التوتر في الشرق الأوسط الى انهيار سياسة الوفاق على الولايات المتحدة، لذلك فقد أبلغت موسكو صباح يوم الاربعاء واشنطن بأنها لن تعترض على قرار بوقف اطلاق النار يصدر عن الأمم المتحدة. الا ان كيسنجر وجد أن توقيت وقف اطلاق النار ليس مناسباً الآن لأنه سيترك اسرائيل باعتبارها الخاسر الوحيد.
رد على السفير دوبرينين قائلا: «هذا الاقتراح بناء لكن الحكومة الاميركية بحاجة لبعض الوقت لدراسته».وفي مشاورات مع السفير الاسرائيلي دينتز، قال كيسنجر انه سيتقدم باقتراح لوقف اطلاق النار، ولكن يجب على اسرائيل ان تعود الى خطوط ما قبل الحرب، أو ما بعدها، على أحدى الجبهتين على الأقل.
وبعد أن استولت اسرائيل مرة اخرى على اجزاء من الجولان، ابلغ دينتز كيسنجر بأن حكومته لم تقرر بعد ما اذا كان يتعين عليها تجاوز خط وقف اطلاق النار، فرد كيسنجر قائلا «لماذا لا تفعلون ذلك؟».
وكتب كيسنجر في مذكراته بعد ذلك يقول: «لقد كان هدفنا هو ابطاء الدبلوماسية من دون ان يبدو أننا نعرقلها، نحث على تسريع العمليات العسكرية من دون أن يبدو أننا نتدخل، وبعدها نطرح وقفاً لاطلاق النار، قبل ان تفلت الأمور وتقع أحداث لا يمكن التنبؤ بها». ---------------------------------------------------- في اسرائيل التقى اليعازر بوزير الدفاع موشي ديان بصورة منفردة، وبحث معه امكانية تغيير جونين كرئيس للقيادة الجنوبية. قال اليعازر ان جونين غير قادر على ادارة دفة المعارك. وبالاضافة الى ذلك فإنه غير قادر تماماً على ضبط تصرفات شارون. فقد تحدى شارون أوامر جونين الواضحة، وارسل فرقته لمواقع متقدمة، حيث دخلت في مناوشات مع المصريين. وقد اصيبت في هذه المناوشات 50 دبابة. وتم ترك 18 دبابة اخرى في اراض يسيطر عليها المصريون ويصعب وصول فرق المهندسين اليها لاصلاحها. لقد وصل شارون الى ضفة القناة. ولما سأله ديان: «ماذا يريد شارون ان يفعل هناك؟» رد اليعازر: «يريد عبور القناة» تساءل ديان : «كيف له ان يعبر ومعدات الجسور الاسرائيلية لا تزال في المؤخرة واحتمالات الاستيلاء على جسر مصري ضعيفة للغاية». قال اليعازر: يريد شارون مهاجمة (المزرعة الصينية)، التي تسيطر عليها فرقة مشاة مصرية، وعبور القناة قبل حلول فجر غد
كان ديان يدرك مدى تهور شارون واندفاعه غير المحسوب، وعلى الرغم من عدم اقتناعه بهذه الخطة، الا انه لم يعترض عليها. ووافق ديان على ان يحل بارليف محل جونين على ان يتم تجنيب الأخير وليس عزله و اسقاطه، حتى لا يمثل هذا الاقصاء اعترافاً بفشل القيادة الجنوبية ويوجه ضربة للمعنويات.
ادت تطورات المعارك الى توصل اليعازر الى نتيجة افضى بها لديان، اذ قال له: «لا يمكن لاسرائيل ان تنتصر في هذه الحرب، ولابد من ان تستعد بدلاً من ذلك لحرب اخرى .. يجب ان يكون هدفنا هو التوصل الى وقف لاطلاق النار. ان الامور لن تكون افضل مما نحن فيه الآن، اننا في حاجة بالفعل لوقف النار حتى نتمكن من اعادة بناء الجيش». ---------------------------------------------------------- وفي الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة 12 أكتوبر1973 عقد اليعازر اجتماعاً مع كبار قيادات الجيش افتتح زيرا رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية المناقشة قائلاً: انه من المتوقع أن يتخد مجلس الامن التابع للأمم المتحدة قراراً بوقف اطلاق النار في غضون الساعات الثماني والأربعين المقبلة وعلى الجيش الاسرائيلي أن يتحرك بسرعة لعبور قناة السويس قبل صدور القرار. رد اليعازر قائلاً: أتريدون اقناعي بأنه يتعين علينا شن هجوم ليلة غد.. إن المسألة هي ما الذي سيحدث بعد ذلك، ان هزيمة مصر لم تعد خياراً ممكناً الآن فكان هذا اعترافاً مؤلماً من قائد جيش كان يعتبر نفسه قبل بضعة ايام جيشاً لا يمكن ان تقهره مجموعة جيوش مجتمعة في الشرق الأوسط.
والواقع هو ان اليعازر كان مقتنعاً بأن الرئيس المصري السادات لن يقبل بوقف اطلاق النار، إلا إذا حدث تطور عسكري مهم، مثل عبور اسرائيل لقناة السويس. إلا أنه لم يكن متأكداً من ذلك أيضاً. اما ديان فكان مقتنعاً بأن المصريين لن يوافقوا مطلقاً على وقف لاطلاق النار، اذا حصلت اسرائيل على موطيء قدم على الضفة الغربية من القناة. كما أن هناك الاحتمال في حالة عبور القناة وتنفيذ وقف لاطلاق النار، ان يتدهور الوضع بسرعة، وتنشب من جديد حرب استنزاف. وفي هذه الحالة سيجد الجيش الاسرائيلي نفسه في وضع انتشار خطير على خطوط ممتدة على جانبي القناة.
وعلى الرغم من كل هذه الشكوك، فقد مال اليعازر لاقتراح عبور القناة نظراً لعدم قدرته على التفكير في أي بديل آخر يدفع السادات للموافقة على وقف لاطلاق النار
موضوع: رد: استعراض كتاب رابينوفيتش عن حرب اكتوبر73 الإثنين 14 يناير 2013 - 15:07
صدر سنة 2006 عن دار شوكين بوكس الاميركية الكتاب من 38 فصلاً على امتداد 543 صفحة من القطع المتوسط. المؤلف : ابراهام رابينوفيتش، يهودي أمريكي تخرج من كلية بروكلين بنيويورك، ثم التحق بالجيش الأميركي ثم عمل صحافياً في «نيوزداي» الاميركية ثم هاجر إلي إسرائيل والتحق بالعمل في «جيروزاليم بوست». وكان محرراً عسكرياً خلال الحرب لصحيفة «جيروزاليم بوست»
ويعتمد رابينوفيتش في سرد احداث الحرب على العديد من الوثائق العسكرية الاسرائيلية التي تم رفع اطار السرية عنها، وعلى سلسلة من اللقاءات والحوارات التي اجراها مع كبار المسئولين العسكريين الاسرائيليين الذين كانوا في دائرة صنع القرار خلال الحرب.
موضوع: رد: استعراض كتاب رابينوفيتش عن حرب اكتوبر73 الإثنين 14 يناير 2013 - 20:29
مجهود يستحق التقييم+
رغم ان الكتاب يشهد لانجاح العربى الا انه به بعض المبالغات فى اعداد الطائرات المصرية و السورية و كذلك الدبابات قبل الحرب لتبرير الهزيمة الاسرائيلية بالاضافة الى تجاهل التفوق النوعى للسلاح الاسرائيلى مقارنة بالسلاح العربى.