الخروج الثاني لليهود.. تزوير للتاريخ صورة يظهر بها حاخام اليهود فى مصر ( الثالث من اليسار فى الصف الاول ) ثلاثينيات القرن الماضى
سهير عبد الحميد -
مثل تهمة معاداة السامية والادعاء بأنهم
بناة الأهرامات وأن رمسيس الثاني أعظم البنائيين والعسكريين الذين عرفتهم
الدولة الفرعونية الحديثة هو فرعون موسي ومثل الادعاء بأن جزيرة فرعون هي
عصيون جابر المذكورة في التوراة, تأتي الأكذوبة الصهيونية أن اليهود
المصريين أجبروا علي الخروج من مصر وأن لهم حقوقا ينبغي استعادتها والذي
يطلقون عليه الخروج الثاني..لا أدري أي يهود هؤلاء الذين من حقهم العودة
إلي مصر ؟.هل هم الذين يعتنق معظمهم العقيدة الصهيونية التي ما زالت
أيقونتها المقدسة من النيل إلي الفرات.. هل هم اليهود الذين قال عنهم ابن
جلدتهم عالم النفس سيجموند فرويد: إن عقدة اليهود هي سبق مصر في
الحضارة. حتي إن موشي ديان نقر بإصبعه قدم مومياء رمسيس الثاني- عندما
كانت المومياء في رحلة علاج مشبوهة بباريس1967 قائلا أخرجتنا منها حيا
وأخرجناك منها ميتا. اليهود الذين استجابوا علي الفور لنداء الصهيونية
وبدأوا طواعية في الهجرة إلي إسرائيل تجسيدا لحلم هرتزل.. التاريخ يثبت
أن معظم اليهود الذين عاشوا علي أرض مصر لم يكونوا حريصين علي الحصول علي
الجنسية المصرية وأنهم غادروا مصر فرارا من قرارات التمصير والتأميم التي
كانت تعني فقدان المزايا الاقتصادية والحماية القضائية.
الغضب والقلق الذي أصاب المصريين من تصريحات د. العريان له ما يبرره في
ظل سوابق تاريخية منها قرار مجلس النواب الصهيوني الأمريكي الذي
صدرعام2008 باعتبار اليهود الذين تركوا بلادهم العربية إلي إسرائيل
لاجئين لابد من إدراجهم في أية تسوية خاصة بالشرق الاوسط,. وهو ما تم
التمهيد له عام1977 ابان عهد الرئيس الأمريكي كارتر. في محاولة صريحة
لتعضيد مطالب اليهود باسترداد ما يرونه أملاكهم في الدول العربية إلي حد
المطالبة بمناطق بأكملها مثل خيبر وفدك في المملكة العربية السعودية وربما
خطة لإعادة هؤلاء اليهود إلي البلدان العربية كطابور خامس ليساهموا في
تحقيق حلمهم الأبدي من النيل للفرات.
, والطريف أن أعضاء المجلس آنذاك وفي مناقشة حيثيات القرار تعجبوا من
العالم الذي أعطي كل اهتمامه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين ولم يلق بالا إلي
اللاجئين اليهود الذين أجبروا حسب زعمهم- علي مغادرة الدول العربية التي
كانوا يعيشون فيها ونسي هؤلاء أن الدول العربية التي يدعون عليها هي التي
منحت اليهود الأمن وكانت لهم الفردوس المفقود. ويكفينا أن نشير إلي
المفاجأة التي أعلنها حديثا المؤرخ الأمريكي يهودي الأصل روبري ساتلوف
عندما أكد أن العرب ضحوا بحياتهم لإنقاذ اليهود من القتل علي أيدي الألمان
أو قوات فيشي الموالية لها في البلاد العربية التي كانت تحتلها في شمال
إفريقيا إبان الحرب العالمية الثانية, وكشف ساتلوف أن العرب رحبوا
باليهود في منازلهم وكان الوعاظ في المساجد يأمرون المسلمين بعدم المشاركة
في الاستيلاء علي أموال اليهود المصادرة.
افتراءات يرد عليها التاريخ
أما اليهود فلم يجبرهم أحد علي الرحيل من مصرتحديدا فقدعاشوا في أمن
وطمأنينة وإذا عدنا إلي الدراسات التاريخية المختلفة كدراسة عرفة عبده ملف
اليهود في مصر الحديثة أو يهود مصر دراسة في الموقف السياسي للدكتور محمود
سعيد عبد الظاهر لوجدنا أن اليهود خلال القرن التاسع عشر تمتعوا بمكانة
اقتصادية متميزة في ظل تجربة محمد علي النهضوية. وفي عهد خلفائه تولت
شخصيات يهودية وظائف مهمة مثل يعقوب قطاوي الذي تولي وظيفة الصراف العام
وتحصيل الجمارك وسك العملة وكان أول يهودي يحظي بلقب بك في عهد الخديو
توفيق عام1880 كما توالت الألقاب علي سائر الأسر اليهودية مثل جاتينيو
وعدس وسوارس وشيكوريل. كما تبرع السلطان حسين كامل للطائفة اليهودية
بقطعة أرض لبناء المستشفي الإسرائيلي1926, وبعد اندلاع الحرب العالمية
هاجر عدد كبير من اليهود إلي مصر وقد قامت مصر باستقبالهم ورحبت بهم. حتي
إن ليفي أبو عسل, وهو أحد الكتاب اليهود المصريين, وصف حالهم عندما
وصلوا إلي ميناء الإسكندرية بقوله: وصلوا إلي مصر وهم يطوون أحشاءهم علي
الطوي.. فرفلوا في بحبوحة النعيم ففي ذلك الوقت التقي إدجار ساويرس رئيس
الطائفة الإسرائيلية بالإسكندرية السلطان حسين كامل الذي أبدي تعاطفا كبيرا
معهم وافتتح مناطق القباري والبلدية في الشاطبي ومبني الحجر الصحي لهم.
كما أمر السلطان حسين كامل بصرف إعانة يومية لهم وأقيمت مدارس لتعليم أطفال
اليهود بالعبرية., وفي عهد الملك فؤاد لم تختلف الصورة كثيرا فقد حظي
اليهود بالرعاية نفسها حين تولي وزارة المالية في مصر يوسف قطاوي باشا
وكانت زوجته فيما بعد وصيفة الملكة نازلي. وفي ظل التسامح الديني أتيح
لليهود تحقيق مكانة اقتصادية متميزة وبرزت منهم أسماء مثل شيكوريل الذي أسس
متاجر شيكوريل وريكو وأسهم في تأسيس بنك مصر وكان شيكوريل رئيس الغرفة
التجارية المصرية وقاضيا في المحكمة المختلطة. وأنشا سوارس بنكا وسمي أحد
ميادين القاهرة باسمه وتحول فيما بعد إلي مصطفي كامل وهناك موسي قطاوي
الذي أسس خط سكك حديد أسوان وشرق الدلتا وشركة ترام وسط الدلتا وعمر أفندي
وبنزايون,
واستمر الملك فاروق في سياسة أجداده من حيث حسن التعامل مع اليهود وكان
استديو وند بيرج هو المفضل لتصوير العائلة المالكة ومحلات شيكوريل المفضلة
لها ولذا فقد سارع القصر إلي إصلاح محلات شيكوريل أعقاب حريق
القاهرة1952.
أما عن الحرية الدينية فقد كانت متاحة إلي أقصي درجة, ففي مدينة القاهرة
بلغ عدد المعابد اليهودية خلال النصف الأول من القرن العشرين حوالي29
معبدا وفي الإسكندرية عشرين معبدا, هذا بالإضافة إلي معابدهم الأخري في
شتي مدن الدلتا وكانت لليهود صحفهم الخاصة ومنها مجلة إسرائيل: التي
أصدرها الدكتور ألبير موصيري1920 بثلاث طبعات من العبرية والفرنسية
والعربية ومجلة مصر الإسرائيلية بالفرنسية عام.1912
تركز اليهود متواضعو الحال في حارة اليهود بالموسكي بينما انتقل أثرياء
اليهود إلي الأحياء الأكثر رقيا كالعباسية والظاهر والسكاكيني... وكانت
الإسكندرية ثاني أكبر المدن التي استقر بها اليهود منذ نهاية القرن السابع
عشر. وفي القرن التاسع عشر ازداد عددهم بالمدينة كانعكاس لزيادة وجودهم
بصفة عامة في عهد محمد علي الذي فرض حمايته علي اليهود وحذر الأهالي من
الاعتداء عليهم بعد اتهامهم بالتعاون مع الحملة الفرنسية. ومنذ تولي
الخديو اسماعيل حكم مصر1863 وحتي منتصف القرن العشرين أصبحت العائلات
اليهودية التي استقرت بمصر وبعض أفراد الطبقة المتوسطة من اليهود المصريين
أغني طبقة يهودية في الشرق الأوسط. وفي إحصاء1897 تبين أن القاهرة يعيش
بها11609 من اليهود وفي الإسكندرية9831 نسمة بينما تعيش البقية في
سائر المدن المصرية خصوصا المنصورة وطنطا والمحلة الكبري.
وفي الإسكندرية أقام اليهود من أبناء الطبقة المتوسطة في محرم بك. بينما
أقام يهود الطبقة البرجوازية في وسط المدينة بالقرب من شارع النبي دانيال
ثم توسعت أملاكهم في منطقة الرمل وفي وسط المدينة انتشرت المحلات الكبري
مثل هانو وعدس وفي شوارع شريف وتوفيق كثرت محال المجوهرات وشركات التأمين
والملاحة اليهودية. في الطرف الآخر من المدينة نشط يهود الإسكندرية في
الميناء البحري وكان سماسرة البورصة دائمي الحركة بين بالات القطن وأكياس
البصل والأرز المعدة للتصدير. وكان أبرز نشاط عمراني شهده ثغر الإسكندرية
هو ذلك الذي قام به جوزيف سموحة عميد عائلة سموحة التي يعود أصلها إلي
يهود بغداد والذي أتي إلي مصر1917 قادما من مدينة مانشستر فأسس شركة
لتجفيف الأراضي عام1930 واشتري منطقة كانت مستنقعا في سيدي جابر وبني في
قسم منها فيلات للسكن والباقي حدائق فاكهة.
من أشهر أعيان الإسكندرية عائلة عاداه التي
ساهمت مع عائلتي قطاوي وشيكوريل في تأسيس نادي مكابي القاهرة الذي كان
يستقطب الشباب اليهودي ليبث فيهم تعاليم الصهيونية. كما برز اسم عائلة
عاداه في الاقتصاد خصوصا التوسع الزراعي حيث ساهم كبار الرأسماليين اليهود
في إنشاء العديد من شركات استصلاح الأراضي منها: شركة مساهمة البحيرة
التي تأسست.1881 وهناك البارون شارل منشا الذي أخذت الإسكندرية من اسمه
اسم أحد أشهر شوارعها المنشية وشارل منشا كان تاجرا يهوديا وله وكالة
يهودية في منطقة المنشية ومن العائلة يعقوب منشا الذي أسس معبدا باسمه.
بئر الخيانة
لكن اليهود أداروا ظهورهم لهذا كله, واستجابوا منذ الوهلة الأولي لنداء
الصهيونية وعقب مؤتمر هرتزل في مدينة بازل السويسرية تكونت في مصر أول
جمعية صهيونية عام.1897 بل وتكونت14 جمعية أخري في القاهرة والاسكندرية
وتكون الاتحاد الصهيوني الذي ترأسه جاك موصيري الذي أرسل برقية شكر إلي
بلفور علي قراره الشهير ونظم اليهود المصريين احتفالا كبيرا بهذه المناسبة
حضره8 الاف يهودي. وخلال الفترة من19481914 هاجر من مصر إلي فلسطين
نحو4 آلاف يهودي دون أ ن يجبرهم علي ذلك أحد.
وبدأت حركة واسعة لتجنيد الجواسيس في مصر وكانت أشهر العمليات عملية
سوزانا التي بدأت في2 من يوليو1954 بنسف مبني البريد الرئيسي في
الإسكندرية لحقتها تفجيرات وكالة الاستعلامات الأمريكية في14 من يوليو
وتوالت التفجيرات وتم الكشف عن العملية حين اشتعلت احدي المتفجرات في جيب
أحد العملاء الصهاينة والتي كان ينوي وضعها في محطة قطارات ومسرح ريفولي
بالإسكندرية وبعد اعتقاله تم القبض علي سائر أعضاء الشبكة من اليهود
المصريين ومنهم الدكتور مرزوق الذي منحته إسرائل رتبة عسكرية و صمويل عزرا
الذي أطلق اسمه علي شوارع بئر سبع ووقف أعضاء الكنيست حدادا عليهم بعد
تنفيذ أحكام الإعدام. والملفات مليئة بأسماء اليهود المصريين الذين قاموا
بأعمال تجسس أشهرهم إيلي كوهين وبخلاف التجسس والخيانة كان هناك التنكر
للوطن وهجرته إلي إسرائيل بل وخدمة الكيان الصهيوني الجديد كما فعلت راشيل
ليفي التي منحتها مصر المجد والشهرة والمال وأضحت تعرف بالفنانة راقية
إبراهيم التي أعطت مصر ظهرها وهاجرت إلي أمريكا حيث عملت بقسم الاتصالات
والإعلان الخاص بالوفد الإسرائيلي في هيئة الأمم المتحدة وبعد أن أحيلت إلي
المعاش افتتحت محلا لبيع المجوهرات والتحف الشرقية التي كانت تستوردها من
إسرائيل والهند.
لكن لغة الإنصاف تقتضي ان نذكر أن يهود مصر كان من بينهم من حافظ علي
ولائه لوطنه ومنهم شخصيات مثل يوسف درويش وليلي مراد التي رفضت جواز السفر
الإسرائيلي وشحاته أهارون ويمون دويك.
حرب التعويضات
لقد كانت هناك جهود منظمة من جانب اليهود المصريين للمطالبة بما يرونه
حقهم من ممتلكات تركوها خلفهم في مصر وقد بدأت تلك الجهود أثناء مناقشة
اتفاقية كامب ديفيد إلا أن الرئيس السادات رفض فتح باب النقاش حول الأمر.
وفي عام1979 قامت أسرة بيجو اليهودي المصري برفع دعوي قضائية لاسترداد
ممتلكات حفيد نسيم بيجو واتهمت الأسرة شركة كوكاكولا بالاستيلاء علي ثروة
طائلة حيث قامت الشركة باستئجار عمارات في وسط البلد كانت تابعة له وأقامت
عليها مصنعا لإنتاج وتعبئة الكوكاكولا وقد تم تأميم الشركة مع أراضي ومنشآت
بيجو إلي شركة كوكاكولا تحت اسم شركة النصر القومية.. وفي الواقع أنه
يوجد ثلاث منظمات يهودية عالمية بدأت خلال السنوات الأخيرة حملة تطالب فيها
بتعويض اليهود الذين غادروا الدول العربية باعتبارهم لاجئين وزعمت أن
أعدادهم تزيد علي المليون شخص. وفي نيويورك تأسست جمعية دولية لليهود من
أصل مصري تعمل علي جمع الصور والصحف والوثائق التي تثبت أملاك اليهود في
مصر.. وفي عام1993 قدم بعض اليهود لجورج بوش الأب وثائق تخص الأراضي
والمنازل التي تركوها في الدول العربية وأشاروا إلي أنها تماثل أرض فلسطين
تقريبا, أما الرئيس كلينتون فاقترح تشكيل لجنة دولية برئاسة أوروبية
أمريكية لبحث كيفية تعويض يهود الدول العربية. وقد أعلنت مصادر إسرائيلية
أن قوات التحالف في العراق حصلت علي وثائق متعلقة باليهود العراقيين في
المقر العام لجهاز الأمن العراقي في بغداد مما يساهم علي حد قولهم في إعادة
تقييم حجم أملاك اليهود في العراق. وتمثل التعويضات التي يطلبها اليهود
من العراق وحدها30% من جملة التعويضات المطلوبة من كل البلدان العربية
والتي تصل الي55 مليار دولار, ولا ننسي أن أجزاء من السعودية والعراق
والأردن ومصر ولبنان وسوريا موجودة في خريطة إسرائيل, ثم إن موشي ديان
عندما دخل القدس عام1967 قالها صراحة: لقد انتقمنا ليهود خيبر ونحن في
الطريق إليها. ومن الجزائر أيضا يطالب اليهود بتعويضات تبلغ8 ملايين
دولار نظير الممتلكات التي تركوها فيها.
الخطر الساطع
لاشك أن الحديث عن عودة اليهود المصريين يفتح الباب علي مصراعيه لمخاطر
أمنية واقتصادية قد لا يمكن درؤها لذا تؤكد الدكتورة آمال ربيع أستاذة
الدراسات العبرية بجامعة القاهرة: أن كل ما يقوله اليهود عن وجود أملاك
لهم في الدول العربية باطل فقد قاموا بتهريب أموالهم إلي خارج مصر وخططوا
لخروجهم منها ولم يتركوا سوي ما لم يستطيعوا حمله كقطع أراض أو عقارات,
وأكبر دليل علي ذلك أن الأسماء اللامعة التي خرجت من مصر ظلت علي ثرائها,
وحتي بعد ثورة يوليو نجدهم قد عملوا في مصر من الباطن, وكثير من اليهود
الذين خرجوا من مصر أبدوا ندمهم أكثر من مرة وأيضا يهود العراق لأنهم تمنوا
أن يكونوا من الجيل الذي يشهد قيام دولتهم المزعومة من النيل إلي
الفرات. كما أن خطورتهم الحقيقية تتجسد في محاولاتهم السيطرة علي اقتصاد
البلدان التي يوجدون بها.
د. جلاء إدريس أستاذ الاسرائيليات يؤكد:
أن صورة مصر في التوراة تعكس حالة الانفصام التي تتسم بها الشخصية
الإسرائليلة فهي تتأرجح بين القبول والرفض وبين الرغبة في العودة والرمز
إلي العبودية بسبب ما لاقوه من عنت شديد علي يد فرعون مصر. لكن هناك
معتقدا مبنيا علي نص توراتي في سفر التكوين حيث لا يكتفي الرب الإله بمنح
أرض الميعاد أرض فلسطين لبني إسرائيل. بل إن الرب يصرح علانية بأنه قد
أعطي لشعبه إسرائيل كل أرض وطأتها أقدامهم ومن ثم وجدنا في الأدب الإسرائلي
الحديث عن العودة إلي سيناء واحتلالها باعتباره من الأرض التي وعد بها
الرب وهذا يفسر موقف الدولة الصهيونية من سيناء ابان حروبها مع مصر وفي
المحاولات التي يقومون بها لإعادة الاحتلال. هناك بالطبع من اليهود
المعاصرين من لا يأبه ولا يقيم وزنا للتوراة برمتها ولا ينتمي إلي الفكر
الصهيوني الحديث. لكن وجدت في الكثير من الأدبيات العبرية التي تسجل
صفحات من معارك اليهود مع المصريين1973 ما يشير إلي ترسيخ فكرة العودة
إلي سيناء.
و الذين خرجوا من يهود مصر منذ أكثر من نصف قرن لم يبق منهم علي قيد
الحياة إلا شيوخ تجاوزوا السبعين من أعمارهم وهم قلة. أما أبناؤهم الذي
ولدوا في فلسطين إسرائيل فلا أعتقد أن هناك رابطة مادية أو معنوية تربطهم
بمصر. كما أنهم يعلمون جيدا أن الحياة في إسرائيل أكثر رخاء من الحياة في
مصر. ثالثا: تشير المصادر التاريخية إلي أن اليهود الذين خرجوا من مصر
كانوا علي أقصي تقدير60 ألفا. أما يهود البلدان العربية عموما فقد ترك
معظمهم هذه البلاد نتيجة عوامل جذب وطرد.. جذب لوعود معسولة من إسرائيل
وطرد بتصرفات بعض الحكومات العربية الغبية التي أسهمت في تقوية دولة
إسرائيل عند نشأتها بمدها بأكثر من نصف مليون يهودي. بل إن هناك بعض
الحكومات التي أبرمت صفقة مع المنظمة الصهيونية العالمية مقابل تهجير
اليهود علي نحو ما فعلت حكومة نوري السعيد في العراق.
زبيدة عطا أستاذة التاريخ بآداب حلوان تؤكد في دراستها المهمة عن التاريخ
السياسيي ليهود مصر: أنه في عشرينيات القرن الماضي رغم أن الجنسية
المصرية كانت متاحة لكل من كان يقيم علي أرضها فقد أحجم معظم اليهود عن
الحصول علي الجنسية المصرية وظلت أعداد كبيرة من مختلف الطبقات اليهودية
تحمل الجنسية الأجنبية من عائلات يهودية كبيرة كسوارس وشملا حرصا علي
الامتيازات الأجنبية. ولم يحصلو ا علي الجنسية المصرية إلا بعد صدور
قانون الشركات الذي خصص نسبة75% للمصريين و هناك الكثير من اليهود
المصريين هاجروا من مصر في فترة مبكرة قبل الأربعينيات ومنهم شارك في
حرب48 مع إسرائيل وهذا ما تخبرنا به وثائق الجنيزا اليهودية. حتي انه
في عام1946 تم ضبط شبكة تجسس في مصر كان يشرف غليها الحاكم العسكري ليافا
وهو يهودي مصري عاش في القاهرة14 عاما ثم تركها للقدس وانضم إلي الوكالة
اليهودية..
ومع إلغاء المحاكم المختلطة وبدء عملية التمصير وظهور التيارات القومية
الإسلامية العربية بدأ اليهود في الهجرة بعد فقدانهم تلك الامتيازات. ومن
واقع الكتابات اليهودية كان للموساد دور كبير في تشجيع الهجرة لإسرائيل
وكتاب لاسكر يحتوي شهادات عملاء الموساد في مصر ودورهم في تشجيع الهجرة
اليهودية, هذابالإضافة إلي موقف التيار الإسلامي سواء في الإخوان أو مصر
الفتاة الذي دعا إلي مقاطعة اليهود المؤيدين لإسرائيل وكان اليهود وراء
استفزاز المصريين كقيامهم عام1945 بالاحتفال بذكري وعد بلفور في مظاهرة
عامة. وهذا ما دعا العديد من الكتاب ومنهم محمد التابعي إلي مطالبة
اليهود بتحديد موقفهم من الحركة الصهيوينة. واليهود كانوا متعاطفين بشكل
أوبآخر مع الصهيونية فناحوم أفندي وهو عضو مؤسس في مجمع اللغة العربية أعلن
رفضه للصهيونية. لكنه مع ذلك كان متعاطفا مع فكرة الوطن القومي
لليهود. وثورة يوليو لم تتخذ موقفا معاديا من الثورة بل إن محمد نجيب قام
بزيارة المعبد اليهودي في شارع عدلي. وقامت الحكومة المصرية بعلاج ناحوم
افندي علي نفقة الدولة ووجه شكرا لجمال عبد الناصر ومع ذلك هاجر عدد كبير
من اليهود من الأربعينيات إلي منتصف الخمسينيات فهاجر الأثرياء الي أوروبا
وأمريكا لاستثمار أموالهم والطبقة الوسطي والدنيا إلي إسرائيل حيث اعتقدوا
أنهم سيجدون فرص عمل أفضل وجاءت حربا56 و67 وقرارات التأميم ولقد عوض
اليهود الأجانب من الفرنسيين والإنجليز وعدد من الجنسيات عن اموالهم التي
وضعت تحت الحراسة عام1956 والتأميم61 لم يشمل إلا أعدادا محدودة وكانت
أغلبية أصولها قد بيعت وصفيت من قبل علي أيدي أصحابها.
وكان عدد اليهود1947 في أعلي معدل له65 الف و953 وبدأفي التناقص
والعد التنازلي حتي وصل عام1966 إلي2488 أي ما يقارب التعداد الذي بدأ
به في عهد محمد علي وهذا يفرض حقيقة مهمة أن من دخل مصر من اليهود كان من
هجرات أجنبية ولم يكن من اليهود المصريين الذين كانت أعدادهم محدودة,
فقطاوي كان من أصول تركية وعائلة موصيري من أصول إسبانية وعائلة سوارس الذي
كان بمثابة قائم لأعمال البرتغال في الإسكندرية منذ عام1832. ومنشا وكان
حاصلا علي الحماية النمساوية, وقد خرج الكثير من اليهود من مصر وهم لا
يحملون أي جنسية.
المصدر