من حق الشعب أن يعلم إلى أين تؤخذ الجزائر
الجزائر ليست ملكا لأحد أو مجموعة، يتصرفون فيها وفي مستقبلها، على ضوء مزاجهم الخاص ورؤيتهم المحدودة، نحن أمام وطن مستهدف بالضرورة لثرواته الطبيعية الغنية، وموقعه الجغرافي المتميز استراتيجيا، وليس الكاتب هنا بمعرض إقناع من ينكر هذا، ذلك أن المنكر ليس إلا مكابرا يستحلي العمى والجهل، فتاريخ الجزائر الحديث منه خاصة والقديم، حافل بحملات العدوان من شمال البحر المتوسط، وتنضح صفحاته بدماء الجزائريين أنهارا دفاعا على هذا القطر وثرواته، فضلا عن الأصل وهو الدفاع عن وجود شعب ومقومات شخصيته، كما لا يتسع المقال لتبيان حقيقة الغباء السياسي الذي تنتهجه القيادة الفرنسية، خاصة حيال أزمة مالي، وقرارها بضرورة العمل العسكري، ولمن يريد ذلك فما عليه إلا مراجعة بيانات كبار سياسييها ومفكريها، من قبل العدوان إلى يوم كتابة هذه السطور، بدءا بالرئيس الأسبق فاليري جيسكار ديستان، إلى رئيس جهاز الاستخبارات الفرنسي السابق (DGSE) آلان شويه Alain Chouet الذي شرح بكل وضوح ذلكم الغباء، لصحيفة 'Marianne ' في 18/01 الماضي.عنوانه :'نحارب الفرق الإسلامية في مالي والجزائر، وهي التي ندعمها في سوريا'. وبين الرجلين الكثير من قيادات اليمين واليسار في فرنسا، من ترفع أصواتها اليوم متسائلة عن المستنقع الذي دفع إليه فرنسوا هولا ند فرنسا، وكتاب متخصصون في الشؤون العسكرية مثل Jean-Dominique Merchet في 21/01، الذي ذهب في ذات الاتجاه بمقاله 'أفغانستان جديد'.
على كل حال، لا يحتاج المرء لذكاء خارق، ولا لتخصص متعمق في الشؤون الإستراتيجية، ليقف على الفارق البعيد، بين القوة العسكرية الفرنسية وقوة الولايـــــات المتــــحدة، ومن ثم وبمقارنة بسيطة عابرة، يكتشف القارئ بكل سهولة، أن تغلب الجيش الفرنسي على 'القاعدة' في مالي، يعد هرطقــــة وهذيانا يلامس أفلاما سريالية جامحة الخيال، ففي حال أن الولايات المتحدة قد بلغ عدد أفراد جيشها 94 ألفا، وهو أربعــــة أضعاف عدد مسلحي القاعدة حسب تقديرات كندا 2001/2002، ومساحة أفغانستان التي دارت عليها الحرب تحت ذات الذرائع التي استندت إليها السياسة الفرنسية، هــــي 65 ألف كلم2 ونيف، حال فرنسا اليوم تدعو للعجب، فقادتها يزعمون إمكانية تغلبهم على القاعدة في المالي، لكن بإمكانات ونسب مقلوبة في موازين القوى، ففرنسا تقدر عدد المسلحين من القاعدة هناك بـ 4000 في حين ترسل 2000 عسكري، مع أن واقــع الحال يقول، أن سكان شمال مالــــي الذي يزيد عن 3 ملايين، قد يمد القاعدة بعد العدوان، ونتيجة القصف العشوائي وسقوط مدنيين بعشرات الآلاف من المقاتلين، والفارق الثاني مساحة مالي التي يعادل شـــمالها أكثر من ثلاث مرات مساحة أفغانستان؛ كيــــف يستقيــــم في عقـــل رجل سوي هزيمة الولايات المتحدة هناك، وانتـــصار فرنــسا بهــذه المعطيات هنا، وأكثر شيء يدعو للسخرية، أن تكلـــفة حرب الولايات المتحدة فاقت 443 مليار دولار على امتــــداد عشر سنوات (BBC 22/07/2011)، وفرنسا تزعم خروجها منتصرة خــــلال أسابيـــع ببضع عشرات الملايين من الدولارات. ليتضح للقــارئ أن الموضوع لا يعني البتة محاربة القاعدة، وإنما وضع اليد مباشرة على ثروات تلكم الشعوب، (اليورانيوم في حالة مالي) وإرساء قواعد عسكرية تحميها وأنظمة عميلة تقوم على التغطية.
الإشكال ليس في نوايا فرنسا، ما يعنينا تحديدا هو موقف السلطة الجزائرية المنقلب 360 درجة فجأة، والمتخبط فيما بعد؛ فتقديرات الخبراء، وهو ما أشار له وزير الدفاع الفرنسي 21/01 بوضوح، تفيد ببقاء الجيش الفرنسي في مالي الفترة التي تلزم للقضاء على القاعدة، ما يعني سنوات بطبيعة الحال، إذا وافق البرلمان الفرنسي بعد ثلاثة أشهر على ذلك، وهو الاحتمال المرجح، إشكال فرض على المواطن الجزائري أسئلة جوهرية، بل يمكن وصفها بالمصيرية، ولعل أول هذه الأسئلة: من المسؤول عن فشل الدبلوماسية الجزائرية في كل القضايا الإقليمية، وإلغاء دورها وقتل فاعليته، آخرها اقتراحاتها بحل النزاع في ليبيا وكذلكم اقتراحها لحل الأزمة في سوريا في بداياتها، وأخيرا قضية مالي؟. الملاحظ أن كل المبادرات الجزائرية، لم تكن تؤخذ بحجم الجزائر كدولة، ولكن بوزن سلطتها الذي مع الأسف الشديد ترجم واقعه بعدم الاكتراث بها أصلا، السؤال الثاني: إذا كانت مالي تدخل ضمن الأمن القومي الفرنسي، كما يبين الموقف الفرنسي السياسي والعسكري.
فأين هذه الدولة الجارة من الأمن القومي الجزائري؟ والتطورات على الأرض تشي بانعدام الجزائر من الخارطة الجيوسياسية، بل انسحابها كذلك من الخارطة التاريخية في هذه الظروف الحرجة والدقيقة. ذلك ما عبرت عنه على الأقل وزارة الشؤون الخارجية منذ بداية الحرب على مالي إلى اليوم، بصمتها الغير مفهوم والغير معقول.
أخيرا، لا يتسع المقال لتحليل الندوة الصحفية للوزير الاول الجزائري 21/01، التي ترجمت تخبطا فعليا وعجزا مقززا، ولغة هجينة مقرفه، وفي كل الأحوال فقد تبين للمواطن الجزائري وغيره، تضارب المعلومات وتناقضها أحيانا، على مدى أيام أزمة 'أمناس'، إنما السؤال الخطير الذي يفرض نفسه علينا: إذا كنا توقعنا - وقبل وقوعها - الأسبوع الماضي في المقال الأخير، افتعال عمليات إرهابية في صحراء الجزائر، تهدف لزعزعة الوضع والتمهيد لاحتلال جديد، فإننا اليوم نؤكد على صحة وجدية التهديدات، التي باتت علنـــية على ألسنة قيادات الجماعات الإسلامية، وهي مزيدا من العمليات القاسية، والتي لا تقل خطرا عن عملية 'امناس'، التي تؤججها عمليا وعســــكريا وإعلاميا الدول الغربية، لتقاطعها مع هدف الأخيرة في نهاية المطاف، البحث عن ذريعة جدية لوضع اليد على ثروات الجزائر في صحرائها. أعتقد أنه بات لزاما على القيادات الجـــزائرية العسكرية والأمنية والاستخباراتية، وأخص منها تحديدا الدرجة الثانية والثــالثة، أن تجيب على تساؤلنا المشروع: إلى أين تؤخذ الجزائر؟. خاصة وأن هناك مؤشرات جدية، تفيد بتوقع أحداث دامية في الصحراء في المدى القريب جدا، والحال أن الجزائر وشعبها على صفيح ساخن.
http://alquds.co.uk/index.asp?fname=today\23qpt479.htm&arc=data\2013\01\01-23\23qpt479.htm