مئير دغان
الاجراء الثابت: في كل يوم خميس يصل رئيس الموساد مئير دغان وبعض من رجال
مكتبه في تل أبيب الى مكتب رئيس الوزراء ايهود اولمرت في المبنى القديم
لوزارة الدفاع في دار الحكومة. هذه هي اللحظات التي يحبها اولمرت جدا. فهو
يهتم جدا بالتفاصيل، يريد أن يرى المقاتلين والقادة قبل الحملة وأن يأخذ
الانطباع من سيماء وجوههم وفي الغالب يصادق على ما يأتي له به دغان.
في السنتين الاخيرتين اصبح رئيس الموساد الشخصية الامنية المركزية الى
جانب رئيس الوزراء. التقديرات الدقيقة التي اطلقها في حرب لبنان الثانية،
والانجازات المتراكمة للموساد في جبهتها المركزية ـ حيال ايران، سورية
وحزب الله ـ عززت جدا مكانة دغان في القيادة الوطنية. ومن عملية الى عملية
ازدادت شهية دغان واولمرت بعمليات اكثر جرأة، اكثر خطرا، اكثر اثرا.
اولمرت مستعد لان يأخذ مخاطر في المصادقة على العمليات ليس اقل من ارييل
شارون، يقول دغان لمعارف رئيس الوزراء. في جلسة الحكومة يوم الاحد هذا
الاسبوع والتي أبلغ فيها اولمرت وزراءه باستقالته، كرس لحظة ايضا للثناء
الذاتي. فقال: 'اؤمن بان السياقات التي قادتها حكومة اسرائيل برئاستي في
مجالات مختلفة، كتلك التي يمكن الحديث عنها وغيرها مما لا يمكن الحديث
عنها، ستظهر في مكان مناسب لها في التاريخ'.
اولمرت لم يفصل، ولكن في السنة الاخيرة قصفت اسرائيل وهدمت المفاعل النووي
الذي بنته سورية، في ايلول (سبتمبر) 2007؛ حزب الله يولي لها تصفية مسؤول
المنظمة عماد مغنية في دمشق، في شباط (فبراير) من هذا العام؛ في وسائل
الاعلام الاجنبية جرى الحديث عن تفجير في مصنع سلاح كيماوي في سورية، قتل
فيه عشرات المهندسين الايرانيين والسوريين؛ وقرب طهران انفجرت قافلة من
الحرس الثوري الايراني، كانت تحمل السلاح لحزب الله، ولم يتحمل المسؤولية
عن هذه العمليات أحد.
'ربما بعد خمسين سنة سنكتشف ماذا فعل دغان واولمرت معا'، يقول مصدر سياسي
في القدس ووزير كبير يضيف: 'انجازات الموساد مذهلة، تتجاوز كل خيال'. في
حزيران (يونيو) من هذا العام ابلغ اولمرت الحكومة بتمديد ولاية دغان، بسنة
اخرى، سابعة. وقال رئيس الوزراء: 'مئير دغان يؤدي مهام منصبه بشكل
استثنائي وقائمة انجازات الموساد في السنوات الست الاخيرة مثيرة للانطباع
جدا. لا ريب أنه طرأ زخم في عمل الموساد'.
المهمة المركزية: ايران
المهمة المركزية للموساد في عهد دغان كانت احباط البرنامج النووي
الايراني. وفي هذا وظفت جل المصادر والاهتمام الاداري. وحسب بضعة مصادر،
الضغط السياسي لاسرائيل نجح في تحقيق تأخير لبضع سنوات ـ وربما عقد ـ في
استكمال القنبلة النووية الايرانية.
رئيس دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية، العميد يوسي بايدتس، قدر
في جلسة الحكومة هذا الاسبوع بان 'الزمن حتى نقطة اللاعودة آخذ في القصر'.
وبرأي خبراء، فان نافذة الفرص لوقف ايران ستغلق في نهاية 2009. النشاط
الاحباطي المذكور 'اشترى زمنا' لاصحاب القرار في اسرائيل والاسرة الدولة،
ولكنه لم ينجح حاليا في التأثير على السياسة الايرانية. 'يقال ضدنا في
وسائل الاعلام اننا نبالغ في الاخطارات'، يقولون في اسرة الاستخبارات.
'منذ سنوات ونحن نقول ان ايران تقترب من القنبلة وهذا لم يحصل. ولكن
التقدير لم يتحقق، وذلك ايضا بسبب الضغط الذي مورس على ايران'.
الاحساس بان القنبلة الايرانية على البوابة، شجع اولمرت على محاولة
تأخيرها. موظف كبير يشرح بان العمليات الاستخبارية السرية تجري في 'مستوى
منخفض'، وتلك هي ميزتها الكبرى على عملية عسكرية صاخبة مثل القصف من الجو
ـ والذي سيجر ايران وحلفاءها الى رد شديد، ومن شأنه أن يجعل اسرائيل تعلق
في حساب دموي طويل ومرير مع ايران.
دغان قدر بان احباط المشروع الايراني يمكنه أن يؤدي الى تأخيرات بثمن
منخفض نسبيا. في السنة الاخيرة لولاية شارون، عرض عليه جهاز الامن مطالب
للتسلح والتنظيم حيال التهديد الايراني، تضمنت وسائل ردع متطورة وتحصين
منشآت حساسة. الكلفة كانت هائلة. دعكم، قال دغان، اسمحوا لي بالعمل
بوسائلي وانا اعد باعطائكم اخطارا في الوقت المناسب بحيث تتمكنون من
الاستعداد.
في السنوات الاخيرة جرى الحديث بضع مرات عن نقاط خلل فنية تؤخر المشروع
النووي الايراني: الجنرال الايراني علي رضا عسكري فر بعد أن كان ضالعا في
ادارة الاتصالات مع حزب الله؛ تاجر ايراني في وسائل الاتصالات المتطورة
اتهم بالتجسس لصالح اسرائيل؛ في سويسرا انكشف أب وابناه، ساعدوا
الايرانيين في بناء اجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم وعملوا كعملاء
مزدوجين لـ السي.اي.ايه لتخريب معدات حساسة. 'عمليات الاحباط' تستدعي
استخدام جهاز كامل، حرب نفسية، تسريبات الى الصحافة الدولية واتصالات
دبلوماسية، تحرج الايرانيين وتجند ضدهم الرأي العام في الغرب. في حالة ما،
هدم الايرانيون منشأة قبل طهران استخدمت لتطوير سلاح نووي، وبنوا في
مكانها ملعب كرة قدم، بعد أن سرب وجودها الى الوكالة الدولية للطاقة
الذرية.
دغان ينسق هذه النشاطات، بحكم التفويض الذي تلقاه من شارون للوقوف في رأس
'منتدى الاحباط السياسي' للبرنامج النووي الايراني، والذي تشارك فيه وزارة
الخارجية ولجنة الطاقة الذرية.
ابداعي وجسور
اوائل المحذرين في اسرائيل من التهديد الايراني مفعمون بالثناء على عمل
دغان. الوزير بنيامين بن اليعيزر، الذي اوصى شارون بتعيين دغان يقول عنه
انه 'اعاد الموساد الى ما كانت عليه في البداية ـ الذراع التنفيذية
الطويلة لاسرائيل، والذي يمكنه أن يصل الى كل مكان متى يشاء وفي أي طريقة
يختار. فهو جسور، ذو عقل تنفيذي وبارد الاعصاب'. ويقول الوزير السابق
افرايم سنيه ان دغان 'ذو نباهة عملياتية، جسارة شخصية واستعداد للمخاطرة،
خيال عملياتي غير عادي وشجاعة'. في الجيش ولا سيما في شعبة الاستخبارات
يوجد بالذات انتقاد على ما يبدو كـ 'اخذ حظوة' على العمليات الناجحة
للوحدات الخاصة المعزوة بغير حق الى الموساد. ولكن خصوم دغان ايضا يعترفون
بابداعيته وجسارته في العمليات.
ميزانية الموساد وحجم القوى البشرية لديها ازدادا بعشرات في المئة في فترة
ولايته، ولكن دغان فخور بانجازات الجهاز، التي ارتفع عددها بشكل حاد. وهو
يعرضها في جلسات اللجنة الفرعية للخدمات السرية في الكنيست وكأنه مدير عام
شركة خلوية يطلع مجلس الادارة على عدد المشتركين الجدد الذين جنّدهم
للشبكة.
نشاط الموساد معقد وباهظ اليوم اكثر بكثير مما في الماضي. ازاحة النشاط من
اوروبا ـ حيث عملت الموساد عندما كانت اهدافها نشطاء م.ت. ف ـ نحو ايران،
وتشديد الرقابة على معابر الحدود في اعقاب عمليات 11 ايلول (سبتمبر)، تثقل
ايضا على اجهزة الاستخبارات التي يتعين عليها الاجتهاد اكثر لخلق غطاء
مصداق لرجالها. دغان وثق جدا التعاون مع الاجهزة الموازية في خارج البلاد.
لم يكن هذا سهلا: بداية عمله مع وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية
(السي.اي.ايه) كانت مليئة بالمصاعب. في زيارته الاولى الى واشنطن، شرح
لمضيفيه كيف ينبغي معالجة النووي الايراني. يجب دمج العزل الدبلوماسي،
العقوبات الاقتصادية والعمليات السرية، قال للامريكيين. لم ينفعلوا بل ولم
يستطيبوا الحديث المباشر للضيف، والعلاقة بردت. في نهاية 2003 كشفت اجهزة
الاستخبارات الامريكية والبريطانية البرنامج النووي الليبي، وتحت ضغط هذا
الكشف وافق حاكم ليبيا معمر القذافي على التخلي عن المشروع مقابل الاعتراف
السياسي. اسرائيل لم تكن شريكا سريا في الاتصالات بين الدول والكشف عن ذلك
أدى الى صدمة في الموساد. ومنذئذ بذل جهد لترميم العلاقات مع السي.اي.ايه
واستؤنف التعاون بين الجهازين.
بعد ان هوجمت في ايلول (سبتمبر) المنشأة النووية في سورية، اثنى رئيس
السي.اي.ايه مايكل هايدن على الاستخبارات على انجازاتها في القضية
السورية. 'جهاز استخبارات اجنبي كان اول من لاحظ المبنى كمفاعل نووي يشبه
الطراز الكوري الشمالي'، قال الاسبوع الماضي ووصف التعاون بانه 'عمل مشترك
على معادلة معقدة على مدى الزمن. كل واحد يحاول حل متغير يساعد شريكه في
حل متغير آخر وهكذا دواليك، الى أن حلينا لغز الملف'.