الرد الرادع
هناك أحداث وطنية تستحق من الأمة إيلاءها كل آيات التقدير والتمجيد، وأن تذكرها أكثر من مرة وتذكر بها العدو قبل الصديق، وتجد لها الحيز الذي يليق بها في مخزون ذاكرتها التاريخية، لأنها وبكل بساطة، تمثل لبنة قوية من لبنات إعلاء صرح تاريخها الوطني،
إننا لا نبالغ البتة إذا قلنا، بأن الرد الصارم والرادع الذي صد به الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، ذلكم العدوان الغاشم والغادر والجبان على المنشأة الغازية بعين أمناس، هو من طينة هذه الأحداث التي تستحق الإشادة والتنويه والتقدير والعرفان، لكل هؤلاء الرجال الصناديد الذين نفذوا عملية بالغة الخطورة والحساسية، بالنظر لطبيعة الموقع الغازي الشديد الخطورة وكثافة التواجد العمالي في عين المكان من جزائريين وأجانب،
فرغم كل تلك الظروف الدقيقة والاستثنائية، فقد استطاع أبطال الجيش الوطني الشعبي، وهم يتحلون بحرص لا يضاهى، وتروي غير مسبوق، واقتدار اعترف به العدو قبل الصديق، أن ينفذوا عملية من أصعب وأعقد العمليات العسكرية وتمكنوا، بعد مدة قياسية، بفضل الله تعالى، ثم بفضل سمو درجات حسهم الوطني وروح التضحية لديهم، من التصدي الناجح لهذا الاعتداء الإرهابي الأهوج والجبان الذي استهدف، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، مؤخرا منشأة تيقنتورين الغازية بعين أمناس،
لقد أثبتت هذه العملية العسكرية المشتركة، تكاملا منقطع النظير بين مختلف الوحدات القتالية للجيش الوطني الشعبي وكذا وحدات الدرك الوطني، وأكدت كذلك درجة الاحترافية التي بلغتها كافة الوحدات المشاركة كل فيما يعنيه وفي حدود المهام المحددة،
وفي هذا الشأن فإننا بقدر ما نشيد بنجاح مهمة الاقتحام التي أنيطت بالقوات الخاصة للجيش الوطني الشعبي التي أدتها بكل بطولة واقتدار، فإننا نشيد أيضا بالدور المتكامل الذي قامت به مختلف الوحدات الأخرى المشاركة في هذه العملية النوعية،
إن هذه الحصيلة الإيجابية المحققة، هي ثمرة يانعة وتامة النمو من ثمار الإيمان الجازم والقاطع بالقيم الوطنية والافتخار بالانتماء لهذا الوطن الغالي والتحلي بواجب نصرة الجزائر أرضا وشعبا وحفظ أمنها واستقلالها واستقرارها وسلامتها الترابية،
إنه برهان ثابت ويقيني على وعي أفراد الجيش الوطني الشعبي وإدراكهم العميق لحجم الرهانات الواجب كسبها، وتأكيد على علو همتهم ووفائهم لقسم الإخلاص لعهد الشهداء، الذي يبقى دوما يمثل نبراسا وضاء ينير دربهم ويعينهم على الاهتداء إلى سواء السبيل الذي سيوصلهم، على غرار أسلافهم من مجاهدي جيش التحرير الوطني، إلى تأمين أسباب وعوامل نصرة وطنهم وتأمين موجبات عزته بين الأمم،
تنبع تلك الصرامة التي اتسم بها جيشنا الوطني الشعبي أثناء إفشاله، في الزمان والمكان المحددين، لنوايا هذه المغامرة الإرهابية العدوانية ذات المخاطر والتهديدات المتعددة الأبعاد، ورفضه لأية مساومة أو مهادنة أو تفاوض مع الشراذم الإجرامية، من صلب عقيدته العسكرية ومن طبيعة وحساسية المهام الدستورية التي يتشرف بأدائها، في ظل قيادة وتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني،
تلكم هي الشمائل والمواصفات الحميدة والمتميزة التي تفرد بها الجيش الوطني الشعبي، نتيجة تشبع أفراده بموروثهم الحضاري والثقافي الثري، واحترامهم الشديد لرصيدهم التاريخي الوطني المجيد، التي منها اعتلوا صهوة التميز المهني، وبفضلها ترسخت في أذهانهم وقلوبهم روح الإيثار والتضحية والإقدام،
إن الرسالة الصريحة والواضحة التي وجهتها بلادنا، من خلال قواتها المسلحة بعد عملية عين أمناس، إلى كافة الشراذم الإرهابية ومن يسبح في فلكها في الداخل والخارج، هي أنهم عليهم جميعا إدراك صلابة مواقف الجزائر حيال هذه الفئات الضالة والمجرمة، وإدراك تصميم أبنائها على اقتلاع جذورهم وإلى الأبد من أرض الشهداء، مهما كانت الظروف والأحوال،
فتحية لهؤلاء الصناديد في الجيش الوطني الشعبي، وكافة إخوانهم من الأسلاك الأمنية الأخرى، بل وهنيئا لهم جميعا بهذا الصنيع الذي شرفوا به أنفسهم وجيشهم وبلادهم وأكدوا للعالم أجمع، بأنهم جديرون بمواصلة مشوار أسلافهم من ثوار الثورة التحريرية المباركة،
فلا خوف على الجزائر بوجودهم، فمعهم وبهم تبقى بلادنا محفوظة بحفظ الله ومهابة الجانب، وتبقى تلقن اليوم أعداءها، كما لقنتهم بالأمس، دروسا لا تنسى وتجعلهم اليوم وغدا، كما بالأمس، يجرون أذيال الخيبة ويتجرعون مرارة الهزيمة،
ذلكم هو الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، الذي يبقى يسهر بمثابرة شديدة على المزاوجة بين مسعى أداء مهامه الدستورية، بما في ذلك مواصلة دون هوادة جهد القضاء على بقايا الإرهاب، وبين مسعى استمرار بل وزيادة وتيرة الجهد التطويري لمقومات قوام المعركة لديه، خدمة للجزائر وذودا عن غدها الآمن،
المصدر وزارة الدفاع