مقدمة:
يزعم
الذي لم يقرأ كتب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، أو الذي قرأها ولم يفقهها
أن الرجل كرس حياته للكتابة في شؤون الدعوة الإسلامية، وما ألم بالحركة
الإسلامية في صراعها المرير مع العلمانيين والاشتراكيين وغيرهم، وأنه لم
يكن له فكر واضح، واهتمام مطلق بالقضايا الفكرية، وهذه هي الإشكالية التي
قسمت النقاد الذين تعرضوا لتراثه بين قائل بأنه داعية وحسب، وبين قائل
بأنه داعية ومفكر في آن واحد، وما يحسم الخلاف -في نظري -أن كتابات الشيخ
رحمه الله، بالإضافة إلى كونها كتابات دعوية فهي تحمل مسحة فكرية لا
ينكرها أحد، فهو يمتلك فكرا دعويا ثريا ، ومن محاسن هذا الفكر الدعوي أنه
يتناول بعض قضايا الأنظمة العربية التي لم تظهر بصورتها الواضحة الفاضحة،
إلا في هذا الزمن ومنها على سبيل المثال بعض المشكلات الاجتماعية
والسياسية في بعض البلاد العربية، التي أرست قواعد الفساد الاجتماعي
والسياسي، وأدت إلى زوال بعض الأنظمة الاستبدادية وقيام
الثورات العربية.
.
الشيخ محمد الغزالي مفكر عاش زمانه وجاوز عصره
جميل أن يعيش المفكر زمانه فينقل اهتماماته ويحمل همومه، وهذا واجب
ديني وقومي وأخلاقي تمليه قوانين الله وحتى قوانين الطبيعة والاجتماع، إذ
ليس من المقبول أن ينفصم المفكر عن كل هذا، فيعيش في برجه الفكري يخاطب
ذاته، ويكون نسيجا من الأفكار لا تبرح عالمها الزماني الآن، الذي
يقبع داخله كثير ممن يدعون وصلا بالفكر، ولكنهم يفتئون
يضفون مسحة انطوائية على فكرهم حتى يحول بينهم وبين
بني جلدتهم الذين يعيشون بين ظهرانيهم.
وحينما يصبح المفكر رهين زمانه، فإنه يعيش أبدا غريبا عن مجتمعه، بعيدا
عن عصره، فالزمان هو جزء من العصر، فإذا عاش المفكر زمانه وانقطع عن عصره،
فقد أوشك أن ينتهي إلى غياهب الزمن وينتحر غير مأسوف عليه، وحتى لا ينتهي
مفكرونا إلى هذه النهاية الحزينة، فإن عليهم أن يحرروا ذواتهم وأفكارهم
لتخرج من شرنقة الزمن وتعيش عصرها وتستشرف مستقبلها، وإن كنت لا أحسب أن
هناك كثيرا من المفكرين ممن يعيشون زمانهم وعصرهم، فأغلبهم يغالبه الزمن
ويقصر به النظر ويبطئ به فكره فتضيق نظرته كأنما خلق ليعيش رهين المحبسين.
وعلى خلاف هؤلاء، هناك صنف من المفكرين رزق سعة الفكر وبعد النظر،
فعاش زمانه وعصره وجاوزهما، حتى إنك حينما تقرأ له، يخيّل إليك أنه يكتب
لزمان غير زمانه، لما تلمس في عباراته من نظرات ثاقبة تستشرف المستقبل
وتقرّبه من القارئ كأنما يعيشه وهو لما يدركه، وأحسب أن الشيخ محمد
الغزالي رحمه الله واحد من هؤلاء، لما رزقه الله من فراسة يمكن الوقوف
عليها في كل ما كتبه على مدى نصف قرن أو يزيد، وليس هذا بأمر عجيب لأن
الرجل جمع بين فضائل الإيمان وبدائع الفكر التي قلما اجتمعت في أقرانه،
وهنا نقف على حقيقة ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام:
"اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله"، وليس المراد بالنور هنا نور
الإيمان وحسب، بل نور العلم أيضا، الذي يشع على الكيان كله، فيجعل من
صاحبه استثناء بين أقرانه، تنساب الكلمات على لسانه كأنما يوحى إليه، وهو
في الحقيقة لا شأن له بالنبوة ولكنه رزق شطرا منها، وهي الفراسة التي
لا تبرح صاحبها ولا تخطئ هدفها.
إن الفراسة شيء أوتيته قلة من الناس صفت نفوسهم فسمت أفكارهم وتفتقت
أذهانهم، فتجدهم يكتبون فيجيدون ويتوّقعون فيصير ذلك واقعا ليس له دافع،
وسر هذا كله أن هؤلاء وهبوا نقاء السريرة فانسحب هذا على نقاء الفكرة.
يمكنك أيها القارئ أن تستعرض كتب الشيخ الغزالي وكتاباته، ومقالاته
وأقواله، ومحاضراته ومناظراته، لتكتشف بنفسك أنه قد تحرر في كل هذا الزخم
من مؤلفاته، من عقدة الزمانية المفرطة والآنية المحدودة، فطفق يسبح بفكره
ويصول ويجول ويدون في بعض الأحيان ما يتجاوز عصره، ونكتشف نحن بعد ذلك صدق
ما دوّنه أو تنبأ بوقوعه، وهناك أمثلة حية على ذلك في ثنايا مؤلفاته التي
جاوزت الخمسين، جعلها كلها سجلا للأفكار الحية الممتدة في آباد الزمن،
والصالحة للتطبيق بغض النظر عن الزمن الذي كتبت فيه.
إن الفراسة التي تحدثت عنها كما هي شائعة في المصادر الإسلامية،
يقابلها مصطلح الاستشراف الذي يشيع في الدراسات المستقبلية، وهو علم لا بد
منه لتقدير مآلات ما يتم تقريره وتدبيره في الحاضر، ومؤلفات الشيخ الغزالي
رحمه الله فيها من الاستشراف شيئا كثيرا، وهي تصلح أن تكون دستورا فكريا
تأخذ به الأمة العربية والإسلامية اليوم، إلى جانب جهود إخوانه من
المفكرين على امتداد العالم العربي والإسلامي، بل المفارقة أن بعض
المؤسسات الغربية قد جعلت من بعض كتبه دستورا أخلاقيا وتربويا بعد المسخ
الأخلاقي الذي ضرب بجيرانه وشمل قطاعا كبيرا من الشباب، والأمر هنا يتعلق
خصوصا بكتابه: (جدد حياتك)، الذي قرأه كثير من المسلمين فلم يفقهوه وبدلا
من أن تتجدد به حياتهم ازدادوا ارتكاسا وانتكاسا، لأنهم لم يستخرجوا
الكنوز الكامنة فيه، وتشبثوا بطرائقهم التربوية المهلهلة ورغبوا عن الطرق
التربوية القويمة التي أرشد إليها الشيخ محمد الغزالي رحمه
الله في كتابه.
إن مؤلفات الشيخ محمد الغزالي كلها تؤكد أن الرجل قد جاوز عصره، وهذا
جلي في كتابه (تأملات في الدين والحياة) وكتابه (المحاور الخمسة في القرآن
الكريم) وكتابه (كيف نتعامل مع القرآن) وكتابه (الطريق من هنا) وكتابه
(حصاد الغرور)، وغير ذلك من مؤلفاته التي تستشف منها حقيقة لا تقبل الجدل،
وهي أن الشيخ محمد الغزالي رحمه الله ليس من أصحاب الكتابات الآنية التي
تسوّق روايات ينتهي مفعولها في حينها أو بعد حين، فكتابه (الطريق من هنا)
ليس مجرد كتاب، بل خارطة طريق حقيقية يمكن أن نلمسها ونحن نقلب دفتي
الكتاب، فقد أفرغ الرجل فيه كل مكنوناته، لأنه لا يؤمن بالأثرة العلمية
التي أوهمت كثيرا من أنصاف المفكرين بأنه يجب عليهم أن يتصرفوا في إنتاجهم
الفكري والمعرفي بكثير من الحيطة والتقتير وادخاره لحينه حتى تسجل لهم به
براءة اختراع أو ينالون به وساما يرفع مكانتهم بين الناس. إن هذا الأمر
يصلح في مجال الاختراعات العلمية، ولكنه لا يصلح في مجال المبادئ الدينية
والأخلاقية، لأن هذه المبادئ ليس فيها اختراع، لأنها في أساسها وضع إلهي
ولا يخرج عن هذا الوصف، إلا ما أضافه إليها المجتهدون قديما وحديثا
لتقريبها من الفهم وتسهيل الأخذ بها من قبل الناس وخاصة العوام منهم.
لو أنني أستعرض ما قاله محمد الغزالي في مؤلفاته في هذا الشأن ما وسعني
ذلك، لأن فكر الرجل أكبر من أن يحيط به قلمي، لأنني لست إلا مريدا في
حضرته الفكرية، فقد تقلب الرجل في أوضاع صعبة، فصقلته وجعلت منه جهبذا
وعالما ألمعيا، لم يبخل على أمته بما تعلمه في مدرسة الإسلام ومدرسة
الحياة.
.
الفساد السياسي وفساد عمليات الإصلاح السياسي في نظر الشيخ محمد الغزالي
قد يعتقد بعض النقاد العرب اليوم أن فكر الشيخ محمد الغزالي فكر
متجاوز، أو أنه فكر دعوي كان صالحا لزمانه والأجيال التي عاصرته وأنه لا
يصلح لهذا الزمان والأجيال المعاصرة، وهم واهمون في ذلك، فكيفي أن يتخلوا
على تزمتهم وتعصبهم ويمعنوا النظر فيما كتبه الشيخ محمد الغزالي ليكتشفوا
حقيقة صادمة، وهي أن الرجل قدم حلولا لمشكلات تعيش الأمة العربية
والإسلامية مرارتها اليوم، ومنها مشكلة التطرف الديني والاستبداد السياسي،
وما نتج عنهما من انقلابات سياسية وما يسمى "ثورات الربيع العربي"، فقد
ذكر الشيخ محمد الغزالي في كتابه (الفساد السياسي) أن هذا الفساد مرتبط
بالاستبداد السياسي، وأن الاستبداد السياسي يقود بالضرورة إلى الفساد
السياسي، وأن الفساد السياسي يقود في النهاية إلى الثورة الشعبية العارمة،
وهذه هي المعادلة الصعبة، التي تعيشها المجتمعات العربية والإسلامية، وحتى
بعض المجتمعات غير العربية.
لقد أكد الشيخ محمد الغزالي أن بناء الدولة لا يكون بالانقلابات
السياسية، وإنما بالتفاهمات والتوافقات السياسية، وأن الدول العربية إذا
لم تراع هذا النظام الذي يضبط علاقة الحاكم بالمحكوم فإنها تحكم على نفسها
بنفسها ويكون عاقبة أمرها زوال أنظمتها، وهو ما حدث قبل عامين في بعض
البلاد العربية، فقد تنبأ الشيخ محمد الغزالي بعملية فك الارتباط بين بعض
الأنظمة العربية الحاكمة والشعوب العربية المحكومة، وأكد أن زوال إسرائيل
سيسبقه زوال أنظمة عربية استبدادية نكلت بشعوبها ورهنت مستقبل مواطنيها.
إن حديث الشيخ محمد الغزالي عن زوال بعض الأنظمة العربية لا يبرر بأي
حال من الأحوال سلوكيات ما يسمى "الثورات العربية"، التي استبدلت في
غالبها أنظمة ديكتاتورية بأنظمة ليست أكثر ديمقراطية منها، ولذلك وبحسب
فهمي لما ذكره الشيخ محمد الغزالي أن الاعتقاد في نهاية الأنظمة
الاستبدادية ينبغي أن يرتبط أيضا بالحفاظ على مقومات
الدولة والمجتمع من أن تعصف بها الخلافات وتشيع فيها
ثقافة الانقلابات والثورات وتنتهي إلى ما يشبه الانتقام
المبرمج وتصفية الحسابات.
لقد ذكرت في مقالي السابق، حينما تحدثت عن علاقة الشيخ محمد الغزالي
بالرئيس الراحل الشاذلي بن جديد أن هذه العلاقة الحميمية تعد أنموذجا
للعلاقة الطبيعية بين الحاكم والعالم وبين الحاكم والمحكوم، وهو ما تؤكده
كل مصادر السياسة الشرعية والأحكام السلطانية.
إن علاقة الحاكم بالمحكوم في الفقه السياسي الإسلامي تحكمها قواعد
وضوابط لخصها الخليفة المسلم أبو بكر الصديق لما ولي أمر المسلمين بقوله:
(.. أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن
أسأت فقوّموني، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله،
والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله"، وهذه المقولة
الذهبية تصلح أن تكون دستورا ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم اليوم بعد أن
طاشت الموازين واختلت وسادت الفتنة وعمت وطمت، وتنادى الناس ولات حين مناص.
إن أول ما يلفت النظر في عبارة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، هو أن
الحاكم ينبغي أن يعد نفسه حاكما لكل من يعيش داخل الدولة، سواء ممن لهم حق
المواطنة أو حق الحماية من أهل الذمة وغيرهم، وأن أي تمييز عنصري من شأنه
أن يوغر الصدور ويكون بداية لعصيان مدني لا تحمد عقباه، فالاستقرار
السياسي مبدأه من تحقيق العدالة الاجتماعية.
وقد أكد الشيخ محمد الغزالي في بعض كتبه أن غير المسلمين في المجتمع
الإسلامي يحكمهم عقد الذمة، وبالتالي فإن على المسلمين أن يتعاملوا معهم
بمراعاة هذا الحق وأن أي اعتداء عليهم أو على أملاكهم أو رموزهم أو
مقدساتهم الدينية يعد عملا طائشا ليس من الإسلام، ومع ذلك فإن بعض
الشباب الإسلامي المتهور تعامل مع هؤلاء المعاهدين
والمستأمنين كعدو متربص، ولم يفرّقوا في ذلك بين مقاتل
ومسالم، ومحارب وقابع في محرابه.
لقد أعلن الشيخ محمد الغزالي حربا شعواء على التعصب الديني والمذهبي من
أي جهة كانت، وذكر في كتابه "ليس من الإسلام" وكتابه "الحق المر" أن كثيرا
من تصرفات المسلمين لا تمت إلى الإسلام بصلة، لأنها لم تراع قواعده ولم
تلتزم بهديه، ولأن كثيرا من الجهات الإسلامية في كثير من البلدان العربية
والإسلامية لم تكترث لهذه الظاهرة السلبية المتمثلة في التعصب الديني
والمذهبي، فقد ضاقت ذرعا في محاربة التطرف الديني والمذهبي بعد أن جربت كل
الحلول الأمنية وغيرها، مع أنه كان من الواجب في المقام الأول أن يتصدى
الدعاة لهذه الظاهرة السلبية من خلال نشر الوعي الديني في
المجتمع والدعوة إلى الرجوع إلى سماحة الإسلام، ومن هنا
تعلم كما نصحها الغزالي ذات يوم في كتابه "من هنا
نعلم".
إن علاقة الشيخ محمد الغزالي بالشاذلي بن جديد أنموذج للعلاقة الطبيعية
بين العالم والحاكم، والتي تؤثر إيجابا بعد ذلك في علاقة الحاكم بالمحكوم،
وهي العلاقات التي تقوم في مجموعها على مبدأي النصح والتعاون كما جاء في
خطبة أبي بكر الصديق:".. فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني". ونعتقد
أن غياب هذين المبدأين اليوم في علاقة الحاكم بالمحكوم هو الذي أوصلنا إلى
هذا الوضع الذي لا نحسد عليه، والسبب في اعتقادي أننا استبدلنا مبدأ
التعاون بمبدأ الخصومة السياسية ومبدأ التقويم بمبدأ الثورة والانقلاب
والتحريض على العصيان المدني.
.
تأكيد الشيخ محمد الغزالي أن إفلاس بعض الأنظمة العربية هو سبب زوالها
لقد تحدث الشيخ محمد الغزالي عن إفلاس بعض الأنظمة العربية، وأن هذا
الإفلاس يظهر في شكل إفلاس اجتماعي أو إفلاس اقتصادي أو إفلاس سياسي أو
إفلاس عام يستغرق كل الأنواع، ومن المفيد هنا أن أذكر ما قاله الشيخ رحمه
الله عن زوال بعض الأنظمة العربية في كتابه "الإسلام والأوضاع
الاقتصادية"، حيث قال: ".. إن زوال إسرائيل قد يسبقه زوال أنظمة عربية
عاشت تضحك على شعوبها، ودمار مجتمعات عربية فرضت على نفسها الوهم والوهن،
قبل أن يستذلها العم أو الخال، وقبل أن ينال من شرفها غريب، إنه لا شيء
ينال من مناعة البلاد، وينتقص من قدرتها على المقاومة الرائعة
كفساد النفوس والأوضاع، وضياع مظاهر العدالة، واختلال
موازين الاقتصاد، وانقسام الشعب إلى طوائف، أكثرها مطيع
منهوك وأقلها يمرح في نعيم الملوك".
إن ما حذر منه الشيخ محمد الغزالي رحمه الله قد وقع فعلا، حيث أنه ربط
بين حادثتين مختلفتين: زوال إسرائيل وزوال الأنظمة العربية، وهذا يعني أن
تخاذل الأنظمة العربية في الدخول في مواجهة حقيقية مع إسرائيل سيجعلها
بالضرورة في مواجهة علنية وحاسمة مع شعوبها، ولذلك فإن هذه الأنظمة
ستكون أولى بالزوال من إسرائيل أو يقع لها ذلك أولا
قبل إسرائيل لأنها اعتبرت شعوبها قيمة مهملة في معادلة
الصراع الإسرائيلي.
إن زوال بعض الأنظمة العربية تعود أسبابه -كما قال الشيخ محمد الغزالي
- إلى اعتمادها على ثقافة الوهم وتسليمها بالوهن على أنه قدر مقدور وواقع
ليس له دافع، فالأنظمة العربية إذا تظاهرت بمظهر الوهم والوهن تكون قد
أعانت إسرائيل على تحقيق حلمها التوراتي وهو إقامة دولة إسرائيل من
الفرات إلى النيل، وحين تفعل هذا تكون قد ارتكبت
الخيانة العظمى في حق تاريخها ودينها ومقدساتها، وعندها
تكون أجدر بالفناء والزوال لأنها لا تستحق الحياة.
وعندما يتحدث الشيخ محمد الغزالي عن زوال أنظمة عربية بسبب ممارستها
للاستبداد، فإنه يستثني بعض الأنظمة العربية، لأنه من غير المعقول أن يكون
النظام العربي مشمولا كله بالفساد ومعنيا كله بسوء العاقبة، فهناك
استثناءات ينبغي أن تراعى ومواقف عربية مشرفة ينبغي أن تثمن، ولذلك
فليس من الموضوعية الإعلامية أن يتحدث الإعلام عن فساد
النظام العربي برمته، فهذا يتعارض مع رسالة الإعلام
جملة وتفصيلا.
ومن أسباب زوال بعض الأنظمة العربية في نظر الشيخ محمد الغزالي، غياب
العدالة الاجتماعية واختلال الموازين الاقتصادية وانتشار الطائفية، وكثير
من الأوضاع التي عاشتها المنطقة العربية قبل ما يسمى الثورات العربية، وما
بعد هذه الثورات تؤكد صحة ما ذكره الشيخ، فقد تنادى المصلحون السياسيون
والاجتماعيون إلى ضرورة تدراك هذه الأمور قبل فوات الأوان، فمنهم من نجح
في مسعاه ومنهم من ينتظر ومنهم من واجه مقاومة من جهات معلومة وغير
معلومة، أو أخرى معادية وغير معادية لأن القضية تتعلق بطغيان الأنا وشيوع
الثقافة الطائفية على حساب الثقافة الوطنية وثقافة الوحدة
القومية.
.
خاتمة
هذه قراءة متواضعة في بعض ما كتبه الشيخ محمد الغزالي عن بعض المشكلات
الاجتماعية، وزوال بعض الأنظمة العربية وقيام الثورات العربية، قدمتها بكل
موضوعية لا أبتغي من ورائها إلا خدمة الحق والحقيقة، فالحق يعلو ولا يعلى
عليه، والحقيقة ملزمة وإن لم تكن في جانبك، رغم أن بعض الناس قد
تواطؤوا على هضمها وزهدوا في إنصافها، كما قال الشيخ
محمد الغزالي رحمه الله: "لا أعرف مظلوما تواطأ الناس
على هضمه ولا زهدوا في إنصافه كالحقيقة".
.
.
بقلم الأستاذ الدكتور محمد بوالروايح
نائب رئيس جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية قسنطينة