أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.

رستم قائد الفرس يرى رؤيا تفزعه

حفظ البيانات؟
الرئيسية
التسجيل
الدخول
فقدت كلمة المرور
القوانين
البحث فى المنتدى


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول



 

 رستم قائد الفرس يرى رؤيا تفزعه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
شريف حسن

مـــلازم
مـــلازم
شريف حسن



الـبلد : رستم قائد الفرس يرى رؤيا تفزعه Egypt110
العمر : 34
المهنة : طالب جامعي
المزاج : حزين
التسجيل : 07/10/2011
عدد المساهمات : 686
معدل النشاط : 798
التقييم : 4
الدبـــابة : رستم قائد الفرس يرى رؤيا تفزعه Nb9tg10
الطـــائرة : رستم قائد الفرس يرى رؤيا تفزعه 8e7f1b10
المروحية : رستم قائد الفرس يرى رؤيا تفزعه 5d9a8110

رستم قائد الفرس يرى رؤيا تفزعه Empty10

رستم قائد الفرس يرى رؤيا تفزعه Empty

مُساهمةموضوع: رستم قائد الفرس يرى رؤيا تفزعه   رستم قائد الفرس يرى رؤيا تفزعه Icon_m10الإثنين 18 فبراير 2013 - 0:17

تحركت جيوش رستم من النجف حتى وصلت إلى منطقة تسمى (سَيْلَحِين)، وعسكر فيها رستم وعسكرت المقدمة في منطقة تسمى (ناباذ)، وعاد طليحة بن خويلد الأسدي -كما ذكرنا من قبل- إلى سعد بن أبي وقاص وأخبره بأن الجيوش الفارسية على مقربة منه؛ حيث إن منطقة ناباذ هذه بالنسبة لمنطقة القادسية على مسافة نحو خمسة إلى ستة أميال، أي أن المسافة بين الجيشين أصبحت قريبة جدًّا، والجيوش على الأبواب.


وقد أرسل سيدنا سعد بن أبي وقاص سرية صغيرة من مائة فارس من الطلائع، والطلائع -دائمًا- يكونون من أفضل المجاهدين في المسلمين، وجعل على رأس هذه السرية رجلاً يُسمَّى قيس بن هبيرة. وقيس هذا هو الذي قام منذ قليل على رأس مائة لينقذ عمرو بن معديكرب وطليحة بن خويلد الأسدي عندما قاموا بالغارة الاستكشافية، واستأخرهم سعد بن أبي وقاص، ونذكر أيضًا ما قاله عمرو لقيس: واللهِ إن زمنًا تكون فيه أميرًا عليَّ لزمنُ سوء. وهو عمرو بن معديكرب صاحب أكبر سيف شُهِرَ في العرب، سيف الصمصامة، وأقوى يدٍ ضربت في العرب، فهو يأنف أن يكون قيس بن هبيرة هذا أميرًا عليه، وفي هذه السرية -أيضًا- يُخْرج سعد بن أبي وقاص قيس بن هبيرة أميرًا عليه، ويجعل في جنده عمرو بن معديكرب وطليحة بن خويلد الأسدي، وهذا نوع من أنواع التربية، فليس تحقيق النصر هو الهدف الأول والأخير في المعركة، ولكن الهدف هو إرضاء الله I، فسيدنا سعد بن أبي وقاص يأخذ هذا الطريق ليربي جنوده على كسر الشهوات، وعلى كسر حبِّ النفس، وحب الأثرة، وما إلى ذلك، فيخرج عمرو بن معديكرب -الذي قال هذه الكلمة في حق قيس- تحت إمرته مرة أخرى، كما يخرج طليحة بن خويلد الأسدي الذي قام بهذه الغارة الاستكشافية الرائعة، والذي قام بما لم يقم به غيره تحت إمرته أيضًا، وتخرج هذه السرية فتقاتل فرقة من فرق الاستطلاع الفارسية، وتبلي بلاءً حسنًا، وتنتصر على هذه الطليعة الفارسية انتصارًا عظيمًا، وتعود مرة أخرى إلى سعد بن أبي وقاص؛ فينادي على عمرو بن معديكرب وعلى طليحة بن خويلد الأسدي، فيأخذهما إلى خيمته ويكلمهما في جانب من جوانبها، فيقول لهم: كيف وجدتما أميركما؟ فيقول له طليحة بن خويلد الأسدي: وجدناه أكمانا. أي: وجدناه أشجعنا على القتال؛ فطليحة اعترف أن الأمير كان أفضل مقاتل في السرية، ثم أشار إلى عمرو بن معديكرب وقال له: كيف وجدته؟ فقال: الأمير (يقصد سعد بن أبي وقاص) أعلم منا بالرجال. فقد اكتشف عمرو أيضًا أن قيس بن هبيرة له من الأحقية ما يجعله الأمير، ثم قال لهما سعد: إن الله تعالى أحيانَا بالإسلام، وأحيَا به قلوبًا ميتة، وإني أحذركما أن تُؤْثِرا أمر الجاهلية على أمر الإسلام، والزما الطاعة فإن فيها العزَّ، وإن في غيرها الذل، وإن الله I لا يرضى عن قوم لم يطيعوا أميرهم. وهذا أول درس لهما من أميرهما؛ يربيهما التربية الصحيحة، وجيش رستم يتقدم حتى يصل إلى غرب نهر العتيق مباشرة، وهذه المنطقة تسمى القادسية، ولا يفصل بينه وبين جيش المسلمين سوى قنطرة صغيرة على نهر العتيق، ويعسكر جيش رستم هناك.

رستم يرى رؤيا تفزعه:

نام الجيش ونام رستم، وذات ليلة يرى رستم رؤيا حقّ، وهي أنه ينزل عليه ملك من السماء، ثم يدخل المعسكر، ويأخذ أسلحة الجيش، ويختم عليها ختم، ويعطيها لرجل؛ فيقول رستم: من هذا الرجل؟ فيُقال له: هو محمد. ويأخذ هذا الرجل السلاح ويعطيه لرجل آخر؛ فيقول رستم: من هذا الرجل؟ فيقال: عمر بن الخطاب. فيأخذ هذا الرجل السلاح فيعطيه لرجل ثالث؛ فيقول: من هذا الرجل؟ فيُقال: سعد بن أبي وقاص. فيستيقظ رستم من النوم فزعًا، ونحن نعلم أن رستم من الذين يؤمنون بالتنجيم وتأويل الأحلام وما إلى ذلك؛ لذا فقد تشاءم عندما رأى هذه الرؤيا، ونادى على خاصَّتِه، وعلى من معه في الجيش من مفسري الأحلام، ومن المنجمين، وحكى لهم الرؤيا؛ فاضطربوا وتذبذبوا وقالوا له: اكتم هذا الحلم ولا تحدث به أحدًا. وكان في هؤلاء الخاصة رجل سمع هذا الكلام اسمه الرفيل، والرفيل هذا كان من أقرب الجنود إلى رستم، وكانت تراوده فكرة الإسلام بعد ما سمع بأخبار المسلمين في السنوات الثلاث السابقة خلال الحروب، ولكنه عندما سمع هذا الحلم أسلم في نفسه لله، وانتظر الفرصة حتى يعلن إسلامه للمسلمين، وأصبح الرفيل هذا أهم مرجع من مراجع المسلمين بعد ذلك في كتب التاريخ بالنسبة للأحداث التي حدثت داخل فارس كلها، وهو الذي حكى كل الأحداث التي سنذكرها، والتي ذكرناها، وقد أتتنا عن طريق ابنه النضر بن الرفيل، وعن طريق هذه الروايات اطلع المسلمون على كثير من الأحداث في بلاط فارس، وهكذا -كما ذكرنا- من قبلُ أن الله I أتاهم من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب. وهذه مجرد رؤيا رآها رستم؛ ولكن لأنه كان يؤمن بالتنجيم وقع الرعب في قلبه، وقلوب خاصته ورؤساء قومه، وبدأ الفرس بأجمعهم يشعرون بالقلق، وأنهم مقدمون على معركة خاسرة في الغالب، وهذا هو إحساس الجيش الفارسي بمجرد رؤيا رآها؛ فالله I ألقى في رُوع رستم هذا الحُلْم وحقق النتائج.

وفي اليوم التالي يخرج رستم بعد هذا الحلم ويستعرض جيش المسلمين، وهو راكب فرسه في غرب نهر العتيق من شماله إلى جنوبه، ثم يعود يستعرض جيش المسلمين في الناحية الأخرى، ثم يقف على القنطرة ويطلب أن يتحدث مع رجل من المسلمين.



زهرة بن الحوية يتحدث مع رستم:

فيتقدم له زهرة بن الحُوِيَّة، ونحن نعلم أن زهرة بن الحُويَّة واقف بفرسانه على القنطرة لحمايتها؛ فيتقدم له زهرة بنفسه كي يتحدث معه، فيُعَرِّض له رستم بالمصالحة، ولكنه لا ينطق بها، لقد كان بداخل رستم عدة عوامل تمنعه من القتال:

أولاً: هو لم يكن راغبًا في الخروج على رأس الجيوش، بل كان يود أن يخرج الجالينوس مكانه ويظل هو في المدائن، ولكن يزدجرد أصر أن يخرج رستم على رأس الجيوش.

ثانيًا: لم يكن راغبًا في دخول الجيش الفارسي كله في معركة واحدة، فهو يود أن يبعث فرقة فرقة، حتى إذا انهزمت فرقة تدخل الثانية، ولكن الجيش الفارسي جاء بمائتين وأربعين ألفًا من الجنود، أي أن معظم الطاقة الفارسية قد جاءت في هذا الجيش.

ثالثًا: التراب الذي أُعْطِي إلى عاصم بن عمرو التميمي ما زال يؤثر في نفسيته ونفسية قومه؛ لأنهم متشائمون من ذلك، وهذا شيء مهم جدًّا في تكوينهم، فهم يؤمنون تمامًا أن فارس من الممكن أن تُهزَم نتيجة هذا الفأل السيئ.

رابعًا: وأخيرًا موضوع الحلم الذي رآه.

فلذلك لم يكن راغبًا في القتال ولكنه يعرِّض بالمصالحة، ولا يقولها كِبرًا؛ لأنه لا يود أن يظهر بمظهر الضعيف الذي يطلب المصالحة من زهرة بن الحُوِيَّة بعد كل هذه العظمة والسلطان وهذه القوة الفارسية؛ فيقول له: أنتم جيراننا، وكنتم تأتوننا وتطلبون منا الطعام، وكنا نعطيكم ولا نمنعكم، وكنا نحسن جواركم، وكنا نُظِلُّكم بظلِّنا، ونطعمكم من طعامنا، ونسقيكم من شرابنا (فهو يقصد أن العلاقة كانت بيننا وبينكم طيبة، فما الذي غير هذه العلاقة؟!)، وكنتم تأتوننا ولا نمنعكم من التجارة في أرضنا، ثم جئتم الآن تحاربوننا (فما الذي غيَّر هذه الأحوال؟!). فقال زهرة: صدقت في قولك عمَّن كانوا قبلنا؛ كانوا يطلبون الدنيا ولكن نحن نطلب الآخرة، كنا كما تقول حتى بعث الله إلينا رسولاً، وأنزل عليه كتابًا، فدخلنا معه في دينه، وقال له الله: إني مسلِّطٌ هذه الفئة على من خالفني، ولم يَدِنْ بديني، فإني مُنتقِمٌ منهم، وأجعل لهم الغلبة (أي للفئة المؤمنة) ما داموا مُقرِّين بي. فقال له رستم: وما هذا الدين؟ فقال زهرة بن الحُوِيَّة: هذا الدين عموده أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأن تُقرَّ بكل ما جاء من عند الله، وتُبعد عن حكمك كل ما خالف أمر الله I.

فقال رستم: ما أحسن هذا! وأي شيء آخر؟ يريد أن يستزيد، ويعرف كيف يفكر المسلمون، فأكمل "زهرة" الحديث، وقال: وجئنا -أيضًا- لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. قال: وهذا حسن أيضًا، أي شيء آخر؟ فقال: والناس كلهم أبناء آدم وحواء إخوة، لا يتفاضلون إلا بالتقوى. فقال: هذا شيء عظيم!! ثم قال له رستم: أرأيت لو أني رضيت بهذا الأمر، ودخلت معك وقومي في دينك أترجع عنا؟ قال: نعم واللهِ، نخلِّف فيكم كتاب الله، ونترككم ولا نعود إليكم إلا في حاجة أو تجارة. فقال رستم: صدقتني. ثم انصرف رستم وانصرف زهرة.

ومن خلال هذا الحديث مع زهرة نتبين أن رستم يحاول أن يعرف من المسلمين الكثير عن دينهم، والكثير عن طريقة تفكيرهم حتى يعرف كيف يقاتلهم، ولكن في واقع الأمر عندما ننظر في مجريات الأمور بعد ذلك نجد أن رستم كان بالفعل يفكر في مصالحة المسلمين، ولم يكن تصرفه هذا حركة سياسية، أو حركة القصد منها تثبيط همة المسلمين؛ لأنه عندما عاد إلى قومه، وإلى رؤساء قومه جمعهم وجمع مجلس الحرب، وأخذ يناقشهم، ويقول لهم: ما رأيكم في هذا؟! وهل رأيتم أحسن من هذا؟! فأَنِفَ القوم من هذا الحديث، ولم يقبلوا فكرة الدخول في الدين الإسلامي، فليس من المعقول في نظرهم أن يدخل قادة الفرس في هذا الدين؟! فيقول لهم: أما رأيتم من حُلو حديثهم، ودقة كلامهم، وثباتهم وعدم خوفهم من الموت؟! وأخذ يعدّد حسنات المسلمين.

فغضب القوم منه، وتجادلوا معه جدالاً عنيفًا، حتى أغضبهم وأغضبوه؛ فأصرَّ رستم على عرض فكرة المصالحة، بل فكرة الدخول في دين الإسلام (ولا نعلم: أذلك بانشراح صدر، أم تجنبًا لقوة المسلمين الضخمة التي يظن أنها ستنتصر عليه في المعركة القادمة؟) ثم يعيد عليهم الكلام مرة أخرى؛ فيقول له القوم: إنك بدأت تجبن عن لقاء القوم. فأخذت الكلمة مأخذها في صدر رستم، إذ كيف برستم أشجع قواد فارس يُتَّهم بالجبن؟! ثم قال لهم: أخذ الله أجبَنَنا، إنما تلقون بفارس إلى التهلكة، وأنا لست أجبنَكم، ولكني أحكمكم وأعقلكم.

وظل رستم على الكفر مع قومه ولم يفكر بعد ذلك في الصلح، ولكن كان بداخله شعور يقيني أن هؤلاء القوم منصورون من الله I؛ لأن فرقته تعصي الله، وهو يعلم أن الاختلاف بينه وبين المسلمين هو في: مَن هو الله؟ فهو يعبد النار ويوقن أنها تنقذ الطائع وتحارب العاصي، وإذا ارتكبوا الذنوب فإنهم مهزومون، وهو يعلم أيضًا أن قومه غير حسني السيرة، وأن المسلمين لهم من السيرة الطيبة ما يجعلهم ينتصرون عليهم، كما أن الحلم الذي رآه، والأشياء التي شاهدها، والأحداث التي مرَّتْ به غرست في قلبه الشؤم من هؤلاء القوم، ثم تأتي أحاديث أخرى سنذكرها بعد ذلك يقول فيها: إن ما جاء به هؤلاء القوم هو الحق. ولك أن تتخيل قائدًا معه مائتان وأربعون ألفًا من الجنود، وهو يشعر أنه سيُهزم أمام جيش عدده اثنان وثلاثون ألفًا فقط. شعور في منتهى الضعف، فإذا كان القائد والجيش كله بهذا الشعور فلا يمكن أن تقوم له قائمة، أو ينتصر في معركة، ثم في هذا اللقاء بين زهرة ورستم على القنطرة يميل الرفيل على زهرة، ويعلن له إسلامه؛ فيثبته زهرة على ذلك، ويقول له: ابقَ في مكانك. يقصد في أرض فارس؛ لكي ينقل أخبار الجيش الفارسي للمسلمين، ويظل الرفيل في الجيش الفارسي وهو يخفي إسلامه.
ربعي بن عامر يخاطب رستم:

في اليوم التالي يرسل رستم عبر القنطرة -أيضًا- يطلب من المسلمين وفدًا للحديث معه (فهو يود الصلح ويبحث عن ثغرة تتم بها المصالحة، أو أية وسيلة أخرى يرجع بها الجيش المسلم دون الدخول معه في حرب)؛ فيخبر زهرة بن الحُوِيَّة سعد بن أبي وقاص بذلك، فيجمع سعد بن أبي وقاص مجلس حربه، ويقول لهم: إنني سأرسل له وفدًا عظيمًا من أصحاب الرأي، كما أرسلت من قبل ليزدجرد؛ ليقيم عليه الحُجَّة، ويدعوه إلى الإسلام. فيقول ربعي بن عامر : إن هؤلاء القوم قوم تباهٍ، وإننا لو فعلنا ذلك يرون أننا قد اعتددنا بهم (أي: جعلنا لهم مكانة عظيمة، وأقمنا لهم الهيبة ونحن خائفون منهم)، ولكني أرى أن ترسل لهم واحدًا فقط؛ فيشعروا أننا غيرُ مهتمين بهم؛ فيوهن ذلك في قلوبهم. فتجادل معه القوم، ولكنه ظل يجادلهم حتى قال سعد: ومن نرسل؟ فقال ربعي: سَرِّحوني. أي: دعوني أذهب إليه أكلمه؛ وعندما وافق سعد وافق بقية القوم، ووقع في قلوبهم الرضا، وذهب ربعي بن عامر ليقابل رستم. وربعي هذا لم يكن من قواد الجيوش الإسلامية، ولكنه سيد في قومه، وانطلق ربعي على فرسه الصغير ذي الذيل القصير، وهذا شيء تُهَانُ به الخيولُ، ويلبس ثيابًا بسيطة جدًَّا (قديمة ومهلهلة ولكنها نظيفة)، وهذا لباسه منذ أن قدم للقتال؛ فذهب به لمقابلة رستم، ويربط سيفه في وسطه بشيء غنمه من الفُرْسِ، وبالطبع هم يعرفون شكل لباسهم (وفي هذا إذلال لهم كأنه يقول لهم: ما كان في أيديكم بالأمس أصبح اليوم في يدي، وهذا أمر يؤثر في أنفسهم كثيرًا)، ويحمل فوق ظهره السهام، وفي مِنطَقته السيف، وله جحفة من جريد النخل مثل التُّرس يتقي بها السهام، وكانت دروع الفُرس من الحديد القوي، وكان يلبس من الدروع درعًا حديدية تغطي نصفه الأعلى، وكان من أطول العرب شعرًا وقد ضفَّره في أربع ضفائر، فكانت كقرون الوعل، ودخل عليهم بهذا المنظر غير المعتاد بالنسبة لهم؛ فدخل بفرسه ووقف على باب خيمة رستم، فطلب منه القوم أن ينزع سلاحه، فقال: لا، أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أُحِبُّ، وإلا رَجعتُ.

فأخبروا رستم بذلك، فقال: ائذنوا له بالدخول. فدخل بفرسه على البُسُطِ الممتدة أمامه، وهي طويلة جدًّا، يتراوح طولها ما بين مائة وخمسة وستين مترًا إلى مائة وخمسة وثمانين مترًا، وعندما دخل بفرسه وجد الوسائد المُوَشَّاة بالذهب؛ فقطع إحداها، ومرر لجام فرسه فيها وربطه به، وهذا يُوحِي بأن هذه الأشياء ليست بذات قيمة عنده، وفي هذا أيضًا إذلال للفرس، ثم أخذ رمحه، واتجه صوب رستم وهو يتكئ عليه، والرمح يدب في البسط فيقطعها، ولم يترك بساطًا في طريقه إلا قطعه، ووقف أهل فارس في صمت، وكذلك رستم، وبينما هم يفكرون في جلوسه جلس على الأرض، ووضع رمحه أمامه يتكئ عليه، وبدأ رستم بالكلام؛ فقال له: ما دعاك لهذا؟ أي: ما الذي دفعك للجلوس على الأرض؟ فقال له: إنا لا نستحب أن نجلس على زينتكم. فقال له رستم: ما جاء بكم؟ فقال له: لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة (هذا هو المفهوم عند ربعي بن عامر، وعند الجيش المسلم في معظم الأحاديث التي دارت: أن الله I قد ابتعث هذه الطائفة؛ لتقوم بمهمة وليست للبحث عن الغنائم، أو الطغيان في البلاد)، فمن قَبِلَ ذلك منا قبلنا منه، وإن لم يقبل قبلنا منه الجزية، وإن رفض قاتلناه حتى نظفر بالنصر. فقال له رستم: قد تموتون قبل ذلك. فقال: وعدنا الله I أن الجنة لمن مات منا على ذلك، وأن الظفر لمن بقي منا. فقال له رستم: قد سمعت مقالتك (أي فهمت مقصدك)، فهل لك أن تؤجلنا حتى نأخذ الرأي مع قادتنا وأهلنا؟ فهو يطلب منه مهلة يفكر فيها، فقال له: نعم، أعطيك كم تحب: يومًا أو يومين؟ أى: من الممكن أن نعطيك فرصة من غير أن نحاربكم لمدة يوم أو يومين؛ فقال له رستم: لا، ولكن أعطني أكثر؛ إنني أخاطب قومي في المدائن. فقال: إن رسول الله قد سنَّ لنا أن لا نمكن آذاننا من الأعداء، وألا نؤخرهم عند اللقاء أكثر من ثلاث (أي ثلاثة أيام فقط حتى لا يتمكنوا منا ويتداركوا أمرهم)، فإني أعطيك ثلاثة أيام بعدها؛ اختر الإسلام ونرجع عنك أو الجزية، وإن كنت لنصرنا محتاجًا نصرناك، وإن كنت عن نصرنا غنيًّا رجعنا عنك، أو المنابذة في اليوم الرابع، وأنا كفيل لك عن قومي أن لا نبدأك بالقتال إلا في اليوم الرابع، إلا إذا بدأتنا (أي: أنا ضامن لك أن لا يحاربك المسلمون إلا في اليوم الرابع). فقال له رستم: أسيِّدُهم أنت؟ أي: هل أنت سيد القوم ورئيسهم حتى تضمن لي أن لا يحاربوني؟ فقال له: لا، بل أنا رجل من الجيش، ولكنَّ أدنانا يجير على أعلانا. فهو يقصد أن أقل رجل منا إذا قال كلمة، أو وعد وعدًا لا بُدَّ وأن ينفذه أعلانا.

ونذكر حادثة أبي عبيد بن مسعود الثقفي في موقعة باقُسْيَاثا، عندما أُسِرَ قائدُ الفرس جابان وأمَّنه جنديٌّ مسلمٌ، وهو لا يعرف أنه جابان، وبعد ذلك علم المسلمون أنه جابان، فرفض أبو عبيد بن مسعود الثقفي أن يقتله وقال: أمَّنه جندي مسلم، ويقتله أبو عبيد. وأطلق سراحه، وقد كان قائد الفرس في موقعة أُليّس، فهُزِمَ ثم هرب، ثم التقى مع المسلمين في موقعة باقُسْيَاثا، وهُزِم فهرب، ثم قُتِلَ بعد ذلك، فالمسلمون يجير أدناهم على أعلاهم، هكذا قال له ربعي بن عامر، ثم تركه وانصرف.

وعاد رستم يُكلِّم حاشيته مرة أخرى، ويقول لهم: أرأيتم من مَنطِقِه؟! (أي: كيف يتحدث؟) أرأيتم من قوته؟! أرأيتم من ثقته؟! يخاطب قومه ليستميلهم إلى عقد صلح مع المسلمين؛ وبذلك يتجنب الدخول معهم في حرب، ولكنهم رفضوا ولجُّوا، وقالوا له: إنك تجبن وما إلى ذلك، ولكنه يحاول مرة أخرى.
حذيفة بن محصن يخاطب رستم:

في اليوم التالي يبعث رستم برسالة إلى زهرة بن الحُوِيَّة يقول له: أرْسِلْ إلينا الرجل الذي كان عندنا. فيرسل زهرة بذلك إلى سعد بن أبي وقاص، فيقول له سعد: بل أرسل له اليوم آخر. فيرسل له حذيفة بن محصن الذي كان قائد الجيش الثامن من جيوش حروب الردة التي ذهبت لقتال مرتدي عُمَان في عهد أبي بكر الصديق ، فيدخل عليه وهو راكب فرسه، فقالوا له: انزل من على فرسك. فقال: لا، والله لا أنزل؛ أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أُحِبُّ، وإلا رجعت. نفس كلام ربعي بن عامر، ودخل حذيفة بجواده يمشي به على البُسط، وظل راكبًا حتى وصل إلى رستم. ولنا أن نتخيل هذا الموقف: حذيفة فوق حصانه يكلمه، فقال له: انزل. فقال: لا أنزل؛ أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أُحِبُّ، وإلا رجعت. فقبل رستم أن يحدثه فوق حصانه، وهو يمشي على سريره المذهب!! وبدأ يخاطبه، فقال له: ما بالك جئت ولم يجئ صاحبك؟ يقصد ربعي بن عامر، فقال له: إن أميرنا يعدل بيننا في الرخاء والشدة، وهذه نوبتي. أي أن كل واحدٍ في جيش المسلمين له دور، وهذا دوري، وأميرنا يوزع علينا الأمور بالتساوي. فقال له: ما جاء بكم؟ فقال له: إن الله مَنَّ علينا بدينه، وأرانا آياته فعرفناه، وكنَّا له منكرين، ثم أمرنا بدعاء الناس إلى ثلاث فأيُّها أجابوا قبلناه: الإسلام وننصرف عنكم، أو الجزاء (أي الجزية) ونمنعكم إن أردتم ذلك، أو المنابذة. فقال له رستم: أو الموادعة إلى يوم ما؟ أي من الممكن أن تعطينا فرصة؛ فقال له: نَعَمْ، ثلاثة أيام. فقال: إذن تقاتلونا في اليوم الرابع. فقال: ثلاثة أيام من أمسِ (وهو اليوم الذي تحدث فيه مع ربعي بن عامر)؛ وعلى ذلك فقتالكم في اليوم الثالث.

وعلى الفور اضْطَرب رستم اضطرابًا شديدًا، ونظر إلى قومه، فعلم القوم ما يدور في ذهنه (فهذان الاثنان متفقان في الرأي والتفكير، وهذا ما أوقع الرعب في قلبه)، فأراد رؤساء القوم أن يخففوا من هول الموقف عليه، وأن يُثبتوا له أن هؤلاء القوم ليس لهم قوة أو خبرة بالحروب؛ فقالوا لحذيفة بن محصن: ما هذا الذي تحمله؟! فأخرج سيفه كأنه شعلة من نار؛ فصرخ رستم في وجهه: أَغْمِدْه. فأغمده بعد أن رأى الرعب في أعينهم، ثم أقاموا له درعًا من دروعهم، فأطلق فيه سهمًا فخرقه، ثم أقام لهم جحفته وكانت من جريد النخل، فأطلقوا عليها سهامهم، فسلمت؛ فقال لهم: يا قوم فارس، إنكم عظَّمتم الطعام والشراب وعظمتم اللهو، ولم نعظمهم؛ فعَظَّمَنا الله وصغَّرَكُم. أي: كانت هذه الأشياء منتهى تفكيركم، ولم نكن نحن كذلك؛ فلذلك منحنا الله I قوة تجعل سهامنا تخترق أي درع من دروعكم، ولا تخترق سهامكم دروعنا حتى وإن كانت من جريد النخل؛ ثم رجع حذيفة بن محصن إلى المسلمين، وعاد رستم يجادل قومه مرة أخرى، كما جادلهم من قبل بعد حديث ربعي بن عامر.
المغيرة بن شعبة يخاطب رستم:

في اليوم الثالث يطلب رستم رجلاً آخر يتحدث معه، فيرسل له سيدنا سعد بن أبي وقاص سيدنا المغيرة بن شعبة. ونحن نعلم أن سيدنا المغيرة يعرف الفارسية، ولكنه لم يخبرهم بذلك، وجعل المترجم يمشي بينهم حتى يسمع ما يقولون، وينقل هذا الكلام إلى المسلمين بعد ذلك؛ فدخل عليه المغيرة بن شعبة -وكما ذكرنا من قبل رجل دخل عليه برمحه وقد خرق البسط في طريقه حتى وصل إليه، وآخر دخل بفرسه إلى أن انتهى إليه، وهذا قد ترك حصانه بالخارج؛ ففرحوا وظنوا أنه لم يكن مثلهما- وظل يمشي حتى وصل إليه، فجلس بجانبه على السرير المُذهَّب، فصرخوا في وجهه إذ الفُرْسُ جميعهم يقفون بعيدًا جدًّا عن رستم، وهذا يجلس بجانبه! هذا أمر لا يُصَدَّق؛ فقامت الحاشية بسرعة لكي تجذبه من مكانه، فقال لهم: أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أحب، وإلا رجعت. فقال لهم رستم: صدق. وتركه، فقال لهم المغيرة بن شعبة: واللهِ جلوسي جنب أميركم لم يزدني شرف، ولم ينقصه شيء، والله يا أهل فارس إنَّا كانت تبلغنا عنكم الأحلام (أي نسمع عنكم أنكم عقلاء)، ولكني أراكم أسفهَ قوم، وكان أجدرَ بكم أن تقولوا لنا إنما يعبد بعضكم بعضًا (أي أنتم في تقديسكم لرستم كأنكم تعبدوه)، ولكننا نتواسى ولا تتواسَوْا (أي: يُوجَدُ بيننا رحمة ومودة وألفة وهذا عكس ما أنتم عليه)، واللهِ الآن أدركتُ أن أمركم مضمحلٌّ، وأن أمر الغَلَبَة والملك لا يقوم على مثل ما أنتم عليه. فسمع الحاشية من خلفه وهي تقول: واللهِ صَدَقَ العربي. فأهل فارس والجند والحاشية يشعرون بهذا الكلام، فهم بالفعل كأنهم يعبدون رستم ويزدجرد والقادة، كما أن بداخلهم سخطًا شديدًا على هؤلاء القادة، ولكنهم لا يستطيعون أن يعلنوه، ثم أخذ الرؤساء يحدث بعضهم بعضًا يقولون: ما أحمقَ أَوَّلِينا (أي جدودنا) عندما كانوا يُصَغِّرُون أمر هذه الأمة!! فأراد رستم أن يخفف من تأثير أفعال الحاشية مع المغيرة حتى لا يغضب؛ فقال له: يا عربي، إن الحاشية قد تفعل شيئًا لا يرضى عنه الملك، ولكنه يتجاوز حتى لا يكسر حاشيته. ثم بدأ يسخر من سلاحه (وهذه آخر فرصة لرستم، فإذا خرج من عنده، ولم يحدث بينهما اتفاق، فالمعركة ستقع لا محالة؛ فقال في نفسه: إن المسلمين لا يوافقون على الصلح؛ فلأعمل على إضعاف قوتهم وعزيمتهم، وأحاول أن أخوِّفَهم)؛ فقال له: يا هذا، ما هذه المغازل التي تحملها؟ يقصد سهامه القصيرة التي تشبه مغازل الصوف في نظره، وكانت سهام الفرس طويلة جدًّا تعرف بالنشاب؛ فقال له المغيرة بن شعبة: ما ضَرَّ الجمرةَ أن لا تكون طويلة. أي أن كرة النار لا يضرها صغرُها، فإذا ألقيت على شخص قتلته وحققت الهدف منه، فليس بالضرورة أن تكون طويلة؛ ورماهم كما رماهم من قبلُ حُذَيفة، فأحضروا له درعًا من دروعهم، فرماه بسهم من سهامه التي يقولون عنها مغازل، فاخترقه، ولم تخترق سهامهم جحفته؛ فهَزَّ ذلك رستم، ثم حاول أن يتماسك، فقال له: ما بالي أرى سيفك رَثًّا؟ أي مظهره قديم وضعيف؛ فقال له: رَثُّ الكسوة، ولكنه حديد الضربة. ثم قال له: تتكلم أو أتكلم؟ فقال له: أنت دعوتني فتكلَّمْ. فتكلم رستم قائلاً: لم نزلْ متمكنين في الأرض، وظاهرين على الأعداء؛ نُنصر ولا يُنصر علينا إلا اليوم واليومين، والشهر والشهرين؛ لِلذُّنوب (سبحان الله! هذا مفهوم رستم عن القتال، وقد لا يكون عند كثير من المسلمين، فهو يعلم أنهم يهزمون بسبب كثرة اقترافهم للذنوب)، فإذا رضي الله عنا رَدَّ لنا بأسنا وجَاهَنَا، ومَلَّكنا على من ناوأنا (أي هذه طبيعتنا، فنحن نُنصرُ دائمًا، وقد نُغلب مرةً أو مرتين بسبب المعاصي، فلا تظن أن لك الغلبة)، أما أنتم فأهل قَشْفٍ، ومعيشةِ سوءٍ وجَهدٍ وشقاء، لا نراكم شيئًا، ولا نَعُدُّكم، وكانت إذا قحطت أرضكم أتيتمونا، فحملناكم وِقْرًا من تمر أو قمح، فرَضِيتم ورجعتم.

ثم أخذ يشبه المسلمين وقوم فارس بقوله: وإنما مَثَلُكم كرجل له حائط (أي حديقة أو بستان)، فدخل فيه ثعلب من خرم أو ثقب في سور الحائط؛ فأخذ يأكل من الكَرْمِ (أي العنب الموجود في الحديقة)، فنظر الرجل (صاحب الحائط) إلى الثعلب، فقال: وما ثعلب؟ فأكل، ثم بدأ يعيث في الحديقة فسادًا: يأكل من هذا، ويفسد في هذا؛ فغضب الرجل وطلب منه أن يخرج، فأَبَى الثعلب، فنادى الرجل على غلمانه، فتتبعوه، فعندما أدرك الثعلب أنهم طالبوه وغير تاركيه؛ رجع إلى الثقب فدخل فيه حتى يخرج، ولكنه كان قد سمُن فانحشر في الثقب (أي عندما دخل إلى الحديقة كان نحيفًا، ولكنه عندما أكل من الحائط امتلأ جسمه فلم يستطع الخروج من الثقب)، فأتاه الغلمان على هذه الحالة، فظلوا يضربونه حتى قتلوه، فانظروا كيف تخرجون؟ (أي: جئتمونا مهازيل فتركناكم حتى سمنتم، فأروني كيف تخرجون من أرض فارس؟!) وإني لأرى أن ما جاء بكم إلا الجَهْد (أي أن حالتكم المادية أصبحت سيئة فلذلك جئتم)، فعودوا أدراجكم ونحن نُوقِرُ لكم ركائبكم قمحًا وتمرًا (أي سنحمل لكم كل هذه الجمال التي معكم بالقمح والتمر)، وأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم، وكل رجل منكم له وِقْر من تمر وقمح وثوبين، وتعودون إلى أرضكم؛ فإني لا أشتهي قتلكم، فارجعوا عافاكم الله.

فقال المغيرة: الحمد والشكر لله رب العالمين، إن الله خالق كل شيء، ورازق كل شيء، وصانع كل شيء؛ فأما ما ذكرت به نفسك وأهل بلادك من الغلبة، ومن الظهور على الأعداء، ومن التمكُّن في البلاد فنحن نعرف ذلك ولا ننكره، ولكننا نعلم أن الله قد صنعه بكم (فأنتم لم تصنعوا ذلك، ولكن الله قد وضعه فيكم)، وأما الذي ذكرت من سوء حالنا، ومن قلة زادنا، ومن ضيق عيشنا، ومن اختلاف قلوبنا، فنحن نعرفه أيضًا ولا ننكره، كنا في مثله أو أشد منه: كان أفضلنا من يقتل ابن عمه، ويأكل ماله، وكنا نأكل الميتة والدَّم والعظام، وغير ذلك من سوء العيش، ولكن الدنيا دُوَل (فالحياة تتغير دائمًا)، وما زال أهل شدائدها ينتظرون الرخاء حتى يصيروا إليه، وما زال أهل الرخاء ينتظرون الشدائد حتى تنزل بهم (يقصد أنكم إذا كنتم اليوم في نعمة فمن الممكن أن تنزل بكم الشدائد، وإذا كنا نحن في شدة فمن الممكن أن نصير إلى الرخاء)، ولو كنتم فيما آتاكم الله ذوي شكر لقصر عنه شكركم (أي أن الله قد أعطاكم نعمًا كثيرة، فإن كنتم شكرتموه فشكركم قليل إذا قورن بنعم الله)، ولكن أسلمكم ضعفُ الشكر إلى تغير الحال (أي أنتم كفرتم بالله I ولم تشكروا نعمه فأدى ذلك بكم إلى تغير حالكم). ثم قال له: إن الله تعالى بعث فينا رسولاً، وأنزل فينا كتابه؛ فدعانا إلى الله وإلى ما بعثه به، فصدقه منا مُصدِّق، وكذَّب به آخر، فقاتل من صدَّقه من كذَّبه، حتى كانت لهم الغلبة واجتمعت العرب كلهم معه، وكانوا من اختلاف الرأي مما لا يطيق الخلائق تأليفهم، فعرفنا أنه الحق ثم أمرنا أن ننابذ من خالفه ممن يلينا؛ فنحن ندعوكم إلى واحدة من ثلاث: إما الإسلام ونرجع عنك ونتركك، ونخلف فيك كتاب الله، وإما الجزية عن يدٍ وأنت صاغر (نفس الكلام الذي قاله ليزدجرد)، وإن أبيت فالسيف. فقال له رستم: وما صاغر؟ فقال له: أن يقوم أحدكم على رأس أميرنا فيطلب منه أن يأخذ الجزية، فيحمده إن قبلها (يشكره إذا قبلها منه)، فكن يا رستم عبدًا لنا تعطينا الجزية؛ نكف عنك ونمنعك.

وعندما قال له: كن عبدًا لنا؛ قام رستم واستشاط غضبًا، واحمرَّت عيناه وبدأ يزبد ويخرج عن أصول الحديث بين رؤساء الدول والسفراء؛ فقال له: واللهِ ماكنت أظن أني أعيش حتى أسمع هذا الكلام منكم. ثم حلف بالشمس أن لا يرتفع الصباح حتى يدفنهم في القادسية، ثم قال له: ارجع إلى قومك، لا شيء لكم عندي، وغدًا أدفنكم في القادسية. فرجع المغيرة وأثناء مروره على القنطرة أرسل رستم رجلاً يناديه، فناداه، فنظر إليه، فقال له: مُنَجِّمُنا يقول: إنك تُفقَأ عينُك غدًا. وذلك ليخوفه، فتبسَّم المغيرة بن شعبة وقال: واللهِ لولا أني أحتاج الأخرى لقتال أشباهكم؛ لتمنيت أن تذهب الأخرى في سبيل الله. فعاد الرجل يخبر رستم بذلك، وهو في ذلك الوقت يتحدث مع حاشيته ويقول لهم: أرأيتم من اجتماع كلمتهم؟! والله إن هؤلاء إن كانوا صادقين ما قامت لغيرهم قائمة، ولم يستطع أحد أن يحاربهم؛ لأنهم يتفقون على رأي واحد وكلمة واحدة. وفي أثناء ذلك قَدِمَ الرجل الذي أرسله إلى المغيرة، وأخبره بما قال؛ فقال لهم: أرأيتم؟! أي: هل أدركتم ما أريد؛ فغضب القوم منه وأخذوا يجادلونه حتى أغضبهم وأغضبوه.

ثم بات ليلته يفكر في الأمر؛ فالمهلة قد أوشكت على الانتهاء، ودخل اليوم الثالث فنام رستم في هذه الليلة، ورأى الرؤيا نفسَها مرة أخرى؛ فاستيقظ فزعًا ونادى على خاصته وقال: واللهِ يا أهل فارس إن الله يعظنا، وإني أراكم تُلْقُون بنا إلى التهلكة. فجادلوه في ذلك، وأخذوا يحفزونه على القتال، حتى وجد أنه لا بُدَّ له من القتال.
رستم يقرر خوض المعركة:

وبعد أن قرر خوض المعركة أحضروا له فرسًا جديدًا؛ لأن فرسه القديم كان قد غنمه منه طليحة، فأخذ يستعرض أمام جنده، فقفز عليه دون أن يضع رجله في الركاب، وهذا أمر لا يفعله إلا فارس عظيم مثل رستم، ووقف على فرسه بمنتهى الخيلاء يستعرض جيشه، ثم قال: غدًا ندقهم دقًّا. فقال أحد الجند: إن شاء الله. فقال: وإن لم يشأ!! وقرر أن يدخل المعركة وهو يصِرُّ على كفره وعناده، فقد انتهت المفاوضات بين الطرفين، وباءت الدعوة بالفشل، وستحدث المعركة في اليوم الرابع، وأصبح المسلمون في حِلٍّ من وعدهم لأهل فارس. وفي بداية اليوم يرسل رستم إلى المسلمين؛ فيقول لهم: تعبرون إلينا أم نعبر إليكم؟ وكان الفرس في غرب نهر العتيق والمسلمون في شرقه؛ فقال له سعد بن أبي وقاص: اعبروا إلينا. فقال له: خَلُّوا بيننا وبين القنطرة. أي اجعلوا زهرة يتحرك بعيدًا عن القنطرة لكي نعبر إليكم؛ فقال له سعد: والله لن نعطيكم شيئًا غلبناكم عليه. فهذه القنطرة قد استولينا عليها منكم، ولن نعطيها لكم أبدًا، فانظروا طريقة أخرى تعبرون بها. فذهب جيش رستم إلى منطقة ضحلة من نهر العتيق، وظلوا يردمونها بالتراب والبوص والزروع طيلة الليل وسَاوَوْا عليها؛ ليتمكنوا من العبور عليها، وعُرِفَتْ هذه المنطقة بعد ذلك باسم منطقة الرَّدْم.
الفُرس يبتكرون سلاح الإشارة:

كان مما استحدثه الفرس لأول مرة في تاريخ الحروب سلاح الإشارة (اللاسلكي)، ونحن نعرف أن الاتصالات بين المسلمين وبين عمر بن الخطاب في المدينة، أو بين الفرس وقائدهم يزدجرد في المدائن كانت تقوم على الخيول؛ فالرسول يركب فرسه ويجري به ومعه الرسالة المراد تبليغها لأمير المؤمنين أو لكسرى أو غيرهم، ثم يسلمه إياها ويأخذ الرَّدَّ عليه، ويرجع كما أتى؛ ولكن الابتكار الجديد عبارة عن رجل يقف في إيوان كسرى بجوار يزدجرد يسمع الكلام منه، فيصرخ به بأعلى صوته، والرجل الثاني يقف على أبعد مسافة يمكنه فيها أن يسمع الكلام، ثم يقف رجل آخر على مسافة منه يبلغ من بعده، وهكذا.

وكانت المسافة بين كل رجل وآخر نحو مائة متر تقريبًا، وفي الطريق من القادسية إلى المدائن يقف هؤلاء الرجال لتبليغ الرسائل، وعندما حسب العلماء هذه المسافة وهذا التوقيت وجدوا أن الجملة المكونة من أربع كلمات تصل من القادسية إلى المدائن (وهذه المسافة نحو مائتين وعشرين كيلو مترًا) في أربع ساعات، وعن طريق الخيول تصل في ثلاثة أيام؛ أما الجملة المكونة من كلمتين فتصل خلال ساعتين فقط، وكان عدد هؤلاء الرجال ألفين ومائتين، وهذه طريقة مفيدة، وتعتبر حديثة في هذا الوقت، ويعضدهم في ذلك أنهم يمتلكون طاقات بشرية هائلة، فلا توجد عندهم مشكلة -إذن- في أن يضعوا ألفين في الطريق، هذا فضلاً عن أن المسافات كانت قصيرة نسبيًّا: نحو مائتين وعشرين كيلو مترًا من القادسية إلى المدائن، أما المسافة بين القادسية والمدينة فبعيدةٌ جدًّا تُقَدَّر بنحو 580 كيلو مترًا، وهي مسافة ضخمة جدًّا، فليس من المعقول أن يضعوا على الطريق هذا العدد الضخم من الرجال؛ لأن جيش المسلمين كله نحو 32000 جنديٍّ.

ثم بدأ الجيش الفارسي يعبر القنطرة، وكانت أرض القادسية من ناحية خندق سابور إلى نهر العتيق ضيقة؛ فلا يستطيع رستم أن يرتب جيوشه في مقدمة ومؤخرة وميمنة وميسرة كما كان، فأدخل مقدمته ومؤخرته بين الميسرة والميمنة، ففقد بذلك عامل المناورة، وعامل كثرة الجنود؛ وأصبح الجنود رغم كثرتهم صفًّا واحدًا: صفًّا وخلفه صف آخر وهكذا. فعدد الصفوف ضخم لكن المساحة التي أمام المسلمين مساحة متقاربة، وعدد صفوف المسلمين قليل جدًّاً؛ فجعل على ميمنته الهرمزان، وكان عدد جيشه ثمانية وعشرين ألفًا، منهم أربعةَ عشرَ ألفًا من الفرسان، وأربعة عشر ألفًا من المشاة، ومعه سبعةُ أفيال؛ أما الجالينوس قائد المقدمة فقد أصبح على يساره مباشرة، ومعه أربعةٌ وعشرون ألفًا وستة أفيال، وبِهْمَن في عشرين ألفًا وخمسة أفيال، والبيرزان قائد المؤخرة فقد أصبح على يمين الميسرة ومعه أربعة وعشرون ألفًا وستة أفيال، ومهران قائد الميسرة على أربعة وعشرين ألفًا وستة أفيال، وقِوَامُ هذا الجيش 120 ألفًا، وقوات الاحتياط التي لا تشترك في المعركة ولكنها تنتظر نتائجها 120 ألفًا آخرون على الناحية الأخرى من نهر العتيق، وقد نصبوا لرستم شيئًا غريبًا سَمَّوه طيارة (وهي تشبه الخيمة ولكن ليس لها جدران، مجرد سقف كبير جدًّا، ووضعوا حولها البُسُط وكُلَّ شيء، وكأنه جالس في قصره) في قطاع بهمن في قلب الجيش وأقرب الأماكن للردم؛ وذلك لكي يتمكن من الهرب إلى المدائن إذا حدثت هزيمة، ونصبت على يمينها الدِّرَفْش كَبْيَان (راية الفرس العظمى)، وتحمي الطيارة ثلاثة من أفيال الملوك التي لا تشترك في القتال، ومهمتها حراسة خيمة الملك فقط.

وقد فعل المسلمون في تنظيم الجيش مثلما فعل الفرس؛ لأن المنطقة لا تسمح بوجود مقدمة ومؤخرة كذلك، فوضع على رأس الميمنة عبد الله بن المعتم، وعلى الميسرة شُرَحْبِيل بن السِّمْط، ودخلت المقدمة بقيادة زهرة وسواد في الوسط، ودخلت المؤخرة بقيادة عاصم بن عمرو التميمي في الوسط أيضًا بجوار الميمنة، ووقفت فرقة من المسلمين فيها نحو أربعة آلاف جندي على رأسهم مذعور بن عدي؛ لكي تحمي ظهر المسلمين من أي هجوم يأتيهم من خلفهم. وفي حصن (قُدَيْس) الذي يقع على خندق سابور جلس سعد بن أبي وقاص؛ لكي يفكر كيف يدير المعركة، وقسمت الجيوش الإسلامية بحسب القبائل وهي نحو ثماني عشرة قبيلة، وكانت أكبر القبائل قيس عيلان وبكر بن وائل وتميم وأسد وبجيلة وكندة، وكانت كل واحدة منهم تتكوَّن من نحو ألفين ونصف إلى ثلاثة آلاف، وهذه أعداد قليلة جدًّا إذا قُورِنَتْ بأعداد الفرس الكثيرة والضخمة، ولكن الله I مع هذه الطائفة يؤيدها وينصرها. ثم بدأ التجهيز للقتال.
المصدر قصة الاسلام
سلام اخوكم شريف لا تسنوني من صالح دعائكم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

رستم قائد الفرس يرى رؤيا تفزعه

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» لماذا يكره الفرس العرب؟
» رؤيا للشيخ محمد حسان .. الجيش المصرى يحرر فلسطين
» رؤيا عظيمة لفتى من المغرب يقال لة بدر .... إن صدق فتوبوا الى الله ايها المؤمنون
» اين انت يا صدام يا مذل الفرس
» حرب الفرس والروم في لبنان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الأقســـام الاداريـــة :: الأرشيف :: مواضيع عامة-
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة الموقع ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر

Powered by Arab Army. Copyright © 2019