لماذا أصبح العرب بلا إستراتيجية نفوذ؟
--كريستيان هاربيلو
ترجمة - هبة الحسيني
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?
كريستيان هاربيلو
في الوقت الذي بدأت فيه دول العالم الثالث تبرز كقوى جديدة تنافس الدول الغربية في العديد من المجالات، يلاحظ أن الدول العربية -كما هو الحال دائمًا- ليست على ميعاد مع ذلك. وتوجد عدة أسباب لتفسير هذا الغياب العربي على الساحة الدولية، أهمها التدخلات الخارجية في المنطقة، والرؤى المختلفة عربيًّا للنفوذ، فضلا عن المشكلات الاقتصادية والسياسية، وغيرها من العوامل التي رسمت صورة مظلمة للوضع العربي. وعلى الرغم من ذلك فلا يزال هناك بعض المقومات التي إذا استخدمت بشكل جيد فقد تؤدي في يوم ما إلى إمكانية ظهور إستراتيجية للنفوذ العربي.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد تعريف محدد لعبارة "الدول العربية" فإن غالبية الكتَّاب يستخدمونها للتعبير عن الـ22 دولة التي تضمها الجامعة العربية، والتي تجمعها قبل أي شيء روابط أخرى مشتركة، مثل الدين ونمط الحياة والتاريخ واللغة والعادات والتقاليد.
وإذا كان العالم العربي يظهر اليوم في صورة من اللامبالاة والانغلاق على نفسه، فإن ذلك لم يكن حاله في الماضي، فميلاد العالم العربي بصورته الحالية ارتبط بظهور الإسلام الذي ساعد على ظهور مجموعات سياسية ودينية متجانسة، واستطاع العرب إقامة إمبراطورية ضخمة وواسعة، شهدت العديد من النجاحات والإنجازات حتى الحرب العالمية الأولى، ثم كان إلغاء السلطنة والخلافة. وتبعًا لذلك أصبح العالم العربي تحت السيطرة الأوروبية. وبعد انتهاء الاستعمار خرجت الدول العربية محملة بالعديد من المشكلات الاقتصادية والسياسية والدينية والصراعات والحروب.
ومن هنا يطرح التساؤل: كيف يظهر الإسلام -الذي كان الأساس في وحدة شبه الجزيرة العربية- اليوم وكأنه عائق أمام تطور المجتمعات العربية؟ ولماذا هناك غياب لـ"إستراتيجية النفوذ" داخل الدول العربية؟...
اقرأ في هذه الدراسة:
العرب وإدراك معنى النفوذ
العوامل الخارجية وغياب إستراتيجية النفوذ العربي
العوامل الداخلية وغياب إستراتيجية النفوذ العربي
الجزيرة.. تجسيد لإستراتيجية النفوذ والحرب الإعلامية
الإسلاميون وإستراتيجية نفوذ ما بعد العولمة
العرب وإدراك معنى النفوذ
النفوذ كما عرفه ريمون آرون هو "قدرة الوحدة السياسية على فرض إرادتها على الآخرين، أو قدرة الوحدة على عدم ترك الآخرين يفرضون إرادتهم عليها". ووفقًا لهذا التعريف "الغربي" يمكن القول إن الدول العربية لا تمتلك إستراتيجية للنفوذ، ونتيجة لذلك سيكون من الأفضل تناول هذه المسألة في إطار اختلاف الثقافات لأن إدراك الأشياء يختلف من مجتمع إلى آخر، كذلك الطريقة التي يتم بها التعبير عن هذا النفوذ لا بد أن تخضع للتغيير حتى تكون أكثر ملاءمة للحضارة العربية التي لا تزال في المؤخرة.
في الواقع هناك رؤى مختلفة لإستراتيجية النفوذ.. بالنسبة للرؤية الأمريكية فهي تقوم بالأساس على إستراتيجية السيطرة والتأثير والتحكم في وسائل الاتصال والقدرة على اختراق الأنظمة الخارجية الأخرى. أما إستراتيجية النفوذ الصينية فتتلخص في مضاهاة معدلات النمو الياباني، وتحقيق أقصى استفادة من العولمة والاعتماد المتبادل.
أما بالنسبة للدول العربية فإستراتيجية النفوذ لديها تقوم بالأساس على عدة عوامل تقليدية، منها: القدرة على امتلاك الموارد الطبيعية، الغاز الطبيعي والنفط، فهما بمثابة سلاحين اقتصاديين، إلا أنهما لا يستخدمان إلا في خدمة "إستراتيجية العائدات" التي ساعدت الدول المصدرة في الانغلاق على نفسها في "برجها العاجي". وهناك الجانب العسكري الذي يعد أكثر تقليدية من الأول، فالنفوذ لدى الدول العربية يعتبر مرادفًا لقوة الضرب العسكري، ولذا يعد الشرق الأوسط هو المستهلك الأول للسلاح في العالم.
وإلى جانب هذه العوامل ذات الطبيعة الاقتصادية والعسكرية، يمكن إضافة الأصولية الدينية، ففي جميع الأزمان وفي كل الحضارات، كان الدين هو الركيزة الأساسية للنفوذ. هذا مع العلم أنه لا يمكن فصل السياسة عن الدين في معظم الدول العربية، فمنذ مرحلة ازدهار الحضارة العربية نجد أن مشروعات "النفوذ السياسي" كانت متصلة بالدين، وذلك لتشجيع الشعوب. بيد أن هناك آراء أخرى ترى أن الدين هو الذي استخدم السياسة كأداة للانتشار، لذلك جاءت سيادة الدول العربية قوية وذات نفوذ ظل مستقرًّا في الذاكرة والمخيلة الشعبية لعدة قرون.
أما اليوم فالثابت هو اتحاد السياسة والدين سواء في الأفضل أو الأسوأ. فالإسلام أصبح لا يذكر في وسائل الإعلام إلا عند وقوع حوادث عادة ما تكون مأساوية. وتنسب إلى هؤلاء "الإرهابيين" الذين حملوا صورة متطرفة للدين، والذي هو كسائر الأديان يمكن أن يكون معتدلا.
لقد أصبح الحوار حول النفوذ في الدول العربية يرتبط أيضًا بالنفوذ الداخلي، والذي يعرف بأنه "قدرة الدولة على تعديل إرادة الجماعات أو الأفراد الموجودين داخل نطاقها". ولكن كيف يمكن الحديث عن النفوذ السياسي على الساحة الدولية في الوقت الذي يفترض فيه أن تقوم السلطة السياسية -من أجل سلامتها- باحتواء كافة أشكال المعارضة الموجودة داخل نطاقها الوطني؟.. فالجماهير يسودها الغضب، وجميع المظاهرات غالبًا ما تكون مستحيلة، والشرطة تراقب كافة الخروقات، هذا بالإضافة إلى أن بعض الدول تحرص على أن يكون لها شرطة "دينية" من أجل حفظ النظام كما هو الحال في المملكة العربية السعودية.
ويتضح من ذلك أن هذه النظرة التقليدية تتناقض مع العوامل الجديدة للنفوذ، والقادمة من الغرب، والتي تتمثل في التحكم في وسائل الإعلام والسيطرة على طرق إنتاج المعرفة، فضلا عن السيادة السياسية العسكرية.
ويمكنالقول إن هناك مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي ساعدت على غياب "إستراتيجية النفوذ العربي"، يمكن إجمالها في: عوامل خارجية، وعوامل داخلية.