تبدو إمكانية عودة ليبيا إلى التعاون مع الأصدقاء القدامى مسألة منطقية، وهي الطريق الأسهل لحل المهام الملحة باستئناف المشاريع التي كان تنفيذها قد بدأ في عهد النظام السابق. خلال زيارته لروسيا ولقائه وزير الخارجية سيرغي لافروف حصل محمود جبريل رئيس تحالف القوى الوطنية الليبية على تأكيد بدعم روسيا الراسخ لسيادة ليبيا واستقلالها ووحدة أراضيها. وكانت مباحثاتهما قد تركزت على الجهود التي تبذلها السلطات الليبية لتحقيق الاستقرار واستعادة الاقتصاد الوطني وتشكيل مؤسسات دولة جديدة، إلى جانب سبل تعزيز العلاقات الروسية الليبية في مختلف المجالات. لافروف تحدث منذ أسبوعين حول الوضع في ليبيا في لقاء تلفزيوني، فأشار إلى محاولة روسيا تقديم المساعدة للسلطات الليبية الجديدة في بسط سيطرتها على أراضي البلاد عن طريق مجلس الأمن الدولي والبعثة الأممية في ليبيا. ونوه بوجود إشارات مباشرة ترسلها السلطات الليبية للجانب الروسي تفيد بأنها معنية باستئناف العمل على تنفيذ المشاريع التي بدأت في عهد معمر القذافي. وقال لافروف: "بعد الأحداث المأساوية في ليبيا كانوا يقولون لنا إن روسيا خسرت العالم العربي. لم يحدث ذلك في نهاية المطاف...ورئيس "تحالف القوى الوطنية" في ليبيا محمود جبريل ... "رئيس أكبر قوة سياسية في ليبيا، سيزور موسكو قريبا وسنعرف عن الأوضاع من المصدر الأول". ليبيا احتفلت منذ فترة وجيزة بالذكرى الثانية لثورتها التي لاتختلف عن مثيلاتها في دول الربيع العربي مصر وتونس واليمن في استمرار تعثرها وفي التحديات التي أعقبت سقوط النظم الاستبدادية وصعوبة المرحلة الانتقالية وإنجاز أهداف الثورة. ولعل الوضع في ليبيا لايختلف عنه في الدول المذكورة إلا من جهة الاقتصاد، فالإخفاق الاقتصادي في مصر أو تونس يوازيه نجاح الحكومة الليبية في إعادة تشغيل الصناعة النفطية التي تضررت بفعل الثورة ووصلت بالإنتاج إلى 1.6 مليون برميل يوميا، يمكّن خمسة ملايين ليبي من تجنب المشكلة الاقتصادية التي تواجه بلدان الربيع الأخرى، لكن هذا لا يعفي الحكومة اليبية من مهمة توظيف موارد النفط في إعادة إعمار المدن المدمرة مثل مصراته وسرت وبني الوليد وبنغازي. الانفلات الأمني واحدة من أهم المشكلات التي تواجهها ليبيا، وأخيرا نقلت وزارة الدفاع يوم الثلاثاء الماضي جنودا من بنغازي إلى مدينة الكفرة في الجنوب لتعزيز الأمن فيها ومنع تجدد الاشتباكات بين قبيلتي التبو (من أصول تشادية) والزويَّة (قبيلة عربية) المتناحرتين. وكانت الاشتباكات بين القبيلتين قد أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح خمسة آخرين، ورفضت القبيلتان تسليم المتورطين. على صعيد آخر أعلنت السلطات الليبية أن قواتها البحرية ألقت القبض على 30.5 طنا من المخدرات التي كانت على متن إحدى القطع البحرية داخل المياه الإقليمية للبلاد. وفي السياق الأمني أيضا كشفت مصادر مطلعة عن إلغاء الرئيس السوداني عمر البشير زيارة إلى ليبيا للمشاركة في احتفالاتها بذكرى الثورة بعد أن أبلغته مصادر رسمية ليبية أنها لاتضمن سلامته. المشكلة الأمنية تستدعي استيعاب الثوار المسلحين الذين يزيد عددهم عن مائة ألف في الأجهزة الأمنية من أجل القضاء على ظاهرة انتشار المليشيات المسيطرة على الشارع والتي تبث الخوف في قلوب السكان. وهذه المشكلة تتشابك عضويا مع معضلة بناء الدولة، فنظام القذافي لم يبن دولة بالمفهوم التقليدي بل ابتدع نظاما عرف بالجماهيرية يقوم على سلطة اللجان الشعبية واللجان الثورية التي تشبه الميليشيات، ومهمة الحكومة الليبية الآن بناء مؤسسات دولة عصرية من رئاسة للجمهورية والوزراء إلى البرلمان والنظام الإداري في المحافظات، إضافة إلى الجيش النظامي. وبناء الدولة مع إرساء الاستقرار يواجه إشكالية لاتعرفها بلدان كمصر وتونس هي القبلية، ففي ليبيا لاتوجد أحزاب سياسية ومؤسسات مجتمع مدني وإعلام خاص ونقابات، بل تحكمها القبلية في توزيع المناصب والثروات، لذلك يتطلب التحول الديمقراطي تكريس فكرة المواطنة أولا ليحل الانتماء للشعب محل الانتماء القبلي، مما يمثل تحديا جديّا أمام الحكومة الجديدة. الحكومة الليبية لاتسيطر على كامل البلاد، والجنوب خارج سيطرتها بما فيه مدينة الكفرة التي تشهد عمليات قتل وخطف، والمنطقة بأسرها تحت سيطرة عصابات مسلحة. ولعله لايحتاج إلى برهان أن فرنسا عندما أرسلت قواتها إلى مالي لم يكن في حساباتها إنقاذ الديمقراطية وحقوق الانسان، بل إنقاذ المصالح المتمثلة في اليورانيوم والذهب ومعادن ثمينة اخرى. ودول الغرب التي تدخلت في ليبيا وأطاحت بالنظام السابق لم تفعل هذا مساعدة لليبيين، بل ساعدت نفسها للسيطرة على الثروات الليبية. اليوم تتحدث وسائل الإعلام أكثر فأكثر عن خطط أمريكية لبناء قاعدة في ليبيا لطائرات بدون طيار من نوع الطائرات التي قتلت 4700 شخص في افغانستان، لمحاربة الجماعات الاسلامية الجهادية، قاعدة كتلك التي تحدثت عنها صحف امريكية وحددت مكانها في المملكة العربية السعودية، وتتحدث عن خطة فرنسية لاقامة قاعدة عسكرية لها في جنوب ليبيا. لكن من جهة أخرى ورغم كل الإشكالات والأخطار يوجد أمل كبير بإمكانية التغلب على الصعوبات التي تواجه ليبيا بسرعة ، لأن الوضع فيها بعد انتهاء الحرب يختلف مثلا عن وضع العراق، فليبيا ليست تحت الاحتلال، وهذا يجعل تنفيذ المهمات المطروحة أسهل وأقل تكلفة، إضافة إلى أنه يسهّل على الحكومة اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة حيث لاتتعرض لضغوط كما تعرضت بغداد. من هنا تبدو إمكانية عودة ليبيا إلى التعاون مع الأصدقاء القدامى مسألة منطقية، وهي الطريق الأسهل لحل المهمات الملحة باستئناف المشاريع التي كان تنفيذها قد بدأ في عهد النظام السابق، فتغيير الأنظمة السياسية لم يغيّر مثلا أنظمة التسليح، وبيّن معرض "IDEX 2013" الدولي الحادي عشر في دبي أن العسكريين الليبيين ما زالوا مهتمين بالأسلحة الروسية. في حين تم استئناف المحادثات حول بناء خط السكة الحديدية السريع "سرت – بنغازي".
مصدر http://arabic.rt.com/analytics/69299-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7.._%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9_%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9_%D9%88%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%A1/