"جدع يا ولا"، كلمة استحسان ومدح قالها الشيخ حسن صبح، لطفل لم يتعد بعد السادسة عشرة من عمره، التى مازالت ملامح القرية قابعة فوق وجهه الصغير، بعدما استمع إليه وهو يتلو آيات الذكر الحكيم فى عزاء السيد بك القصبى، وكان من أعيان القطر المصرى، وتوفى فى إسطنبول وأعيد إلى الإسكندرية على باخرة، ونقل إلى طنطا بالقطار، حضر العزاء كبار العائلات والقراء، قالها الشيخ شعورًا منه بالخطأ فى حق الفتى الذى عسفه قائلاُ:"انزل يا ولد هو شغل عيال"، عندما قفز على "الدكة" متأهبًا للقراءة مساويًا رأسه برأس الكبار، لكن تدخل أحد أقارب القصبى شخصيًا وقال للشيخ حسن: هذا قارئ مدعو للقراءة مثلك، وقرأ الشيخ وأبهر الحضور بتلاوته، وأبهر الشيخ حسن صبح.
ولد "عبقرى التلاوة" الشيخ مصطفى محمد المرسى إسماعيل، فى 7 يونيو من عام 1905، بقرية ميت غزال، التابعة لمركز السنطة، بمحافظة الغربية، وحفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز الثانية عشرة من عمره فى كتاب القرية، والتحق بالمعهد الأحمدى فى طنطا ليتم دراسة القراءات وأحكام التلاوة، وأتم تلاوة وتجويد القرآن وراجعه عندما بلغ سن الـ 16 عامًا على يد الشيخ إدريس فاخر.
امتاز الشيخ مصطفى إسماعيل، بعذوبة صوته، وقوة أدائه، والنفس الطويل فى القراءة التجويدية، فكان صاحب مدرسة جديدة فى أسلوب التلاوة والتجويد، والمقامات.
ويقول الشيخ علاء حسنى، حفيد "مصطفى إسماعيل"، إن الله أتى بالشهرة إلى الراحل، حيث احترف القراءة فى عام 1925 وعرفه الناس، مضيفًا أنه ذهب إلى القاهرة واشترك فى رابطة القراء، وكان عندها ليلة فى مولد النبى صلى الله عليه وسلم فى الحسين، فدعوه فقرأ نصف ساعة، وكان فيها ناظر الخاصة الملكية مراد محسن باشا، فأرسل لمدير الغربية يطلبه، وذهب له إلى السرايا".
أضاف حسنى لـ"اليوم السابع"، أن محسن باشا مراد طلب من الشيخ أن يحضر إلى مصر فى ذكرى الملك فؤاد 28 أبريل، ووقع معه عقدا وحضر الليلة، وكان شاه إيران فى الليلة، ومن هنا توالت الحفلات الملكية التى يحيها "إسماعيل"، بعد فرمان من الملك فاروق بتعيينه قارئًا للقصر الملكى، على الرغم من أنه لم يكن اعتمد بالإذاعة، التى التحق بها بعد ذلك، واستمر هكذا 9 سنوات من 1944 لـ 1952.
وأوضح حسنى، أن الراحل كان فى دمياط عام 1930، وتعرف على صاحب مدارس عمر الشيخ مصطفى عمر، ولما توفى "عمر"، علم وذهب لدمياط ليقرأ فى العزاء وبات ليلتها، ورأى صورة ابنة الشيخ فطلب من ابنه أن يحضر الأربعين ليقرأ فى ذكراه، ولما حضر طلب يد ابنة عمر وتزوجها.
وكشف حفيد الشيخ أن الأسرة ستحيى ذكرى الشيخ هذا العام يوم الجمعة 27 ديسمبر الجارى بساقية الصاوى بالزمالك، ويتضمن الاحتفال إذاعة فيلم تسجيلى عن الشيخ يشرح حياته ويبرز عبقريته وإبداعه فى فن التلاوة وتفرده فى استخدام مقومات التلاوة من حجم وسعه حنجرة.
وكان مصطفى إسماعيل على علاقة وطيدة بكوكب الشرق أم كلثوم، وقال عن تلك العلاقة:"كانت الست لما تشوفنى تقولى يا شيخنا تعالى أنا بنبسط لما بسمعك.. وسألتنى مرة أنت تعلمت موسيقى قولتلها أبدًا أنا عمرى ما مسكت عود ولا غيره، القراءة من عند ربنا، قالت ونعم بالله".
منحه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وسامًا، بمناسبة عيد العلم فى 19 ديسمبر 1965، وكانت المرة الأولى التى يمنح فيها الرئيس وسامًا لأحد المقرئين بمناسبة هذا العيد، ومنحه الرئيس الأسبق حسنى مبارك وسام الامتياز عام 1985، ومنح وسام الأرز من رئيس وزراء لبنان تقى الدين الصلح عام 1958، ووسام الفنون عام 1965، ووسام الاستحقاق من سوريا، كما حصل على أعلى وسام من ماليزيا، ووسام الفنون من تنزانيا عام 1978، وأهداه الرئيس التركى السابق فخرى كورتورك، مصحفًا شريفًا مكتوبًا بماء الذهب.
وكان الرئيس الراحل محمد أنور السادات من المعجبين بصوته، حتى أنه كان يقلد طريقته فى التلاوة عندما كان السادات مسجونًا، وبعد أن أصبح رئيسًا اختاره ضمن الوفد الرسمى أثناء زيارته للقدس، والتى كان زارها قبل ذلك فى عام 1960، وقرأ القرآن الكريم بالمسجد الأقصى فى إحدى ليالى الإسراء والمعراج.
وقرأ الشيخ مصطفى إسماعيل فى العديد من الدول العربية والإسلامية، وأيضا فى بعض المدن الأوروبية، حيث زار 25 دولة عربية وإسلامية، كما سافر إلى جزيرة سيلان، وماليزيا، وتنزانيا، وزار أيضا ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وتوفى الشيخ مصطفى إسماعيل فى 26 ديسمبر عام 1978 تاركًا بصوته القرآن الكريم كاملاً مرتلاً، و1300 تلاوة لا تزال إذاعات القرآن الكريم تصدح بها إلى الآن.