أطماع عمرها خمسة قرون في آسيا الوسطى .. أفغانستان.. عودة اللعبة الكبرى
مطيع الله تائب ..
في القرن التاسع عشر الميلادي شهدت آسيا الوسطى بما فيها أفغانستان صراعا
على النفوذ بين الإمبراطوريتين البريطانية والروسية عرف آنذاك بـ"اللعبة
الكبرى".
وقد عادت اللعبة في القرن الماضي أثناء الحرب الباردة، ووصلت قمتها أثناء
الغزو السوفيتي لأفغانستان، واليوم نشهد اللعبة الكبرى بنسختها الجديدة
وقد عادت إلى المنطقة، حيث يكتظ المسرح هذه المرة بلاعبين جدد، غير أن
السيناريو يحكي عن القصة نفسها، قصة الصراع على النفوذ والتحكم في مصير
المنطقة وثرواتها.
وفي كل مرة، تشهد أفغانستان حروبا طويلة مع أحد اللاعبين، وفي الأخير يخرج
الغزاة بعد استحالة الحل العسكري ليبحثوا عن حلول أخرى لإدارة صراع اللعبة
الكبرى، لكن الخروج هذه المرة ربما يكون عبر "صفقة كبرى"، كما وصفتها
دراسة أمريكية مؤخرا.
ويبدو الإعلام الغربي مشغولا الآن بتمهيد الرأي العام الغربي حول إمكانية
التفاوض والشراكة مع "طالبان" عبر كم كبير من تصريحات القادة السياسيين
والعسكريين وتحليلات ودراسات تروج لفكرة "التفاوض" مع "المعتدلين" أو
"الوطنيين" بل مع "المتشددين" منهم لو نأوا بأنفسهم عن "القاعدة"، ووسط كل
ذلك ينتظر البعض من الجنرال بترايوس أن يظهر قدراته في أفغانستان مثلما
فعلها في العراق.
محددات اللعبة الكبرى الجديدة
وحتى يمكن الوقوف على هذا البعد، لابد من إلقاء نظرة شاملة للخريطة كلها،
فتفاصيل الخريطة الأفغانية ليست كافية في فهم ما يجري هناك، ولا تساعد
كثيرا في رسم السيناريوهات المطروحة في النسخة الجديدة للعبة الكبرى.
ولو ركزنا النظر على الخريطة الأفغانية، ثم ابتعدنا عنها ببطء لإلقاء نظرة
من أعلى، سنجد عددا من النقاط البارزة التي تشكل أهم محاور الحاضر المضطرب
والمستقبل الغامض للمنطقة:
1- حكومة أفغانية ضعيفة: لقد استطاعت اتفاقية بون عام 2001 أن تخلق الأطر
المناسبة والخطوات الأساسية لنظام الحكم في أفغانستان رغم وجود نقاط خلل
كثيرة في الاتفاقية نفسها وفي مراحل تنفيذها المختلفة. لكن ما حصل هو أن
نظام الرئيس كرزاي فشل في إثبات كفاءته في إدارة البلد، وأخفق بشكل كبير
في تحقيق الأمن ومكافحة الفساد وتقديم الخدمات الأساسية للشعب.
وما حدث أن الشعب في مختلف المناطق الأفغانية فقد ثقته بالحكومة، وتظهر
أزمة الثقة هذه بشكل أكبر في المناطق الجنوبية والشرقية التي تشهد عمليات
عسكرية لطالبان وبقية المجموعات المعارضة، كما أن كافة القوى في مختلف
المناطق تبدو غير مطمئنة في ظل وجود خلافات داخل شركاء النظام خصوصا بعد
استئثار الرئيس بجميع السلطات واستبعاد بقية الشركاء من هرم السلطة.
التقارير الغربية التي تحدثت عن هذا الضعف ليست بقليلة، وهي تتحدث بشكل
واضح وصريح عن ضعف سيطرة الحكومة على المناطق الأفغانية وانتشار الفساد
الإداري والرشوة واستغلال المناصب حتى وصل الأمر إلى الحديث عن تورط شقيق
الرئيس كرزاي في تجارة المخدرات.
وفي ظل النظام الرئاسي المركزي، حيث يتم تنصيب المسئولين عبر قرارات
سيادية، يتم شراء المناصب، وتقل فرص استجواب المفسدين والمستغلين.
2- تنامي قوة طالبان وصعوبة الحل العسكري: بات الحديث عن صعوبة الحل
العسكري أحد أبرز سمات تصريحات قادة حلف الناتو وزعماء أوروبا السياسيين
والعسكريين، كما أن بعض الوجوه الأمريكية يؤيد مثل هذا الاتجاه، ناهيك عن
سيل من التقارير والبحوث والدراسات التي تؤكد على أن الأزمة الأفغانية لن
تحل بالسلاح وحده ويجب البحث عن حلول أخرى بما فيها التفاوض مع طالبان
وإمكانية إشراكهم في الحكم.
وتأتي التصريحات الغربية المتشائمة وسط تقارير عسكرية وأمنية عن الناتو
والأمم المتحدة والمؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان تتحدث عن توسع
رقعة المعارك وارتفاع ضحايا المدنيين وضحايا القوات الدولية وكذلك خسائر
طالبان.
3- انتقال الحرب إلى باكستان: أضحى واضحا أن لهيب الحرب قد انتقل إلى
باكستان، حيث يشهد وادي سوات والمناطق القبلية الباكستانية مثل وزيرستان
وباجور مواجهات شرسة بين القوات الباكستانية وحركة طالبان باكستان، كما
ازداد معدل الهجمات الأمريكية الجوية والصاروخية وعمليات إنزال كوماندوز
داخل المناطق الباكستانية في الأشهر الأخيرة ضد أهداف تتعلق بتنظيم
القاعدة أو القريبين منه، وذلك وسط غضب شعبي شديد وتنديد باكستاني رسمي
فقط.
ورغم محاولات متكررة نجحت بعضها وأخفقت بعضها الأخرى في عقد اتفاقيات سلام
مع هذه المجموعات، إلا أن موجة العنف لم تقتصر في المناطق المتوترة أمنيا
فقط، بل ضربت مناطق أخرى خصوصا العاصمة إسلام أباد وكان آخرها تفجير فندق
ماريوت في سبتمبر الماضي.
4- باكستان.. تغييرات في المشهد السياسي: مع فوز حزب الشعب وفوز رئيسه آصف
زرداري برئاسة باكستان ورحيل الجنرال مشرف، دخلت باكستان عهدا جديدا من
التغييرات السياسية تؤثر في تحركاتها الداخلية والإقليمية
فحزب الشعب، العلماني التوجه، والذي يعتبر قريبا من مراكز صناعة القرار في
الولايات المتحدة وبريطانيا، قد يسعى لتخفيف قبضة العسكر عن الإدارة
المدنية والسعي لبناء علاقات جيدة مع الهند ومحاولة احتواء التيارات
والمجموعات الإسلامية المسلحة والمتشددة.
وقد تشهد الفترة القادمة محاولات باكستانية للحصول على دور أكبر إقليميا
نيابة عن الولايات المتحدة والناتو، في التعامل مع ملف الحرب على ما يسمى
الإرهاب واحتواء طالبان في كل من باكستان وأفغانستان، خصوصا وأن باكستان
لعبت أدوارا مماثلة مع المعسكر الغربي منذ أن نشأت عام 1947 بعد تقسيم
الهند.
5- الصفقات النووية الإقليمية: لقد كانت الصفقة الهندية الأمريكية تطورا
خطيرا في سياسة جنوب آسيا، حيث ألغت الحظر المفروض على الهند بالنسبة
للحصول على تقنيات النووية للأغراض السلمية، وتمكن الصفقة الهند من الحصول
على التكنولوجيا النووية السلمية دون التوقيع على اتفاقية منع انتشار
الأسلحة النووية، وفي المقابل تجد الشركات الأمريكية والغربية فرصة الحصول
على صفقات كبيرة تتجاوز المليارات من الدولارات في مجال الطاقة النووية
وبناء مفاعلات نووية سلمية.
في المقابل، اتجهت باكستان إلى الصين بعد أن وجدت عدم تجاوب من واشنطن
بالنسبة للحصول على صفقة مماثلة، وزار الرئيس الباكستاني الصين، وقرر أن
يزورها كل 3 أشهر ووقع الطرفان على اتفاقية بناء مفاعلين نوويين في
باكستان بالتقنيات الصينية.
ويمكن قراءة هذا التطور في ظل التوجه الصيني نحو الغرب عبر مد خطوط أنابيب
الطاقة من آسيا الوسطى تلبي العطش الصيني للطاقة في ظل معدلات نمو عالية،
وبناء موان إستراتيجية في بحر العرب على الأراضي الباكستانية.
وكانت الصين وعبر منظمة شنغهاي الاقتصادية الأمنية، والتي تضم روسيا ودول
آسيا الوسطى، طالبت أكثر من مرة بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان،
وشككت في نوايا هذا الحضور العسكري الذي قد يتجاوز ما وراء أفغانستان.
6- الملف الإيراني: يشكل الملف الإيراني أحد أهم الملفات في خريطة الشرق
الأوسط، وله تأثير مباشر على الأوضاع في أفغانستان، ومن الصعب قراءة الوضع
الأفغاني بعيدا عن تطورات الملف الإيراني.
وقد كان الموقف الإيراني متعاونا مع واشنطن في إسقاط طالبان كما ظهر
التعاون في إسقاط صدام حسين، رغم استمرار العداء في بقية الملفات
المفتوحة.وعلى كل حال تبقى أفغانستان ساحة لتصفية حسابات الطرفين.
7- التجربة العراقية: يشهد الإعلام الغربي إشادة كبيرة بدور الجنرال ديفيد
بترايوس في تهدئة الأوضاع في العراق عبر اتخاذ سياسة الاقتراب من القبائل
العربية السنية، وكسب ثقتها وتسليحها وتمويلها ضد القاعدة عبر مجالس
الصحوة، ويعول الكثيرون على قدرة بترايوس في نقل تجربته إلى أفغانستان
والمناطق القبلية الباكستانية التي تشهد حربا ضد طالبان باكستان.
لكن هناك فروقا كبيرة بين التركيبة القبلية في كل من العراق وأفغانستان،
وفي تركيبة التحالفات المحلية والإقليمية في كل منهما؛ مما يجعل من مهمة
الجنرال مهمة صعبة إذا لم تكن مستحيلة.
ويعكف الجنرال حاليا مع أكثر من مائة متخصص أمني وسياسي واجتماعي على وضع
خطة شاملة للتعامل مع الوضع في أفغانستان وباكستان، ومن المتوقع أن تجد
السياسات الأمريكية في المنطقة تغييرات ربما ملحوظة في التعامل مع الملفات
المفتوحة هناك.
وتحظى باكستان بأهمية كبيرة في الخطة القادمة وهو ما ظهر في أول زيارة
رسمية لبترايوس بعد ثلاثة أيام من تولي مهامه الجديدة كقائد أعلى للقيادة
المركزية للجيش الأمريكي (سنتكوم)، والتي تغطي جنوب آسيا وآسيا الوسطى
والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
8- الأزمة الجورجية.. وعودة روسيا: لقد كثر الحديث عن عودة الحرب الباردة
أثناء الأزمة الجورجية حينما دخلت القوات الروسية الأراضي الجورجية؛
لحماية حلفائها في جمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.
وقد يكون الحديث قبل أوانه عن عودة العالم ثنائي أو متعدد الأقطاب في
الفترة القليلة القادمة، إلا أن كثيرين اعتبروها إرهاصات في اتجاه وضع
قوانين جديدة للصراع العالمي على النفوذ.
وتراقب روسيا الأوضاع عن كثب في أفغانستان وتشكل مع الصين وإيران جبهة
مضادة للحضور الأمريكي في المنطقة وتعتبره خطرا؛ لمصالح روسيا في آسيا
الوسطى والمنطقة.
وتشكل منظمة شنغهاي للتعاون الإطار الاقتصادي والأمني والسياسي الأهم
للمحور الصيني الروسي؛ لمقاومة النفوذ الأمريكي الغربي في منطقة
"أوروآسيا".
9- أزمة الطاقة: يشكل الطلب الشديد على الطاقة في كل من أوروبا والصين
والهند وتركيا وباكستان أحد أهم محاور الصراع على ذخائر الطاقة في الشرق
الأوسط وآسيا الوسطى.
وتلعب أفغانستان بموقعها الجيوإستراتيجي الهام ممرا حيويا لأي مشاريع مد
أنابيب النفط والغاز من آسيا الوسطى إلى الجنوب، حيث لها حدود مع كل من
تركمانستان وأوزبكستان وطاجكستان والصين وباكستان وإيران، وفي معظم
الأحوال تشكل الخيار الأقل كلفة في حالة وجود استقرار الأوضاع الأمنية
هناك.
ولقد نشطت شركات الطاقة الأمريكية والغربية في تسعينيات القرن الماضي في
إقامة مشاريع عملاقة لنقل الغاز والنفط من تركمانستان إلى باكستان ومنها
إلى الأسواق العالمية، غير أنها خرجت من الحلبة بعد التطورات التي شهدتها
المنطقة أثناء حكم طالبان وبعد سقوطها.
10- الأزمة المالية العالمية: رغم شكوك البعض في تأثير الأزمة المالية
الأخيرة على قدرات البيت الأبيض في إدارة حروبه في الخارج خصوصا العراق
وأفغانستان، إلا أن الأزمة تشكل عاملا مهما في المراجعات الجارية في
واشنطن بالنسبة للملف الأفغاني والباكستاني معا.
وقد تصل تأثيرات الأزمة المالية إلى صناع القرار الأوروبي ودول حلف الناتو
الذين يبدون قلقهم من استحالة الحل العسكري في أفغانستان ويدفعون باتجاه
إيقاف الحرب هناك والبحث عن حلول أخرى أقل كلفة.
الأزمة المالية كذلك أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الباكستاني المهزوز
أصلا، وتحتاج باكستان لسيولة كبيرة لإعادة الثقة إلى عملتها وإنقاذ
اقتصادها من الانهيار، وهذا عامل مهم في طبيعة استجابتها للترتيبات
المستقبلية للمنطقة.
11- انتخاب باراك أوباما: تشكل أفغانستان أحد أهم محاور السياسة الخارجية
للرئيس المنتخب باراك أوباما، وبكل تأكيد ثمة توجه أمريكي عام ظهر في
المناظرات الرئاسية الأمريكية يركز على أفغانستان، كما كثفت إدارة بوش في
الشهور الأخيرة تحركاتها لمراجعة الملف الأفغاني.
ويبدو أن الأمريكيين على خلاف شركائهم الأوربيين لا يميلون للاعتراف
بصعوبة الحل العسكري، ويبحثون عن أعذار أخرى في الإخفاق العسكري الذي
يعيشونه في أفغانستان حاليا مثل النقص في العدد والعتاد العسكري والافتقار
إلى تنسيق بين مراكز القرار بين شركاء الحرب.
وبشكل عام سوف يشهد الملف الأفغاني تغييرات ملحوظة خصوصا بعد فوز أوباما
الذي يضعه أولوية مطلقة، وعلى ضوء المراجعات الشاملة التي يقوم بها
الجنرال ديفيد بترايوس بعد تولي مهامه الجديدة التي تشمل الملف الأفغاني.
ملامح الصفقة الكبرى
في ضوء العناوين الكبرى لما يجري في أفغانستان ومحيطها الإقليمي والدولي،
يمكن أن ندرك طبيعة التحركات التي تشهدها أفغانستان وباكستان مؤخرا، في
محاولة فتح قنوات الحوار والتفاوض مع المجموعات المقاتلة المحلية، وإفساح
المجال للاعبين إقليميين مثل السعودية، ومحاولة تهدئة الوضع هناك، رغم
استمرار المعارك الشرسة والحديث الأمريكي عن زيادة القوى والتشاؤم
الأوروبي حول مستقبل الحل العسكري.
ويمكن بإيجاز رصد مشاهدة تحركات متزايدة على المحاور التالية خلال الفترة القادمة:
1ـ فصل طالبان عن القاعدة: يحظى هذا المحور بأهمية كبيرة بالنسبة لأي خطة
لاحتواء العنف والتمرد المتزايد على طرفي خط ديوراند في كل من باكستان
وأفغانستان، فبعد أن كانت الإدارة الأمريكية والناتو يتعاملان مع طالبان
والقاعدة كعدو واحد، بدأ الحديث يدور حول اعتبارهما عدوين مختلفين، يمكن
التعامل سلميا مع أحدهما والآخر تستمر الحرب عليه حتى النهاية.
هذا الحديث واضح في التصريحات الرسمية لقادة الناتو وزعماء الغرب وكذلك في
المواقف الرسمية لحكومتي باكستان وأفغانستان، حيث تصر على فصل المسارين.
كان ذلك واضحا في الصفقات التي عقدتها الحكومة الباكستانية مع طالبان
حينما ساعد الجيش الباكستاني قوات طالبان المحلية في إخراج عناصر القاعدة
من مناطق في وزيرستان الشمالية، وتسعى الحكومة الباكستانية لعقد صفقات
مماثلة في بقية مناطق القبائل مثل وزيرستان الجنوبية وباجور ومهمند وغيرها
التي ينشط فيها عناصر القاعدة وتشهد مواجهات دموية مع الجيش الباكستاني
مؤخرا لاسيما إقليم باجور المتاخم لأفغانستان.
وبجانب الضغط السياسي والأمني على حركة طالبان الباكستانية، تقوم القوات
الأمريكية المستقرة في أفغانستان باستهداف قيادات وعناصر القاعدة بشكل
مستمر في منطقة القبائل؛ مما يوحي بأن تنسيقا عسكريا وأمنيا باكستانيا لا
يمكن استبعاده في القضية رغم التنديد الباكستاني الرسمي لمثل هذه الهجمات
التي تخلف ضحايا مدنيين كذلك.
ومع وجود شكوك كبيرة في قدرة الولايات المتحدة على إيجاد شرخ كبير بين
القاعدة وطالبان في القريب العاجل، لا يستبعد المراقبون أن تنجح هذه
الجهود عبر الوساطة الباكستانية والسعودية في إزالة البعد الدولي من خطاب
طالبان، وجعل طموحاتها وشعاراتها محلية فقط، وبذلك يكون قد سحب الفراش من
تحت أقدام القاعدة هناك.
2ـ الحرب بالوكالة.. جعل الحرب محلية: يبدو أن الوجود العسكري الغربي
مستقبلا ينحصر بشكل أساسي في الوجود الأمريكي والبريطاني عبر قواعد
عسكرية، واتفاقيات أمنية مع كل من باكستان وأفغانستان.
وقد يتركز النشاط في هذا المحور لجعل الحرب أكثر محلية، ويمكننا وضع
الحديث عن زيادة عناصر الجيش الأفغاني للضعف؛ ليصل قرابة 140 ألف جندي،
وكذلك زيادة أعداد الشرطة في نفس الاتجاه، هذا بجانب التفكير الجاد في
إيجاد مليشيا قومية وقبلية في الجنوب والشرق كنسخة من تجربة الصحوات
العراقية لجعل الحرب محلية وداخلية لتخفيف نفقات الحرب والخسائر الغربية
البشرية هناك.
وقد شوهد مؤخرا سعيا باكستانيا حثيثا لتأسيس مليشيا قبلية في وادي سوات،
ومناطق القبائل تقوم بمقاتلة طالبان المحلية، وتطالب بطرد الأجانب من
القاعدة من تلك المناطق.
3ـ تنامي دور القوى الإقليمية: مع استمرار النزيف الغربي في أفغانستان
والحديث عن مراجعة الموقف العسكري والسياسي هناك، يتنامى دور القوى
الإقليمية في القيام بأدوار هامة تتماشى مع أهدافها القريبة والبعيدة
المدى.
4ـ الحل السلمي.. محاولة لابد منها: بات الحديث عن ضرورة الحل السلمي وبدء
الحوار مع طالبان والحزب الإسلامي (حكمتيار) أمرا واضحا رغم وجود غموض حول
الآليات والتفاصيل الهامة والتساؤلات الجذرية في ظل رفض رسمي من قبل
المعارضة المسلحة، واشتراط الحوار بخروج القوات الأجنبية المحتلة من
أفغانستان.
ويمكن النظر إلى محور الحل السلمي كونه أحد عناصر الخطة الأمريكية الجديدة
في تهدئة الأوضاع في أفغانستان، ونقل الصراع إلى مناطق توتر محتملة مثل
إيران، وربما إقليمي التبت وسينكيانغ (تركستان الشرقية) في الصين.
وفيما يتفاءل البعض في إمكانية الحل السلمي نظرا للتأييد الإقليمي والدولي
الذي يلقاه، بجانب وجود وجهات نظر مختلفة تجاهه داخل معسكر المعارضة
المسلحة، يذهب البعض الآخر إلى صعوبة الحل السلمي وربما استحالته نظرا
للشروط التعجيزية التي تحملها مواقف الأطراف والعقبات التي تواجهه من جراء
تناقضات المشهد الأفغاني.
ولا يستبعد تكثيف العمليات العسكرية من الطرفين لكسب الموقف الأقوى، حيث
قد تشهد المرحلة القادمة زيادة في الهجمات الأمريكية ضد القاعدة في
المناطق القبلية الباكستانية، وربما زيادة في أعداد القوات الأمريكية
والبريطانية؛ لإيجاد التوازن بين الحل العسكري والمسار السلمي النابع من
موقف القوة حسب الرؤية الأمريكية.
ومن جانبها تقوم حركة طالبان بتشديد عملياتها وإثبات قوتها وقدرتها على
التوسع والمواجهة حتى في فصل الشتاء، والذي عادة ما يشهد تراجعا في وتيرة
المعارك في أفغانستان. الملف الأفغاني يبقى إذن مفتوحا على احتمالات وربما
مفاجآت، فرمال التحالفات المتحركة والمصالح المتقلبة محليا وإقليميا
ودوليا تحمل الكثير في طياتها، وفيما يستمر النزيف في أفغانستان يظل
المواطن الأفغاني الضحية الأولى للعبة الكبرى وآخر من ينتبه الناس إلى
معاناته في ظل الحروب والتشرد والفقر والفساد.
خبير في شؤون آسيا الوسطى