عبد ضعيف
مســـاعد أول
الـبلد : التسجيل : 16/07/2011 عدد المساهمات : 513 معدل النشاط : 716 التقييم : 21 الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
| موضوع: تحليل مستقبلي: شمال مالي.. والسيناريو الأفغاني الأحد 17 مارس 2013 - 2:44 | | | شمال مالي.. والسيناريو الأفغاني السبت 04 جمادى الأولى 1434 الموافق 16 مارس 2013 المقاتلين الإسلاميين الإسلام اليوم/ خاص يخطئ كثيرًا مَن يعتقد أن النجاحات السريعة التي حققتها الآلة العسكرية الفرنسية في شمال مالي وتشتيتها لخصومها؛ ستعيد الاستقرار إلى هذا البلد أو تقضي على المقاتلين الإسلاميين المنتمين لتنظيم القاعدة أو المنحدرين من القبائل العربية في هذه البلاد؛ فدخول القوات الفرنسية مدن: "غاوو، وتمبكتو، وكيدال، وليرا" لا يعد إعلانًا لنهاية الحرب التي تقترب من دخول شهرها الثالث، بل إنه قد يعيد تكرار تجربة القوات الأمريكية الغازية لأفغانستان، والتي احتلت العاصمة كابول في عدة ساعات -وليس أيامًا- وأسقطت نظام طالبان بصورة سريعة جدًّا أذهلت العالم والأمريكيين الذين كانوا يتوقعون مقاومة شرسة تواجه قواتهم، وذلك في ظل علاقات العداء الأيديولوجي بينها وبين خصومها من طالبان والقاعدة، وهم الذين أذاقوا القوات الأمريكية الويلات في بلاد "البشتون" طوال الأعوام الاثني عشر الماضية.ولكن يبدو أن المقاتلين الإسلاميين في شمال مالي -سواء المنتمون للقاعدة أو أنصار الدين أو حركة التوحيد والجهاد أو غيرها من الفصائل الوطنية- قد استفادوا من "السيناريو" الطالباني، فعمدوا إلى سحب مقاتليهم وعتادهم من أمام القصف الفرنسي الكاسح، واختاروا التسلل إلى دول الجوار أو الجنوب المالي؛ لتجنب وقوع خسائر فادحة في صفوفهم، والاستعداد لجولة جديدة وطويلة مع الفرنسيين غير القادرين تقليديًّا على مواجهة حرب عصابات طويلة في صحراء قاحلة. وهو ما ظهر جليًّا في العملية الأخيرة التي قام بها المقاتلون الإسلاميون حين تسللوا لمدينة "غاوو" واحتلوا مناطق حيوية بها، وألحقوا بالقوات الفرنسية وحليفاتها الإفريقية خسائر كبيرة، فضلاً عن القيام بعمليات انتحارية ضد القوات الفرنسية والتشادية المنخرطة في المواجهة.وإذا كان الإسلاميون قد استفادوا كثيرًا من الدرس الأفغاني فإن هذه الفائدة لم تمتد إلى الصعيد الفرنسي؛ فحديث "فرانسوا أولاند" عن القضاء على الإرهاب في هذه المنطقة، واستئصال شأفة التنظيمات "الراديكالية" لم يحقق نجاحًا لافتًا في أية منطقة في العالم حتى ينجح في الصحراء الإفريقية، فيمكن لمثل هذه الحروب أن تضعف المناوئين للوجود الفرنسي، ولكنها لا تقضي عليهم؛ فالولايات المتحدة لم تستطع تحقيق نجاح في حرب غير نظامية أبدًا، وتاريخها في الصومال وأفغانستان خير شاهد على ذلك؛ حيث اضطرت في الأولى لسحب قواتها ملطخة بالعار، وهو "سيناريو" مرجح للتكرار في الساحة الأفغانية، ومع الفرنسيين في القارة السمراء، لاسيما أن كل الدلائل تشير لاستمرار المقاتلين الإسلاميين كرقم صعب في هذه المنطقة خلال السنوات القادمة.ويتجاهل ساكن قصر "الإليزيه" أن الدعم الدولي الذي حظِيَت به الحرب الأمريكية على الإرهاب لم يُمكِّن واشنطن من تحقيق نجاحات كبيرة في هذا الملف، وهو أمر يفتقده الفرنسيون كثيرًا؛ فهذه العملية لا تحظى بدعم داخلي في فرنسا نفسها، بل تنظر إليها قطاعات معتبرةً أنها لا تخدم مصالح باريس في هذه البقعة، فيما يعتقد آخرون أنها حرب بالوكالة عن واشنطن رغم أن نفوذ فرنسا في المنطقة يدفعها لشن حرب بالأصالة عن نفسها، فضلاً عن أن هذه العمليات لم تجد دعمًا أوروبيًّا؛ فدول الجوار الفرنسي اكتفت فقط بتقديم دعم "لوجيستي" دون التورط بشكل مباشر في هذا المستنقع، وهو ما يُضعِف موقف باريس، بل يدفعها للخروج بأقل قدر من الخسائر من هذه الرمال الملتهبة.أما تصريحات عدد من المسئولين الفرنسيين عن الصعوبات الشديدة التي تواجه قواتهم في شمال مالي، وعن المقاومة الشرسة من جانب المقاتلين الإسلاميين، وصعوبة تحديد موعد نهائي لسحب قواتهم وتسليم القيادة لقوات حفظ سلام إفريقية؛ فإنها تعزز أجواء الارتباك في أوساط حكومة "هولاند"، لاسيما أن العملية العسكرية حولت المصالح الغربية في غرب إفريقيا لأهداف مشروعة للمقاتلين الإسلاميين وحلفائهم من قبائل شمال مالي العربية، وهو ما ظهر بوضوح في اختطاف عدد من الفرنسيين في الكاميرون، وتصفية عدد من العمال الأجانب في نيجيريا بعد اختطافهم من قبل حركة أنصار الإسلام في السودان "إفريقيا" بعد عملية فاشلة لتحريرهم.من المهم التأكيد على أن العمليات العسكرية الفرنسية والتشادية في شمال مالي لم تكن لها أية آثار إيجابية على الأوضاع في هذه المنطقة، بل على العكس تمامًا حيث كرَّست هشاشة الوضع الأمني في ظل حرب العصابات المستمرة منذ مدة طويلة هناك، وهو ما بدا بوضوح في انتشار أعمال عنف في الشمال، وعمليات انتحارية خلفت العشرات من القتلى من المدنيين والعسكريين، لاسيما بعد اقتحام الحركة العربية الأزوادية لبلدة الخليل الإستراتيجية؛ ردًّا على عمليات انتقام على خلفية طائفية طالت القبائل والمواطنين المنحدرين من أصول عربية على يد مقاتلين من الحركة الوطنية لتحرير أزواد "طوارق"؛ عقابًا على دعم الأخيرة للعمليات العسكرية الفرنسية.ويؤكد هذا التطور أن فرنسا -حال سحب قواتها الآن أو مستقبلا ومعها حلفاؤها التشاديين- ستترك شمال مالي أرضًا محروقة ونهبًا للصراعات الإثنية والعرقية، خصوصًا أن الصراع سيكون على أشده بين العرب والطوارق من جانب، وبين الطرفين والإثنية الإفريقية في وسط وجنوب مالي من جانب آخر؛ حيث سيستمر الشقاق، وسيأخذ أفعالاً أكثر دموية، ويعرض وحدة البلاد للخطر، ويوسع من حجم طموحات الإثنية العربية في شمال مالي المرتبطة بعلاقات قوية مع دول الجوار في الجزائر وليبيا، لاسيما أن أغلبية مقاتلي القاعدة في الشمال قد نزحوا للجنوب وتحصنوا بالكهوف والجبال وقصَروا نشاطهم على عمليات نوعية ضد القوات التشادية لدرجة أوقعت أكثر من خمسين قتيلاً في هذه القوات؛ لتصبح الخسارة الأكبر منذ مقتل قائد القوات الخاصة التشادية في شمال مالي الجنرال عبدالعزيز حسن آدم.وعلي ذكر تشاد فإن دخولها على خط الأزمة، وإن كان يلبي بعضًا من طموحات الرئيس "إدريس ديبي"؛ ليتحول لزعيم للمنطقة، إلا أن تداعيات هذا التدخل ستكون سلبية بشكل كبير على نظام حكمه؛ فالكل يدرك أن الأراضي المالية لا تصلح لأن تشهد حرب عصابات بدرجة كبيرة، فهي لا تمتلك جبال أفغانستان ولا غابات الصومال؛ فالسلاسل الجبلية الموجودة في المناطق الحدودية تصلح مكانًا للاختفاء وليس القتال، وهو ما يرجح معه انتقال العمليات لبلدان الجوار المالي، وبالتحديد في تشاد والنيجر، وهو ما قد تستغله المعارضة التشادية التي لم تُخفِ سعيَها خلال السنوات الماضية لإسقاط نظام "ديبي"، وذلك بشكل سيعقد من المشهد التشادي، ويحول مغامرة الأخير في شمال مالي لمقامرة قد تسقط نظامه في النهاية، خصوصًا أن جهات نافذة في وزارة الدفاع الفرنسية شككت في مصداقية نظام ينتهك حقوق الإنسان في المشاركة في هذه الحرب، متسائلة كثيرًا عن مدي التزام الجنود التشاديون بقواعد القتال المعروفة.ولكل ما سبق يجدر بنا التأكيد على أنه -سواء نجحت القوات الفرنسية وحليفاتها من دول الرابطة الاقتصادية لغرب إفريقيا "الإيكوس" في كسر شوكة المقاتلين الإسلاميين عبر العمل العسكري الممول من قبل دافع الضرائب الفرنسي أو عادت أدراجها؛ فإن مشكلة مالي لن يتم تسويتها إلا على مائدة المفاوضات. فمهما وجهت القوات الفرنسية من ضربات لإسلاميي الشمال أو انفصاليين طوارق عانَوْا طويلاً من الإبعاد والتهميش؛ فلن تستطيع أن تكبح جماح هؤلاء ولا أن تخرجهم من اللعبة، لاسيما أن حكومة "باماكو" لا هي ولا جيشها مستعدان للقيام بواجبات الدولة في المنطقة، ولا دول الجوار قادرة على ملاحقة هؤلاء والإجهاز عليهم في ظل "المنفستو" الأيديولوجي والعرقي والعقدي المعقد الذي يتبنونه، وهو ما يعني أن العملية العسكرية قد تعيد الأوضاع في شمال مالي للمربع "صفر"، بل قد تعزز طموحات العرب والطوارق وتشكل تهديدًا لوحدة البلاد وضمان الهيمنة على ثرواتها المعدنية، وهي الأهداف التي دفعت باريس للتورط في هذه المقامرة غير مأمونة العواقب.http://islamtoday.net/albasheer/artshow-14-182380.htm |
|