أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.
الـبلد : المهنة : College studentالمزاج : اللهم سلم السودان و اهل السودان التسجيل : 09/05/2011عدد المساهمات : 7924معدل النشاط : 6296التقييم : 271الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
بسم الله الاكرم الكريم و علي بركه رسوله المبارك الامين ، نبدأ الموسوعه الشامله للجاسوسيه و التجسس ستشتمل علي عشرات العمليات و قصص الجاسوسيه التجسس لاشهر المخابرات العالميه و العربيه
من اراد المشاركه بقصه في الموسوعه فرجاء عليه مراسلتي لتنسيق زمن نشرها حتي لا تتضارب مع غيرها و لتأخذ اكبر زمن لها
الاخوه الاعضاء و الزوار .. يرجي مراجعه كافه صفحات الموضوع لان القصص ستكون موزعه علي كافه صفحات المواضيع و ليست الصفحه الاولي و حسب !
ساسعي قدر المستطاع لنشر القصص بشكل يومي و غالبا ستكون بمعدل عمليه لكل يوم ..
المخابرات عالم غامض ومثير و رجاله فوق العاده .. فاستعدو لرحله مثيره لنفتح صناديق اسرارهم و عملياتهم ، كيف يتدربون ليتفوقو علي غيرهم و كيف غيرو سياسات و عقائد دول باكملها .. هي حرب ضروس و انا شخصيا اسميها اخطر حرب لانها لم تتوقف في يوم من الايام .. لم و لن تهدأ و التفوق فيها للاذكي .. الذي يدير هذه الحرب باسلوبه الخاص .. الذي يقنع العدو انه من يكسب هذه الحرب فهو المنتصر .. حرب من نوع خاص جدا جدا ، ابطالها مجهولين و لكنهم الاذكي ،، رغم ان هذه الحرب لا نعرف الا اليسير عنها لكن سنحاول خوضها باليسير الذي معنا !! اما معظم المعارك فستكون محفوظه في خزن اجهزه المخابرات الي ان ياذن الله لها بالخروج
نبدأ بنبذه مختصره لاشهر اجهزه المخابرات العالميه ( من لديه نبذه عن جهاز مخابرات بلده فارجو ان لا يبخل بها علينا)
المخابرات المركزيه الامريكيه - Central Intelligence Agency CIA
المخابرات الأمريكية ( المدرسة الامريكية ):
تأسست عام 1947 عندما أمر الرئيس الأمريكي هاري ترومان بإنشاء وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (cia) الذي يعمل بالتعاون مع جهاز (fbi) وتقع مدرسة تدريب رجال المخابرات الامريكية ( Cia) في مجموعة من الأبنية الضخمة في مدينة ( الانجلي) بولاية فرجينيا وتشتهر بين العملاء باسم ( المزرعة ) على انها (منبع الجواسيس) أول ما يخضع له الملتحقون الجدد بهذه المدرسة هو اختبار (الكشف عن الكذب) لبيان مدى سلامة بنيتهم في العمل كعملاء للمخابرات الامريكية كما يقوم رجال المباحث بالتحري عن كل عميل جديد وأفراد أسرته بأكملها لفترة طويلة وبكل دقة متناهية قبل ان يلتحق رسمياً بالعمل لدى جهاز المخابرات واكثر ما تهتم به دروس التعليم في المدرسة الأمريكية هو:
الحفاظ على سرية العمل.
طرق التخفي.
التنكر .
وتسجيل المعلومات في سرية تامة .
ويركز الأمريكيون اهتمامهم بالتجسس على الاتحادالسوفييتي سابقاً حيث يتدرب الجواسيس المؤهلون للتجسس على روسيا على طريقة الحياة في روسيا وعادات وتقاليد ومشاكل الروس حتى يتمكنوا بمهارة التقاط المعلومات المكلفين بالحصول عليها.
يسجل الجهاز الملاصق للصور للتغيرات التي تطرأ على حركة التنفس عند النطق
بالكذب، اما اللفافة الموضوعة حول الذراع فتسجل تغيرات سرعة النبض ويقوم الجهازالحساس المتصل بالأداتين السابقتين بتسجيل نتائج الاختبار على ورقة تصدر من الجهاز.
الاستخبارات بالمفهوم الامريكي:
تعني: نتيجة جمع و تقييم وتحليل وايضاح وتفسير كل ما يمكن الحصول عليه من معلومات عن أي دولة أجنبية او عن أي مناطق العمليات العسكرية والتي تكون لازمة لزوماً مباشراً للتخطيط.
من أقسام الاستخبارات اهمها:
الرقابة .
الخدمة السرية.
قال فارجوا: ان الاستخبارات تعني بصورة ما القدرة على فهم و تقدير الآراء.
الاستخبارات الجغرافية :
التي تهتم بالمعلومات الخاصة بطبيعة الأرض والبحر و الجو، من أجل الخطط العسكرية ، انقسمت الى أقسام ، قسم خاص بالطبوغرافيا،و قسم بالأرصاد الجوية،و قسم بالطقس ، وقسم بالهيدروجرافي،و قسم بالنقل.
الاستخبارات التكنولوجية.
هي ذات أهمية حيوية خاصة بالامن القومي منها ، الاستخبارات العلمية، المتخصصة في التفجير الذري ، الالكترونيات والصواريخ الموجهة والمواصلات السلكية واللاسلكية والحرب البيولوجية والحرب الكيماوية.
الاستخبارات التكتيكية :
هي جمع المعلومات على المستوى التكتيكي حول قوات العدو في منطقة محددة ، او حول المنطقة، ذاتها وتحليل هذه المعلومات وهي استخبارات (قتالية) أو ( المعركة) و المعلومات التي يحتاجها القائد الميداني ) : تعني التجسس التكتيكي) .
هي جمع المعلومات المتعلقة بشؤون عسكرية أوأمنية وتنسيقها، وتحليلها،
وتوزيعها على المستوى الاستراتيجي وعلى مستوى الدولة والهدف منها هو معرفة قدرات الدولة الاخرى، والتكهن بنواياها للمساعدة في تخطيط المسائل المتعلق باستراتيجية الدولة صاحبة النشاط و تعني أيضاً جمع المعلومات عن الاتجاهات الاقتصادية العسكرية والسياسات المتبعة ( تعني التجسس الاستراتيجي ) .
المخابرات الوقائية:
هي المعرفة و التنظيم والتحليل النشاط الذي يوجه للقضاء على نشاط الجاسوسية المعادية ،و المهمة الأساسية لمقاومة الجاسوسية هي التعرف عل نشاط عملاء العدو السريين واستغلاله والسيطرة عليه.
الاستخبارات المضادة:
تعني المعرفة والتنظيم والتحليل والنشاط الذي تستخدمه استخبارات الدول لشل نشاط الاستخبارات المعادية، ووجه نشاط في مكافحة الاستخبارات ضد جهود الاستخبارات الاجنبية المعادية المتمثلة بالتجسس.
والتجسس المضاد: - هو عبارة عن مجموعة من الإجراءات البوليسية المضادة
التي تتخذها إحدى الدول للمحافظة على المعلومات السرية التي تمتلكها، و منع عملاء العدو من الوصول اليها ،و الحفاظ على سرية عملياتها تجسسية واكتشاف نوايا العدو، وعمليات العدو.
التجسس السياسي :
كانت البعثات الدبلوماسية لا تزال الوسيلة الرئيسية بجمع المعلومات السياسية عن مصادرها العلنية، وتدعمها في ذلك اجهزة الاستخبارات المتخصصة بواسطة عملاء سريين يقومون بالتجسس لحسابها .
جهاز المخابرات السوفيتيه - Комите́т госуда́рственной безопа́сностиKGB
المخابرات الروسية: ( المدرسة الروسية):
تأسست عام 1881 مشابهة لدائرة حماية الدولة (أيالشرطة السرية للقيصر) وفي
عام 1917 تأسست المفوضية فوق العادة لمكافحة أعداء الثورة والقضاء على التخريب، الروس هم أشد الدول حرصاً على الاهتمام بالجاسوسية وتدريب الجواسيس ووجود مدارس كثيرة للجاسوسية في مختلف أنحاء الاتحاد السوفييتي و يبلغ عددها عشرة مدارس وكل مدرسة تختص بلغة معينة من العالم مثل مقر الاستخبارات العسكرية في موسكو وهيي أهم كلية حربية لدى الجيش، و تدرس الى جانب المواضيع العادية الكتابة السرية ، والتصوير على الأفلام وكيفية التعامل مع العملاء السريين.
المخابرات الروسية:
تقع في مدينة غوركي من موسكو (و تسمى مدرسة ماركس انجلز ) وتعتبر بالنسبة
للجواسيس ، مدرسة ابتدائية لأنهم يقضون فيها أربعة شهور يتعلمون فيها :-
تاريخ الحركة العمالية.
تاريخ الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي.
النظام والانضباط و الطاعة.
و ينقل الطلاب الى مدرسة ( لينين التقنية) بالقرب من الحدود جمهورية التتر
السوفياتية وأول مادة تدرس لهم هي الرياضة، دورة الرماية واستعمال الأسلحة ،و يليها التدريب على الشيفرة و حلها، واستعمال أجهزة الإرسال وتضم برامج التدريب دراسات عن الأمن العام، والقانون والاستراتيجية العسكرية و مكافحة التجسس ومراقبة الجواسيس وكيفية التهرب من الآخرين و دراسات كاملة عن بعض اللغات .
و مدة الدراسة سنتين ونصف في هذه المدرسة و تبدأ الامتحانات فيها من قبل
ضباط المخابرات والمتخصصين و الخبراء ويصنف الناجحون بعد ذلك الى قسمين:
قسم يؤهل خارج البلاد .
قسم يؤهل للعمل داخل البلاد .
ويعقب هذه التدريبات ، الاعتقال التأديبي لمعرفة مدى قدرة الجاسوس النفسية والجسدية في حال اعتقلته اجهزة المخابرات الغربية.
مدرسة كتايسكايا : يتم اعداد الجواسيس للتجسس على الصين .
مدرسة جاسزينا :- والتي يتم تأهيل الجواسيس للتجسس على الدول الناطقة على
نماذج مشابهة لنماذج الحياة في الدول الغربية وتحتوي على بارات مماثلة للطابع الغربي الانجليزي ويرتدي الجاسوس ملابس الدول الغربية ويتعاملون مع بعضهم بأسماء غربية وتقوم بحراسة مدرسة مجموعة من القوات المسلحة على اعلى درجة من التدريب والمهارة، و قد برع المواطن الروسي في ظل المبادئ الشيوعية في التجسس على مواطنيه بل وعلى أهله وعشيره مما أكسبه مهارة في هذا المجال وقد تخرج من هذه المدارس جواسيس مشهورين مثل (دودلف ابل) ( كونون مولودي).
وكما يركز الروس اهتمامهم بالتجسس على الولايت المتحدة الامريكية.
salih sam
لـــواء
الـبلد : المهنة : College studentالمزاج : اللهم سلم السودان و اهل السودان التسجيل : 09/05/2011عدد المساهمات : 7924معدل النشاط : 6296التقييم : 271الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
تأسست عام 1573أسسها السير فرنسيس ولسنجام، وزير الدولة والمستشار لدى
الملكة اليزايث الاولى، وأهم فروعها الاستخبارات الحديثة ( ام ،اي -6) ،تهتم بجمع المعلومات الخارجية ،واستخبارات ( ام ، اي – 5) هي مسؤول عن لامن الداخلي ومكافحة التجسس.
و تأتي المدرسة البريطانية في المرتبة الثانية بعد المدرستين الروسية
والألمانية يوجد في انجلترا عدد محدود من مدارس الجاسوسية التي تقع أغلبها في الريف الانجليزي حيث يلتقى الجواسيس في المدرسة الانجليزية دروساً مكثفة من كل انواع الرياضيات العنيفة كالمصارعة الحرة والجودو والكاراتيه الى جانب تعلم اللغات الأجنبية ، ودراسة الجغرافيا ودراسة فن التخريب واستعمال الذخائر وكما يتدرب الجواسيس على قوة الاحتمال حتى يستطيع ان يتصدوا لكل المواقف التي قد يواجهونها في البلاد الاجنبية فيقضي الجاسوس فترة في سجن انفرادي مع حرمانه من النوم والطعام حتى تزداد قوة تحمله إذا ماتعرض لسجن على يدالأعداء . وتقوم اجهزة المخابرات البريطانية فرع ( ام، اي – 5) بالتنصت على هواتف العديد من المواطنين البريطانيين بدون اذن اداري او قضائي ومراقبة البريد والهاتف من ضروريات عمل المخابرات وأجهزة كشف التردد الراديو، او ساعة اليد، و من ثم زرع أداة كشف في الجسم( أداة استراق السمع في الجسم والحصول على المعلومات بواسطة الآلات الالكترنية والتنويم المغاطيسي.
salih sam
لـــواء
الـبلد : المهنة : College studentالمزاج : اللهم سلم السودان و اهل السودان التسجيل : 09/05/2011عدد المساهمات : 7924معدل النشاط : 6296التقييم : 271الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
جهاز المخابرات الاسرائيلي - מדינת ישראל המוסד למודיעין ולתפקידים מיוחדים Mossad
المخابرات الإسرائيلية الموساد( المدرسة الإسرائيلية) :
اهتم ديفيد بن غوريون في أيام الاستقلال الاولى عام 1951 مصلحة الاستخبارات الإسرائيلية عليه ان يكون كفؤاً لأفضل تنظيمات الاستخبارات في العالم ، لأن بقاء اسرائيل يعتمد عليه ، استطاع ان ينشئ خمس فروع للاستخبارت الإسرائيلية:
فرع شاي : و هوقسم تابع للهاغاناة وهي الجيش السري اقامه المستوطنون في فلسين بقيت تقوم بجمع المعلومات وتحليلها دون تغيير طبيعتها.
فرع الشين بيت : الذي كان مسؤولاً بصفة رسمية عن الامن الداخلي.
فرع علياه بيت: الذي أقيم في عهد الانتداب البريطاني لتهريب المهاجرين غير الشرعيين الى فلسطين وحولت اهتمامها الى مساعدة اليهود على الفرار من الدول العربية المعادية لإسرائيل.
فرع وزارة الداخلية: كانت غايتها عقد صلات مع موظفي الاستخبارات في البلدان الاخرى .
فرع الاستخبارات على شؤون البوليس و فرع شيروت يدوتو تعني ( خدمات الإعلام ).
المدرسة الإسرائيلية:
تتلقى عناصر الموساد دروساً في جميع الاختصاصات لمدة عامين ومدارسهم مستقلة في تل أبيب والقدس يتلقى فيها الدارسون محاضرات عن السياسة الدولية وعن سياسة و اقتصاد دولة اسرائيل والوسائل والتجهيزات الحديثة لانجاز مهمة الاستخبارات والاطلاع على تجارب المخابرات الاجنبية ويتوجب على جميع الضباط العاملين في الموساد (اتقان اللغة العربية) بشكل الزامي .
ويوجد في اسرائيل كلية خاصة( لتدريس الامن بهدف صيغة عقيدة الامن
الإسرائيلية وخلق مفهوم أمن مشترك على أساس المعلومات المشتركة وفي هذه الكلية يتم دراسة المعطيات وتحليلها في بعض الاحيان ويقوم رؤساء الأقسام بتقمص شخصيات من الدول العربية.
أساليب الموساد في العمليات الاستخباراتية:
العميل المزروع : تتعاون كافة اجهزة المخابرات في مسألة زرع عميل لها في الدول العربية وأبرز العملاء كان ايلي كوهين عمل في سوريا عام1961 ، و لفغنانغ لوتس ،الذي وصل الى القاهرة عام 1961 مدعياً انه لاجئ سياسي وألقي القبض عليه.
تجنيد يهود من الدول العربية: وأبرز العملاء ( شولا كوهين) التي تعتبر من أخطر جواسيس الموساد في لبنان ، والشرق الاوسط عاشت في وادي أبو جميل ببيروت عام 1947 وشاركت في اعداد قوة الدفاع عن النفس عن اليهود التي اندمجت مع حزب لكتائب اللبناني و ساهمت في تهريب اليهود من لبنان ، واستطاعت تجنيد الضابط اللبناني (جورج انطون) وتعاونت مع مدير كازينو الأولمبياد حيث يجتمع اكبر عدد من رجال السياسة وهواة القمار وقابلت كميل شمعون ومهدت لاجتماع اديب الشيشكي بالجنرال مكليف رئيس الأركان الإسرائيلي وعام 1950 ستطاعت سرقة البروتوكول الأمني بين سوريا ولبنان إلا ان المخابرات السورية اكتشفها واعتقلتها حتى أفرج عنها عام 1967 أثناء تبادل الأسرى.
شبكات التخريب: مهمتها القيام بأعمال التخريب لخدمة هدف سياسي في احدى الدول العربية، مثل الشبكة الجاسوسية التي تضمنت دموشي مرزوق ، وشموئيل عزرا، في مصر التي استطاعت تجنيد العديد من الشبان في القاهرة والاسكندرية و نفذت تفجيرات ضد مصالح بريطانية لتعطيل جلاء البريطانيين عن مصر.
عمليات الاغتيال: عام 1972 عين الموساد مستشاراً لرئيس الحكومة ضمن صلاحيات خاصة من اجل التنسيق لمكافحة الإرهاب أهارون باريف، منسق للحرب ضدالإرهاب وتشكيل مجموعة اغتيال بالتعاون مع الموساد و اغتيال عملاء الموساد محمد الهمشري ، كمال ناصر، يوسف النجار ، كمال عدوان ، وكان قائد عملية الاغتيال (ايهود باراك ) وغيرهم من القادة الفلسطينيين والعرب في قبرص و اليونان والنرويج.
عمليات السرقة : عام 1948 قام الموساد بتهريب أربع طائرات بريطانية الى اسرائيل من طراز فايتر بالإضافة الى عمليات سرقة اليورانيوم .
علم النفس في المخابرات الإسرائيلية و كيفية تجنيد العملاء في الخابرات الإسرائيلية:
من الناحيةالسيكولوجية : تراعي نقاط الضعف في الشخص الذي يراد تجنيده .
تدرس جيداً السمات الشخصية والمزاجية لهذا الشخص قبل عملية الاقتراب منه ، وهناك ثلاثة عوامل رئيسية للتجنيد، منها :
المال .
العاطفة:سواء كان للانتقام اوالأيديولوجية .
الجنس:ويتم اخذ الشخص و جعل تدريجياً مخالفاً للقانون و للاخلاق لذلك يعامل الموساد مع أسوأ انواع البشر وتستخدم مهارات عالية و غامضة في كيفية استقطاب الجواسيس في دول الجوار.
من أساليب الموساد لتنفيذ عمليات التجسس
فهي تعتمد بشكل رئيسي:
الحصول على معلومات بتشتى الطرق والأساليب او المعلومات المكشوفة عن طريق
تجنيد عمال البارات خارج اسرائيل ومستخدمي الفنادق والسكرتيرات و عن طريق المومسات والسائقين وغيرهم وتستخدم كافة انواع الضغوط على العملاء المجندين .
تتستر المخابرات الإسرائيلية تحت غطاء لجان المشتريات وشركات السياحة،و شركة طيران العال ، و مكاتب شركة الملاحة، ومؤسسات البناء والأعمال والشركات الصناعية والمنظمات التجارية الدولية، والإسرائيلية.
استخدام المال، والتنسيق مع الدول الاوروبية الغربية تحت ستار تنظيم استخباري تابع لحلف الناتو بغية تجنيدهم للعمل في الدول العربية وكما يجري الاعتماد على الوكالة اليهودية للقيام بأعمال التجسس من اليهود في العالم العربي أو العمل في الدول العربية يتم التركيز على ما يلي:
تجنيد موظفي الهيئات الدولية العاملين في الدول العربية.
تجنيد بعض الطلاب العرب الدارسين في الخارج عن طريق استخدام نقاط الضعف.
استخدام الدبلوماسيين الأجانب لسهولة حريتهم في الحركة.
استخدام جواسيس قرى الحدود: مثل القرى السياحية في مصر.
اختطاف الاحداث: وزرع الادمان على المخدرات فيهم.
تجنيد مراسلين صحفيين أجانب.
شبكات التهريب في البر والبحر و الجو .
تجنيد تجارالسلاح في اوروبا.
علاقة المخابرات الإسرائيلية(الموساد) مع المخابرات الدولية : -
يرتبط الموساد بعلاقات حميمة مع المخابرات الأمريكية ولتنظيم هذه العلاقة أنشات المخابرات الأمريكية (القسم اليهودي) ضمن جهازه العام 1953.
علاقة الموساد بالدول الغربية، وخاصة مع مخابرات حلف شمال الاطلسي فهو يشارك بشكل دائم في التحقيق مع الموقوفين العرب في الدول الغربية ويستغل ذلك لكسب عملاء له.
علاقة الموساد مع السافاك الإيراني في عهد الشاه والتعاون مع الموساد لخلق مناخ مؤيد لإسرائيل في ايران و كانت من أخطر العلاقات وأهمها في مجال الجاسوسية.
علاقة الموساد مع ( المخابرات التركية، مركز الامن التركي القومي،ويطلق على هذه العلاقة المثلث الرهيب وتعقد بشكل دوري كل ستة أشهر حيث يتم تبادل المعلومات تعهد الموساد بتقديم تقارير الى مركز الامن القومي التركي حول النشاطات التجسسية المعادية لتركيا، وتعهد الأتراك أيضاً تقديم تقارير حولنشاطات العرب التجسسية ضد إسرائيل وتقديم بالذات تقاريرحول النشاطات المصرية ضدها.
علاقة الموساد بمخابرات الدول الإفريقية والتعاون مع زائير ليبيريا ، كينيا ، غانا ، جنوب افريقيا، وهي علاقات اجنبية قوية جداً، وتقوم الموساد بتدريب اجهزة المخابرات الافريقية وفي عام 1978 ساعد الموساد ،اوغندا للحصول على صفقة طائرات بوينغ و زودها بطاقم ضمن اتفاقية للتجسس على ليبيا.
علاقة الموساد مع مخابرات دول ـأمريكا اللاتينية مثل البرازيل ، الأرجنتين ، المكسيك ،كوساريكا ، بنما ، البيرو، السلفادور وأخرى والتنسيق و لتنظيم هذه العمليات يقيم الموساد مقراً اقليمياً له ( في مدينة كاركاس) فنزويلا للإشراف على عملياته التجسسية.
علاقة الموساد مع آسيا الصغرى مثل كوريا الجنوبية، وتايوان وتايلاند واندونيسيا و تقيم المقر الرئيسي لها في سنغافورة وتتم هذه العلاقات التجسسية بالتنسيق و التعاون مع المخابرات المركزية الامريكية.
علاقة الموساد مع المخابرات المصرية:
بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد تستهدف التعاون والتنسيق مع الموساد ما يلي:
أ- محاولة تأمين الحصول على المعلومات من المخابرات المصرية عن المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
ب- محاول ربط المراكز الحساسة في الاقتصاد والإعلام المصري بصالح اسرائيل.
ت- محاولة ايجاد رجال اسرائيل في اماكن صياغة القرار في مصر.
الشخصية العربية في الدعاية الإسرائيلية:
يتأثر العرب بصورة خاصة بالعواطف والمشاعر اكثر من العقل و أنهم لا ينسون ويغفرون بسرعة ولهم ميول قوية لتجاهل الوقائع و يسهبون في الأوهام و الخداعات.
ارهابي و غدار ، عدواني جبان، و حاقد ويمتاز بالوحشية و الابتزاز ومتوحشين و بدو رحل ، ومسلمون متطرفون. -# العرب يقعون في ادنى سلم التطور البشري لأنه ليس لديهم احساس بالتمييز العرقي بسبب عقيدتهم الإسلامية التي لا يوجد فيها مثل هذا الاحساس فهي تسوي بين بني البشر بمختلف أعراقهم و انتمائهم طالما انهم يدينون بالإسلام.
العربي في العبرية ، سارق كاذب ومنافق وذو وجهين ومغتصب النساء، ومعتد ويفتقد للمبادئ وتوجيه الغريزة الجنسية، و لا يفي بوعده، ومحب للمال ومرتش.
ملاحظة ان إسرائيل حصرت العرب و منعت عنهم التطور و أصبح معظم العرب شغيلة للإسرائيليين.
كشفت المخابرات الإيرانية بأن الموساد الإسرائيلي ضم تسع دوائر اهمها:
دائرة تنسيق و تخطيط المعلومات.
دائرة تجميع المعلومات السرية والمهمة منها شعبة السيطرة و المراقبة الاقليمية ويكون عملها خارج اسرائيل.
دائرة العمليات السياسية: والعلاقات التبعية والودية مهمتها التنسيق، والتعاون واقامة العلاقات مع مخابرات الدول الاجنبية.
دائرة شؤون الكادر الوظيفي والمالية و الأمن .
دائرة شؤون التدريبات والتنظيم .
دئرة التحقيقات.
دائرة العمليات التكتيكية وتضم عدة أقسام، شعبة روسيا، وشعبة الجمهوريات المنفصلة عن الاتحاد السوفييتي، قسم العمليات الخاصة، قسم الرب النفسية، دائرة الشؤون التكنولوجية ، المديرية العامة للمصادر، والتجهيزات ودائرة العمليات السياسية كدائرتين منفصلتين لهما مقرات منفصلة سواء داخل السفارات اوالقنصليات الإسرائيلية او خارجها. -# الدائرة الثانية و الثالث لها فروع موزعة على أساس جغرافي في امريكا الجنوبية اوروبا الشرقية، آسيا و المحيطات ومنطقة البحر الأبيض المتوسط ، اوروبا ، الولايات المتحدة الامريكية
.
المال والنساء: من اهم الأسلحة القذرة التي يستخدمها الكيان الصهيوني في بناء كيانه الغاصب، واستقطاب عملائه، إذ يستخدم كل الوسائل و الأساليب غير المشروعة في حربه ضد الأمة الإسلامية و من أبرزها ( الرذيلة والإغراء) وهذا ما تؤكده صحيفة هآرتس إعلان الحركة الصهيونية قامت في عهد الانتداب البريطاني في فلسطين جهازاً خاصاً وغيرها من جيوش دول الحلفاء الذين كانوا ينزلون للراحة على الشواطئ الإسرائيلية وذلك في اطار مساعي الزعامة الصهيونية لكسب تأييد ينزلون للراحة على الشواطئ الإسرائيلية وذلك في اطار مساعي الزعامة الصهيونية لكسب تأييد تلك الدول لمشروعها الاستعماري في فلسطين، فقد اعتمدت المخابرات الصهيونية في عملها الرئيسي على النساء وأن20% من العاملين في هذا الجهاز من النساء اليهوديات وكانت المرأة الصهيونية قد لعبت دوراً كبيراً في تنفيذ عمليات حركة البالماخ العسكرية وتجاوز عدد النساء فيها 30% من مجموع أفرادها .
و اليوم تعتمد الموساد على المرأة اعتماداً قوياً في القيام بعمليات
التجسس واسقط العملاء من خلال استخدام الرذيلة والإغراء وهذا ما يوضح الى أي مدى احتد فساد هذا الكيان الصهيوني الشاذ وخطره على الأمة العربية والإسلامية.
وكيف أصبح الجنس والبغاء من العمل التنظيمي لمؤسسات الحركة الصهيونية وقد
شهدت مدينة تل أبيب ازدهاراً كبيراً في أقدم المهن ( الدعارة ) بسبب وجود اعداد كبيرة من الجنود الاجانب بالمدينة وبسبب الوضع الاقتصادي المتردي الذي واجهته المهاجرت الجدد وبنات العائلات الصهيونية الفقيرة.
و تكون الدعارة في خدمة السياسيين وهذا يعكس على خدمة الدول الصهيونية هدف
استخدامهن في إغراء قيادات عسكرية وسياسية في عدة دول معادية للكيان الصهيوني من أجل الحصول منهم على معلومات عسكرية وأمنية تهم الكيان الصهيوني.
و ما أكدته اجهزة المخابرات الإسرائيلية ان المجندات الصهيونيات نجحن على
مدار الاعوام الماضية في تنفيذ عمليات عسكرية مهمة بينها اغتيال القيادي الفلسطيني حسن سلامة ،و سرقة أسرار السفارة الإيرانية في قبرص ، و مكاتب حزب الله في سويسرا واختطاف الخبير النووي، فعنونو من ايطاليا الى فلسطين االوسيلة الوحيدة لاسقاط العملاء هي الجنس حيث تقوم المجندات الصهيونيات بإغراء العملاء ثم ممارسة الرذيلة معهم ويقوم أفراد الموساد بتصويرهم في اوضاع فاضحة ويتم تهديدهم بها في حال محاولة رفض الأوامر ويطلق على المجندات الصهيونيات اسم ( سلاح النساء للتجسس) .
salih sam
لـــواء
الـبلد : المهنة : College studentالمزاج : اللهم سلم السودان و اهل السودان التسجيل : 09/05/2011عدد المساهمات : 7924معدل النشاط : 6296التقييم : 271الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
عالم لم تكن أشعة الشمس قد اشرقت بعد، على العاصمة الأميركية (واشنطن)، في تلك الفترة في اوائل خمسينات القرن العشرين، عندما توقفت ثلاث سيارات تابعة للمخابرات المركزية الأميركية، في ذلك الحي الراقي الهادئ من المدينة، وهبط منها خمسة عشر رجلاً، يحمل كل منهم مسدساً قوياً، وانتشروا بسرعة تشف عن الخبرة والمرونة، حول بناية أنيقة من ثلاثة طوابق، وهم ينتظرون اشارة من رئيسهم، الذي وصل في سيارة رابعة، هبط منها في سرعة ورشاقة، وهو يقول في حزم صارم: - الآن. فور اشارته وقوله، انطلق الرجال يقتحمون المبنى، في قوة وبراعة. وصمت أيضاً... كانوا فريقاً خاصاً للغاية، مدرب على الاقتحام والسيطرة، على يد خبراء ألمان، تم جلبهم إلى الولايات المتحدة الأميركية، بعد هزيمة (ألمانيا) النازية، في الحرب العالمية الثانية. وكانت مهمتهم محدودة تماماً. والمدهش أن هذه المهمة كانت تقتصر على اعتقال رجل واحد. رجل تؤكد كل ملفاته، وكل المعلومات التي تم جمعها عنه، انه لم يطلق رصاصة واحدة في حياته. بل لم يحمل قط أية اسلحة نارية. وعلى الرغم من هذا، فقد كان الرجل جاسوساً لم يشهد عالم الجاسوسية، في تاريخه كله، من هو أكثر خبرة وبراعة منه. وفي اهتمام مشوب بالتوتر، راح قائد فريق الرجال يراقب عملية الاقتحام، وهو يتحدث عبر جهاز اتصال لاسلكي ضخم، من الأجهزة التي كانت متوفرة في ذلك الحين، قائلاً لآخر في حزم: - يبدو أننا قد أوقعنا به يا سيدي. أجاب الآخر، عبر الجهاز نفسه، في عصبية واضحة: - إنني أبغض مصطلح (يبدو) هذا يا (مايكل)... إما أن تلقي القبض عليه فعلياً، أو تقول: إنك لم تفعل بعد. عضّ (مايكل) شفتيه في حنق، والتقط نفساً عميقاً، ليسيطر على أعصابه، قبل أن يجيب: - إننا في سبيلنا إلى هذا يا سيّد (سام). أجاب رجل المخابرات (سام) في خشونة: - أبلغني عندما يقع في قبضتكم فعلياً. غمغم (مايكل): - إنها مسألة وقت فحسب يا سيّد (سام). أجابه (سام) في لهجة يغلب عليها الغضب والسخط: - حقاً؟! ثم أنهى المحادثة في عنف، كما لو أنه يعتقد أن كل ما يحدث مجرد عبث... ولقد أحنق هذا (مايكل) بشدة، فلوح بيده، قائلاً في حدة، على الرغم من خفوت صوته: - أريده حياً. كان معظم رجاله داخل المبنى بالفعل، يقتحمون منزل الهدف، باستثناء مجموعة أحاطت بالمبنى من الخارج، إحاطة السوار بالمعصم، في تحفز تام، وعلى نحو يوحي بأن ذلك الشخص، الذي أتوا من أجله، شخص خطير للغاية، وأن الأوامر الصادرة تحتم الإيقاع به واعتقاله. وبأي ثمن. فعلى الرغم من الأوامر الصارمة المشددة، التي تطلب إنهاء العملية بأكبر قدر ممكن، من الحسم والهدوء، بدأت ضجة محدودة ترتفع من المكان، مما جعل (مايكل) يتساءل في عصبية: - ألم يوقعوا به بعد؟! لم تكد عبارته تكتمل، حتى شاهد مساعده يغادر المبنى، ويتجه نحوه مباشرة، بوجه شاحب ممتقع، وأمطار من العرق تغمر وجهه، مع برودة الطقس، في تلك الساعة المبكرة، فهتف به في عصبية، لم يستطع أو يحاول اخفاءها: - هل ظفرتم به؟! خيل إليه أن وجه الرجل قد ازداد امتقاعاً وشحوباً، وهو يهز رأسه في توتر مجيباً: - لم نعثر له على أدنى أثر. نتقل امتقاع الرجل إلى (مايكل)، الذي أصابه الجواب بصدمة عنيفة، جعلته يصرخ في ذعر مستنكر: - لم تعثروا على ماذا؟! ومع صرخته، قفز من أعماقه سؤال مفزع... كيف سيبلغ رئيسه بفرار الهدف، قبل أن يظفروا به؟! كيف؟! ومع توتره وعصبيته، تلفت حوله في حدة، وكأنما يتوقع رؤية الهدف، وهو يعدو هنا أو هناك. التقط من جيبه ذلك الأمر الرسمي، باعتقال الرجال، ولوح به، هاتفاً: - إنها ليست نهاية المطاف.. . انتشروا في المنطقة، وابحثوا عنه في كل مكان.. . لا تسمحوا له بالفرار أبداً. أطاع الرجال أوامره، وانتشروا على نحو منظم مدروس في شكل دائرة متزايدة الاتساع، للبحث عن الهدف، في حين تطلع (مايكل) إلى الورقة في يده، وهو يقول بتوتر وعصبية: - لن تفلت هذه المرة... لن تفلت أبداً. نطقها في مقت واضح، وكأنما يحمل في أعماقه ثأراً شخصياً، تجاه صاحب الصورة الملصقة بالأمر الرسمي، والذي يبدو في منتصف الأربعينات من عمره، وإلى جوار الصورة كان الاسم مدوّناً في وضوح. (جون كوبرن)... ولكن (مايكل) كان يعرف جيداً، كما يعرف رؤساءه، أن هذا ليس اسم الرجل الحقيقي. ويعرف كما يعرفون أيضاً أنه ليس أميركياً... ولكنه مثلهم، لا يعرف اسمه الحقيقي. أو جنسيته... أو أي شيء واضح عن هويته الحقيقية... كلهم لا يعرفون شيئاً عنه. على الإطلاق. نشير هنا إلى أن رجال المخابرات المركزية الأميركية قد قلبوا (واشنطن) كلها رأساً على عقب، بحثاً عن ذلك الجاسوس الغامض، دون أن يعثروا له على أدنى أثر. ولأن الأمر كان أخطر من أن يتم تجاوزه، فقد امتدت دائرة البحث بطول الشاطئ الشرقي للقارة الأميركية، ثم تجاوزتها إلى الغرب. باختصار، كل شبر أمكنهم الوصول إليه، قلبوه رأساً على عقب، دون أن يظفروا بأثر واحد، أو طرف خيط رفيع، يمكنهم الاستعانة به، للوصول إلى هدفهم العجيب، الذي اثبت، خلال ثلاثة أسابيع من البحث الدؤوب، أنه يستحق عن جدارة تلك الشهرة، التي فاقت الآفاق، باعتباره أكبر لغز عرفه عالم الجاسوسية منذ ابتدعه الفراعنة القدامى، وحتى يومنا هذا. وفي توتر بالغ، اجتمع مسؤول مكافحة الجاسوسية (سام برودريك) بمساعده (مايكل جوريل)، وبدا شديد العصبية، وهو يقول: - من المستحيل أن يحدث هذا! كيف يمكن أن يختفي شخص هكذا، دون أن يترك أدنى أثر؟! لقد كان يعمل لحسابنا، ولدينا ملف كامل عنه، يحوي صورته، وبصماته، وكل تفاصيل حياته، فكيف نفشل في العثور عليه، بعد كل هذا؟ صمت (مايكل) بضع لحظات، قبل أن يقول في حذر: - لقد راجعت ذلك الملف أمس، للمرة الخامسة، بعد أن فشلت في العثور على صاحبه تماماً، و... بتر عبارته دفعة واحدة، وامتلأت نفسه وملامحه بتردد بالغ، جعل (سام) يستحثه، قائلاً في عصبية: - وماذا؟! ازدرد (مايكل) لعابه في صعوبة، قبل أن يندفع قائلاً: - وفوجئت بأن كل بياناته زائفة... تماماً. وتفجرت عبارته في أذني (سام)، كألف ألف قنبلة... ففي جهاز مثل المخابرات الأميركية، تعتبر معلومة كهذه كارثة.. كارثة بلا حدود. من المؤكد، وفقاً للوثائق، أن أسوأ موقف واجهته المخابرات المركزية الأميركية، منذ مولدها، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، كان اكتشاف عملية تزوير وتزييف بيانات ذلك الجاسوس الغامض، الذي عرفوه باسم (جون كوبون). فباستثناء صورته، لم تكن هناك معلومة واحدة حقيقية، في الملف السري الخاص له، والمفترض أنه محفوظ تحت درجة من السرية، في قسم وثائق العملاء، في أعمق أعماق خزائن المخابرات! ولأن الأمر، على هذا النحو، لا يحتمل الاخفاء أو التهوين، فقد تم عقد اجتماع عاجل ومحدود، يضم مدير المخابرات المركزية، و(سام بروديك) و(مايكل جوريل)، في مكتب الأول، وتحت اقصى درجات التأمين والسرية، حيث تفجر السؤال الرئيس المخيف: كيف؟! كيف يمكن أن يحدث هذا، داخل قلعة يفترض مناعتها، مثل مبنى المخابرات المركزية الأميركية؟! وفي خزي واضح، أجاب (مايكل): - من الجلي أن عملية تزييف البيانات هذه لم تحدث قريباً، ولا بعد اختفاء (كوبرن)، وإنما حدثت، كما يؤكد الخبراء، بعد عمل الملف بأيام قليلة، وربما قبل حفظه في قسم الوثائق. بدا المدير شديد التوتر والعصبية، وهو يقول: - إذن فقد كان يدرك أن أمره سينكشف يوماً، ولقد استعد لكل الاحتمالات، حتى لا يمكننا العثور عليه. اندفع (سام) يقول في حدة: - بل الأمر أكثر خطورة من هذا، فبعد دراسة عميقة، تبين لنا أن الفرصة الوحيدة، لتبديل بيانات الملف، كانت اثناء وجوده في قسم المراجعة، وبالتحديد بعد الانتهاء من مراجعة بياناته، وقبيل نقلها إلى قسم الوثائق والملفات السرية مباشرة ، والمدهش أن الملفات يتم حفظها، في تلك المرحلة، داخل خزانة منيعة، ذات أرقام سرية، في قسم المراجعة، ووصوله إليها يعني أنه قد اخترق ثلاثة نظم أمنية على الأقل، وتعامل مع خزانة، كنا نظنها كالحصن الحصين. ثم التقط نفساً عميقاً، بعد أن أرهقه انفعاله الزائد، قبل أن يضيف، في عصبية بلا حدود: - باختصار... نحن أمام رجل غير عادي، مما يضع أمامنا احتمالاً أكثر خطورة. سأله المدير في حذر متوتر: - مثل ماذا؟! مال (سام) نحوه، وهو يجيب، بلهجة حملت كل انفعالاته: - أن يكون جاسوساً سوفييتياً فوق العادة. وعلى الرغم من ان المدير كان يتوقع مثل هذا الجواب، إلا أنه لم يكد يسمعه، حتى انتفض جسده كله في عنف، واتسعت عيناه عن آخرهما، وأصابته صدمة أشبه بالصاعقة، فانعقد لسانه لدقيقة كاملة، وهو يحدق في وجه (سام) قبل أن يتمتم بصوت مختنق: - جاسوس سوفييتي؟! تراجع (سام) وقال بصوت خافت، وقد أدرك ما فعلته كلماته بمديره: - إنه مجرد احتمال. رمق (مايكل) (سام) بنظرة متوترة، ثم قال في حسم: - والبحث لم يؤكد هذا الاحتمال بعد. اعتدل المدير بحركة حادة، قائلاً: - ولكنه احتمال وارد... ثم انعقد حاجباه في شدة، وهو يضيف في صرامة: - وخطير إلى أقصى حد. مط (مايكل) شفتيه، وقلب كفيه، وبدت عليه الحيرة، وهو يغمغم: - الواقع يا سيدي أن... لم يستطع إكمال عبارته، على الرغم من تطلع الرجلين إليه في اهتمام، فتراجع المدير مرة ثانية في مقعده، دون أن يرفع عينيه عن (مايكل)، ثم اشار إليه بيده، وهو يقول: - اهدأ يا رجل، وأخبرني... كيف كشفت هذا الأمر في البداية؟ التقط (مايكل) نفساً عميقاً، وحاول الاسترخاء في مقعده، وهو يلتقط من حقيبته ملفاً صغيراً، ويجيب في اهتمام: - لقد بدأ الأمر كله بصورة. ارتفع حاجبا المدير، وهو يكرر في مزيج من الدهشة والاهتمام: - صورة؟! فتح (مايكل) الملف والتقط منه صورة، وضعها أمام المدير، وهو يجيب في حزم: - نعم... هذه الصورة. هبط المدير بعينيه إلى الصورة، ولم يكد بصره يستقر عليها، حتى هوت على رأسه صاعقة أكثر عنفاً، وعاد جسده ينتفض في قوة، وهو يحدق في وجه (كوبرن) الذي بدا واضحاً، على نحو لا يقبل الشك. ولكن الواقع ان هذا الانفعال العنيف لم يكن بسبب الوجه فحسب... لقد كان بسبب الزي الذي يرتديه في الصورة. والشخص الواقف إلى جواره فيها أيضاً. فالزي، كان زي ضباط الجيش النازي، أما الشخص الواقف إلى جواره، فقد كان أخطر شخص عرفه العالم، منذ سنوات قليلة مضت. (هتلر)... (أدولف هتلر). شخصياً.
لم يغمض جفن لمدير المخابرات الأميركية المركزية،
في تلك الليلة، بعدما سمعه من (مايكل) عن ذلك الرجل، الذي عرفوه باسم (جون كوبرن)، والذي عمل لأكثر من عامين كاملين كعميل سري، لحساب الجهاز، وتحت اشرافه، فصحيح انه من الخطير جداً أن يكون ذلك الرجل جاسوساً سوفيتياً، ولكن من الأكثر خطورة أن يكون أحد النازيين، أو قادة الحرب الألمان، الذين انشغلت (أوروبا) كلها بالبحث عنهم وتعقبهم واصطيادهم، منذ وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وحتى تلك اللحظة. وفي توتر بالغ، وعلى الرغم من أن عقارب الساعة قد تجاوزت الثانية صباحاً، إلا أنه نهض من فراشه، متجاهلاً اعتراضات زوجته، وارتدى ثيابه، ثم اتصل برجليه (سام) و(مايكل) وطلب منهما موافاته في مكتبه فوراً. ولم يعترض أيهما، أو يناقش الأمر لحظة واحدة، لانهما يدركان دوافعه التي لا تختلف قط عن دوافعهما، فلم تمض نصف الساعة، حتى كان ثلاثتهم في مكتبه،
وهو يقول في عصبية:
- إنني لم أستطع النوم لحظة واحدة الليلة، فقد ظل ذهني يدرس الموقف، ويقلبه على كل الوجوه... اننا أمام احتمالين، لا ثالث لهما، فإما أن يكون ذلك الرجل نازياً قديماً، نجح في إخفاء شخصيته، أو لا يكون كذلك، و... تنحنح (مايكل) فجأة في توتر، فسأله المدير في عصبية أكثر: - ماذا هناك؟ أشار (مايكل) بيده، قائلاً: - لقد راجعت كل ملفات ضباط النازيين، الذين كانوا يحملون الرتبة التي يرتديها في الصورة، في تلك الفترة، ولكن هذا زاد من حيرتي وارتباكي بالفعل. سأله المدير، وهو يشعر بقبضة باردة تعتصر صدره: - ولماذا؟ أشار (مايكل) بيده مرة أخرى، وهو يقول: - لم يكن بينهم حتى من يشبهه. تراجع المدير بدهشة حقيقية، وهو يهتف: - مطلقاً؟! أجاب (مايكل) في حزم، وهو يخرج من ملفه أوراقاً جديدة: - لقد قررت إجراء عملية بحث واسعة النطاق، بعد لقائنا في مكتبك ظهر أمس يا سيدي... وعندما أعياني البحث، في ملفات قادة وضباط الجيش النازي القدامى، استعنت بأحد رجال المخابرات الألمانية السابقين، الذين نتعامل معهم، وما أن وضعت الصورة أمام عينيه، حتى تعرفها إلى الفور، وأكد لي، على نحو لا يتطرق إليه الشك، أن صاحب الصورة هو (فريدريش مانهايم) وأنه أحد المقربين بالفعل للفوهلر (أدولف هتلر) ولكنه لم يكن قط أحد ضباط الجيش. سأله المدير في لهفة: - ماذا كان إذن؟! ازدرد (مايكل) لعابه، قبل أن يجيب في حسم: - جاسوس. وكانت مفاجأة عنيفة... جديدة. كانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة وست وخمسين دقيقة، عندما دلف رجل المخابرات الألماني السابق (مارك هيس) إلى حجرة الاجتماعات الخاصة، في مبنى المخابرات الأميركية، ولقد بدا شديد التوتر، محتقن الوجه، بسبب استدعائه في هذه الساعة المبكرة، لذا فقد كانت أصابعه باردة كالثلج، وهو يصافح مدير المخابرات، الذي أشار إلى مقعد بعيد، قائلاً في هدوء، لم يخل من الصرامة والحزم: - اجلس يا سيد (هيس)... واهدأ.. . إننا نحتاج إلى معرفة بعض ما لديك من معلومات فحسب. جلس (هيس)، على المقعد الذي اشار إليه المدير، وهو يقول في توتر، لم يستطع كبحه أو كبته: - أنا رهن اشارتكم. تبادل الرجال الثلاثة نظرة صامتة، قبل أن يسأله (سام): - قل لي يا سيد (هيس): هل تعرف حقاً صاحب هذه الصورة القديمة؟! نطقها، وهو يدفع صورة (هتلر) و(كوبرن) إليه، فألقى عليها الألماني نظرة طويلة، قبل أن يقول في حسم، امتزج بتوتره: - بكل تأكيد. مال المدير إلى الأمام، ليسأله: - وكم تبلغ درجة تأكدك من شخصيته؟! صمت (هيس) وهو يزدرد لعابه، ويدير بصره بين ثلاثتهم، قبل أن يجيب في حزم: - مئة في المئة. تبادل الرجال الثلاثة نظرة صامتة أخرى، بدا المدير خلالها شديد التوتر، قبل أن يسيطر على مشاعره، ويتراجع في مقعده، قائلاً: - فليكن يا سيد (هيس)... ما دمت واثقاً من هوبة ذلك الرجل مئة في المئة، فلترو لنا كل ما تعرفه عنه، من خلال عملك السابق، في المخابرات الألمانية. أومأ (هيس) برأسه، وغمغم: - إنها قصة طويلة إلى حد ما. أشار (سام) بيده، وغمغم: - لا تقلق... لدينا كل ما يكفي من الوقت. عاد (هيس) يومئ برأسه، ثم التقط نفساً عميقاً، واستقر في مقعده، وبدأ يروي... انتشر الحماس للنازية، على نحو غير طبيعي، في تلك الفترة من أواخر ثلاثينات القرن العشرين، مع تلك الأزمة الاقتصادية العالمية، والحلم الوردي المفعم بالحماس والأمل، الذي حملته تلك الفكرة الجديدة. ومع صعود نجم (أدولف هتلر)، بدأ ملايين الشباب، في معظم بلدان (أوروبا)، يعتبرونه المثل الأعلى، والرمز الكبير للقوة، والتقدم، والتميز... وفي (المانيا) نفسها، ظهر المئات ممن تبنوا المبادئ النازية، ، واشتعلوا بها والتهبوا بحماسها
salih sam
لـــواء
الـبلد : المهنة : College studentالمزاج : اللهم سلم السودان و اهل السودان التسجيل : 09/05/2011عدد المساهمات : 7924معدل النشاط : 6296التقييم : 271الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
[center]وراحوا يقودون الباقين إلى ما يسعى اليه (هتلر) من تمهيد الساحة للحرب المقبلة، التي يعتزم بها السيطرة على (أوروبا) ثم العالم كله فيما بعد. ومن بين هؤلاء، كان (فريدريش مانهايم).. كان شاباً حماسياً، يهتف للنازية، ربما بمبالغة تفوق الوصف، ولكنها نجحت في لفت أنظار قيادات الحزب اليه، حتى تبوأ منصباً قيادياً فيه، مع أواخر الثلاثينات وقبيل شهر واحد من بدء المعمعة الكبرى. وعندما اندلعت الحرب، ومع استعادة (النمسا) ابدى ذلك الشاب المتحمس نشاطاً غير عادي، وايماناً يفوق المعتاد، بأهداف الحزب النازي، وقياداته، وزعيمه (هتلر)، حتى أن هذا الأخير قد شعر بالاعجاب وطلب جلبه إلى مقره الخاص في (برلين). وكعادة الفوهلر، لم يعرف أحد بالتحديد ما الذي دار بينه وبين (مانهايم)، ولكن اللقاء انتهى على نحو طيب بالتأكيد، فقد ربت (هتلر) على كتفه، قبل أن يصافحه مودعاً، وكانت هذه علامة على الرضا، كل الرضا، من زعيم (المانيا) النازية الأكبر. وعلى الرغم مما يوحي به الموقف من ثبات قدمي (مانهايم) في أساسيات الحزب النازي، بعد أمر كهذا، إلا أن كل من يتوقع هذا لا بد وأن يعيد حساباته، بعدما يضع على رأسها اسماً بالغ الأهمية في تلك الفترة، ولا يقل عن أهمية (هتلر) نفسه. (هملر)... قائد (الجستابو) والمخابرات.
فبطبيعة عمل (هملر) كان عليه أن يتيقن من هوية أي شخص، يقترب من الفوهلر أكثر مما ينبغي. لذا، فقد بدأ (هملر) تحرياته في اللحظة نفسها، التي خرج فيها (مانهايم) من حجرة مكتب (هتلر) الخاصة. وكإجراء روتيني، راح رجال المخابرات الألمانية يراجعون كل ما لديهم، عن (فريدريش مانهايم) قيادي الحزب النازي المتحمس، والذي يمتلكون ملفاً ضخماً عنه. وكان كل شيء على ما يرام... وفي التقرير الذي ارسلوه إلى قائدهم، كان (مانهايم) نازياً ممتازاً، لا غبار عليه، ولا خطر من وجوده إلى جوار (الفوهلر)... ومن بين من أعدوا ذلك التقرير، كان (مارك هيس) نفسه
كانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة وست وخمسين دقيقة، عندما دلف رجل المخابرات الألماني السابق (مارك هيس) إلى حجرة الاجتماعات الخاصة، في مبنى المخابرات الأميركية، ولقد بدا شديد التوتر، محتقن الوجه، بسبب استدعائه في هذه الساعة المبكرة، لذا فقد كانت أصابعه باردة كالثلج، وهو يصافح مدير المخابرات، الذي أشار إلى مقعد بعيد، قائلاً في هدوء، لم يخل من الصرامة والحزم: - اجلس يا سيد (هيس)... واهدأ.. . إننا نحتاج إلى معرفة بعض ما لديك من معلومات فحسب. جلس (هيس)، على المقعد الذي اشار إليه المدير، وهو يقول في توتر، لم يستطع كبحه أو كبته: - أنا رهن اشارتكم. تبادل الرجال الثلاثة نظرة صامتة، قبل أن يسأله (سام): - قل لي يا سيد (هيس): هل تعرف حقاً صاحب هذه الصورة القديمة؟! نطقها، وهو يدفع صورة (هتلر) و(كوبرن) إليه، فألقى عليها الألماني نظرة طويلة، قبل أن يقول في حسم، امتزج بتوتره: - بكل تأكيد. مال المدير إلى الأمام، ليسأله: - وكم تبلغ درجة تأكدك من شخصيته؟! صمت (هيس) وهو يزدرد لعابه، ويدير بصره بين ثلاثتهم، قبل أن يجيب في حزم: - مئة في المئة. تبادل الرجال الثلاثة نظرة صامتة أخرى، بدا المدير خلالها شديد التوتر، قبل أن يسيطر على مشاعره، ويتراجع في مقعده، قائلاً: - فليكن يا سيد (هيس)... ما دمت واثقاً من هوبة ذلك الرجل مئة في المئة، فلترو لنا كل ما تعرفه عنه، من خلال عملك السابق، في المخابرات الألمانية. أومأ (هيس) برأسه، وغمغم: - إنها قصة طويلة إلى حد ما. أشار (سام) بيده، وغمغم: - لا تقلق... لدينا كل ما يكفي من الوقت. عاد (هيس) يومئ برأسه، ثم التقط نفساً عميقاً، واستقر في مقعده، وبدأ يروي...
انتشر الحماس للنازية، على نحو غير طبيعي، في تلك الفترة من أواخر ثلاثينات القرن العشرين، مع تلك الأزمة الاقتصادية العالمية، والحلم الوردي المفعم بالحماس والأمل، الذي حملته تلك الفكرة الجديدة. ومع صعود نجم (أدولف هتلر)، بدأ ملايين الشباب، في معظم بلدان (أوروبا)، يعتبرونه المثل الأعلى، والرمز الكبير للقوة، والتقدم، والتميز... وفي (المانيا) نفسها، ظهر المئات ممن تبنوا المبادئ النازية، واشتعلوا بها والتهبوا بحماسها، وراحوا يقودون الباقين إلى ما يسعى اليه (هتلر) من تمهيد الساحة للحرب المقبلة، التي يعتزم بها السيطرة على (أوروبا) ثم العالم كله فيما بعد.
ومن بين هؤلاء، كان (فريدريش مانهايم).. كان شاباً حماسياً، يهتف للنازية، ربما بمبالغة تفوق الوصف، ولكنها نجحت في لفت أنظار قيادات الحزب اليه، حتى تبوأ منصباً قيادياً فيه، مع أواخر الثلاثينات وقبيل شهر واحد من بدء المعمعة الكبرى. وعندما اندلعت الحرب، ومع استعادة (النمسا) ابدى ذلك الشاب المتحمس نشاطاً غير عادي، وايماناً يفوق المعتاد، بأهداف الحزب النازي، وقياداته، وزعيمه (هتلر)، حتى أن هذا الأخير قد شعر بالاعجاب وطلب جلبه إلى مقره الخاص في (برلين). وكعادة الفوهلر، لم يعرف أحد بالتحديد ما الذي دار بينه وبين (مانهايم)، ولكن اللقاء انتهى على نحو طيب بالتأكيد، فقد ربت (هتلر) على كتفه، قبل أن يصافحه مودعاً، وكانت هذه علامة على الرضا، كل الرضا، من زعيم (المانيا) النازية الأكبر. وعلى الرغم مما يوحي به الموقف من ثبات قدمي (مانهايم) في أساسيات الحزب النازي، بعد أمر كهذا، إلا أن كل من يتوقع هذا لا بد وأن يعيد حساباته، بعدما يضع على رأسها اسماً بالغ الأهمية في تلك الفترة، ولا يقل عن أهمية (هتلر) نفسه. (هملر)... قائد (الجستابو) والمخابرات. فبطبيعة عمل (هملر) كان عليه أن يتيقن من هوية أي شخص، يقترب من الفوهلر أكثر مما ينبغي. لذا، فقد بدأ (هملر) تحرياته في اللحظة نفسها، التي خرج فيها (مانهايم) من حجرة مكتب (هتلر) الخاصة. وكإجراء روتيني، راح رجال المخابرات الألمانية يراجعون كل ما لديهم، عن (فريدريش مانهايم) قيادي الحزب النازي المتحمس، والذي يمتلكون ملفاً ضخماً عنه. وكان كل شيء على ما يرام... وفي التقرير الذي ارسلوه إلى قائدهم، كان (مانهايم) نازياً ممتازاً، لا غبار عليه، ولا خطر من وجوده إلى جوار (الفوهلر)... ومن بين من أعدوا ذلك التقرير، كان (مارك هيس) نفسه
، والذي أدهشه ان يتلقى من قائده (هملر) تقريراً سرياً، رداً على تقرير فحص ملف (مانهايم) يطالبه فيه بتعيين رجلين لمراقبة الشاب طوال الوقت، لحين صدور اوامر أخرى. ولأن موقع (هيس) لم يكن يسمح له بالمناقشة، فقد نفذ تعليمات قائده، وأرسل رجلين لمراقبة (مانهايم) طوال الأربع والعشرين ساعة. ولم يختلف تقرير الرجلين عن نتائج فحص الملف... التزام تام، وإيمان مطلق بمبادئ الحزب، وحماس شديد لكل قرار يصدره الفوهلر، الذي بدأ يجتاح (أوروبا) بقواته بلا رحمة، محققاً انتصارات ضاعفت من شعبيته وزعامته. ومع تلك الانتصارات، وما أعقبها من نشاط جم، في حركة الجاسوسية، والجاسوسية المضادة، لم يعد هناك وقت أو رجال، لمراقبة أشخاص عاديين، مثل (فريدريش مانهايم)، لذا فقد صدرت الأوامر بإيقاف المراقبة فوراً. ومن المؤكد أن (مانهايم) كان غاية في البراعة والذكاء، فقد أدرك فوراً أن المراقبة قد انتهت، وأن أحداً لم يعد يتبعه، أو يحصي عليه حركاته وسكناته، فبدأ تحركاته على الفور، وطلب لقاء الفوهلر شخصياً لعرض خدماته، وأفكاره الخاصة بتطورات الحرب. والعجيب أن (هتلر) قد سمح له بالمقابلة، على الرغم من دقة الموقف حينذاك، بل التقى به وحدهما لنصف ساعة كاملة، قبل أن يستدعي (هملر) وترتسم على شفتيه ابتسامة واسعة، وهو يربت على كتف (مانهايم) مرة أخرى قائلاً في حزم وحماس: - استعن بهذا الشاب يا (هملر)... إن لديه بعض الأفكار المدهشة، في عالم التجسس. ولم يرق هذا لقائد (الجستابو) والمخابرات فهي أول مرة يدفع فيها (الفوهلر) شخصياً بأحد الرجال اليه، ولكنه، وعلى الرغم من هذا، كان مضطراً لتنفيذ اوامر الفوهلر على مضض، وضم (فريدريش مانهايم) إلى جهاز المخابرات الألماني، وهو يسأله في غيظ: - ترى ما تلك الأفكار المدهشة، التي بهرت بها الفوهلر؟ ابتسم (مانهايم) في هدوء، وهو يجيب: - لست أظنها مدهشة إلى هذا الحد. ثم راح يروي ما لديه، ويطرح أفكاره، على أذني عبقري المخابرات الألماني الشهير.. وانبهر الرجل بالفعل... فالشاب كان لديه فيض من الافكار والمعلومات التي تشف عن عبقرية مبدعة في هذا المضمار، حتى انه لم يكد ينتهي مما لديه، حتى قال (هملر) في حزم: - لو أنك تجيد بعض اللغات الأوروبية، فسنستعين بك في عملية قريبة. أجابه الشاب، في هدوء وحزم: - إنني أجيد ست لغات أوروبية، بخلاف الألمانية. وهكذا تقرر إرسال (فريدريش مانهايم) إلى (انجلترا) في مهمة خاصة بجمع المعلومات والتجسس، وتم منحه رتبة كولونيل قدمها له الفوهلر بنفسه، في الصورة التي عثر عليها (مايكل)، وسافر (مانهايم) بالفعل إلى (لندن)، ولم يكد يبلغها، عن طريق (بازل) في (سويسرا)، حتى أجرى اتصالاً مباشراً، مع آخر جهة يمكن أن تخطر ببال (هملر) ورجاله... بالمخابرات البريطانية... مباشرة. خيم وجوم ثقيل على حجرة الاجتماعات الخاصة، في مبنى المخابرات المركزية الأميركية، والرجال الثلاثة يحدقون في وجه (هيس)، رجل المخابرات الالماني السابق، قبل أن يتراجع مدير المخابرات في مقعده، ويسأله في اهتمام: - هل كان يعمل لحساب البريطانيين؟ التقط (هيس) نفساً عميقاً، وقلب كفه، وهو يقول: - هذا ما تصورناه، عندما بلغنا الأمر في البداية، ولكن (هملر) كان له رأي آخر. سأله (سام): - أي رأي هذا؟! أجاب (هيس) في سرعة: - أن (مانهايم) يخدع البريطانيين. سأل (مايكل) في دهشة: - يخدعهم بذهابه إليهم مباشرة؟ أومأ (هيس) برأسه ايجابياً، قبل أن يقول: - نعم، فالخطة التي ذهب بسببها (مانهايم) إلى (انجلترا) ، كانت التظاهر بأنه نازي منشق، يسعى للعمل لحسابهم. قال المدير في حدة: - هذا لا يعني أن يتصل بهم مباشرة. هز (هيس) كتفيه، وقال: - هذا أدهش الجميع في الواقع، حتى (هملر) نفسه، ولكنني علمت فيما بعد، أن الفوهلر لم يكد يسمع ما حدث، حتى قهقه ضاحكاً، وقال في إعجاب: ألم أقل لكم ان لدى ذلك الشاب أفكاراً مدهشة؟! تبادل الرجال الثلاثة نظرة شك حذرة، ثم قال (مايكل): - ولكن هذا غير منطقي، فلو أتى سوفييتي إلينا الآن، وقال إنه شيوعي منشق، ويرغب في العمل لحسابنا، سنتعامل معه بمنتهى الشك والحذر. أسرع (سام) يقول: - ولكننا لن نضيع الفرصة، لو أنه يحتل موقعاً حساساً هناك. انعقد حاجبا (مايكل) بضع لحظات، وهو يحاول تقييم الموقف من منظوره الشخصي. قبل أن يغمغم: - بالتأكيد. أومأ المدير برأسه، متفهماً الأمر، ثم اشار بيده إلى (هيس)، قائلاً في حزم يمتزج باللهفة: - هيا... أكمل يا رجل. غمغم (هيس): - كنت أنتظر أوامركم... ثم عاد يكمل روايته...
لم يكد (مانهايم) يجري اتصاله بالمخابرات البريطانية، الخاصة بالجاسوسية خارج الحدود، والمعروفة باسم (المكتب السادس) أو (MI6)، حتى تم تحديد موعد لمقابلته، في مكتب تابع للمخابرات في قلب (لندن). ولأن البريطانيين حذرون وبيروقراطيون إلى أقصى حد، فإن تلك المقابلة قد اندرجت تحت بند السرية المطلقة ، بحيث لم يعلم مخلوق واحد، بخلاف المعنيين بالأمر، بما دار فيها. ولكن (مانهايم) لم يغادر ذلك المكان لخمسة أيام كاملة... خمسة أيام، انقطعت خلالها أخباره تماماً، ولم يعلم أحد ماذا يحدث له خلالها، حتى ظهر فجأة في (سويسرا) وهو يستقبل القطار، عائداً إلى (برلين). وفي (برلين)، تم استقباله في حفاوة، من قبل رجال المخابرات الألمانية، وكان (هيس) أحد الذين رافقوه إلى مقر الفوهلر مباشرة ، حيث كان بانتظاره (هملر) بنفسه أيضاً. ولقد استغرقت تلك المقابلة ثلاث ساعات كاملة، طلب (هتلر) خلالها عدم إزعاجه، أياً كانت الأسباب. ومن الواضح أنها كانت مثمرة للغاية، فمنذ ذلك الحين، بدأ (فريدريش مانهايم) رحلاته المنتظمة، من (برلين) إلى (لندن) وبالعكس، تحت سمع وبصر الطرفين، المخابرات البريطانية والألمانية. باختصار، كان جاسوساً مزدوجاً. وعلى أعلى درجة من الأهمية والخطورة. وانبهر (هملر) ومن بعده الفوهلر، بكم المعلومات التي كان يجلبها (مانهايم) في كل مرة، مع رحلة عودته من (لندن)، وتم انشاء مكتب كامل، لتحديد المعلومات التي ينبغي مده بها، حتى يكتسب ثقة الجانب البريطاني، ويواصل عمله وتعاونه معهم بنجاح. ورويداً، رويداً راح (مانهايم) يكتسب امتيازات خاصة، في جهاز المخابرات الألماني، باعتباره درة جواسيسهم، وأحد أهم رجالهم وعيونهم، في قلب (بريطانيا)، التي اعتبر (هتلر) احتلالها هو هدفه الأسمى، بعد سقوط (باريس). ولثقته في عبقريته وذكائه، كان (هتلر) يستعين برأيه، في بعض الأمور الخاصة بتحركات الجيش، ويعهد إليه أحياناً بدراسة بعض العمليات المهمة، على جبهات القتال المختلفة. حتى وصلت تلك البرقية الشفرية العاجلة من (لندن). برقية من جاسوس بريطاني، نجحت المخابرات الألمانية في تجنيده، داخل المكتب السادس نفسه. برقية تحمل عبارة واحدة، هوت على رؤوس الجميع كالصاعقة... (فريدريش مانهايم) يخدعكم، ويعمل فعلياً لصالح البريطانيين. لحظتها، كان (مانهايم) في مهمة عمل في (انجلترا) بالفعل ، ولكن (هملر) استقبل الخبر في ذهول، وأسرع يبلغه إلى (هتلر)، الذ استنكره بشدة في البداية، واعتبره مجرد حماقة من ذلك الجاسوس البريطاني، الذي لم يستطع فهم لعبة (مانهايم) العبقرية. وهنا اقترح (هملر) أمراً حاسماً. إعادة مراجعة ملف (مانهايم). وبمنتهى الدقة. ومع تلك الشكوك الخطيرة، بدأت عملية مراجعة الملف، على نحو مختلف تماماً، عما حدث في كل المرات السابقة. وكان (هيس) أيضاً أحد الذين أسند إليهم الأمر. ولأن (هيس) لم يكن يشعر بالارتياح تجاه (مانهايم) من البداية، فقد راح يراجع الملف بمنتهى الدقة، ويتأكد من صحة كل حرف منه، و.. وكانت في انتظاره مفاجأة. مفاجأة مدهشة.
توقف (هيس) عند هذه النقطة ليلتقط أنفاسه، ولكن عبارته الأخيرة كانت قد ألهبت حماس الرجال الثلاثة، فهتف (سام) بمنتهى الدقة: - أية مفاجأة تلك؟! هز (هيس) رأسه، وأجاب: - إن تاريخ (مانهايم) لم يبدأ، إلا منذ أبدى حماسته للمبادئ النازية. سأله (مايكل) في حذر: - ماذا تعني؟! أجاب (هيس)، وقد تلاشت كل تواتراته: - إننا لم نعثر له على تاريخ سابق لهذا.. .لا محل ميلاد، أو أهل، أو أقارب، أو حتى شهادات دراسية سابقة صحيحة.. . باستثناء صورته. شهق مدير المخابرات، قبل أن يهتف: - أيضاً؟! لم يفهم (هيس) ما عناه المدير، ولكنه أشار بيده، متابعاً في حزم: - باختصار وبساطة... (فريدريش مانهايم) لم يكن له وجود حقيقي، في تاريخ المدينة الألمانية.. . الاسم نفسه كان زائفاً تماماً. سأله (سام): - هل كان يخفي اسمه الحقيقي؟! هز (هيس) رأسه في حزم، ثم مال نحوهم، مجيباً: - بل كان يخفي هويته الحقيقية. أطل تساؤل قلق من عيون ثلاثتهم، فأضاف بمنتهى الحسم: - (فريدرش مانهايم) لم يولد على أرض (المانيا)، ولم يكن المانياً... أبداً. وهبطت قلوبهم من هول المفاجأة. نهض رجل المخابرات البريطاني العتيق (ستيوارت)، والذي يحمل لقب (سير)، بسبب منجزاته المدهشة، خلال الحرب العالمية الثانية ليستقبل (مايكل جوريل)، رجل المخابرات الأميركي، وليصافحه في برود انجليزي، مع ابتسامة باهتة، وهو يقول في حذر تلقائي: - مرحباً بك في (لندن) يا مستر (جوريل)... أبلغوني أنك قد طلبت مقابلتي شخصياً بشأن بعض الاستشارات، في عالم الجاسوسية. صافحه (مايكل)، وهو يبذل قصارى جهده ليبتسم قائلاً: - هذا صحيح يا سير (ستيوارت) فتاريخك في هذا العالم يعد مرشداً لنا. ظلت ابتسامة سير (ستيوارت) باهتة باردة، وهو يدعوه الى الجلوس، قائلاً في لهجة لا تنتمي بأي حال من الأحوال إلى التواضع: - هذا أمر طبيعي، فجهاز مخابراتكم يعد وليداً حديثاً في هذا العالم، بالنسبة لجهاز مخابراتنا العريق. غمغم (مايكل) وهو يخفي حنقه: - بالتأكيد. جلس الاثنان، أمام بعضهما البعض، وغلفهما صمت ثقيل لبضع دقائق، بدا خلالها وكأن كلاً منهما ينتظر اشارة من الآخر لبدء الحديث، حتى قال سير (ستيوارت) بهدوئه البارد المستفز: - حسناً... ماذا هناك؟! لم ينبس (مايكل) ببنت شفة، لإجابة تساؤله، وانما فتح حقيبته، والتقط منها ملف (كوبرن)، وانتزع منه صورة هذا الأخير، ليدفعها أما سير (ستيوارت) في صمت كامل. ولثوان، تطلع سير (ستيوارت) إلى الصورة، دون أن يبدو على ملامحه أي انفعال، قبل أن يرفع عينيه إلى (مايكل)، متسائلاً: - ما المطلوب بالضبط؟! ازدرد (مايكل) لعابه، وهو يسأله في انفعال، لم يدر له سبباً لحظتها: - هل تعرف صاحب هذه الصورة؟! أومأ سير (ستيورات) برأسه إيجاباً، وهو يقول، بلهجة خلت من أية انفعالات: - بالتأكيد. سرت ارتجافة في جسد (مايكل)، وهو يسأل: - ما اسمه اذن؟! صمت سير (ستيوارت) بضع ثوان، وملامحه الباردة ما زالت خالية من أي تعبيرات، ثم لم يلبث ان قال: - (جراي)... (جيمس جراي)... كان الجواب مفاجئاً لرجل المخابرات الأميركي الذي هتف بكل مشاعره: - (جراي)؟!... أتعني أنه انجليزي؟! أجابه سير (ستيوارت) في حذر، وهو يزن كل حرف من كلماته: - كيف يبدو لك الاسم؟! كان جواباً غير مباشر، أثار حنق (مايكل)، فتساءل في حدة واضحة: - بمعنى أدق... هل كان يعمل لحسابكم؟! صمت سير (ستيوارت) بضع ثوان أخرى، قبل أن يجيب: - إلى حد ما. وهنا فاض الكيل برجل المخابرات الأميركي، الذي ترك وطنه، وطار لعشر ساعات فوق المحيط لتعقب تلك المعلومة، ثم ارتطم بذلك الجدار البريطاني الثلجي فهتف في غضب: - سير (ستيوارت)... مع احترامي الشديد لتاريخك الطويل، إلا أن هذا الأمر يمثل بالنسبة لنا أهمية بالغة، ولقد حملت لك خطاباً من رؤسائك، يطالبونك فيه بالتعاون معنا، بقدر المستطاع، ولقد انتهت الحرب، ووضعت أوزارها، منذ بضع سنوات، ونحن أمام موقف لا يحتمل التهاون أو التأخير، فهل يمكنك أن تبدي التعاطف والتعاون؟! لم تحمل ملامح سير (ستيوارت) أية انفعالات، على الرغم من غضب (مايكل) وثورته، وانما ظل يتطلع إلى هذا الأخير لبعض الوقت في برود، قبل أن يقول في هدوء مستفز: - (جيمس جراي) شاب مغامر، عمل لبعض الوقت كمراسل صحفي لجريدة (صنداي تايمز)، وكان يرسل مقالاته من أماكن شتى في (أوروبا) قبل أن يستقر به المقام في (برلين)، في النصف الثاني من الثلاثينات. سأله (مايكل) في لهفة: - وماذا كان يفعل هناك؟! هز سير (ستيوارت) رأسه، قائلاً: - لقد انتحل شخصية المانية، وراح يرسل إلى الجريدة كل بيان أو قرار يصدره الحزب النازي هناك... بل انضم بهويته الألمانية الزائفة، إلى الحزب، وتقدم وترقى فيه، حتى لقد تصورنا في بعض الأوقات انه يخفي في اعماقه روحاً نازية متعصبة. اعتدل (مايكل) في مقعده، وهو يسأل في اهتمام: - كنتم تتابعون نشاطه إذن؟ لوح الرجل بأصابعه، قائلاً: - ليس على النحو الذي تتصوره، فقد كان بالنسبة لنا مجرد مراسل صحفي غير مستقر، ولا يمثل خطراً على أمتنا، لذا فقد كنا نراجع ما يرسله من تقارير فحسب، حتى انقطعت أخباره وتقاريره لبعض الوقت، فتصورنا أنه سئم الموقف كله. صمت لحظة، ثم تراجع في مقعده، وقال في هدوء، لم يتفق أبداً مع عبارته: - ثم كانت المفاجأة. هوى قلب (مايكل) بين قدميه، وهو يتساءل بصوت مبحوح: - أية مفاجأة؟! عادت تلك الابتسامة الباهتة إلى شفتي البريطاني، وهو يقول: - سأخبرك... وراح يروي ما لديه...
كان يوماً انتشر فيه الضباب كالمعتاد في العاصمة البريطانية (لندن) عندما ارتفع رنين جرس هاتف مكتب (ستيوارت)، فالتقط سماعته في آلية، وقال ببروده الشهير: - ماذا هناك؟! أتاه صوت أحد مساعديه، قائلاً: - سيدي... هناك مراسل صحفي اتصل بمكتبنا الرئيس ، وطلب تحديد موعد عاجل مع أحد المسؤولين. سأله (ستيوارت): - لأي سبب؟!أجابه في سرعة: - إنه عائد على التو من (برلين). التقى حاجبا (ستيوارت) وتوقف لثوان قليلة أمام تلك المعلومة الخطيرة، في زمن اشتعلت فيه حرب عنيفة، بين (المانيا) و(بريطانيا)، ثم لم يلبث ان سأل في هدوء عجيب: - ما اسم ذلك المراسل الصحفي؟! أجابه مساعده: - (جراي)... (جيمس جراي). ولم يكد الرجل يذكر الاسم، وقبل حتى أن تكتمل حروفه، قال (ستيوارت): - احضره إلى مكتبي فوراً. استغرق وصول (جراي) إلى مكتب (ستيوارت) نصف ساعة، كان الأخير قد راجع خلالها كل ما يحويه ملف الأول بمنتهى الدقة، قبل أن يستقبله بالهدوء الشهير، ويصافحه، قائلاً: - مرحباً بك في (لندن) يا مستر (جراي)... كنا نتصور ان الاقامة في (برلين) قد راقت لك. وبدلاً من أن ينفي (جراي) هذا أو يستنكره، ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة، وقال في بساطة: - هذا أمر طبيعي، فأنا أحتل هناك منصباً ممتازاً الآن. ثم جلس، وتطلع إلى عيني (ستيوارت) مباشرة، مكملاً: - المخابرات الألمانية. ولأول مرة في حياته، لم يستطع (ستيوارت) كتمان دهشته، التي هشمت برود ملامحه لبتقليدي ، واحتلت ملامحه في وضوح، وهو يحدق في وجه (جراي)... فما قاله ذلك الشاب كان يشف عن جرأة مدهشة... وبلا حدود. من الواضح ان جرأة (جراي)، واسلوبه المباشر، قد أربكا البريطانيين، وأثارا ارتباكهما بشدة، وعلى نحو غير مسبوق، فعلى الرغم من تاريخهم الطويل، في عالم الجاسوسية، لم تصادفهم قط حالة كهذه. حالة شخص يأتي إليهم بقدميه، ليعلن أنه يعمل لحساب جهاز مخابرات معاد... ليس كعميل أو جاسوس تقليدي... ولكن كضابط... ضابط في مخابرات النازي... ولو ان ضابطاً آخر، في موضوع (ستيوارت)، واجه هذا الموقف، لوثب من مقعده، وسحب مسدسه في وجه (جراي)، الذي لم تفارقه ابتسامته لحظة واحدة، ورجل المخابرات البريطاني يحدق في وجهه بدهشة، قبل ان يستعيد هدوءه الاسطوري، ويقول: - فليكن... ماذا تريد منا إذن؟! تجاهل (جراي) السؤال تماماً، وهو يقول: - المخابرات النازية ارسلتني إلى هنا لخداعكم، واقناعكم بأنني نازي منشق، يسعى للعمل لحسابكم. تراجع (ستيوارت) في مقعده، وهو يتطلع إليه في صمت، قبل أن يقول بلهجة جديدة، اخترقت فيها الصراحة بروده الشهير: - وهل تعتقد ان هذا امر هين؟! لم ترق له أبداً ابتسامة (جراي)، وهو يقول في هدوء نافس هدوءه: - أنت تعلم مثلي أن كل شيء ممكن في هذا العالم. وصمت لحظة، ثم أضاف، وابتسامته تتسع: - لو انك أدرت اللعبة على نحو سليم. تلك العبارة أقلقت (ستيوارت) بشدة، وبدت بالنسبة له اشبه بتحد سافر مباشر، جعله يتطلع إلى عيني (جراي) لبضع لحظات، قبل أن يقول في بطء وهدوء: - بالتأكيد. قالها، ومال نحو (جراي)، مستطرداً في حزم: - هيا... هات ما لديك يا مستر (جراي)... كلي آذان صاغية. ومنذ تلك اللحظة، بدأت عملية استجواب وتدريب (جيمس جراي)، للعمل لحساب المخابرات البريطانية. وهكذا حظي ذلك الشاب بأمر لم يحظ به غيره، عبر تاريخ الجاسوسية كله... تدرب على يد المخابرات النازية... واتقن على يد المخابرات البريطانية... ولو اضفنا هذا وذلك إلى ذكائه الشديد، وعبقريته، وعشقه للمغامرة، لبرز أمامنا جاسوس لا مثيل له... جاسوس مغامر إلى أقصى حد. بل مغامر بلا حدود...
توقف سير (ستيوارت) في روايته عند هذا الحد، وتسللت إلى شفتيه ابتسامة، وهو يتطلع إلى تلك الدهشة المتوترة، على وجه (مايكل) قبل أن يقول: - ماذا هناك بالضبط؟! أجابه (مايكل)، وقد بدت لهجته حادة أكثر مما ينبغي: - إذن فقد سمحتم له بالتعاون معكم! قلب سير (ستيوارت) كفه، قائلاً: - كانت فرصة لا يمكن أن نضيعها. ثم مال نحوه، مضيفاً: - ثم اننا أجرينا تحرياتنا عنه. انتشلت العبارة (مايكل) من توتره، فهتف في لهفة: - إذن فقد تأكدتم من هويته. تردد سير (ستيوارت) لحظة ثم قال: - تحرياتنا توافقت مع ما أخبرنا به، فهو لقيط مجهول النسب، نشأ في دار للرعاية، تتبع الكنيسة في (لي
salih sam
لـــواء
الـبلد : المهنة : College studentالمزاج : اللهم سلم السودان و اهل السودان التسجيل : 09/05/2011عدد المساهمات : 7924معدل النشاط : 6296التقييم : 271الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
قبل أن يقول، وقد استعاد بروده: - ربما الآن، أما أيامها.. فقد اغضبني ما فعله بشدة. ارتفع حاجبا (مايكل) في دهشة، وهو يتساءل: - ولماذا يغضبك هذا؟! ألم يكن يعمل لحسابكم؟! أومأ سير (ستيوارت) برأسه ايجاباً، وقال: - بلى، وكان مخلصاً في عمله للغاية ايضاً، ولكن... بتر عبارته في تردد واضح، أشعل لهفة (مايكل) مرة أخرى، وهو يسأل: - ولكن ماذا؟! كان قلبه يشعر ان القصة لم تنته بعد، لذا فقد ارهف سمعه جيداً وسير (ستيوارت) يقول: - على الرغم من انتظام عمل (جراي)، إلا انه كانت هناك فترات محيرة، يختفي فيها من (برلين)، دون أن يظهر في (لندن)، وهذه الفترات كانت تبلغ اسبوعاً أو اسبوعين في المتوسط مما اثار شكوكي بشأنه، ودفعني للذهاب إلى دار الرعاية، التابعة لتلك الكنيسة في (ليفربول) للتحري عن تاريخه، على نحو اكثر دقة. اعتدل (مايكل) في مقعده بحركة حادة، وهو يهتف في انفعال: - ولم تجد اسم (جيمس جراي) في سجلاتها. هز البريطاني رأسه، قائلاً: - بل وجدته. كاد (مايكل) يسترخي في مقعده، لولا ان مال سير (ستيوارت) نحوه، وأضاف في حزم: - ولكنه لقي مصرعه، في الثانية عشرة من عمره. وانتفض (مايكل) على مقعده... بمنتهى العنف أغمض رجل المخابرات الأميركي (مايكل جوريل) عينيه ، محاولاً الاسترخاء في مقعده، داخل السفينة الفرنسية الأنيقة، التي تعبر به بحر (المانش) وهو يستعيد حديثه مع رجل المخابرات البريطاني سير (ستيوارت) في مكتب هذا الأخير. كان سير (ستيوارت) يروي له كيف كشف ان ذلك الجاسوس الغامض، الذي عرفوه في المخابرات الأميركية باسم (جون كوبرن)، قد انتحل شخصية لقيط بريطاني، واسمه وهويته، بعد أن اخفى شهادة وفاته، وكيف نجح في استغلال ذلك إلى أقصى حد، حتى صار يعمل لحساب المخابرات البريطانية والنازية في آن واحد. لحظتها هتف (مايكل) بكل دهشته وتوتره: - ياللجرأة.. . كيف يمكن أن يفعل هذا، دون ان يرف له جفن؟ أشار سير (ستيوارت) بيده، قائلاً: - لقد طرحت على نفسي السؤال ذاته، وأنا أنتظر ظهوره، بعد واحدة من فترات اختفائه الغامضة ، ولقد قررت ان القي القبض عليه فور عودته، وان استجوبه، واعتصره اعتصاراً، حتى أظفر بالحقيقة كلها. سأله (مايكل): - وهل فعلت؟! هز سير (ستيوارت) رأسه نفياً، وقال: - إنه لم يعد أبداً. حدق (مايكل) في وجهه بتلك الدهشة، مغمغماً: - تلك العبقرية؟! أشار سير (ستيوارت) بسبابته، قائلاً: - أو غريزة الشعور بالخطر. وتراجع في مقعده، وصمت بضع لحظات، ثم قال في حزم: - ولكن اختفاءه لم يمنعني من استكمال تحرياتي، عن فترات اختفائه الغامضة السابقة. سأله (مايكل) في لهفة: - وهل توصلت إلى شيء؟ مط سير (ستيوارت) شفتيه، وتمتم: - ليس من خلال تحرياتي. سأله في حيرة: - من خلال ماذا إذن؟! ازداد وجه سير (ستيوارت) احمراراً، وكأنما يخجل من الإجابة، ثم لم يلبث أن اشاح بوجهه ، متمتماً: - بالمصادفة البحتة. حمل صوت (مايكل) لمحة من الشماتة، وهو يقول: - حقاً. تجاهل سير (ستيوارت) التعليق تماماً، وتابع وكأنه لم يسمعه: - كنا قد بدأنا تعاوننا مع الفرنسيين، استعداداً لشن حرب التحرير الشاملة، وكنت على موعد مع (شارل بييه) أحد كبار القادة الفرنسيين، وعلى مكتبي، تركت صورة للشاب، وما أن دخل (شارل) إلى مكتبي وألقى نظرة عليها، حتى امتلأ وجهه بابتسامته، وهو يقول: " من الواضح أنكم تتابعون حركة المقاومة الفرنسية باهتمام "، وعندما سألته عما يعنيه، أشار إلى صورة الشاب، وهو يقول بابتسامة أكبر: " الأمر واضح... أنت تضع على مكتبك صورة (موريس فرانسوا)... أحد أبرز زعماء المقاومة في (باريس)... ". شهق (مايكل) عندئذ، وكان صوته يشبه الصراخ، وهو يقول: - فرنسي؟! أهو فرنسي؟! تنهد سير (ستيوارت)، وقال: - لقد تصورت في البداية أن (شارل) قد أخطأ تمييز الشاب، فأطلعته على الصورة أكثر من مرة، وهو يؤكد في كل مرة أنها صورة (موريس فرانسوا)، زعيم المقاومة الفرنسية. جلس (مايكل) على مقعده شاحباً ممتقعاً كالموتى، وهو يردد: - مستحيل! لايمكن أن يكون بهذه البراعة. أمال سير (ستيوارت) رأسه، وهو يقول: - ولكنه كذلك بالفعل. (فرنسا) أيها السادة... انتزع النداء (مايكل) من ذكرياته القريبة، ففتح عينيه، واعتدل في مجلسه، والتقط معطفه وحقيبته، وغادر السفينة على الشاطئ الفرنسي، حيث استقبله رجل مسن ونحيل، أشيب الشعر، منحه ابتسامة كبيرة، وهو يقول بلغة انجليزية سليمة: - مسيو (مايكل)... أنا (بييه)... (شارل بييه)، من المخابرات الفرنسية. صافحه (مايكل) في حرارة، وهو يقول: - شكراً لاهتمامك بمقابلتي يا مسيو (بييه)... لن أزعجك كثيراً، فأنا هنا لمهمة محدودة. ابتسم (شارل) وهو يميل نحوه، قائلاً: - (موريس فرانسوا)... أليس كذلك؟! أومأ (مايكل) برأسه ايجاباً، وقال: - بلى... أريدك أن تخبرني كل ما تعرفه عنه. تطلع إليه (شارل) بضع لحظات في صمت، ثم جذبه من ذراعه، وراحا يسيران جنباً إلى جنب، بمحاذاة الشاطئ، وهو يقول: - الواقع أنه لا أنا ولا أحد غيري يعرف الكثير عن (فرانسوا)... لقد كان واحداً من زعماء المقاومة الفرنسية، الذين ظهروا على الساحة، بعد الاحتلال النازي، وفي تلك الآونة لم يكن أحد يهتم بأصل الأشخاص والأشياء، ولكنه كان شاباً عبقرياً متميزاً، يتعقب النازيين، ويشن عليهم غارات قوية عنيفة ناجحة... كان يعرف مواقعهم، وتحركاتهم، وسكناتهم، وحتى ضباطهم، وكأنه واحد منهم، وكان شديد الجرأة، موهوباً في القيادة، حتى انه خلب لب شباب المقاومة، وأثار حماسهم، وأصبح رمزاً لهم... الشيء الوحيد، الذي كان يحير الكل، هو أنه كان يختفي طويلاً، ثم يظهر فجأة، ويحمل إليهم الأخبار والذخائر، من خلف خطوط العدو لا أحد يعلم كيف كان يغادر (فرنسا) أو يعود إليها، أو كيف كان يعرف كل ما يعرفه... ثم انه كان يعود في كل مرة بخطة مدهشة، يدرسها مع رجاله، ثم يقودهم في غارة ناجحة، تكبد النازيين خسائر فادحة، وتثير غضبهم وجنونهم إلى اقصى حد. سأله (مايكل)، وهما يجلسان على مقهى أنيق، على مواجهة البحر: - وماذا بعد تحرير (فرنسا)؟! هز (شارل) رأسه، قائلاً: - اختفى تماماً... لم نعثر له على أدنى أثر، على الرغم من البحث المستميت عنه للتكريم باعتباره أحد رموز المقاومة الفرنسية. وتراجع في مقعده مبتسماً، وهو يضيف: - أيامها تصور البعض أنه قد لقي مصرعه، وأكد البعض الآخر أنه متواضع أكثر مما ينبغي، بحيث يرفض التكريم والأوسمة، وأنه لم يفعل ما فعل إلا من أجل (فرنسا). سأله (مايكل): - وهل بحثتم عن أصله، بعد أن وضعت الحرب أوزارها؟ أومأ (شارل) برأسه ايجاباً، وقال: - معظم السجلات دمرتها السلطات النازية، قبل مغادرتها (باريس) كوسيلة لإخفاء بيانات الخونة، الذين تعاونوا معها، ولكننا راجعنا سجلات المواليد، والتعميد، وملفات الموظفين، والعمال، وغيرها. والتقط نفساً عميقاً، قبل أن يضيف في أسف: - ولكننا لم نجد فرنسياً واحداً، يمكن أن تنطبق عليه تلك المواصفات. انعقد حاجبا (مايكل)، وهو يقول في عصبية: - إذن فهو ليس فرنسياً أيضاً. قبل أن يجيبه (شارل) برز أحد معاونيه فجأة، وناوله ظرفاً مغلقاً، وهو يهمس في اذنه بعبارة ما، فأشار اليه (شارل) بالانصراف، ثم ناوله إلى (مايكل) قائلاً: - إنها برقية عاجلة لك، من المخابرات الأميركية، وصلت إلى مكتبنا هنا. التقط (مايكل) المظروف في توتر، وفضه في سرعة، ولم يكد يلقي نظرة على الكلمات المكتوبة بشفرة خاصة داخله، حتى اتسعت عيناه عن آخرهما، ووثب من مقعده كالمجنون. فالعبارة القصيرة الواردة في البرقية المشفرة، كانت تحمل مفاجأة... مفاجأة مذهلة. لم تكد طائرة (مايكل جوريل)، رجل المخابرات الأميركي تهبط في مطار (واشنطن) حتى استقبله رئيسه (سام) وهو يقول في توتر بالغ: - هل رأيت الكارثة؟! سأله (مايكل)، في لهجة أقرب إلى الذعر، وهو يتجه معه نحو السيارة، التي تقف خارج المطار: - ولكن كيف علمتم بهذا الأمر؟! أجابه (سام) والسيارة تنطلق بهما إلى أحد مقار المخابرات: - موظفة شفرة سوفيتية، فرت من سفارتهم هنا، ولجأت إلينا لحمايتها، ومنحها حق اللجوء السياسي، وحملت معها نسخة من البرقيات الشفرية، التي تم تبادلها مع (موسكو)، خلال العامين الماضيين، مع مجموعة من صور العملاء السوفييت، في قلب الكيان الأميركي. جف حلق (مايكل) وهو يتساءل: - أكان من بينهم؟ ودون أن ينبس (سام) ببنت شفة، دس يده في جيبه، وأخرج منه صورة، ناولها لزميله، الذي حدق فيها بذهول... كانت صورة واضحة لذلك الجاسوس، الذي عمل لديهم، تحت اسم (جون كوبرن)، وهو يقف في الميدان الأحمر في (موسكو)، وإلى جواره أحد ضباط الـ(كي. جي. بي) المعروفين. وامتقع وجه (مايكل)، حتى نافس وجوه الموتى، و(سام) يقول: - الوثائق السوفيتية تقول: إن اسمه (ميخائيل يوروفيتش)، وأنه يعمل مع المخابرات السوفيتية منذ عام 1941... هل يمكنك أن تصدق هذا؟! أطلق (مايكل) زفرة حارة طويلة، وهو يقول: - لو أنك سمعت كل ما سمعته أنا، لأصبحت مستعداً لتصديق اي شيء، يقال. هتف (سام) في حنق: - لقد خدعنا طوال عامين كاملين. غمغم (مايكل): - لقد خدع الجميع. وصمت لحظة، قبل أن يستدير إلى زميله، مضيفاً: - وربما خدع السوفييت أيضاً.
" ماذا تعني بقولك هذا؟! ".
هتف مدير المخابرات الأميركية بالسؤال، عندما طرح (مايكل) الأمر مرة أخرى في مكتبه، فالتقط هذا الأخير نفساً عميقاً، وقال: - أعني أن ذلك الجاسوس الغامض قد عمل لحساب الكل، ونجح في خداع الكل، وليس من المستبعد أن يكون قد فعل هذا مع السوفييت أيضاً. قال (سام) في حزم: - العكس أيضاً ليس مستبعداً. أشار (مايكل) بيديه، قائلاً: - لو افترضنا أنه يعمل لحساب السوفييت منذ البداية، وأنه سوفييتي الأصل، فما مبرر تزعمه للمقاومة الفرنسية، وقيامه بكل تلك الأعمال البطولية؟ قال (سام) في اصرار: - كان ضد النازيين، وهذا يفيد السوفييت في كل الأحوال. هز (مايكل) رأسه، وهو يقول في حزم: - الأمور لا تسير على هذا النمو في الحروب، ولا حتى في عالم الجاسوسية والمخابرات، فتشتيت انتباه العميل يفقده أهميته، وثبات قدميه في أرض الخصم، يضاعف من احتمالات الخطأ والخطر، ويقلل من فائدة العميل أيضاً. تراجع المدير في مقعده، قائلاً: - هذا صحيح. بدت الحيرة على وجه (سام) وهو يقول: - ولكن هناك تفسير ما حتماً. أجابه (مايكل) في سرعة: - بالتأكيد... ولكن هذا يحتاج إلى إجراء اضافي خاص. سأله المدير في اهتمام: - مثل ماذا؟! ملأ (مايكل) صدره بالهواء، وقال: - الحصول على تأكيد، من أحد عملائنا في (موسكو). ألقى عبارته، فران على حجرة مكتب المدير صمت رهيب، هز (سام) خلاله رأسه مستنكراً، في حين انعقد حاجبا المدير، وهو بفكر في عمق، قبل أن يومئ برأسه، قائلاً في حزم وحسم: - فكرة جيدة، وسأضعها موضع التنفيذ على الفور. ولم يرق هذا أبداً لرجل المخابرات (سام) أما (مايكل) ، فقد شعر في جزء من أعماقه بارتياح غامر. ارتياح لأن الحقيقة تقترب... هذا لو أن ما سيرسله عميل (موسكو) سيحمل الحقيقة. أي جزء من الحقيقة.
استغرق الأمر ثلاثة أسابيع كاملة،
قبل أن يصل تقرير ذلك العميل السري الخطير، في قلب جهاز المخابرات السوفييتي. لقد تعرفوا بالفعل إلى صورة الجاسوس، باعتباره (ميخائيل يوروفيتش)، عميلهم السابق، الذي زرعوه في (برلين) في ذروة الحرب العالمية والذي كان للمعلومات المهمة والخطيرة، التي جلبها من هناك، فضل كبير في تفادي الانكسار، واستعادة زمام النصر. ولقد أكدوا أنه كان واحداً من أبرع وأمهر من عملوا لحسابهم، في (أوروبا) كلها وكان له اسلوب متميز للغاية. كان جريئاً، هادئاً، حازماً، حاسماً، بسيطاً، و... مغامراً... ولأن هذا الطراز لا يروق في المعتاد للسوفييت، فقد أثارت انتصاراته المتتالية حفيظة وحنق وحسد رجال المخابرات السوفييتية، مما دفعهم لإعادة فتح ملفه، وفحص أوراقه. وكما حدث في كل مرة، جاءت المفاجأة... إنه ليس سوفييتياً. لم يكن أبداً كذلك... صحيح أنه يتحدث الروسية بطلاقة، بلهجة أهل (كييف)، إلا أنه لا ولم ينتم إليهم يوماً. الاسم الذي انتحله، كان اسم رجل دين قديم، من أيام القياصرة. رجل دين مات في هدوء، قبل سنوات ثلاث من اندلاع الحرب العالمية الثانية. وعندما كشف السوفييت هذا، وعلى الرغم من كل ما قدمه لهم من معلومات، قرروا القاء القبض عليه فور عودته، واستجوابه بشأن ما حدث. وغني عن الذكر أن نقول: إنه لم يعد إليهم... أبداً... وعلى مقعد أمام نافذة حجرة مكتبه، جلس (مايكل) يقرأ ذلك التقرير السري، الذي أرسله العميل السوفييتي، ووجهه يحمل ابتسامة كبيرة. ابتسامة لم يستطع اخفاء ما حملته من إعجاب وانبهار. فكرجل مخابرات محترف، كان يدرك مدى عبقرية وبراعة ذلك الجاسوس الغامض المغامر، الذي نجح في خداع أشهر وأقوى أجهزة المخابرات في العالم، دون أن يرف له جفن، أو يترك خلفه أدنى أثر. والعجيب أن ذرة في كيان (مايكل) لم تكن تشعر بالغضب لما حدث، وإنما كان كل شبر منه يحتشد بفضول بلا حصر لمعرفة حقيقة ذلك الغامض. هويته... جنسيته... أو اسمه... وعلى ضوء القمر، الذي يغمر الحجرة، اتسعت ابتسامته أكثر، وهو يتخيل ذلك الغامض، في مكان ما، يعرض خدماته على جهاز مخابرات جديد. ومن المؤكد أنهم سينبهرون به أيضاً. ولكنه سيظل غامضاً، كما كان، وبارعاً كما اعتاد، وعبقرياً كما ألف، ومغامراً كما أحب دوماً. وستحمل ملفات كل أجهزة المخابرات صورته بأسماء مختلفة، وهويات متباينة. ولكن بوجه واحد... وجه جاسوس غامض. جداً.
انتهي #
salih sam
لـــواء
الـبلد : المهنة : College studentالمزاج : اللهم سلم السودان و اهل السودان التسجيل : 09/05/2011عدد المساهمات : 7924معدل النشاط : 6296التقييم : 271الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
منذ اللحظات الأولى التى وطأت فيها قدما ذلك البحار الشاب ، ارضية المقهى الصغير الشهير ، فى ميناء (مارسيليا) الفرنسى ، ادرك الكل انه هارب من شئ ما ..
كان زائغ العينين ، مرتجف الأطراف ، عصبى الملامح ، والعرق يغمر وجهه فى غزارة ، على الرغم من برودة الطقس فى الخارج ، واصابعه الممسكة بقبعة البحارة بين يديه ، تتحرك طوال الوقت ، على نحو عجيب ، وهو يتجه نحو البار مباشرة ، ثم يتوقف أمامه بضع لحظات ؛ ليحصى النقود القليلة فى جيبه قبل أن يقول :
- زجاجة مياه غازية فحسب .
أبتسم البحارة القريبين فى سخرية ، وقهقه آخرفى آخر المكان ، فى الحين تطلع البعض الآخر إلى الشاب فى شئ من الإشفاق ، وعامل البار يقول له فى صرامة قاسية :
- النقود أولاً.
كان العامل - بخبرته فى هذا المجال- يخشى تناول الشاب الزجاجة ، ثم يتضح بعدها انه لا يملك ثمنها ، إلا أن الشاب ألقى إليه النقود فى عصبية ، ثم راح يحصى ما تبقى لديه ، وهو يلتقط الزجاجة ، ويتجه بها إلى أبعد وأصغر منضدة فى المكان كله ، وعيناه الزائغتان مازالتا تدوران فى المكان ، على نحو جعله أشبه بحيوان صغير مذعور ، لا يدرى أين يمكن أن يذهب..
ولربع ساعة أو أقل ، لم يكد لرواد المقهى الصغير من الحديث ، إلا عن ذلك الساب ، الذى راح الكل يستنتج جنسيته ومشاكله ، ثم لم يلبث الجميع أن أهملوه وتناسوه ، وأنشغلوا فى أعمالهم وأحاديثهم ..
فيما عدا هى ..
(روز) تلك المرأة الجميلة الفاتنة ، التى تعرفها مارسيليا كلها ، منذ بضع سنوات ، والتى أعتادت التردد على مقاهى البحارة ، المنتشرة فى الميناء وحوله ؛ لقضاء بعض الوقت ، ولالتقاط زبائنها من بين بحارة السفن الأجنبية ..
وبالذات القادمة من الدول العربية ..
وفى مارسيليا كلها ، كانت تتردد رواية واحدة ، عن (روز) الحسناء ، التى تفتح قلبها فى صباها ، على حب بحار عربى شاب خلب لبها ، و ...... <ألخ>
ووفقاً للرواية ، اختفى البحار لاعربى ذات يوم ، وجن جنون (روز) وهى تبحث عنه فى كل مكان ، قبل أن تكتشف الشرطة جثته فى مخزن مهجور ..
فمع جمال (روز) ، اندفع بحار آخر مخمور ، إلى قتل حبيبها العربى ، مدفوعاً بالحب والغيرة وغياب العقل ..
وانهارت (روز) ، وهامت على وجهها فى شوارع مدينتها قبل أن تتخذ قرارها بالسفر إلى مارسيليا ، بحثاً عن بحار عربى آخر ، يمكن أن يعوضها عن حبيبها السابق ..
ومنذ استقرت (روز) مق قصتها ، فى قلب مارسيليا ،وهى ترتاد كل مقاهى الخاصة بالبحارة ، وتعقد الصداقات مع كل من هو أصل عربى منهم ، حتى اطلق عليها البحارة العرب هناك اسم (زهرة مارسيليا) ..
وفى تلك اليلة ، التى وصل فيها ذلك البحار الشاب إلى المقهى ، كانت (روز) تراقص شاب ألمانيا ضخم الجثة ، فى ضجر واضح، حتى جذب الشاب انتباهها واهتمامها ، خاصة مع اسم سفينته التجارية ، التى رست عند الميناء صباح اليوم فحسب ، والمكتوب فى وضوح ، على القبعة التى وضعها أمامه ، على المنضدة الصغيرة ، وهو يرتوى بزجاجة المياه الغازية فى نهم ، وعيناه متعلقتان بقطعة لحم كبيرة ، راح بحاران إيطاليان يلتهمانها فى شراهة ، على المنضدة المجاورة ..
وبخبرتها وذكائها ، ادركت (روز) أن البحار الشاب مصرى الجنسية ، وانه يعانى صعوبة اتخاذ قرار ما ، فى تلك الفترة من أوائل سبعينات القرن العشرين ..
و ببعض كلمات هامسة ، تخلصت (روز) من الألمانى الضخم ، واتجهت مباشرة نحو مائدة البحار الشاب ، وجلست أمامه دون أستأذان ، هى تسأله ، فى صوت يحمل طناً من الشفقة والحنان :
- أجائع أنت ؟!
ارتبك البحار الشاب بشدة ، ولوح بكفه فى ذعر ، هاتفاً
- كلا .. لست جائعاً .
ابتسمت (روز) ابتسامة حانية ، قبل ان تستدعى النادل ، وتطلب منه وجبة دسمة ساخنة ، جعلت الشاب يرتبك أكثر ، و هو يقول :
- لا .. لست أر ...
قاطعته بأبتسامة كبيرة ، وهى تربت على يده :
- اطمئن .. أنا سأدفع الحساب .
وجاء الطعام ، وتردد الشاب بعض لحظات ، ثم لم يلب أن أقبل عليه فى لهفة ، جعلتها تبتسم فى ثقة ؛ لبراعتها فى اختيار اهدافها ، وهى تراقبه فى صمت ، حتى انتهى من طعامه ، ثم غمغم فى خجل وارتباك :
- شكراً ... كنت احتاج إلى هذا بالفعل .
منحته ابتسامة ساحرة ، وهى تسأله :
- انت مصرى أليس كذلك ؟!
أومأ برأسه إيجاباً ، وقال فى استسلام :
- بلى ... سفينتى رست هذا الصباح ، وستعود إلى الوطن صباح الثلاثاء القدام ... أى بعد خمسة أيام فحسب .
ثم تردد لحظة ، قبل ان يضيف فى خفوت :
- لكنى لن أعود معها .
بدا من الواضح ان عبارته الأخيرة قد جذبتها بشدة ، فقد اعتدلت فى مجلسها ، وتالق بريق ما فى عينيها ، وهى تساله فى حذر :
- ولماذا ؟!
راح يروى لها معناته فى مصر ، وعجزه عن توفير حياة كريمة لنفسه ، ومزج هذا بحديث ساخط عن غياب الديموقراطية ، وحالة اللا سلم واللاحرب ، و ارتفاع أساعار المواد الغذائية الرئيسية ..
واستغرق حديثهما هذا المساء كله ، حتى دقت الساعة ، معلنة تمام الثانية صباحاً ، فابتسمت (روز) واحدة من ابتسامتها الساحرة ، وهى تقول :
- هل يمكننى ان ادعوك إلى المبيت أيضاً ؟!
ومرة أخرى تردد الشاب طويلاً ، ثم بدا وكانه مغلوب على أمره ، وهو يتبعها فى صمت ، إلى منزلها الصغير الأنيق ، دون أن ينبس ببنت شفة ، ولكنه ما أن أصبح داخل المنزل ، حتى ألقى نفسه على أقرب أريكة إليه ، وغرق فى سبات عميق ..
أما ( روز) ، أو ( زهرة مارسيليا) ، فقد وقفت تتطلع إليه بضع لحظات ، قبل أن ترفع أح حاجبيها وتخفضه مغمغمة :
- ممتاز .
وفى هدوء شديد ، دلفت إلى حجرتها ، وأغلقت بابها خلفها فى أحكام ، ثم انحنت تلتقط جهاز اتصال لا سلكى ، مخفياً بمهارة فى تجويف خاص ، فى قاعدة فراشها ، وراحت تبث رسالة شفرية خاصة ، إلى سفينة صغيرة ، من السفن الدائمة فى الميناء ، والتى تقتصر مهمتها على أستقبال مثل تلك الرسائل ، وإعادة بثها ، على نحو اكثر قوة ، بوسائل أكثر تطوراً ، إلى قلب الدولة غير العربية الوحيدة ، فى الشرق الأوسط كله ..
إلى (تل ابيب) ...
وبعدها نامت (روز) ملء جفنيها ..
وفى الصباح التالى ، وقبل ان تغادر حجرتها كان جهازها اللاسلكى يستقبل أوامر عاجلة وصارمة من ( الموساد) الإسرائيلى ، الذى تعمل لحسابه ...
لا بد من تطبيق الإجراءات المعتادة ، على الصيد الجديد .. فوراً ..
ولقد نفذت ( روز) الأوامر بمنتهى الدقة ، كما اعتادت أن تفعل فى كل مرة ..
فالحقيقة أن (روز) هذا لم يكن أبداً أسمها الحقيقى ..
إنها (جولى جولدشتاين) ، يهودية من أصل فرنسى ، تعمل لحساب المخابرات الأسرائيلية ، منذ أكثر من سنة أعوام ..
اما قصة (روز) وحبيب صباها العربى ، فما هى إلا خدعة كبيرة ؛ لتبرير سعيها لعقد الصداقات والعلاقات ، مع بحارة السفن العربية ، وانتقاء النوعيات الصالحة مهم للتجنيد ، والعمل لحساب الموساد الإسرائيلى ..
ولقد حققت (روز) نجاحاً ملحوظاً ، جعل المخابرات الإسرائيلية تعتبرها واحدة من أمهر وأبرع جواسيسها فى أوروبا كلها ..
ولعل براعتها تعود إلى جمالها الفاتن ، وقدرتها المدهشة على اصطناع الحنان ، ومنح الحب للجميع ..
وبخاصة البحارة العرب ..
وفى ذلك الصباح ،أعدت (روز) لضحيتها الشاب وجبة إفطار شهية ، قبل أن تسأله فى أهتمام :
- أمازلت مصراً على عدم العودة إلى مصر ؟!
أومأ برأسه إيجابا ، وهو يقول فى أسى :
- أى عمل هنا ، سيككون أفضل من العودة إلى مصر .
مالت نحوه ، هامسة :
- وماذا لو كانت العودة أفضل من البقاء هنا؟!
بدا مبهوراً ، مع رائحة أنفاسها العطرة ، وهو يلهث متسائلا :
- وكيف هذا ؟!
تراجعت بأبتسامة كبيرة ، قائلة :
- عندى وسيلة مضمونة .
نطقتها ، ثم غمزت بعينيها ، قبل أت تطلق ضحكة عابثة طويلة ، ظلت تتردد فى أذنى وقلب البحار الشاب ، حتى قدمته (روز) لصديقها (فرانسوا) ، الذى بدا شديد الوسامة والأناقة والود ، وهو يصافح البحار الشاب ويسأله عن استعداده للعمل داخل مصر ، براتب جيد ، ومكافآت سخية ، مع كل عمل جيد يقوم به ..
وعندما سأله الشاب عن نوع العمل ، الذى يستحق كل هذا ، ابتسم (فرانسوا) ، مجيباً فى خبث :
- هذا يتوقف على مهارتك .
ثم مال نحوه وربت على ركبته ، مضيفاً :
- واكثر ما يهمنا هو أن تتميز بالكتمان ، وألا يعرف مخلوق واحد ما تفعله من اجلنا
هتف الشاب بكل حماسة :
- بالتأكيد يا مسيو ( فرانسوا) .. بكل تأكيد .
وعلى عكس خططه السابقة ، عاد البحار الشاب إلى مصر ، وفى جيبه ثلاثمائة دولار ، مع مطلب واحد للوسيم ( فرانسوا) ..
الحصول على أسعار الخضر والفاكهة فى مصر ..
وبعد شهر واحد عاد الشاب إلى مارسليا ، واستقبل (روز) كما استقبلته ، بمنتهى الحرارة واللهفة ، واخبرها أنه قد أحضر ما طلبه صديقها الوسيم ، وأضاف إليه أيضاً أسعار اللحوم و الدجاج ، ومعلومة عن أزمة البيض والعلب المحفوظة ..
ولقد ابتسم (فرانسوا) ابتسامة كبيرة ، وهو يستمع إلى هذه المعلومات ، قبل أن يمنحه ثلاثمائة دولار أخرى كراتب شهرى ، ومثلها كمكافأة لما أحضره من معلومات ..
ولم يخف الشاب فرحته بالنقود ، ولا دهشته لعدم تناسبها مع المعلومات البسيطة التى أحضرها ، ولكن ( فرانسوا) ربت على كتفه قائلاً :
- ربما تكون المعلومات المطلوبة أكثر أهمية فى المرة القادمة .
وكان هذا صحيحاً ، ففى المرة التالية ، كان المطلوب منه معرفة عدد السفن التجارية والحربية ، فى ميناء الإسكندرية ، وجنسايتها ..
ولقد عاد الشاب بالمعلومة ، وأبدى سعادة أكبر بالمكافأة الجديدة ، التى أنفق نصفها على محبوبته الفاتنة ( روز) ، قبل أن يعود إلى القاهرة ، مع أوامر بالعسى لمعرفة عدد مدافع الميدان ، حول الميناء التجارى فى الأسكندرية ..
وعادالبحار الشاب بالمعلومات الجديدة ، واستقبلته (روز) فى أجمل وأحلى ثيابها ، ومنحته أعذب أبتسامتها ، إلا أنه بدا صارماً حاداً ، وهو يقول :
- المعومات التى يطلبها (فرانسوا) أصبحت مرهقة ، وانا أضطر لإنفاق الكثير من اجل الحصول عليها .
تطلعت إليه بابتسامة خبيثة ، قبل أن تقول:
- هل تريد زيادة المكافأة ؟!
هتف فى حدة:
- أظن أن هذا حقى .
أطلقت ضحكة عابثة طويلة ، قبل أن تهمس فى أذنه وعطرها الفواح يلهب مشاعره :
- إنه حقك ، ولكنك تعرف اليهود ... لن يمنحوك هذه الزيادة بسهولة .
كانت أول مرة تصارحه فيها بحقيقة من يعمل لحسابهم ، لذا فقد حدق فيها بضع لحظات مبهوتاً ، قبل أن يهز رأسه ، قائلاً :
- يهود او حتى بوذيين .. المهم ان يدفعوا جيداً .
ولقد راق هذا كثيراً للوسيم ، الذى أعلن فى وضوح اسمه الحقيقى هو (إفرايم) ، وأن رؤسائه مستعدون لمضاعفة المكافأة ، لو أنه أحضر المزيد من المعلومات العسكرية والبحرية ، والتجارية أيضاً ..
وبعد مساومة طويلة ، وافق الشاب على القيام بالمهمة الجديدة ..
وفى الزيارة التالية ، أحضر كومة لا بأس بها من المعلومات عن القطع التابعة للسلاح البحرى المصرى التى تجمى ميناء (الأسكندرية) ..
وكانت المكافأة سخية بحق ، حتى إن الشاب دعا (إفرايم) و(روز) إلى العشاء ، فى احد أكبر مطاعم مرسيليا ..
وفى أثنا العشاء ، فجر الشاب مفاجأة مزهلة ، وهو يقول :
- الفرنسيون أحضروا بعض الصناديق العسكرية إلى سفينتنا سراً مساء أمس .
جن جنون (إفرايم) ، وراح يبذل جهدا خارقاً ، لمعرفة ما تحتويه تلك الصناديق العسكرية ، إلا أن الشاب أكد انه لا يفقه شيئاً عن الرسوم التى عليها ، وانه لا يجيد الرسم لينقلها إليهم ، و .. ، و ...
ولأن الأمر بالغ الأهمية والخطورة ، تشبت (إفرايم ) بذراع الشاب ، وهو يقول :
- أسمع .. لا بد ان أرى تلك الصناديق ، قبل أن تقلع سفينتك ، وبأى ثمن .. هل تفهم ؟! بأى ثمن .
نفض الشاب يده ، وهو يقول فى حدة :
- مستحيل ! لن يسمحوا بصعود غريب إلى سطح السفينة أبداً .. مستحيل !
بدا (إفرايم) شديد العصبية ، وهو يتحدث مع (روز) بالعبرية ، والشاب يتطلع إليهما فى بلاهة ، شأن من لا يفقه حرفاً واحداً مما يقولانه ، قبل أن تومئ (روز) برأسها ، ثم تلتفت إلى الشاب ، قائلة فى هدوء :
ألم تدعنى يوماً للقائك فى قمرتك ، على سطح السفينة .
لوح الشاب بيده قائلاً :
هذا الأمر يختلف .. انهم يعتبرونها نزوة عاطفية ، و ..
قاطعته بأبتسامة كبيرة :
- فليكن .. سألقاك الليلة ، على سطح سفينتك .
هتف بمنتهى اللهفة :
- حقاً؟!
واتسعت ابتسامة (إفرايم) فى ارتياح ..
ومع دقات الساعة ، معلنة منتصف اليل ، وقف (إفرايم) يفرك كفيه فى توتر ، وهو يراقب (روز) ، التى صعدت إلى سطح السفينة ، وأستقبلها البحار الشاب بأبتسامة أخيرة وهو يقول :
- أخيراً يا زهرة مارسيليا .
ابتسمت فى ثقة ، قائلة :
- نعم ، اخيراً .
أمسك يدها فى قوة أدهشتها ، وهو يقودها إلى قمرات البحارة ، فسألته فى لهفة ، لم تستطع إخفائها :
- أين الصناديق الفرنسية العسكرية ؟!
ابتسم فى خبث قائلاً :
- أيه صناديق ؟!
خُيل إليها أنها تراه لأول مرة ، بقامته الطويلة ، وصدره العريض ، وهو يتطلع إليها فى ظفر عجيب ، جعلها تقول فى حدة :
- من انت بالضبط ؟!
أغلق الباب العازل للصوت ، وهو يقول بلهجة قوية حازمة ، لم تعهدها منه قط :
- من تتوقعين أن أكون ؟!
نطقها بالعبرية ، وبطلاقة مدهشة ، جعلت جسدها كله ينتفض فى عنف ، وهى تحدق فيه بكل ذعر الدنيا ، فأمسك ذراعيها فى قوة ، وتطلع إلى عينيها مباشرة ، بنظرة جمدت الدم فى عروقها ، وهو يتابع :
- صديقك ( إفرايم) ، الذى يراقب المكان فى الخارج سيشاهد بعد قليل ، على الضوء الخافت ، اثنين يشبهاننا يغادران السفينة ، ويستقلان سيارة ، ستقلهما إلى خارج الميناء ، ومن المؤكد انه يسحاول تعقبهما ، ولكنه لن يعثر عليهما أبداً.
حاولت تتخلص من قبضتيه القويتين عبثاً ، مع استطرادته :
- لقد أوقعت الكثيرين فى فخك ، يا زهرة مارسيليا المسمومة ، حتى وجدنا انه لابد من إزاحتك عن الطريق لإنقاذ شباب بحارتنا من مخالبك الوردية ..
ومال نحوها ، حتى خُيل إليها أنها ستذوب فى عينيه الصارمتين المسيطرتين ، وهو يقول :
- ستصاحبيننا هذه المرة غلى القاهرة .
مع أخر حروف كلماته ، سمعت صفارة السفينة ، التى تشير إلى أقلاعها ، فانتفض جسدها بكل رعب الدنيا ، وهى تسأله مكررة :
- من أنت ؟!
وفى هذه المرة أجابها فى صرامة :
- المخابرات العامة المصرية .
وانهارت (روز) تماماً
وفى الوقت الذى كاد فيه (إفرايم ) يجن ، وهو يقلب مارسيليا رأساً على عقب ، بحثاً عن (روز) ، كانت السفينى ترسوا بهذه الأخيرة ، فى ميناء الإسكندرية ، حيث تنتظرها واحدة من سيارات المخابرات المصرية أتت أخيراً لتضع نهاية لهذه العملية ..
hani4d
عمـــيد
الـبلد : العمر : 44المهنة : Art Director المزاج : الحمد لله في السراء وفي الضراءالتسجيل : 10/08/2012عدد المساهمات : 1704معدل النشاط : 1919التقييم : 131الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
نفسى اعرف الجاسوس ده ان تبع مين بالضبط انا اتلغبطت ياجماعة هو كان فيه جهاز مخابرات تانى غير 4 مخدرات شوربة ( مش مخابرات )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
salih sam
لـــواء
الـبلد : المهنة : College studentالمزاج : اللهم سلم السودان و اهل السودان التسجيل : 09/05/2011عدد المساهمات : 7924معدل النشاط : 6296التقييم : 271الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
نفسى اعرف الجاسوس ده ان تبع مين بالضبط انا اتلغبطت ياجماعة هو كان فيه جهاز مخابرات تانى غير 4 مخدرات شوربة ( مش مخابرات )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طبعا القصه خياليه و لا تصدق
يخدع اخطر خمس مخابرات !! الاستخبارات الالمانيه - البريطانيه - السوفيتيه - الامريكيه - و يخدع حكام فرنسا !
salih sam
لـــواء
الـبلد : المهنة : College studentالمزاج : اللهم سلم السودان و اهل السودان التسجيل : 09/05/2011عدد المساهمات : 7924معدل النشاط : 6296التقييم : 271الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
بسم لله .. الله عليك أخي صالح تسلم إيدك موضوع أكثر من رائع بالتوفيق وتقييمات +++
شكرا علي مرورك و تتقيماتك .. تابع الموضوع
salih sam
لـــواء
الـبلد : المهنة : College studentالمزاج : اللهم سلم السودان و اهل السودان التسجيل : 09/05/2011عدد المساهمات : 7924معدل النشاط : 6296التقييم : 271الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: موســــ الجاسوسيه ـــــه ××شٍـٍاٍمٍـٍل×× الجمعة 18 يناير 2013 - 9:42
صراع الجواسيس. (1) الجندي. (أخيراً، وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها، في (أوروبا) على الأقل، بعد اندحار (المانيا) النازية، وانهيار الرايخ الثالث، وانتحار (أدولف هتلر)… وكما تنقض الذئاب الجائعة على فريسة، طالت مطاردتها لها، برزت أنياب الحلفاء وهم ينهشون (المانيا) الجريحة، وراحوا يقسمونها فيما بينهم، باعتبارها غنيمة حرب، وفقاً لاتفاق مسبق، منح نصفها للسوفييت، والنصف الآخر لباقي الحلفاء (أميركا) و(انجلترا) و(فرنسا)… والتقى الفريقان في منتصف( برلين) وبجرة قلم، انقسمت المدينة الألمانية العريقة، التي شهدت صعود وانهيار الرايخ الثالث، إلى قسمين، اختلفا فيما بينهما تمام الاختلاف، فأحدهما غربي الاسم والطابع، والآخر سوفييتي شرقي، يرتفع فوقه العلم الأحمر... ومنذ تلك اللحظة، وقبل أن تحسم (أميركا) حربها مع (اليابان) بقنبلتيها الذريتين الشهيرتين، بدأت حرب جديدة أكثر شراسة، بين الكتلتين اللتين أفرزتهما الحرب، بسنواتها الست البغيضة، مع ما تغير من أمور كبيرة، في عالمنا وتاريخنا المعاصر. ولقد تمثلت تلك الحرب، أول ما تمثلت، في سباق الفوز بالخبراء... فعلى الرغم من العداء المستحكم الطويل، بين الجانبين والقيادة النازية، كان الأميركيون والسوفييت معاً يدركون جيداً، أن (المانيا) تمتلك جيشاً آخر، يفوق جيشها العسكري المقاتل الف مرة. جيش من العلماء، والمفكرين، والمخترعين، والمبتكرين، ثم وهذا هو الأكثر أهمية وخطورة فريق نادر للغاية، في عالم الجاسوسية والمخابرات. وكان السباق العنيف، الذي بدأت به الحرب بين الاميركيين والسوفييت، هو ذلك اشتعل، فور سقوط (المانيا)، للفوز بأكبر عدد ممكن من هذه الخبرات. وبالذات الفوز برجال المخابرات الألمانية السابقين... ولا أحد يمكنه أن يدعي ان احد الفريقين قد ربح هذه المعركة باكتساح... فلقد انتهت الحرب بالتعادل، لو صح القول... وانقسم رجال المخابرات النازية بين الفريقين، تماماً مثلما حدث مع العلماء، والمخترعين، وغيرهم... وفي لهفة عجيبة، ونهم بلا حدود، راح كل فريق ينهل ممن فاز بهم إلى أقصى حد ممكن. والحق يقال، إن العقول الالمانية كانت مدهشة ومتفوقة وخبيرة بحق، فقد أدى وجودهم إلى حدوث تطويرات ضخمة، في الجانب السوفييتي، وبالذات في مجال الحرب النفسية وحرب المخابرات. وعلى الجانب الأميركي كان لهؤلاء الخبراء فائدة أضخم، إذ انهم كانوا النواة الأولى لتكوين جهاز المخابرات المركزية الأميركية، الذي نال فيما بعد شهرة عالمية واسعة، باعتباره أفضل وأقوى جهاز مخابرات في العالم. وبعد استخدام (أميركا) لقنبلتيها الذريتين، اتسعت عيون العالم كله، في ذهول مذعور، والكل لا يصدق أنه هناك سلاحاً يمكنه ان يحدث هذا القدر الهائل من التدمير والخراب والقتل. وانتفخت أوداج (أميركا) زهواً وغطرسة... وانعقدت حواجب السوفييت غضباً وسخطاً... واشتعلت الحرب الصامتة بين الفريقين أكثر وأكثر، وحملت إعلامياً اسم الحرب الباردة، وأصبح الشغل الشاغل لكل فريق هو تنمية قدراته العسكرية، وجمع أكبر قدر من المعلومات عن الفريق الآخر، في الوقت ذاته. ثم بدأت على الجانبين عملية اصطياد الهاربين والمختفين، من ضباط وجنرلات الجيش النازي لمحاكمتهم كمجرمي حرب، والاستفادة مما لديهم من معلومات، لو أنهم كانوا يحتلون مناصب مهمة، خلال فترة الحرب. وفي الوقت نفسه، الذي يتم فيه إعمار (برلين)، كان النازيون السابقون يتساقطون كالذباب، وتملأ أخبار سقوطهم الصحف الغربية والشرقية على حد سواء. فيما عدا واحد، لم تذكر الصحف حرفاً واحداً عنه... (رودلف ميلر)... و(رودلف) هذا لم يكن جنرالاً من جنرالات الجيش النازي، أو واحداً من ضباطه الكبار، وإنما كان مجرد جندي... جندي إشارة... و(رودلف) لم يسقط في قبضة المخابرات الأميركية بخطة محكمة، وإنما فر اليها، من (برلين) الشرقية، وألقى نفسه في قبضتها، فراراً من القبضة الحديدية الدموية للحكم السوفييتي الرهيب. ولأنه وقع في قبضة شرطة الحدود، على الجانب الغربي، وتولاه رعب هائل، من امكانية اعادته إلى السوفييت، وما يستتبعه هذا من استجوابات وتحقيقات، وتعذيب، وموت بشع في النهاية، فقد راح ذهنه الملتهب يبحث عن أية وسيلة للفرار من مصيره الأسود، ثم وجد نفسه يهتف فجأة: - كنت جنديا للاشارة في الجيش النازي. لم يبال رجال شرطة الحدود لحظة واحدة بعبارته هذه، وواصلوا عملهم، لملء كل الاستمارات والأوراق، اللازمة لإعادته إلى الجانب الشرقي، أو تقديمه للمحاكمة في الجانب الغربي. وامتقع وجه (رودلف) المسكين، وراح جسده النحيل يرتجف في ارتياع، بعد أن تجاهل الكل تصريحه، الذي تصور انه كفيل بتفجير الموقف كله... وفي محاولة يائسة أخيرة، أضاف: - إنني أعرف أين أخفوا ملفات الشفرة السرية. لم يكد ينطقها، حتى خيل إليه أن قنبلة قد انفجرت بغتة في المكان... قنبلة من الصمت... ففجأة، ومع آخر حروف عبارته، هوى على المكان كله صمت رهيب، واستدارت إليه العيون كلها في دهشة، سرعان ما تحولت إلى شيء من الاستنكار وعدم التصديق، قبل أن يغمغم أحد رجال الشرطة: - أعتقد أن هذا يستلزم إبلاغ جهة عليا. لم تمض ساعة واحدة، على قوله هذا، حتى وصلت إلى المكان سيارة سوداء كبيرة، هبط منها رجل طويل القامة، متين البنيان، اسود الشعر، ازرق العينين، وخلفه رجلان قويان، بدا من هيئتهما، وأسلوب سيرهما خلفه، انهما تابعان أو حارسان خاصان. وبتظرة صارمة، تطلع اليه ذلك الرجل، قبل أن ينخرط في الحديث بعض الوقت، مع رجال شرطة الحدود بصوت لم يسمعه (رودلف) الذي راح عقله يطرح الف والف سؤال، حول هوية ذلك القادم وهدفه. ثم ادار الرجل عينيه الزرقاوين اليه مرة أخرى، واتجه نحوه مباشرة، ووقف على بعد خطوات قليلة منه، يتطلع اليه في صمت، قبل أن يقول بغتة، بلغة المانية سليمة: - ماذا كان عملك في الجيش النازي؟ ازدرد (رودلف) لعابه في صعوبة، ليتمتم: - جندي اتصال وإشارة. سأله الرجل، بلهجة صارمة جافة: - أين؟! أجابه (رودلف) بسرعة هذه المرة: - في مقر قيادة (الجستابو). هذا الجواب وحده أشعل الدنيا بحق، فما أن سمعه الرجل، حتى اعتدل بحركة حادة، والتقى حاجباه في شدة، وهو يتطلع إلى (رودلف) بنظرة طويلة قاسية، قبل أن يشير إلى حارسيه، قائلاً بلهجة آمرة صارمة: - سنصطحبه معنا. لم يدر (رودلف) ماذا حدث بالضبط، ولكنه شعر بذراعين قويتين تقبضان عليه، وتنتزعانه في مقعده، وتدفعانه نحو السيارة السوداء الكبيرة، وسمع ذا العينين الزرقاوين من خلفه، يقول لرجال شرطة الحدود في صرامة: - كل ما يتعلق بأمره يتم محوه من السجلات فوراً... إنكم لم تروه أبداً... هذا أمر يتعلق بالأمن القومي. وسقط قلب الألماني الشاب بين قدميه، عندما سمع العبارة، وعندما انحشر بين الحارسين الضخمين في المقعد الخلفي، ورئيسهما يجلس إلى جوار السائق، لتنطلق بهم السيارة على الفور. وتضاعف ذعره وخوفه، عندما أحاط أحد الحارسين عينيه بعصابة سوداء، وهمس في أذنه بخشونة: - لا تفتح فمك بكلمة واحدة. وطوال ما يقرب من نصف الساعة، انطلقت السيارة في قلب (برلين) الغربية، ثم توقفت، وجذبه الحارسان خارجها في شيء من القسوة، ودفعاه أمامهما لعدة أمتار، قبل أن يرفع أحدهما العصابة عن عينيه. وللوهلة الأولى، اغلق (رودلف) عينيه في قوة، مع الضوء الساطع في المكان، ثم لم يلبث أن فتحهما في حذر، ولكنهما اتسعتا بغتة عن آخرهما، على الرغم منه.. فما رآه أمامه كان مدهشاً... وبكل المقاييس.). 2) أخطر الملفات... (لدقيقة كاملة، لم يصدق (رودلف ميلر)، جندي الإشارة السابق في الجيش النازي، ما يراه أمامه، في تلك القاعة الواسعة، التي تم نقله إليها معصوب العينين. فعلى الرغم من أن الحرب قد انتهت فعلياً، منذ ما يزيد عن العامين، الا ان القاعة، التي يقف فيها، كانت نسخة طبق الأصل، من قاعة الاتصالات، التي عمل فيها لثلاثة أعوام كاملة، في قبو مقر (الجستابو) الرئيس في (برلين). ولدقيقة أخرى، راح الشاب يدير عينيه في المكان، بكل ما يعتمل في أعماقه من انفعال، قبل ان يسأله ازرق العينين، في هدوء مشوب بالصرامة: - أين كنت تعمل؟! أشار (رودلف) إلى منضدة في الركن، استقر عليها جهاز اتصال الماني قديم، وهو يغمغم في عصبية: - هنا. تبادل الرجال في الحجرة نظرة صامتة، قبل أن يلتقط أحدهم ملفاً كبيراً، قلب اوراقه في سرعة، قبل أن يقول في صرامة: - (رودلف هانز ميلر)... مواليد يناير 1921م، مزارع من ضواحي (هامبورج)... واصل الرجل تلاوته للبيانات الدقيقة، المسجلة في الملف، عن (رودلف) وحياته كلها، وتفاصيل عمله في قاعة الاتصالات، في مقر (الجستابو)، والشاب يحدق فيه بكل ذهول وانبهار، قبل أن ينهي الرجل حديثه، دون خطأ واحد، ثم ياتفت إلى أزرق العينين، قائلاً: - مجرد جندي اتصالات عادي. مط ازرق العينين شفتيه، وألقى نظرة على (رودلف) قائلاً: - فقط؟!... كنت أظنه أكثر أهمية. لم يدرك الألماني الشاب، في تلك اللحظة، ان كل ما يحدث من حوله، كان أحد أساليب الحرب النفسية، التي ابتكرها الألمان، إبان الحرب العالمية الثانية، والذي علمه خبراؤهم للأميركيين، منذ أعوام قليلة، وأن الهدف منه هو إبهاره، وكسر مقاومته، ودفعه إلى الاعتقاد بأن كل ما قاله، وما يمكن أن يقوله، مسجل بالفعل، في تلك الملفات التي استعرضها الأميركي الآخر امامه... لم يدرك هذا، وهو يقول بحلق جاف، وصوت مرتجف: - لست جندياً عادياً، فما أعرفه مهم وخطير، ولا يعرفه سواي. وبصعوبة بالغة، ازدرد لعابه، عبر حلقه الجاف، قبل أن يضيف بصوت خشن مبحوح: - ممن بقوا على قيد الحياة. تبادل الرجال نظرة صامتة، قبل أن يسأله أزرق العينين، في هدوء شديد الحذر، وهو يتفرس ملامحه جيداً: - وما الذي تعرفه بالضبط؟! ازدرد (رودلف) لعابه مرة أخرى، في صعوبة أكثر، وادار عينيه في وجوههم جميعاً، قبل ان يستجمع شجاعته، ويجيب: - أعرف أين أخفوا ملفات الشفرة... كلها. تبادل الرجال نظرة أخرى، قبل أن يسأله أزرق العينين، في شيء من الصرامة: - ملفات شفرة الاتصالات الألمانية؟! صمت (رودلف) بضع لحظات هذه المرة، قبل ان يجيب في اندفاع، وكأنما يخشى الا يحدث جوابه التأثير المطلوب: - بل السوفييتية. لم يكن الجواب يتجاوز شفيته، حتى خيل اليه ان قنبلة أخرى قد تفجرت، في القاعة كلها... قنبلة من الدهشة واللهفة والاهتمام هذه المرة... قنبلة ظهرت آثارها القوية في العينين الزرقاوين، اللتين التهبتا ببريق رهيب، يوحي بأن الأمور ستتطور حتما. وبمنتهى العنف...
من المؤكد أن ما أدلى به جندي الجيش النازي السابق، كانت له أهمية كبرى، بالنسبة لجهاز المخابرات الأميركي الوليد، فما أن أبرق مسؤول مكتب (برلين) بالأمر إلى (واشنطن)، حتى تم عقد اجتماع عاجل، في المقر المؤقت للجهاز، حضره أول مدير رسمي له، حيث تم بحث الأمر كله، ومناقشته لأكثر من ست ساعات متصلة لتحديد مدى صدق الألماني، وخطورة ما أشار اليه... فالقصة التي ذكرها كانت منطقية إلى حد كبير... وتتوافق مع ما تم جمعه من معلومات سابقة بالفعل... إنه يقول: إن (هملر) قائد (الجستابو)، قد جمع كل الملفات السرية، الخاصة يشفرة الاتصالات السوفييتية، والتي تم رصدها وتحليلها، وفك الغازها ونظمها المعقدة، خلال خمس سنوات كاملة، وقرر حرقها كلها، والتخلص منها نهائياً، قبل ان تسقط (برلين) في قبضة الحلفاء... ولكن (المانيا) لم تكن قد انهزمت تماماً بعد... والفوهلر كان بطبعه يرفض فكرة الهزيمة، ويصر على أنه ما زال هناك احتمال للنصر، من خلال سلاحه السري، الذي لم يكشف عنه قط... لذا، فقد تقرر عدم حرق الملفات... وكان البديل الوجيد أمام (هملر) هو اخفاء تلك الملفات الشفرية السوفييتية السرية الخطيرة، في مكان خفي، لا يمكن التوصل اليه قط... ولأن عملاً كهذا يحتاج إلى سرية تامة، فقد انتقى (هتلر) اثنين من أفضل الضباط، وأكثرهم تفانياً وإخلاصاً، مع اثنين من جنود قسم الاتصالات والاشارة، ممن يحوزون منتهى الثقة، وحمل الكل صناديق الملفات، إلى مخبأ خاص، وسري... سري للغاية... ثم تطورت الحرب بسرعة، ولقي الضابطان والجندي الآخر حتفهم، في اقتحام مقر (الجستابو)، وانتحر القادة في مخبئهم السري... ولم يتبق على قيد الحياة سوى (رودلف ميلر) وحده... وأصبح الوحيد الذي يعرف أين يختفي ذلك الكنز الحربي الخطير... والواقع أن الحلفاء، والسوفييت أيضاً، قد بذلوا جهداً خرافياً، فور سقوط (المانيا) النازية، للعثور على تلك الملفات، التي تحوي كل اسرار الشفرات السوفييتية، وكل النتائج التي استخلصها الخبراء الألمان، في دراستها وفحصها وتحليلها. فعلى الرغم من أن الحرب قد وضعت اوزارها بالفعل، ومن أن الشفرة يتم تغييرها دورياً، وحتماً بعد نهايات الحروب، إلا أن ما فعله الألمان كان يكشف نمط التفكير التشفيري السوفييتي، واسلوبهم في التعامل مع الاتصالات السرية، وهو أمر يكفي لكشف معظم محاولاتهم المستقبلية، على نحو يعرضهم لخطر جسيم، في الحرب الباردة المقبلة... والفريقان يدركان هذا جيداً... ويسعيان للفوز بتلك الغنيمة، منذ سقوط (المانيا)... الاميركيون لكشف اسرار نظم الاتصالات والتشفير السوفييتية...، والسوفييت للحفاط على أسرارهم، ومنع خصومهم من الفوز بها...، ولكن كل محاولات الفريقين لم تسفر عن اية نتائج، طوال الأعوام الماضية، على الرغم من الجهود المضنية، والاستجوابات العنيفة، وتعذيب وقتل العشرات من ضباط الجيش النازي السابقين، في غرف التحقيقات. لذا فقد كان ما أعلنه (رودلف) مثيراً وهاماً إلى اقصى حد، مما دفع الأميركيين إلى احاطته بكل الرعاية والسرية، واستجوابه بقدر هائل من الحزم والصرامة... والرفق أيضاً، ولكن الجندي النحيل رفض بإصرار الافصاح عن مخبأ الملفات السرية للشفرة السوفييتية، قبل أن يحصل على موافقة صريحة، ببقائه في (المانيا) الغربية، وعدم عودته نهائياً إلى (المانيا) الشرقية. ولأن الأمر لا يحتمل المحاورة والمناورة طويلاً، فقد تحركت السلطات الأميركية بسرعة ودون ابطاء، ولم تمنح (رودلف ميلر) موافقة فحسب، وإنما منحته ايضاً جواز سفر رسمي، ينسبه إلى الجانب الغربي. وكانت فرحة الألماني الشاب عارمة، حتى أنه لم يكد يحصل على الجواز، حتى أبلغهم بموقع البناية، التي تم اخفاء الملفات السرية في خزانة سرية، مدفونة في قبورها... ودون اضاعة لحظة واحدة، اسرع الكل إلى خريطة (المانيا) بحثاً عن تلك البناية، و... وجاءت الصدمة عنيفة للغاية... فالقبو الذي اخفيت فيه خزانة الملفات السرية، كان يكمن اسفل بناية حكومية المانية عريقة، ولكن... في الجانب الآخر... الجانب السوفييتي.). (3) الجانب الآخر. ( "والآن ماذا نفعل؟!"... ألقى مدير المخابرات الأميركية السؤال، وهو يتطلع إلى خريطة (المانيا)، التي حملت دائرة حمراء، تشير إلى موقع النيابة الحكومية، الذي أخفيت أسفله خزانة ملفات الشفرة السرية السوفيتية، قبل أن يتابع في اهتمام متوتر: - الأمور بيننا وبين السوفيت متوترة للغاية، في هذه الأيام، وهم يراقبون كل تحركاتنا بمنتهى الدقة والتحفز، وعبور أي من رجالنا إلى الجانب الشرقي، أمر محفوف بكافة المخاطر، فما بالكم بالوصول إلى مبنى حكومي، واقتحام قبوه، وحفره، للحصول على الملفات من أعماقه؟ أشار مساعده الكولونيل (هارولد) بسبابته، قائلاً في حزم: - هناك أيضاً مشكلة فتح الخزانة، التي يؤكد ذلك الجندي أنها من طراز حديث. تنهد مدير المخابرات، قائلاً: - هذا يزيد الأمر تعقيداً. انبرى أحد رجال المخابرات، يقول في حزم: - الأمر يحتاج إلى فريق خاص، يضم اثنين من رجالنا، وخبير خزائن، و... قاطعه الكولونيل (هارولد) مستنكراً: - أية فكرة حمقاء هذه؟!.. إرسال فريق كامل يكفي، ليس لجذب انتباه السوفيت فحسب، ولكن لإشعال الموقف كله، على نحو سنفقد فيه حتماً السيطرة على كل الأمور. أدار مديرالمخابرات عينيه إليه بنظرة صارمة بسبب أسلوبه الفظ، فتنحنح مستطرداً: - ثم ان المخابرات السوفيتية أكثر عراقة منا، ورجالها أكثر حنكة وخبرة، ولست أستبعد وجود جواسيس لهم في صفوفنا، وربما ملفات كاملة عنا أيضاً.. ثم لوح بيده في حدة، متابعاً: - ولن أستبعد كونهم يعرفون رجالنا، ويحفظون وجوههم عن ظهر قلب.. هتف به مدير المخابرات في غضب: - إنك تهون من شأننا، وتعلي من قدرهم يا (هارولد). أجابه (هارولد) في حزم: - في عملنا، هذا أفضل من التهوين من شأنهم، والإعلاء من قدرنا، نحن نزعم خوض حرب جواسيس في أرضهم. انعقد حاجبا المدير في عصبية، في حين قال رجل المخابرات (ادجرتون)، في رصانة اشتهر بها بين أقرانه: - أعتقد أن الكولونيل (هارولد) على حق يا سيدي، فنحن جهاز مخابرات وليد، وما زلنا ننهل من خبرات الألمان، الذين يضعون الدعامات الأساسية لنا، وفي عملية كهذه، ينبغي أن نتخذ كل الاحتياطات، على نحو لم يسبق له مثيل. استدارت العيون كلها إليه، وسأله (هارولد) في اهتمام: - ألديك اقتراح ما يا (ادجرتون)؟! صمت (ادجرتون) بضع لحظات، وهو يفكر في عمق، قبل أن يقول في بطء: - بل.. لدي مرشح للمهمة.. مرشح مناسب تماماً. منحه الكل آذانهم واهتمامهم، وهو يحدثهم عن مرشحه.. ولكن المفاجأة كانت قوية وعنيفة.. إلى أقصى حد...
ارتسمت دهشة عارمة على وجه (ستيف جوست)، أشهر لص خزائن، في الولايات المتحدة الأميركية كلها، عندما التقى برجل المخابرات (ادجرتون)، في حجرة خاصة، في سجن (نيويورك)، وقدم له هذا الأخير نفسه، بصفته الفعلية فحدجه (ستيف) بنظرة حذرة، قبل أن يقول بضحكة عصبية: - وما شأن المخابرات الأميركية بي؟!.. صحيح أنني هنا بتهمة سرقة خزانة البنك الفيدرالي، ولكن هذه مجرد جريمة سرقة، وليست خيانة عظمى.. أليس كذلك؟!.. ابتسم (ادجرتون)، وهو يقول: - لقد راجعت ملفك كله يا (ستيف)، والواقع أن أسلوبك قد راق لي كثيراً. ردد (ستيف)، في دهشة حذرة: - راق لك؟!.. أومأ (ادجرتون) برأسه إيجاباً، وهو يقول في رصانة: - بالتأكيد.. صحيح أنك لص خزائن خبير، ولكن من الواضح أنك تعشق المغامرة، وتميل إلى القيام بعمليات صعبة ومعقدة، بدليل أنك لم تحاول قط سرقة خزانة عادية، في شركة أو مصنع مثلاً، وإنما تميل دوماً إلى سرقة الخزائن المحكمة، في الأماكن المحاطة بسياج أمن خاص. هز (ستيف) كتفيه، وتألقت عيناه، وهو يقول في حذر: - الخزائن الكبيرة تحوي نقوداً أكثر. ابتسم (ادجرتون)، وهو يقول: - حقاً؟! أهذا هو السبب الوحيد؟!.. ارتسمت على شفتي (ستيف) ابتسامة، وكأنما يستعيد ذكرى ممتعة، وهز كتفيه، دون أن يجيب، فالتقط (ادجرتون) نفساً عميقاً، قبل أن يقول في هدوء رصين: - ما رأيك في القيام بعملية جديدة؟! رمقه (ستيف) بنظرة صامتة طويلة، قبل أن يقول في سخرية: - هذا يستلزم الانتظار لثلاث سنوات أخرى، حتى تنتهي مدة العقوبة، و... قبل أن يتم عبارته، التقط (ادجرتون) عدة أوراق من جيبه، ووضعها أمام عيني (ستيف)، الذي حدق فيها لحظة وهو يغمغم في حذر أكثر: - ما هذا بالضبط؟! أجابه (ادجرتون): - قرار بالإفراج عنك فوراً، وآخر بالعفو عن كل جرائمك السابقة، وتنقية صحيفة سوابقك تماماً. ثم أعاد الأوراق إلى جيبه، وابتسم لمرأى الدهشة والشك على وجه (ستيف)، قبل أن يتابع في حزم: - باختصار.. إنها فرصة ذهبية، لمحو تاريخك القديم كله، والفوز بمستقبل نظيف، وحياة محترمة، وربما وظيفة يسيل لها اللعاب أيضاً. تحولت دهشة (ستيف) كلها إلى مزيج من القلق والشك، وهو يتطلع إلى رجل المخابرات الأميركي طويلاً، قبل أن يسأله، بكل حذر الدنيا: - مقابل ماذا؟! شد (ادجرتون) قامته، وتطلع إلى وجهه مباشرة، وهو يجيب: - خزانة من طراز الماني، نريدك أن تتسلل إلى موقعها، وتفتحها، وتحصل على كل محتوياتها، و... صمت لحظة، وهو يواصل التطلع إلى وجهه، قبل أن يضيف في حزم: - وتعود بها سالمة. سأله (ستيف)، والحذر يحيط بكل حرف من كلماته: - أعود بها إلى أين؟!.. أليست داخل (أميركا)؟! هز (ادجرتون) رأسه نفياً، قبل أن يقول، وهو يراقب رد فعل (ستيف) بمنتهى الدقة والاهتمام: - بل في (برلين). ردد (ستيف) في دهشة حذرة: - (برلين)؟!.. أجابه (ادجرتون) بكل الصرامة: - نعم.. (برلين) الشرقية. وفي هذه المرة، حدق (ستيف) في وجه (ادجرتون) طويلاً.. ولكن العجيب أن ملامحه لم تحمل ذرة واحدة من الانزعاج أو التوتر أو الخوف، بل على العكس تماماً، فقد تألقت عيناه على نحو عجيب، وأطلت منهما نظرة، أشبه بنظرة طفل، يستعد لقضاء يوم كامل، في أفخم مدينة للملاهي في العالم، وتراقصت على شفتيه ابتسامة مغامر، قبل أن يقول في حسم: - أنا موافق... وكانت البداية.) (4) المحتال... (لم تكن عملية تدريب (ستيف جوست)، أو السيطرة عليه، سهلة أبداً، فالشاب كان شديد الثقة والاعتداد بنفسه، وينظر إلى العملية برمتها باعتبارها عملية سرقة لمحتويات خزانة منيعة، وليس كمهمة لجهاز مخابرات وليد، يرغب في تأكيد وجوده، والفوز بغنيمة ضخمة، يبدأ بها معركته الكبرى، في الحرب الباردة، التي تستعر نيرانها في كل لحظة.. ولأن (ادجرتون) هو صاحب الفكرة، التي واجهت اعتراضات جمة، قبل أن يوافق عليها مدير المخابرات الأميركي الأول، مع عدة تحفظات أبداها الكولونيل (هارولد)، فقد كان من الطبيعي، وفقاً لقواعد العمل في المخابرات، أن يتولى هو أمر العملية، وأمر إعداد (ستيف) لها.. ومن حسن حظ (ادجرتون)، أنه يتميز بالرصانة والحكمة، وهدوء الأعصاب، والقدرة على ضبط النفس، ولولا هذا لانفجر في وجه (ستيف)، وألغى العملية كلها، منذ اليوم الأول.. فـ(ستيف) يرى أنه مؤهل تماماً للقيام بالعملية، ولا يحتاج إلى أية تدريبات إضافية، في حين كان من الضروري أن يتلقى عدة دروس وتدريبات، حول طبائع السوفيت، ونظم أمنهم، وكيفية التعامل معهم على أرضهم... ولقد استخدم (ادجرتون) أسلوباً خاصاً، يعتمد على كسب ثقة (ستيف) وصداقته، ليشرح له أهمية تلك التدريبات، للتعامل في مجتمع لم يعايشه من قبل، ولا يعلم شيئاً عن نظمه وأساليبه.. وكان أفضل حل لهذا، هو عرض بعض وسائل السوفيت عليه، وقسوتهم في التعامل مع كل من يشكون في أمره، ووحشيتهم في عقاب المجرمين والجواسيس، الذين يقعون في قبضتهم.. والواقع أن هذا قد أصاب (ستيف) بصدمة حقيقية، إلا أنه لم يرفض التخلي عن العملية، بل بدا وكأن المخاطر الجمة قد ضاعفت من حماسه، وأشعلت أكثر روح المغامرة في أعماقه. والأهم أنها قد اقنعته بقبول الدراسات والمحاضرات والتدريبات، والمواظبة عليها في اهتمام وشغف.. بل نهم أيضاً.. ولقد قضى (ستيف) أكثر من ثلاثين ساعة مع (رودلف ميلر)، استمع خلالها إلى قصته عشر مرات، وطالبه بوصف الخزانة الألمانية عشرين مرة على الأقل، حتى يمكنه تحديد نوعها، وطرازها، وكيفية التعامل معها، عندما تحين لحظة المواجهة المنشودة.. وبعد شهر واحد تقريباً، من الدراسات والتدريبات المكثفة، قرر (ادجرتون) أن (ستيف جوست) قد استوعب الأمر كله، وأصبح مؤهلاً للقيام بالمهمة، والسفر إلى (برلين) الشرقية فوراً.. وكان هذا يحتاج إلى اجتماع جديد؛ لإصدار قرار بهذا.. وفي هذه المرة، اجتمع مدير المخابرات مع الكولونيل (هارولد)، و(ادجرتون) فحسب.. ومرة أخرى، أبدى (هارولد) تحفظاته، الخاصة بعدم ثقته في ردود أفعال (ستيف)، إذا ما حصل على الملفات السرية بالفعل؛ فهو يخشى أن يحاول هذا الأخير الاستيلاء عليها، أو بيعها لأي خصم، أو جهة منافسة، باعتباره مجرد لص، لا يمكن الوثوق به تماماً، ولكن (ادجرتون) أصر على أن الشاب لص، ولكنه ليس خائناً.. ولم تستغرق المناقشة حول هذه النقطة طويلاً، قبل أن يحسمها مدير المخابرات في صرامة، قائلاً: - لقد كنا نعرف أنه لص، قبل أن نبدأ كل هذا، ولن نتراجع الآن، بعد كل ما فعلناه. لم يرق هذا للكولونيل (هارولد)، إلا أنه أطاع رئيسه، وانتقل بالمناقشة إلى نقطة أخرى أكثر أهمية.. الصفة التي سيدخل بها (ستيف) (برلين) الشرقية، تحت سمع وبصر سلطات الأمن السوفيتية، المتحفزة دوماً، للانقضاض على كل من تحيط به الشبهات.. كان الاقتراح التقليدي هو أن يسافر كمراسل صحفي لجريدة محترمة، مثل (واشنطن بوست)، ولكن (ادجرتون) اعترض بأن السوفيت يراقبون المراسلين الصحفيين دوماً، باعتبارهم جواسيس من طراز يختلف، ولكنهم أيضاً يبحثون عن المعلومات.. ولقد طرح (هارولد) والمدير عدة بدائل، اعترض عليها (ادجرتون) أيضاً، بحسم وحزم وإصرار.. وعندما نضبت اقتراحاتهما، هتف الكولونيل (هارولد) في حنق: - كيف تتصور دخوله إلى عرين الأسد إذن؟! التقى حاجبا (ادجرتون)، وبدت عليه علامات التفكير العميق، وهو يتراجع بمقعده، وينقل بصره بينهما بضع لحظات، قبل أن يعتدل فجأة، مجيباً في حزم: - كسائح عادي. حدق الإثنان في وجهه بدهشة، قبل أن يقول (هارولد) في عصبية: - مستحيل!.. جرت العادة في عالم المخابرات، على أن.. قاطعه (ادجرتون)، دون أن ينتبه إلى فارق الرتب بينهما، وهو يقول: - جرت العادة!!.. هذا بالضبط ما ينبغي أن نتجنبه، في هذه العملية بالذات.. لقد بدأناها على نحو غير تقليدي، ولن يضيرنا أن نواصلها على النمط ذاته. تبادل المدير نظرة صامتة متوترة مع (هارولد)، قبل أن يقول في حذر: - تذكر أنه ليس رجل مخابرات محترف. أجابه (ادجرتون) في سرعة: - ولكنه محتال محترف، ويجيد التعامل مع الآخرين، واقناعهم بسلامة طويته. تساءل (هارولد) في صرامة: - حتى السوفيت؟! ابتسم (ادجرتون) في ثقة، وهو يجيب: - حتى السوفيت. تواصلت المناقشات لساعة أخرى، قبل أن يصدر القرار أخيراً ببدء العملية، التي أطلقت عليها المخابرات الأميركية اسم (عملية اللص).. وتحت إشراف (ادجرتون)، سافر (ستيف جوست) إلى (برلين) الغربية، وهو يحمل جواز سفر، باسم رجل الأعمال الأميركي (جاك ستيوارت)، وبطاقة عضوية في جمعية رجال الأعمال الأميركيين في (المانيا) الغربية. ومنذ وضع قدميه على أرض (المانيا)، بدأ (ستيف) يتصرف كمحترف حقيقي، وكمحتال من الطراز الأول أيضاً، فقد زار مقر جمعية رجال الأعمال، التي يحمل بطاقة عضويتها، وسجل اسمه كمستثمر جديد، ثم حمل سجله، صباح اليوم التالي، إلى الغرفة التجارية الألمانية، وبدأ يتحدث عن رغبته في صناعة إطارات نظارات، ذات تصميمات خاصة، وعدسات من أفضل الموجود.. وكإجراء طبيعي، قرر زيارة مصانع النظارات الشهيرة في (برلين)، ثم لم يلبث أن طلب زيارة مصانع (كارل زايس)، أشهر منتج عالمي للعدسات، ولكن مسؤول الغرفة التجارية الألمانية أخبره بكل الأسف أن تلك المصانع في (برلين) الشرقية، وليس الغربية.. وهنا، قرر السفر إلى (برلين) الشرقية، لمعاينة عدسات (كارل زايس)، والتعاقد مع الإدارة الجديدة للمصنع لإمداده بالعدسات المطلوبة لإطاراته المبتكرة الجديدة.. وعند الحدود، راجع السوفيت أوراقه في روتينية، وطالعوا جواز سفره باهتمام تقليدي، قبل أن يسمحوا له بدخول (برلين) الشرقية.. وعبر (ستيف) الحاجز الحديدي، كما أطلقوا عليه في تلك الأيام، وأصبح داخل (برلين) الشرقية بالفعل، ولم يعد متبقياً سوى الاتجاه إلى ذلك المبنى الحكومي، والتسلل إلى قبوه، وفتح الخزانة، والاستيلاء على وثائق وملفات الشفرة السوفيتية الخاصة. وفي (برلين) الغربية، تلقى أزرق العينين تقريراً يفيد عبور (ستيف)، فأبرق بالأمر إلى (واشنطن)، التي استقبلته بارتياح، وبترقب لبدء العملية الفعلية... أما في (موسكو)، فقد كان الأمر يختلف تماماً... فقد كان الكولونيل (جياريف)، نائب رئيس الـ(كي.جي.بي)، للشؤون الغربية، يراجع بعض التقارير الهامة العاجلة، الواردة من بعض عملاء (واشنطن)، عندما دلف أحد ضباطه في احترام ولهفة يشفان عن أهمية وخطورة ما جاء من أجله: - الجاسوس، الذي أبلغنا عميلنا في المخابرات الأمبركية بأمره، عبر إلى (برلين) الشرقية منذ دقائق. التقى حاجبا الكولونيل (جياريف)، فدفع ضابطه أمامه مجموعة من الأوراق، مع برقية شفرية، وردت من (برلين) الشرقية منذ لحظات، وصورة... صورة واضحة، للجاسوس الذي تحدث عنه... صورة (جوست)... (ستيف جوست).). (5) في عرين الأسد. (لأن (ستيف جوست) لص محترف قبل أن يكون عميل مخابرات، فقد طبق، منذ اللحظة الأولى، كل قواعد عالم اللصوصية، الخاصة بالاستعداد لعملية سرقة جديدة... لقد قضى اليوم الأول والثاني في زيارة مصانع (كارل زايس)، كما يفعل رجل أعمال تقليدي، ولكنه، وفي كل مرة، كان يعود إلى فندقه عن طريق الشارع، الذي يضم تلك البناية الحكومية، ليرصدها ببصره جيداً، دون أن يتوقف عندها لحظة واحدة.. وفي (موسكو)، كان الكولونيل (جياريف)، رجل المخابرات السوفيتية العريق، يتابع كل تحركات (ستيف) عبر البرقيات التي يرسلها إليه مكتب (برلين) الشرقية، وهو يراجع، في الوقت ذاته، المعلومات التي أرسلها عنه ذلك العميل السري، الذي زرعوه في قلب المخابرات الأميركية منذ مولدها... ولقد رصد ذلك العميل واقعة فرار جندي الإشارة السابق (رودلف ميلر)، واهتمام المخابرات الأميركية بشأنه، منذ اللحظات الأولى، ولكنه لم يتوصل إلى تداعيات الموقف، إلا بعد أن بدأ (ستيف جوست) تدريباته بالفعل. ومع نوعية التدريبات والمحاضرات، وعلى الرغم من حرص (ادجرتون) الشديد على السرية، فقد تمكن العميل من إدراك الهدف، من الاستعانة بـ(ستيف جوست).. ثم فجأة، وقبيل سفر (ستيف) بيوم واحد، ومن خلال مصادفة بحتة، تشف عن ضعف إجراءات الأمن، في المخابرات الأميركية الوليدة، علم العميل أن مهمة (ستيف جوست)، هي الوصول إلى خزانة سرية، تحوي ذلك الكنز، الذي يبحث عنه المعسكران المتنازعان، منذ سقوط واندحار الرايخ الثالث.. ولم تكد تلك المعلومة تبلغ الجانب السوفيتي، حتى قامت الدنيا هناك ولم تقعد.. ونظراً لخطورة الأمر، تم إسناد العملية إلى واحد من أقدم وأهم وأخطر رجال المخابرات السوفيتية.. الكولونيل (يوران جياريف).. ولقد طالع (جياريف) كل البرقيات، التي أرسلها عميلهم في المخابرات الأميركية، حول هذا الأمر.. كان كل ما يعلمونه هو أن المخابرات الأميركية تعلم أين تلك الخزانة، وأنهم قد جندوا لصاً سابقاً، وخبيراً في الخزائن، للوصول إليها.. ولكن عميلهم لم يتمكن من معرفة موقع تلك الخزانة السرية أبداً.. ولقد اقترح بعضهم، مع وصول صورة (ستيف)، أن يتم إلقاء القبض عليه عند الحدود، وتعذيبه بكل السبل الممكنة، حتى يعترف بما لديه.. ولكن (جياريف) لم يقتنع بهذا الرأي أبداً، وخاصة بعد أن درس ملف (ستيف جوست)، الذي أرسله عميلهم في المخابرات الأميركية، فور حصوله عليه.. فوفقاً لشخصية (ستيف)، والتحليلات النفسية التي حواها ملفه، كان من المستحيل انتزاع أية معلومات منه بالقوة؛ فهو من ذلك الطراز، الذي يفضل الموت ألف مرة، على الاستسلام لخصمه.. لذا فقد كانت لديه خطة أكثر واقعية.. أن يتم السماح للص الأميركي بدخول (برلين) الشرقية، دون أن يشعر لحظة بما يحاك له، على أن تتم مراقبته بدقة، حتى يبلغ هدفه.. وعندئذ، يتم الانقضاض عليه من كل جانب.. ولأنه لا يميل كثيراً لمغادرة (موسكو)، فقد أسند هذه المهمة لأفضل تلاميذه، وأكثرهم ذكاءً وخبرة.. (أليكس بريلمانوف).. وقبل حتى أن يصل (ستيف) إلى (برلين) الشرقية، كان (أليكس) يطير بطائرة خاصة إلى هناك ليبدأ الصراع.. صراع الجواسيس.. أما (ستيف)، فقد انتظر في صبر، حتى يوم الأحد التالي، حيث تغرق (برلين) كلها في إجازة عامة، ثم حمل آلة التصوير الخاصة به، وارتدى زياً خفيفاً، كأي سائح بسيط، وخرج للتجول في (برلين) الشرقية.. وكأي سائح عادي أيضاً، راح يلتقط الصور للميادين، والنافورات، والمباني القديمة أيضاً.. كل ما صادفه من مبان قديمة.. ولأنه محترف، لم يول اهتماماً أكثر لذلك المبنى الحكومي، الذي يحوي الخزانة، بل التقط له العدد نفسه من الصور، ومن الزوايا نفسها. ولقد أثار هذا اهتمام وانتباه (أليكس بريلمانوف) بشدة، وهو يراجع التقارير والصور، التي التقطها رجال (كي. جي. بي) للأميركي، وغمم في شيء من العصبية: - هذا الرجل محترف بحق. ثم راح يحك ذقنه لدقيقة كاملة، كعادته كلما انهمك في تفكير عميق، قبل أن يضيف في توتر: - لم أكن أتصور أن الأميركيين قد تقدموا الى هذا الحد. صمت مرة أخرى لفترة طويلة، ولكن أحداً من رجاله لم يجرؤ على مقاطعة صمته هذا بحرف واحد، حتى اعتدل فجأة، وسأل في اهتمام شديد: - كم تبلغ مدة تأشيرة الإقامة، التي حصل عليها ذلك الأميركي. أجابه مساعده في سرعة: - أسبوع واحد. التقى حاجباه في شدة، وهو يقول: - عظيم.. هذا يعني أنه لابد وأن يضرب ضربته خلال الأيام الأربعة المقبلة. وانطلقت من أعمق أعماق صدره زفرة ملتهبة، قبل أن يضيف في صرامة، وهو يتراجع مرة أخرى في مقعده: - يمكننا الانتظار إذن.. وصمت لحظة، ثم استعاد عصبيته لسبب ما، وهو يستطرد: - والصبر. أما (ستيف)، فقد قضى اليوم الرابع في زيارة مصانع (كارل زايس)، وبدأ يتفاوض بالفعل على شروط التعاقد، حتى الثالثة عصراً، ثم عاد إلى فندقه، وظل به حتى السادسة، ثم غادره ليحصل على الصور، التي طلب من أحد المحال الشهيرة في (برلين) الشرقية طباعتها. كانت كل تصرفاته تبدو هادئة بسيطة، على نحو لا يمكن أن يثير الشبهات حوله، في أية ظروف عادية.. وداخل حجرته بالفندق، فرد (ستيف) كل صور المبنى الحكومي أمامه، وراح يدرسها بمنتهى العناية، كما يفعل في كل مرة، يقوم فيها بواحدة من عمليات السرقة المعقدة، التي اشتهر بها.. وفي اللحظة التي كان يضع فيها لمسات خطته، كان هناك تطور خطير يحدث هناك.. في (واشنطن).. فمع خطأ أمني، وقع فيه عميل المخابرات السوفيتية، انكشف أمره.. ووقع في قبضة المخابرات الأميركية.. وفي عالم المحترفين، يكون أول ما يحرص عليه جهاز المخابرات، عندما يوقع جاسوس بين صفوفه، هو أن يمنعه من تدمير أوراقه، ومن إبلاغ جهاز المخابرات المنافس سقوطه.. لذا فقد كشف الأميركيون أمر الجاسوس السوفيتي، ولكنهم لم يظهروا هذا، واكتفوا بمراقبته بعض الوقت، ورصد كل تحركاته وسكناته واتصالاته.. وفي الوقت ذاته، كان هو يواصل محاولاته، لتنفيذ ما تلقى الأوامر من (موسكو) بشأنه، وجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن المهمة، التي سافر من أجلها (ستيف جوست) إلى (برلين) الشرقية.. وعندما أدرك الأميركيون ما يسعى إليه الجاسوس، أصابهم الذعر، حتى أن (ادجرتون) قد تخلى عن وقاره ورصانته التقليديين، وهو يهتف: - رباه!.. إذن فقد كشفوا أمر (ستيف). أجابه (هارولد) في عصبية: - بالتأكيد.. ولكن المشكلة أنه ليست لدينا وسيلة واحدة للاتصال به أو تحذيره. وانعقد حاجباه الكثان، وهو يضيف: - ولكن لدينا معلومات مؤكدة بأنهم لم يحاولوا حتى إلقاء القبض عليه، حتى هذه اللحظة. حدق (ادجرتون) في وجهه بدهشة تحمل لمحة من الذعر، قبل أن يلتقي حاجباه بدوره، وهو يقول في توتر شديد: - السوفيت يلعبونها بحرفية شديدة. نطقها، ثم غرق في تفكير عميق، احترم خلاله (هارولد) صمته، فلم ينبس ببنت شفة، حتى رفع (ادجرتون) عينيه إليه فجأة، قائلاً بمنتهى الحزم، الحسم، والصرامة، والإصرار: - سأسافر إلى (برلين). واتسعت عينا الكولونيل (هارولد) عن آخرهما.. فقرار (ادجرتون) كان مباغتاً وخطيراً.. وإلى أقصى حد.). (6) غريزة أساسية. (على الرغم من أن (ستيف جوست) قد درس بالفعل، كل التفاصيل الدقيقة لتصميمات ذلك المبنى الحكومي المستهدف، اثناء تدريباته في أميركا، إلا أنه قضى شطراً طويلاً من الليل، في دراسة الصور التي التقطها للمبنى، بمنتهى الدقة والاهتمام. فبطبيعته كلص سابق، لم يكن يشعر بالارتياح، إذا لم يدرس موقع عمليته، من خلال تصميمات هندسية على أوراق كبيرة. كان يحتاج إلى نوع من التآلف البصري، والاعتياد المكاني... وفي الظروف العادية، كان سيذهب بنفسه لزيارة المبنى، ويتجول فيه بعض الوقت، ويقترب من موضع الخزانة المنشودة بقدر الامكان، حتى يألفه، ويعتاده، ويستطيع التحرك داخله بخفة وبساطة، عندما تحين اللحظة. ولكنه، وفي ظل عمله لحساب جهاز مخابرات، في أرض معادية، كان مضطراً للاكتفاء بهذه المجموعة من الصور. وكان عليه أن يغوص بكيانه داخلها، كما لو انه يتجول في المكان فعلياً... وهذا بالنسبة إليه أمر عسير... عسير للغاية... لذا، فهو لم يشعر بالارتياح قط، بل راوده شعور بالتوتر، في الثالثة والربع صباحاً، مما دفعه إلى الخروج للشرفة، على الرغم من برودة الجو. ولم يكد (ستيف) يفعل، حتى انطلق في أعماقه جرس انذار مباغت، وأضاء في أعمق أعماق مخه مصباح أحمر صغير. غريزة اللص في أعماقه، صرخت بكل قوتها، في كل خلية من جسده، عندما وقع بصره على السيارة السوداء الصغيرة، التي تقف أمام الفندق مباشرة، وعلى ذلك الرجل البدين الغليظ داخلها، والذي كان يتطلع إلى شرفته مباشرة. صحيح أن البدين قد ادار عينيه بعيداً، فور خروج (ستيف) إلى الشرفة، إلا أن هذا الأخير كان من الذكاء والحنكة والخبرة، بحيث رصد الموقف كله في ثانية واحدة لا غير... واستوعبه... وفهمه... كان من السهل أن يدرك عقله الأمر، مع وجود ذلك البدين، في تلك الساعة المتأخرة، وتطلعه إلى شرفته هو بالتحديد، على الرغم من أن واجهة الفندق تحوي ثلاث عشرة شرفة أخرى. ولكن مثله لم يكن يعتمد على عقله وحده، في مثل هذه الأمور... لقد كان اعتماده الرئيس دوماً، على غريزة خاصة، كامنة في أعماقه، وتجيد تحليل الأمور واستيعابها، بأكثر مما يجيدها عقله ألف مرة... غريزة أساسية، لم يهمل الاستماع إليها طوال حياته، إلا في تلك المرة، التي سقط فيها في قبضة الشرطة... وهذه الغريزة الأساسية أنبأته بأنه مراقب... وبأن أمره قد انكشف... وعلى الرغم من هذا، فإن خلية واحدة من جسده لم ترتجف، أو تنكمش، خوفاً، أو ذعراً... لقد ظل هادئاً، بسيطاً، والتقط نفساً عميقاً، ملأ به صدره بالهواء البارد، دون أن يلقي نظرة ثانية على السيارة السوداء، أو البدين داخلها، ثم عاد إلى حجرته، وأغلق الشرفة في احكام. وفي بطء، اتجه إلى فراشه، ورقد فوقه، وراح يتطلع إلى السقف، وعقله يعمل في سرعة ودقة لتحليل الموقف، على ضوء المعطيات الجديدة... لقد انكشف أمره... ليست لديه ذرة من الشك في هذا... صحيح أنه قد اتبع كل أساليب الحيطة والحذر، ولكنهم كشفوا أمره بوسيلة ما، لا يمكنه التوصل إليها الآن. ولساعة كاملة، راح يدرس الموقف منذ البداية، ويحاول استيعابه، وتحليله، وفهم ما يفعله السوفيت، على ضوء دراسته لأسلوبهم، ونظمهم، وطبيعة أجهزتهم الأمنية، في (برلين) الشرقية. ورويداً رويداً، وبعبقرية فذة، استنتج عقل اللص السابق الأمر كله. وعلى نحو مدهش بحق، كما أشارت التقارير، التي أفرج عنها، بعد أكثر من ربع قرن من الزمان. فقد استنتج وجود جاسوس سوفيتي، وسط صفوف الأميركيين، أنبأهم بأمره، ولكنه عجز عن تحديد هدفه. لهذا تركه السوفيت يدخل (برلين) الشرقية، ويعمل داخلها، دون أن يلقوا القبض عليه، أو يحاولوا اعتراضه أو منعه، من مواصلة مهمته... إنهم مثل الأميركيين، يتلهفون على الحصول على تلك السجلات النازية، التي تحوي كل أسرار شفرات اتصالاتهم، ومستعدون للقتل في سبيلها... لذا، فقد تركوه يعمل، واكتفوا بمراقبته، حتى يظفر بالغنيمة، لينقضوا عليه من كل صوب، ويفوزوا بها... وبعدها لن ينتظره سوى مصير واحد... مصير مظلم رهيب... استعاد عقله كل المعلومات والصور، التيي شاهدها للمعتقلات السوفيتية، ووسائل اللاستجواب والتعذيب، وهو راقد على فراشه، وعيناه تحدقان بالسقف في شرود، وذهنه يعمل على نحو عجيب، يكاد معه مخه يشتعل. ولكن من المؤكد أن (ستيف جوست) هذا، كان من طراز خاص للغاية فقد حسم أمره، قرب الخامسة صباحاً، واتخذ قراره، ثم نام ملء جفنيه حتى التاسعة، وكأنما لا يشغله أي شيء آخر في الوجود... وفي التاسعة والنصف، كان يتناول إفطاره في فندقه، وهو هادئ الملامح، باسم الثغر، وكأن كل ما يدور حوله مجرد فيلم هزلي، يثير في أعماقه أكبر قدر من الاستمتاع... وفي هذا الصباح، وعلى الرغم من ارتباطه بموعد سابق، لم يذهب (ستيف) إلى مصانع (زايس)، وإنما اتجه إلى متحف التاريخ، وقضى فيه ما يقرب من ثلاث ساعات كاملة، يفحص كل ركن، وكل حجرة، ثم توقف لنصف ساعة كاملة عند مدخل القبو، والتقط له عدة صور، منها صورة مقربة لرتاج الباب، أثارت انتباه مراقبه، الذي أسرع يبلغ الخبر لرجل المخابرات السوفيتية (أليكس)... ولقد استقبل (أليكس) الخبر في حيرة شديدة، جعلته يتراجع في مقعده، ويحك ذقنه بكل عصبية الدنيا، قبل أن يغمغم: - عجباً!... ماذا أصابه؟! سأله مساعده في حذر: - ما الذي يقلقك أيها الرفيق؟! أشار (أليكس) بيده، قائلاً: - الرجل كان حريصاً للغاية منذ البداية، وكان يتصرف بحرفية مدهشة، ثم فجأة، تجاهل كل هذا، وبدأ يعمل على نحو سافر، إلى درجة مستفزة، فما الذي يمكن ان يعنيه هذا؟! بدأ التفكير على وجه مساعده بضع لحظات، قبل أن يتمتم في حيرة: - ما الذي يمكن أن يعنيه؟! تنهد (أليكس)، قائلاً: - ربما لم تعد هناك ضرورة للانتظار. ثم اعتدل بحركة حادة، مستطرداً: - ذلك الرجل ينوي القيام بمهمته الليلة. هتف مساعده في انبهار: - الليلة أيها الرفيق؟! هب (أليكس) من مقعده، وهو يقول في صرامة: - أبلغ المراقبين أنني أريدهم أن يتابعوا كل حركة يقوم بها ذلك الأميركي... كل همسة... كل خطوة يخطوها... لا أريده أن يغيب عن بصرهم لحظة واحدة. قال مساعده في توتر: - هذا ما يفعلونه طوال الوقت. صاح به (أليكس): - أريدهم أن يفعلوه بدقة أكبر. أسرع مساعده يبلغ أوامره للمراقبين، في حين اتجه (أليكس) نحو نافذة حجرة مكتبه، وعقد كفيه خلف ظهره، وهو يتطلع عبرها في صمت، وقد انعقد حاجباه في شدة، وعقله يدير الأمر في رأسه مرة ثانية... وثالثة... ورابعة... وعلى الرغم من ثقته فيما ذهب إليه، كانت هناك لمحة من الشك، تعربد في أعماقه، و... " متحف التاريخ أغلق أبوابه...". اقتحم صوت مساعده أفكاره، فقال في صرامة عصبية: - دعهم يتبعونه، أينما ذهب. ازدرد مساعده لعابه، قبل أن يقول بكل توتره: - إنه لم يغادره. واستدار إليه (أليكس) في دهشة عارمة... فالخبر كان مفاجئاً... ومقلقاً... للغاية.) (7) الأوراق المكشوفة. (في صبر عجيب، ظل (ستيف) يتجول في متحف التاريخ، حتى انطلق جرس الإغلاق، وبدأ الحراس عملية تنظيم خروج الزائرين.. عندئذ، تحرك (ستيف) في خفة، ودلف إلى واحدة من دورات المياه، الموجودة بالمكان، ووثب يتعلق بالإطار العلوي لبابها، ثم دفع جسده في رشاقة مدهشة، ليلصق ظهره بالسقف، ويتعلق في هذا الوضع المعقد، حتى فتح أحد الحراس الباب، وتأكد من خلو المكان، ثم أغلق من الخارج في إحكام. عندئذ فقط، وثب (ستيف) إلى الأرض في خفة، ودون أن يحدث أدنى صوت، ثم ألصق أذنه بالباب، ليتابع عملية إخلاء المكان وإغلاقه. وفي الخارج، كان المراقبون يشتعلون توتراً وحيرة، وهم يراقبون خروج زوار المتحف، دون أن يبدو أدنى أثر للأميركي، الذي كانوا يراقبونه بالداخل منذ دقائق.. وانتهى خروج الجميع، وأغلق الحراس المتحف من الخارج بالفعل.. وجن جنون المراقبين.. ولنصف ساعة أو يزيد، راح المراقبون يدورون حول المبنى، الذي أغلقت كل مداخله ومخارجه، دون أن يظهر أثر (ستيف).. ثم وصل (أليكس) بنفسه، في سيارة خاصة، وراح يستجوب المراقبين لنصف ساعة أخرى، قبل أن يتأكد من أن الأميركي مازال بالداخل، على نحو لا يتطرق إليه الشك.. وفي توتر، تطلع (أليكس) إلى مبنى متحف التاريخ، خمس دقائق كاملة، قبل أن يقول بلهجة آمرة صارمة: - حاصروا المبنى.. اطلبوا امدادات إضافية.. المهم ألا تتركوا ثغرة واحدة، تكفي لخروج ذبابة من هنا. سأله مساعده في توتر: - لم لا نقتحم المتحف أو.. قاطعه في صرامة قاسية: - كلا.. من الخطأ الجسيم أن نفعل هذا. ثم عاد يتطلع إلى مبنى المتحف، مستطرداً في حدة: - دعوه يقوم بعمله، حتى يحصل على ما أتينا من أجله. وصمت لحظة، ثم أضاف في صرامة: - ونحن نحاصر المبنى كله، ولن يجد وسيلة واحدة للخروج منه، دون أن يقع في قبضتنا. في اللحظة نفسها، التي نطق فيها عبارته، كان (ستيف) يخلع معطفه الأنيق، ويلقيه جانباً، ليبدو من تحته ذلك الزي الرياضي الأسود، الذي ارتداه في الصباح، ثم استبدل حذاءه الجلدي بحذاء أسود رياضي، كان يخفيه في جيبي معطفه، وحمل حول كتفه حبلاً قوياً، ينتهي بخطاف رباعي، قبل أن يعدو في خفة في درجات سلم المبنى، حتى بلغ طابقه الثالث والأخير. ومن هناك تسلل إلى السقيفة العلوية، التي يحتفظون فيها بالمقتنيات القديمة، وعبر نافذتها، ليتطلع من أعلى إلى رجال المخابرات السوفيتية، الذين أحاطوا بالمبنى، في انتظار خروجه.. كان هذا يعني أن ذلك الجزء من خطته الفطرية ناجح للغاية، على الأقل من جذب الكل إلى حيث أراد.. وعلى الرغم من حساسية الموقف، ودقته، وخطورته، كان (ستيف) يتحرك بهدوء ونشاط وحيوية، كما لو أنه لاعب في سيرك، وليس عميلاً لجهاز مخابرات، معادياً للدولة التي يعمل على أرضها، ويكفي خطأ واحد منه، ليكون الموت مصيره، بلا رحمة أو هوادة... وبكل الخفة والحذر، راح يسير على الإفريز الضيق، المحيط بالسقيفة، وهو يحمل الحبل ذا الخطاف الرباعي على كتفه.. كانت المسافة التي تفصله عن ركن المبنى لا تزيد عن عشرة أمتار، ولكنها بدت أشبه بدهر كامل، وهو يسير على بمنتهى الحذر، فوق ذلك الإفريز، ال
salih sam
لـــواء
الـبلد : المهنة : College studentالمزاج : اللهم سلم السودان و اهل السودان التسجيل : 09/05/2011عدد المساهمات : 7924معدل النشاط : 6296التقييم : 271الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
هي أشهر أنثى عرفها التاريخ ، في هذا المجال ... مجال الجاسوسية ....
ما من رجل واحد أو امرأة ، ممن يعملون من قريب أو بعيد في ذلك العالم السري ، إلا ويعرف أسمها ، وتاريخها ...حتى السينما خلدتها في أفلام تحمل اسمها نالت شهرة واسعة وحققت أرباحا مدهشة ...
إنها أشهر جاسوسة عرفها التاريخ ... إنها ( ماتاهاري ) و ( ماتاهاري) هذه راقصة هولندية إندونيسية ... ولدت في جزيرة ( جاوة ) من أب هولندي وأم إندونيسية ومع مولدها في دقائق الفجر الأولى أطلقت عليها أمها اسم ( ماتاهاري) الذي يعني بالإندونيسية ( نجمة الصباح ) ....
ولتضيف نجمة الصباح هذه إلى ثقافتها الهولندية- الإندونيسية نمطا جديدا ، تلقت تعليمها في أحد المعابد الهندية حيث تعلمت الرقص الهندوسي الإيقاعي الذي كان له أبلغ الأثر في عملها فيما بعد ... واحبت ماتا هارى ضابط مخابرات هولندى وانتشرت قصه الحب بينهما فى كل انحاء الجزيره.. ثم لم يلبثا ان توجا هذا الحب بالزواج .. وكان ثمرة الزواج هو ابنتهما الوحيده باندا.. وعلى الرغم من هذا فان الحياه قد استحالت بينهما بسبب طموح ماتاهارى الشديد .. على العكس من زوجها الذى تمسك بوظيفته وراى فيها كل الفخر لنفسه.. ثم تطور الامر حتى انفصلا فحمل الضابط ابنته بعيدا وهو يقسم انها لن تراها مره اخرى.. وجن جنون ماتاهارى وراحت تبحث عن ابنتها فى كل مكان بعد ان تاكدت ان زوجها لم ياخذها معه وانما تركها فى رعايه اسره بديله فى اندونيسيا .. وتملك الياس من ماتاهارى وقررت الرحيل.. وعلى العكس مما توقعه الجميع .. فان ماتاهارى لم ترحل الى هولندا .. بل الى باريس عاصمه النور والجمال .. وظلت تتنقل من مهنه الى اخرى .. ولا تستقر فى احداها .. حتى احترفت الرقص وعملت كراقصه محترفه.. ومع رقصها الرائع وذلك الثعبان الضخم الذى تستعين به ماتا هارى فى رقصاتها ..بلغت شهرتها الافاق.. ليس فى باريس وحدها بل انتقلت الى كل انحاء فرنسا .. والى خارجها الى اوروبا .. رغم عدم تقدم وسائل الاتصال فى ذلك الحين ..
حتى فوجئت فى احد الايام باحد ضباط المخابرات الالمانيه فى حجرتها بعد ان انتهت من رقصتها .. وعرض عليها العمل مباشره لحساب الالمان ..
ولا أحد يدري لماذا قبلت ماتاهاري العمل لحساب الألمان
أهو انتماء فكري إلى الحضارة الألمانية أم بغض للفرنسيين الذين يتعاملون معها كراقصة ملهى
أم أنه حب المغامرة والإثارة ...
لا أحد يدري ...
المهم أن ماتاهاري وافقت على العمل لحساب الألمان وبدأت في توطيد علاقاتها بالمسئولين الفرنسيين ، وكبار قادة الجيش وبدأت المعلومات العسكرية تتسرب إلى الألمان على نحو أقلق رجال الأمن الفرنسيين ، ودفعهم للبحث عن سر تسربها ....
وأحاطت الشبهات بـ ( ماتاهاري ) .. كانت أكثر المقربات للمسئولين ورجال الجيش ، والدبلوماسيين الفرنسيين ، ولكن كل هؤلاء أكدوا أن علاقاتهم بها لم تتطرق أبدا إلى الأسرار السياسية أو العسكرية ..
ولكن شكوك رجال الأمن لم تبتعد عن ماتاهاري ...وفي إصرار راح طاقم أمن فرنسي كامل يراقب ( ماتاهاري ) ليلا و نهارا ،على أمل العثور على دليل إدانة واحد ، يتيح لهم إلقاء القبض عليها ومحاكمتها ...
ولكن شيئا من هذا لم يحدث ...
لقد ظلت ماتاهاري على علاقاتها بالجميع ، دون أن ترتكب خطأ واحدا أو تترك خلفها دليلا – ولو بسيطا – في حين استمر تسرب الأسرار العسكرية بلا انقطاع ....
وهنا قفزت إلى ذهن أحد رجال الأمن فكرة ...
لم لا تكون ( ماتا ) قد استغلت علاقاتها بالدبلوماسيين ، وراحت تنقل رسائلها إلى الألمان عبر الحقائب الدبلوماسية التي لا يجوز اعتراضها أو تفتيشها ...
وكانت فكرة لا بأس بها بالفعل ... فكرة تستحق أن توضع موضع التنفيذ ...وعلى الرغم من أنه لا يجوز اعتراض الحقائب الدبلوماسية أو فحصها وتفتيشها فقد نجح رجال الأمن الفرنسيين في التقاط خطابات باسم ( ماتاهاري ) من إحدى الحقائب الدبلوماسية ، وراحوا يفحصونها ، ويمحصونها ، ويدرسونها بكل دقة ، وعلى الرغم من هذا لم يعثروا على دليل واحد ...
كانت ماتاهاري تستخدم أسلوب شفرة شديدة التعقيد في مراسلة عملاء ألمانيا خارج فرنسا ... أسلوب يصعب إن لم يكن من المستحيل فك رموزه وحله ... وثارت ثائرة رجال الأمن عند هذه النقطة ... ودب الخلاف والشقاق بينهم ...
كان بعضهم يرى ضرورة إلقاء القبض على ماتاهاري قبل أن تنقل إلى الألمان أسرار مخيفة قد تؤدي إلى هزيمة فرنسا في حين يرى البعض الآخر أن إلقاء القبض عليها دون دليل ينذرها بشكوكهم دون أن يكفي لإدانتها ...
ولأن الجو كان مشحونا بالتوتر في هذه الأيام فقد تغلب صوت الحذر على صوت العقل ......
وتم إلقاء القبض على ماتاهاري عام 1916 م ومحاكمتها بتهمة الجاسوسية ......
وحدث ما توقعه الطرف الثاني تماما ...لقد أنكرت ماتاهاري التهمة بشدة ، واستنكرتها وراحت تدافع عن نفسها في حرارة وتؤكد ولاءها لـ فرنسا واستعدادها للعمل من أجلها ...
وبدلا من أن تنتهي المحاكمة بإدانة ماتاهاري بتهمة الجاسوسية انتهت باتفاق بينها وبين الفرنسيين ، للعمل لحسابهم والحصول على أية معلومات سرية لهم ، نظرا لعلاقاتها القوية بعدد من العسكريين والسياسيين الألمان ....
والعجيب أن الفرنسيين وافقوا على هذا ، وأرسلوا ماتاهاري بالفعل إلى مهمة سرية في ( بلجيكا ) حيث التقت ببعض العملاء السريين الفرنسيين هناك وقدمت لهم العديد من الخدمات النافعة ...
ولقد عملت ماتاهارى بالفعل لحساب الفرنسيين فى حماس واخلاص .. كذلك لحساب الالمان..ولكن اللعب على الحبلين لا يدوم طويلا .. خاصه مع الالمان.. الذين اكتشفوا الامر ..
وارادوا ان يردوا لها الصاع صاعين..
وبدا الالمان فى مراسلتها بشكل صريح..
لقد أرسلوا لها خطابات شفرية ، مستخدمين شفرة يفهمها الفرنسيون جيدا ، مما جعل الفرنسيون يلقون القبض على ماتا مرة ثانية .... بتهمة التجسس مع وجود الخطابات كدليل هذه المرة ..
وفي هذه المرة لم تنجح ماتا في ٌإقناع الفرنسيين ببرءاتها.. وتوسلت .. واستنجدت واشارت الى تعاونها مع الفرنسيين.. ولكن احد لم يستمع اليها.. ومرة أخرى تمت محاكمة ( ماتاهاري ) في باريس .... وصدر الحكم بإعدامها .... و ...
تم تنفيذ الحكم في ماتاهاري .... لينسدل الستار على اشهر جاسوسه ..