قصة المقدم طيار إبراهيم بن عامر ستظل وصمة عار على جبين نظام الرئيس
المخلوع... فالسيناريو المحتمل لاختفاء أفضل طيار حربي وعسكري تونسي منذ
خريف 1992 يرجح وجود صفقة خفية بين نظامي بن علي وجورج بوش الأب... فعائلة
الطيار تصر على ان ابنها لم يمت ولم تسقط طائرته أثناء مناورات مع الأسطول
السادس كما زعم النظام البائد خاصة وأنها لم تتمكن من إلقاء النظرة الأخيرة
على جثمان إبراهيم ومنعت من لمس حتى الصندوق الذي زعم أنه يحتوي على جثمان
الطيار أو بقايا منه... هذه العائلة التي ظلت طيلة أكثر من
18 سنة تكتوي بنيران الظلم المسلط عليها من النظام السابق الذي منع
أفرادها حتى من فتح أفواههم والتطرق إلى موضوع إبراهيم انتفضت أخيرا...
فتحررت أفواه الإخوة من أجل كشف الحقيقة... حقيقة اختفاء إبراهيم... حقيقة
كابوس سلّط قسرا على والدته وإخوته... كابوس حول حياتهم جميعا إلى جحيم لا
يطاق... فإما الصمت أو الموت... هكذا عاملهم نظام الطاغية للجم أفواههم حتى
لا يفتضح أمره. فهل يفتضح اليوم وتكشف الحقيقة... وينكشف معها السيناريو
المنتظر لاختفاء إبراهيم؟
يقول عز الدين أحد أشقاء المقدم طيار:«ولد إبراهيم يوم 18 أكتوبر 1952 بملولش حيث
زاول دراسته الابتدائية بنجاح ثم تحول إلى الشابة لمزاولة دراسته الثانوية
لفترة وجيزة قبل أن يتحول إلى جبنيانة حيث نال شهادة الباكالوريا بتفوق
وتوجه مباشرة إلى الاكاديمية العسكرية بفندق الجديد حيث تحصل على المرتبة
الاولى في دفعته لذلك أرسلته وزارة الدفاع إلى إيطاليا حيث التحق بأكاديمية
الطيران بنابولي ونظرا لتفوقه فقد أرسل إلى عدة بلدان أخرى على غرار الصين
وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية حيث لفت إليه الأنظار، ولكنه رفض كل
الإغراءات وعاد إلى تونس في الثمانينات».
بعثات متواصلة وقلق نفسيوأضاف عز الدين: «هذا التفوق غير العادي لإبراهيم جعله يحصل على الترقية تلو
الأخرى خلال فترات وجيزة حتى تحصل على رتبة مقدم طيار في ظرف وجيز... إلى
ذلك كان دائما يتحول في بعثات تدريبية إلى عدة بلدان متطورة عسكريا... ولكن
منذ عودته من بعثة إلى الصين -حيث حقق إحدى المعجزات وهي الطيران بطائرة «أف 5» بعد 15 يوما فقط من التدريب- بدأت متاعب أخي النفسية وبدأ التوتر ظاهرا على ملامحه فقررت ان أستفسره عن السبب».
مضايقات أمريكية
«أثناء مجيئه إلى ملولش قبل فترة وجيزة من اختفائه»- يتابع الشقيق-«استفسرته عن
سر قلقه فأعلمني أن الامريكان يريدون أن يضموه إلى طيرانهم الحربي بعد أن
وقفوا على إمكانياته المذهلة ولكنه يرفض بصورة قطعية مغادرة تونس... لقد
كان أخي شديد التعلق بتونس وبمسقط رأسه... لم تكن تستهويه المادة بقدر ما
يعشق اللمة العائلية والأجواء الريفية التي ترعرع فيها... وخلال أحد الأيام
أعلمني بأن ضباط سامين من الأسطول السادس المرابط قبالة سواحل بنزرت
اتصلوا به مباشرة على هاتف منزله، وقد أبدى دهشة لكيفية حصولهم عليه
وحاولوا استمالته مجددا للانضمام إلى سلاح الجو الامريكي ولكنه اعتذر لهم
وطلب منهم أن لا يتصلوا به مباشرة مجددا وان يلتزموا القانون ويتصلوا
بثكنته أولا وبالوزارة التي ينتمي لها... ولكنهم واصلوا مطاردته هاتفيا
خاصة بعد أن قدم محاضرة دامت أربع ساعات بالعاصمة وحضرها ضباط من إيطاليا
وفرنسا وأمريكا لم يجدوا من تعليق عليها سوى التصفيق والتنويه».
مناورات عسكريةوأشار محدثنا أن شقيقه عاد في بداية شهر نوفمبر 1992 إلى ملولش لزيارة العائلة
ولكن في فترة الاحتفالات بذكرى انقلاب نظام الديكتاتور على الزعيم الحبيب
بورقيبة(السابع من نوفمبر) اتصل به رئيس مركز الحرس الوطني بملولش وأعلمه
أن الثكنة تطلب منه المجيء للمشاركة في مناورات عسكرية مع الأسطول السادس
الأمريكي لم تكن مبرمجة أصلا، وهنا يقول عز الدين: «بما أن إبراهيم كان في
إجازة فإن اسمه غير موجود في قائمة المشاركين في المناورات من الجانب
التونسي ولكن تم الاتصال به وهو ما يطرح أكثر من سؤال، ولذلك فقد سافرأخي
إلى بنزرت وشارك يوم 7 نوفمبر 1992 في المناورات ونجح في قيادة طائرة«آف 5»
والقيام باستعراض لفت إليه الأنظار فبعد أن كان هو المطارد من قبل
طائرة«أف 16» أصبح مهاجما لها وهو ما ضاعف من إعجاب ضباط سلاح الجو
الامريكي بقدراته».
تعويض لطيار غائبوذكر محدثنا أن شقيقه وبسبب تأخر غامض لطيار آخر وهو وكيل أول أصيل ولاية
سليانة كان من المبرمج ان يشارك في مناورات يوم 9 نوفمبر استقل طائرة زميلة
للمشاركة في المناورات مع طائرات الأسطول السادس ولكن منذ ذلك الحين اختفى
في ظروف غامضة.
وأضاف:«لقد أبلغونا بأن طائرته سقطت أثناء المناورات في البحر في عمق 1750 مترا دون
ان يتمكنوا من العثور عليه او على الطائرة، إذ زعموا ان البحرية الأمريكية
منعت البوارج التونسية من البحث قرب المكان الذي زعموا سقوط الطائرة فيه بل
حددوا لها مساحة 5 كيلومترات كمكان ممنوع الاقتراب منه أوالبحث فيه وهو ما يضاعف من الغموض... خاصة ان القناة الجزائرية وقناة ليبية أذاعتا حينها حسب ما أكده لي البعض اختطاف
الأسطول السادس الامريكي لطيار تونسي ولكن بعد أيام عديدة اتصل بنا الجيش
واعلمنا الأعوان أنهم عثروا على شقيقي ووضعوا جثمانه في صندوق طلبوا منا
عدم فتحه أو حتى لمسه».
حراسة مشددةوذكر عز الدين أن العشرات من أعوان الأمن والحرس والجيش حلوا بمدينة ملولش قبل
الجنازة وقاموا بمحاصرتنا وبزرع مخبرين في كل أنحاء المنطقة ثم ساروا
بالصندوق في جنازة رمزية نحو مقبرة الجهة التي ضربت عليها حراسة ليلا نهارا
طيلة ستة أشهر، والغريب في الأمر أن إحدى قريباتي ركلت الصندوق بينما كان
في البيت-وهي في شدة الغضب- فتبين أنه فارغ وعوض أن يواسونا قاموا بالسيطرة
على تحركات ثلاثة من أفراد العائلة لمنعهم من أية ردة فعل، وفي المقبرة
وأثناء عملية الدفن اقتلعت فجأة لوحة من الصندوق فارتمى عون امن على
الصندوق وغطاه بالعلم حتى لا يكتشف الأمر...»
الطيار حي يرزقمحدثنا أكد ان العائلة لم تقتنع بأنه مات أو سقطت الطائرة في البحر فكل الأدلة
ترجح انه لم يمت فالصندوق بلا جثمان... وجميع المحيطين بشقيقي حينها
التزموا البكاء والصمت غير أن أحدهم أكد لنا ان هدية أمريكا لنظام الرئيس
المخلوع مقابل شقيقي كانت بارجة حربية اسمها «صالمبو» وصلت إلى تونس بعد
نحو عشرة أيام من الواقعة وهو ما يؤكد أن غموضا يحوم حول مزاعم وزارة
الدفاع في تلك الفترة التي كان يديرها عبد العزيز بن ضياء، ولذلك فإن
السيناريو المحتمل لاختفاء شقيقي هو اختطافه من عناصر الأسطول السادس
باعتبار تفوقه وقدراته التي أذهلت الامريكان قبل أن يقوموا بعملية غسيل مخ
له ووضعه تحت مراقبة لصيقة لمنعه من إجراء أي اتصال، ولذلك فإننا تقدمنا
بطلب خلال الأسبوع الفارط إلى المحكمة العسكرية للإذن باستخراج الصندوق
والتبين إن كان يحتوي على رفات أخي أولا، وفي صورة ثبوت أن أخي لم يدفن
فإننا سنطالب بفتح تحقيق قضائي ضد وزير الدفاع في تلك الفترة عبد العزيز بن
ضياء وجلب الشهود الذين مازالوا على قيد الحياة ومن بينهم جنرال وضباط
تابعوا العملية وعلى علم بما حصل...».
وختم بالقول: «نحن لا نطلب سوى كشف الحقيقة التي أخفاها النظام البائد
http://www.frequency.com/video/x/5049823
http://www.assabah.com.tn/article-50497.html
http://www.turess.com/assabahnews/7802