أصبح لتعاون المواطنين مع مصالح الأمن الأثـر البالغ في سرعة القضاء على بقايا الجماعات الإرهابية، بأقل الخسائر الممكنة في الأرواح وحتى في الأموال، ولقد أثبتت الأحداث التي شهدتها مختلف مناطق الوطن أن يقظة المواطنين، وتفعيل الحس المدني، ساعدا السلطات المختصة على اختصار الوقت واقتصاد الإمكانيات المادية المسخرة في مواجهة الجماعات الإرهابية، شريطة توفر عامل الثقة بين تلك السلطات والمواطنين. وتحصي ولاية الشلف، التي تضررت كثيرا من ظاهرة الإرهاب، عدة عمليات، كان فيها الدور الرئيسي لمواطنين في توقيف مسيرة الإرهابيين الذين أثاروا الرعب في النفوس لعدة سنوات. ولعل ما قام به شابان، في كل من بلديتي سيدي عكاشة وواد سلي في الشلف، أبرز مثال على هذه الشجاعة النادرة، التي ليست في متناول الجميع.
اعتقد أنه لص قبل أن يكتشف أمره بالصدفة
صاحب محل للهاتف النقال يقبض على إرهابي
سنه لا يتعدى 33 ربيعا.. إنه جلال الذي اعترف أنه لم يتوقع أن يكون يوما سببا في توقيف إرهابي، من دون أن يكون جاهزا لهذا الفعل المحفوف بالمخاطر، يقول: ''مازلت لم أصدق أنني قمت، مع أحد أصدقائي، بالقبض على إرهابي داخل المحل التجاري الذي أقتات منه''. رغم مرور عدة أيام على حادثة إلقاء القبض على إرهابي حيا، داخل محله لبيع تجهيزات الهاتف النقال، إلا أنه مازال غير مصدّق لما قام به، رفقة أحد أصدقائه، عندما قبضا على الإرهابي، وكبّلاه بحبل وسلماه إلى أفراد الشرطة، الذين فقدوا أحد زملائهم في الاعتداء الإرهابي الذي اخترق هدوء بلدية سيدي عكاشة بولاية الشلف. وكانت تلك الليلة تختلف عن سابقاتها، حيث انقشع الهدوء وكان لصوت الرصاص وقع خاص. ويروي جلال، في حديثه مع ''الخبر''، أن كل شيء كان يسير بصفة عادية وروتينية، إلى أن دخل شاب، بعد صلاة العشاء، إلى محله، حيث يبيع التجهيزات الخاصة بالهاتف المحمول، وكان هذا الشاب (الإرهابي)، الذي عمد إلى تغطية رأسه إلى أسفل أذنيه بقبعة كبيرة لتفادي التعرف على ملامحه، يرتدي لباسا غير متجانس، كونه زاوج بين سروال رياضي ومعطف خشن وانتعل حذاء عاديا، وكان ملطخا بالأوحال والأتربة، الأمر الذي أثار الريبة في نفوس الشابين اللذين كانا، مع جلال، داخل المحل يتبادلون أطراف الحديث عن مستقبلهم وأمانيهم في هذه الحياة، خاصة وأن جلال يحضّر لعرسه، الذي سيكون بعد أسابيع قليلة. لكن تطايرت هذه الأحلام الجميلة بعد أن دخل الإرهابي إلى المحل، حيث ظن الجميع أنه لص، لأنه كان كثير الحركة ويقوم بإلقاء النظرات خارج المحل بين الفينة والأخرى، وطلب حينها جهاز هاتف نقال من نوع ''سامسونغ''، واتفق مع البائع على أخذ اثنين منهما، وطلب بعدها شريحة هاتف نقال وكان يحمل في يده اليسرى مبلغا من المال من فئة ألف دينار، ربما لإغراء صاحب المحل، الذي طلب نسخة من بطاقة الهوية، وهو ما قدمه الإرهابي لكنها كانت بطاقة تخص شخصا آخر. وعندما سأله جلال عن صاحب البطاقة قال الإرهابي إنه صديقه وهو مشغول ولا يستطيع المجيء، وظن جلال أنه من بين أحد العمال الذين يشتغلون لدى مؤسسة تعبيد الطريق، لما رأى حالة ثيابه المتسخة، وهنا قرر جلال أن يمنحه شريحة هاتف نقال واحدة فقط، بعدما كان الإرهابي قد طلب شريحتين.. وحينما اتفقا على السعر، يقول جلال إنه باشر عملية تشغيل شريحة ''نجمة''، ولأنها تتطلب فترة من الزمن لم يستطع الإرهابي المكوث في مكانه، وكان يتردد على الباب الخارجي لإلقاء نظرات متكررة. وفي هذه الأثناء، ودون سابق، إنذار سمع طلقات نارية في الخارج، حيث اشتبك الإرهابي الذي مكث في سيارة ''سامبول'' مع أفراد الشرطة الذين كانوا في دورية عادية، حيث انتبهوا إلى وجود سيارة مشبوهة، وهنا أوضح جلال أنه لم يتصل بالشرطة، لأنه كان مشغولا بعملية تشغيل الشريحة الجديدة، حيث انقلبت الأمور رأسا على عقب، في ظرف ثوان فقط، ولم يفهم ما حدث خارج محله، حيث اضطر الشبان إلى الجري في كل اتجاه، والبحث عن مكان يحميهم من الرصاص الكثيف الذي اخترق واجهة المحل. وكان الإرهابي أكثرهم فزعا، عندما اقتحم الغرفة الخلفية للمحل، ظنا منه أن لديها بابا يسلكه للهرب، غير أنه تفاجأ بأنها غرفة مغلقة، وحينها اختبأ الإرهابي خلف أحد أصدقاء جلال للاحتماء به من الطلقات النارية، وبعدها تعالت الأصوات بأن لا أحد مسلح داخل المحل، حيث انقض جلال، بمساعدة أحد أصدقائه الذي كان يملك بنية قوية على الإرهابي، واستطاعا إسقاطه أرضا وجلبا حبلا وكبّلاه من يديه قبل تسليمه للشرطة، وحينها بدأ الإرهابي في ترديد عبارات مبهمة، وكان الخوف باديا عليه وجسمه يرتعد من شدة الفزع. ومنذ تلك لم يستطع جلال، وحتى أصدقاؤه، أن يصدقوا أنهم عاشوا لحظات من الرعب كانت الأطول في حياتهم.
المواطن تلقى اعترافا بالجميل من قائد الناحية العسكرية الأولى
شاب كان ضيفا عند صهره يقبض على أخطر أمير جماعة إرهابية
أما القصة الأخرى التي وقعت تفاصيلها ببلدية واد سلي في ولاية الشلف فكانت سنة 2005، وكان بطلها شاب كان ليلتها ضيفا عند صهره، حيث استطاع أن يلقي القبض على أمير مجموعة إرهابية كانت تثير الفزع في كامل تراب ولاية الشلف، ويتعلق الأمر بالإرهابي ''ولد اللبان''، الذي جاء بسلاح ''كلاشينكوف'' واقتحم البيت ليأخذ المال الذي كان قد طلبه من صاحب المنزل، غير أن هذا الأخير رفض تلبية طلبه، وهنا ثار الإرهابي في وجه الضحية وأراد أن يمطره بوابل من الرصاص، غير أن زوج ابنة صاحب البيت ارتمى على الإرهابي الذي كان قصير القامة، واستطاع، بعد تشابك بالأيدي، أن يسقطه أرضا، ويفتك منه السلاح الذي ترك أثار طلقاته على جدران البيت، وحينها طلب هذا الشاب سلكا، حيث ربط به يدي الأمير الإرهابي ''ولد اللبان''، الذي كان يقض مضجع السلطات الأمنية والعسكرية، التي سخرت إمكانيات بشرية ومادية كبيرة لملاحقته لكن لم تفلح في القبض عليه، غير أن إرادة الشاب وشجاعته مكّنت من اختصار الزمن والجهد في توقيف هذا الإرهابي الخطير، وحتى الشاب نفسه لم يكن يعلم أن الذي أمسكه يعتبر أمير مجموعة إرهابية وكان يشكل خطرا على أمن وممتلكات المواطنين، حيث أنه كثير التنقل بين عدة بلديات بالشلف.
وقد تلقى هذا المواطن، نظير شجاعته، وسام الاعتراف بالجميل وهدية من قِبل قائد الناحية العسكرية الأولى في ذلك الوقت، وتم تقديم الإرهابي إلى محكمة الجنايات بمجلس قضاء الشلف، التي نطقت بالإعدام في حق المسمى ''ب.خليفة''، المعروف بالأمير ''ولد اللبان''، الذي ألقي عليه القبض في جانفي 2005 بمنطقة واد اسلي، حيث تمت متابعة هذا الأخير لمشاركته في ارتكاب عدة مجازر منذ سنة 1992 إلى غاية 2004، وقد وجهت له تهم تتعلق بجناية تكوين جماعة إرهابية مسلحة والقتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد والسرقة المقترنة بالعنف والحرق العمدي للممتلكات.
ومن بين الجرائم التي ارتكبها الإرهابي ''ولد اللبان'' المجزرة التي شهدتها منطقة القطايبية ببلدية أولاد فارس، في جانفي 2001، وببلديات الصبحة وبوقادير، راح ضحيتها عشرات الضحايا، إضافة إلى مسؤوليته في اغتيال 25 شخصا من أفراد عائلات البدو الرحل التي قدمت للرعي ببلدية سنجاس. وقد أكد ممثل النيابة أن المتهم اعترف، أثناء التحقيق، بمشاركته وارتكابه للجرائم في 37 مجزرة وقعت بمختلف المناطق النائية بولاية الشلف.
وهنا يمكن أخذ العبرة من مدى أهمية تعاون المواطنين مع السلطات في القضاء على آفة الإرهاب، التي لا تستطيع القوة العسكرية وحدها حسمها، من دون تعاون المواطنين والمخلصين، عندما تكون الثقة متبادلة بين الطرفين، الحاكم والمحكوم. ولابد أن تعترف السلطات وتثمّن هذا التعاون الذي يقوم به المواطنون، لأن هذا الفعل وفّر للسلطات العمومية الزمن واقتصاد ميزانية معتبرة في تجهيز وتسخير أعوانها لتعقب ومحاربة الجماعات الإرهابية.
http://www.elkhabar.com/ar/autres/investigation_khabar/331246.html