روسيا في الشرق الأوسط ما بعد الربيع العربي
زيفي ماغن
أحدث الربيع العربي حالة جديدة تماماً واختلالات جديدة في الشرق الأوسط. فالتغييرات الحاصلة ذات أبعاد تكتونية (بنائية) ويبقى من غير الواضح الكيفية الذي سيخرج بها. ولا يبدو أن هذه العملية ستنتهي وسوف يكون لها، بلا شك، تداعيات على الاستقرار الدولي في المستقبل المنظور. وقد تسبب ذلك للقوى العظمى بالخوف من رؤية نفوذهم الإقليمي يتراجع، الأمر الذي سيؤثر على الاستقرار العالمي. وروسيا ليست استثناءً في هذا الصدد.
من الواضح أن جذور هذه التصورات تعود إلى صعود القوى الإسلامية الذي أعقب انهيار الأنظمة السياسية العلمانية. فالفائز الرئيس هو الكتلة السنية، التي تعتبر في حالة صعود وتخوض صراعاً مريراً ضد المعسكر الشيعي. ويشمل الأخير أعضاء المحور المتداعي المعادي للغرب: إيران وسوريا وحزب الله في لبنان (ويبدو أن حماس في طريقها للخروج). هذا المعسكر الشيعي، تحت القيادة الإيرانية، عانى من انتكاسة كبيرة في استراتيجيته على صعيد قيادة النضال الإسلامي ضد الغرب، وهو يرزح اليوم تحت ضغط مزدوج من المعسكر السني والغرب. أما الهدف المشترك بينهما فهو إجبار الإيرانيين على التخلي عن برنامجهم النووي ودفع سوريا إلى الجانب السني.
علم روسيا
من ناحية أخرى، إن الفائزين في الثورة العربية لا يملكون برنامجاً واضحاً ولا أدوات حكم فعالة. فالحكم الغوغائي لا يزال سائداً ومهيمناً في هذه الدول ما بعد الثورة. المستقبل غير واضح وغير مستقر، بينما تتزايد المنافسة على زعامة إقليمية جديدة. وقد تتكشف التطورات في المنطقة عن أمور هي كالتالي:
- من المحتمل، على المدى القصير، أن يظل الوضع غامضاً وغير مستقر.
- قد تتدهور الحالة، على المدى المتوسط، بسبب صعود القوى الإسلامية (وربما القوى الإسلامية المتطرفة) وتزايد خطر حصول نزاعات في المنطقة.
- لكن، على المدى الطويل، قد يتحسن الوضع بالفعل، وذلك بفضل استمرار العمليات الديمقراطية في دول ما بعد الثورة.
إننا نشهد، في أعقاب الربيع العربي، حقبة جديدة من المنافسة بين القوى الكبرى على النفوذ في المنطقة.
أما فيما يتعلق بالجهود الرامية لتعزيز المصالح الروسية الإقليمية والعالمية، فمن الواضح أن السياسة الروسية في الشرق الأوسط تابعة لموقفها الدولي ضد الولايات المتحدة، وهو ما يعكس تطلع روسيا للحفاظ على مجالات نفوذها.
يمكننا أن نرى أن روسيا تسعى إلى سياسة مستقلة وتتنافس مع الغرب لتشكيل النظام المستقبلي للمنطقة. باعتقاد روسيا أن الاضطرابات في الشرق الأوسط قد أضعفت الولايات المتحدة، ولكن يبدو أن النشاط الروسي في الشرق الأوسط يتأثر بالحقائق الجديدة وغير المتوقعة في المنطقة كذلك. إذ تجد روسيا نفسها وقد تراجع نفوذها الإقليمي بشكل كبير، ما اضطرها لتغيير مواقفها وتكتيكاتها والبحث عن خيارات جديدة.
وترى روسيا بأنها، في الوضع الحالي غير المستقر والذي لا يمكن التنبؤ به، لا تزال ذات صلة، ولاعب سياسي إقليمي وعالمي مؤثر. وعلى هذا النحو، لا تحاول روسيا أن تكون مشمولة في العمليات السياسية في الشرق الأوسط، فحسب، إنما تسعى أيضاً لتشكيل كتلة من الدول الداعمة في المنطقة، استنادا إلى عناصر راديكالية.
من ناحية أخرى، تشعر روسيا بالانزعاج، إذ تجد نفسها في وضع جديد وغير سار، محاصرة في مواجهة صعبة بين كتلتيّ السنة والشيعة. وبعد عام من الرسائل المختلطة، من إدارة ظهرها للأنظمة المنهارة ودفاعها عن النظام السوري، تجد روسيا نفسها تدعم المعسكر الشيعي المنهار المؤلف من إيران، سوريا وحزب الله، في حين أن المعسكر السني، بحسب الفهم الروسي، مدعوم من قبل الولايات المتحدة في صراعه ضد الشيعة. وهذا الموقف الروسي يمكن أن يخلق تداعيات سلبية بالنسبة لروسيا إذا ما قام السنة بأعمال متطرفة ضد روسيا.
باختصار، يبدو أن إنجازات الربيع العربي قد خلقت تحديات بالنسبة للمجتمع الدولي، وذلك بسبب صعود القوى الإسلامية والنزاع حول الهيمنة الإقليمية. في هذه الظروف، أصبح التنافس بين القوى العظمى حول النفوذ الإقليمي حقيقة واقعة بالفعل.
في هذا الصدد، وإذا ما تم تفكيك المعسكر المناهض للغرب، يجب على روسيا وضع استراتيجية تسمح لها بفتح حوار مع المعسكر السني، بغض النظر عن مدى صعوبة ذلك ربما.
أما الأمر الأهم فهو إخماد التنافس المتزايد مع الغرب، وإيجاد قاسم مشترك بخصوص الأنشطة المستقبلية في الشرق الأوسط المتغير.
خلاف ذلك، وإلى جانب الخيارات الجديدة، هناك امكانية لعواقب خطيرة على الاستقرار العالمي.
المصدر :
http://www.alahednews.com.lb/essaydetails.php?eid=74265&cid=88