بينما كان شباب مصر ونساؤها وشيوخها يضحون بدمائهم دفاعا عن الحرية، في شتى ميادين مصر، إبان ثورة 25 يناير، استغل شباب –للأسف مصريون- انشغال الوطن بالثورة، وقرروا التعاون مع الموساد الإسرائيلي، من خلال إمداده بمعلومات عن تحركات الجيش المصري في سيناء.. لكن كانت المخابرات المصرية لهم بالمرصاد.
لم يكن الشباب المصريون الذين تم ضبطهم اليوم في سيناء، وبصبحتهم أجهزة تجسس لصالح إسرائيل، يدركون أن المخابرات المصرية، ترصد كل تحركاتهم منذ بداية تعاونهم مع الموساد الإسرائيلي، وحتى لحظة القبض عليهم.. وتستمر المخابرات المصرية في صفع الموساد الإسرائيلي، الصفعة تلو الأخرى، دون مبالاة.
ورغم مرور أكثر من ثلاثين عاما على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التى وقعها كل من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن، لم تتوقف تل أبيب عن نشاطها فى تجنيد أفراد للتخابر على المصالح القومية المصرية.
القضية التى تم الكشف عنها اليوم في سيناء، لم تكن الأولى، أو الأخيرة، مادامت إسرائيل تعتبر نفسها، وقعت على معاهدة السلام من منطلق إنهاء الحرب الساخنة، وإعلان الحرب الباردة، من خلال التجسس، لكنها تناست أن أجهزة المخابرات المصرية، لا تجعلها تهنأ بإنشاء شبكة تخابر على مصر، حتى تعكر صفوها، بإعلان الكشف عن الشبكة وأعضائها، وكل التفاصيل الدقيقة جداً منذ التفكير فى استقطاب جاسوسيين على مصر.
تاريخ التجسس بين مصر وإسرائيل يكشف أن أول جاسوسة أطلقت مصر سراحها منذ بدء نشاط الموساد فى 14 مايو 1948 تحمل اسم "بولاند هارس" المتهمة باغتيال ضابط إنجليزى فى مصر، وتم إطلاق سراحها فى 22 سبتمبر عام 1987. لكن، لم يكد "الحبر" الذى كتبت به معاهدة السلام أن "يجف" حتى جندت إسرائيل الجاسوس عامر سلمان، من بدو سيناء عام 1982، حتى تم القبض عليه، وحكمت عليه محكمة العريش بالسجن مدى الحياة.
وفى عام 1985، وجهت أجهزة المخابرات المصرية صفعة جديدة بالقبض على شبكة تجسس إسرائيلية مكونة من 9 أفراد ينتمون إلى الموساد الإسرائيلى، وكان التسعة قد دخلوا مصر على دفعتين ضمن أحد الأفواج السياحية، لكن الموساد الإسرائيلى، حاول تبييض ماء وجهه، وقام بزرع جاسوسين له فى المركز الأكاديمى الإسرائيلى بالقاهرة، من خلال عدد من العاملين بالمركز، لكن أجهزة الأمن المصرية، لم تمهل الموساد حتى يفيق من صفعته الماضية، وقامت بإلقاء القبض على الشبكة الجديدة.
لم يجد الموساد الإسرائيلى مفراً، وحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تهاوى سمعته بين الدول، فقرر تحريض فتاة مصرية تدعى "سحر" على التخابر معه ضد مصر، لكن سحر لم تغب عن ذاكرتها دماء شهداء حرب أكتوبر، ولا علم مصر الذى رفعته مصر مرفرفاً على أرض سيناء، وقررت إبلاغ أجهزة الأمن المصرية بمحاولة تجنيدها للتخابر على مصر لصالح إسرائيل، وتم القبض على إبراهيم مصباح عوارة، لاشتراكه مع أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية فى تحريض "سحر".
جاءت حقبة التسعينيات، بشبكة تخابر جديدة لصالح إسرائيل، تقمصت بطولتها الإسرائيية فائقة مصراتى ووالدها اللذان كانا يعيشان فى القاهرة، واتضح أن فائقة ووالدها، كانا يخفيان عملهما فى التجسس خلف ستار "الدعارة" التى كانت تمارسها فائقة مع أبناء الطبقة الراقية فى حى مصر الجديدة، ومن خلال دعارتها بمساعدة والدها، كانت تجمع المعلومات لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلى، حتى تم القبض عليهما.
فى هذه الحين، لم يقتنع كثيرون بأن السلام الذى تتحدث عنه إسرائيل، ما هو إلا سلام زائف، دونت موافقتها عليه بالحبر فقط، دون قناعة تامة بأهميته، أو قواعد احترامه مع مصر، لتثبت شبكات الموساد الإسرائيلى، أن الدولة العبرية، لا تؤتمن، ولا تحترم ما وعدت به، لكن مصر لم تغفل عن تلك الحقائق.. وليت الموساد يكتفى بالصفعات التي وجهتها إليه المخابرات المصرية.
كانت قضية الجاسوس الإسرائيى عزام عزام، من أشهر القضايا التى استخدمت فيها إسرائيل الأنشطة الاقتصادية لتتجسس على مصر من خلال تجنيد بعض ضعاف النفوس لجمع المعلومات عن كل الأوضاع فى مصر، وكان ذلك فى 1996، عندما كانت الاستعدادات تسير فى مصر على قدم وساق لاستضافة المؤتمر الاقتصادى للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بمشاركة إسرائيل، وتمكنت المخابرات المصرية من اعتقال عزام عزام الذى كان يعمل مديرا لمصنع إسرائيلى مصرى للنسيج فى القاهرة.
حاولت إسرائيل مع مصر طى صفحة القضية، بطلبها الإفراج عن عزام، لكن حكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 15 عاما، والحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة بحق شريكيه المصرى عماد إسماعيل، والإسرائيلتين الهاربتين زهرة يوسف جريس، ومنى أحمد شواهنة، ووقتها اتهمت أسرة عزام "اليهودى" بإهمال قضية ابنهم رغم الخدمات العظيمة التى قدمها للدولة العبرية بالتخابر على مصر.
وتوالت صفعات المخابرات المصرية للموساد الإسرائيلي، حيث كان من أشهر قضايا الجاسوسية قضية "سمير عثمان" فى أغسطس 1997 عندما سقط فى يد رجال الأمن أثناء قيامه بالتجسس مرتدياً بدلة غوص، وكانت مهمته التنقل عائما بين مصر وإسرائيل بعد أن جنده الموساد، واعترف بأنه تم تجنيده عام 1988 على يد الموساد بعد أن ترك عمله فى أحد الأجهزة المصرية.
كان قضية جمعة الشوان أو أحمد الهوان، من أشهر قضايا التجسس التي أعطت فيها المخابرات المصرية للموساد الإسرائيلي درسا قاسيا في فنون التجسس، حين عمل جاسوسًا مزدوجا، وقرر التعاون مع المخابرات المصرية لتلقين الموساد هذا الدرس، ومنحته إسرائيل أحدث أجهزة الإرسال في العالم، لكن المخابرات المصرية أرسلت رسالة إلى الموساد من خلال نفس الجهاز، كان مضمونها: "من المخابرات العامة المصرية إلى المخابرات الإسرائيلية.. نشكركم على حسن تعاونكم معنا طوال الفترة الماضية".. وكانت هذه أكبر صفعة من المخابرات المصرية للموساد.
وفى الربع الأخير من عام 2000 تفجرت قضية الجاسوس المصرى المهندس شريف فوزى الفيلالى، الذي سافر لاستكمال دراسته فى ألمانيا، وتعرف خلال إقامته بها، بامرأة يهودية، قامت بتقديمه إلى رئيس قسم العمليات التجارية بإحدى الشركات الألمانية الدولية، والذى ألحقه بالعمل بالشركة وطلب منه تعلم اللغة العبرية تمهيدا لإرساله للعمل فى إسرائيل، لكنه فشل فى تعلم العبرية وسافر إلى إسبانيا بحثا عن فرصة عمل قيمة لكونه كان يعشق الثراء السريع وتزوج من امرأة يهودية، وتعرف عن طريقها على ضابط بجهاز المخابرات السوفيتى السابق، والمتهم هو الآخر فى القضية، وبدأت لقاءات الفيلالى مع ضباط الموساد، إلى أن نجحت أجهزة المخابرات المصرية فى القبض عليه، وكانت أشهر قضية تجسس مع بداية عام 2000 وحكم عليه بالسجن 15 عاما.
قضية الفيلالى كشفت الستار عن حجم المأساة التى يعانيها الشباب الذى يحلم بالثراء السريع مهما كانت وسائله، شرعية كانت أم عرفية، حتى لو جاء حساب الوطنية، كما كشفت الستار – أيضا – عن مدى الصراع بين قيم وعادات مجتمع مصرى "مسالم" وبين قيم دنيئة، يريد أن ينشرها العدو الذى لا يحترم وعداً مهما تنوعت بنوده، لكن هدفه واحد، وهو اختراق هذا البلد.
لكن: لماذا لا يعترف الموساد الإسرائيلى أن تاريخه مع مصر كان، ولا يزال، وسيظل يكسوه اللون الأسود، وأن أجهزة المخابرات المصرية لن تدعه يمحي "العار" الذي حل على دولته العبرية؟.
على مدار أكثر من 65 عاما مضت، لم تحاول دولة أن تتخابر على مصر مثلما حاولت إسرائيل، وبالتدقيق فى ذلك، يتضح أن السبب لا يخرج عن كونه رعباً، وفزعا، من مصر، لأن تجارب الحياة تثبت أن أي شخص يحاول التخابر على غيره، لمعرفة تحركاته وأفكاره، يكون مرعوبًا من قوته.. هكذا مصر ستستمر الأقوى، وهذه إسرائيل ستظل الأدني، وهاهي المخابرات المصرية ستبقي في مناصب العزة.. بينما يعيش الموساد الإسرائيلي في جحور المذلة.
http://gate.ahram.org.eg/News/336932.aspx