عندما قمت باللقاء الاول مع اللواء محمد عكاشة ، وعدتكم انه لن يكون اللقاء الاخير واننا لن نبخل عليكم بلقاء ابطال مصر من ضحوا بزهرة شباب عمرهم من اجل تراب هذا الوطن .
ادار الحوار :
محمد علام .ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك رجالا تري فيهم كل معاني العظمة والبطولة منذ النظرة الاولي ، وفي نفس الوقت تجد فيهم تواضع لاحد له ، هذا الاختلاط الفريد من نوعه يجعلك شئت ام ابيت ، تحب بل تعشق هذا الطراز الفريد من البشر ، انه نموذج غريب لايتكرر الا نادرا ، رأيت هذا النموذج والحالة الانسانية الرائعة في اللواء المنصوري ، نسر مصر الذي اذل اليهود ووضع وجوههم في التراب ثم اعتلت اقدام جنودنا نجمة داود الموضوعه علي طائراتهم التي اسقطها .
ساعات مرت علي دقائق ان لم تكن لحظات وانا اشاهد واري عظمة الرجل صوتا وصورة جعلتني لا اتركه سوي بعد ان قبلت رأسه فلقد احسست انه ابي بل ابا لكل المصريين ، وفي رحلة العودة ظلت الاحاسيس داخلي تتعارك بين فرحة اللقاء وحزن علي فراق مثل هذا الرجل .بداية اللواء المنصوري كطيار مقاتلات لم يفصل بينها وبين احد اهم حوادث مصر التاريخية في القرن العشرين سوي 4 ايام فقط ، هذا ماحدث وهذا ماسنستمع اليه علي لسان سيادته :
انا خريج دفعة المائة طيار التي لم تحدث من قبل ولن تحدث بعدها ، وعندما تحدث تعال وقل لي ، فلم تتخرج دفعة بهذا العدد " 106 طيار " منذ نشأة سلاح الطيران المصري حتي الان ، وكنا دفعة 1967 ، واطلق علينا " الدفعة المحظوظة " ، فيوم تخرجنا كان الاول من يونية 1967 ، وبدأت الحرب في الخامس من يونية 1967 ، والتي اسميها مصيبة وليست " نكسة " ، لقد كانت هذه الحرب مصيبة وحلت بمصر ، حيث استطاعت اسرائيل ان تتغلب علي ثلاثة دول عربية في ستة ايام ، وذلك لاننا كنا ثلاثة دول وليس دولة واحدة علي قلب رجل واحد ، فهزمت اسرائيل بمفردها مصر وسوريا والاردن ، وضربت العراق ايضا .
المفارقة ان اسرائيل فعلت ذلك ب 200 طائرة ميراج فرنسية ، وهذه الطائرات اساسا كانت ستكون مصرية ، وكان سيتم تصنيعها في مصنع طائرات تم انشاءه قبل عام 1952 في عهد الملك فاروق ، وتم صناعة طائرات vampire، وكانت طائرة نفاثة ، ثم جاء السيد مارسيل داسو صاحب شركة داسو الفرنسية لصناعة الطائرات والتي كانت تصنع طائرات الميراج واعطانا رخصة التصنيع ، وتم انتاج طائرتين او ثلاثة منهم موجودين حتي الان واسمهم " حلون-300 " ، ولكن المشروع لم يتم وغادر الرجل مصر الي الحدود الفرنسية-السويسرية ، وهناك انشأ مصنع وانتج المقاتلات فيه وحصلت عليهم اسرائيل وضربتنا بها في 1967 ، ثم جاء الروس واشترطوا بعد نكسة 1967 علينا ان لايكون لدي مصر اي مصانع حربية لانتاج المقاتلات حتي يسلمونا طائراتهم ، وهذا غباء سياسي ادي لضياع صناعة مهمة مثل تصنيع المقاتلات من بين ايدينا ، مثل ذلك الغباء السياسي الذي ادي هو وقوة شباب مصر والفيس بوك ، وقبل ذلك الله عز وجل ، ويد الله فوق ايدينا لقيام ثورة 25 يناير .
واريد هنا بالمناسبة ان اربط بين ماحدث في الخامس من يونية 67 عندما انهار ودمر الجيش المصري لم نستسلم فبعد تلك الهزيمة كان يجب علينا ان نلعق جراحنا ، وقمنا بالقتال في 500 يوم استنزاف ، كانت خسائرنا فيها مثل خسائرنا في الحرب ضعفين او ثلاثة اضعاف ، حتي جاء اليوم الموعود واصدر الرئيس البطل انور السادات الامر وعبرت قواتنا "الفتلة الزرقاء " قناة السويس ، وقبلها 220 طائرة في اكبر ضربة جوية ، ويشرفني ان اكون احد من قاتلوا في 500 يوم استنزاف ، وفي الضربة الجوية وطرت اثناء الحرب 52 طلعة عمليات في 17 يوم قتال من السادس من اكتوبر حتي اخر معركة جوية في الحرب في الرابع والعشرين من اكتوبر ، حيث كان هدف اليهود احتلال السويس ، ولم تحتل السويس وصار عيدا قوميا لمدينة السويس في هذا اليوم ، وماحدث في الثامن والعشرين من يناير 2011 عندما انهارت الشرطة المصرية وهذه الليلة اسميها " ليلة سقوط بغداد " ففي لحظة واحدة لم اجد اي فرد شرطة ، سنجد ان هناك روح موجوده في المصريين ، بنوا بها السد العالي ، حفروا قناة السويس بها وقدموا فداء لذلك 100 الف شهيد ، بنوا بها الاهرامات منذ 7 الاف عام ، هذه الروح عندما يستنفرها المصريين سيحدث كل شئ عظيم وايجابي للمصريين .
كان عليكم كطياريين في الخامس من يونية 1967 ان تتجرعوا السم حتي اخر الكأس ماذكرياتك عن هذه الايام ؟يكفي ان اقول لك ان الطياريين ينقسموا الي " طيار مقاتلات ، وطيار مقاتلات قاذفة ، وطيار هيلكوبتر ، وطيار مواصلات " ، والطيار الذي يتحمل عبء الدفاع عن مصر لتظل شبكة مصر عذراء هو طيار المقاتلات ، وفي هذا الوقت كان عددنا اقل من 100 طيار ، وفي وقت من الاوقات وصل الي 26 طيار ، يشرفني ان اكون احدهم ، اكرر 26 طيار للدفاع عن مليون كيلو متر مربع هي مساحة مصر .
والطيار لايأتي من منزلهم ليطير ، لكن لكي تستطيع ان تصنع طيار فسيكلفك الطيار الواحد من 10 : 20 مليون دولار ليتدرب علي قيادة الطائرات ويصبح مثل ابوتريكة في كرة القدم ، ويستطيع ان يؤدي بشكل جيد وذلك عندما يصل الي رتبة نقيب فالطيار غالي جدا ، استطيع ان احصل علي طائرة ولكن من الصعب ان اصنع طيار ، فهو كلاعب الكرة الماهر الذي يشتري بالملايين من نادي الي اخر .
ووقتها كان العبء علينا ثقيلا للغاية ، فنحن كطياري مقاتلات نحرص علي الموت قدر حرص الاخرين علي الحياة ، ليس لكي توهب له الحياة ولكن ليستطيع ان يؤدي عمله علي اكمل وجه ، طيار المقاتلات كان يصحو في الفجر يربط في الطائرة بالساعات ينتظر امر الاقلاع وينفذه في ثلاثة دقائق ، يقوم بتشغيل الطائرة في دقيقة ، ودقيقة اخري للخروج من الدشمة ، وفي الدقيقة الثالثة اكون علي ارتفاع 3 الاف قدم لصد الهجوم القادم ، واذا استغرق الطيار اكثر من ثلاثة دقائق فأنه يحول للتحقيق ، لذا كنا نجلس كل فكرنا تركيزنا في ان لايمر عليه اي شئ دون ان ينتبه اليه ، عقب ذلك يقلع الطيار للطيران ساعتين ، ثم يهبط ليربط ساعتين ، ثم يقلع من جديد للطيران ساعتين ، وبعد كل ذلك يحصل علي ساعتين راحة ، كنا الوحيدين الذين لايمكننا ان نترك اماكن خدمتنا ، كنا نربط بستة احزمة ، بينما الوزير لو في عمله يستطيع ان يتركه ساعتين ، كذلك المدرس والمهندس والدكتور ، حتي الجندي الذي يحمل سلاحه ليحرس في سبيل الله قد ينام في خدمته ، اما الطيار لايمكنه ذلك ولذا لايستطيع اي شخص ان يكون طيار .
حسني مبارك ، ظل قائدا للقوات الجوية فترة مهمة قبل حرب اكتوبر بسنوات حتي تعيينه في منصب نائب رئيس الجمهورية ماتقييمك لاداءه ؟واتذكر ان حسني مبارك مثلا قال لجمال عبد الناصر " ان اليهود يستدرجوننا لمناطق بعيدة مثل العين السخنة او البحر الاحمر ويقوموا بالاشتباك معنا هناك ، وطائراتنا ومقاتلاتنا لايسمح مداها بالذهاب الي مثل هذه المسافات البعيدة ، وبالتالي تكون النتيجة ان عند العودة من الاشتباك الوقود ينفذ ولايكفي للوصول للقاعدة ، مما يدفع الطياريين للقفز من الطائرات ، اي ان النتيجة حتي لو لم يستطيع الطيار اليهودي ان يحرز فينا هدفا في المعركة ويسقط احدي مقاتلاتنا فأننا سنخسر طائراتنا بأيدينا ، لذا فأننا نريد ان لاندخل معارك في هذه المناطق "
وهذا في الحقيقة حق يراد به باطل ، فكما كان الاسرائيليين يأتون من داخل اسرائيل الي البحر الاحمر ، كان من الممكن ان نقوم نحن ايضا بعمليات هجومية فدائما خير وسيلة للدفاع هي الهجوم ، كما اننا امتلكنا سرب من طائرات الميراج من ليبيا بعد ذلك ، فلماذا لم تقوم هذه الطائرات بضرب اهداف داخل اعماق اسرائيل ولتكن تل ابيب ، سؤال وعلامة تعجب !!!!! .
وفي الخامس من يونية 1967 قبل ان يكون حسني مبارك قائدا للقوات الجوية ، كان اولي له وهو يقود سرب القاذفات ، عندما وجد القوات الجوية بأكملها ضربت علي الارض ، ان تكون وجهته وقبلته " القدس " وتل ابيب ويذهب لضرب اسرائيل ، وليس ان يهبط في الاقصر وتدمر طائراته علي الارض في الثانية ظهرا ، ويعود بحقيبته وهو الطياريين الذين كانوا معه في القطار الي بني سويف .
ولكن حسني مبارك كان يتميز بأنه محب لعمله للغاية ، يعمل 48 ساعة في 24 ساعة ، منعزل عن العالم ويعيش فقط في المطار وسط الطائرات .
ولكن هل كان يمكن ذلك في ضوء ان مصر لم تكن تمتلك من طائرات الميراج سوي سرب وحيد ؟ولو كان لدينا طائرة واحد فقط ، فلماذا لم نقوم بعمليات بها داخل اسرائيل ، واقول لك ان الطيار ليس هو من لايريد الذهاب في مثل هذه العمليات ، بل قائده الذي علي رأس القائمة ، هو الذي لايرغب في ذلك ، وهذه روح سيئة جدا ، ادت الي اننا ضربنا باستمرار من اليهود ، لانهم كانوا متأكدين اننا لن نذهب اليهم ، فلم تضرب طلقة ولاصاروخ ولامدفع الا من صدام حسين عندما ضرب اسرائيل والسعودية بصواريخ الاسكود ، وعندما يعلم اليهود انك غير قادر علي الوصول الي عقر دارهم ، وأن العمق بالعمق ، فابدأ لن يخافوا منا ولن يحترمونا بل سيضربوننا ، والان في غزة بقتلون مايزيد علي خمسة الاف فلسطيني في 2009 مثلا ولم نفعل لهم شيئا
في اطار خير وسيلة للدفاع الهجوم ، فماحدث في الثغرة منطقة شجون مصرية عمرها عشرات السنين ، كيف يراها اللواء المنصوري ؟
الثغرة قام بها شخص مجنون اسمه ارييل شارون ، فالحرب مطلوب فيها الجنون ، مطلوب فيها قرارات غير تقليدية ، وافراد لديهم رؤية وفهم وتخيل لصنع شئ ، لكن اذا جلست طول عمرك مهموم باسطوانات الغاز والزيت والسكر والبنزين ، ولاتستطيع رفع القمامة من الشوارع لن نستطيع التقدم ولن يكون هناك ثورة ، نحن نحتاج الي روح مختلفة لتنظيف الجرح وازالة الفساد لكي نستطيع احراز التقدم ، فلايمكن تصدير الغاز لاسرائيل ولدينا الاف المناطق العشوائية بها ملايين الاشخاص ، يبلغ ثمن اسطوانة البوتجاز فيها خمسين جنية ، ونعطي الغاز لاسرائيل بدولار ونصف من اجل حسين سالم وحسني مبارك لمص دم المصريين ، ونجلس الان هل الانتخابات اولا ؟ ام الدستور اولا ؟ هذا لايصح
اذا كان الطياريين المصريين قد استطاعوا بشجاعتهم وايمانهم بالله و بالقضية التي يحاربون من اجلها استطاعوا في اكتوبر 73 ان يتغلبوا علي الفوارق الضخمة بين سلاحي الجو في مصر واسرائيل ، واليوم نجد اسرائيل الدولة الثانية في العالم في صناعة الطائرات دون طيار وهي حديث شارع الطيران الان والتفوق التكنولوجي والعددي لها ووسائل الانذار المبكر ودائما مايفتخر الاسرائيليين بما فعلوه في سلاح الجو السوري في الثمانينات ؟
بادىء ذي بدء ، وشاء من يشاء وابي من ابي " الطائرة بالطيار والجواد بالفارس والسيف بمن يحمله " هذا رقم واحد ، ولقد دخلنا حرب اكتوبر ونحن مؤمنين تماما بأننا سنسترد ارضنا ولايوجد لدينا اي شك بأننا سننتصر ، رغم ان التفوق العددي كان في صالحهم 4 : 1 و 3 : 1 ، واصلا الطائرة الاسرائيلية تماثل ثلاثة طائرات من التي كانت لدينا ، فحتي لو كان لدينا عددا يساوي مايمتلكونه من طائرات ، فأن الطائرة الواحدة لديهم بثلاثة طائرات لدينا ، اضف الي ذلك اننا كنا نحارب منتخب العالم ، وفوق كل ذلك سأضرب لك مثالا حدث في عام 72 قبل طرد الرئيس السادات للخبراء السوفييت والذين كان يبلغ عددهم 18 الف خبير في اسبوع واحد ، حيث كان الرئيس عبد الناصر قد حصل من السوفييت علي قوة جوية من 100 طائرة ميج-21 وطياريين وصواريخ دفاع جوي بأطقم روسية .
واشترط السوفييت علي الرئيس عبد الناصر ان يعطونا الطائرات بالطياريين لكي يكونوا بالاتفاق مع الامريكيين متحكمين في المسألة ويضعوا قضية الشرق الاوسط في " الفريزر " ، اي ان القوتين الاعظم اتفقا علينا ، ولك ان تعلم ان 80 % من الجيش الاسرائيلي من مهاجري روسيا بالذات ، فوقتها كان السوفييت يزيد عددهم عن 2 مليون مهاجر منهم جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل .
الاسرائيليين كانوا يعرفون ان هناك طياريين روس في القواعد الجوية المصرية خصوصا عند البحر الاحمر وخرجت جولدا مائير للتحدث في اذاعة الجيش الاسرائيلي لتقول بكل صلف وغرور : " اننا نعلم ان اخوتنا السوفييت موجودين في مصر ويزيد عددهم عن 100 طيار ، ونحن في حالة من الاخوة مع السوفييت وانا شخصيا من اصل روسي ولانتمني الاحتكاك والاصطدام والاشتباك مع الطياريين الروس ، لكن ، اذا كان اخواننا من الطياريين الروس يريدون مشاهدة ارقي و احدث ماوصلت اليه فنون القتال فنحن لها " فأي فخر وخيلاء وزهو ممكن ان يشعر به الطيار الاسرائيلي عندما تتحدث عنه رئيسة الوزراء الاسرائيلية بهذا الشكل .
وماذا حدث بعد ذلك ؟بدأ الطياريين الاسرائيليين في مناوشات مع الطياريين الروس ، مثلا عن طريق دخول 4 طائرات ميراج اسرائيلية من اتجاة البحر الاحمر ، فيرد الروس بالدفع بعشرة طائرات ، " قوة غاشمة غبية " ، لان الروس اصحاب عقول من الحجارة وخير مثال سيارات اللادا مثلا ، وكانت احداث المناوشات تتم بأن يقوم الاسرائيليين بالاستدارة والعودة ، فيعاود الروس ادراجهم ، فيقوم الاسرائيليين من جديد بالدفع ببعض الطائرات ، فيرد الروس بعشرة طائرات من جديد ، فينسحب اليهود ، فيعود الروس من جديد ، وكانت الاوامر لدي الطياريين الروس بعدم عبور البحر الاحمر حتي لايسقط احدهم في سيناء لدي اليهود وتصبح فضيحة دولية ، فكان كل عملهم هو تهويش الطائرات الاسرائيلية فقط ، ولم تكن لديهم روح قتالية بالطبع فهم لايدافعون عن ارضهم او عرضهم او امهاتهم او بناتهم او زوجاتهم ، وبالتالي فلا دافع لديهم للموت ، كانوا مثل المرتزقة .
ظل اليهود يلاعبون الروس بهذه الطريقة شهر كامل ، وكان هدفهم هو جمع معلومات عن الروس وجس نبضهم في معرفة الوقت الذي يستغرقونه في الاقلاع ، وحديثهم اثناء الطيران وتكيتكاتهم في الجو وانواع طيرانهم وسرعة الاداء ، والوقت الذي يستغرقونه في الهبوط لاعادة التموين ويدرسون كل ذلك ، وبعد ان اتموا دراستهم قرروا ان يعطوهم علقة موت ، علقة الموت تلك تمثلت في قيام اربعة طائرات اسرائيلية ميراج في اليوم الموعود بالدخول من فوق منطقة العين السخنة ، فرد الروس باقلاع 8 طائرات لترهيب الطياريين اليهود ، وبالفعل التف الطياريين الاسرائيليين للعودة ، فعاد الروس هم ايضا ، والروس كانوا يومها يطيرون في تشكيلين كل تشكيل مكون من 4 طائرات نسميه نحن " فينجر فور " ، فحدث الفخ اليهودي والذي تمثل في اربعة طائرات كانوا علي ارتفاع منخفض للغاية من سطح الماء ، واستطاعوا ان يسقطوا خمسة طائرات في ثلاثة دقائق ، أي ان اسرائيل ضربت لثاني اقوي قوة جوية في العالم خمسة طائرات في ثلاثة دقائق ، واتذكر ان احد الطياريين الروس الذين عادوا للمطار كان قد تبول في الطائرة واصيب بسكتة قلبية ومات علي الفور ، والحقيقة ان ماحدث هو استغلال اليهود لذكائهم وغباء السوفييت ، وكانت اوامرنا في سلاح الجو المصري من حسني مبارك البطئ ، ان لايحتك احد بالاسرائيليين حتي مسافة 50 كم داخل اراضي مصر ، لاننا لسنا في استطاعة التصدي لهم في هذا الوقت وحتي لايستطيعون فهم ماذا نريد ان نفعله .
ولكننا فلاحين نأبي الذل ، فلا يصح ان يدخل غريب مندرة منزلي واظل نائم في غرفتي واتحدث الي زوجتي قائلا " اصطنعي انك لا تسمعين " ، هذه الاوامر التي اقنع بها مبارك الرئيس عبد الناصر فأصدر الاخير قراره للفريق فوزي وزير الدفاع وقتها قائلا : " لايوجد داعي للدفع بالطائرات عند السخنة " وكانت كلمته الشهيرة " يافوزي اديهم شيكولاتة في السخنة " والتي تحولت منذ عام الي " بنبوني في التحرير " .
بعد ذلك بعام حدثت معركتك الشهيرة في نفس المكان ولكن النتيجة تغيرت تماما ، فكيف استطاع الطيار المصري ان يفعل ماعجز عنه الروسي ؟قمت بدراسة هذه المعركة بشكل مفصل وجيد تماما ، وعندما حدثت المعركة طبقت ماكنت درسته ، واستطاع الطياريين المصريين ضرب اسرائيل علي قفاها 11 قلم علي سهوة ، لاننا مصريين مختومين بختم النسر ، لكن ليس علي قفانا ، بل علي قلوبنا ، فكان يمدنا بالقوة والصلابة .
وكنا في هذا الاشتباك اقل من الروس فكنا طائرتين ميج-21 واليهود 6 طائرات فانتوم ، وظن اليهود اننا من الممكن ان نؤكل مثل الروس ، ولايدرون ان لحم المصريين مر ، وعندما أكلونا في 67 وقفنا لهم في حلقهم ، وفي حرب الاستنزاف عندما اعتقدوا انهم ابتلعونا جعلناهم يطردونا من بطونهم مرة اخري ، و أدركوا فعلا أن لحمنا مر وقطعنا يد اسرائيل الطولي ، وازللناها مثلما ازلت السوفييت .
ومن مشيئة السميع العليم أن المعركة حدثت في نفس التاريخ ولكن في العام التالي 1973 بعد طرد الروس من مصر ودهشة العالم من قرار السادات فبعضهم خمن انه مغازلة لامريكا والبعض الاخر اعتقد ان هذا استعداد للمعركة وحتي لاينسب النصر لاي شخص غير المصريين وفي نفس المكان الذي حدثت فيه المعركة مع الروس ضربنا اليهود واسقطنا طائرة قائد التشكيل في أول 30 ثانية ، وذهبت الي الرئيس السادات عقب المعركة وكان في صحبتي حسني مبارك و المشير احمد اسماعيل في استراحة القناطر بناء علي طلب شخصي من الرئيس السادات نفسه للقاء الطياريين الذين اشتبكوا في المعركة فسأل السادات : أين الطياريين ؟
فاشار لي مبارك وقال : هو ده .
وتحدثت مع الرئيس السادات وأنا اعرف انه رجل من الفلاحين مثلي قائلا : " انا الي باقي من الي ضاع ، لقد حاربت حتي اخر قطرة دم في طائرتي وهي الوقود ، وهبطت بطائرتي سليمة علي الارض واسقطت طائرة اسرائيلية ، وسيدنا علي بن ابي طالب قال له معاوية في معركة الجمل " ارجع ياعلي " .
فقال : " أأرجع بالعار ؟ "
فقال معاوية : أرجع بالعار افضل من ان ترجع بالعار والنار .
ويومها كان جيش سيدنا علي 300 مقاتل والجيش الاخر 3000 ، وهزم جيش سيدنا علي في هذه الحرب وتم قتله رضي الله عنه ، ولكن الحمد لله لم نرجع بالعار او النار ، لقد اسقطت طائرة يبلغ ثمنها 50 مليون دولار ، وهبطت بطائرتي سليمة في الطريق وطارت من جديد ، فالحمد لله لقد حققت نصرا لبلادي وفي سبيل الله " .
واضفت : " انت ياسيادة الرئيس ، الرئيس المؤمن ، وفي العام الماضي قمت بطرد الروس ، وفي هذا العام تحقيقا للاية الكريمة : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ " صدق الله العظيم ، فحاربنا نحن حربنا وحققنا نتيجة مع اليهود لم يحققها السوفييت ثاني اكبر قوة جوية في العالم .
وتأثر الرجل جدا بحديثي ، وتساءل عن المكأفاة التي حصلت عليها ، ذلك لان حسني مبارك أخذني الي هناك بصورة الطيار المجنون المشاغب كما قالت مني الشاذلي الذي اقلع دون اوامر ولكني طيار شاغب وأتي بحق بلاده ولم ارجع بخيبة ، وعندنا مثل في الفلاحين يقول " راحت تجيب بتار ابوها رجعت حبلي " ، ولكننا والحمد لله عدنا وقد اخذنا بحقنا ، وأتذكر أني قلت للرئيس السادات : " أنا اصغر واحقر طيار في سلاح الجو المصري ، فماذا عن الطياريين الافضل مني ، أننا متأكدين من عبورنا القناة وتحريرنا للارض " .
واجزم ان الرئيس السادات في هذا اليوم قد أتخذ قرار الحرب ، عندما تعرف علي روح الطياريين المصريين ، واستطاع ان يخدع اليهود الذي لا يخدعهم احد ، حتي يومنا هذا فهم 15 مليون يقودون 6 مليار ساكن للكرة الارضية ، القي لهم بورقة واسترد ارضنا ، و اصيبت جولدا مائير ماتت بالاكتئاب ، واصيب ديان بالاكتئاب وكذلك بيجن والحمد لله ارضنا بين ايدينا ، ولو نظرت الي الجانب الاخر فالجولان السورية بها 400 الف صهيوني و 4000 الاف سوري ومحتلة منذ 40 عام ، فأشرح لي كيف تحرر من جديد ؟ .
بعد خلع الرئيس مبارك حاول الكثيريين التقليل من دور القوات الجوية في حرب اكتوبر وتحديدا في الثغرة بعد 30 عاما من الحديث عن الضربة الجوية الاولي ، فهل تكون قواتنا الجوية ضحية لسياسة مبارك في حكمه لمصر ؟العنوان " نابليون لا يحارب بمفرده " الحقيقة ان افتتاحية أي حرب تكون بالطيران وهو ماحدث فعلا ثم تمهد المدفعية وتزحف المدرعات ويدخل جندي المشاة صنع الله لاحتلال الارض والقضاء علي الثعالب والفئران في المخابئ والملاجئ ، اما الثغرة فلاتعالج بالطائرات لاختلاط الحابل بالنابل وتداخل قوات الجيشين المصري والاسرائيلي ، وحتي يوم 17 اكتوبر كانت القوات الجوية بدون خسائر تذكر وعندما تم استعمال القوات الجوية في الثغرة تكبدت خسائر جسيمة لسوء استخدامها هناك .
وخير وسيلة للدفاع هي الهجوم ، اذن فكان من الواجب بدلا من ان ننتظر الضربات ، أن نكيل اللكمات ، فالقوات الجوية أدت دور دفاعي بحت ، وعلاج الثغرة كان بشكل خاطئ ، وشخصيا كنت عائد من طلعة فوق سيناء ولقلة الوقود صدرت لي الاوامر بالهبوط في مطار فايد وكان معي تشكيل من 4 طائرات ، واثناء عملية الهبوط رأيت طائرة c-130 بالحجم الطبيعي عليها نجمة داود ، فقمت باعادة الاقلاع فورا واصدرت امر للطياريين بالغاء الهبوط ، أي ان الاسرائيليين كانوا احتلوا المطار وعندما عدت ابلغت قيادة العمليات بما حدث ، فكان الرد " ان الثغرة مثل البرغوت في الفراش " ولكني رددت بمقولة دفعت ثمنها غاليا فيما بعد وقلت " ياجماعة ده مش برغوت في الفراش ده حنش في ..... " ،
وفوجئت بعد ذلك بطبع منشور بالمرتعدون والخائفون وعلي قمتهم الشاذلي ، لاختلافه مع السادات في طريقة علاج الثغرة ، أي ان ماحدث في الثغرة كان سوء استخدام للقوات الجوية ولم تستغل الاستغلال الامثل .
هناك احاديث الان حول اتجاه مصر لتصنيع اول مقاتلة داخل مصر بالتعاون مع الصين وباكستان فما تقييم سيادتكم لهذه الخطوة ؟مصر من أولي الدول في الشرق الأوسط وفي الدول العربية و الأفريقية ادخالا لصناعة الطائرات ، ويكفي أن نعلم أن أول مصنع طائرات في مصر تم بناءه في حلوان سنة 1951 في عهد الملك فاروق وقبل قيام الثورة وكان اسم المصنع " اير مكي " وحصلنا عليه من ايطاليا وكما قلت صنعنا به الطائرات vampire ، وعقب قيام الثورة قمنا بالتعاون مع الهند بالحصول علي محرك أورفيس من انجلترا وصناعة الطائرة " حلوان-200 " ثم " حلوان-300 " في مصنع حصلنا عليه من اسبانيا ، وشخصيا قمت بالطيران علي متن هذه الطائرة في الكلية الجوية وكانت طائرة نفاثة .
ولكن عقب مصيبة 1967 اشترط الروس علينا لامدادانا بالسلاح أن نوقف هذا الانتاج ، وبالفعل هذا ما حدث وتحول المصنع لصناعة البوتجازات والثلاجات و الساخانات ، ولأحياء هذه الصناعة مرة ثانية قمنا بتجميع الطائرة المروحية الفرنسية الجازيل ، وطائرات الالفا جيت الفرنسية ، وحاليا تجمع طائرة تسمي k-8 وهي طائرة صينية تستخدم محرك امريكي للتدريب المتقدم ، وادعوا الله أن ييسر علينا الخطوة القادمة بالتعاون مع باكستان او غيرها ، ولن نصل أبدا لحماية الحق بالقوة الا اذا امتلكنا الدبابة والسيارة والطائرة المصرية وهكذا .
و الامريكان لا يعطوننا قطع الغيار الا من خلال اجراءات معقدة من موافقة للكونجرس ومن قبله وزارة الدفاع ، اما الروس فتجار يعطونك كميات كبيرة مقابل المال ، واذكر هنا موقف مشرف للرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين حينما اتصل به الرئيس السادات وقال له " لدي محركات طائرات في ميناء اوديسا ولايريدون تحريكها قبل دفع 400 مليون دولار ، فذهب بومدين للسوفييت وسدد المبلغ المطلوب وشحن المحركات قبل فترة قصيرة جدا من الحرب .
عقب ثورة يناير زاد اهتمام الشباب المصري بالجيش ووسط هذا خرج علينا بعض المدعين بوجود اسلحة وهمية مثل طائرات الميج-29 الروسية والتي لم نراها ولم يعلن عنها الجيش فما ردك علي من يحاول ان يضلل شباب هذا الوطن بستارة حب الوطن ؟أحب أن أوضح أن مصر تمتلك سلاح جوي متقدم جدا ، وان كانت طائرات الاف-16 المصرية تقل عن نظيرتها في اسرائيل او الامارات للاسف ، من حيث انواع الصواريخ وتسليحها ، والحواسب الخاصة بها واجهزة التوجية ، اما عن السؤال نفسه فلا يوجد شئ يسمي ميج-29 في مصر ، واخر طائرة ميج دخلت الخدمة في مصر هي ميج-23 وكانوا بقوة سربين ولم يستعملوا وتم تخزينهم ، وبيع جزء منها للصين والجزء الاخر لحلف الاطلنطي وحصلنا علي طائرات بديلة ، وبذلك لايوجد سوي الميج-21 التي تطير في مصر من انتاج شركة ميج .
اليوم وبعد عقود من حرب اكتوبر وبعد ان شاهدت شهداء حرب اكتوبر تشاهد من جديد شهداء ثورة الخامس والعشرين من يناير ، فماذا تقول لهم كأحد ابطال معركة الكرامة ؟سأقص عليك قصة أم بخيت ، والتي وقعت منذ عامين تقريبا في مستشفي القوات الجوية ، حينما كنت هناك ورأيت سيدة عجوز تبكي فأقتربت منها وسألتها عن سبب بكاءها فقالت لي " العسكري اخذ 20 بطاقة علاجية ولم يأخذ استمارتي وانا قادمه من شبين الكوم واغسل كليتي كل يومين " .
فطلبت منها البطاقة لكي اتصرف فبادرتني هي بسؤال هل انا طيار ؟ فأجبت بنعم ، فقالت : من الممكن ان تكون قد صادقت ولدي لقد كان طيارا مثلك .
فسألتها عن اسمه فقالت لي : بخيت ....
تذكرت هذا الشاب جيدا ، هذا الملازم الذي لم يكن قد اتم العشرين ربيعا مع اندلاع معارك حرب اكتوبر ، هذا الشاب الذي لم يري من الحياة شيئا وكان يبتسم للحياة وتبتسم له الحياة ، وكان طيارا للسو-20 وخرج في طلعة لتدمير رتل دبابات للعدو ، وبعد انتهاء المهمة وتدمير دبابات العدو رأي الملازم بخيت وهو في طريقه للعودة 4 دبابات لم يتم تدميرها ولم يكن هناك طائرة تحمل مزيدا من الذخيرة في السرب بالكامل ، وبدون اذن او نقاش مع احد استدار بخيت بطائرته ووجهها نحو الدبابات الاربعة متجاهلا نداء قائد السرب وهاجمهم بطائرته وجسده فدمر الدبابات الاربعة ونال الشهادة .
صعدت الي مدير المستشفي فورا واقتحمت حجرته ولم القي بالا للحراسة او للسكرتيرة وامسكت بيد الرجل بقوة وقلت له : انزل معي فورا الي ام بخيت .
فؤجي الرجل بتصرفي واجزم انه ظن اني مجنون ولكني كررت الأمر ، فقال لي : من هي أم بخيت اولا ؟
فقلت : انزل فورا الان .
ونزلنا سويا واعطيته البطاقة وبعد أن أتم ما كانت تريده السيدة أخبرته بقصة الملازم بخيت ، واليوم يعاني شباب الثورة من اجراءات العلاج والحصول علي التعويضات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــصنع الله :
بلسان اللواء المنصوري دون سؤال :ذهبت في احد الايام الي المتحف الحربي المصري بعد زيارة لمقابر الشهداء مع المجموعة 73 مؤرخين ، وفي المتحف هناك قاعة الشهداء ، تعلق فيها صور الشهداء علي الحائط وهناك استوقفني ركن فيه اربعة صور رتبت ترتيب الهي فعلي اليسار كانت صورة الشهيد طيار حسن لطفي اول شهيد في حياتي ورفيقي في معركة الثلاثة عشر دقيقة .
واسفل صورته صورة الشهيد طيار سليمان ضيف الله وهو اخر شهيد في حياتي في معركة 24 اكتوبر 1973 .
وبجوار الاول الشهيد عاطف السادات أول وأشهر شهداء حرب اكتوبر .
واسفله صورة الشهيد احمد حسن وهو من شهداء الدفاع الجوي ، اسقط خلال الحرب 13 طائرة ، منهم طائرتين بصاروخ واحد ، والمدهش أن ابنته هي التي دعتني للزيارة لكي أري هذا المشهد من صنع الله .