الدكتور و. أندرو تيريل(الكلية الحربية للجيش الأميركي ـ Strategic Studies Institute SSI)، كانون الأول،2011يمر الشرق الأوسط الآن بحقبة تغيير ثورية تتحدى السياسات الخارجية للولايات المتحدة وكل الدول الإقليمية عملياً. في هذه البيئة الجديدة، الفرص والتحديات موجودة بالنسبة لعدد من الدول الإقليمية ومن خارج المنطقة لجهة الدفع بمصالحها الوطنية قدماً، في الوقت الذي تحاول فيه تهميش تلك التي لمنافسيها.
برغم هذه التغييرات الحاصلة، لم تبدل تونس، مصر، وليبيا بعض الجوانب الأكثر أساسية للوضع الإقليمي للشرق الأوسط. إن أهم المنافسات التي تحدد المشهد الإستراتيجي للشرق الأوسط هي الحاصلة ما بين إيران والسعودية. فالتنافس بين هاتين الدولتين قديم، لكنه يكتسب أهمية خاصة الآن. إن العلاقات السياسية التي صمدت لعقود، كتلك التي بين إيران وسوريا، تبدو الآن في خطر، اعتماداً على الكيفية التي ستفقد بها النزاعات الحالية قوتها. وبالتالي يمكن لهذا التنافس أن يصبح أعلى في بيئة من الاضطرابات الثورية.
في هذه المقالة الدراسية، يدرس الدكتور و. أندرو تيريل قضية تنافس قديم وهو يتحول إلى بيئة جديدة. فقد كانت السعودية وإيران في حالة تنافس منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 على الأقل. وكما يشير دكتور تيريل، لقد اتخذ هذا التنافس أشكالاً مختلفة وكان شديداً، بشكل خاص، في أعقاب الثورة الإيرانية. أما بظل الرئيس الإيراني محمد خاتمي ( 1997-2005)، فقد قل التنافس الى حد ما، لكن الانفراج الدائم لم يكن ممكناً بسبب حركة ارتجاعية داخل النظام السياسي الإيراني. فالخلافة الرئاسية لمحمود أحمدي نجاد أضرت بالعلاقات أكثر وسجلت العلاقات السعودية – الإيرانية تراجعاً خطيراً، على خلفية التدخل بقيادة السعودية في البحرين بشكل خاص. ولأن التنافس السعودي – الإيراني يجري في مختلف البلدان المهمة بالنسبة للولايات المتحدة، فإن مسألة فهم ووعي الدوافع والقضايا المرتبطة بهذا التنافس مسألة هامة بالنسبة لصناع السياسة الأميركيين.
ويحدد الدكتور تيريل النزاع، بوضوح،على أنه موجود على امتداد المنطقة، مشتملاً على دول بعيدة كمصر، البحرين، اليمن، لبنان، سوريا، وخاصة العراق، حيث الولايات المتحدة تستعد لسحب كل جنودها تقريباً. ويشير أيضاً إلى أنه في الوقت الذي تتداخل فيه المصالح الأميركية مع تلك التي للسعودية، فإن الحال لا يكون كذلك دائماً. فالسعودية والولايات المتحدة تعملان معاً، غالب الأحيان، في سعيهما لاحتواء النفوذ الإيراني، إلا أن السعودية ملَكية بحتة أيضاً وهي تتعارض مع الديمقراطية العربية أو مع أي إصلاح ديمقراطي للأنظمة الملكية الموجودة.
يسر "معهد الدراسات الإستراتيجية"تقديم هذه المقالة الدراسية كمساهمة منه في الجدل الأمني القومي القائم حول هذا الموضوع الهام، حيث إن أمتنا مستمرة بالتصارع مع مختلف المشاكل المرتبطة بمستقبل الشرق الأوسط والتحدي المستمر بشأن الدفع بالمصالح الأميركية قدماً في زمن الاضطرابات في الشرق الأوسط.
ينبغي أن يكون هذا التحليل مفيداً، بشكل خاص، للقادة الإستراتيجيين الأميركيين والاختصاصيين في الإستخبارات الأميركية وهم يسعون إلى التعامل مع التفاعل المعقد للعوامل المتصلة بقضايا الأمن الإقليمي، وانسحاب القوات الأميركية من العراق، ومكافحة الإرهاب، وتوفير الدعم للحلفاء المحليين. هذا العمل قد يفيد أيضاً أولئك الساعين إلى فهم أفضل للقضايا الشرق أوسطية والأمن العالمي على المدى الطويل.
نأمل في أن يكون هذا العمل مفيداً لكل الوكالات، إضافة الى مسؤولين حكوميين أميركيين آخرين منخرطين في مجال التخطيط العسكري والمساعدات الأمنية.
غالباً ما تصرفت السعودية وإيران كمتنافسين جديين بغرض النفوذ في الشرق الأوسط، خاصة في منطقة الخليج، وذلك منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 والحرب العراقية - الإيرانية 1980-1988. وفي حين تعرّف كل من الدولتين عن نفسها بأنها دولة إسلامية، فإن الاختلافات والتباينات الموجودة في سياساتهما الخارجية بالكاد تكون أكثر دراماتيكية.
فالسعودية، من جوانب عديدة، قوة إقليمية قائمة واقعاً، في حين أن إيران تسعى إلى وجود تغيير ثوري على امتداد منطقة الخليج والشرق الأوسط الكبير بدرجات مختلفة من الشدة.
ولدى السعودية أيضاً علاقات قوية مع دول غربية، في حين تعتبر إيران الولايات المتحدة عدوها الأخطر. وربما يكون أهم اختلاف موجودبين البلدين هو أن السعودية دولة عربية إسلامية سنية محافظة، في حين أن إيراندولة شيعية غالباً ما يعتبر كبار السياسيين فيها بلدهم بمثابة القائد الطبيعي للشيعة والمدافع عنهم على امتداد المنطقة. وقد كان التنافس بين الرياض وطهران منعكساً في الحياة السياسة لعدد من البلدان الإقليمية حيث تمارس هاتان القوتان نفوذهما.
أدخلت موجة تظاهرات 2011 المؤيدة للديمقراطية والمعادية للأنظمة، المعروفة بالربيع العربي، هواجس جديدة لكل من السعودية وإيران وجعلتهما يأخذانها بعين الاعتبار ضمن إطار عمل أولياتهما الإقليمية. لم يكن أي من مصالح الحكومتين الحيوية معنياً بنتيجة النزاع في تونس حيث بدأ الربيع العربي، إلا أن القيادتين أصبحتا مهتمتين بهذه الأحداث بشكل خاص ما إن انتشرت الاضطرابات لتصل الى مصر. وبينما راقبت السعودية طرد الرئيس المصري حسني مبارك برعب، رأت القيادة الإيرانية بعض الفرص المحتملة في ذلك. أما قرار الرياض في أواخر أيار منح مصر 4 مليارات دولار بشكل قروض ومنح فقد أصبح ، وبسرعة، حافزاً للقاهرة لدرس الأولويات السعودية، خاصة في ضوء العائدات السياحية المصرية المتضائلة وتوقف الاستثمارات الغربية الخاصة في الاقتصاد المصري. ويواصل البَلدان جهودهما لتحسين علاقاتهما مع مصر ما بعد مبارك، رغم أن الموارد المالية للسعودية تعطيها أفضلية في النزاع حول النفوذ.
تسعى إيران لتوسيع قوتها في الخليج، الذي هو مجال تنافس أساسي بين الدولتين. وغالباً ما تحاول السعودية، ودول خليجية بدرجات مختلفة، احتواء مطلب إيران بالهيمنة. وفي النزاع حول النفوذ الخليجي، حافظت السعودية، بشكل ثابت، على مستوى أعلى من إيران في مجال النفوذ والسلطة السياسة لدى دول إقليمية، وعلى نطاق واسع.
أما إيران فلا يمكنها أن تأمل حالياً بالتفوق على النفوذ السعودي في الخليج، لكنها تسعى بالفعل للتأثير على دول عربية خليجية وهي مهتمة بشكل خاص بالضغط عليها للتقليل من علاقاتها العسكرية مع الغرب أو إلغائها.
وفي السنوات الأخيرة، يبدو التوتر السني – الشيعي في الخليج وقد بدأ يتصاعد لأسباب عديدة. ووصلت المشاكل من هذا النوع الى درجة عالية مع التدخل العسكري السعودي في آذار 2011 في البحرين. بالنتيجة، من المرجح، على نحو متزايد، أن يشتد التنافس بين الرياض وطهران في المستقبل القريب.
وفي هذه البيئة، سيكون صناع السياسة ومسؤولي الإستخبارات الأميركيين، بالمقابل، بحاجة لأن يكونوا واعين لاحتمال أن السعودية قد تبالغ في تقدير التورط الإيراني في أية أزمة إقليمية وتدمج أحياناً الحزم والإصرار الشيعي مع النشاط والفعالية الإيرانية على أساس صياغتها الخاصة لتحليل أسوأ الحالات ومن دون وجود دليل كبير.
( يتبع )