أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.

مفهوم الانضباط العسكري

حفظ البيانات؟
الرئيسية
التسجيل
الدخول
فقدت كلمة المرور
القوانين
البحث فى المنتدى


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول



 

 مفهوم الانضباط العسكري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
egyptian @rmy

لـــواء
لـــواء
egyptian @rmy



الـبلد : مفهوم الانضباط العسكري Egypt110
العمر : 30
المهنة : كلية اداب قسم عبري
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 26/03/2012
عدد المساهمات : 2731
معدل النشاط : 2786
التقييم : 318
الدبـــابة : مفهوم الانضباط العسكري B3337910
الطـــائرة : مفهوم الانضباط العسكري B91b7610
المروحية : مفهوم الانضباط العسكري 5e10ef10

مفهوم الانضباط العسكري 310

مفهوم الانضباط العسكري 2u8l761


مفهوم الانضباط العسكري Empty

مُساهمةموضوع: مفهوم الانضباط العسكري   مفهوم الانضباط العسكري Icon_m10الخميس 23 مايو 2013 - 22:54

مفهوم الانضباط ونجاح القيادة العسكرية
أولاً: مفهوم الانضباط وسماته
الانضباط اصطلاح ذو مفهوم شامل، وهو وليد رياضة النفس على النظام، يحتوي على الكثير من السّمات والعادات والسّلوكيات الطيبة والحميدة، التي يتحلى بها الشخص، أو التي تسود داخل الجماعة.
ويخُتلف كثيرٌ في تعريف معنى الانضباط، إلا أن أغلب ما قيل في توضيح معناه، يدور في إطار المفهوم العام للانضباط.
ويمكن تعريف الانضباط، بأنه الحالة العقلية والنفسية، التي تجعل الإطاعة والسّلوك الصحيح، أمراً غريزياً في النفس، مهما كانت الظروف. وهو يقوم على أساس الاحترام والولاء للسلطة القانونية. وينشأ الانضباط أساساً من التربية السليمة، ويُصقل بالتدريب واكتساب العادات النبيلة. ويُعَدّْ الانضباط مظهراً أساسياً من مظاهر الحياة العسكرية، ودلائله العامة في الرجل العسكري والوحدة العسكرية: النشاط والحيوية في المظهر، وفي أداء العمل، والنظافة، والأناقة في الملبس، والأمانة، والنظام، والبعد عن الفوضى، وحسن ترتيب المهمات وأماكن الإقامة، وحسن التصرف، وسمو الخلق وعفة اللسان، واحترام الرؤساء، وتنفيذ الأوامر والتعليمات، التي يصدرها الرؤساء بنصها وروحها، وبكامل الرضا، وفي أقصر وقت ممكن.
1. مفهوم الانضباط
أ. الانضباط: هو تدريب منظم، وتمرين، وتنمية، وضبط: للقوي العقلية، والمعنوية، والطبيعية، وهو نظام تعليم وضبط، يغرس في الذهن الخضوع للسلطة المقررة، وضبط النفس، والسلوك السوي المنتظم.
وفي توضيح آخر لمفهوم الانضباط: يعني الانضباط بمفهومه اللفظي، الجدية، والالتزام، والدقة، وحسن أداء الواجب، واحترام حقوق الآخرين، والقدرة على التمييز بين ما هو مشروع وجائز، وبين ما هو محظور وغير مباح.
ب. والقائد ذو "الانضباط الجيد" هو مَنْ يستطيع أن يؤثر في جماعة من الناس، كي تحافظ بنفسها، على النظام والانسجام.
ج. وغالباً ما يقع الالتباس بين معنى "الانضباط" ومعنى "الإجبار":
فالإجبار يستند في تنفيذه إلى السلطات المقررة: كالوالدين، والمعلم، والمدير، والحكومة. فهؤلاء يقولون: "عليك أن تعمل كذا وكذا وإلاّ! " فالسلطات المقررة تستطيع استخدام "العصا" (أي الوعيد بالأذى) مادياً، أو معنوياً، لتأييد أوامرها. لكن أبسط تجارب الحياة أثبتت، أن تأثير الإجبار لا يدوم أكثر من دوام المقدرة على استخدام العصا، مادياً أو معنوياً.
د. وهناك فرق شاسع، بين "الانضباط" الذي يقيد النفس، ويوغر الصدر، وبين "الانضباط" الذي يكون حافزاً مفيداً. وأن ما ينشده الناس جميعاً هو "الانضباط الإيجابى" القائم على الاقتناع، وليس "الانضباط السلبي" القائم على الخوف من العقاب، وإنه لمن الأفضل ألاَّ يُكْتَسَبْ "الانضباط" من توقيع العقاب المستمر، ولكن بالتأثير في الأفراد ليفعلوا الصواب دائماً.
هـ. إن كفاءة المنظمات، على اختلاف أنواعها وأشكالها، عسكرية كانت أم مدنية، وقدرتها تتوقف على وجود "الانضباط" الجيد، وإنه لمن الأفضل أن يكون مصدر "الانضباط" في المنظمة، منبعثاً مما لدى الأفراد من "انضباط" قائم على الاقتناع، والرغبة في العمل، وليس على الرهبة، أو الخوف من العقاب. فالانضباط ينمو بإتباع أسلوب التوجيه والإرشاد والتعليم، وليس بالعقاب. فإذا كان الانضباط قائماً على التهديد بالعقاب فقط، اتجه الأفراد إلى التكاسل، والتحايل، حالما يحسّون أنهم في منأى من العقاب، أو انفضاح أمرهم. وهكذا، يفقدون القدرة على الابتكار الشخصي، والأمانة، ويحتاجون إلى المراقبة الدائمة. ويقتضي الأمر أن "تسوقهم" بدلاً من أن "تقودهم".
وليس فيما تقدم إيحاء، بأن لا يُنتهج أسلوب العقاب في "الانضباط"، في جميع الحالات. فإذا أسندت مقاليد منظمة ما، إلى شخص يقودها، ثم رأي ما يبعثه على الاعتقاد بأنه لا يسهل القبض على زمام أفرادها، وأن أسلوب الإقناع لم يجد الاستجابة التامة والتقدير من أفراد المنظمة، أصبح من الحكمة والسداد أن يواجههم مواجهة جريئة، ويغير سياسته، وأن يتخذ فوراً الموقف الحازم، حتى تنضبط الجماعة. وليس ثمة ضرر، إذا ظنوا به الشدة والعنف، إلى فترة من الزمن، فإذا ما أدركوا أن قائدهم رجل يعرف كيف ينهض بتبعته، وأنه قادر على قيادتهم بحزم وشدة، مع عطف ورأفة، كُلِّ في وقته، أصبح من السهل عليه إرخاء العنان وإطلاق الزمام. على أنه يستطيع أن يجذبه مرة ثانية إذا اقتضى الأمر، ولكن ليس من المحتمل أن تلجئه الظروف إلى ذلك الإجراء.
ومن المهم أن نتذكر أننا لن نستطيع شد الزمام، إذا كنا قد سلمناه للجواد نفسه. ولهذا يجب أن لا تُترك هفوة واحدة دون تقويمها، ولا أن تقع مخالفة فردية دون المحاسبة عليها، ولا أن يسمح لأحد بأن يبيح لنفسه حرية ليست مقررة، بل يجب مؤاخذته عليها فوراً. أما إذا تسامح القائد في هذه الأمور، أو غض الطرف عنها، خرج زمام الجماعة كلها من يده، في مدى أيام قليلة. ولذلك، يجب مراقبة الهفوات الصغيرة، وأخذها بالعنف، فإن هذا يمنع كبيرها من الوقوع.
وهذا هو أهم درس يجب أن يعيه رجل "الانضباط". فهناك ميل عام إلى إغفال المسائل الصغيرة، بدعوى إن الجماعة سوف تقدر هذه الإشارة الودية، وتتفادى التورط في الذنوب الكبيرة الخطرة. ولكن هذه مغالطة لها أسوأ الأثر. فإذا وقعت في المنظمة جرائم خطيرة، كان ذلك من الأسباب التي ترجع إلى التغاضي عن الذنوب الصغيرة. وعلى ذلك، فالقاعدة الذهبية لرجال "الضبط والربط" تتمثل في الآتي:
"عليك أن تُعنى بالأمور الصغيرة، فتعنى الأمور الكبيرة بنفسها".
2. سمات الانضباط
أ. الانضباط سمة من سمات الشعوب الراقية المتقدمة، ووجود الانضباط في مجتمع، دليل على تقدمه وازدهاره. وانعدام الانضباط وإشاعة الفوضى في مجتمع، مؤشر على انحدار مستواه وتأخره. والانضباط الذي يحقق التقدم والانطلاق، يقوم على أساس أن أداء الواجب يسبق، دائماً، طلب الحق، والالتزام بعدم الاستثناء في أي شيء، وفي أي مجال، وتحت أي ظرف: وترتبط إنتاجية كل المؤسسات والمنظمات، بمستوى انضباط كل العاملين بها، بدءاً من أقل رتبة بها، وانتهاءً بقياداتها.
ومما تقدم، فإن التحلي بالانضباط أصبح ضرورة من ضروريات حياة الشعوب. ومن دون الانضباط، لن تستطيع الشعوب ضمان إنجاز خططها التنموية، في كافة المجالات.
ب. لأن الفرد المنضبط، أساس المجتمع المنضبط، ومن ثم، يجب أن يتحلى الناس جميعاً بالانضباط. ولكي يكون الشخص مثالياً في الانضباط، يجب أن يتحلى بمجموعة من الصفات، التي منها ما يلي:
(1) القدرة على ضبط النفس
ضبط النفس من أهم الصفات، التي يجب أن يتحلى بها الشخص، الذي يتولى قيادة جماعة من الناس، أو يشرف عليهم. فالقائد الناجح ينبغي أن ينشد "الأسمى" من كل شيء. وأسمى أنواع الانضباط، هو القدرة على ضبط النفس.
ويعني ضبط النفس القدرة على التحكم فيها وقت الشدائد، وترويضها والبعد عن الأهواء والأغراض.
(2) العمل بروح الفريق
إن الشخص الذي يتمتع "بروح الفريق" في العمل، يعتبر مثالياً في الانضباط. كما أن القائد، الذي يعمل على بناء روح الفريق، يعتبر قائداً فعالاً. فعندما تسود "روح الفريق"، بين أعضاء أي جماعة، بحيث يشعر كل فرد بأنه وباقي الأفراد كشخص واحد، ينشأ من هذا باعث شخصي يمنع العضو داخل الجماعة من أن يرتكب ما يخالف القواعد، إذ أن المرء ـ عادة ـ لا يفعل شيئاً ضد نفسه. كما أن إحساس الفرد أنه ضمن فريق واحد، وأنه جزء أساسي من وحدة متكاملة وقائمة بذاتها، وأنه مسؤول تماماً مثل باقي أعضاء الفريق، يُنمِّي لديه الرقابة الذاتية. وكذلك لا يقترف أي فرد عن رضى، ما يغضب قائداً أو رئيساً يعرفه شخصياً، ويحترمه، ويقدّر قيمة الحصول على رضائه. فالجماعة، إذن، تبدأ بالفرد الذي هو جزء منها. ويجب أن يكون واضحاً، أن روح الفريق لا تنمو في الأفراد، إلاّ على احترام النفس وضبطها، والثقة بالنفس، ورياضة النفس (أخذها بالضبط والربط). وعندما تتيقظ تماماً عاطفة الولاء للجماعة، يمكن التأثير على كل فرد فيها تأثيراً ناجحاً يُنمِّي تلك الصفات، ويجعل الإنسان يعمل أكثر من الواجب المفروض عليه بمقدار كبير. لأن المجد والنجاح، الذي تدركه الجماعة، يعود على الأفراد الذين تتألف الجماعة منهم. ومما تقدم، يجب أن يكون الهدف الدائم للقادة والرؤساء، تنمية روح الفريق في مرؤوسيهم، حتى يكونوا أعضاءً مؤثرين في الجماعة.
(3) الروح المعنوية العالية
إن الروح المعنوية أقوي سلاح يتسلح به الإنسان، والروح المعنوية، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالانضباط، وهما صفتان معنويتان متلازمتان، وتؤثران تأثيراً مباشراً على التحفيز والروح القتالية. ولا يكفي أن يتزود أي جيش مادياً، ولكن الأهم أن يؤَمَّنْ معنوياً وانضباطياً، وخير للجنود أن يخوضوا غمار المعركة يعوزهم التأمين المادي، على أن يخوضوها تنقصهم الروح المعنوية والانضباط. وفي الحروب يظهر الأثر الكبير للروح المعنوية والانضباط، فيستطيع كل طرف هزيمة خصمه، إذا نجح في تحطيم روحه المعنوية. وقد أدركت ألمانيا هذه الحقيقة في الحرب العالمية الثانية.
ولا يمكن أن تتوفر الروح المعنوية بمعناها الصحيح، إذا لم توجد الثقة بالنفس، فالفرد لا بد أن يشعر أنه متفوق مادياً وانضباطاً وتدريباً، حتى ترتفع روحه المعنوية.
ومما تقدم، يتضح أن الشخص الذي يؤدي عمله بروح معنوية عالية، يتمتع بانضباط عال. وأنه لا انضباط من دون روح معنوية عالية، ولا معنويات مرتفعة من دون انضباط. والقائد الفعال، هو الذي يعتني بالروح المعنوية والانضباط.
(4) الأخلاق العالية
الانضباط أخلاق عالية، وتقاليد سامية، تقوم على الشجاعة والشرف، والتفاني في أداء الواجب، والصبر، والحزم، والحسم، والأمانة، وإنكار الذات، والمقدرة على مواجهه الحقائق. وتتنافى مع الكذب والرياء والنفاق. والأخلاق يجب أن تكون عماد الشخصية، فالشخص الذي له من الأخلاق نسبة مائة في المائة، ومن الذكاء خمسون في المائة، أوفر حظاً ممن ذكاؤه مائة في المائة، وخلقه خمسون في المائة فقط. والشخص الذي يشذ في عاداته قد يستطيع أن يحرز جانباً من محبة بعض الناس، إذ إِنه يستهوي أحط غرائزهم، بما يبديه لهم من تشجيع، ولكنه لن يحصل على ثقة واحترام جماعة كبيرة من الرجال المهذبين.
(5) الثقافة العامة
صفة أساسية يجب أن يتحلى بها الناس جميعاً، خاصة القادة منهم، ومن يتولى الرئاسة أو الإشراف على جماعة من الناس، فالثقافة العامة هي المدرسة الحقيقية لغرس الانضباط.
(6) القدوة والمثل
يجب أن يتحلى القائد أو (الرئيس)، في أي موقع من مواقع العمل، بالانضباط، وأن يكون القدوة والمثل لمرؤوسيه في كل تصرف يقوم به. فالقائد ذو الانضباط الجيد يتمتع مرؤوسيه بروح الانضباط العالي، وخلاف ذلك صحيح. ففاقد الشيء لا يعطيه. والقائد يمكن أن يصل إلى غايته، في التأثير في نفوس مرؤوسيه، واكتساب ثقتهم ـ ما لم يراع ـ قواعد خاصة يمليها الإدراك السليم. ومن المألوف أن تحتفظ الجماعة بانطباعاتها الأولى عن قائدها، مهما كانت حظ هذه الانطباعات.
(7) التفاني في العمل
التفاني في العمل أحد المظاهر الأساسية، لوجود "الانضباط" في المنظمة. ويحب الإنسان عمله، ويخلص ويتفانى فيه، إذا توافق مع قدراته وإمكانياته. لذا، يُعد "وضع الرجل المناسب في المكان المناسب" العامل الأساسي لنجاح الإنسان، في عمله.
(8) إطاعة الأوامر
إطاعة الأوامر وتنفيذ التعليمات، وإتباع القواعد التنظيمية، هي جوهر "الانضباط" في المنظمة. ويتوقف نجاح الانضباط على مدى إمكانية تنفيذ الأوامر. فالشخص الذي تضطره الحالة إلى أن يعصي أمراً لا يستطاع تنفيذه، يميل بوجه السرعة بعد ذلك إلى عدم إطاعة الأمر، الذي يستطع تنفيذه. ويؤكد على ذلك المقولة الشهيرة (إذا أردت أن تُطاع، فمر بما يستطاع).
وبناء على ما تقدم، أصبح واضحاً، أن أفضل أنواع "الانضباط" يكون وليد الاعتبارات التالية:
(1) عندما يعرف "القائد" الأشخاص، الذين تتألف منهم "جماعته".
(2) عندما يعرف أفراد الجماعة، "قائدهم".
(3) عندما يدمج القائد نفسه في جماعته، بكل الطرق الممكنة.
(4) عندما تكون الجماعة كلها فريقاً واحداً، يتلقى الحماسة من روح القائد.
(5) عندما يكون للجماعة مستوى عال من "روح الفريق"، في العمل.
(6) عندما يكون الفريق حسن التدريب، متقد الحماسة، ملحوظ الكفاية.
فإذا أمكن استيفاء هذه الشروط، (وليس استيفاؤها بالأمر المستحيل) اختفت المخالفات، وتحقق الانضباط القائم على الثواب وليس العقاب، وأصبح الأفراد متحمسين للعمل، وزاد تقدم الجماعة نحو تحقيق أهدافها.
ثانياً: الانضباط ونجاح القيادة العسكرية
قامت الجيوش العظيمة في الماضي، على ثلاث صفات أساسية، لم تنقص أهميتها في الوقت الحاضر. وستظل هذه الصفات، دائماً، الأساس الذي يقوم عليه بناء الجيوش القوية القادرة، مهما بلغت الأسلحة والمعدات من تطور تقني. وهذه الصفات هي: "الانضباط" و"الروح المعنوية" و"روح الفريق".
ويأتي الانضباط على قمة هذه الصفات. ويُعد وجوده في المنظمات العسكرية، الأساس لنجاح القيادة وفعاليتها، والمحرك الأساسي لدفع المنظمة نحو تحقيق أهدافها المنشودة، والعامل الرئيسي الحاكم في تحقيق الكفاءة العسكرية.
والتسمية الشائعة للانضباط، في محيط العمل العسكري، هو "الضبط والربط". فماذا يعني الضبط والربط عند العسكريين؟ وما مقوماته؟ وما أهم مظاهرة؟ وما العوامل التي تؤثر في رفع مستوى الضبط والربط؟
1. مقومات الضبط والربط وأهم مظاهرة
أ. معنى الضبط والربط العسكري
(1) الضبط والربط العسكري هو: إقامة الأوامر وطاعتها بروح قوية، عن تعود واقتناع. أي الإطاعة والسلوك الغريزي السليم تحت كل الظروف، وتتضمن السيطرة على إرادة الفرد لصالح المجموع.
والضبط والربط العسكري، امتداد وتطبيق خاص للنظام، في أي هيئة أو جماعة منظمة. والضبط والربط الحقيقي يتطلب إطاعة القائد، عن تعود وإقناع. هذه الإطاعة التي تؤدي، إذا أحسن ممارستها والتدريب عليها، إلى التصرف السليم حتى في غيبة الأوامر، أو القائد دون أي رقيب.
(2) ونجاح الضبط والربط، يتوقف على فهم القائد لأفراد فريقه أو جماعته، ومعرفة كيفية التعامل معهم، وكيف يكسب ثقتهم، وكيف يعمل على تنمية روح الفريق فيهم، وكيف يغرس الضبط والربط فيهم، وكيف يرفع روحهم المعنوية، وكيف يجعل من أفراد جماعته وحده متماسكة صلبه قوية متعاونة.
فإذا وُجد القائد الجيد، زاد الانضباط، وسلِمت روابط الكيان العسكري، وارتفعت، الروح المعنوية.
إن من واجب كل قائد أن يغرس في أذهان مرؤوسيه روح الضبط والربط؛ وأن المثل الأعلى، الذي يضربه القادة على اختلاف مستوياتهم بصفة مستمرة، من أهم الوسائل في بناء الضبط والربط.
ب. مقومات الضبط والربط العسكري
لا يمكن أن يوجد الانضباط بمعناه الصحيح، إلا إذا توفرت المقومات التالية:
(1) الطاعة
(أ) الإطاعة ركن أساسي من أركان الضبط والربط. ويُقْصَدْ بها الإطاعة التامة المبنية على اقتناع الأفراد بالعادات والتقاليد العسكرية، التي تؤدي إلى التصرف السليم. ولا يتأتى ذلك إلا إذا تعود الفرد على أداء هذه العادات، والتقاليد، والتصرفات، بطريقة غريزية صحيحة.
ويمكن للقائد أن يغرس في نفوس الأفراد هذه العادات، والتقاليد، بشرح مسبباتها، والدوافع إليها، ثم توضيح أحسن الطرق لأدائها. وبالتكرار الصحيح، ومعالجة أي خطأ في الحال، تصبح هذه العادات والتقاليد غريزة طبيعية، تؤدَى عن اقتناع ورغبة، لا عن خوف ورهبة.
(ب) إن نجاح القائد في غرس عادة إطاعة الأوامر العسكرية، في نفوس رجاله، تعتمد على مدى تدريبه وتعليمه لهم. لذا، يجب تعليم الجندي تعليماً وافياً كيف يؤدي عملاً ما، قبل أن يؤمر بأدائه. فالجندي بطبيعته يندفع نحو إطاعة الأمر، الذي يستطيع تنفيذه.
(ج) ولأن الجهل بمعرفة الأوامر لا يقُبل عذراً في عدم إطاعتها، ولأنه ليس من المعقول أن نتوقع من الجندي حديث العهد بالخدمة العسكرية، أن يتوصل إلى معرفة كل شيء من تلقاء نفسه؛ لذلك تقع على القادة مسؤولية كبرى، في وصول المعرفة بالأوامر للرجال تحت قيادتهم، ومساعدتهم على تكوين عادة البحث عن الأمور، التي يجب عليهم الإلمام بها.
(د) من غير إطاعة لا توجد قيادة. فالإطاعة أوجب الواجبات، ومن دونها لا تنعقد سلسلة القيادة، ولا يكون هناك ضبط وربط. الإطاعة إذن واجب لا هوادة فيه.
وخير مثال على ذلك القائد خالد "ابن الوليد" أمير الجيوش المسلمة التي تأتمر بأمره، يشير إليها فتنهال على العدو، ويظل يتنقل بها من نصر إلى نصر، حتى إذا أتاه أمر الخليفة بأن ينزل عن القيادة، صدع بالأمر في الحال، واتخذ مكانة في الصفوف، تحت إمرة القائد الجديدّ.
(2) القدوة الحسنة
كيفما يكون القائد يكون الجنود. لذا، يجب أن يتحلى القادة على كافة المستويات بالضبط والربط. فإذا كان القائد قدوة حسنة لرجاله، ويضرب لهم المثل الأعلى في الضبط والربط، فإن رجاله، دون شك، سيقلدونه، ويتخذون منه مثلهم الأعلى، في كل عمل يؤدونه.
(3) المدح والاستحسان وتقدير الفرد
إن إظهار الاستحسان والمدح من القائد لرجاله، سواء كان فردياً أو جماعياً، لو أُحْسِنَ أداء العمل، يؤثر في تقوية أواصر الضبط والربط. والفرد إذا شعر بأن له قيمته، وأن القائد يقدر شعوره، فإنه يتقبل كل ما يؤمر به، ويشعر بالثقة في نفسه، وفي قادته، وفي الأوامر الصادرة إليه.
(4) الثواب والعقاب
(أ) يتطلب الضبط والربط أن يؤدى كُلٍ واجبه على أحسن وجه، ويمكن أن تغرس الحاجة إلى الضبط والربط في الفرد، بالالتجاء إلى إحساسه وإدراكه، وذلك بأن يكون الضبط والربط مشوقاً إليه. وفي الحالات القليلة التي لا يفلح فيها الالتجاء إلى إدراكه، يكون الالتجاء إلى العقاب، الذي يجعل الفرد يقدّر الحاجة إلى الضبط والربط.
(ب) ويجب أن يشعر الجندي دائماً، أنه بمحافظته على الضبط والربط، يكون موضع تقدير ومكافأةً من قائده، وأن إهماله في تنفيذ الضبط والربط يعرضه للعقاب. وهنا يجب أن يقتصر العقاب على من يستحقه فقط، ويجب تجنب المبدأ الخاطئ "الظلم يعم". وفيما يختص بموضوع العقاب (الجزاء)، يجب أن نتذكر أن الأشخاص الذين نقودهم ونتولى تدبير شؤونهم، هم رجال أكتمل نضجهم، وليسوا أطفالاً لم يستتموا نموهم. وإن توقيع العقاب هو أخطر إجراء يقوم به الرجل تجاه رجل آخر، والموضوع يستحق أن يتناوله المرء بالحذر الشديد.
وقد وضع "بكاريا"[1]، السنن الآتية عن الجريمة والعقاب، وهي تنطبق مع العصر الذي وضعت فيه، كما أنها تنطبق على العصر الحالي:
(أ) إن أضمن رادع للجريمة، هو تأكد المجتمع من توقيع العقاب، وليس مدى شدته.
(ب) إن البلاد التي اشتهرت بقسوة العقاب، تكون دائماً البلاد التي تقع فيها أفظع الجرائم الدموية والآثام غير الإنسانية، حيث تكون يد القاتل ويد المشرع كلاهما، مُسَيرَّتَان بالروح الوحشية.
(ج) العقاب المعجَّل، هو أنجح القصاص.
(د) كثيراً ما تكون القوانين نفسها، سبباً لارتكاب الجرائم.
(هـ) إن مكافأة الفضيلة تمنع الجريمة.
(5) تحديد الواجبات والمسؤوليات
من أهم مقومات الضبط والربط، مراعاة الفروق الفردية عند تصنيف الأفراد وتوزيعهم على المهن المختلفة المطلوبة، وتحديد الواجبات والمسؤوليات، مع عدم تجاوز طاقة الأفراد وقدراتهم.
ج. أهم مظاهر الضبط والربط العسكري
من أهم مظاهر الضبط والربط العسكري:
(1) السلوك الفردي الصحيح للجنود، داخل وخارج، الثكنات والمعسكرات.
(2) المظهر الحسن للأفراد، والمحافظة على الأوامر والتعليمات الخاصة باللبس، واحترام شعار الجندية وشرفها.
(3) المظهر الحسن للثكنات والمعسكرات.
(4) الإطاعة الغريزية للأوامر، وتجنب التردد في تنفيذها.
(5) كفاءة الجنود في تأدية واجباتهم.
(6) احترام الجنود لرؤسائهم وزملائهم.
(7) المحافظة على الأسلحة والمعدات وصيانتها.
(8) التصرف السليم، وأداء الواجب بإخلاص، في غيبة الرقيب.
(9) تقبل الجنود للتقاليد العسكرية، والابتعاد عن العادات المدنية السابقة.
2. العوامل التي تؤثر في رفع مستوى الضبط والربط العسكري
من أهم العوامل، التي تؤثر في رفع مستوى الضبط والربط، داخل المنظمات العسكرية ما يلي:
أ. الروح المعنوية
(1) الروح المعنوية حالة نفسية عقلية وعاطفية، تجعل الفرد يظهر شعوره الخفي في نفسه، فتراه أحياناً قانعاً هانئاً سعيداً، وتراه تارة تعساً يائساً شقياً. فالصحة، ورضا الله ثم الناس، وراحة الضمير، وخدمة الوطن عن إيمان وعقيدة، من أهم عوامل القناعة، والشعور بالسعادة والنشاط والأمل. والظلم، والخطر، والقلق من أهم العوامل التي تجعل الفرد يشعر باليأس والقنوط، وتجعله عديم الهمة قليل النشاط ولا أمل له.
وتُعد الروح المعنوية من أهم عوامل النصر. فهي التي تبعث الإيمان بالنصر، والقوة على التغلب على المصاعب والعقبات، وتولّد العزيمة الجبارة التي تواجه الموت بصدر رحب، في سبيل العقيدة الراسخة، والإيمان الثابت، والمبادئ السامية.
(2) إن العامل الأساسي، الذي يكفل المحافظة على الضبط والربط، هو "الروح المعنوية". فالعامل المعنوي يخلق الضبط والربط بين صفوف المقاتلين. ومن واجبات القائد رفع الروح المعنوية التي تؤثر في رفع مستوى الضبط والربط. ويمكن أن نتعرف على الروح المعنوية العالية بالآتي:
(أ) الحماس
هو المجهود الذي يقدمه الرجال متطوعين، لأداء أعمالهم، بدافع قوي يفوق الإطاعة التي يسودها قلة الاهتمام، وعدم الاكتراث، والتهاون، والتكلف، والإطاعة، التي يكون مصدرها الأوامر والتنظيمات فقط.
(ب) الإحساس بقيمة الفرد.
(ج) اعتزاز الفرد بما يكلف به من عمل، في أي مهمة.
(3) للروح المعنوية أثرها الكبير في رفع مستوى الضبط والربط، داخل المنظمات العسكرية. وكلّما ارتفعت الروح المعنوية، ارتفع مستوى الضبط والربط. ويستطيع القائد أن يخلق الروح المعنوية وينميها داخل وحدته، إذا اتبع التوجيهات الآتية:
(أ) اجعل جنودك يرغبون في الخدمة العسكرية:
ابعث في جنودك روح الإيمان بالخدمة العسكرية، وقيمة الجندي، وشرف الانتساب للجندية، وواجب كل فرد في أداء ضريبة الدم في سبيل عقيدته ووطنه، الذي ترعرع على أرضه، ونعم بنعيمه، وأنه لا بد لكل أمة من جيش يحميها، ويصد عنها أعداءها.
إن الجندي العربي جندي يثق في تعاليمه الدينية، والدين يحث على الجهاد، والقتال في سبيل الله والوطن، وفي سبيل الحق، بما يدفع الجندي للتضحية وأداء الواجب. كما أن ذكر سير الأبطال الفاتحين فيه ما يلهب حماسة الجندي، ويشجعه على تقبل الخدمة العسكرية.
(ب) اجعل جنودك يفهمون معنى التقاليد، والمظاهر، والأوامر العسكرية الصارمة
اشرح لجنودك معنى الحياة العسكرية، فهم لابُدّ أن يفهموا سبب قسوتها وخشونتها، ويجب أن يفهموا لِم تصدر الأوامر من آن لآخر، ولِم يجب إطاعتها دون تردد.
فإذا اقتنع الجندي بكل هذا، تقبل هذه الأوامر والتقاليد بروح قوية، وإطاعة تامة مقبولة في نفسه، وإذا ما تبين للجنود السبب، تولدت فيهم الثقة بالقائد، ونمت فيهم روح الإطاعة عن رغبة وإقناع، وشعروا بأنهم أفراد يتعاونون في تحقيق هدف موحد، وليسوا آلات مُسَخَرة.
(ج) اجعل جنودك يثقون بأنفسهم، وسلاحهم، وتدريبهم، وقادتهم
اعتن بتدريب جنودك، واكسبهم ثقة بأنفسهم، وبأنهم أحسن الجنود، وأن تدريبهم يتمشى مع أحدث الأساليب، وأن سلاحهم من أحدث الأسلحة في الحروب.
(د) تخير العمل المناسب لكل جندي، وبث فيه روح الاهتمام بعملة، والإخلاص لوحدته
إن شعور الجندي بأنه يقوم بالعمل المناسب له، يرفع، ولاشك، من روحة المعنوية، ومن شعوره بأنه يؤدي عملاً يتفق وميوله واستعداداته. وتحقيق ذلك ميسور، إذا تم التوزيع على أسس نفسية سليمة. كما يجب أن يوضح للجنود السبب في اختيارهم، للأعمال والمهن المختلفة، وأهمية المهنة التي يعمل فيها كل منهم، بمفرده أو مع جماعة معينة.
(هـ) قدِّر أعمال رجالك وكافئ المجتهدين منهم
إن تقديرك لأعمال رجالك، ومكافأة المجتهدين منهم، من أهم العوامل لرفع الروح المعنوية، وذلك إلى جانب بث روح التنافس بينهم، وتشجيعهم على إتقان أعمالهم.
(و) كن القدوة الحسنة والمثل الأعلى لرجالك
يهُم الجندي أن يشعر أن النواحي التي تعلمها ويؤديها، وأنواع السلوك التي يطالب بها، إنما هي صورة صادقة لما يقوم به رؤساؤه وقادته. فالقائد يجب أن يكون القدوة الحسنة لرجاله، فهم يضعونه في الصدارة، ويقلدونه ويقتبسون منه. بل إن في الأمثلة التي يضربها هو بنفسه في التضحية والفداء، وبذل الجهد، ما يوحي لرجاله بالاقتداء به، ومحاكاته وزيادة ثقتهم به.
(ز) أعرف رجالك
تعرّف على رجالك، وأهتم بأمور معيشتهم وأحوالهم ومشاكلهم، واحترمهم كرجال ذوي شخصية وكرامة، وكن أخاً رحيماً وصديقاً لهم، ولكن احترم رتبتك وشخصيتك، وكن حازماً مرهوباً محبوباً.
(4) العقوبات الانضباطية والمحافظة على الروح المعنوية
(أ) ومع أهمية الروح المعنوية في رفع مستوى الانضباط، إلاّ أنه يجب على القائد، عندما يلجأ إلى استخدام أُسلوب العقاب، لتقويم الشخص المنحرف، لكي يحافظ على الضبط والربط في وحدته، ألاّ يهمل الجانب المعنوي المصاحب لذلك. ويجب الحفاظ دائماً على الانضباط القائم على التوجيه والتحفيز، وليس الخوف من العقاب. لذا، يلزم ألا يتصف القائد بالجمود (أي عدم المرونة) عند توقيع العقاب، حتى لا يصبح مجرد إجراء لا هدف منه (أي بلا تأثير أدبي).
فيجب عند توقيع الجزاء، أو إصدار الحكم في كل قضية، أن يتم ذلك وفقاً لظروفها الخاصة، وفي ضوء الأثر الأدبي، الذي تتركه لمصلحة الجماعة كلها. ويجب ألا يغيب عن القادة خدمة الروح المعنوية، على أفضل وجه. فقد يكون توقيع الجزاء الصارم البعيد الأثر، أفضل سبيل لخدمة الروح المعنوية؛ وقد يكون من الأفضل، في معظم الحالات، استعمال الرأفة الاستثنائية.
وهناك القصة المشهورة عن "نابليون" عندما ما خرج بمفرده لتفقد "نقطة خارجية"، فوجد أحد الحراس مستغرقاً في النوم على الثلج، في نقطته، عند حافة الغابة. وتنص القوانين العسكرية بصفة قاطعة أنّ على "نابليون" استدعاء ضابط الصف، قائد الحرس، ليضع المذنب تحت التحفظ الشديد، فيحاكم بمجلس عسكري، ثم يرمى بالرصاص. فالجريمة الوحيدة التي لا تقبل فيها هوادة، سواء ارتكبت داخل القطر أم خارجه، هي هذه الجريمة، وفيها يوقع دائماً أشد العقاب، فلا سبيل للرحمة في قضية جندي يرتكب الجريمة المخزية، وهي تعريض أرواح زملائه للخطر، بسبب النوم في النقطة المكلف بحراستها.
لكن "نابليون"، رجل عبقري، والعباقرة كثيراً ما يلهمون القيام بأعمال لا تخطر على بال الرجل العادي. فما كان منه إلاّ أن التقط بندقية الحارس النائم فوضعها على كتفه، وأخذ يضرب الأرض بقدميه جيئة وذهاباً. فعلى هذا الوضع وُجِدَ الاثنان (نابليون والحارس)، عندما أتى ضابط الصف وبصحبته جندي الغيار، أي أن الحارس كان مستغرقاً في النوم، والإمبراطور يحرس النقطة.
قد يرى بعض الناس: أن سلوك "نابليون" كان خطأ. إذ أنه تغاضى عن تقصير فظيع ارتكبه حارس أثناء تأدية واجبه؟. هذا التقصير قد يؤدي إلى انهيار الانضباط في صفوف الجيش. ولكن نابليون. وهو السيكولوجي الحصيف كان محقاً لدرجة تستوجب الدهشة. وقد علق أحد الجنرالات على هذا الحادث بقوله: "لم يكن أحد يعرف مقدار التعب، الذي يستولى على الجندي الذي يسير على قدميه طوال يومه أكثر من "نابليون" نفسه. ولا يعرف أحد أكثر منه أيضاً أثر حكاية (نابليون) الذي حمل بندقية المذنب على كتفه، بدلاً من أن يطلب جماعة ضرب النار لإعدامه، عندما يتسامع بها الجند في المعسكر، وفي طوابير السير، في اليوم التالي، فإن تصرف "نابليون" قد جمع إلى العطف الصحيح، روح الدعابة".
ولم لا؟ فإن اهتمام "نابليون"، وينبغي أن يكون اهتمام كل قائد، هو أن يحصل من جنوده على أوفر نصيب، وأكبر قسط من القدرة على القتال والكفاية. ففي هذا الموقف قد هدته عبقريته، إلى أنه يستطيع تحقيق غرضه على أحسن صورة، بالطريقة التي اتبعها، بدلاً من تنفيذ الأحكام العسكرية بحرفيتها، وتعريض الجندي للإعدام. لقد تغاضى عن نص القانون وحرفية الأحكام العسكرية، وترك الجندي على قيد الحياة، مع أن جزاءه كان الرمي بالرصاص.
ولا يحتاج المرء إلى قوة خيال، ليدرك التأثير المعنوي العظيم لهذه الحادثة، على جنود "نابليون". فلو طلب منهم الدخول فوراً في معركة، لقاتلوا قتال المستميت، ولكانت حماستهم مثار الدهشة للجميع، حتى لقائدهم الحصيف نفسه. فأي جندي لا يقدم حياته بأتم رضى، في المعارك التي يديرها قائد كهذا؟ وهناك ظروف تفيد فيها الشهامة، ورحابة الصدر، والقائد الحكيم هو من يعمل على أن يفيد منها.
(ب) وغني عن البيان، أنه ينبغي عند التحاق المستجدين بالجيش، أن تُلقي عليهم محاضرة ودية، في موضوع "الضبط والربط" و"الجزاءات"، وما يمنحهم "قانون الجيش" من الحقوق والامتيازات. ويجب توضيح الغرض من الجزاء بعناية تامة، وتبيان أن هذا الغرض تأديبي بحت، وليس انتقامياً.
(ج) ويجب على القائد، عند تطبيق الأحكام العسكرية، أن يسأل نفسه:
· (أولاً) هل ثمة ضرورة لتوقيع الجزاء في القضية المعروضة أمامه؟
· (ثانياً) إذا كان توقيع الجزاء ضرورياً فما هو أخف حكم يمكن توقيعه؟
(د) ويجب الحذر من توقيع الجزاءات الجماعية، لأن هذا إجراء محفوف بالخطر الشديد. وسيكولوجية الجماعة تختلف كثيراً عن نفسية الأفراد، الذين تتألف منهم الجماعة. وعندما تعتقد الجماعة كلها أنها قد ظُلِمَت، تنبعث عناصر سيكولوجية خطيرة. وكثيراً ما يكون الجزاء المشترك سبباً في وقوع جريمة جسيمة، إذ أنه يخلق ارتباطاً بين الرجال غايته الانتقام.
ويجب، أولاً وأخراً، عندما يتطلب الموقف توقيع العقوبات الانضباطية أو تنفيذ الأحكام العسكرية، التفكير في الروح المعنوية.
ب. روح الفريق
(1) روح الفريق حالة عقليه عاطفية للجماعة أو الوحدة. فالفرد يعتز ويتعصب بانتسابه لعائلته، ويشعر بمسؤولية نحوها، كما يشعر بالإخلاص الكبير لها، ويغار عليها، ويدافع عن سمعتها، وكيانها، فهذا هو روح الفريق أو الجماعة. وهذه الحالة تنشأ وتنمو بين الفرد وجماعته ووحدته فيشعر:
(أ) بالاعتزاز بوحدته والفخر بها والتعصب لها.
(ب) الإخلاص والولاء لها، فيعمل على رفع مستواها، والدفاع عن سمعتها وكيانها.
(ج) الشعور بمسؤوليته وواجبه نحوها، لتبرز بين قريناتها من الوحدات الأخرى.
(2) وروح الفريق تتميز عن الروح المعنوية، في أن الروح المعنوية حالة تتعلق بالفرد نفسه فقط، أما روح الجماعة أو روح الفريق، فهو شعور الفرد بواجبه نحو المجموع (الجماعة أو الوحدة...إلخ)، ويعرفه البعض بأنه العمل الجماعي أو التعاون المتبادل، بين أفراد الجماعة أو الوحدة.
وكلّما كانت روح الفريق عالية، كانت الأهداف الجماعية للوحدة تحجب الأهداف الفردية للأفراد. وفي مثل هذه الحالة تقضي الروح العالية السائدة، للوحدة أو الجماعة، على التذمر أو التبرم الشخصي، من بعض الأفراد.
والوحدة ذات الروح الجماعية العالية، يمكنها أن تنجز مهمتها على الرغم مما يصادفها من مصاعب وعقبات. وقد ثبت من تجارب الحروب، أن الافتخار والاعتزاز بالوحدة، مظهراً بارزاً من مظاهر الروح المعنوية العالية.
ولروح الفريق أثرها في رفع مستوى الضبط والربط بالوحدة، لأن كل فرد سيشعر أن الإهمال في أي ناحية من نواحي الضبط والربط، سيؤثر على سمعة وحدته أو جماعته، وسيتسبب عن ذلك ضرر كبير لمجهود زملائه في نجاح وحدتهم أو جماعتهم، فيحاول قدر طاقته أن يبتعد بنفسه عن كل ما يشين سمعتها، أو يقلل من قدرها، ومكانتها بين الوحدات أو الجماعات الأخرى.
(3) ستطيع القائد أن ينمي روح الفريق، داخل وحدته، إذا طبق النصائح التالية:
(أ) إلمام الجنود بتقاليد الوحدة وتاريخها المجيد
على القائد أن يوضح لجنوده تاريخ وحدته المجيد، والمعارك التي اشتركت فيها، والأبطال الذين أنبتتهم الوحدة، والأعمال التي قاموا بها، وأن عليهم جميعاً أن يراعوا هذه التقاليد، وأن يضيفوا إلى تاريخ وحدتهم صفحات ناصعة من المجد، والفخر، تخلد ذكراهم للأجيال القادمة، وبذلك تكون التقاليد عاملاً مهماً في حب الجنود لوحدتهم، والتفاني في خدمتها.
(ب) إشاعة روح التكاتف والترابط والصداقة، بين الجنود وقادتهم
يجب على القائد أن يعمل على تنمية روابط الأخوة والصداقة، بين أفراد وحدته. فعلية أن يشعرهم أنهم أفراد أسرة واحدة، يربطهم رباط قوي متين من الأخوة، والصداقة، والمحبة، على الرغم من اختلاف لهجاتهم وأديانهم وبلدانهم.
كما يجب على القائد أن يشعر رجاله، أنه رب هذه الأسرة، يرعى مصالحهم، ويهتم بأمورهم، ويذلل مشاكلهم، وأنه يُعدّ نفسه أباً رحيماً، وأخاً مخلصاً لهم. ولكن حذار أن يفقد القائد شخصيته، أو يقلل من هيبته، فيكون مصيره الفشل في قيادته.
(ج) بث روح التعاون والاتحاد
في الاتحاد قوة، وفي التفكك الضعف والفشل. فعلى القائد أن يُشعِر رجاله بأهمية تعاونهم، واتحادهم في سبيل نجاح وحدتهم، وعليه أن يُشعِر كل فرد في الجماعة أو الوحدة، أنه حجر مهم في بنائها وفي نجاحها، وأنه يصنع لنفسه ولوحدته هدفاً يسعون جميعاً لتحقيقه، ويتعاونون على الوصول إليه.
(د) استغلال مواهب الأفراد
على القائد أن يستغل مواهب الأفراد، كل فيما يمتاز به عن غيره، لخدمة وحدته والنهوض بمستواها، وأن يعمل على تشجيعهم على إظهار هذه المواهب في مختلف الأوقات، واستغلال ذلك في تنمية روح الفريق، وحب الوحدة، وأن يعمل على بث روح التنافس الشريف بينهم.
(هـ) إثارة حماس الجنود بالأناشيد العسكرية، وطوابير الاستعراض
من أهم العوامل التي تساعد على حب الأفراد لجماعاتهم ووحداتهم، طوابير الاستعراض، التي يشتركون فيها بأعلامهم الحربية، وبملابسهم العسكرية المميزة بشاراتها المختلفة، وبأناشيدهم العسكرية الخاصة بهم، بما يزيد في صلتهم وارتباطهم بهذه الصور الرمزية المعنوية للوحدة، التي ينتمون إليها، والتي تجعل الأفراد يدافعون في المعركة عن عَلَمْ وحدتهم، ويعملون على أن يبقى دائماً مرفوعاً لا تدنسه الهزيمة.
(و) البرامج والمباريات الرياضية
تُعد البرامج والمباريات الرياضية، من وسائل تقوية الروابط بين الأفراد في الوحدة العسكرية، ومن أهم العوامل التي تساعد على تنمية روح الفريق بينهم.
ج. التدريب
(1) التدريب مسؤولية رئيسية من مسؤوليات القائد، يجب أن يوليها كل اهتمامه. فليس له وظيفة أهم من هذه الوظيفة، في أوقات السلم، كما أنها أحد واجباته الرئيسية أثناء القتال، أيضاً، لأنها الوسيلة الوحيدة لخلق وحدة ذات كفاءة واستعداد قتالي، قادرة على تنفيذ مهامها القتالية.
(2) وإذا كانت الحرب هي المُعلم الأكبر، فإن التدريب الواقعي هو المُعلم الأول. ولأن القائد هو المسؤول الأول عن تدريب وحدته، لهذا أصبح لزاماً عليه أن يكون دائم التيقظ والانتباه، ذا نفوذ وتأثير قوي على مرؤوسيه، لبث روح الانضباط، والمهارة، والصبر، والحماس، وأن يولدّ الرغبة في رجاله للعمل، دائماً، كفريق متكامل متعاون.
(3) والتدريب الجيد ركن أساسي في رفع الروح المعنوية، وتحقيق الانضباط العالي بين الجنود. وبالتدريب تزداد ثقة الفرد في نفسه وقائده وسلاحه. فالتدريب ينمي في الإنسان صفة الشجاعة، ورباطة الجأش في وقت الخطر، ويحقق الترابط والتوافق بين الجنود وقادتهم.
(4) ويعُد انتظام التدريب، وتنفيذ برامجه بدقة وأمانة، في توقيتاتها المحددة، من العوامل الرئيسية، التي تُسهم في بناء الضبط والربط، ورفع الروح المعنوية. كما يستطيع القادة رفع مستوى الانضباط، عن طريق التوسع في محاضرات "الضبط والربط"، خاصة للجنود المستجدين، ودرج موضوعات "الضبط والربط" ضمن برامج التدريب.
ويعتمد نجاح التدريب على التوزيع الصحيح للأفراد، على الأعمال المختلفة (كل فرد في العمل المناسب له)، وعلى مدى تناسب أساليب التدريب وطرقه، مع خصائص وصفات ومستوى الأفراد

يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
egyptian @rmy

لـــواء
لـــواء
egyptian @rmy



الـبلد : مفهوم الانضباط العسكري Egypt110
العمر : 30
المهنة : كلية اداب قسم عبري
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 26/03/2012
عدد المساهمات : 2731
معدل النشاط : 2786
التقييم : 318
الدبـــابة : مفهوم الانضباط العسكري B3337910
الطـــائرة : مفهوم الانضباط العسكري B91b7610
المروحية : مفهوم الانضباط العسكري 5e10ef10

مفهوم الانضباط العسكري 310

مفهوم الانضباط العسكري 2u8l761


مفهوم الانضباط العسكري Empty

مُساهمةموضوع: رد: مفهوم الانضباط العسكري   مفهوم الانضباط العسكري Icon_m10الخميس 23 مايو 2013 - 22:55

المبحث الثاني
الانضباط وتحقيق الكفاءة العسكرية والإدارة الفعالة
أولاً: الانضباط وتحقيق الكفاءة العسكرية
الكفاءة في وحدة عسكرية، هي القدرة على إنجاز عمل أو مهمة بنجاح، في أقل وقت ممكن، وبأقل مجهود وتكاليف. ويُعد "الانضباط" عاملاً قوياً في زيادة كفاءة الوحدة، وتتوقف كفاءة الوحدات العسكرية وقدراتها، على مدى تحليها "بالانضباط" الجيد.
1. أهمية الانضباط في المعارك الحربية
إن المحك الأساسي لاختبار الكفاءة العسكرية للقوات المسلحة، هي المعارك الحربية. وإذا كان من المسلم به أنه يلزم لكسب أي معركة حربية السلاح الملائم، والتدريب الكافي، إلا أنه لابد إلى جانب ذلك من انضباط قوي يخلق روح معنوية عالية، تحمل الرجال على الإقبال على القتال، وخوض غمار المعركة، بجنان ثابت، وعزم قوي.
وتاريخنا الإسلامي حافل بأمثلة كثيرة، عن أهمية الانضباط في نتائج المعارك الحربية.
فمن الأمثلة المهمة التي تدل على تأثير عدم الانضباط في نتائج المعارك الحربية، ما حدث في غزوة "أُحُد" عندما خالف الرماة أوامر الرسول r وتركوا مواقعهم، وأسرعوا إلى جمع الغنائم، فأدى ذلك إلى انكشاف ظهور المسلمين لخالد بن الوليد، الذي استفاد من ذلك، وطوّقهم من الخلف، أي أن عدم الانضباط ومخالفة الأوامر، كانا هما السببين في ما حدث للمسلمين في هذه الغزوة.
ومثال آخر من تاريخنا الإسلامي، ولكنه خلاف المثال السابق، لأنه يدل على روح الانضباط، التي يجب أن تسود الجيوش الإسلامية: وهو عندما تلقى خالد بن الوليد t أمر عزله من القيادة، من قبل أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب t قبل أن يقاتل تحت إمرة القائدة الجديد، أبي عبيدة بن الجراح t لمدة أربع سنوات تقريباً، اجتهد خلالها وقاتل بشجاعة، وفتح بلاداً عديدة، وكان خير عون لقائدة الجديد. وكذلك رضي بالعزل الثاني، عندما عزل للمرة الثانية، ولم يعترض، وأسف فقط لحرمانه من الشهادة في ميادين الجهاد.
2. تأثير الانضباط في تحقيق الأمن
الأمن إكسير الحياة في القوات المسلحة، به تقوى الجيوش وتنتصر، ومن دونه تضعف وتنهزم. ويُعد الأمن العنصر الرئيسي في الكفاءة القتالية، لأي وحدة عسكرية، وهو من مسؤولية القادة في جميع المواقع، سلماً أم حرباً.
ويُعد الانضباط العامل الأساسي والحاكم، في وجود الأمن داخل صفوف القوات المسلحة.
وعن أهمية الانضباط، وما يحققه من أمن خلال العمليات العسكرية. نعرض المثال التالي: حدث في الحرب العالمية الثانية، حين أسر البريطانيون دبابة ألمانية، وقتلوا طاقمها، عدا القائد، وكان برتبة رقيب أول. وقاد أحد البريطانيين الدبابة تجاه المعسكر الألماني، وهددوا قائدها الألماني بالقتل، إذا أتي بأي حركة تنبه الحراس إلى وجود البريطانيين داخل الدبابة وجعلوا قائد الدبابة الألماني يقف في البرج ليراه الحراس. وبالفعل، استجاب القائد لهم، ولم يبدِ أي حركة عند اقتراب الدبابة من المعسكر. وفتح الحراس الألمان البوابة، ودخلت الدبابة المعسكر. وكان هدف البريطانيين التقدم إلى نهاية المعسكر والاستدارة، لتدميره. ولكن بعد تحرك الدبابة عدة أمتار داخل المعسكر، فوجئ البريطانيون بسياج حول الدبابة والأسلحة حولهم، وتم القبض على البريطانيين. وعند التحقيق معهم، طلب أقدمهم وهو برتبة ملازم، أن يعرف كيف اكتشف الألمان أن داخل الدبابة بريطانيين، فذهل عندما سمع الإجابة وهي: أن أحد الضباط كان يسير بالقرب من الدبابة، ولم يؤدِّ قائدها، وهو واقف في البرج، التحية العسكرية، هنا أدرك الضابط أن شيئاً خطيراً حدث، إّما لقائد الدبابة الذي لم يؤدِّ التحية، أو داخل الدبابة نفسها. لذلك، تم إعطاء الأوامر بمحاصرة الدبابة، لاستطلاع الأمر. هذا هو الانضباط الجيد الذي أنقذ معسكراً كاملاً من الدمار.
ويتضح لنا من العرض السابق أن "الانضباط" هو أساس تحقيق الأمن في القوات المسلحة، والعنصر الأساسي لتحقيق الكفاءة العسكرية، ومفتاح النصر في المعارك الحربية.
3. الضبط والربط وانتزاع الخوف، من نفوس الجنود
أ. يُعّرف الضبط والربط "بأنه فن مجابهة الخوف وجهاً لوجه"، فالترياق الطبيعي للخوف هو رياضة النفس على الضبط والربط. فإذا واجه الجندي المعركة، وكان مستوى الضبط والربط في الوحدة عالياً، فإن هذا يبدد أي مخاوف تظهر بين الجنود.
ولأن الشجاعة هي القدرة على العمل، وتنفيذ المهام على الرغم من الشعور بالخوف ، فإن مستوى الضبط والربط العالي من أكبر العوامل الأساسية لزرع الشجاعة، وانتزاع الخوف من نفوس الجنود.
ب. إن ما يصيب الفرد من مخاوف وأوهام ووساوس، في أتون المعركة نتيجة لفرديته، وحبه لذاتيته، أو تعلقه بأسرته وأهله، يتبدد ويخف تأثيره على الفرد، بما يطغي عليه من مستوى الضبط والربط العالي، الذي يولد الثقة المتبادلة بين الجندي وقائده، ويجعل الفرد مندمجاً في الجماعة، أكثر من اندماجه مع نفسه.
ج. إن الخطر المفاجئ لا يستطيع إرهاب الجيش ذي "الضبط والربط" الجيد. إلا أنه يرّوع الجيش الضعيف "الضبط والربط"، فيجعله يتصرف تصرف جمهور من الغوغاء، فيهيم على غير هدى، ويتخبط كالأعمى، بصورة تعمها الفوضى.
د. في الوحدة العسكرية المنضبطة تزداد ثقة الفرد قوة، بثقة رفاقه بأنفسهم؛ إلا أنه في الوحدة ضعيفة الانضباط، تزداد غريزة الخوف في الفرد اشتعالاً، بالخوف الذي يحسه في المحيطين به، فكل فرد يشعر بدافع لا يقهر، يستحثه إلى طلب النجاة بنفسه، في الهرب فوراً.
هـ. إن من واجب كل قائد أن يغرس في جنوده روح الشجاعة، التي لا تقهر، "والضبط والربط" الجيد هو العنصر القوي في بث روح الشجاعة، ومكافحة الشعور بالخوف.
ثانياً: الانضباط وتحقيق الإدارة الفعالة
يخطئ بعض الناس، مَّمن يُعدون الانضباط مقصوراً على القوات المسلحة فقط، وينسون أن الانضباط أمر ضروري، في كافة أوجه الحياة. وإذا كان الانضباط أمر حيوي لنجاح القيادة وفعاليتها، في المنظمات العسكرية، فإن المنظمات المدنية أحوج ما تكون إلى الانضباط لنجاح الإدارة في ممارسة عملها، وتحقيق الإشراف الفعال.
وسبب ذلك، يعود إلى أهمية الانضباط في تحديث الدولة، على مختلف مستوياتها، حيث: "يستحيل بناء تنظيم إداري حديث في غياب الانضباط، لأن الإدارة الحديثة أساسها الدقة والنظام والانضباط، وإن تحقيق الانضباط في الحياة، مقدمة ضرورية لتحديث إدارة شؤون الدولة. والسبيل إلى ذلك، أن يتكون مجتمعً أكثر انضباطاً، يضع قيمة العمل في المرتبة الأولى من اهتمامه، ويوازن بين الحقوق والواجبات، ويعرف أن الديموقراطية لها ضوابطها الصحيحة، التي تساعد على إنجاز التقدم، لا أن تعيقه"، و"أن تجارب التنمية في عدد من الدول التي نجحت في كسر حاجز الفقر والتخلف، تشهد بأن الانضباط كان عاملاً رئيسياً في نجاح هذه الشعوب، لأنه حفظ لهذه المجتمعات ترابطها وتماسكها، وصان وحدة أهدافها، وأبقى على دور الدولة قوياً في الحفاظ على القانون وحماية السلام الاجتماعي، ووازن بنجاح بين متطلبات التطور السياسي ومتطلبات التنمية الاجتماعية".
1. النظام وأسس الانضباط الناجح
أ. النظام
(1) إن الإدارة الفعالة تتوقف على مدى تحلي العاملين بالنظام في العمل، والانضباط. والمدير (المشرف) الفعال، لن يستطيع قيادة مرؤوسيه نحو تحقيق أهداف منظمته، دون وجود الانضباط. والتسمية الشائعة للانضباط في محيط العمل المدني هي "النظام".
(2) يُعد النظام هو الوجه الحقيقي للانضباط، وهو أمر ضروري لنجاح العمل وانتظامه، ويُصحب دائماً بالعقاب، باعتباره وسيلة فعالة لتحقيقه. ولكنَّ النظام يعني أكثر من ذلك، فيُقصد به إطاعة التعليمات والأوامر عن اقتناع، وليس عن خوف أو رهبة. وهو تدريب منظم للإطاعة والكفاية، والتخطيط، ونظام رقابة للسلوك.
وبعبارة أخرى، يعني النظام معرفة الفرق بين الطريق الصائب، والطريق الخاطئ على العمل. وممارسة الطريق الصائب، هو الأساس، الذي يبني عليه قيام اتجاهات طيبة في العمل. ورقابة السلوك، وتنفيذ الأوامر، ضرورة للتأكد من فاعلية التدريب على الإطاعة والكفاية، كما أن الثواب على العمل الجيد، والعقاب على العمل الخاطئ، يكون جُزءاً من النظام.
ب. أسس الانضباط الناجح
(1) معرفة الموظف لعمله
التعرف على العمل أحد العوامل الرئيسية في تحقيق الانضباط، إذ يجب على الموظف أن يعرف ماذا يجب عليه عمله، وكيفيته، وطُرق الإنجاز، وهذه المعرفة يمكن اكتسابها بعدة وسائل:
(أ) الخرائط التنظيمية، لمعرفة علاقة عمل كل فرد، بعمل الآخر في التقسيم التنظيمي.
(ب) الخرائط الوظيفية لمعرفة علاقة عمل الفرد، بالعمل الكلي للمنظمة.
(ج) خريطة سير العمل.
(د) وصف العمل لمعرفة الواجبات.
(هـ) دليل العمل ونماذج الرقابة، على العمل الروتيني.
(و) سجل الموظف لمعرفة مستوى الجودة، في الأداء.
(ز) اجتماعات الموظفين، للتعرف على السياسة العامة للمنظمة.
(2) وضوح السياسات ومعرفة قواعد النظام
يجب على الموظف أن يعرف السياسة، التي تسير عليها المنشأة، وكافة قواعد النظام، وكيفية التحقيق في الخطأ، وحق التظلم. كما يجب توفير تعريف واضح لمسؤوليات الموظفين وواجباتهم، فيما يتعلق بقواعد النظام. إن وضوح السياسة ومعرفة قواعد النظام، تسهّل عملية الإشراف داخل المنظمة.
(3) معرفة الأسباب المهمة لإساءة التصرف، من جانب المرؤوسين
إن المشرف العاقل يمكنه تجنب مخالفة النظام، بتفادي الأسباب المؤدية إليه وأهمها : الضجر، عدم الرضا، الفراغ، عدم الميل للعمل، قلة العمل الناتج من نقص الإشراف، عدم فهم السياسات وأهدافها، عدم توحيد تنفيذ التعليمات، ضعف طريقة الاتصالات. لذلك يجب على المشرف أن يعرف موظفيه جيداً، ويكون على اتصال دائم بهم، ويحاول علاج سوء التصرف، الذي يحدث، بلباقة وكياسة.
إن الاتصال الدائم بالمرؤوسين، يمكّن المشرف من الوقوف على الأسباب المهمة لإساءة التصرف، ويحقق الإشراف الفعال.
(4) تسجيل المخالفات وعلاجها
يجب إعداد سجلات لما يقع من مخالفات، ونتائج التقصي الذي تم لمعرفة أسبابها، والإجراءات التي اتخذت بشأنها، والنتائج التي ترتبت عليها. إن تسجيل المخالفات أولاً بأول، يمكّن المشرف من الوقوف على حالة الانضباط في منشأته، واتخاذ الإجراءات لعلاجها، والحد من تكرارها مستقبلاً.
(5) العلاقات الإنسانية الطيبة
العلاقات الإنسانية الطيبة بين المشرف والموظفين، من أهم الأسس اللازمة للانضباط الناجح. ويتوقف تحقيق الانضباط الإيجابي على احترام الموظفين للمشرف، على أساس العلاقات الإنسانية الطيبة، التي يمكن تحقيقها بتوفير النقاط التالية:
(أ) فهم المشرف لمبادئ وقواعد حسن التصرف، والاقتناع بأهميتها، وممارستها مع مرؤوسيه. وباعتباره حارساً للانضباط، فمن الضروري أن يكون قدوة لمرؤوسيه في الانضباط.
(ب) معرفة المشرف لمرؤوسيه كأفراد، ومعاملتهم بعدل ودون تحيز. ومن الضروري أن يشعر المرؤوسين أن الكل سواسية أمام القانون، وأن التعامل مع الأحداث يتم بمكيال واحد، وليس بمكيالين.
(ج) تنمية المشرف لعلاقة الانتماء للجماعة، بين مرؤوسيه.
(د) إبلاغ المعلومات للجماعة، منعاً من انتشار الإشاعات.
(هـ) قلة استخدام المشرف لسلطاته، مع عدم التظاهر بها دائماً أمام مرؤوسيه.
(و) تفويض السلطات بقدر الإمكان.
(ز) عدم إعطاء أوامر خارجة عن النظام.
(ح) توفير الثقة في أفراد المجموعة، بدلاً من الشك فيهم.
(ط) تدريب المرؤوسين.
(ي) الاهتمام بالرعاية العقلية والبدنية للمجموعة.
(ك) محاولة تفادي الأخطاء، مع عدم التهرب من الاعتراف بمسؤولية المشرف عنها، إذا وقعت منه.
(ل) توفير علاقة الولاء في المجموعة، وللمجموعة.
(م) توفير عبء عمل للموظفين، وفي حالة قلته يستغل الوقت في التدريب.
(ن) عدم تنميط وسائل حفظ النظام بين الأفراد، لاختلاف شخصية كل فرد عن الآخر.
2. الانضباط الإيجابي والانضباط السلبي
أ. الانضباط الإيجابي
(1) يتوفر تحقيق الانضباط بصورة إيجابية في حالة عدم اتخاذ إجراءات تأديبية، وذلك يرجع إلى روح التعاون التي توجد بالمجموعة، والتي قلما ينتج عنها مخالفات للنظام.
والانضباط الإيجابي هو القوة التي تنبع من داخل الموظف، لإطاعة الأوامر والتعليمات، والتي تجعله يسلك الطريق الصحيح حتى لا يسيء إلى المجموعة التي يعمل معها. وذلك ما يعبر عنه بروح التضامن، والمشرف الذي ينجح في توفير ذلك الاتجاه في مجموعته، نادراً ما يصادف مخالفات منهم، تجعله يتجه إلى الأسلوب السلبي.
(2) ومن العوامل التي تساعد على تحقيق الانضباط الإيجابي:
(أ) الشعور بالفخر والانتماء
يجب أن يشعر العاملون بالفخر من عملهم، والانتماء للمنظمة التي يعملون بها، حتى يمكن الارتقاء بمستوى الأداء، ورفع الروح المعنوية بين العاملين، ويتحقق ذلك بالتنظيم والإشراف الجيد.
(ب) توفير بيئة العمل الودية
يجب توفير الظروف الودية في بيئة العمل، وأن يوالي المشرف اهتمامه بالناحية النفسية والبدنية لمرؤوسيه.
(ج) السلوك الديموقراطي في الإشراف
لا يتفق الإشراف الجيد مع السلوك الديكتاتوري، ويجب على المشرف أن يتبع السلوك الديموقراطي في الإشراف، وذلك بأن يتناقش مع مرؤوسيه في مشاكلهم، مع إعطائهم الفرصة للتظلم.
ويعتقد كثير من المشرفين أن العقاب هو الوسيلة الوحيدة للتأديب، ولكن إتباع النظام يتطلب روحاً معنوية عالية، وجهوداً متعاونة، وفهماً لأسباب إصدار الأوامر، واحتراما لشخصية المشرف
إن المسؤولية النهائية لتوفير النظام تقع على عاتق الإدارة العليا، ويجب على المشرف أن يساعد في توفير ذلك، بأن يعاون مرؤوسيه على توفير الرغبة في العمل بأحسن صورة.
(3) ولتوفير الانضباط الإيجابي يجب على المشرف إتباع النصائح التالية:
(أ) كن قدوة طيبة لمرؤوسيك.
(ب) عرّف مرؤوسيك مستويات السلوك، والإنجازات المتوقعة منهم وسببها.
(ج) اخلق جواً ودياً في بيئة العمل، بأن تكون عادلاً بين مرؤوسيك، وتشجعهم على التقدم لك باقتراحاتهم.
(د) وجه مرؤوسيك لتفادي الأخطاء والسلوك غير المستحب، وناقش ذلك معهم، واجعلهم يقترحون بأنفسهم ما يحسن سلوكه.
(هـ) كن حازماً وغير متحيز، واقنع مرؤوسيك بأن الأوامر الصادرة لها ما يبررها، وكن مقتنعاً بأن عدم التحيز في المعاملة يمنع الشكوى والتظلم.
(و) اتخذ الإجراء المناسب عند اللزوم، وتأكد أنك الشخص المسؤول الذي يجب أن يتخذ الإجراء الفوري، عند وقوع المخالفة، في ضوء معرفتك بالعمل وبالأفراد القائمين به، وتأكد من أن الإجراء التأديبي، الذي تتخذه يكون في حدود سلطاتك.
ب. الانضباط السلبي
(1) يقوم الانضباط السلبي على التهديد والتخويف والعقاب. ومن مساوئه أن الموظف يؤدي عمله فقط، طالما كان واقعاً تحت رقابة المشرف، أما إذا غاب عنه فترة ما، فأنه يجنح إلى مخالفة النظام ما أمكن، ذلك أن الدافع هنا على العمل هو الخوف. فالنظام والروح المعنوية، يسيران جنباً إلى جنب.
وإذا كان تحقيق الانضباط الإيجابي، يتوقف على احترام الموظفين للمشرف على أساس من العلاقات الإنسانية الطيبة، وعلى عدم اتخاذ إجراءات تأديبية، فإن ذلك لا يعني أنه لا ينتهج أسلوب العقاب في حالة الإخلال "بالانضباط"؛ كما أن السلوك البناء في الإشراف لا يمنع من وقوع المخالفات. لذا، فإن اتخاذ الإجراءات التأديبية ضروري في جميع الأحوال، للحفاظ على استمرار الانضباط.
(2) ونعرض فيما يلي الإجراءات التأديبية، التي يمكن أن تُتخذ وفقاً للموقف، ولمستوى المخالفة التي تحدث:
(أ) الإنذار Warning
الإنذار أبسط أنواع التأديب، إذ لا يعدو تنبيه الموظف إلى المخالفة التي حدثت منه، وقد يكون الإنذار شفوياً أو مكتوباً، رسمياً أو بصورة غير رسمية، وفي جميع الحالات يجب أن يسجل الإنذار في سجل خاص، ومن المهم جداً أن يوجه الإنذار للموظف في صورة غير علنية، بأن يكون بين الرئيس والمرؤوس فقط، دون حضور أي شخص أخر.
إن كيفية توجيه الإنذار إلى الموظف أمر له أهميته، ويجب أن يكون توجيه الإنذار عند الحاجة إلى ذلك، مع عدم المغالاة فيه، فلا تكن متشدداً، ولا متساهلاً، بل كن عادلاً، وحازماً، وودودا في أسلوب مناقشاتك.
وفيما يلي بعض التوصيات المقترحة عن توجيه الإنذار للموظف:
· أحصل على جميع الحقائق أولاً.
· لا توجه إنذار للشخص أمام أي فرد.
· لا ترهب الشخص بل استقبله أولا ببعض الإطراء أن أمكن.
· لا تكن غاضباً أو تستهزئ بالمرؤوس.
· الق إليه بالإنذار بطريقة كريمة ومقبولة.
· رتب له الحقائق.
· اسأله عن السبب لما فعله.
· لا تهدد الموظف.
· حال اعترافه بأنه مخطئ، أرفع عنه الإنذار.
· انهي المقابلة بصورة ودية.
· تابع الموقف مع المرؤوس، مع عدم تذكيره بالإنذار دائماً.
(ب) التوبيخ Reprimand
يوجه التوبيخ للموظف بعد أن يكون قد سبق لفت نظره، بعدم العودة إلى مخالفات كان يؤديها، وإلا اتخذت ضده الإجراءات التأديبية المناسبة، ويصدر التوبيخ ـ عادة ـ من سلطة أعلا من مستوى المشرف، ويكون حاضرا هذه المقابلة شخصياً، ويجب أن يعطي للموظف صورة من سجل الإنذار، ويذكر فيه المخالفة وسلوك الموظف فيها، والتحسينات المتوقع أن ينفذها، والفترة التي يجب أن يتم فيها هذا التحسين. كما يوضح أيضاً الإنذارات السابقة، التي أعطيت للموظف، والتحذيرات من عواقب تكرار المخالفات.
(ج) الإيقاف Suspension
وهو أقصى عقوبة تعطى قبل التنزيل من الرتبة، أو الفصل من الخدمة، والإيقاف يجب أن يراجع من الإدارة العليا قبل إصدارة، وفي بعض النظم يمكن التظلم من الإيقاف إلى هيئة محايدة.
(د) التنزيل من الرتبة أو الفصل Demotion or discharge
يملك سلطة التنزيل من الرتبة، أو الفصل من الخدمة، الرئيس الأعلى للمنظمة. وهي عقوبة شديدة، يجب ألا يستخدمها الرئيس الأعلى إلاّ عند المخالفات الجسيمة، التي يؤدي إلى خلل في العمل وانهيار في الانضباط.


المصادر
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Askria6/ALendebat/sec02.doc_cvt.htm
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Askria6/ALendebat/sec03.doc_cvt.htm

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

مفهوم الانضباط العسكري

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» الانضباط العسكرى
» مفهوم المرتزقة
» مفهوم "التاريخ الوهمي"
» مفهوم الذاكرة الحية Ram
» مفهوم القوات الخاصة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الأقســـام العسكريـــة :: المواضيع العسكرية العامة - General Military Topics-
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة الموقع ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر

Powered by Arab Army. Copyright © 2019