تمهيد
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
قال الله تعالى في سورة النمل 76 (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) .
وقال تعالى في سورة البقرة 39 (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) ، 40 (وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ) على محمّد (مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ) من أمر التّوحيد ونبذ الأصنام (وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ) أي ولا تستبدلوا (بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً) من متاع الدنيا (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) 41 (وَلاَ تَلْبِسُواْ) أي ولا تخلطوا (الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ) في صفة محمّد في التوراة (وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) صدقه 42 (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ) مع المسلمين (وَآتُواْ الزَّكَاةَ) للفقراء والمحتاجين (وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ) المسلمين 43 (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) 46 (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) في الماضي (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) في الماضي ، أي أعطيتُكم فَضلة من المال والأولاد ، يعني زيادة على سائر النّاس 47 (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) 48(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ) 49(وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) 51 (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) معبوداً (مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ) 52 (ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) 55 (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) 56 (ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .
ما هي التّوراة
قال الله تعالى لموسى أن انحت لك لوحين من حجر لأكتب لك فيهما التوراة ، فنحت موسى لوحين من حجر فكتب الله تعالى بقلم قدرته عشر كلمات ، أي عشر وصايا ، ونزل بِهما موسى من جبل الطور إلى قومه فسمّي اللوحان بالتوراة ، أو الألواح ، وسمّي ما فيهما من كتابة بالكلمات العشر، أو الوصايا العشر، ثمّ أوحى الله تعالى إلى موسى أحكاماً أخرى من الحلال والحرام ووصايا وقصص عن الماضين وعن الأنبياء والمرسلين فكتبها قوم موسى في الرق أي جلد الغزال حيث لم يكن ورق للكتابة في ذلك الزمان . ثمّ استنسخوا من صحف إبراهيم وبعض مخطوطات الأنبياء في قصصهم مع أقوامهم فكتبوها في رق الغزال ، فسمّي هذا الكتاب بمجموعة التوراة ، وساروا على نهجه في دينهم ، ولكن لم يثبتوا على هذا الدّين وعلى ما أوصاهم الله فيه من أحكام بل غيّروا وبدّلوا بعد موت موسى نبيّهم وعصَوا أمر ربّهم ، وكان أوّل مخالفة قاموا بها أنّهم تزوّجوا نساءً مشركات ، وقد نهاهم الله تعالى في التّوراة عن الزواج بالمشركات ، وكان هذا الزّواج شرّاً عليهم إذ دعَونَ أزواجهنّ إلى عبادة الأصنام فأطاعوهنّ في ذلك وأشركوا ، ومن جملتهم الملك آخاب تزوّج إيزابل وهي امرأة مشركة تعبد الصنم المسمّى بعل أو البعليم ، فدعته إلى عبادة الصنم فأطاعها زوجها آخاب وعبده وسجد للصنم وأمر قومه بذلك فأطاعوه وعبدوا الصنم . وهكذا استمرّوا على عبادة الأصنام الملوك والرعيّة وهم خمسة عشر ملكاً من ملوك بني إسرائيل وكان آخرهم صدقيا الّذي أخذه ملك بابل أسيراً إلى بابل وفقأ عينيه ثمّ مات في سجنه في أرض بابل . فبعث الله تعالى أنبياء إلى بني إسرائيل أنذروهم عن عبادة الأصنام وعن الزواج بالمشركات فلم يسمعوا لهم ولم يعملوا بأمرهم بل كذّبوهم وآذوهم وقتلوا بعضهم ، وكان آخر الأنبياء الّذينَ أنذروهم عن عبادة الأصنام هم إشعيا وإرميا ، وحزقيال آخرهم .
ولمّا لم يسمعوا لقول الأنبياء ولم يتركوا عبادة الأصنام سلّط الله عليهم ملك بابل فقتلهم وخرّب ديارهم وهدّم مسجدهم بيت المقدس ومزّق توراتَهم وأخذ أموالهم ، وأخذ الباقين أسرى إلى بابل فبقوا فيها سبعين سنة يخدمون ملك بابل ، ولمّا مات ملك بابل نبوخذنصّر قام ابنه مكانه فأذن لهم بالرّجوع إلى فلسطين بعد تلك المدّة .
فتوراتهم الأصليّة مزّقها ملك بابل وخسروها ، أمّا الألواح الحجريّة فقد ألقاها موسى على الأرض بعنف لمّا رأى قومه يعبدون العجل الّذي صنعه لهم السّامريّ فتكسّرت الألواح ، فلم يبقَ لهم توراة ولا ألواح . أمّا التّوراة الحاليّة فقد كتبها لهم الكاهن عزرا بن سرايا فغيّر فيها وبدّل من أحكام وأخبار وقصص للأنبياء وغير ذلك . فكان بعضها سهواً منه وبعضها عمداً لأنّه شاخ وكبر ونسي بعد سبعين سنة الّتي قضاها في بابل ما كان مكتوباً في التّوراة الأصليّة .
توراة عزرا
هجم ملك بابل بجيشه على فلسطين وقتل اليهود ومزّق توراتهم وخرّب ديارهم وأخذ الباقين أسرى إلى أرض بابل وبقوا فيها سبعين سنة ، ولمّا رجعوا إلى فلسطين أخذ علماء اليهود في جمع الرقوق الممزّقة من مجموعة التّوراة ، والّذي كان يحفظ شيئاً منها كتبها وكتب ما يحفظ غيره أيضاً حتّى جمع كلّ واحد منهم كتاباً وقدّموه إلى رؤساء قومهم وقالوا هذه التّوراة الّتي أنزلها الله على موسى ، وهم أربعة من أحبارهم ، وكان اليهود يرفضون تلك الكتب من هؤلاء الأحبار لما يرَونَ فيها من الزيادة والنقصان . فجاء الكاهن عزرا بن سرايا (العزير) وكان من علمائهم وكان كاتباً ماهراً فعمل معهم حيلة نجحت بيده ، فكتب كتاباً ونقّحه وترك كلّ كلمة (الله) فارغة في الكتاب ، ولمّا أكمل الكتاب أخذ يكتب ذلك الفراغ بكتابة مخفيّة لا تُرى بالعين ولا يظهر لونها إلاّ بعد عرضها لأشعّة الشّمس ، وكانوا في ذلك الزمن لا يعرفون تلك الكتابة المخفيّة ولكنّ عزرا تعلّمها في بابل ، وكان ملك بابل أعطاه سلطة على اليهود وقرّبه في بابل ، والكتابة المخفيّة هي محلول نترات الفضّة فإذا كتبتَ به على ورقة فلا تظهر كتابتها إلاّ بعد عرضها لأشعّة الشمس .
ولمّا أكمل الكتاب قدّمه إلى رؤساء اليهود وقال هذه التّوراة الأصليّة الّتي أنزلها الله على موسى لم تنقص كلمة ولم تزدْ كلمة ، قالوا ما البرهان على قولك ، قال إنّي تركتُ كلّ كلمة (الله) فارغة في الكتب وبعد أربعين يوماً تجدونها مكتوبة وإنّ الله تعالى سيكتبها بقلم القدرة ليكون ذلك برهاناً على صدقي . قالوا يجوز أنّك تكتبها وتقول إنّ الله كتبها فإنّنا لا نقبل منك إلاّ أن تبقى هذه التوراة عندنا أربعين يوماً وأنت لا تقترب منها فإذا وجدناها بعد هذه المدّة مكتوبة كما قلت فأنت صادق ، وإن وجدناها غير مكتوبة فلا نقبلها منك . فوافق عزرا بهذا الشرط وقال يجب أن تضعوها مكشوفة أمام السماء ، فقالوا لك ذلك . فأخذوا الكتاب منه ووضعوه في مكان مرتفع وأقاموا عليه حرساً أربعين يوماً لئلاّ يمسّه أحد فيكتب فيه ما أراد . ولمّا كملت المدّة اجتمعوا وفتحوا الكتاب فوجدوه مكتوباً كما أخبرهم عزرا لأنّه كان من جلد الغزال فأثّرت فيه أشعّة الشمس فاسودّت الكتابة الّتي كتبها عزرا بمحلول نترات الفضّة (_ويمكن الكشف عن هذه الخديعة بوضع قطرة من محلول فرسيانيد البوتاسيوم على تلك الكتابة فتمحوها . وهي مادّة برتقاليّة اللون متبلورة .) _فحينئذٍ صدّقوه وقبلوا الكتاب منه وصاروا يحترمونه وأصبح رئيساً على علمائهم وأحبارهم ، فحينئذٍ قالوا عزير ابن الله . ولا يزال اليهود يعتقدون بأنّ الله كتب لعزرا ذلك الفراغ في توراته ، وقد خفي عليهم مكره . ولكنّ الله تعالى أخبرنا بمكره في القرآن فقال تعالى في سورة البقرة (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) من الأموال بغير استحقاق .
وإنّما توعّده الله بالعذاب لأنّه قال هذا الكتاب من عند الله وقد فاته أشياء لم يكتبْها ، وزاد كثيراً في التّوراة من تلقاء نفسه ، وبدّل بعض الأحكام وغيّر بعض الواجبات ، فكان ذلك سبباً لكفرهم وجحودهم نبوّة عيسى ورسالة محمّد . وإليك بعض ما ضاع من الأسفار من مجموعة التوراة باعتراف التوراة نفسها .
أسفار ضاعت من التوراة
لقد جاء في العهد القديم طباعة اليسوعيين المطبوع في بيروت سنة 1932 ميلادية وذلك في سفر الملوك الأول في الفصل العاشر ما يلي :
"فكلّم صموئيل الشعب بسنن الملك وكتبها في سفر ووضعه أمام الرب وصرف صموئيل جميع الشعب كلّ امرئٍ إلى منزله" فجاء بهامش المترجم للكلمات في آخر الكتاب في صحيفة 888 ما نصّه "35 ضاع هذا السفر في ممر الأيّام كما ضاعت أسفار كثيرة غيره"
وجاء في سفر الملوك الثاني في الفصل الأول ما يلي : " ورثى داود شاؤول ويوناثان ابنه بهذه المرثيّة، وأمر بأن يعلّم بنو يهوذا نشيد القوس وهو مكتوب في سفر المستقيم" وجاء بِهامش المترجم للكلمات في صحيفة 889 " هذا الكتاب من جملة الكتب التي فقدت على ممر الأيام" . وقد جاء ذكره في سفر يشوع أيضاً في الفصل العاشر قال "فوقفت الشمس وثبت القمر إلى أن انتقم الشعب من أعدائهم ، وذلك مكتوب في سفر المستقيم" .
وجاء في سفر الملوك الثالث في الفصل الحادي عشر ما يلي : "وأما بقيّة أخبار سليمان وجميع ما عمل ووصف حكمته فهي مكتوبة في سفر أخبار سليمان"
وجاء بِهامش المترجم للكلمات في صحيفة 890 "قد ضاع هذا السفر منذ زمان مديد ."
الوصايا العشر في توراة عزرا
جاء في سفر التثنية في الإصحاح الخامس ما يلي:
" (1) لا يكنْ لك آلهةٌ أخرى أمامي
(2) لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً صورةً ما مِمّا في السماء من فوق وما في الأرض من أسفل وما في الماء من تحت الأرض
(3) لا تسجدْ لهنّ ولا تعبدْهنّ لأنّي أنا الرّبُّ إلهُك ربٌّ غيورٌ
(4) لا تنطقْ باسم الربّ إلهك باطلاً
(5) إحفظْ يوم السبت لتقدّسه كما أوصاك الربّ إلهك
(6) أكرمْ أباك وأمّك
(7) لا تقتلْ
(8) ولا تزنِ
(9) ولا تسرقْ
(10) ولا تشهدْ شهادة زورٍ ، ولا تشتهِ امرأة قريبك ولا بيته ولا حقله ولا عبده ولا أَمَتَه ولا ثوره ولا حماره ولا كلّ ما لقريبك ."
الموعظة في القرآن
في سورة الإسراء من آية 22 إلى آية 38 قال الله تعالى مخاطباً رسوله الكريم:
(لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً . وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوكِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا . وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا . وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا . وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا . إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا . وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا . وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً . وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا . وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً . وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً . وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً . وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً . كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا . ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا .)
أنظر أيّها القارئ الفروق بين وصايا التوراة ووصايا القرآن ففي القرآن جاءت الوصايا عامّة شاملة . بينما جاءت في التوراة خاصّة بقريبك ، وذلك قوله " ولا تشتهِ امرأة قريبك ولا بيته ولا حقله ولا عبده ولا أمَتَه ولا حِماره ولا كلّ ما لقريبك ."
الوصايا العشر في القرآن
قال الله تعالى في سورة الأنعام 151-153 : (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَو كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .)
افتراآت عزرا على الأنبياء
الافتراء الأوّل: على النبيّ هارون
لقد جاء في مجموعة التوراة في سفر الخروج في الإصحاح الثاني والثلاثين ما يلي:
"ولمّا رأى أنّ موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له قم اصنع لنا آلهةً تسير أمامنا ، لأنّ هذا موسى الرجل الّذي أصعدنا من أرض مصرَ لا نعلم ماذا أصابه ، فقال لهم هارون انزعوا أقراط الذهب الّتي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم واأْْتوني بِها ، فنزع كلّ الشعب أقراط الذهب الّتي في آذانِهم وأتَوا بِها إلى هارون ، فأخذ ذلك من أيديهم وصوّره بالإزميل وصنعه عجلاً مسبوكاً فقالوا هذه آلِهتك يا إسرائيل الّتي أصعَدَتْكَ من أرض مصر ، فلَمّا نظر هارون بنَى مذبحاً أمامه ونادى هارون وقال غداً عيدٌ للربّ، فبكّروا في الغد وأصعدوا محرقات وقدّموا ذبائح سلامةٍ وجلس الشعب للأكل والشرب ثمّ قاموا للعب ."
أنظر أيّها القارئ وتأمّل فهل من المعقول أنّ نبيّاً من الأنبياء يصنع لقومه عجلاً من ذهب ثمّ يدعوهم إلى عبادته ، ثمّ يجعل له عيداً ثمّ يبني له مذبحاً لكي يَذبحوا له ، أليست هذه افتراآت من عزرا على هارون ؟
ولقد جاء في القرآن عكس ذلك وذلك في سورة طه ، قال الله تعالى :
(وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى . قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى . قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ . فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي . قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ . فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ . أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا . وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي . قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى .)
فانظرْ أيُّها القارئ فإنّ الله تعالى قال بأنّ السّامريّ صنع لَهم العجل، وهو من السّحرة الذينَ آمَنوا بموسى وكانت مهنته الصياغة ، وقد وجد آثاراً قدِيْمة مسكوكات ذهبيّة مدفونة في الأرض ووجد معها تمثال عجل صغير من الذهب يرجع تاريخها إلى زمن النبيّ صالح ، فجاء إليه الشيطان فوسوس له وقال انظر هذا التمثال فإنّه جميل المنظر هل يمكنك أن تصنع مثله فلو صنعتَ واحداً أكبر منه وتركته في بني إسرائيل لصار تذكاراً لك وتخليداً لاسمك مدى الأعوام ، وسوّلت له نفسه حتّى صمّم على صناعة عجلٍ أكبر من الّذي وجده .
ولَمّا كان بنو إسرائيل يعرفون أنّه صائغ قالوا له إصنع لنا تمثالاً من الذهب ، فوجدها فرصة لرغبته فقال لَهم اأْتوني بالذهب الّذي أخذتموه من الأقباط استعارةً ليلة خروجكم من مصر لكي نلقيَه في النّار لتطهّرَه النار فإنّه نجس ، فأتَوه بالحليّ الّتي استعاروها من الأقباط فألقاها في النار في بودقةٍ كبيرة وفي اليوم الثاني أخرج لَهم عجلاً من الذهب وقال هذا إلَهكم جاء إليكم وقد قال لموسى لا تأتِ إلى الجبل وأنا آتي إليك ولكنّ موسى نسِيَ فذهب إلى الجبل .
وهذا معنى قوله تعالى (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ . قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)
وإنّ الله تعالى قد برّء هارون من هذه التهمة فقال: (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي . قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى .)
الافتراء الثاني: على النبيّ لوط
وجاء في سفر التكوين في الإصحاح التاسع عشر ما يلي: "وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل هو وابنتاه معه لأنّه خاف أن يسكن في صوغر فسكن في المغارة هو وابنتاه ، وقالت البكر للصغيرة أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كلّ الأرض ، هلمّ نسقي أبانا خمراً ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلاً ، فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة ودخلت البكر واضْطجعَتْ مع أبيها ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها ، وحدثَ في الغد أنّ البكر قالت للصغيرة إنّي قد اضطجعتُ البارحة مع أبي ، لنسقيه خمراً الليلة أيضاً فادخلي اضطجعي معه فنحيي من أبينا نسلاً ، فسقتا أباهما خمراً في تلكَ الليلة أيضاً وقامت الصغيرة واضطجعت معه ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها ، فحبلت ابنتا لوط من أبيهما ، فولدت البكر ابناً ودعت اسمه مؤاب وهو أبو المؤابيين إلى اليوم ، والصغيرة أيضاً ولدت ابناً ودعت اسمه بن عمّي وهو أبو بني عمّون إلى اليوم ."
أقول هل السكران يفقد حواسّه فلا يعرف ابنتيه من غيرهما ، ثمّ لو فرضنا أنّ السُّكر زاد به فلا يعرف من اضطجع إلى جنبه ففي مثل هذه الحالة يفقد السكران قوّته ولا يتمكّن أن يجامع امرأةً وخاصّةً إذا كان شيخاً كبير السنّ مثل لوط وابنتاه باكرتان . ثمّ من أين لهما الخمر وقد دمّر الزلزال تلك القرى الأربعة ؟ ثمّ قول بنته البكر "وليس في الأرض رجلٌ ليدخل علينا" أليس إبراهيم ورعاة ماشيته بالقرب منهما ؟ أليست هذه افتراآت من عزرا على الأنبياء ؟
الافتراء الثالث: على سليمان
وجاء في سفر الملوك الأوّل في الإصحاح الحادي عشر ما يلي :
"وأحبّ سليمان نساءً غريبةً كثيرةً مع بنت فرعون موآبيّات وعمونيّات وأدوميّات وصيدونيّات وحثيّات من الأمم الّذينَ قال عنهم الربّ لبني إسرائيل لا تدخلون إليهم وهم لا يدخلون إليكم لأنّهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم ، فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبّة ، وكانت له سبع مئةٍ من النساء وثلاث مئةٍ من السراري فأمالت نساؤه قلبه ، وكان في زمان شيخوخته أنّ نساءه أمَلْنَ قلبه وراء آلهةٍ أخرى ."
أقول هل من المعقول أن يتزوّج الإنسان سبعمائة امرأة علاوة على ذلك ثلاثمائة من السراري ؟ وكيف يساوي بينهنّ في المبيت ؟ وكيف تصبر المرأة ثلاث سنين لكي تأتيها ليلة واحدة ؟ فلو كان كذلك لأصبحت أولاد سليمان على عدد نسائه إن لم يكونوا أكثر منهنّ عدداً . ثمّ اتّهامه بالإشراك وراء عشتاروث وغيره من أصنام الصيدونيّين ، فهذا اتّهام من عزرا فلو كان كما يدّعيه عزرا ما مدحه الله تعالى في القرآن في سورة البقرة فقال تعالى (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ) وقال في سورة ص (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ .)
الافتراء الرابع: على النبيّ إبراهيم
وجاء في سفر التكوين في الفصل الثاني عشر ما يلي:
"وكان جوع في الأرض فهبط أبرام إلى مصر لينزل هناك إذ اشتدّ الجوع في الأرض ، فلمّا قارب أن يدخل مصر قال لساراي امرأته أنا أعلم أنّكِ جميلة المنظر ، فيكون إذا رآكِ المصريّون أنّهم يقولون هذه امرأته فيقتلونني ويستبقونكِ ، فقولي أنّكِ أختي حتّى يحسن إليّ بسببك وتحيا نفسي من أجلك ، ولمّا دخل أبرام مصر رأى المصريّون أنّ المرأة حسنةٌ جدّاً ، ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون فأخذت المرأة إلى بيته ، فأُحسن إلى أبرام بسببها فصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال ، فضرب الربّ فرعون وأهله ضرباتٍ عظيمةً بسبب ساراي امرأة أبرام ، فاستدعى فرعون أبرام وقال له ماذا صَنَعتَ بي ؟ لِمَ لَمْ تُعْلِمْني أنّها امرأتك ؟ لِمَ قُلتَ هي أختي حتّى أخَذتُها لتكون لي امرأةً ؟ والآن هذه امرأتك خذْها وامضِ ، وأمر فرعون قوماً يشيّعونه هو وامرأته وكلّ ما له ."
أنظر أيّها القارئ كيف افترى عزرا كذباً على سيّد الأنبياء إبراهيم بِهذا الحديث الموضوع من عزرا . أقول أليس في مصر نساء جميلات فيختار فرعون إحداهنّ زوجةً له ؟ وهل كانت زوجة إبراهيم أجمل من جميع نساء مصر فاختارها فرعون لنفسه ؟ وهل من المعقول أن يتكلّم إبراهيم بِهذه الكلمة وهو سيّد الأنبياء وهو الغيور على أهله ؟ وما هذه الأحاديث والاتّهامات إلاّ من عزرا كتبها في توراته وسيلقى عقابه عند ربِّه .
الأغلاط في توراة عزرا
الخطأ الأوّل: [ قصة الملائكة مع إبراهيم ]
ولقد حدث في توراة عزرا أغلاط وتبديلات كثيرة ومن جملتها قصّة الملائكة مع إبراهيم حين جاءوا إليه وبشّروه بالولد ، فقال عزرا : قدّم لَهم إبراهيم طعاماً فأكلوا ، وقد نفى الله تعالى الأكل من طعامه فلم يأكلوا لأنّهم روحانيّون لا يمكنهم أن يأكلوا من طعام أهل الدنيا ولا يشربوا من شرابِهم ، بل أكلهم وشرابهم أثيري روحاني مِمّا هو في الجنان الأثيريّة . وإليك ما جاء في مجموعة التوراة في سفر التكوين في الإصحاح الثامن عشر قال :
"وظهر له الربّ عند بلوطات ممرا وهو جالسٌ في باب الخيمة وقت حرّ النهار فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه ، فلمّا نظر ركض لاستقبالِهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض وقال يا سيّد إنْ كنت نعمةً في عينيك فلا تتجاوز عبدك ليأخذ قليل ماء واغسلوا أرجلكم واتّكئوا تحت الشجرة فآخذ كسرة خبز فتسندون قلوبكم ثمّ تجتازون لأنّكم قد مررتم على عبدكم . قالوا هكذا تفعل كما تكلّمت .
فأسرع إبراهيم إلى الخيمة إلى سارة وقال أسرعي بثلاث كيلات دقيقاً سميذاً اعجني واصنعي خبز مَلّةٍ ثمّ ركض إبراهيم إلى البقر وأخذ عجلاً رَخصاً وجيّداً وأعطاه للغلام فأسرع ليعمله ، ثمّ أخذ زبداً ولبناً والعجل الّذي عمله ووضعها قدّامهم وإذا هو كان واقفاً لديهم تحت الشجرة أكلوا ."
فانظرْ أيّها القارئ أنّه قال أكلوا من طعامه . وقال هنا كانوا ثلاثة وعند ذهابِهم إلى سدوم إلى لوط قال كانا اثنين . فأين ذهب الثالث يا تُرى ؟
وإليك ما جاء في القرآن في قصّة إبراهيم والملائكة الثلاثة الّذينَ سلّموا على إبراهيم فضَيّفَهم ، فقد قال تعالى في سورة هود :
(وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ . فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ . وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ . قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ .)
أمّا ذهابُهم إلى لوط فقد ذهبوا بأجمعِهم، أي ثلاثة ولم يكونوا اثنين، وذلك قوله تعالى في آية 77 (وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ .)
الخطأ الثّانِي : في قصة آدم وحوّاء والخلاف فيها بين التّوراة والقرآن .
فقد جاء في سفر التكوين في الإصحاح الثالث ما يلي : "وكانت الحيّة أحيل من جميع حيوانات البرّيّة الّتي عملها الربّ الإله ، فقالت للمرأة أحقّاً قال الله لا تأكلا من كلّ شجر الجنّة ، فقالت المرأة للحيّة من ثمر الجنّة نأكل وأمّا ثمر الشجرة الّتي في وسط الجنّة فقال الله لا تأكلا منه ولا تَمسّاه لئلاّ تموتا، فقالت الحيّة للمرأة لن تموتا بل الله عالمٌ أنّه يوم تأكلان تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشرّ . فرأت المرأة أنّ الشجرة جيّدةٌ للأكل وأنّها بهجةٌ للعيون وأنّ الشجرة شهيّةٌ للنظر فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجُلها أيضاً معها فأكل ، وانفتحت أعينُهما وعلما أنّهما عريانان فخاطا أوراق تينٍ وصنعا لأنفسِهما مآزر .
وسمعا صوت الربّ الإله ماشياً في الجنّة عند هبوب الرّيح فاختبأ آدم وامرأته من وجه الربّ الإله في وسط أشجار الجنّة ، فنادى الإلهُ آدمَ وقال له أين أنتَ ، فقال سمعتُ صوتَكَ في الجنّة فخشيتُ لأنّي عريان فاختبأتُ ، فقال مَن أعلمك أنّك عريان هل أكلت من الشجرة الّتي أوصيتك ألاّ تأكل منْها ، فقال آدم المرأة الّتي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلتُ ، فقال الربّ للمرأة ما هذا الّذي فعلتِ ،فقالت المرأة الحيّةُ غرّتني فأكلتُ ، فقال الربّ الإلهُ للحيّة لأنّك فعلت هذا ملعونةٌ أنتِ من جميع البَهائم وجميع وحوش البرّيّة ، على بطنك تسعين وتراباً تأكلين كلّ أيّام حياتكِ وأضعُ عداوةً بينكِ وبينَ المرأة وبينَ نسلك ونسلِها ."
أقول هل توجد شجرة إن أكلتَ منْ ثمرها تعرّفك الخير والشرّ ، وهل الحيّة تتكلّم فكلّمت حوّاء وأغوتْها حتّى أكلتْ من ثمرة تلك الشجرة ، ولكنّ الشيطان وسوسَ لعزرا وقال له إذا كتبتَ في توراتك أنّ الشيطان أغوى آدم وحوّاء فأكلا من تلك الشجرة ، فيقولون لك أين الشيطان ولو كان موجوداً فلِمَ لا نراهُ ، فيكذّبونك ولكن الأحسن قل الحيّة أغوتْ حوّاء فأكلت من الشجرة وأعطت آدم فأكل .
فكانت غاية الشيطان من ذلك أن يدفع اللعنة عن نفسه ويضعَها على الحيّة لعلمِه بأنّ النّاس أعداء الحيّة ، ثمّ قول عزرا للحيّة "وتراباً تأكلين كلّ أيّام حياتكِ" فإنّ الحيّة لا تأكل التراب بل تأكل الحشرات [وصغار الحيوانات] ، وقوله "على بطنك تسعين" فإنّ الحيّة لم تكن لَها أرجلٌ من قبل فذهبت أرجلُها بل خلقَها الله بلا أرجل من يوم خلقها . وهذا دليل واضح بأنّ عزرا كتبَ هذا وليس من الله .
وإليك ما جاء في القرآن في قصّة آدم وحوّاء وإبليس ، أي الشيطان وذلك في سورة طه قال الله تعالى :
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى . فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُولَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى . إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى . وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى . فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى . فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى . ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى .)
فتأمّل أيّها القارئ في قول الله تعالى إذ قال (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ) ولم يقلْ الحيّة ، ثمّ بيّن سبحانه أنّهما كانا لابسَينِ ثياباً وليس عاريين ولكن لَمّا أكلا من توت الشجرة بدت لَهما سَوآتهما ؛ لأنّ في تلك الشجرة شوكاً كثيراً مزّق ثيابَهما فبدت لَهما عوراتُهُما . وهي شجرة توت العلّيق ، فحينئذٍ أخذا يرقعان ثيابَهُما بورق التين ، ثمّ بيّن سبحانه بأنّ أوّل مَن أكل منْها هو آدم ثمّ أعطى منها لحوّاء فلمّا ذاقت طعم توتِها أخذتْ تَقطف من توتِها وتأكل ، وذلك قوله تعالى حاكياً عن لسان الشيطان (قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى .)
ومثل هذه الأغلاط والخلافات كثيرة في توراة عزرا بن سرايا لا مجال لذكرها هنا إذ أنّنا نتكلّم باختصار .
شعب الله المختار
لقد جاء في مجموعة التوراة في سفر قضاة في :
الإصحاح الثّاني :
"وفعل بنو إسرائيل الشرّ في عين الربّ بعد موت يشوع وعبدوا البعليم وتركوا الربّ إلهَ آبائهم الّذي أخرجَهم من أرض مصر وساروا وراء آلهةٍ أخرى من آلهة الشعوب الّذين حولَهم وسجدوا لَها وأغاظوا الربّ ، تركوا الربّ وعبدوا البعل وعشتاروث ، فحمي غضب الربّ على إسرائيل فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم وباعهم بيد أعدائهم حولهم ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم ، حيثما خرجوا كانت يد الربّ عليهم للشرّ كما تكلّم الربّ وكما أقسم الربّ لَهم ، فضاق بِهم الأمر جدّاً ، وأقام الربّ قضاةً فخلّصوهم من يد ناهبيهم ، ولقضاتِهم أيضاً لم يسمعوا بل زَنَوا وراء آلِهةٍ أخرى وسجدوا لَها ، حادوا سريعاً عن الطريق الّتي سار بِها آباؤهم لسمع وصايا الربّ لم يفعلوا هكذا ، وحينما أقام الربّ لَهم قُضاةً كان الربّ معهم من أجل أنينِهم بسبب مضايقيهم وزاحِميهم ، وعند موت القاضي كانوا يرجعون ويفسدون أكثر من آبائهم بالذهاب وراء آلِهةٍ أخرى ليعبدوها ويسجدوا لَها ، لم يكفّوا عن أفعالِهم وطريقتِهم القاسية ، فحمي غضب الربّ على إسرائيل وقال من أجل أنّ هذا الشعب قد تعدَّوا عهدي الّذي أوصيت به آباءهم ولم يسمعوا لصوتي فأنا أيضاً لا أعود أطرد إنساناً من أمامِهم من الأمَم الّذينَ تركهم يشوع عند موته ."
الإصحاح الثالث:
وجاء في سفر القضاة في الإصحاح الثالث ما يلي:
"فسكن بنو إسرائيل في وسط الكنعانيّين والحثيّين والأموريّسن ... واتّخذوا بناتِهم لأنفسِهم وأعطَوا بناتِهم لبنيهم وعبدوا آلهتَهم ، فعل بنو إسرائيل الشرّ في عيني الربّ ونسوا الربّ إلاهَهم وعبدوا البعليم والسواري ، فحمي غضب الربّ على إسرائيل
فباعهم بيد كوشان رشعتايم ملك آرام النّهرين فعبد بنو إسرائيل كوشان رشعتايم ثماني سنين ، وصرخ بنو إسرائيل إلى الربّ فأقام الربّ مخلّصاً لبني إسرائيل فخلّصَهم عثنيئيل بن قناز أخو كالب الأصغر، فكان عليه روح الربّ وقضى لإسرائيل وخرج للحرب فدفع الربّ ليده كوشان ملك آرام واعتزّت يده على كوشان رشعتايم، واستراحت الأرض أربعين سنة ومات عثنيئيل بن قناز .
وعاد بنو إسرائيل يعملون الشرّ في عيني الربّ فشدّد الربّ عجلون ملك موآب على إسرائيل لأنّهم عملوا الشرّ في عيني الربّ فجمع إليه بني عَمّون وعَماليق وسار وضرب إسرائيل وامتلكوا مدينة النخل ، فعبد بنو إسرائيل عجلون ملك موآب ثماني عشرة سنةً ، وصرخ بنو إسرائيل إلى الربّ فأقام لَهم الربّ مخلّصاً إهُود بن جيرا البنياميني رجلاً أعسر ، فأرسل بنو إسرائيل بيده هديّةً لعجلون ملك موآب ، فعمل سيفاً ذا حدّين طوله ذراعٌ تقلّده تحت ثيابه على فخذه اليمنى ، وقدّم الهديّة لعجلون ملك موآب ، وكان عجلون رجلاً سميناً جدّاً ، وكان لَمّا انتَهى من تقديم الْهديّة صرف القوم حاملي الْهديّة ، وأمّا هو فرجع من عند المنحوتات الّتي لدى الجلجال وقال لي كلام سرٍّ أيّها الملك فقال صَهْ وخرج مِن عندِه كلّ الواقفين لديه فضربه بسيفه في بطنه وخرج وقفل الباب عليه وعاد إلى بني إسرائيل ولم يعلموا بِما فعل مع ملكهم ."
الإصحاح الرابع :
وعاد بنو إسرائيل يعملون الشرّ في عيني الربّ بعد موت إهُود فباعَهم الربّ بيد يابين ملك كنعان الّذي ملك في حاصور ، ورئيس جيشه سيسرا وهو ساكن في حروشة الأمم، فصرخ بنو إسرائيل إلى الربّ لأنّه كان له تسع مئةِ مركبةٍ من حديد وهو ضايقَ بني إسرائيل بشدّة عشرين سنةً .
وإذا أردنا أن نكتب كلّ فساد بني إسرائيل وعبادَ تِهم للأصنام فلا يسع كتابنا هذا ولكن نكتفي بِما ذكرناه من أفعال شعب الله المختار الّذين اختاروا عبادة الأصنام على عبادة الله المنعم عليهم والّذي أنقذهم من يد العبوديّة .
إسرائيل مطلّقة بِنَصّ التوراة
(فلم تعدْ شعب الله المختار)
فإنّ الله طلّقها واختار أمّة الإسلام بدلَها
لقد جاء في مجموعة التوراة ، سفر إرميا ، الإصحاح الثالث 6-9 ما يلي :
" وقال لي الربّ في أيّام يوشيّا الملك . هل رأيتَ ما فعلت العاصية إسرائيل . إنطلقت إلى كلّ جبلٍ عالٍ وإلى كلّ شجرةٍ خضراء وزنت* هناك . فقلتُ بعد ما فعلت كلّ هذه ارْجعي فلم ترجعْ . فرأت أختُها الخائنة يَهوذا . فرأيتُ أنّه لأجل كلّ الأسباب إذ زنت العاصية إسرائيلُ فطلّقتُها وأعطيتُها كتاب طلاقِها لم تخفِ الخائنة يَهوذا أختُها بل مضت وزنت هي أيضاً . وكان من هوان زناها أنّها نجّست الأرض وزنت مع الحجر ومع الشجر ."
[* أي عبدت الأحجار والأصنام بدل عبادة الله أي أشركت بربّها ، وبعملِها هذا خانت ربّها أو زنت ، كما تفعل الزوجة الخائنة عندما تشرك مع زوجِها غيره عندما تزني . ]
هؤلاء هم شعب الله المختار بزعمِهم اختاروا عبادة الأصنام بدل عبادة الله الرحمان الّذي أنقذهم من يد العبوديّة من يد فرعون وملئه . أمّا المسلمون فلم يعبدوا الأصنام بعد موت نبيّهم بل عبدوا الله وحده ، وقد أنزل الله فيهم قوله في سورة آل عمران (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَو آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)
ذم الصهيونيّة في الزبور
كان شاؤول (طالوت) ملكاً على بني إسرائيل ، فأوحى الله تعالى إلى النبيّ صاموئيل بأنّ داود يكون ملكاً على بني إسرائيل بعد طالوت ، فلَمّا علم طالوت بذلك عادى داود وأراد قتله فهرب داود إلى الجبال خوفاً من طالوت ، فقام طالوت يطارده بجيشه أينما ذُكِر ولكنّه لم يتمكّن من قتله ، فصار داود يدعو على قومه الذين يطاردونه ويلعنهم . وإلى ذلك أشار الله تعالى في القرآن فقال تعالى في سورة المائدة (لُعِنَ الّذينَ كَفَرُوا مِن بني إسرائيل على لِسانِ داود وعيسى بنِ مريَمَ ذلكَ بِما عَصَوا وكانُوا يَعتَدُونَ.)
وإليكَ بعض ما جاء في الزبور في ذمّ اليَهود على لسان داود وذلك في المزمور الثاني عشر قال :
"خلّص ياربّ لأنّه قد انقرض التقيّ لأنّه قد انْقطع الأمناء من بني البشر ، يتكلّمون بالكذب كلّ واحدٍ مع صاحبه بشفاهٍ ملقةٍ بقلبٍ منقلبٍ يتكلّمُون ، يقطع الربّ جميع الشفاه الْملقةِ واللسان المتكلّم بالعظائم ، الّذينَ قالوا بألسنتنا نتجبّر ، شفاهنا معنا ، مَن هو سيّدٌ علينا."
وقال في المزمور الحادي والعشرين :
"تصيب يدك أعداءك ، بيمينك تصيب كلّ مبغضيك ، تجعلُهم مثل تنّور نارٍ في زمان حضورك ، الربّ بسخطه يبتلعهم وتأكلهم النار ، تبيد ثمرهم من الأرض وذرّيتهم من بين بني آدم ، لأنّهم نصبوا عليك شرّاً ، فكَّروا بمكيدةٍ لم يستطيعوها ، لأنّك تجعلُهم يولّون ، تفوق السهام على أوتارك تلقاء وجوهِهم ، ارتفع يا ربّ بقوّتِكَ ، ترنّم بجبروتك ."
وقال في المزمور الخامس والخمسين :
" أهلِكْ يا ربّ فرِّقْ ألسنتَهم لأنّي قد رأيتُ ظُلماً وخصاماً في المدينة ، نهاراً وليلاً يحيطون بِها على أسوارها وإثمٌ ومشقّةٌ في وسطِها ولا يبرحُ من ساحاتِها ظلمٌ وغشّ ."
ذمّ الصهيونيّة في الإنجيل
وكذلك المسيح عيسى بن مريم لعنَهم وذمّهم لأنّهم آذَوهُ وكذّبوه.
فقد جاء في إنجيل متّي في الإصحاح الثالث والعشرين ما يلي:
"لكن ويلُ لكم أيّها الكتبة والفريسيّون المراؤون لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون " .
- وجاء قول المسيح في إنجيل متّي في الإصحاح الحادي عشر في ذمّ اليَهود :
"ويلٌ لكِ يا كور زين . ويلٌ لك ِ يا بيتَ صيدا . لأنّه لو صُنعت في صور وصيداءَ القوّات المصنوعة فيكما لَتابتا قديماً في المسوح والرماد . ولكن أقول لكم إنّ صورَ وصيداءَ تكون لَهما حالةٌ أكثر احتمالاً يوم الدين مِمّا لكما . وأنتِ يا كفر ناحوم المرتفعة إلى السماء ستهبطين إلى الْهاوية . لأنّه لوصُنعت في سدوم القوّات المصنوعة فيك لبقيت إلى اليوم ."
- وجاء في الإصحاح الثاني عشر من إنجيل متّي قوله :
"يا أولاد الأفاعي كيف تقدرون أن تتكلّموا بالصالحات وأننتم أشرارٌ ."
- وجاء في الإصحاح السادس عشر في ذمّ اليَهود قال السيّد المسيح
" جيلٌ شرّير فاسق يلتمس آيةً ."
- وجاء في الإصحاح الخامس عشر قول المسيح في ذمّ اليَهود :
"فقد أبطلتم وصيّة الله بسبب تقليدكم . يا مُراؤون حسناً تنبّأ عنكم إشعياء قائلاً . يقترب إليّ هذا الشعبُ بفمه ويُكرمني بشفتيه وأمّا قلبه فمتعدٍّ عنّي بعيداً . وباطلاً يعبدونني وهم يعلِّمون تعاليم هي وصايا النّاس ."
- وقال : "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين ..."
- وجاء في إنجيل لوقا في الإصحاح الحادي عشر قال المسيح :
"ويلٌ لكم أيّها الفريسيّون المراؤون لأنّكم تعشّرون النعناع والسداب وكلّ بقلٍ وتتجاوزون عن الحقّ ومحبّة الله ، كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك ، ويلٌ لكم أيّها الفريسيّون لأنّكم تحبّون المجلس الأوّل في المجامع والتحيّات في الأسواق ، ويلٌ لكم أيّها الكتبة والفريسيّون المراؤون لأنّكم مثل القبور المخفيّة والّذين يمشون عليها لا يعلمون ."
- وقال أيضاً : "ويلٌ لكم لأنّكم تبنون قبور الأنبياء وآباؤكم قتلوهم ؛ إذاً تشهدون وترضَون بأعمال آبائكم لأنّهم هم قتلوهم وأنتم تبنون قبورهم ."
تعريف [حول تشييد قبور الأنبياء]:
قول السيّد المسيح "أنتم تبنون قبور الأنبياء وآباؤكم قتلوهم" معناه : أنتم آثمون بتشييد قبور الأنبياء كما أثم آباؤكم بقتلِهم ، لأنّ تشييد القبور لا يجوز لأنّه يسبّب الإشراك فتأتي النّاس إلى زيارتِها وتقديسِها وينذرون لَها فتصبح كالأوثان تُعبَد من دون الله ، وهذا مِمّا يؤثم عليه الباني والزائر والّذي يقدّس قبور الأنبياء . وما أكثر القبور في هذا العصر الّتي أصبحت كالأوثان تُعبَد من دون الله . ولذلك أخفى الله تعالى قبور كثير من الأنبياء ومن جملتِهم قبر موسى وهارون وإيليّا وعيسى بن مريَم وغيرهم ؛ وذلك لئلاّ تصبح قبورهم أوثاناً تُعبًد من دون الله .
وإليك قصّة موت موسى وهارون وذلك من سفر التثنية في الإصحاح الثاني والثلاثين قال : " وكلّم الربّ موسى في نفس ذلك اليوم قائلاً : اصعد إلى جبل عباريم هذا جبل نبو الّذي في أرض موآب الّذي قبالة أريحا وانظر إلى أرض كنعان ، ومت في الجبل الّذي تصعد إليه وانْضمّ إلى قومك كَما مات هارون أخوك في جبل هورٍ وضُمّ إلى قومه ."
وإنّما قال الله تعالى لِهارون : اصعد إلى الجبل وحدك ومت هناك ولا يراك أحدٌ ، وكذلك قال لِموسى لئلاّ يبنوا لَهما قبوراً فتصبح أوثاناً تُعبَد من دونِ الله . وكذلك [قصّة موت] النبيّ إيليّا بينَما كان يمشي خارج مدينة أورشليم هو واليشع إذْ جاءت عاصفة من الريح فحملت النبيّ إيليّا وألقتْهُ فوق الجبل المقابل لمدينة أورشليم فمات هناك وصعدت نفسُهُ إلى السماء إلى الجنان وبقي جسمُهُ فوق الجبل فغطّتْهُ العاصفة بالتراب ، لأنّ الإنسان الحقيقي هو النفس الأثيريّة ، وما الجسم إلاّ قالبٌ تكوّنت فيه النفس ، فبعد خروج النفس منه يتفسّخ ويكون تراباً وتصعد نفوس الأنبياء إلى السماء .
ذمّ الصّهيونيّة في القرآن
قال الله تعالى في سورة البقرة : 27 (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ) يعني ينقضون العهد الّذي عاهدوا به أنبياء الله الماضين بأن لا يشركوا بالله شيئاً ولا يقتلوا النفس الّتي حرّم الله قتلَها ولا يزنوا ، وقد أخلفوا الله ما عاهدوه ، (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ) يعني ويقطعون صلة الرّحِم (وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ) بالفتن وقطع السبيل ويصُدّون من آمن بمحمّد رسول الله (أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) الّذينَ خسروا أنفسَهم وأهليهم في الآخرة فأبدلوا النعيم بالجحيم .
وقال الله تعالى في آية 55 (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ ) فوق جبل حوريب (وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ)
وقال تعالى في آية 61 (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ) وهو المنّ (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُو أَدْنَى بِالَّذِي هُو خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ .)
وقال الله تعالى في آية 65 (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ) فصادوا السمك وباعوا (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ .) وقال تعالى في آية 74 (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَو أَشَدُّ قَسْوَةً) وقال الله تعالى في آية 80 (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) وهي سبعة أيّام الّتي عبدوا فيها العجل في زمن موسى (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا) بذلك (فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) 81 (بَلَى) يُعذّبون (مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وقال الله تعالى في آية 85 (ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُو مُحَرَّمٌ عَلَيْكُم