في إقامتهن بحي دالي إبراهيم في أعالي الجزائر العاصمة، تعيش فتيات تركيات في العشرينيات من العمر. سبب المجيء إلى الجزائر التي تبعد عن الوطن الأم بأكثـر من أربعة آلاف كيلومتر، المعلن، هو تعلم اللغة العربية والتخصص في أصول الشريعة والدين، ولِمَ لا بناء حياة جديدة بعد الظفر بوظيفة لدى إحدى الشركات التركية العاملة في الجزائر.
تقول فاطمة، وهي طالبة في السنة الأولى بمعهد أصول الدين بالخروبة: “لا نشعر بأي غربة هنا، نعيش كأننا في بلدنا تماما، نشعر بأن الجزائريين يحبّوننا ويستقبلوننا بحفاوة أينما ذهبنا”. وردا على سؤال عن سبب قدومهن إلى الجزائر وترك تركيا التي تتواجد بها جامعات ومعاهد عليا مشهورة، أجابت فاطمة بأنه خيارها الشخصي، ورغبة منها في التعرّف على ثقافة هذا البلد العربي المسلم الذي تربطه بتركيا أواصر علاقات ضاربة في التاريخ وأيضا، وهو الأهم في نظرها، التشجيع الذي لاقته من الأسرة، والدعم الذي تتحصل عليه من طرف الجهات التي ترعى منحتهم الدراسية. ألف، وهي زميلة فاطمة في الإقامة، وتدرس في السنة الثانية في معهد الخروبة، تنظر إلى المجتمع الجزائري وكأنه مجتمعها الذي تركته في تركيا.. فهي تؤكد أنها لا تشعر بالغربة على الإطلاق، لأنها اكتشفت عادات تشبه كثيرا عاداتهم، خاصة في ما يتعلق بالمحافظة على أصالة الشعب ومقوّمات هويته. بالنسبة لألف وفاطمة وزميلاتهما، فإن التمسك بالعادات الإسلامية من علامات المحافظة على الأصالة التي تتميز بها الأمة والشعوب العربية والإسلامية. طرحنا سؤالا على عمر، وهو مدرّس لغات في معهد تركي متخصص في التدريب وتعليم اللغات الأجنبية بالعاصمة: لماذا كل هذا الاهتمام بالجامعة الجزائرية من جانب الأتراك، في حين أن بلدهم يصنف في خانة الدول النامية أو المستقرة اقتصاديا، بفضل سياسة إعادة البناء المؤسساتي التي شرع في تنفيذها حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، فما هي القصة؟ لغة جديدة وفرصة عمل مضمونة لكن، هناك هدفا آخر يجعل من الجزائر جاذبة للأتراك والتركيات، وهو اكتساب ثقافة جديدة ولغة جديدة، بالإضافة إلى الاستفادة من تكوين غير متاح ماديا للطلبة الأتراك، بفضل منح توفرها الحكومة التركية للراغبين في الالتحاق بالجامعات الجزائرية كل عام وعددها، حسب عمر، 15 منحة دراسة. وعن السرّ وراء تهافت الجزائريين على تعلم التركية التي لا تعتبر لغة عالمية، مثل الإنجليزية أو الفرنسية، فإن محدثنا يشير إلى أن السبب هو سهولة تعلمها، لأنها تتألف من مزيج اللغتين العربية والفرنسية، وتكفي الإشارة هنا إلى أنها تحتوي على 500 كلمة عربية الأصل، بالإضافة إلى البحث عن وظيفة في الشركات التركية العاملة في الجزائر، خاصة أن عدد هذه الأخيرة يصل حاليا إلى أكثـر من 400 شركة، والرقم مرشح للارتفاع. نجوم المسلسلات.. في التلفزيون فقط و”نكرة” في الواقع ولما سئلت فاطمة وألف عن انطباعهما حول نظرة الجزائريين للمسلسلات والأفلام التركية التي تعرض على شاشات التلفزيون، أجابت ألف بقولها: “صدّقوني، ما ترونه لا علاقة له إطلاقا بمجتمعنا.. نحن نستغرب عندما نشاهد ما تشاهدون”. وهنا، يتدخل عمر مشدّدا على أن من يعتبرهم المشاهدون الجزائريون والعرب “نجوما” و”مشاهير الفن التركي”، لا يعدون كونهم مجرد “مجاهيل” في تركيا نفسها، مضيفا بحيرة كبيرة: “نحن لا نقرأ عنهم، ولا نسمع صوتا لهم في بلدنا!”. الاحتفال بمولد الرسول.. شهر من العبادة قبل أن نودع مضيفينا، قمنا رفقة عمر وفاطمة وألف بزيارة معرض صغير حول المولد النبوي الشريف، بالقاعة الكبرى للإقامة. وتروي ألف أن العائلات التركية، حيثما وجدت في هذا العالم، تفعل نفس الشيء، وتظل تحتفل بمولد النبي، صلى الله عليه وسلم، طيلة شهر كامل، بداية من يوم المولد المحدّد بـ23 أفريل من كل عام ميلادي الموافق لـ12 ربيع الأول هجريا.
http://www.elkhabar.com/ar/nas/338771.html