صحفي يخترق العمليات السرية الأمريكية
الحـروب القـذرة
عرض: عزت إبراهيم
دخل الصحفي الأمريكي جيرمي سكاهيل عش الدبابير في كتاب الحروب القذرة, سائرا علي اشواك السرية والغموض من أجل إعطاء الأمريكيين نظرة خاطفة عن كيفية إدارة حكومة الولايات المتحدة الحرب العالمية علي
الإرهاب في الخفاء موجها نداء الي الامريكيين لمواجهة ما تقوم به حكومتهم
والطعن في تبرير العمليات السرية الجديدة علي مدي أكثر من10 سنوات حيث
الكونجرس لا يرغب في تدقيق المعلومات أو مراجعة العمليات الغامضة والتي
يقول إنها نتاج فكرة أن العالم هو ساحة المعركةب.
قدم سكاهيل- الصحفي في مجلة نيشن- كتابا وفيلما عن تلك المغامرة في العالم
السري لصناعة الحرب الأمريكية بعد هجمات11 سبتمبر2011 في نيويورك والتي
يفتح مشاهدها الأولي من العاصمة الأفغانية في سيارة مختبئا في الجزء الخلفي
منها مخترقا الحواجز الأمنية المحظورة ليروي قصص المداهمات الليلية التي
كان يقوم بها حلف شمال الأطلنطي في بلد تعيس يدير فيه الأمريكيون حربا خفية
ضد أعدائها ثم يستريح في لقطة ثانية ليصف مشهد شرب الجنود الأمريكيين
الشاي مع شيوخ القبائل.
ويكشف الصحفي الأمريكي عن فظائع تشير إلي كوارث الحرب القذرة التي تسهم في
رفع درجة العداء للغرب- وبالأخص الولايات المتحدة- ومنها روايته عن مقابلة
قام بها مع عائلة في منطقة جرديز الأفغانية من ضحايا الغارات الليلية, فقد
قتل خمسة أشخاص, بينهم ثلاث نساء, اثنتان كانتا حاملتاين, في الغارة نتيجة
معلومات مخابراتية مضللة قدمت إلي الفريق المشترك لقيادة العمليات الخاصة,
التي داهمت المنزل, من قائد الشرطة الأفغانية.. وهي المعلومات التي قالت
أن هناك عناصر من طالبان يخططون لهجوم. وعندما اتضح أن الأمر ليس كذلك
وأنهم قتلوا أناسا أبرياء, قامت القوات الخاصة بانتزاع الرصاصات من أجساد
الضحايا وأخرجوا كاميرات الفيديو وصيغت رواية جديدة تقول إن ما حدث كان
نوعا من جرائم الشرف! ويقول الصحفي أنه لا يوجد أحد في واشنطن راغب في
مواجهة حقائق الغارات الليلية في أفغانستان. ومع ذلك, تمكن سكاهيل من إقناع
أحد الجنرالات ليظهر أمام الكاميرا متحدثا عن الغارة السابقة, فقال
الجنرال هيو شيلتون, الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة, إن الأسرة كانت
في المكان الخطأ في الوقت الخطأ, ورجالنا كانوا يفعلون ما كانوا يعتقدون
أنه ما ينبغي فعله, وحماية أنفسهم ورفاقهم في هذه العملية. واضاف الجنرال
لا أعتقد أنه يجب أن يتم التحقيق في القضية, وقال بغرابة أعتقد أنه يمكن أن
تدونها باعتبارها واحدة من تلك الأعمال اللعينة في الحروب. ويسأل: ماذا عن
قائد الشرطة وهل لمجرد نصبه ليس إرهابيا؟ وماذا عن النساء الضحايا؟ وكيف
لا تنظر إلي تلك الأفعال علي أنها جرائم حرب؟ ويعتبر سكاهيل أن تلك
التركيبة النفسية تكشف خللا واضحا في تسلسل القيادة لمن يقاتلون في الحرب
علي الإرهاب من أفغانستان إلي اليمن إلي دول أخري في الشرق الأوسط.. وقد
سعي سكاهيل إلي دفع أعضاء الكونجرس للتصدي لقصة الغارات الليلية في
أفغانستان, ولكن, علي خلفية كتابه وعمله الأول عن مرتزقة شركة بلاك ووتر,
وجد أن تلك الشهادة لا تثير اهتماما كبيرا في أروقة السلطة وطلبات الحصول
علي معلومات بموجب القانون, تاهت في أروقة الوكالات المختصة دون أن تصله أي
ردود رغم النداءات المتكررة للحصول علي اجابات من المسئولين. من اليمن,
واصل سكاهيل في كتابه وفيلمه المثير, يعرض حاليا, الكشف عن جرائم الحرب علي
الإرهاب التي تزيد من تعقيد الصورة وتفرج أجيالا جديدة من المتطرفين,
فيروي قصة مقتل46شخصا في اليمن, من بينهم خمسة حوامل, خلال ديسمبر2009, في
أول هجوم أذن به الرئيس الأمريكي باراك أوباما. بزعم أنه كان هناك عناصر من
تنظيم القاعدة.. ولكن ما حدث أن العملية أصابت قبيلة فقيرة. ويواصل الرحلة
المثيرة فيقول أن هناك صحفيا يمنيا يدعي عبد الإله حيدر شايع كان يعمل
للوصول الي حقيقة ما حدث, وهو في السجن اليوم بإيعاز من الولايات المتحدة
وبناء علي طلب من الرئيس أوباما, والمأساوي- حسب سكاهيل أن الصحفي المسجون
يكاد يفقد عقله في ظل ظروف الحبس الانفرادي بينما هناك عدد قليل جدا من
الصحفيين في الولايات المتحدة يسيرون وراء الخيوط التي تكشف طبيعة هذه
الحرب السرية. ويعبر سكاهيل شاطئ البحر الأحمر إلي الصومال حيث يكشف عن
تحالف الحكومة الأمريكية مع أمراء الحرب لمحاربة حركة الشباب, وهي المصنفة
كمنظمة ارهابية لها صلات بتنظيم القاعدة, وإلتقي واحدا من أمراء الحرب
ويدعي عدي, ويصفه بأنه يرتدي نظارة شمسية وقبعة, ولديه حاشية ويتحدث عن قتل
الأجانب بلا رحمة! ومن الأجزاء المثيرة في الكتاب قصة اغتيال المواطن
الأمريكي أنور العولقي الذي اغتيل في غارة طائرة بدون طيار في اليمن. وكان
العولقي محط أنظار الأجهزة الأمريكية بعد هجمات11 سبتمبر وتعرض للمراقبة من
قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي لسنوات, وغادر في نهاية المطاف البلاد بعد
أن أدرك أنه لا يستطيع ان يعيش حياة عادية, وفي فيلمه يقدمه في شكل الواعظ
ثم يوضح كيف استهدف المسئولون الأمريكيون العولقي ليصبح أول مواطن أمريكي
يقتل بنيران الدولة الأمريكية نفسها ويظهر جد العولقي ناصر يروي كيف حاول
أن يتفادي حفيده القتل ويقول أريد محاميا أمريكيا يقول لي أنه لا بأس أن
تقتل مواطنا أمريكيا علي أساس أنه قال شيئا ضد الولايات المتحدة, لكن
سكاهيل يري أن السلطات الأمريكية قد صنعت الرجل الذي أرادت قتله.. ثم مضت
في خطتها فيما بعد! ولا يشأ سكاهيل أن يترك ملف الأمريكي الغامض فيحقق في
مقتل عبد الرحمن العولقي, أبن أنور,16 عاما, بعد أسابيع فقط من اغتيال
والده, ويري أن الواقعة لم تفسرها الإدارة الأمريكية بشكل صحيح ويتساءل عما
إذا كان حقا من قبيل المصادفة أن نجل أنور قتل بعد أسابيع من مصرع والده,
وقد أمضي بعض الوقت في منزل الجد وشاهد لساعات الأفلام المنزلية الخاصة
بعبد الرحمن, الذي كان حقا مشابها جدا لفتيان مثله في أمريكا. ليخرج
بإفتراض أن عبد الرحمن قد قتل بسبب ما قد يصبح عليه في يوم من الأيام. وفي
مقابلات عديدة تحدث سكاهيل عن معاناته مع القصص المؤلمة التي رأها وسمع
عنها ومنها قصة بلدة جرديز الأفغانية ويقول أنه يريد نسيانها ولا يستطيع
ويشعر بالذنب لمقتل عبد الرحمن من قبل حكومة الولايات المتحدة, ويقول أنه
ربما كان يوما بمثابة الأب للضحية. وقد عبر سكاهيل خطوطا حمراء, فتلقي
اتصالا من قبل أحد أفراد الجيش أبلغه أنه لو نشر القصة فسيكون في مرمي
المتاعب, وهو لا ينام جيدا وتم اختراق جهاز الكمبيوتر الخاص به وجرت عملية
نسخ جزء من القرص الصلب! وأكثر ما يؤرقه أن هناك حروب غير معلنة تجري في
بلدان كثيرة في جميع أنحاء العالم, وقال إن مقتل أسامة بن لادن لن ينهي
الحرب العالمية علي الإرهاب ولكنها فتحت فصلا جديدا, وأن الأكثر خطورة أن
هذه قصة ليس لها نهاية وربما تجد الولايات المتحدة نفسها في حالة حرب دائمة
فيما لا تريد حكومتها للشعب الأمريكي أن يري فظائع وجرائم تلك الحروب التي
ربما تحرك مشاعر الناس وتشعرهم بالقلق والذنب في ضمائرهم, وتطرح العديد من
الأسئلة الأخلاقية. وأهمية الكتاب, والفيلم المبني عليه, أنه يقدم بشكل
منهجي وبصراحة الأسس المعيبة للاستمرار في خوض الحرب العالمية علي الإرهاب
ويحاول بجرأة إظهار ما تقوم به الحكومة الأمريكية والوكالات المختصة في
الظلام ليقدم بعضا من أكثر الجوانب المؤلمة لتلك الحرب.
مصدر