24.11.2013

15:47:33

قائد أول غواصة مصرية تقوم بمهمة استكشافية فى سواحل إسرائيل عام 68، وظل يؤدى مهمته طوال 22 يوما دون أن يعلم أحد عن الغواصة شيئا، ونجح فى تحقيق المهمة التى وصفت بأنها "تشبه الهبوط على سطح القمر".
وتكررت عملياته بعد ذلك فى ميناء العدو الإسرائيلي خلال حرب الاستنزاف، وكاد يكتشف أمره فى إحدى هذه المرات ولكنه استطاع العودة بالغواصة سالما.
إنه اللواء ياقوت حسين ياقوت قائد لواء الغواصات البحرية فى حرب 73 الذى فتح خزينة أسراره لـ"الشباب".
قمت بعملية عام 68 استغرقت 22 يوما فى ميناء العدو الإسرائيلى ووصفتها الصحف العالمية بأنها "تشبة الهبوط على سطح القمر" فما هى تفاصيل هذه العملية؟ كنت قائدا للغواصة فى ابريل 1968 وجاءنى تكليف للقيام بمهمة سرية لإجراء استطلاع استراتيجى لمصلحة الجيش والبحرية، وكلفت بهذه المهمة من رئيس شعبة البحرية الذى قال لى: "هذا الموضوع لا يعرفه سوى قائد البحرية فقط. وكنت وقتها برتبة رائد فأجريت تدريبات عديدة وفى الموعد المحدد تحركت الغواصة لأراء مهمتها فى الظلام حتى لا يراها أو يحس بوجودها أحد ولم يكن طاقم الغواصة يعرف شينا عن المهمة حتى فوجئوا بى أغير اتجاه الغواصة بعيدا عن مكان التدريب المعتاد وطلبت إخراج مظروف من مكتبى وتنفيذ ما به من تعليمات وكان معى 15 ضابطا و60 جنديا أذهلتهم المفاجأة التى لم تخطر لهم على بال فآخذت أتحدث إليهم فى الميكروفون عن الثقة بالنفس وعن هذا الشرف الكبير الذى نقوم به الآن لكى أمتص صدمة المفاجأة التى أذهلتهم وحتى نستطيع أن نفكر بهدوء فيما نقوم به كمهمة وطنية، واقتربنا من أشدود وكان ذلك يوم سبت وكان الإسرائيليون فى قمة الغرور والنشوة يرقصون ويغنون وكانت الأضواء واضحة بطول الميناء ولاحظت ارتفاع الروح المعنوية لجنودنا فبدأنا نقوم بعملية التسجيل ونظام الحراسة البعيد والقريب على ساحل العدو وظللنا نؤدى مهمتنا بنجاح كبير لمدة 22 يوما دون أن يشعر بنا العدو وكنا طوال هذه المدة نصعد إلى سطع الماء لمدة أربع ساعات كل يوم أو يومين فى أثناء الليل لشحن البطاريات لأن الغواصة تسير تحت الماء بالبطارية وليس بالهواء ويتم شحن البطارية عن طريق الديزل الموجود فى الغواصة والديزل لا يعمل إلا بالهواء ولذلك كان لابد أن نصعد إلى سطح الماء حتى نشحن البطاريات وكان من الممكن جدا اكتشافنا فى أثناء عملية الشحن لأن جنود الحراسة الإسرائيلية كانوا حولنا من كل جانب.
ما هى الاحتياطات التى قمتم بها حتى لا يتم اكتشاف الغواصة؟ يجب ألا يكون للغواصة أى صوت ولا يخرج منها أى بقع زيت أو بقايا طعام كما أن المعلبات يجب كسرها ووضعها فى "جيكتور" مخصوص بجوال معه شىء ثقيل حتى تستقر فى القاع ولا تطفو على السطح لأن أى شىء يطفو قد يكشف أمرنا.
لماذا ظللتم لمدة 22 يوما بالساحل الإسرائيلى؟ حتى نقوم بعمل تسجيلات ورصد كامل للساحل الإسرائيلى كنوع من الاستطلاع فنحدد الأجهزة الموجودة والحراسة وكذلك الماء فماء البحر له تحليل هيدروليجى للملوحة والكثافة ولم تكن الأجهزة الحديثة قد ظهرت بالتطور الذى هى عليه الآن حيث كنا نقوم بفتح "بلوف" كل عشرة أمتار ونأخذ بعض المياه لتحليلها بالترمومتر وكانت عملية قاسية جدا.
ما الذى آثار انتباهكم على الساحل الإسرائيلى.
لاحظت أننا كنا مبالغين فى تقديراتنا عن دفاعات ونظم اكتشاف الغواصات لدى العدو لدرجة أننى كنت أسمح بتدخين السجائر فى لنش الغواصة فى أثناء فترة الشحن حتى أصبح الأمر عاديا بالنسبة لنا كما لو كنا "نتمشى" أمام ساحل الاسكندرية ويجب ألا يتم إجراء أى اتصال بالغواصة وهى تحت الماء، وإذا افترضنا أننا نريد أية رسالة عن موقف معين فإننا نتفق على جدول معين فى توقيتات معينة حيث تخرج الغواصة إلى سطع الماء لمدة خمس دقائق نخرج الإيريال فى وضع استعداد لاستقبال أية رسالة وأكرر هذه العملية بعد نصف ساعة مرة أو مرتين حتى أتأكد من خروج الإيريال من الماء لتلقى أية رسالة.
هل تمت اتصالات بينكم وبين القيادة قى مصر خلال هذه المدة؟ عندما تحركت من الإسكندرية كان وقت نوة وبمجرد أن وصلت إلى رشيد أصبح البحر عبارة عن جبال ماء واستطعت أن أتغلب على هذه الظروف الجوية الصعبة وأكملت الطريق وكانت القيادة قلقة جدا خصوصا أننى لم أرد على الاتصال اللاسلكى، لأن الرد يجب أن يكون فى ثلاث حالات فقط هى.
لو أن قائد البحرية طلب منى أن أكسر الصمت وأرد عليه، أو يحدث عندى عطل يمنعنى من تنفيذ المهمة، أو أن يكشفنى العدو وطوال الطريق لم يحدث أى اتصال معى وأمام حيفا جاءنى ضابط اللاسلكى بإشارة متقطعة تقول "من زكرى. ياقوت. أفد للغاية".
يعنى من العريق ذكرى إلى الرائد ياقوت "رد على"، وعندما تأتى الرسالة من قائد القوات البحرية بهذا الشكل فهى تعنى أهمية الرد بشكل عاجل ومهم واتضح أننى منذ أن تحركت فى النوة الشديدة حدث فقدان للإيريال وجاءنى هذا الاتصال فى اليوم الـ21 للمهمة.
وكنت قد أشرفت على الانتهاء من المهمة بنجاح ولم يكن هناك داع لأن أكسر الصمت وأنا فى "فم العدو" لأننى لو كسرت الصمت قد يصبح اكتشافى أمرا سهلا.
وعدنا فى اليوم التالى، وعندما وصلت الى بورسعيد وفى المكان المسموح لى بإرسال حروف معينة أرسلت ثلاثة حروف فوجدت جميع محطات اللاسكى ترد على وتقول "حمد الله على السلامة" وعندما وصلت للإسكندرية وجدت هناك من ينتظرنى لمقابلة قائد القوات البحرية وعندما قابلته بادرنى بسؤاله ألم تصلك رسالة وأنت فئ رشيد. فقلت لا. قال: ولا بعد ذلك فاكتشفت أنهم كانوا يرسلون لى رسائل على مدار 20 يوما ولكن لأن جهاز الايريال كان مفقودا، فلم نكن نرد عليهم، وعندما شاهدوا النوة طلبوا منى العودة ولكن إرادة الله شاءت بآن نقوم بهذه العملية.
وعندما علم أحد الخبراء الروس بما حدث قال لى: إننا فى روسيا عندما نرسل إشارة ولا يأتى رد عليها خلال ساعتين نعتبر الغواصه مفقودة لولا أن ضابط إشارة مصريا أقنعهم بالانتظار حتى تنتهى مدة العملية وهى 22 يوما.
والملفت للنظر أننى وجدت الـ18 خبيرا روسيا للغواصات الذين كانوا بمصر فى انتظارنا فلقد كانت هذه أول عملية تقوم بها قواتنا خارج أرضها وحصلت عنها على نيشان وتمت ترقيتى إلى رئيس أركان لواء وأنا برتبة مقدم.
هل قمت بمهمة تعرضت فيها لخطر الاكتشاف من العدو؟ فى سبتمبر 1970 كنت قائد مأمورية وكان معى ضابط أول كان قائدا للغواصة وقمنا بعملية وفى اليوم 18 لها وبعد أن سجلنا كل شىء عن المراكب الد اخلة والخارجة فى ميناء العدو وفى اليوم الذى قررنا فيه التحرك للعودة إلى مصر سمعنا صوت لنشات فى البحر. فى البداية قلنا إنها تحركات عادية ولكن بالتدريج أدركنا أنهم يبحثون عنا وكان تخطيط العدو هو أن الغواصة عندما تهرب تتجه إلى طريق بورسعيد ولذلك فكرنا فى أن نسير عكس ذلك بحيث نكون مع الساحل إلى بيروت ولكننى قررت أن أنزل فى الماء إلى عمق أكبر (130 مترا) وأتجه إلى بورسعيد فهناك شيء خطير فى عالم الغواصات أو عالم البحر اسمه ظروف الهيدروجية المانية فالماء عالم خطير وغريب فتوجد طبقات ماء كأنها أسمنت مسلح يمكن الجلوس عليها كما توجد أوقات يكون بالبحر أنفاق لاسلكية. مثلا لو أن هناك مركبا تسير عند مالطة أو قبرص يمكن أن تسمعها عند الاسكندرية فى حين أن من يكون بجانبها لا يسمعها وبناء على قياس الكثافات نستطيع أن نتعرف على المنطقة الأسمنتية التي لا يخترقها الصوت وبالفعل اكتشفت أن هذه المنطقة موجودة على عمق 130 مترا ولذلك نزلت أسفل هذه الطبقة وأخذت أسير كأنما أسير فى خندق حتى وصلت إلى بورسعيد.
ماذا عن دور الغواصات فى حرب أكتوبر؟ دور الغواصات فى أى سلاح فى العالم هو أن تحرم العدو من استخدام قواته البحرية خارج حدوده اما بحصار الغواصات أو ببث ألغام بحيث تحد من تحركات العدو.
فالمهمة الرئيسية للغواصات هى التعرض لخطوط مواصلات العدو التجارية بمعنى أن الأساطيل والسفن التجارية للعدو يتم ضربها وإغراقها وبذلك يتم حرمانه من الإمدادات الاستراتيجية فى أثناء الحرب.
وفى حرب أكتوبر كان أمامنا مسرحان للعمل هما مسرح البحر الأبيض من الإسكندرية إلى إسرائيل ومسرح البحر الأحمر من برديس ورأس بناس حتى آخر البحر الأحمر.
وبالنسبة لترتيب عمل الغواصات فإن ثلثها يدخل المعركة فى وقت الحرب والثلث الثانى يخصص للتدريب. أما الثلث الأخير فيكون دائما مستعدا للعمليات التى قد يكلف بها فى أية لحظة وكاني هذا النظام يطبق فى روسيا وألمانيا نظرا لآن الحرب هناك تستمر فترات طويلة، أما عندنا فإن مدى الحرب قصير فإننا قررنا أن ندفع بكل ما نملك من غواصات فى الحرب.
ومن المعروف فى حرب الغواصات أن القوات البحرية عندما تقرر القيام بأية عملية فإنها تصدر منشورا طبقا للقانون الدولى تقول فيه إن المنطقة من كذا إلى كذا محظورة الملاحة حتى تتنبه المراكب المحايدة إلى عدم الدخول فى منطقة الحرب.
وعندما أصدرنا هذا الإعلان حولت إسرائيل كل خطوط مواصلاتها القادمة من غرب أوروبا إلى الدوران من كريت وقبرص وكانت النتيجة أن معدل الملاحة فى إسرائيل انخفض من 100% إلى 6% برغم أننا لم نرسل طوربيدا واحدا للحرب! وكانت اسرائيل وقتها قد شكلت حكومة صغيرة اسمها "حكومة المطبخ" مكونة من رئيسة الوزراء جولدا مائير ووزير الخارجية ووزير الدفاع ومدير المخابرات ومهمتها ادارة الحرب وكانت هذه الحكومة فى اجتماع دائم بشقة خاصة بجولدا مائير عبارة عن غرفة كبيرة ومطابخ صغيرة وكانت جولدا مانير تقوم بعمل القهوة لهم ولذلك أطلقوا عليها، حكومة المطبخ، ، وقال موشى ديان لجولدا مائير.
"المصريون جادون فى حرب الغواصات" فتم إيقاف الملاحة الإسرائيلية عقب هذا الهجوم واستمرت حرب الغواصات حوالى شهر، وذات يوم قال الرئيس السادات فى إحدى خطبه: هناك أناس فى القوات المسلحة عرفوا الحرب قبل ميعادها بعشرة أيام وكان يقصد القوات البحرية لأننا حتى نقوم بعملية التلغيم فى حيفا وأشدود مثلا فلابد أن نجهز الألغام ولابد أن نصل قبل ميعاد الحرب بيوم وكل ذلك سر، وعلينا أن نراعى ظروف بث الالغام والعوامل التى قد تعطل أو تؤخر ذلك وبالطبع فلأبد من معرفة ميعاد الحرب.
هل قمت بعمليات فى حرب 67؟ فى أثناء حرب 67 طلب منى قائد القوات البحرية أن أتحرك بالغواصة ليلا حيث كانت هناك قوات صاعقة شرق بورسعيد أمكنها التغلب على قوات عدو جاءت لاحتلال بورسعيد وكان هذا أول انتصار لنا فى حرب 67 ولذلك فإن قيادتنا كانت ترى أن العدو سوف يرد علينا بضربة جوية وكانت قواتنا مشتبكة مع قوات العدو فى معركة رأس العش في دفاع جوى ولذلك رأت القيادة أهمية الحاجة إلى رادار يعمل كجهاز إنذار مبكر لأى طيران يأتى لعمل ضربة جوية ولم تكن لدينا رادارات فقال لى قائد القوات البحرية: عليك أن تحتل موقعا يبعد 40 ميلا شمال شرق بورسعيد وتقف على سطع المياه وتخرج ايريال الرادار وهو رادار هجوم بالطوربيد حتى أستطيع الإبلاغ عن أى هجوم بالطيران فيتم عمل تجهيزات لمواجهة هذا الطيران.
وأضاف قائد القوات البحرية. هذه عملية انتحارية لأن الغواصة يجب ألا تكون على سطح الماء ولكننا مضطرون الى ذلك وفور أن تبلغ عن هجوم طيران العدو اغطس فى الماء كما تشاء ونفذت الأوامر ووقفت فى المكان المحدد لى على سطع الماء وعندما علمت إسرائيل بموقف الغواصة تحيرت وأمرت جميع مراكبها التجارية أن تمر فى أماكن تبعد 40 ميلا بعيدا عن السواحل المصرية - ماذا تقول عن سلاح الغواصات فى سطور؟ يعد سلاح الغواصات واحد آ من أخطر الأسلحة لأنه يعمل تحت الماء ومن الصعب اكتشافه وتعتبر الغواصات سلاح الدول الفقيرة فهى ليست باهظة التكاليف مثل الطيران كما أنها لا تحتاج الى حماية وتتمتع بحماية طبيعية من الماء وعندما تختفى لا يستطيع أحد أن يحدد مكانها وتظل تحت الماء حتى تصل إلى هدفها فى ميناء العدو.
وحتى سنة 1956 لم تكن مصر تمتلك غواصات وكانت أمنية حياتنا كضباط فى البحرية أن نرى الغواصة التى نشاهدها فى أفلام السينما فقط.
ودخلت الغواصة مصر سنة 57 عقب صفقة الكتلة الشرقية التى عقدها الرئيس جمال عبدالناصر وكانت هذه أول صفقة لسلاح روسى تدخل مصر وتمت هذه الصفقة فى سرية تامة وتم تدريب أطقم الغواصة فى بولندا زيادة فى السرية وبعد أن أحضرنا الغواصات سنة 57 عملت فيها كضابط طوربيد برتبة نقيب وكان قائد الغواصة هو الدكتور جمال مختار رئيس الاكاديمية العربية للنقل البحرى حاليا، وتعتبر الغواصة فى تشكيلات القوات المسلحة من الأسلحة ذات الصفة الاستراتيجية وليست الصفة التعبوية أو التكتيكية، ولذلك فهى تحتاج إلى مستوى عال من القيادة لأنها تعمل تحت الماء وتضرب المراكب على صوت "الرفاص"، دون أن تراها ومن ثم فإنها من الممكن آن تضرب مراكب محايدة وتتسبب فى دخول الدول أصحاب هذه المراكب الحرب مثلما حدث فى الحرب العالمية الثانية ولذلك فإن قيادة الغواصة وقت الحرب تكون فى يد قائد القوات البحرية ويكون قائد الغواصات مستثمارا لقائد القوات البحرية. 

المصدر

http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?****=1148855&eid=11738