تابع-
6. الدروس المستفادة من حرب يونيه 1967بالرغم من أن الدروس المستفادة من حرب 1967 هي في مجملها نفس دروس 1956، فإن الحقيقة الساطعة، من تلك الجولات، تتمثل في أن الفرد المقاتل، هو العامل الرئيسي والهام، في حسم النتائج، إذ ما جدوى تكدس السلاح والعتاد من كل الأنواع، والذي يثقل كاهل الشعوب بأثمانه الباهظة، إضافة إلى تكاليف تشغيله، التي قد تفوق ما يدفع ثمناً له؟ ويتضح هذا جلياً بدراسة ميزانيات التسليح للدول العربية، ومقارنتها بميزانية التسلح في إسرائيل.
فعلي سبيل المثال، امتلكت مصر عدداً، لا بأس به، من بطاريات صواريخ سام المضادة للطائرات، ودخلت بها حرب 1967، من دون أن تكون لها أي فاعلية تذكر، ويرجع السبب، إلى أن هذه الكتائب وأطقم تشغيلها لم تكن على أي دراية بأسلوب الاشتباك مع الأهداف، التي تطير على ارتفاعات منخفضة، ومنخفضة جداً، والقائمة بالتداخل.
ويمكن إجمال الدروس المستفادة، التي ستكون الدليل لعمليات البناء والتطوير، في الآتي :
أ. انعدام التكامل والتعاون، بين عناصر الدفاع الجوي المختلفة، من رادار، وإنذار، ومقاتلات، ومدفعية، وصواريخ مضادة للطائرات، بمختلف أنواعها، وحرب إلكترونية، وضرورة خضوع هذه العناصر لقائد واحد.
ب. يجب الأخذ في الاعتبار، عند بناء قوة دفاع جوي، أن تكون قادرة على مجابهة الهجمات الجوية، على الارتفاعات المنخفضة والمنخفضة جداً، ومن اتجاهات متعددة، وتحت ظروف استخدام العدو لوسائل الإعاقة الرادارية، بأنواعها.
ج. عدم كفاية معلومات الإنذار؛ بسبب قلة أجهزة الرادار، وتقادمها، وضعف إمكانياتها لمجابهة الإعاقة الرادارية، أو اكتشاف الأهداف، التي تطير على ارتفاعات منخفضة، كذا أدى النقص في الأجهزة الإشارية، وسوء حالتها، إلى عدم انتظام وصول البلاغات، إلى الوحدات المستفيدة، في التوقيت المناسب. ويكفي أن منطقة سيناء والمنطقة الشرقية، لم يخصص لهما سوى كتيبة رادار واحدة، على رغم امتدادهما الشاسع، واحتمال اقتراب العدو من اتجاهها.
د. ضرورة وجود نظام كفء للقيادة والسيطرة، يضمن استمرار السيطرة على القوات مركزياً، ولا مركزياً، والتدريب على المواقف الطارئة في أثناء سير المعركة.
هـ. ضعف المستوى الفني والتكتيكي لقوات الدفاع الجوي، بسبب النقص الكبير في الضباط، وحداثة خدمة الموجودين بالخدمة، كذلك ظهر النقص الكبير، في قطع الغيار، الخاصة بأجهزة الرادار.
و. عجز الإنذار الجوي العام، عن تغطية الارتفاعات المنخفضة بكفاءة، يمكن الاعتماد عليها، مع أنه كان يمكن التغلب على هذا القصور، بوسائل متيسرة، مثل نقط المراقبة الجوية بالنظر وسفن البحرية المزودة بالرادار.
ز. عدم كفاية وحدات المدفعية المضادة للطائرات، المكلفة بالدفاع المباشر عن القواعد الجوية والمطارات، حيث تم تخصيص سرية أو سريتي رشاشات مضادة للطائرات، لكل قاعدة، بينما أقل قدر منها لا يقل عن 6 - 8 سرايا، لتكون مؤثرة.
ح. أظهر التأثير البالغ لنقص المعلومات والاستطلاع ،على سير العمليات، سواء بالنسبة للقوات الجوية والدفاع الجوي، أو باقي أفرع القوات المسلحة.
ط. عدم الاهتمام بالتجهيز الهندسي، أدى إلى زيادة الخسائر، في المعدات والأفراد.
ي. ثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الضربات الجوية المفاجئة، لها تأثير حاسم على نتيجة الحرب، لذا يحاول كل جانب، في أي جولة، أن يمتلك زمام المبادرة، بتوجيه الضربة الأولى، ومن الطبيعي أن يكون الإجراء الرئيسي، لتقليل تأثير هذه الضربة، هو أن تكون وسائل الدفاع الجوي الأرضية والمقاتلات الاعتراضية، على أعلى درجة من الاستعداد القتالي، وهو الأمر الذي يتعذر عملياً، فتشغيل معدات الدفاع الجوي، بصفة مستمرة، يعني سرعة استهلاكها، كما لا يمكن لدولة، مهما بلغت إمكانياتها، الاحتفاظ بمقاتلاتها الاعتراضية، في وضع المظلة، بصفة دائمة. وفي الوقت، الذي لا يمكن فيه المخاطرة، بتلقي ضربة جوية، من دون استعداد كامل، فإنه يتعذر عملياً الاحتفاظ بوسائل الدفاع الجوي الأرضية، والمقاتلات في أعلى درجة استعداد، بصفة مستمرة. ويرى خبراء الدفاع الجوي، أنه ليس مطلوباً، من وسائل الدفاع الجوي، أن تكون في أعلى درجات الاستعداد، بصفة دائمة، ولكن ذلك مطلوب فقط، في الوقت، الذي ينتظر أن يقوم العدو فيه بتوجيه ضربة جوية مركزة، ويقع عبء معرفة هذا التوقيت، على أجهزة الاستطلاع والاستخبارات.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
7. أوضاع الدفاع الجوي، بعد حرب 1967
أ. المهام القتالية لقوات الدفاع الجوي
من دروس الحروب السابقة، أصبح واضحاً، أن قوات الدفاع الجوي ستتحمل العبء الرئيسي، في الدفاع الجوي، وتحددت المهمة، في عبارة واحدة، وهي "حرمان العدو من تفوقه الجوي"، وهذا يعني، في المقام الأول، توفير الدفاع الجوي عن مصر ومسارح عملياتها، التي تزيد مساحتها عن مليون كم مربع، وعلى أقل وأكبر ارتفاعات، يمكن أن تطير عليه الطائرات، ليلاً ونهاراً، وتحت تأثير استخدام العدو لأسلحة الجو الحديثة، وأعمال الإعاقة الإلكترونية، بكل أنواعها. أصبحت المهام جساماً، والسلاح لا يكفي لوضع أي خطة فعالة، أو بناء منظومة متكاملة متماسكة، وأوضحت الدراسات أن البناء الجيد، يجب أن يقوم على دعامتين رئيسيتين:
(1) الحصول على أسلحة ومعدات جديدة، بالكم والنوع المناسبين؛ لمواجهة التحدي الجوي الإسرائيلي.
(2) وتحقيق أقصى عائد، مما لدينا، بكل الطرق الممكنة، سواء بإدخال تعديلات فنية على الأسلحة والمعدات، أو رفع مستوى الاستخدام بالتدريب الواقعي، وابتكار أساليب جديدة.
ووضعت مبادئ أساسية لتحقيق هذا الهدف، أهمها دراسة القوات الجوية الإسرائيلية، دراسة تفصيلية، ومتابعة كل المتغيرات، التي تطرأ على هذا السلاح، سواء في النوع، أو الكم ، ومن ثم الخروج بمعطيات رئيسية لهذا السلاح الجوي، تتلخص في الآتي:
(1) يمتلك السلاح الجوي أعداداً كبيرة من الطائرات الحديثة، ذات الحمولات، والمدى الكبيرين.
(2) التخطيط لأعمال القتال، يتم بأسلوب علمي متطور ومبتكر.
(3) توافر أعداد كبيرة من الطيارين، بواقع طيارين لكل طائرة، تقريباً، يتمتعون بكفاءة عالية في التدريب، خاصة الطيران على الارتفاعات المنخفضة، والمنخفضة جداً.
(4) معظم الطائرات مزودة بأجهزة حرب إلكترونية، للشوشرة والإعاقة، على رادارات الإنذار، ومحطات توجيه الصواريخ المضادة للطائرات، علاوة على استخدام الإعاقة الإلكترونية بقدرات عالية من المحطات الأرضية.
(5) توافر أنواع متطورة من أسلحة الجو الحديثة، خاصة أسلحة الخمد المضادة للدفاع الجوي.
(6) التركيز على جمع المعلومات التفصيلية والدقيقة، عن القوات المصرية والعربية، وأماكن تمركزها، ونظام العمل اليومي، السائد فيها، خاصة القوات الجوية والدفاع الجوي، كما اهتمت باستطلاع ترددات أجهزة رادار الإنذار، وقيادة نيران المدفعية، وتوجيه المقاتلات، ومحطات توجيه الصواريخ. ب. وحدات الصواريخ و المدفعية المضادة للطائرات
وتتمثل في مجموعة كتائب الصواريخ الثابتة المضادة للطائرات، من نوع سام 2، لا تتعدى العشرين كتيبة، غير قادرة على الاشتباك، مع أهداف ذات ارتفاع، أقل من ألف متر، وغير مجهزة بأي وسائل للتعامل مع الأهداف القائمة بالتداخل، بالإضافة إلى مجموعة من الأفواج والكتائب، التي تعتمد في تسليحها على المدافع الروسية الصنع، من الأعيرة 14.5 مم، 37 مم، 57 مم، 85 مم، 100 مم. وكانت هذه الوحدات تعـاني من العجز الشديد، في الحجم، مقارنة بالعدائيات الجوية، التي تواجهها، وكذا بأعداد الأهداف العسكرية والحيوية، التي يجب عليها حمايتها، كما أن إمكانياتها القتالية لم تكن تصلح، لمواجهة الطائرات الحديثة؛ للأسباب الآتية:
(1) عدم دقة أنظمة قيادة النيران، وانخفاض معدل النيران.
(2) عدم وجود أجهزة رادار تكتيكية، مما يؤثر على سرعة التخصيص.
(3) معظم المدافع من النوع المقطور، الذي لا يحقق خفة الحركة.
(4) حجم الوحدات لا يحقق توفير الإمكانيات القتالية، المطلوبة لتوفير الحماية عن التجميع الرئيسي للقوات البرية، ولا يحقق الدفاعَ الجوي المتكامل فيما بينها.
(5) النقص الكبير في الضباط والدرجات، وضعف تدريبهم الفني والتكتيكي. ج. الاستطلاع ومعلومات العدو الجوي
تعتبر معرفة العدو من أهم عوامل النجاح، في التصدي له، فالوقوف على خطط العمليات، والتكتيكات، والأساليب، التي يتبعها العدو الجوي ضرورية، عند وضع الخطط والأساليب المضادة.
وقبل حرب 1967، كانت المعلومات عن القوات الجوية الإسرائيلية، قليلة القدر، وتقتصر على أعداد الطائرات، وأماكن تمركزها، ولم تكن تصل إلى كثير من الوحدات المتخصصة، كما لم تحظ بالتحليل والدراسة. وكان هناك نقص كبير، في المعلومات الهامة، عن عدد الطيارين ونسبة الطيارين إلى عدد الطائرات، مما يصعب معه تحديد المجهود الجوي المنتظر، كذلك لم تتوفر معلومات دقيقة، عن خواص الطائرات، والأجهزة المتوافرة بها، سواء أجهزة الملاحة، أو أجهزة التسديد والتصويب، أو التسليح الموجود بالطائرات، خاصة أسلحة الجو الحديثة، كذلك لم تكن هناك معلومات، عن الخطط، وأساليب الاقتراب، والهجوم، أو نظم السيطرة والتوجيه الإلكترونية، والمساعدة على الطيران.
د. الاستطلاع والإنذار
(1) كانت إمكانيات الحقل الراداري، المتيسر في الاكتشاف والتبليغ عن الأهداف الجوية "معادية ومتحابة"، ضعيفة جداً، بالنسبة إلى عدد الأهداف، التي يمكن الإبلاغ عنها، في نفس الوقت، ولم يكن هذا الحقل الراداري متصلاً، أي أنه لا يغطي كل الأراضي المصرية، مع ضعف إمكانياته في اكتشاف الأهداف المنخفضة، إلى أقل من 500 متر. (2) عدم القدرة على مجابهة الأعمال الإلكترونية المضادة؛ بسبب قلة الأجهزة وتباعدها.
(3) ضعف شبكة المراقبة الجوية بالنظر، وعدم تغطيتها لاتجاهات الاقتراب الرئيسية، من الشمال والشرق، وكان هناك نقص شديد في الأفراد، والأجهزة الإشارية.
(4) أدى ضعف الحقل الراداري للإنذار، وبالتالي الحقل الراداري لتوجيه المقاتلات، وعدم وجود حاسب إلكتروني للتوجيه، إلى تقليل إمكانيات توجيه المقاتلات، مما أضعف الاستخدام الكامل لإمكانيات المقاتلات، في الحشد، والمقاومة لمواجهة الهجمات الجوية.
(5) بالرغم من وجود نظام للسيطرة والتبليغ، عن التحركات الجوية؛ لتأمينها من عناصر الدفاع الجوي، فإن هذا النظام لم يكن على الدرجة المطلوبة، من السرعة والدقة، كما أن التزام الطائرات بتوقيتات الطلعات وخطوط السير والارتفاع، لم يكن منضبطاً بالقدر المطلوب، وقد تسبب هذا في حدوث بعض الاشتباكات الخاطئة، بين عناصر الدفاع الجوي، وبعض الطائرات المتحابة، عند حدوث اختراقات جوية معادية.
هـ. قدرة نظام الدفاع الجوي على الصمود
صمود أي نظام دفاع جوي، هو قدرته على الاستمرار، في أداء مهامه القتالية، تحت ظروف مهاجمة العدو، بالضربات الجوية، تحت استخدام أعمال الإعاقة الإلكترونية بأنواعها، وأسلحة الخمد. ولزيادة قدرة أي نظام دفاع جوي على الصمود، يتحتم توافر الآتي:
(1) شبكة من المواقع الحصينة، التي توفر الوقاية من القصف الجوي.
(2) شبكة من المواقع التبادلية، التي تمكن من تنفيذ خطط للمناورة.
(3) السيطرة المستمرة على الترددات، وتنظيم خطة للإشعاع الراداري؛ لحرمان العدو من تحقيق مكاسب من استطلاعه الإلكتروني.
(4) التخطيط لإجراءات فنية وتكتيكية؛ لمجابهة أسلحة الجو الحديثة، خاصة أسلحة الخمد.
(5) خطة خداع على كل المستويات تكتيكية، وتعبوية، وإستراتيجية.
و. نظام التامين الفني
تحتاج معدات الدفاع الجوي إلى مستوى علمي متميز، من المهندسين، والكوادر الفنية؛ للمحافظة على كفاءتها الفنية، ومن ثم كفاءتها القتالية، ولم تكن هناك ورش متخصصة لأعمال الإصلاح وإجراء العمرات، وكان الاعتماد على بعض العناصر، من المهندسين من أطقم قتال الوحدات، وعلى رغم كفاءة أطقم الإصلاح، فإنها كانت تواجه كثيراً من الصعوبات؛ بسبب قلة قطع الغيار، خاصة الحرجة منها، وكذا افتقارها إلى أجهزة القياس المتطورة، التي تقلل من زمن إصلاح الأعطال.وأصبح تطوير وسائل التامين الفني، في غاية الأهمية، خاصة بعد ازدياد ساعات التشغيل؛ نتيجة لوجود المعدات في حالات استعداد قتالي متقدمة، بسبب ظروف العمليات.
ز. التدريب
كان مستوى التدريب الفني والقتالي لكتائب الصواريخ ووحدات المدفعية، على درجة عالية، وذلك طبقاً لبرامج التدريب المخططة، وطبقاً للمقاييس المحددة بالمراجع، والدورات التدريبية، ولكن هذه البرامج كانت قاصرة، وأغفلت الكثير من الموضوعات العملياتية الهامة، مما أدى إلى ضعف المستوى القتالي، ومن الموضوعات الحيوية، التي أغفلتها برامج التدريب:
(1) عدم تدريب أطقم القتال لكتائب الصواريخ، على الاشتباك مع الأهداف القائمة، بالإعاقة الرادارية، ولم تتوافر المقلدات، اللازمة لتمثيل مثل هذه المواقف الجوية.
(2) عدم التدريب على المواقف الطارئة، في أثناء القتال، وعدم إلمام أطقم مراكز القيادة، بأسلوب القيادة اللامركزية، في أثناء صد الهجمات الجوية المفاجئة، أو التي تتم، بأعداد كبيرة من الطائرات، بما يتعذر معه تخصيص المهام مركزياً، في المستوى الأعلى.
(3) الافتقار إلى أسلوب متكامل، لتنظيم التعاون مع المقاتلات، مما أدى إلى العمل بأسلوب المناطق، وهنا يهدر الكثير من الطاقات القتالية، لكل من الدفاع الجوي والمقاتلات، وقد ساعد على هذا، ضعف المواصلات الإشارية، وعدم كفاءة نظام التعارف.
(4) عدم التدريب على أهداف حقيقية في أثناء المشروعات التعبوية والتكتيكية.
(5) ضعف إمكانيات ميدان الرماية، حيث لم تتوافر أهداف متطورة للرمي عليها، وكان الرمي يتم على هدف عاكس ركني، يسقط بمظلة، بما لا يمثل أي واقعية، لأنه يكاد يكون هدفاً ثابتاً.