بعد مرور أكثر من عامين على الثورة الليبية، التى أطاحت بالعقيد الراحل معمر القذافى، باتت ليبيا مهددة بالتقسيم والتفتيت، حيث تسعى الكثير من القبائل إلى تكوين فيدراليات، وكان آخرها إعلان برقة إقليماً اتحادياً فيدرالياً، ما يهدد بدخول ليبيا إلى دوامة من العنف والحرب الأهلية، ويثير تساؤلات كثيرة حول مستقبل البلاد واستقرارها، وينطوي على مخاطر خروج الأقاليم الأخرى عن السلطة المركزية.
وترك إعلان برقة عن حكمها الذاتى، بناء على قرار مشايخ القبائل، وكبار مسؤولى مدينتى بنغازى، وأجدابيا، وبقية المدن الواقعة شرق البلاد، حالة من الجدل الشديد، فالسلطات تنظر بهدوء إلى ولادة الإقليم المستقل، الممتد من الحدود مع مصر حتى سرت غرباً حتى الجنوب، فيما تباينت الآراء، بشأن الإعلان، خاصة لدى الكتل السياسية بالمؤتمر الوطنى العام «البرلمان»، ورأى البعض أن الإعلان «ضربة استباقية»، فى إشارة إلى قرب موعد الاستحقاق الدستورى، وسيجر ليبيا إلى حرب أهلية، فيما رأى البعض الآخر أنه ليس بيان انفصال.
ويرى محللون أن إعلان برقة أحادى الجانب، ويدخل البلاد فى نفق مظلم لأنه يطالب بنافصالها إدارياً وأن تكون لها موازنتها الخاصة وقوات جيش خاصة بها، ووصف الكاتب السياسى إدريس بن الطيب، الإعلان بأنه «حماقة» و«عبث» بمصير البلاد والعباد، وأضاف أن أصحاب هذه التوجهات هم شخصيات من النظام السابق، وتجار لهم طموحات سياسية دون تاريخ سياسي. ويتخوف البعض من أن يصبح الإقليم «شوكة فى ظهر الدولة»، ويساعد على زعزعة أمنها، بفعل القوى الخارجية، ويرجع مراقبون الإسراع بإعلان إقليم برقة إلى سعى قبائل الشرق للاستئثار بالثروة النفطية الموجودة فى المنطقة، مستغلين حالة الفوضى الراهنة، وضعف الحكومة.
وتتمتع برقة بأهمية حيوية لليبيا، وتحتوى على نحو 80% من احتياطيات النفط والغاز فى البلاد، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي بسبب امتدادها الواسع على الساحل الليبى، والذى يقع نحو 60% منه فى هذا الإقليم، كما يضم 5 موانئ لتصدير النفط، وتحتوى على 3 مصاف للنفط من أصل 5 فى ليبيا. وتشكل المميزات التى تتمتع بها برقة، نذيراً لاندلاع موجة عنف جديدة فى ليبيا، وبالنظر إلى استمرار انتشار الميليشيات فى مناطق كثيرة فى البلاد الآن، فإن إعلان برقة حكمها الذاتى، قد يفتح الباب أمام قبائل أخرى، ويشجعها على اتخاذ خطوات مماثلة.
وتأتى هذه التطورات فى وقت تواجه فيه الحكومة تحدى مجموعات الثوار، ورفض المسلحين تسليم أسلحتهم، أو إخلاء المبانى التى يسيطرون عليها فى العاصمة، فطرابلس، لاتزال تحت سيطرة الثوار الذين تحولوا إلى ميليشيات، ويرفضون دعوات الانخراط فى القوات النظامية، فيما تمارس مصراتة، شرق العاصمة، الحكم الذاتى بشكل فعلى، منذ الإطاحة بالنظام السابق. وتدفع عدم قدرة الدولة الليبية الجديدة على فرض سيطرتها فى مواجهة الميليشيات المسلحة، القبائل إلى التفكير فى آليات أخرى للحفاظ على مصالحها، فقد حاربت الميليشيات لإنهاء حكم القذافى، الذى استمر 42 عاما، لكن وحداتها المدججة بالسلاح بقيت تجوب الشوارع، ولا تستجيب إلا لأوامر قادتها، وترفض سلطة الحكام الجدد.
وشهدت مدينة بنغازي، الأسبوع الماضي، اشتباكات أمام مقار قوات درع ليبيا، بين متظاهرين رافضين تواجد هذه القوات، ومطالبين بتسليم مقرهم للجيش، وبين تلك القوات، التى تؤكد رئاسة أركان الجيش الليبى أنها تابعة لها، وتستخدم كقوة إحتياطية، ما أدّى إلى مقتل 31 شخصاً وإصابة العشرات بجروح، واستقال على أثرها، رئيس الأركان يوسف المنقوش. وطالب رئيس الأركان الجديد المسلحين بضرورة الالتحاق بالجيش النظامى، بعد قرار المنقوش الجيش بالسيطرة على 4 وحدات لقوات «درع ليبيا". وتنذر المبادرات نحو الفيدرالية بتحولها إلى مشاريع انفصالية، تكرس الفوضى المنتشرة فى ليبيا، ما بعد القذافى، فضلاً عن إشاعة أجواء العداء الذى زرع الزعيم الراحل بذوره، عبر ممارسات الإقصاء، والتهميش لمناطق بعينها على حساب مناطق أخرى، الأمر الذى يهدد مستقبل وآمال البلاد فى إقامة دولة واحدة ديمقراطية.
http://www.libya-al-mostakbal.org/news/clicked/35522