انتقد الكاتب الصحفي فهمي هويدي ازدواجية المعايير التي تعاملت بها وسائل الإعلام المصري للانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة للحدود المصرية والتي أسفرت عن إصابة عدد من قوات الأمن المصري بجروح وتعاملت معها الصحافة المصرية بهدوء شديد يدعو إلى الاندهاش.
ففي الوقت نفسه التي أقامت الدنيا ولم تقعدها عند تناولها لخبر استشهاد الرائد ياسر فريج أثناء محاولة بعض الفلسطينيين عبور الحدود المصرية حرصت تناول خبر الاعتداءات الإسرائيلية بهدوء شديد.
وكان واضحاً فيها أنها حرصت على الإيحاء بأن إصابة الضابطين والطفلين كانت على سبيل الخطأ وليس العمد، وذهبت إلى أبعد حيث حاولت تغطية ما جرى وتبريره.
أكد هويدي في مقاله بصحيفة الرؤية الكويتية الكيفية أن التوجيه الإعلامي حرص على تهدئة المشاعر للغاية في حالة القصف الإسرائيلي الذي أدى إلى إصابة الضابطين والطفلين المصريين، في حين عمد إلى الإثارة والتحريض في حادث مقتل الضابط .
وهو ما يؤكد أن القائمين على هذا التوجيه يعتبرون أن ما صدر عن إسرائيل كان قصفاً لنيران صديقة، إما الفلسطينيون وحماس بالذات فلهم شأن آخر تاركاً للقارئ مطلق الحرية في اختيار الوصف الذي يراه مناسباً " وفيما يلي نص مقال فهمي هويدي "نيران صديقة ".
بكل احتشام وأدب مهني جم نشرت «الأهرام» على صفحتها الأولى أن ضابطين من قوات الأمن المركزي المصرية المرابطة على الحدود مع قطاع غزة أصابتهما شظايا القصف الصاروخي المكثف الذي استهدف الشريط الحدودي، كما أن القصف أصاب طفلين مصريين أحدهما عمره سنتان والأخر خمس سنوات، وأدى إلى تصدع وتهديم بعض المنازل في رفح المصرية، وذكر الخبر المنشور إن الضربات استهدفت أنفاقاً على بعد 400 متر على الحدود المصرية.
المعلومات التي أوردها خبر «الأهرام» تجاهلت تفاصيل أخرى، منها مثلاً أن الشظايا الإسرائيلية أصابت الضابطين المصريين إصابات خطيرة في الرأس والظهر، وأن الطائرات الإسرائيلية في غاراتها اخترقت المجال الجوي المصري مرات عديدة.
كما ذكرت وكالة "رويترز" ومحطة "سي.ان.ان" ، وأن المتحدث باسم وزارة الحربية الإسرائيلية رفض التعليق على هذه المعلومات.
لا أعرف إن كان تجاهل تلك المعلومات تم بسبب السهو أو العمد، لكن الشاهد أن صياغة «الأهرام» وكذلك بقية الصحف القومية بدت شديدة الهدوء، وكان واضحاً فيها إنها حرصت على الإيحاء بأن إصابة الضابطين والطفلين كانت على سبيل الخطأ وليس العمد، وذهبت إلى أبعد حيث حاولت تغطية ما جرى وتبريره، حيث ذكرت أن عملية القصف الإسرائيلي استهدفت أنفاقا على بعد 400 متر من الحدود المصرية.
وهو ما يعطي انطباعاً بأن الطائرات الإسرائيلية لم تخترق المجال الجوي ولم تعتد على السيادة المصرية، رغم أن وكالة «رويترز» نقلت عن شهود في رفح المصرية أنهم شاهدوا بأعينهم الطائرات الإسرائيلية التي كانت تطير فوق بيوتهم على ارتفاع منخفض، وذكرت أن هؤلاء الأشخاص طلبوا عدم ذكر أسمائهم حتى لا يتعرضون لبطش أجهزة الأمن المصرية.
إذا قارنت الكيفية التي عولج بها الحدث في الإعلام المصري بالطريقة التي قدم بها خبر مقتل ضابط الشرطة الشهيد الرائد ياسر فريج أثناء محاولة بعض الفلسطينيين عبور الحدود المصرية، فسوف ترى عجباً، إذ ستلاحظ على الفور إن التوجيه الإعلامي حرص على تهدئة المشاعر للغاية في حالة القصف الإسرائيلي الذي أدى إلى إصابة الضابطين والطفلين المصريين، في حين عمد إلى الإثارة والتحريض في حادث مقتل الضابط المصري، إذ ربما تذكر أن قتل الضابط تم على سبيل الخطأ، أثناء عبور بعض الفلسطينيين للحدود وتبادل بعضهم إطلاق النار مع عناصر الشرطة المصرية، ما أدى إلى قتل واحد منهم وإصابة عشرة.
وهي التفاصيل التي أثبت ورودها في أول نشر للخبر، كما أثبت الكيفية التي تدخل بها التوجيه الأمني بسرعة، بحيث عمم على وسائل الإعلام المصرية صياغة مختلفة تماما سممت الخبر، وكان واضحا فيها الحرص على إثارة الرأي العام وتأجيج مشاعر المصريين ضد حركة حماس تحديداً.
فالفلسطينيون الذين تبادلوا إطلاق النار مع الشرطة المصرية لم يعودوا فلسطينيين عاديين، ولكنهم تحولوا في الصياغة المستجدة إلى كوادر من حماس، جاؤوا ملثمين، بتعليمات من قيادة حماس، وترصدوا الضابط وقتلوه عمدا بدم بارد، وأرادوا بذلك إثارة الفوضى على الحدود، ولم تشر الصياغة الأمنية إلى قتل الشاب الفلسطيني ولا إلى إصابة زملائه العشرة، أثناء الاشتباك الذي حدث، لكي لا يُفهم أن قتل الضابط تم أثناء تبادل لإطلاق النيران بين الجانبين.
لا يحتاج المرء إلى جهد لكي يدرك ان الرفق الشديد مقصود في عرض خبر القصف الإسرائيلي، على نحو أدى إلى حد غض الطرف عن الاعتداء على السيادة المصرية، والتأكيد على الخطأ في الموضوع مع تبريره واغتفاره، بالقدر ذاته فإن تعمد الدس والكيد والإثارة ضد حماس كان واضحا في تلويث خبر اشتباك مجموعة الفلسطينيين مع شرطة الحدود المصرية.
ولا تفسير لذلك سوى أن القائمين على اللعب في الأخبار اعتبروا أن ما صدر عن إسرائيل كان قصفا لنيران صديقة، إما الفلسطينيون وحماس بالذات فلهم شأن آخر، اترك لك أن تختار الوصف المناسب له، بحريتك وعلى مسؤوليتك!
انا وضعت هذا المقال لاوضح كيف بانفسنا نصنع حالة الاستقطاب بيننا ونصنع من اخوتنا اعدائنا .