أكاديمي مصري يعيد إلى الأذهان ما كشفه الرئيس عرفات قبل ربع قرن وذهب إلى النسيان بعد ذلك عن خارطة إسرائيل الكبرى على القطعة النقدية من فئة "10 شيكل"!؟لندن، الحقيقة(خاص من : مازن ابراهيم): في حلقة اليوم من برنامجه الأسبوعي "لعبة الأمم"، الذي تبثه قناة "الميادين"، استضاف سامي كليب الأكاديمي المصري الدكتور ابراهيم نصر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة. وخلال الحلقة، أظهر الدكتور نصر الدين خارطة لـ"إسرائيل الكبرى" مطبوعة على ورقة، مؤكدا أنها نسخة عن الخارطة الموجودة على العملة النقدية الإسرائيلية. وربط الدكتور نصر الدين بين الأحداث الجارية الآن في مصر والمشرق العربي وبين المطامع الإسرائيلية، لاسيما الأماكن التي يجري تسخينها من قبل واشنطن وحلفائها من الأخوان المسلمين وعضابات الإسلام السياسي الأخرى في سيناء والأردن و سوريا وغرب العراق، داعيا السعوديين إلى التنبه لحقيقة أن حدود هذه الخارطة تصل تخوم "المدينة المنورة" . وكان يشير بذلك ضمنا، دون تصريح، إلى أن للعقيدة الصهيونية ، القائمة على الفكر الخرافي التوراتي كمستند أيديولوجي، مطامع تصل حتى منطقة "خيبر" الواقعة على بعد 150 كم إلى الشمال من "المدينة المنورة"، والتي كانت أحد معاقل اليهود العرب حتى تدميرها.
غير أن كليب شكك في حقيقة أن تكون هناك خارطة من هذا النوع ، وأوحى لمشاهديه بأن الأمر قد يكون على علاقة بـ"نظرية المؤامرة"! وعندها أخرج نصر الدين قطعة نقدية معدنية من جيبه وأعطاها لكليب، لكن هذا الأخير، وبدلا من أن يعرضها لجمهور المشاهدين لتأكيد الأمر، وضعها جانبا دون أن يتيح للجمهور التثبت من الأمر أو نفيه، وانتقل إلى موضوع آخر!
أصل الحكاية:
كان أول من لفت الانتباه إلى الخارطة الرئيس الشهيد ياسر عرفات خلال الجلسة الخاصة التي عقدها مجلس الأمن الدولي في جنيف في 25 مايو/ أيار من العام 1990 لمناقشة الوضع الفلسطيني. وكانت المرة الثالثة التي يعقد فيها "المجلس" جلسة خاصة خارج نيويورك منذ تأسيس الأمم المتحدة.
خلال الجلسة، عرض الرئيس الشهيد قطعة نقدية إسرائيلية من فئة "10 أغورا" على المجتمعين لفضح النزعات الصهيونية التوسعية استنادا إلى مفاهيم ومقولات خرافية توراتية، مدعما حديثه بورقة بحثية للبروفيسور "كوين رولي" أستاذ الجغرافيا بجامعة "شيفلد" في بريطانيا وعدد آخر من الجامعات الأوربية والأميركية كان نشرها في عدد أيلول / سبتمبر 1989 من "المجلة الجغرافية"، المعروفة بأبحاثها الجغرافية والجغرا ـ تاريخية الأكاديمية ، تحت عنوان"منظورات توسعية بشأن النطاق المساحي لإسرائيل :تقويم تفصيلي". وعرض البروفيسور رولي في سياق بحثه صورة لقطعة نقدية إسرائيلية من فئة "10 أغورا" تظهر عليها الخارطة المشار إليها ، والتي تضم ـ فضلا عن فلسطين التاريخية ـ كلا من الأردن وسوريا والعراق وجزءا من الجزيرة العربية يصل إلى منطقة"خيبر"، وجزءا من مصر يصل حتى الإسكندرية غربا و "مثلث حلايب" على الحدود المصرية ـ السودانية جنوبا عند البحر الأحمر
حديث الرئيس عرفات ، وهذا ما لا يبدو أن سامي كليب أو قناة"الميادين" سمعا به من قبل، حظي في حينه بتغطية عالمية لافتة وأثار ضجة في الأوساط الصحفية والأكاديمية ، إلى حد أن الدولة العبرية استنجدت بكبار أساتذة جامعاتها ، فضلا عن كبار موظفي بنك إسرائيل المركزي، للرد على الرئيس الشهيد ، بما في ذلك التطاول على البروفيسور رولي الذي اتهم ،كالعادة، بمعاداة السامية ( وعلى طريقة المعارضة السورية باتهام كل من ينتقدها بأنه "شبيح")، و تعرض لردود فعل عنيفة وغاضبة من قبل الأوساط الأكاديمية الصهيونية والمتصهينة حول العالم. وكان جوهر الردود يتركز حول أطروحة مفادها أن طبع هذه الخارطة على قطعة نقدية "ليس أكثر من تقليد لنقش أثري قديم وجد على على قطعة نقدية قديمة"! لكن الأمر لم يكن بالإمكان تغطيته بادعاء من هذا القبيل، فالنقش القديم ، الذي تحدث عنه هؤلاء، ليس في الواقع سوى "نقش يهودي" يعود إلى العقد الرابع قبل الميلاد، أي الفترة التي تسميها إسرائيل فترة حكم"آخر ملوك المملكة العبرية في يهودا، أنيغونوس الثاني ماتيتياهو"، أو "المملكة الحشمونية".والدليل على أن وضع الخارطة على القطعة النقدية ليس مجرد تقليد لنقش قديم هو أن النقش ـ في أصله القديم ـ يتضمن الشمعدان سباعي الأفرع، الذي يعتبر شعار الدولة العبرية الحالية!( انظر الصور المرفقة). وبتعبير آخر: إن إقدام البنك المركزي الإسرائيلي على طبع هذا النقش على قطع نقدية إسرائيلية يتصل بما يعتبر في "الوجدان الجمعي الصهيوني" جزءا من الأيديولوجيا الصهيونية التي تعتبر نفسها وريثا لجميع يهود العالم ، رغم أنهم ينتمون إلى قوميات وأثنيات لا حصر لها، ولا يجمعهم أي جامع قومي ـ عرقي إلا حين يتعلق الأمر بيهود ينحدرون من قومية واحدة، كاليهود العرب واليهود البولنديين واليهود الروس ويهود تركيا ..إلخ.
تبقى الإشارة أخيرا إلى أن البنك الإسرائيلي كان وضع نقش الخارطة ليس على القطة النقدية من فئة"10 أغورا" فقط، بل وعلى القطعة النقدية من فئة"100 شيكل / شاقل" أيضا.
المصدر