تعتبر الحرب واحدة من الظواهر الحتمية في حياة الإنسان. و لأن الحرب كذلك فقد استحوذت على اهتمام كثيرمن المفكرين والدارسين الذين حاولو الوصول إلى استنتاجات ومبادئ وقوانين عامة لهذه الظاهرة المعقدة من خلال الدراسة المقارنة لتجارب الحروب الإنسانية على مختلف انماطها.
وظهرت مؤلفات في هذا المجال قبل أكثر من ست وعشرين قرنا على يد بعض العسكريين الصينيين تليها مؤلفات أخرى لعسكريين ومفكرين اغريق ورومان وعرب وأوروبيين تناولت جميعها بعض المفاهيم والمبادئ الأساسية والتفصيلية للحرب. مما نتج عنه نشوء فرع جديد من فروع المعرفة الإنسانية اصطلح على تسميته (الفن العسكري) أو (الفن الحربي).
وكنتيجة حتمية للتوتر والتوسع الهائل في مجال المعرفة العسكرية قسم الفن العسكري إلى مستويات ثلاثة رئيسيه هي :
1- الإستراتيجية العليا أو الشاملة.
2- الإستراتيجية العسكرية.
3- التخطيط .
غير ان هذا التقسيم الذي اعتمدته المدرسة العسكرية الغربية تقريبا لما يطابق تماما ما اعتمدته المدرسة العسكرية الشرقية.
فقد قسمت المدرسة الشرقية الفن العسكري إلى إستراتيجية وفن عمليات وتخطيط، وقسمه الجنرال أندريه بوفر إلى إستراتيجية وتخطيط وشؤون إدارية. وعرف كلاوتز الإستراتيجية بأنها (فن استخدام المعارك كوسيلة للوصول إلى هدف الحرب) وعرفها مولتكه بانها (اجراء الملائمة العملية للوسائل الموضوعة تحت تصرف القائد للوصول إلى الهدف المطلوب) بينما عرفها ليدل هارت بانها (فن توزيع واستخدام مختلف الوسائط العسكرية لتحقيق هدف السياسة).
وتعكس هذه التعرفات المختلفة الاختلاف بين مفاهيم اصحابها لمعنى الإستراتيجية ومدياتها ووسائلها مما يوحي بان مفهوم هذه الكلمة أو الاصطلاح لم يتبلور بعد في أذهان رواد الإستراتيجية ومفكريها.
والحقيقة ان حداثة فن الإستراتيجية والتطور السريع الذي لحق مفهوم هذا الفن كنتيجة حتمية للتطور الهائل الذي شهدته المعارف والتقنية العسكرية قد وسع مجاله ومداه بحيث أصبح لكل وضع أو مجال سياسي أو اقتصادي أو عسكري أو اجتماعي إستراتيجية خاصةً مما يجعل من العسير إيضاح معنى الإستراتيجية بكلمة أو ببعض كلمات.
ومن خلال استقراء التعريفات السابقة يمكن الوقوف على الفروق بين اصطلاح الإستراتيجية وسواه من الاصطلاحات المقترنة به كالسياسة والتخطيط والشؤون الإدارية.
فقد يختلط مفهوم الإستراتيجية بمستواها الأعلى بمفهوم السياسة.
فالسياسة هي التي ترسم وتحدد الهدف الذي تسعى الأمة أو الدولة لتحقيقه سواء بالسبل العسكرية أو سواها، في حين تعتبر الإستراتيجية العليا الإداة التنفيذية للسياسة أي أنها السياسة في مرحلة التنفيذ أو السياسة في مرحلة الحركة العنيفة أو القابلة للعنف.
ولا يعني هذا أن الحل العسكري هو الحل الوحيد أو الوسيلة اليتيمة أمام الإستراتيجية لتحقيق هدف السياسة بل ثمة وسائل وسبل أخرى سياسية واقتصادية ونفسية ودبلوماسية تسلكها الإستراتيجية للوصول للهدف وإن كان سبيل القوة العسكرية هو الأكثر قوة وحسماً والذي يُلجأ إليه في نهاية المطاف عادة.
وتختلف الإستراتيجية العسكرية عن التخطيط وإدارة الشؤون، في أن التخطيط (فن استخدام الأسلحة في المعركة للوصول إلى المردود الأقصى) كما يقول اندريه بوفر، اي ان حدوده محصورة في الاجراءات والتدابير التي تتخذها القيادة الميدانية على مسرح المعركة أي أنه فن القتال في الميدان.
أما الشؤون الإدارية فهي علم تجهيز وإدامة القطعات أي علم (الحركة والتموين) وهي مع التخطيط تؤمن (تحقيق التعامن المتبادل بين العوامل المادية ويتصفان معا بصفات علمية واقعية تجعلهما مشابهين لفن الهندسة).
اما الإستراتيجية العسكرية فهي فن توزيع واستخدام الإمكانات والوسائل العسكرية المختلفة لتحقيق هدف السياسة بالطريقة المثلى التي تؤمن التوائم بين الإمكانات والهدف وتحقيق اقل قدر من المقاومة لنخططها باستخدام عامل المناورة ويكون التخطيط عادة إحدى الوسائل التي تستخدمها الإستراتيجية العسكرية لتحقيق هدفها.