يوغرطة


يوغرطة ملك نوميديا ولد سنة 160 ق.م ، وتوفي سنة 104 ق.م ، قاد أحد أشهر الحروب ضد الجمهورية الرومانية ، ويقصد بيوغرطة أو يوگرتن أو يوجيرتن في المعجم الأمازيغي : أكبر القوم سنا، أيضا: الذي فاقهم.

يوغرطة: البطل الوطني



لقد بحث صناع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 المجيدة خلال كفاحه المرير ضد من أجل استقلال الجزائر في التاريخ القديم للبلد عن الوسائل الضرورية لتعبئة الجزائريين من خوض الحرب ضد الاستعمار الفرنسي.
و استلهمت هذه الإستراتيجية القائمة على تعبئة السكان باسم الوطنية من رمز نوميديا القديمة الملك يوغرطة، ذلك الجزائري الفذ الذي تصدى إلى روما القوية.
و واجه الملك يوغرطة بالسلاح و الحيلة و طوال سبع سنوات القوة الرومانية، و هي نفس الفترة التي كافح خلالها رجال الفاتح من نوفمبر من أجل تحرير الجزائر من قبضة الاستعمار الفرنسي. و يعود الفضل في نقل إنجازات هذا الملك البربري التي أثرت كثيرا على "المدينة الأبدية" روما إلى الرجل السياسي و العسكري و التاريخي الروماني سالوست في كتابه "حرب يوغرطة".





من جهته أشار المؤرخ محفوظ قاداش إلى أن "يوغرطة كان له أثر على تاريخ نوميديا من خلال محاولة هذا ’الأغليد’ (الملك) البربري استرجاع إنجازات ماسينيسا المتمثلة في ضمان الوحدة و استقلال العالم البربري و التصدي للغزاة الأجانب".
و يعد يوغرطة حفيد "الأغليد الأكبر" الملك ماسينيسا الذي صنع وحدة نوميديا ابتداء من طبرقة إلى مولاية و التي بقيت مستقلة خلال فترة حكمه التي استغرقت نصف قرن (من سنة 202 إلى غاية 148 قبل الميلاد).






في حين، لم تستطع الدولة النوميدية الفتية الصمود بعد وفاة مؤسسها. و بتشجيع من روما التي تحالفوا معها، تقاسم أبناؤه الثلاثة الشرعيون (ميسيبسا و ماستانابال و قولوسا) نوميديا.
و في إطار هذا التحالف، أرسل الملك ميسيبا فرقة عسكرية تحت قيادة ابن أخيه يوغرطة لمساعدة سيبيون إيميليان على محاصرة مدينة نومانسيا في إيبيري (134-133 قبل الميلاد). و ترك يوغرطة انطباعا جيدا لدى عمه الذي انبهر بذكائه و إرادته و قدراه على القتال و قوته البدنية.
و هنأ سيبيون إيميليان الملك ميسيبا قائلا "يوغرطة رجل فذ ورث الشجاعة عنك و عن جده ماسينيسا". و تبنى ميسيبا ابن أخيه يوغرطة و ضمه إلى عرشه المتكون من ابنيه أديربال و هيامبسال الأول. و لم ينوي ميسيبا تقسيم الحكم بينه.
و بعد توليه الحكم لمدة 30 عاما توفي ميسيبا في سنة 118 قبل الميلاد و استعمل يوغرطة القوة للظفر بسدة الحكم بحيث قتل هيامبسال الأول و نفى أديربال إلى روما في سنة 116 قبل الميلاد. و قرر مجلس الشيوخ الروماني تقسيم نوميديا على النحو التالي: منح نوميديا الغربية و عاصمتها سيرتا إلى أديربال و نوميديا الشرقية إلى يوغرطة الذي رفض هذا التقسيم و أعلن الحرب ضد أديربال الذي أردفه قتيلا خلال سقوط سيرتا في 113 قبل الميلاد.





و قتل خلال هذه المعركة رعايا رومانيون مما جعل روما التي رفضت فكرة قيام مملكة نوميدية قوية تعلن حربا دامت سبع سنوات ضد يوغرطة (من سنة 104 قبل الميلاد إلى سنة 111).
و أدت الاشتباكات الأولى بين الجيشين إلى هدنة بين الجنرال بيستيا و يوغرطة الذي أجبرته روما على المثول أمام مجلس الشيوخ لكي يفسر هجومه على سيرتا. و مثل الأمير النوميدي الشجاع أمام أعضاء مجلس الشيوخ لكن هذا الإجراء لم يساعد على تهدئة الوضع. و قتل يوغرطة ابن عمه ماسيفا بروما الذي كان يسعى النوميديون إلى أن يصل إلى سدة الحكم خلفا لأديربال. و نفي يوغرطة من روما و استئنفت الحرب في 110 قبل الميلاد.
و حققت الجيوش النوميدية خلال المرحلة الثانية من الحرب عدة نجاحات ضد الجيش الروماني قبل مواجهة الجنرال ميتيلوس و مساعده ماريوس بالأسلحة و المكر و الفساد. و بعد انسحاب يوغرطة نحو الغرب، سقطت سيرتا في أيدي ميتيلوس (108 قبل الميلاد). و واجه يوغرطة فيما بعد ماريوس الذي عبر كل التراب النوميدي ابتداء من تونس الحالية إلى واد مولاية (المغرب حاليا) رفقة جيوشه.





تلقى يوغرطة الدعم من أب زوجته بوخوس الأول أمير موريطانيا و قبائل جيتول الجنوبية لكن ماريوس انتصر عليه. و نصب بوخوس الأول كمينا ليوغرطة و سلمه إلى سيلا و هو أحد ملازمي ماريوس.
و في الفاتح من جانفي 104 قبل الميلاد، مشا يوغرطة و هو مكبل بالسلاسل في الموكب المحتفل بانتصار ماريوس بروما. و زج به في السجن قبل أن يقتل خنقا بعد مرور ستة أيام. و منحت روما لبوخوس أراضي نوميديا الشرقية من أجل مكافئته. و رجعت الأراضي الباقية من المملكة إلى غودة و هو الأخ غير الشقيق ليوغرطة و ابن ماستانابال.