عشية الرابع عشر من كانون الثاني 2011، هرب الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي بعد أن أضرم محمد البوعزيزي النار في جسده، وانتفض الناس في تظاهرات احتجاجية تطالب بتغيير الحكم.
ترك بن علي خلفه السلطة والنفوذ وطائرة فخمة من نوع إيرباص A340-500، تسلمها قبل يومين فقط من مصانع الشركة الأوروبية للصناعات الجوية، بحوالي 150 مليون دولار.
عقب الانتفاضة، ألحقت السلطات التونسية الطائرة بأملاك بن علي التي صادرتها، ومنذ ذلك التاريخ حتى بداية الشهر الجاري، بقيت الطائرة على مدرج مطار بوردو الفرنسي ،عندما أعلنت الخطوط الجوية التونسية بيعها للخطوط الجوية التركية بمبلغ 181 مليون دينار، أي ما يعادل 78 مليون دولار.
الواضح أن الخطوط التركية لم تشترِ الطائرة التونسية كي تستعملها في نقل الرُكاب، نظراً لتصميم الطائرة الداخلي المخصص حصراً لنقل الرؤساء.
ووفقاً لتقرير نشره الصحافي التونسي، جمال العرفاوي، في صحيفة "تونيزي تلغراف"، فإن هذه الطائرة "ستكون تحت تصرف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي أبدى اهتماماً كبيراً بالطائرة الرئاسية، وقد دخلت السلطات التركية عبر شركة وساطة أمريكية، لبيع وشراء الطائرات، اسمها "ايكيس" ومقرها فلوريدا، في مفاوضات سرية مع الخطوط التونسية.
ويضيف التقرير:" يسعى أردوغان إلى تحويل هذه الطائرة إلى مركز قيادة عسكرية عبر تجهيزها بوسائل اتصال حديثة تسمح له بالارتباط مع العالم الخارجي وهو في الجو، خلافاً لما حصل له خلال محاولة الانقلاب الفاشلة، إذ لم يتمكن من إجراء أي اتصال وهو داخل طائرته الرئاسية".
وكان أردوغان يملك طائرة رئاسية من طراز إيرباص برستيج إيه 330-200، اشتراها سنة 2012 ثم نُقلت إلى الولايات المتحدة لإعادة تصميمها الداخلي وتحويلها من طائرة ركاب إلى طائرة رئاسية خاصة، وقد نزلت في مطار تركيا يوم تسلمه منصب الرئاسة في تشرين الثاني 2014.
وعلى الرغم من أنها تتسعُ لأكثر من 90 راكباً وتحوي غرف نوم ومكاتب عمل وصالة مؤتمرات وأماكن للاستراحة والاسترخاء، وتستطيع الطيران 15 ألف كلم دون توقف بفضل خزانات الوقود الإضافية، فإنه فضّل طائرة إيه 340-500 ذات المحركات الأربعة والأكثر تطوراً.
الطريف في قصة الطائرة أن الرئيس التونسي الهارب ركبها مرة واحدة لتجربتها ولم يتمتع بمزايا غرفها الخاصة ومقاعدها الفارهة.
بدأت القصة عندما قرر بن علي في العام 2009 شراء طائرة خاصة، ولأن الخطوط التونسية يومذاك لم تكن تملك ثمن أيرباص A340-500 فقد اضطرت إلى بيع مساهمتها في أحد المصارف التجارية التونسية الفرنسية، وفقاً لما يكشفه تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة، التي تم تشكيلها للتحقيق في فساد النظام السابق بعد سقوطه.
بعد سنة نصف السنة، وتحديداً في 19 كانون الأول 2010، سلّمت شركة إيرباص الطائرة لبن علي، الذي كان يواجه يومها بالرصاص، احتجاجات غاضبة في الشارع، ستنتهي لاحقاً بهروبه بعد أقل من شهر واحد.
لم تصل الطائرة إلى تونس، فقد بقيت في مطار بوردو الفرنسي. كان بن علي يخطط لتحويلها من طائرة تجارية إلى طائرة رئاسية ذات مزايا خاصة، لتلائم تنقلات رئيس الدولة، ولذلك تعاقد مع شركة لوي فيتون، الذائعة الصيت في مجال التصاميم والمتخصصة بالإكسسوار والديكور لتجهيزها بعقد تجاوز 40 مليون دولار. ووفقاً لتقرير نشرته منظمة "أنا يقظ" التونسية لمكافحة الفساد، فإن عملية تحويل الطائرة استلزمت أيضاً التعاقد مع شركة Sabena Technics المختصة في تهيئة الطائرات لتتواصل الأشغال التي فاقت 100 مليون دينار (حوالي 43 مليون دولار) إلى حدود سنة 2012.
ويبيّن تقرير منظمة أنا يقظ أن "الخطوط التونسية لم تقم بإلغاء عقد التهيئة وواصلت تنفيذ العقد الذي أبرم في عهد بن علي. كما أن أعمال التهيئة لم تُضف قيمة مهمة على الطائرة بل تسببت بنفور العديد من الراغبين في شرائها وعرقلت عملية البيع، برغم قرار مجلس الوزراء القاضي ببيعها". وتشير المنظمة التونسية إلى أن عملية بيع الطائرة للجانب التركي كبدت الدولة التونسية خسارة مالية كبيرة.
ويضيف تقرير "أنا يقظ": "الطائرة التي اشتراها بن علي عام 2010 بـ150 مليون دولار، ارتفع ثمنها بشكل كبير في الخمس سنوات الأخيرة وذلك بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، ليصبح في حدود الـ533 مليون دولار أي حوالي 770 مليون دينار. وبمقارنة بسيطة، نجد أن شركة الخطوط الجوية التونسية قد خسرت في هذه الطائرة نحو الـ600 مليون دينار. أما عملية البيع فقد تم عرقلتها منذ 2011 بتكليف مشترين وهميين برفع الأسعار كلما تقدم مشتر حقيقي للطائرة، ثم المماطلة في الرد على المراسلات الرسمية الخاصة بعملية البيع حتى تسقط الآجال وتضطر الدولة لإعادة الإجراءات مرة أخرى. "كما طالبت المنظمة في تقريرها بالكشف عن هوية الوسطاء والسماسرة التونسيين في الصفقة. في المقابل قالت سارة رجب، المديرة العامة للخطوط التونسية، إن ركن الطائرة في مطار فرنسي يكلف تونس 50 ألف دينار (21 ألف دولار) يومياً، معتبرةً أنّ الصفقة جيدة جداً للدولة.
مصدر