ليس غريبا أن يشمل التغيير في الألفية الثالثة آليات الحروب القادمة، فلم تعد الأسلحة التقليدية هي الوحيدة القادرة على تحديد نتائج المعارك، وأصبحت ميادين النصر ليست هي ساحات القتال وجبهات المعارك الجغرافية فقط، بل صار النصر يُحسب في عالم اليوم بطريقة أخرى مختلفة.
الانتصارات المُبينة في عالم اليوم والانتصارات الأقوى إما أن تكون في ساحات البورصات المالية، أو أن تكون في ساحات التكنلوجيا الرقمية، وهذه هي أبرز أنماط الانتصارات في عالم اليوم!
وأصبح المقياسُ الحقيقي للمنتصر يُحسب بقدراته في هذين المجالين، وصار التنافس في عالم اليوم بين الدول التي تسعى للريادة مُركزا على هذين الملفين، لذا فقد تنافست دول الريادة في مجال استقطاب العقول من كل أنحاء العالم، وتوفير الظروف والإمكانات لها، لتتمكن بها من تحقيق أهدافها، وهو الانتصار الكامل!!
أدركتْ إسرائيل منذ زمن طويل هذه الحقيقة فوظَّفتْ فسيفسائها العرقية لتحقيق هذه الغاية، وهي اليوم تحقق انجازات مهمة في مجال التكنلوجيا الرقمية، وقد كتبتُ عن بعض إنجازات إسرائيل في هذا المجال ولا سيما في مجالات إنتاج البرامج الإلكترونية، واختراع دفيئات لإنتاج فايروسات لهذه البرامج نفسها!
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إنها توشك أن تغير وجه الحروب القادمة كلها، لتجعلها حروبا جديدة، وهي تواصل إجراء عمليات جراحية في جيشها، فهي تارة تحول أسلحتها التقليدية إلى أسلحة إلكترونية، في مجال التدمير الموضعي للأهداف المتعددة في وقت واحد، وتصفية مَن ترغب في تصفيتهم بآلات تكنولوجية مجهولة الهوية، وتارة أخرى تُنشئ بصمت فرقا وكتائب إلكترونية تدير حروبا صامتة، لها قدرات تدميرية فائقة بدون أصوات الطائرات والدبابات والمتفجرات!
فقد أوردت صحيفة جورسلم بوست مقابلة أدارها يعقوب لابين يوم 12/5/2013 مع أحد مسؤولي الكتيبة الإلكترونية في الجيش الإسرائيلي المسماة ( C41) ومما جاء فيها:
"أصبح جيش الدفاع يعتمد قليلا قليلا على التكنلوجيا الإلكترونية باعتبارها ركيزة التفوق والنصر الأولى ، ليس فقط لمحاربة المنظمات الإرهابية كحماس وحزب الله، بل إن الهجوم الإلكتروني الصامت سيكون ركيزة الجيش في المستقبل، فجنودنا الإلكترونيون لهم عيون بلا عيون، ولهم أرجل وأيادٍ وليسوا بشرا!!
كانتْ البداية متواضعة، غير أنها تحولت إلى مشروع ضخم، فنحن مكلفون بكل القطاعات والساحات التي تشرف عليها رئاسة الأركان.
وللمشروع طرفان؛ دفاع وهجوم، في كل قطاعات الجيش البرية والبحرية والجوية، ويقع ضمن هذا المشروع الضخم تشويش اتصالات العدو، وإبطال مفعول الألغام والمتفجرات، ومجال الاتصالات العامة، وأنظمة البورصات المالية، وتفكيك الموجات القصيرة وأشعة المايكرويف!!
إن الجيش يختلف عن التنظيمات الإرهابية كحماس وحزب الله، فما يملكه الجيش لا تملكه المنظمات ، مع الأخذ في الاعتبار بأن تنظيم حزب الله تنظيم مُحكم، يمتاز بسرعة أكبر، كما أن حماس في غزة يمكنها أن تشكل تحديا عندما تشتري آلات جديدة، مع العلم بأن هناك اختلافا في أجهزة هذه المنظمات وأجهزة الجيش، فالعدو يقوم بتشفير أجهزته.
هكذا تأسست الكتيبة لرصد ومتابعة هذه التنظيمات لكي تتمكن من تدمير الأهداف أو إبطال مفعولها!
إنها حربٌ نفسية تهدف لتحطيم آليات عمل العدو، كما أنه لا وجود للحدود التقليدية في هذه الحرب، فموجات التدمير يمكن أن تُرسلَ من كل مكان ، من طائرات إف 16 ومن البوارج والدبابات.
ويجب أن نأخذ في الاعتبار بأن الأجهزة لا يمكن أن تعمل بدرجة كفاءة مضمونة أي مائة في المائة، فهناك أخطاء!
واختتم مسؤول الكتيبة قوله:
إن المواطنين في إسرائيل عندما يرون تشويشا على محطاتهم الفضائية في المنازل، فإنهم يتهمون كتيبتنا بذلك،وهم لا يعرفون بأن هناك مصادرَ أخرى للتشويش، قد تكون مثلا إشارات تقاطعية صادرة من باخرة تعبر البحر قريبا منا، تستخدم هذه الإشارات"
أما نحن الفلسطينيين والعرب فستظل أكثر جهودنا تقع تحت اسم: جهود (مناسبيَّة)
أي أننا سنصفق في المناسبات إذا قام أحدهم باختراق المواقع الإسرائيلية، يوما أو أكثر، وننام نوما هنيئا على وقع هذا [ الانتصار] بدون أن نتمكن من الاستفادة من الكفاءات الفردية الفلسطينية وتوظيفها لخدمة قضيتنا في صيغة منظمة ومدروسة!
المصدر