عندما شعر «جنكيز خان» بدنو أجله، قام بتقسيم أرجاء المعمورة بين أبنائه الأربعة من زوجته الأولى كما تنص على ذلك تعاليم التتار، وكانت بلاد العالم الإسلامي من نصيب الابن الثالث «تولوي» الذي لم يلبث أن هلك سريعًا وتولى من بعده ابنه «هولاكو» الذي يعتبر أسوأ أعداء الإسلام على مر التاريخ، فلقد كان «هولاكو» شديد الكره للإسلام والمسلمين، حتى إنه لا يطيق أن يرى مسلمًا أو يسمع كلمة مسلم في قصره، ورغم أن الخان الأعظم للتتار هو «كيوك» ابن عمه، إلا أن هولاكو كان الزعيم الفعلي لكل شعوب التتار، والمحرك الحقيقي للحروب، وكانت زوجته الصليبية «ظفر خاتون» تدفعه بقوة لمحاربة المسلمين، وقد توج هذه الحروب باكتساح بغداد وإسقاط الخلافة العباسية وذلك سنة 656هـ، وارتكب أبشع مجزرة عرفها التاريخ بحق سكان بغداد، إذ قتل ما يقارب المليونين من أهلها. لم يكن هولاكو يهدف لمجرد إسقاط الخلافة فقط، بل كان همه ونيته إفناء الأمة الإسلامية بأسرها، وقتل كل موحد على وجه الأرض، لذلك وجه جيوشه بقيادة أمهر قادة التتار واسمه «كتبغا نوين» وذلك للاستيلاء على الشام ومصر، ولم يكن بالشام وقتها من الملوك والأمراء من يتصدى لهذا الهجوم البربري، فاستولى التتار على بلاد الجزيرة والفراتية، ثم أخذوا حلب وذبحوا جميع أهلها، ثم أخذوا بعدها «حماة» دون قتال، ثم استولى على دمشق وذلك في صفر سنة 658هـ. أما الأوضاع في مصر فكانت شديدة الاضطراب منذ أن قتل «توران شاه» آخر ملوك الأيوبيين سنة 647هـ، فقد تولت بعده «شجرة الدر» لمدة ثمانين يومًا، ثم تولى عز الدين أيبك ودخل في صراع مرير مع أمراء الأيوبيين بالشام، حتى تآمرت عليه زوجته «شجرة الدر» وقتلته سنة 655هـ، ثم قتلت بعده سريعًا، وتولى حكم مصر «المنصور بن عز الدين أيبك» وكان صغيرًا وكان الأمير «سيف الدين قطز» أكبر أمراء أبيه، هو المتصرف الحقيقي في الأمـور، فلما استولى التـتار على بلاد الشام وأصبحوا على حدود مصر، جمع «قطـز» العلماء ومنهم «العز بن عبد السلام» واستشارهم في كيفية التصدي للتتار، ودار كلام طويل و«المنصور» حاضر، ولكنه لم يتكلم بشيء وبان عجزه، مما دفع «قطز» لأن يخلع المنصور ويتولى هو ملك مصر. أخذ «قطز» في الإعداد بسرعة لمواجهة الغزو التتاري، وقد اجتمع عنده من خرج من الشام بعد استيلاء التتار عليه، وبعد المشاورة قرر قطز الخروج بالجيوش المسلمة للقاء التتار خارج الديار المصرية، وانضم الكثير من المجاهدين المتطوعين للجيوش المسلمة، ورغم الكفاءة القتالية العالية للقائد التتاري «كتبغا نوين» إلا إن نفسه قد امتلأت بالغرور والعجب من كثرة انتصاراته المتتالية على المسلمين، وكان ذلك في صالح الأمة الإسلامية، إذ أصر «كتبغا نوين» على ملاقاة «قطز» وجيوشه، على الرغم من نصيحة قادة جيشه بعدم استعجال الصدام، وطلب إمدادات من «هولاكو» الذي قد عاد لعاصمته بعد فتح «حلب»، ولكن «كتبغا نوين» أصر على القتال. وفي يوم كيوم بدر وفي ساعة كساعة الظفر العظيم، في يوم الجمعة 25 رمضان سنة 658هـ، كان الصدام الهائل بين التتار والمسلمين، وكانت البداية لسقوط أسطورة التتار الذين لا يهزمون، وقد كسر التتار ميسرة الجيش الإسلامي في أول القتال، فما كان من سيف الدين قطز إلا إنه قد صاح بأعلى صوته «وا إسلاماه» وخلع خوذته معلنًا عن نفسه وانطلق كالسهم مخترقًا صفوف التتار، حاملاً لواء المسلمين، وقُتل جواده في هذا الاختراق، فظل يقاتل على رجليه حتى جاءوه بفرس، وانتهت المعركة بنصر عظيم من أعظم انتصارات المسلمين في هذا العقد من الزمان.
http://www.elmihwar.com/index.php/page-autre/item/5220-2013-07-17-22-10-22