الحرب الاقتصادية من أقدم أنواع الحروب التي عرفتها البشرية وهي الحرب التي تقوم كنوع من الصراع على الموارد الاقتصادية وتملك الأسواق الدولية ومصادر الطاقة والماء، وهي ذاتها الأسباب الأساسية للحربين العالميتين الأولى والثانية، وحتى منتصف القرن العشرين كان يتم تنفيذ تلك الحروب، ولقد كانت الحروب الاقتصادية في القرون الماضية غير واضحة باستخدام القوة العسكرية والاستعمار الذي انتشر في جميع أنحاء العالم في بداية القرن التاسع عشر، إلا أن تلك الصورة تبدلت وتغيرت في النصف الثاني من ذلك القرن وجلت صور الاحتلال الاقتصادي والسيطرة على الأسواق من خلال حركة الواردات ورؤوس الأموال محل القوة العسكرية.. وتجلت أعظم صور ذلك الاحتلال وآلياته فيما عرف مؤخرًا بالعولمة والنظام العالمي الجديد وهو ما كان له آثاره المدمرة ونتائجه الخطيرة خاصة على الدول النامية، وتتمثل نتائج وآثار الحرب الاقتصادية في البطالة والهجرة وتغير معاني الثقافة وزيادة أعداد ما تحت خط الفقر.
مقومات الحرب الاقتصادية
يجب لأي دولة تدخل حربًا اقتصادية أن تتمتع بعدد من المميزات، وهي:
1 - قوة ميزان المدفوعات داخل الدولة وقدرته على عدم التأثر بالصدمات الخارجية أو امتصاص تلك الصدمات.
2 - قوة العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية وما تتمتع به هذه العملة من تاريخ وقيمة بين العملات الأخرى، وذلك من خلال أنظمة أسعار الصرف التي تخضع لآليات السوق.
3 - قوة الجهاز الإنتاجي داخل الدولة وقدرته على سد الاحتياجات الداخلية والقدرة على إيجاد فائض قادر على المنافسة عند التصدير.
4 - مرونة الجهاز الإنتاجي في إنتاج السلعة المختلفة، فعلى سبيل المثال شركة جنرال موتورز للسيارات بالولايات المتحدة يمكن أن تتحول لإنتاج الدبابات في ذات الوقت.
5 - كبر حجم السوق الداخلي في الدولة واتساقه وتنوعه بحيث يكون السوق الداخلي متوافقاً مع إمكانات الدول الإنتاجية، ويمكنه استيعاب النشاط الإنتاجي والخدمي وكل ما سبق يُعَدُّ من قبل قوة الدولة لدخول الحروب الاقتصادية، وبمعنى آخر يقال إن تلك الدولة عندها الأدوات التي تمكنها من الهجوم الاقتصادي، وفي ذات الوقت لديها آليات الدفاع عن الاقتصاد القومي؛ وذلك لأن الاقتصاد القومي يتميز بالقوة والنمو المتواصل.
الأسلحة المستخدمة في الحربالاقتصادية
1 -المقاطعة الاقتصادية هي السلاح الأول:
تعتبر المقاطعة الاقتصادية من أهم أسلحة الحرب الاقتصادية وذلك من خلال مقاطعة كاملة لسلع إحدى الدول وعدم الاستيراد منها أو التصدير إليها على الإطلاق، وذلك باستخدام المنتجات المنافسة لمنتجات تلك الدولة وعدم إعطائها أي فرصة لترويج سلعها التصديرية.
وتُعَدُّ مقاطعة السلع الغذائية أكثر تأثيرًا؛ لأنها أكثر سرعة في التلف تليها بعد ذلك السلع المصنعة.
2 -الحصار الاقتصادي والعسكري:
ويمكن للمقاطعة الاقتصادية أن تدخل نطاقًا أوسع من ذلك لتشمل الحصار الاقتصادي ومنع دخول وخروج السلع للمنطقة الواقعة داخل الحصار الاقتصادي، وذلك من خلال فرض حصار بحري وجوي وبري مثلما حدث مع العراق وليبيا وكوبا.
والحصار الاقتصادي أكثر أسلحة الحرب الاقتصادية فتكًا؛ لأنه يترتب عليه نقص في الأدوية والغذاء ومحدودية الاحتكاك بالعالم الخارجي، مما يترتب عليه نتائج اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى مثل المجاعات والأمراض.
3 -اختراق الأسواق والاحتكار والإغراق:
يعتبر اختراق الأسواق الداخلية من الدول الكبرى القادرة على شن حرب اقتصادية من أهم الأسلحة المستخدمة في تلك الحرب، حيث يتم الاختراق للأسواق وعمل الإغراق في بعض السلع والمنتجات؛ وذلك لضرب الجهاز الإنتاجي الداخلي للدولة، وإضعافه، وعدم قدرته على المنافسة والمقاومة وذلك باستغلال الاتفاقيات الدولية التي تتيح حرية التجارة العالمية.
ومن زاوية أخرى يتم اختراق الأسواق عن طريق الاحتكار وتملك خطوط الإنتاج والصناعات الحيوية في الدول المراد تدميرها اقتصاديًّا.
والدليل على ذلك علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بأوروبا من خلال تجارة الصويا، حيث تمتلك الولايات المتحدة الاحتكار العالمي لتجارة الصويا، وتصدر منها كل عام عشرة ملايين طن من الكسب؛ لتغذية الحيوانات التي يعتمد غذاء أوروبا من اللحوم بشدة عليها.
والولايات المتحدة شديدة اليقظة لحماية هذا الاحتكار، حيث نجحت في إغلاق مصنعLavera في فرنسا ومنشأة Sardaigne في إيطاليا؛ وذلك لمنع المنتجين الصناعيين من استخدام ابتكار جديد لعالم فرنسي يؤدي إلى إنتاج بديل أفضل للكسب الأمريكي.
وربما كان الشيء الوحيد الذي تستورده الولايات المتحدة من العالم هو العقول البشرية، حيث تعمل على استقطاب تلك العقول ورعايتها وتوفير كل مقومات النجاح لها، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤثر تأثيرًا شديدًا عليها.
4 -صنع الأزمات الاقتصادية:
تمتلك الدول المتقدمة أجهزة لصنع الأزمات الاقتصادية في الدول الأخرى سواء الأزمات المالية أو الأزمات الخاصة بالبنوك وانهيار البورصات، وكذلك الأزمات التي تأخذ صبغة الدورة الاقتصادية مثل الركود.
وتمتلك تلك الأجهزة الخاصة بصنع الأزمات الاقتصادية من الأدوات التي تمكنها من تلك الوظيفة مثل التقنية الفائقة السرعة والتي تمكنها من العبث في مؤشرات البورصات العالمية أو الإقليمية، وكذلك نشر الإشاعات التي تهدف لأشياء معينة إلى غير ذلك من أساليب التكنيك والتكتيك، ولقد كان لهذه الأجهزة الدور الأكبر في صنع الأزمات المالية العالمية والانهيارات الاقتصادية الدولية لما تحققه الدول صاحبة تلك الأجهزة من مصالح اقتصادية وسياسية على السواء. وليس أدل على ذلك من أزمة النمور الآسيوية التي وقعت في عام 97.
خطط الحرب الاقتصادية:
تتعدد صور وخطط الحروب الاقتصادية على النحو التالي:
- خطط لإغراق الدول المعنية بالديون والفوائد حتى تمتنع عن السداد وتسوء سمعتها في العالم، وبالتالي تمنع من حرية الاقتراض من العالم الخارجي. وتتوقف بعدها برامج التنمية وربما يتهدد استقرارها الاجتماعي.
- افتعال الأزمات بين دول الجوار المستهدفة بالحروب الاقتصادية؛ لتستفيد الدول الكبرى من عمليات بيع السلاح واستنزاف الموارد الطبيعية لتلك الدول، مثلما حدث بين اليمن وأثيوبيا، وسوريا وتركيا، والإمارات وإيران.
- خطط لضمان التبعية الاقتصادية وذلك عن طريق ربط اقتصاديات الدول المستهدفة باقتصاديات الدول الكبرى عن طريق إمدادها بالغذاء والأدوية وتقديم المساعدات الاقتصادية والمعونات السنوية إلى غير ذلك، مما يضمن ولاء تلك الدول للدول الكبرى من الناحية الاقتصادية والسياسية؛ لأن تلك الدول النامية أدمنت تلك المساعدات وأصبحت لا تستطيع الاستغناء عنها.
المصدر