العدوان الثلاثي كان نصرا سياسيا لمصر. حيث فشلت بريطانيا و فرنسا قراءة موازين القوى بعد الحرب العالمية الثانية و ظنوا ان لهم دورا في ذلك العالم. فكان ان اتفق الروس و اﻷمريكان على كبح جماحهم بإنذار روسي شهير و تواطئ امريكي اقل شهرة. و كان العدوان النهاية الرسمية للعصر اﻹستعماري الكلاسيكي القديم. و خرج عبد الناصر من العدوان نجما في سماء العالم الثالث و بطلا لحركات التحرر. 

أما عسكريا فهي هزيمة. فقد وقع الجيش المصري في اخطاء كبيرة كانت ارهاصا لما سوف يحدث في الحرب التالية (1967):
1- بعد صفقة السلاح التشيكية في عام 1955، انقلب ميزان السلاح لمصلحة مصر (صدق او لا تصدق). حيث ان كمية الدبابات و المدرعات عند مصر قد تضاعفت في صفقة واحدة و كذلك كانت دبابة ت-34 احدث من الشيرمان M-4 التي حصلت عليها اسرائيل من مخلفات الحرب العالمية الثانية. اما طائرات ميغ 15 التي حصلت مصر على 120 منها، فكانت افضل من طائرات الجيل اﻷول النفاثة اﻹسرائيلية (Ouragon) و (Meteors) و التي كان عند اسرائيل 50 طائرة منهما معا. تأمل - يرعاك الله - في التفوق العددي و النوعي للسلاح المصري الذي لا نحلم به هذه اﻷيام. و لكن المشكلة الوحيدة كانت هي ان الجيش المصري استغرق وقتا طويلا في استيعاب هذه اﻷسلحة، خصوصا الطائرات المقاتلة. و كان عندنا 30 طيار مؤهل لقيادة الميغ....

2- اهداف العدوان: احتلال قناة السويس، و تدمير قدرات الجيش المصري. نجحت اﻷهداف عسكريا و لكن تم سحب هذه المكاسب سياسيا. باستثناء فتح الممر المائي لميناء ايلات حيث وافقت مصر على ذلك. 

3- في صيف ذلك العام، فشلت المخابرات المصرية في التنبؤ بنوايا العدو اﻹسرائيلي. و كان تقديرها ان اﻷمر لن يتجاوز عدة غارات اسرائيلية ضد معسكرات الفدائيين في غزة و سيناء (اسرائيل كانت تخطط لاحتلال كامل سيناء في العملية و فتح الملاحة البحرية ﻹيلات). و كان تركيز معظم القوات حول القناة تحسبا من انزال بريطاني فرنسي للسيطرة على قناة السويس. و هو ما ترك سيناء بعدد من القوات اقل من اللازم لتنفيذ خطة الدفاع التي و ضعها المستشارون اﻷلمان. و رغم ذلك فقد كان هناك قوات معقولة و كانت هناك تحصينات ممتازة تم تصميمها و اﻹشراف على تنفيذها بخبرات المانية.  

4- عانى الهجوم اﻹسرائيلي من اخطاء في التخطيط و التنفيذ (نفس القادة المشاهير مثل شارون و برين كانوا ضباطا في تلك المعارك و تعلموا ثمن هذه اﻷخطاء).و قاتل المصريون بشكل جيد و شرس عموما. من اكبر اﻷخطاء كان البطء في الهجوم و التعرض المباشر (دون مناورة) على مواقع مصرية محصنة. و استغرق اﻷمر اياما طويلة لاقتحام ام قطف و لم يخليها المصريون حتى اصدر ناصر اوامر اﻹنسحاب العام في اول نوفمبر. الهجوم على العريش كان ايضا صعبا على اﻹسرائيليين لكنهم واجهوا مقاومة اخف. 

5- نأتي للكوميديا المبكية و اﻷحداث التي جرت لسلاح الطيران المصري. حتى بعد بدء اﻹشتباكات مع الجيش اﻹسرائيلي، لم يقم الطيران المصري بتسيير دوريات جوية لحماية القوات في سيناء او حتى المطارات بشكل كاف أو تأمين الطائرات وهي على اﻷرض. و عندما اتت الغارات البريطانية و الفرنسية. تم ضرب الطائرات المصرية على اﻷرض (يا سبحان الله كيف سيتكرر السيناريو بعد سنوات في حرب 1967). و تم تدمير 150 طائرة مصرية. 

6- قرأ ناصر الغارات الجوية بشكل صحيح على انها مقدمة لهجوم بري على القناة. و اصدر امر انسحاب عام للقوات من سيناء للدفاع عن القناة. و اضطرت كثير من القوات لترك السلاح الثقيل غنيمة للاسرائيليين و تنفيذ انسحاب قتالي. و بعد عدة ساعات ادرك اﻹسرائيليون ماذا جرى و تم ملاحقة المصريين برا و تدمير بعض وحداتهم. و صدمت القيادة المصرية من ان لواء واحدا فقط عاد للقناة كتشكيل قادر على القتال (15% من القوات التي كانت موجودة في سيناء).

 7- تم اﻹنزال البريطاني الفرنسي في بور سعيد و بور فؤاد امام مقاومات بسيطة (اعتقد ناصر ان الهجوم سيتم على اﻹسكندرية)، و كانت اكبر الكوارث هي الفشل في تدمير الجسر في منطقة الرسوة اﻷمر الذي سهل اندفاع القوات المشتركة نحو الجنوب. و انتهى اﻷمر بحوالي 1000 قتيل مصري و 4000 جريح و 6000 اسير (معظم اﻷسر تم وقت اﻹنسحاب العام) و حوالي 189 قتيل اسرائيلي و 900 جريح و 4 اسرى. خسائر القوات المشتركة 26 قتيل و 129 جريح. و خسر الطيران اﻹسرائيلي 15 طائرة و 10 طائرات للقوات المشتركة كلها للمضادات اﻷرضية باستثناء واحدة. و فقدان معظم سيناء و القناة. 

8- رغم نجدة السماء و الموقف الدولي لمصر، فإن الجيش المصري لم يتعلم من هذا الدرس القاسي و تكررت نفس اخطاء حرب 1956 في حرب 1967 (طيران مهمل، انسحاب عام و شامل بعد عدة ايام، سوء المناورة و غيره). اما اﻹسرائيليون، فقد تعلموا من دروسهم القاسية في اقتحام المواقع المصرية الحصينة و طوروا تكتيكاتهم لمزيد من الفاعلية.