ماليزيا .. دولـة المعلوميـــات والتكنولوجيا الحديثة
خالد مربو من كوالالمبور
الأحد 28 يوليوز 2013 - 07:14
تعتبر كوالالمبور من أهم المدن الماليزية، سواء من حيث تطورها العمراني، أو من حيث الثقافات المختلفة التي تتميز بالتجاور والاعتراف بالآخر رغم المكانة التي يحظى بها "الملايو" عن غيرهم.
بدأت الفكرة في سنة 1995 حين قررت الحكومة الفيدرالية الماليزية وبالاستعانة بدراسة من إحدى أكبر الشركات الدولية في مجال استشارات الأعمال ماكنزي، وفي عهد مهندس النهضة الماليزية مهاتير محمد، في منطقة كانت سابقا عبارة عن مزرع لنخل الزيت والذي يعتبر زراعة رائدة ومربحة في مختلف أرجاء ماليزيا.
والمنطقة التي أسست حول مشروع ما يسمى برواق الملتميديا الفائق (Multimedia Super Corridor) لتحقيق قفزة نوعية توصل ماليزيا إلى القرن الواحد والعشرين، وتدفع قدما بتحقيق الأهداف الاستراتيجية التي سطرها مهاتير في إطار رؤية ماليزيا 2020، قد عرفت منذ ذلك الحين نموا هائلا في قطاع العقار والاستثمارات في ميادين التكنولوجيا والبحث العلمي والتطوير.
والحديث عن المنطقة بإعجاب وتقدير إنما يقتصر على مقوماتها اللوجيستيكية والبنيوية، أما حين يتعلق الأمر بالحيوية والحميمية فإن هناك شبه إجماع أنه وعلى الرغم من كل تلك المباني الشاهقة والمكاتب الفخمة والجامعات المرموقة، فإن المنطقة لا تعطي على الإطلاق شعورا بالألفة ولا تفرض نفسها كمكان قد يستقر فيه المرء يوما، وحتى وجود العائلات فيها فهو نادر ومحدود. وربما قد تغيّر مراكز التسوق والمباني الضخمة المستحدثة من ذلك الواقع في المستقبل القريب.
هذا على عكس جارتها الإدارية، مدينة بوتراجايا والتي كانت وليد رؤية وتصور مهاتير مجددا لمدينة إدارية تجمع كل الوزارات والمصالح الحكومية في منطقة جغرافية واحدة مجهزة ومبنية على أحدث طراز معماري يزاوج ما بين الأصالة الفنية في المعمار الإسلامي والتي تجعل منها تحفة معمارية إسلامية بامتياز وبين المعايير الدولية الحديثة في تخطيط وتنظيم المناطق الحضرية. وهذا بالإضافة إلى عوامل ديموغرافية قد جعل منها مكانا أكثر حميمية وجمالا من سيبرجايا على مختلف الأصعدة.
مدينة التطور والرفاهية
حياة طالب مثلي مستقر في منطقة سيبرجايا منذ سنتين، يدرس في جامعة وضع حجر أساسها نفس مؤسس المدينتين، لتكون في قلب النهضة التكنولوجية الماليزية، هي في جانب كبير منها مملة وتغلب عليها رتابة قد تجعلها مادة كتابية غير مسلية، لذلك دعونا ننتقل إلى عاصمة ماليزيا، المدينة التي وضعت "التطور والرفاهية" شعارا لها.
الطريق إلى كوالالمبور من سيبرجايا بالنسبة لطالب لا بديل لديه عن وسائل النقل العمومي يمر عبر مرحلتين، الأولى توصلك إلى محطة الحافلات المركزية ببوتراجايا والثانية تأخذك منها إلى قلب كوالالمبور، إما عن طريق حافلة أخرى أو، وبالزيادة على ضعف أجرة الحافلة بقليل، ركوب القطار السريع القادم من المطار والمتجه نحو العاصمة، والفرق في ثمن التذكرة يظهر جليا في الخدمات والسرعة والتنظيم.
في العاصمة وكما الحال في مختلف أرجاء ماليزيا، تجد أعراقا متعددة، فسكان ماليزيا والذين يقاربون الثلاثين مليون نسمة، ينقسمون إلى مجموعات عرقية رئيسية هي الملايو وهم الغالبية المسلمة، ويشكلون نصف السكان ثم الصينيين الممسكين بزمام جانب كبير من الاقتصاد الماليزي ويشكلون نسبة الربع تقريبا، بينما السكان الأصليون والذي مازال بعضهم يعيش في الطقوس القبلية الوثنية القديمة داخل غابات بورنيو ومناطق أخرى، فهم يشكلون نسبة 11 في المائة، ثم الهنود بنسبة 7 في المائة والباقي من جنسيات أخرى.
الشعب الماليزي في عامته تغلب عليه الطيبة والتسامح، وأستطيع القول بأنه وخلال فترة مكوثي هنا والتي تجاوزت ثلاث سنوات، لم أر عراكا واحدا كلا طرفيه من الماليزيين، وعلى الرغم من أنه قد يبدو للسائح العادي مثالا على الانسجام والتعايش، إلا أن نظرة أعمق إلى مكنونات المجتمع ستعطي صاحبها صورة عن التمايز العرقي الملحوظ وتفضيل الملايو مثلا على حساب غيرهم من الأعراق في تقلد المناصب، ولهذا فإنني دائما ما أتطلع إلى التعامل مع صيني أو هندي في إدارة حكومية، لأن وجودهم هناك يعني أنهم يستحقون المنصب بالفعل، وأنهم يعملون ما في وسعهم للحفاظ على ذلك التشريف الذي قلما يحظى به بنو عرقهم، فتكون خدمتهم أفضل من موظف ملايو نال المنصب كامتياز عرقي.
دعونا نعود إلى العاصمة ونلقي نظرة سريعة عليها، فمدينة كوالالمبور تأسست منذ سنة 1850 وتتميز بماني أيقونية ذات صيت عالمي كبرجي بتروناس واللذين ظلا إلى حدود سنة 2004 أطول مباني العالم. وتتميز المدينة ببنية تحتية متقنة تحميها من الأعاصير الاستوائية والتساقطات المطرية الشديدة على طول السنة، وكذلك بخدمات نقل عمومي قوامها شبكات قطار وحافلات في المتناول.
المنطقة العربية والموجودة في شارع بوكيت بينتانغ، والتي تعني "ممشى النجم" باللغة الماليزية، هي منطقة تعج بالفنادق الفخمة ومراكز التسوق العالمية بالإضافة إلى مطاعم عربية منها مطاعم مغربية والكثير من البقالات والمتاجر العربية دون أن ننسى كذلك الحلاقين المغاربة والجزائريين المنتشرين عبر العالم.
تجاور الثقافات والأعراق
المار من ذلك المكان يتناهى إلى سمعه مهرجان من الأصوات المختلفة، فمن عبارات عربية تدعوك بأدب إلى دخول مطعم، إلى تايلانديين أو صينيين لا يملون من تكرار عبارة "ماساج" ويلحّون على المارة بأسلوب يتنوع ما بين إلحاح "كورتية" محطات الحافلات في المغرب، إلى استخدام الإيحاءات الجنسية لاستمالة الزبناء، علما أن محلات "الماساج" تنتشر على طول الشارع وجانب كبير منها يقدم خدمات تتجاوز الترويض الطبي.
في مكان آخر من المدينة يقع حي صيني وآخر هندي. أما الأول فهو مركز تسوق شعبي عبارة عن شارع من عربات الباعة المتجولين وفيه تجد مختلف أنواع البضائع المقلّدة، باعته أتقنوا فنون المساومة والتفاوض بل منهم من يعرف العد بأكثر من 5 لغات حتى يستطيع مساومتك على الثمن بمختلف اللغات. أما الثاني فتميزه مبان وتماثيل ومعابد من التراث الهندي، على جنبات الطريق تجد محلات ملابس وعطور وأطعمة وبهارات، ومزيج من الروائح يملأ الأجواء، ولا يمكن في أحد الأيام أن تمر منه من دون سماع الموسيقى الهندية.
أما مساجد المدينة والمنتشرة في شتى أرجائها، فلكل قصته وبصمته المعمارية والهندسية الفريدة، منها الضارب في القدم والعراقة، ومنها المبني على الطراز الحديث. وداخل كل منها نظام تدبير محكم، فنادرا ما تجد مسجدا من دون مكتب إدارة يتولى تدبير شؤون المسجد. أما إن دخل وقت الصلاة وأنت بعيد عن أي من تلك المساجد، كنت في مركز تسوق مثلا أو بناية إدارية أو مؤسسة حكومية أو غيرها، فإنه لن يكون من الصعب عليك إيجاد مكانا للصلاة، في كل بناية بل أحيانا في كل طابق مكان مخصص للصلاة ويدعى باللغة المحلية سوراو (مصلى)، بمرافق وضوء وأماكن مخصصة للنساء.
أما المطاعم في العاصمة وفي شتى مناطق ماليزيا، فإنها تختلف جذريا عما قد نجده في المغرب أو جواره الأروبي والعربي، وفي تلك الأماكن يتجلى معنى آخر للانسجام والتعايش بين الثقافات والأعراق، فتجد أكلات الملايو في مطعم هندي وأكلات صينية في مطعم ملايو. والانتشار الكبير للمطاعم راجع لكون الشعب الماليزي معتادا على الأكل خارج البيت، والمكون الرئيسي في الوجبات هو الأرز، ومن السهل جدا الحصول على الأكل في المطاعم الكثيرة المنتشرة سواء منها تلك المجهزة بأماكن للجلوس أو تلك التي هي عبارة عن عربات تبيع الأطباق الجاهزة في أوعية بلاستيكية، الشيء الذي من شأنه أن يغني الماليزيات عن إتعاب أنفسهن في المطابخ.
طفرة ماليزيا الاقتصادية
تقع ماليزيا جنوب شرق آسيا، يصل عدد سكانها إلى حوالي 28 مليون نسمة، يحد ماليزيا التي اعتبرت كدولة موحدة سنة 1963، كل من تايلاند وسنغافورة وأندونيسيا وسلطنة بروناي.
عرفت ماليزيا طفرة اقتصادية مهمة في أواخر القرن العشرين، مما جعلها تتبوأ مكانة مهمة مقارنة مع الدول المجاورة.
وتعتبر كوالالمبور من أهم المدن الماليزية، إذ تأسست منذ سنة 1850، وتتميز بمباني أيقونية ذات صيت عالمي كبرجي بتروناس واللذين ظلا إلى حدود سنة 2004 أطول مباني العالم. وتتميز المدينة ببنية تحتية متقنة تحميها من الأعاصير الاستوائية والتساقطات المطرية الشديدة على طول السنة، وكذلك بخدمات نقل عمومي قوامها شبكات قطار وحافلات في المتناول.