سنابرق زاهدي/ كاتب إيراني
إن قرار ارتكاب المجازر بحق السجناء السياسيين كان على علاقة مباشرة بمصير الحرب الايرانية العراقية. فلم يكن من الصدف أن خميني في الفتوى التي نقلت نصّها في الحلقة السابقة ركّز على قضية الحرب و دور مجاهدي خلق في هذه الحرب. فإذا أردنا أن نعرف جيداً أسباب صدور هذه الفتوى وإعدام أكثر من ثلاثين ألفاً من السجناء السياسيين خلال فترة قصيرة فيجب أن نستعرض بعض المنعطفات في الحرب الايرانية العراقية.
بداية الحرب الايرانية العراقية
لاشك أن العراق كان الطرف البادئ في الحرب التي اندلعت عام 1980 على الصعيد العسكري حيث شنـت الطائرات العراقية هجمات على عدد من المطارات الايرانية في... كما اجتازت القوات العراقية الحدود الدولية في الجنوب وتقدمت داخل الاراضي الايرانية واستولت على مناطق واسعة من الاراضي الايرانية. لكن على الصعيد السياسي فلاشك أن نظام الملالي هو الذي مهّد الارضية لبداية هذه الحرب. وهناك ألف دليل على هذا الواقع. على سبيل المثال وجّه خميني رسالة الى الشعب العراقي طلب فيها من أبناء العراق القيام بالانتفاضة ضد الحكومة العراقية. كما أن منتظري الذي كان الخليفة المعين لخميني آنذاك وجّه رسالة مماثلة. وكان نظام خميني على اتصال مباشر بالمعارضين العراقيين يوفّر لهم كل أنواع الدعم المالي والعسكري والتدريب للقيام بالعمليات العسكرية داخل العراق. وكانت السفارة الايرانية في بغداد على اتصال بهذه المجموعات. وكانت جميع هذه النشاطات بهدف تحريض الحكم العراقي لبدء الحرب. ومع الأسف وقع النظام العراقي في الفخّ وشنّ هجوماّ حربياً سافراً على إيران. ولهذا السبب ومنذ البداية وصف خميني الحرب بأنها «هدية إلهية» لنظامه.
مجاهدي خلق في الحرب ضد القوات العراقية
بصفتها قوة وطنية، عارضت مجاهدي خلق احتلال أراضي وطنهم من قبل القوات العراقية، وهرعت قوات مجاهدي خلق إلى جبهات الحرب في جنوب وغرب البلاد ودخلت الحرب ضد القوات العراقية للدفاع عن تراب وطنهم. لكن الملالي وقوات الحرس التابعة لهم كانوا ضد وجود مجاهدي خلق في جبهات الحرب فكان مجاهدو خلق هدف نيران العراقيين من الأمام وقوات الحرس من الخلف، كما تمّ اعتقال عديد من قواتهم على يد الحرس، تم إعدامهم في ما بعد. واقترح المجاهدون وقتها خطة عمل محددة وعرضوها على أحد زعماء النظام الممثل لخميني في جبهات الحرب وقالوا له لو وضعت كمية محددة من الاسلحة تحت تصرف مجموعة من مجاهدي خلق فإنهم مستعدون لتحرير مدينة خرم شهر من القوات العراقية. لكن ممثل خميني ردّ عليهم بقوله إذا احتلّ العراق محافظة خوزستان كاملة فهذا لن يخلق لنا مشكلة لأنه سينسحب منها آجلا أم عاجلا، لكن إذا حرّر مجاهدو خلق قرية لايستطع أحد أن يأخذها منهم. إنه عارض بذلك خطة العمل التي عرضها المجاهدون.
إنسحاب القوات العراقية من الاراضي الايرانية
لكن في صيف عام 1982 وبعد اجتياح لبنان من قبل إسرائيل أعلن لعراق إنسحاب قواته من داخل الاراضي الايرانية إلى خلف الحدود الدولية، وأعلن أنه مستعد لوقف إطلاق النار في الحرب.
وفي اليوم نفسه أعلن السيد رجوي أن من اليوم فصاعداً لم يعد هناك أي مبرّر وطني لاستمرار الحرب. وكلّما استمر الحرب استمر لصالح نظام خميني وأنه هو الطرف الوحيد الذي يريد استمرار الحرب.
الطريق إلى القدس تمرّ بكربلاء
تلك الظروف وضعت خميني ونظامه في موقف حرج، لأنّه كان في معرض سقوط قناعه ودجله وشعاراته الجوفاء في الدفاع عن القضية الفلسطينية وعن القدس. وهذا الذي حصل، حيث أنه وفي معرض حديثه عن غزو لبنان أعلن أن «إيران لاتستطيع القيام بعمل فاعل إلّا عبر العراق واسقاط الحكم البعث هناك». وقد ترجم النظام هذه الرؤية في شعار «الطريق إلى القدس تمرّ عبر كربلاء»، الشعار الذي بات الشعار المحوري للحرب حتى نهايتها عام 1988.
لقاء من أجل السلام بين الشعبين
في شهر كانون الثاني من عام 1983، أي بعد ستة أشهر من خروج القوات العراقية من الاراضي الايرانية، جاء السيد طارق العزيز نائب رئيس وزراء العراق إلى مقر السيد رجوي في باريس ليوقعا معا بياناً للسلام بين الشعبين. وفي ما يتعلق بمطلب الشعب الايراني لاشكّ أن هذا اللقاء وهذا البيان كانا يعبّران عن عدم شرعية الحرب والإعلان عن السلام بين الشعبين. كما أن المجلس الوطني للمقاومة الايرانية صادق في شهر آذار من عام 1983 على مشروع للسلام كمقترح لإنهاء الحرب. وفي الخارج وقع أكثر من خمسة آلاف من الشخصيات السياسية من الوزراء وكبار المسؤولين ونواب البرلمانات ورؤساء الاحزاب والنقابات على بيان للسلام في الحرب. وهذا المشروع الذي كان مبنياً على اتفاقية الجزائر لعام 1975 رحّبت به الحكومة العراقية بصفته أساساً مقبولاً لمفاوضات السلام.
حملة سياسية وإعلامية داخل ايران وخارجها
خروج القوات العراقية من الاراضي الايرانية كان منعطفاً كبيراً في سنوات الحرب. بعده دخلت المقاومة الايرانية على الخط على صعيدين: في الداخل الايراني شنّت حملات سياسية وإعلامية لتوعية أبناء الشعب بأن السلام في متناول اليد وأن نظام الملالي هو الطرف الوحيد الذي يريد مواصلة الحرب ويدفع ثمنه من دماء وأموال الشعب الايراني.
ذهاب قوى المقاومة إلى العراق
بعد ما ثبت للعام ولأبناء الشعب الايراني أن السلام في متناول اليد وأن نظام خميني هو الذي يواصل الحرب للتغطية على القمع وعلى جرائمه في داخل ايران قرّر المجلس الوطني للمقاومة نقل مقر المقاومة من باريس إلي العراق. والسبب هو أن نظام الملالي كان يصرّ على الحرب لأنه كان يبحث في استمرار الحرب بقاء نظامهم. والشعب الايراني كان يدفع الثمن من دماء أكثر من مليون شخص وبأكثر من ألف مليار دولار خسائر اقتصادية. فهل من المعقول لحركة وطنية جادّة أن تقف مكتوفة الايدي تجاه هذه الخطة اللاوطني الهدّامة؟ خاصة و أن في تلك الفترة فرض النظام الايراني ضغوطاً على فرنسا لتحييد المقاومة الايرانية وزعيمها السيد رجوي. وفي أول لقاء بين زعيم المقاومة مسعود رجوي والرئيس العراقي في بغداد في 15 حزيران 1986، وصف الرئيس العراقي مسعود رجوي ب«الضيف الكريم ومجاهد السلام وحسن الجوار». وصرّح السيد رجوي قائلاً: «لانخفي عليكم أن مجاهدي خلق خاضوا الحرب ضد القوات العراقية قبل سنوات، لكن منذ أن العراق أعلن وأثبت استعداده للسلام لأبناء الشعب الايراني وللعام اجمع، فيجبت توجيه جميع الاسلحة باتجاه نظام خميني، أي الطرف الوحيد الذي يريد استمرار الحرب، خاصة وأن الشعب الايراني كافة يبحث الآن عن السلام، والرأي العام العالمي يشهد بمطلب الشعبين هذا».
تحويل الحرب العدوانية إلي حرب دفاعية
لمّا ذهبت المقاومة الايرانية إلى العراق كانت القوات العراقية في المعادلة الحربية في حالة دفاعية بحتة، وقوات النظام الايراني كانت في موقف هجومي. وكانت قوات خميني قد استولت على مناطق واسعة من العراق على طول الحدود ناهيك عن شبه جزيرة الفاو.
وبعد ما نقل مقرّ زعيم المقاومة الايرانية إلى العراق بدأت قوات المقاومة الايرانية بشنّ هجمات ضد الآلة الحربية للنظام الايراني. ومن أجل ذلك تمّ تأسيس جيش التحرير الوطني الايراني. وبدخول قوات المقاومة الايرانية في صفوف مستقلة في أرض المعركة، ولأن هذه القوات كانت في موقف هجوم بحت فإن معادلة الحرب تغيرت، وخلال عام من تإسيس جيش التحرير انتهت الحرب. بدأت قوات المقاومة بعمليات محدودة لكن بسرعة تحولت إلى عمليات كبيرة من أمثال عملية الشمس الساطعة في شهر مارس من عام 1988 وعملية الثريا الكبرى في شهر يونيو من ذلك العام. هذه العملية هي التي قصمت ظهر الآلة الحربية الخمينية. بعد ذلك خميني الذي كان يقول دائما إنه لن ينتازل عن الحرب حتى اللبنة الاخيرة من مدينة طهران، وكان يقول أن السلام دفن للاسلام، تراجع عن موقفه واستسلم أمام الواقع لأنه رآى أنّ جيش التحرير سيصل إلى عقر داره في طهران، فقال أنه يقبل وقف اطلاق النار وكأنّه يتجرع السم الزعاف. هذه لمحة من الوقائع التي سبقت قرار خميني لارتكاب المجازر ضد السجناء السياسيين. وكما كتبت في بداية هذا المقال أنه لاشكّ أن خميني اتخذ القرارين آن واحد. وللحديث بقية حول خطة النظام للقضاء على مجاهدي خلق منذ البداية وأن هناك إشارات ودلائل واضحة أن خلال الاعوام التي سبقت هذه المجزرة كان الجزارون يقولون دائما بأننا سنقضي على جيمع من في السجن إذا اقتضت الحاجة.
- See more at: http://almustaqbalnews.net/news/asia/item/15779-%D9%85%D8%AC%D8%A7%D8%B2%D8%B1-%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%AD%D9%82-30-%D8%A3%D9%84%D9%81-%D8%B3%D8%AC%D9%8A%D9%86-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D8%A7%D9%85-1988-2.html#sthash.p2nJy17v.dpuf