رغم كل المؤلفات والكتب والدراسات والأفلام والبرامج التسجيلية، ورغم الاحتفال مؤخرا بالذكرى الخمسين لانتهاء تلك الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة في شبه الجزيرة الكورية في الفترة من 1950 إلى 1953، لازال الكثيرون يشيرون إلى هذه الحرب بوصفها"الحرب المنسية"،التي جاءت في أعقاب سنوات الصراع الدامي للحرب العالمية الثانية، وتزامنت مع الحالة المزاجية التي سادت الشعب الأمريكي بعدها بالشعور بالسأم والتعب من حالة الحرب وأعبائها النفسية والاقتصادية والإنسانية الثقيلة، مما حدا بالحكومة الأمريكية والرئيس ترومان إلى إطلاق وصف"الصراع" أو"العملية البوليسية"على التدخل العسكري الأمريكي في المسرح الكوري، تجنبا لاستفزاز الرأي العام المعارض لسياسة الانغماس في حرب جديدة وفي بلد ناء لم يسمع به أحد.
وقد ترتب على هذه السياسة في تغطية الحرب جهل جانب كبير من المواطنين الأمريكيين حقيقة أن بلدهم وجيشهم مشتبكان في حرب حقيقية ضد كوريا الشمالية والصين ومن ورائهما الاتحاد السوفييتي نفسه، حتى رفضت منظمات وجمعيات المحاربين القدماء طلبات انضمام المقاتلين العائدين من كوريا، على الرغم من أن حجم القوات الأمريكية التي خدمت في كوريا بلغ مليونا وثلاثة أرباع المليون فرد، كما بلغ حجم الخسائرالتي تكبدتها القوات الأمريكية في هذه الحرب أكثر من 33 ألف فرد.
ومن الصفات الأخرى التي انفردت بها الحرب الكورية، رغم كل التغطية الإعلامية والأفلام والكتب التي صدرت عنها، أنها لم تؤثر في الوجدان أو الشعورالأمريكي العام بنفس العمق الذي وصلت إليه حربان، واحدة سابقة هي الحرب العالمية الثانية في الأربعينيات، وأخرى لاحقة هي حرب فيتنام في الستينيات.
مما سبق يمكن القول ان تعبير"الحرب المنسية"أصبح تعبيرا مخادعا وتنقصه الدقة،لأن هذه الحرب في الحقيقة والواقع لم تتعرض أبدا للنسيان، ولم تسقط من الذاكرة الجماعية للشعب الأمريكي، لسبب منطقي وبسيط، إذلايمكن عقلا لمن لم يسمع بها أصلا أن ينساها، كما أن من شاركوا فيها لا يملكون"ترف النسيان" لتجربة الحرب بكل أهوالها، حتى ولو حاول بعضهم استئناف حياتهم بعدها وكأنهم لم يتعرضوا لنيرانها.
واليوم، ورغم كل ما سبق، ورغم أن الحرب الكورية لم تعد محلا للنسيان أو التجاهل من أحد، ورغم كل ما يحظى به من شاركوا فيها من تقدير لتضحياتهم واعتراف بدورهم، سوف يظل تعبير"الحرب المنسية" مرادفا للحرب الكورية.