من كوسوفو إلى بغداد نماذج للحرب الأمريكية
غصت صحف ومواقع إسرائيل الإخبارية الالكترونية سحابة بأخبار الاستعدادات الأمريكية الخاصة بالحرب المحتملة على دمشق مستندة تارة على مصادر أمريكية رفيعة رفضت الكشف عن هويتها وتارة أخرى مستعينة بالخبراء والمحللين ما خلق أجواء تشبه تلك التي سبقت العدوان الأمريكي على العراق عام 2003 .
وفضلت مواقع أخرى استحضار تاريخ الحروب الأمريكية أواخر القرن العشرين وبداية القرن الحالي في محاولة لفهم واستجلاء طبيعة العدوان الأمريكي المرتقب على سوريا كما فعل موقع " يديعوت احرونوت " الذي نشر بحثا " تاريخيا " مطولا حمل عنوان " من كوسوفو إلى بغداد جاء فيه : لنبدأ من النهاية ، الجيش الأمريكي لن يجتاح سوريا بريا ليس بسبب الرأي العام الأمريكي الذي يعارض مثل هذا الاجتياح بل بسبب التجارب المرة في مستنقع العراق و أفغانستان التي جبت من أمريكا ثمنا بشريا واقتصاديا باهظا ولكن ومن ناحية أخرى تدرك إدارة اوباما بان ثمن عدم التدخل سيكون باهظا أيضا في مجال صورتها وثقة الحلفاء بها خاصة بعد ان رسم اوباما خطا احمرا أمام الأسد لم يحترمه مطلقا ما وضع سمعة وثقة العالم بالولايات المتحدة على المحك الصعب يسود اعتقاد واسع خاصة لدى إسرائيل بان الرد الأمريكي على جريمة السلاح الكيماوي قادم لا محالة.
ماذا يعلمنا التاريخ عن الخيارات المتاحة أمام الإدارة الأمريكية اذا لم ترغب بالتورط مرة أخرى بدفع ثمن بشري كبير ؟
هناك خيارات مثل عمليات قصف جوي وإطلاق الصواريخ من عرض البحر سبق للأمريكان ان نفذوها في ساحات مختلفة من السودان عام 1998 وحتى ليبيا قبل عامين .
حرب الخليج الأولى عام 1991 :وصل استعراض القوة الاول الذي نفذته الولايات المتحدة على 1990 بصفتها الجديدة كشرطي العالم ذروته في 17/1/ 1991 حيث قادت أمريكا ائتلافا دوليا واسعا بمشاركة 33 دولة حشدت حوالي مليون جندي 73% منهم أمريكان لإخراج الجيش العراقي من دولة الكويت التي اجتاحتها واحتلها .
ودشنت الولايات المتحدة ودول الائتلاف المرحلة الأولى من الحرب على العراق التي أطلق عليها اسم " عاصفة الصحراء" بهجوم جوي واسع ومكثف انطلقت الطائرات المغيرة من قواعد داخل السعودية ودول الخليج الأخرى إضافة لحاملات الطائرات الأمريكية واستهدفت سلاح الجو العراقي والقواعد الجوية والدفاعات الجوية ومصانع الأسلحة ومواقع إطلاق صواريخ " سكود " التي أطلق الجيش العراقي حوالي الأربعين منها باتجاه إسرائيل ونجح بإطلاق عدد أخر باتجاه السعودية ولان الولايات المتحدة أرادت في هذه الحرب استعراض قوتها وتأكيد وضعها كقوة عظمى وحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لم تتردد بإرسال قوات برية نهاية شباط من العام نفسه ودخلت هذه القوات الكويت وجنوب العراق وحسمت المعركة لصالح دول الائتلاف ودمرت الجيش العراقي الذي ظهر اقل قوة مما اعتقدت الدول المهاجمة .
الصومال 1995- 1993 أطيح عام 1991 بالرئيس الصومالي سياد بري واندلعت حربا أهلية في البلاد حولت الصومال الى دولة فاشلة بشكل كامل ومطلق لا يحكمها نظام مركزي ويعاني سكانها سكرات الموت من الجوع الذي ضرب البلاد بشدة وقسوة غير مسبوقة مضافا إليه عمليات قمع شديدة نفذتها مليشيات إسلامية متطرفة .
وعلى خلفية إعلان الأمم المتحدة فشلها في تقديم المساعدات الإنسانية للصوماليين أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب عام 1992 إرسال قوات أمريكية لقيادة قوات تدخل دولي تابعة للأمم المتحدة بهدف مساعدة الجياع وتنظيم وصول المساعدات الدولية وفقا للإعلان الأمريكي والدولي في حينه.
أرسلت الولايات المتحدة في مستهل العملية الأولى التي استهدفت الصومال في آذار عام 1993 حوالي 25 ألف جندي واستخدمت القوات الدولية المدعومة أمريكيا في الفترة ما بين 1992-1994 قوات بحرية وجوية وبرية وتلقت هذه القوات بعض الخسائر أشهرها عملية إسقاط مروحيتين أمريكيتين وسط العاصمة الصومالية مقديشو خلدها فيلم " Black Hawk Down. " الشهير.
البوسنة والهرسك 1995 قادت الولايات الامريكية المتحدة عملية قصف جوي نفذها حلف شمال الأطلسي منذ 30/8 وحى 20/9 من عام 1995 استهدفت البونسة والهرسك بمشاركة 15 دولة أرسلت ما يقارب 400 طائرة و 5000 جندي للقيام بعملية جوية لا تشمل عمليات اجتياح بري وتهدف العملية الجوية تدمير قدرات الجيش الصربي البوسني المشارك في الحرب الأهلية البوسنية وذلك على خلفية الهجمات البربرية التي شنها هذا الجيش ضد المدنيين المسلمين الموجودين في المناطق المحمية التي حددتها الأمم المتحدة .
تمت المصادقة على العملية قبل شهر تقريبا من تنفيذها لكن مذبحة " ميركل" الثانية التي وقعت في سرايغو يوم 28/8/ 1995 والتي قتل فيها 38 مدنيا وأصيب العشرات بجراح سارعت بتنفيذ العملية بسرعة وأقلعت الطائرات المشاركة بالعملية من حاملات الطائرات الأمريكية في المحيط الادراياتيكي
السودان وأفغانستان 1998 هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية عام 1998 قواعد وصفتها بالتابعة للإرهابيين في أفغانستان ومصنعا في السودان ادعت أمريكا بمساعدته زعيم القاعدة أسامة بن لادن في محاولاته تطوير أسلحة كيماوية .
وجاء الهجوم الأمريكي ردا على تفجير السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا حيث قتل فيها هذه التفجيرات 223 وجرح ما يقارب 5000 إنسان .
وامتنع الأمريكان عن إرسال قوات برية سواء إلى أفغانستان أو السودان واكتفوا بإطلاق الصواريخ الجوالة من السفن الحربية في البحر الأحمر إلى أهدافها في السودان حيث قتل مواطن سوداني واحد وأصيب العشرات في مصنع اتضح فيما بعد بأنه مخصصا للأدوية ويعرف باسم مصنع " الشفاء" فيما أصابت 75 صاروخا أطلقها الجيش الأمريكي أربع معسكرات تدريب في أفغانستان كان الهدف من عملية قصف واحدة على الأقل اغتيال بن لادن وعدد من كبار قادة القاعدة الذين تواجدوا حينها في احد المعسكرات الأربعة التي استهدفها القصف الصاروخي ويعتقد الخبراء أن فشل الصواريخ في تدمير معسكرات التدريب واغتيال بن لا دن دان وراء إطلاق الولايات المتحدة لمشروع الطائرات دون طيار لتتحول خلال عقد من الهجوم المذكور إلى وسيلة اغتيال وتصفية غاية بالدقة تستهدف نشطاء ما وراء البحار مثل أفغانستان وباكستان واليمن وغيرها .
يوغسلافيا 1999 أجبرت الحرب الأهلية التي دارت في إقليم كوسوفو الولايات المتحدة وحلف الأطلسي من خلفها تنفيذ العملية الثانية من حيث حجمها ومداها في تاريخ الحلف وانتهت بإجبار يوغسلافيا على الانسحاب من كوسوفو وأدت فعليا إلى وضع نهاية وحد لحرب يوغسلافيا التي صبغت تسعينيات القرن الماضي بلون الدم وأودت بحياة أكثر من 350 ألف إنسان .
وسرعت مذبحة " ريتشاك " التي وقعت عام 1999 وقتل فيها 45 مواطنا من مواطني كوسوفو ورفض يوغوسلافيا نشر قوات دولية تفصل بين الأطراف المتقاتلة بتدخل القوى الغربية وكان هدف العملية المعلن فرض نشر القوة الدولية الفاصلة بالقوة.
وكانت العملية في يوغوسلافيا عملية جوية ونجحت خلال ثلاثة أيام في تدمير جميع الأهداف العسكرية والإستراتيجية التي حددها حلف الأطلسي ولتدمير أهداف محصنة استخدمت القوات المهاجمة صواريخ جوالة ضربت تلك المواقع إلى جانب 1000 طائرة اشتركت بالعملية انطلقت من ايطاليا وألمانيا وحاملات الطائرات الأمريكية " ثيودور روزفلت " وشكلت القوات الجوية والصاروخية الأمريكية عماد القوة المهاجمة.
حرب أفغانستان 2001 – حتى اليوم تعتبر حرب أفغانستان الأكبر والأطول منذ حرب فيتنام وهي تخيف الأمريكان أكثر من أي حرب أخرى وتسببت بعزوف الولايات المتحدة عن التورط عسكريا في أي منطقة أخرى .
بعد أكثر من 12 عاما من التورط لا زالت أمريكا تغوص في رمال المستنقع الأفغاني وفشلت في ترك أفغانستان أمنة لا تشكل مأوى للقاعدة و" الإرهابيين " بعد أن تخرج قواتها من هذه الدولة نهاية العام الجاري .
اجتاحت أمريكا مدعومة بائتلاف دولي وساع أفغانستان ردا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر بهدف هزيمة وتدمير القاعدة التي تبنت الهجمات وطرد حركة طالبان من السلطة وهزيمة حركة الجهاد العالمي التي أنزلت بالولايات المتحدة اكبر ضربة في تاريخها .
لم تقتصر العملية التي شنتها أمريكا وحلفاؤها على استخدام قوات جوية هائلة بل تدخلا بريا أيضا حيث وصل تعداد القوات الأجنبية في ذروة العملية في أفغانستان إلى 100 ألف جندي بينهم 68 ألف جندي أمريكي وقتل طيلة سنوات الحرب حوالي 3300 جنديا أكثر من الثلثين من الجنود الأمريكان إضافة إلى أعداد كبيرة جدا من المصابين .
بدات الحرب في 7/10/2001 بعمليات قصف جوي استهدفت العاصمة كابول وقندهار وجلال اباد إلى جانب إطلاق أعداد كبيرة من صواريخ توماهوك الجوالة لكن الولايات المتحدة ورغم القتال المستمر منذ سنوات لم تنجح بهزيمة القاعدة وطالبان بشكل كامل ما اجبر الرئيس اوباما في شهر ديسمبر 2009 على الإعلان عن سحب 30 ألف جندي أمريكي .
حرب الخليج الثانية 2003-2001 شكلت اكبر عملية برية أمريكية حتى ألان وكان حجة الحرب التي اندلعت في 20/3/2003 إسقاط نظام الرئيس صدام حسين ورغم نجاح المهمة الأولى وإسقاط صدام استمرت الحرب رسميا حتى 2011 .
وادعت أمريكا وبريطانيا امتلاك العراق أسلحة كيماوية يشكل تهديدا لها وللدول الحليفة فحشدت قوات برية وصلت في أقصى حجم لها إلى 176 ألف جندي بينهم 112 ألف جندي أمريكي قتل منهم على مدى سنوات الحرب الدامية 4487 جنديا إلى جانب 300 جندي من الدول المشاركة الأخرى في الحرب وأصيب حوالي 32 ألف جندي أمريكي .
واخيرا حرب ليبيا 2011اندلعت في ليبيا حربا اهلية بين معارضي معمر القذافي ومؤيديه تدخلت على أثرها الدول الغربية مباشرة عبر عمليات قصف جوي مكثف دون حاجة للزج بقوات برية . وانتهت الحرب بإسقاط نظام ألقذافي وتركت ليبيا مدمرة .
تحياتي
بحري من عكا