عنوان الحلقة: أين طريق الهداية؟
عن الدكتور:محمد هداية
يتساءل
المسلمون اليوم لماذا ندعو فلا يستجاب لنا؟ ولماذا نتأخر بينما الآخرون يتقدمون؟
ولماذا يرى المسلمون أن الله تعالى وسّع على الكافرين والعاصين بالرزق وضيّق على
الملتزمين؟ أسئلة كثيرة متعددة تدور في أذهان الناس ويبدو لهم أنها غير عادلة فهل
هذا عدم اتزان منطقي؟
وفي البداية نتأمل قوله تعالى
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ
يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد)
فالنصر والتمكين من عند الله تعالى فهل نحن لم نُنصر لأننا لم ننصر الله تعالى؟
في الحقيقة
هذا موضوع من أدق الموضوعات التي يجب فيها الانسان بِحرص حتى لا تخرج النفس علينا
بمثل هذه الأسئلة وحتى نكون واضحين نحن لم نتربّى في منطقة الشرق على الاجتراء على
هذه الأمور وقطع النفس على هذه الأسئلة والناس تتصور أن كل ما يحصل فهو من الشيطان
علماً أن الشيطان ليس له منفذ إلا على النفوس العاصية. والله تعالى عندما حاور
الشيطان اعترف الشيطان أنه ليس له تأثيرعلى عباد الله تعالى الصالحين
(قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ
فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ
الْمُخْلَصِينَ (40) الحجر) كأنه يعترف أنه لن يقدر على أصحاب النفوس
الطائعة وجاء الرد من الله تعالى (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ
عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا
مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) الحجر) والمشكلة أن هذه الآية لا
تُشرح للناس جيداً فالناس يقولون أن الشيطان شاطر ووسوس لنا وهكذا لكن القرآن
الكريم يقول (كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)
النساء) ويقول في النساء (قَالَ إِنَّهُ مِنْ
كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يوسف) فالنساء أقوى من الشيطان
لكن النفس البشرية عندها استعداد لتطيع الشيطان ولو كانت النفس طائعة لله تعالى
لعصت الشيطان ولو كانت عاصية لأطاعت الشيطان.
البعض يقول
أنه وهو في الصلاة تأتيه وسوسة بأنه لا وجود لله تعالى أو أن يشتم الله تعالى
والعياذ بالله وعلينا أن نكون صُرحاء فالمشكلة أن الشباب لديهم أسئلة كثيرة لا
يجدون لها جواباً عند العلماء وهذا لأننا لم نتعود إيجاد الاجابات لأسئلة عديدة من
هذا النوع وإنما نكتفي بإقفال الموضوع وعدم الخوض فيه ولو أننا وضعنا إجابات لهذه
الأسئلة بحيث يتمكن الشباب من العودة إليها دون أن تترك الأمور للنفس البشرية.
وقلنا سابقاً أن النفس في القرآن الكريم جاءت في ثلاثة أنواع : النفس اللوامة
(وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) القيامة)
والنفس الأمارة بالسوء (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ
بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) يوسف)
والنفس المطمئنة (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ
الْمُطْمَئِنَّةُ (27) الفجر) وتقييد النفس هو أن تصبح لوّامة وهناك تدرج في
هذه النفس اللوامة فمنها ما يلوم صاحبها مرة في العام أو مرة في الشهر أو مرة في
اليوم أو مرة كل ثانية.
وللأسف
البعض يظن أنه يفعل ما يشاء ثم يذهب إلى الحج حتى يغفر الله تعالى له ذنوبه ولا
يذهب إلى الحج لأنه فريضة وإنما طمعاً في مغفرة الذنوب وحج البيت حق لله تعالى
والرسول r
وضّح هذه الأمور وللأسف يذهب البعض للحج وفي نيته مسبقاً أن أن الله سيغفر له ما
تقدّم من ذنبه ثم يعود فيعمل ما يشاء ثم يحج وكأنه ضامن لعمره وضامن أن لا يموت وهو
على المعصية.
ما الفرق بين الله والرب والعباد والعبيد وما الفرق بين الألوهية والربوبية
والعبودية وما العلاقة بينهم وكيف نفرّق بينهم؟
الناس لا
تعلم أن الفلسفة والمنطق القديم كان قبل الاسلام لكن بعد الاسلام وبعد استقرار
الاوضاع انتهى المنطق القديم واليوم إذا كان سيكون هناك فلسفة فيجب أن تكون بمنطق
اسلامي. في مسألة العبودية يجب أن أسأل أنا عبد لمن؟ وأسأل ما هو أول اسم لله ذُكر
في القرآن؟ كلمة (ربك) في قوله تعالى اقرأ باسم ربك الذي خلق فهي أول كلمة جاءتنا
نحن المسلمين. ولقد سبق وأوضحنا الفرق بين القرآن والكتاب وهذا الفرق يظهر في قوله
تعالى (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ
مَكْنُونٍ (78) الواقعة) وقوله تعالى (إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) القدر) قلنا أن الضمير في أنزلناه
يعود على الكتاب الذي نزل بالترتيب الذي بين أيدينا الآن نزل إلى السماء الدنيا ثم
نزل قرآنا منجّماً طبقاً للأحداث. وقلنا لماذا قال تعالى (الذي خلق) فكأن الله
تعالى يريد أن يقول لرسوله
r
أن الذي خلق من عدم قادر على أن يُقرئك من غير كتابة ولأن الخالق هو الله تعالى.
عطاء الألوهية هو الخلق وعطاء الربوبية هو كل ما تبقّى لأنه الإله الحق وحتى أقول
إن الله ربي يجب أن أكون موجوداً فوجودي هو عطاء الألوهية خلقني من غير حول مني ولا
قوة وليس لي في خلقي اختيار لا أنا ول ذريتي ولا أصولي إلى آدم
u.
وعندما يقول تعالى (اقرأ باسم ربك الذي خلق) تكون كلمة الرب جاء ت أولاً لكن الاعجاز في
الكتاب أن أول اسم جاء فيه هو الله (بسم الله الرحمن
الرحيم) فالربّ الذي خلق هو الله وحتى لا يتسرب لنفس أي مسلم أن الرب الذي
خلق هو غير الله فقال تعالى (إقرأ باسم ربك) لكن عندما قرأ محمد
r
قرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين فجاءت كلمة الله أولاً ثم كلمة
الرب بعد الإله. ففي ترتيب النزول جاءت كلمة الرب أولاً لكن عندما نوقّع القرآن في
قلوبنا نفهم أن الله سابق على الربوبية ثم اختار تعالى الحمد لله رب العالمين
وكررها كأني بالله تعالى يقول أنا الله فخلقتك من حيث لا حول لك ولا قوة ثم أعطيتك
النعم كلها باختلافها فأنا رب العالمين عصيتَ فسترتك لأني الرحمن ثم تُبتَ إليّ
فأنا الرحيم وهذا الترتيب يعطينا من هو الله تعالى.
وفي القرآن
الكريم آية يغفل عنها الكثيرون (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ
أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى
وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ
سَبِيلًا (110) الاسراء) فلما تدعو أي دعاء يجب أن تعرف أي اسم تحتاجه في
دعئك فأدعو الغفور في التوبة وآخذ المقابل لكل اسم لأن الله تعالى له صفات جلال
وصفات كمال فلا آخذ أحدها وأغفل عن الآخر فكما أدعو الرحمن يجب أن أتذكر صفة
المنتقم فلا أعود للذنب ففي كل حالة علينا أن نأخذ الصفتين صفة الجلال وصفة الكمال
وكما أنه تعالى الغفور الرحيم يجب أن أذكر أنه عذابه هو العذاب الأليم أيضاً فلا
أعود للمعاصي والذنوب.