النتائج السياسية:
أسفرت الحرب العالمية الثانية عن هزيمة الدكتاتوريات في إيطاليا وألمانيا واليابان وتراجعت مكانة القارة الأوروبية فلم تعد فرنسا وبريطانيا تهيمنان على العالم بل برز قطبان جديدان هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي كما تغيرت أنظمة الحكم بأوروبا الوسطى والشرقية حيث نشأت الديمقراطيات الشعبية وتطورت المستعمرات خارج أوروبا واتضحت المطالب المشروعة لحركات التحرر من الاستعمار وانقسم العالم إلى كتلتين متنافستين الكتلة الغربية برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية والكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفييتي ثم ظهرت على إثر حصول العديد من المستعمرات على استقلالها الدول النامية التي شكلت ما سمي بالعالم الثالث وقد كان للدول العربية الإسلامية دور فعال ضمن هذه المجموعة.
كان من نتائج الحرب العالمية الثانية عودة جميع بلدان أوروبا إلى حدودها القديمة باستثناء بولندا التي توسعت على حساب ألمانيا وانقسمت أوروبا إلى منطقتي نفوذ سوفييتية في الشرق وأمريكية في الغرب كما قسمت ألمانيا إلى دولتين واحدة في الشرق وعاصمتها برلين والثانية في الغرب وعاصمتها بون.
تأسست الأمم المتحدة على إثر انعقاد مؤتمر سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية في يونيو 1945 وقد حضر هذا المؤتمر نواب عن خمسون دولة محبة للسلام.
تمثلت أهداف منظمة الأمم المتحدة في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، تطوير التعاون الدولي، ضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحماية حقوق الإنسان.
اتفق واضعو ميثاق منظمة الأمم المتحدة على اتخاذ مدينة نيويورك مقرا رئيسيا لها وتتألف أجهزة هذه المنظمة من الهيئات التالية:
مجلس الأمن: تكون هذا المجلس في الأصل من 11 عضو (15 حاليا) من بينهم خمس أعضاء دائمين (الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد السوفييتي، بريطانيا، فرنسا، والصين) وتتمتع هذه الدول بحق النقض أو الفيتو وينتخب باقي الأعضاء لمدة سنتين ويعد مجلس الأمن صاحب السلطة الفعلية في المنظمة إذ تخول له قوانينها صلاحية استعمال القوة المسلحة للحفاظ على السلم.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي: ينسق جهود الدول الأعضاء في المجلات الاجتماعية والاقتصادية.
محكمة العدل الدولية: مقرها لاهاي بهولندا ومهمتها حل النزاعات التي تنشب بين الدول.
النتائج البشرية والمادية
دمرت مدنا بكاملها وأحدثت خسائر بشرية كبرى، فقد استعملت في الحرب مدافع ثقيلة وقنابل بكثافة حيث بلغ ضحايا الحرب (قتلى، جرحى، مشردين) أكثر من 80 مليون نسمة وأدت بالتالي إلى نقص كبير في اليد العاملة وتدني الولادات وتغيير هرم الأعمار للدول. أما الآثار الاقتصادية فتتمثل في تراجع القوة الاقتصادية لأوربا المدمرة لصالح الولايات المتحدة فكثرت مديونيتها، وانخفضت قيمة عملاتها وارتفعت أسعار السلع فيها وذلك نتيجة تحطم البنية الإنتاجية من طرق مواصلات وأراض زراعية.
عالم من الخراب
في نهاية الحرب، كان هناك ملايين اللاجئين المشردين، انهار الاقتصاد الأوروبي ودمر 70% من البنية التحتية الصناعية فيها.
طلب المنتصرون في الشرق أن تدفع لهم تعويضات من قبل الأمم التي هزمت، وفي معاهدة السلام في باريس عام 1947، دفعت الدول التي عادت الاتحاد السوفييتي وهي المجر، فنلندا ورومانيا 300 مليون دولار أمريكي (بسعر الدولار لعام 1938) للاتحاد السوفييتي. وطلب من إيطاليا أن تدفع 360 مليون دولار تقاسمتها وبشكل رئيس اليونان ويوغوسلافيا والاتحاد السوفييتي.
على عكس ما حدث في الحرب العالمية الأولى، فإن المنتصرين في المعسكر الغربي لم يطالبوا بتعويضات من الأمم المهزومة. ولكن على العكس، فإن خطة التي أنشأها وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال، سميت "برنامج التعافي الأوروبي" والمشهور بمشروع مارشال، وطلب من الكونجرس الأمريكي أن يوظف مليار دولار لإعادة إعمار أوروبا، وذلك كجزء من الجهود لإعادة بناء الرأسمالية العالمية ولإطلاق عملية البناء لفترة ما بعد الحرب، وطبق نظام بريتون وودز الاقتصادي بعد الحرب.
الأمر الذي أدى إلى سيطرة جديدة على العالم من جهة الدول المنتصرة على الشعوب الأخرى المنهزمة منها والضعيفة
وكان الهدف من الإصلاحات الأمريكية بأوروبا هو كسب دعم الدول الأوربية للقطب الغربي ومساهمتها في منع انتشار الشيوعية بأوربا، خصوصا بعد ظهور مظاهر الحرب الباردة بزعامة الاتحاد السوفياتي -القطب الشرقي- والولايات المتحدة الأمريكية-القطب الغربي-ابتداء من سنة 1946، إضافة إلى أن الإصلاحات كانت تهدف إلى إصلاح العلاقة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول المنهزمة في الحرب العالمية الثانية عكس الاتحاد السوفياتي الذي كان يطمح في فكرة الانتقام من دول المحور التي كبدت الاتحاد السوفياتي خسائر بشرية واقتصادية فادحة كما أن هذه الإصلاحات تعتبر من العوامل الأساسية للقرن20 التي حافظت على النظام الرأسمالي بأوروبا الغربية واعتبرت من العراقيل التي حالت دون انتشار الشيوعية بأوروبا الغربية ومستعمراتها بأفريقية أدت الحرب أيضا إلى زيادة قوة الحركات الانفصالية بين القوى الأوروبية، والمستعمرات في أفريقيا، آسيا وأمريكا، وحصل معظمها على الاستقلال خلال العشرين عاما التي تلت.
التطور في التقنيات العسكرية
تم استخدام الطائرات للاستطلاع، وكمقاتلة وكقاذفة قنابل وكطائرات مساندة أرضية قريبة، وكلها لعبت أدواراً بالغة الأهمية بالإضافة إلى الاختراعات التي شملت النقل الجوي (وهي القدرة على نقل أجسام أو أشخاص بسرعة فائقة إلى الوجهات المطلوبة بأوزان معقولة) وكذلك القصف الاستراتيجي (وهو قصف المباني والمنشئات الصناعية والمدن الرئيسة للعدو للتأثير على المجهود الحربي له) وكذلك اختراع الدفاع الجوي.
أيضاً تقدم المجال كثيراً فيما يتعلق باستخدام الرواصد وفي المدفعية أرض جو مثل المدفع الألماني سم فلاك 88مم، وكذلك استخدام الطائرات النفاثة بشكل فريد حيث أصبحت لاحقاً من أساسيات أي سلاح جو في العالم.
التطور حصل في كل مجالات الحرب البحرية تقريباً خصوصاً مع ظهور حاملات الطائرات والغواصات , وفي مجال الحرب الجوية فقد نالت نصيبها من التطور خصوصاً مع بداية الحرب بسبب أحداث بيرل هاربر ومعركة تارنتو ومعركة بحر كورال حيث تم تدشين حاملات الطائرات لتصبح السفينة الرئيسة المهيمنة على أرض المعركة والمسيطرة على مجريات العمليات العسكرية الجوية والبحرية في محيط الأسطول الذي يتبعها.
في المحيط الأطلسي أثبتت حاملة الطائرات سكورت أنها عنصر حيوي وهام في قوافل الحلفاء بتوفيرها حماية إضافية فعالة لتلك القوافل مع إغلاقها ثغرة منتصف الأطلسي، الحاملات تعتبر إقتصادية أكثر من السفن الحربية التقليدية وذلك بسبب قلة تكلفة الطائرات لأنها لا تحتاج إلى تدريع ثقيل كما هو الحال مع السفن القتالية عندما أثبت التدريع أنه ذو جدوى عالية خلال الحرب العالمية الأولى.
ركز البريطانيون أكثر على تطوير الأسلحة المضادة للغواصات وعلى تطوير تكتيكات الهجوم عليها مثل: تطوير السونار وتعميق تكتيك القوافل، بينما ركزت المانيا على تطوير قدراتها الهجومية عبر تصاميم مثل: غواصة Type VII وعبر تطوير تكتيك حربي يمسى الزمرة الذئبية.
التطويرات التدريجية على الأسلحة المضادة للغواصات مثل: ليج لايت و هيدجيهوق و سكواد و توربيدوس أثبتت انتصارات في الحرب العالمية الثانية.
الحرب البرية تغيرت من مفهوم الخط الثابت في الحرب العالمية الأولى إلى مفهوم الحركة الفعالة وكذلك مفهوم اشتراك الأسلحة المختلفة (وهو مفهوم بدأه الألمان حيث يكون هناك توافق بين الأسلحة المختلفة الثقيلة والخفيفة يهدف إلى الحركة السريعة للقوة المسلحة).
الدبابات التي استخدمت في الغالب لدعم المشاة في الحرب العالمية الأولى تطورت ليصبح استخدامها كسلاح أساس في الحرب العالمية الثانية. في نهاية ثلاثينات القرن العشرين تصميم الدبابات أصبح متطوراً إلى درجة كبيرة عن التصميم المعتاد في الحرب العالمية الأولى واستمر التطوير خلال فترة الحرب بزيادة قوة النيران وزيادة التدريع وزيادة السرعة.
في بداية الحرب كان أغلب القادة العسكريين يعتقدون أن دبابات العدو يجب أن تواجه بدبابات ذات مواصفات أعلى، هذه الفكرة تم تحديها مسبقاً عن طريق الدبابات ذات الأداء المنخفض والمزودة بدفع خفيف ضد الدروع , وكانت عقيدة الألمان في تلك الفترة هي تجنب أي مواجه مباشرة بين دباباتهم ودبابات العدو بالإضافة إلى مفهوم الجمع بين الأسلحة كانا هما عنصرا نجاح الاجتياح الألماني الناجح لبولندا وفرنسا حيث كانت هناك وسائل عديدة لتدمير الدبابات مثل: المدفعية الغير مباشرة كالأسلحة المضادة للدبابات (سواءً المنقولة أو ذات الحركة الذاتية)، الألغام وأسلحة المشاة ذات المدى القصير المضادة للدبابات، وفي بعض الأحيان استخدام الدبابات أنفسها.
على الرغم من المعدات الكثيرة والاستخدام ذو النطاق الواسع لها، بقي جندي المشاة هو المرجع الرئيس لجميع القوات وخلال الحرب أغلبهم كان مزوداً بتجهيزات شبيهة بتلك في الحرب العالمية الأولى.
الرشاشات ذات الاعتمادية العالية انتشرت على نطاق واسع عند أغلب القوى المتصارعة مثل: الرشاش الألماني أم جي 34 ومجموعة عريضة من الأسلحة الرشاشة الخفيفة التي استخدمت في المواجهات القريبة في المناطق الحضرية وفي مناطق الغابات والأدغال.
استعمال البندقية الهجومية حيث أن تطور الحرب دمج العديد من الخصائص للبندقية من جهة وللأسلحة الرشاشة من جهة أخرى وبالتالي أفرزت البندقية الهجومية ثم أصبحت القوة النيرانية الأساسية للمشاة في أغلب القوى المشتركة في الحرب.
أبرز القوى المتحاربة كانت تعمل على مجالات أخرى حيث كانت تحاول اختراق الحماية وحل المشاكل والتعقيدات الناتجة عن استعمال أجهزة التشفير في علم التعمية، حيث تم استخدام أجهزة شيفرات سرية وأحد أشهر ما عرف بهذا المجال هو آلة إنجما الألمانية.
التطوير في مجال استخبارات الإشارة وعلم التعمية أتاحت المجال لفك شفرات العدو , ومثال واضح له هو قدرة الحلفاء على فك شفرات البحرية اليابانية وآلة الترا البريطانية حيث كانت آلة رائدة لفك شيفرات الآلة الألمانية إنجما عن طريق الانتفاع من معلومات مكتب الشفرات البولندي حيث كانوا يفكون شفرات النسخ الأولى من آلة إنجما قبل الحرب.
جانب آخر من الاستخبارات العسكرية هو استعمال الخداع حيث استفاد الحلفاء منه بدرجة كبيرة مثل: عملية اللحم المفروم وعملية الحارس الشخصي.
كنتيجة للحرب تم تطوير أحد أكثر الإكتشافات العلمية والتقنية والهندسية مدعاة للفخر الإنساني وهو أول الحواسيب الآلية القابلة للبرمجة (زد 3، كولوسوس وإيناك).
كذلك من أبرز التطويرات التي حدثت أثناء الحرب تطوير الصواريخ الحديثة وتطوير توجيه الصواريخ وكذلك مشروع منهاتن الذي ابتكر الأسلحة النووية وكذلك بحوث العمليات وتطوير الموانئ الصناعية وتطوير أنابيب النفط تحت القناة الإنكليزية.
بدء الحرب الباردة:
يرى العديدون أن نهاية الحرب العالمية الثانية كانت نهاية بريطانيا كقوة عظمى في العالم، وبداية لتحول الولايات الأمريكية المتحدة والاتحاد السوفييتي لأكبر قوتين في العالم. كانت الاختلافات تتنامى بين هاتين القوتين قبل نهاية الحرب، وبانهيار ألمانيا النازية تدنت العلاقات بينهما إلى الحضيض.
في المناطق التي احتلتها قوات الحلفاء الغربية، تم إنشاء حكومات ديمقراطية؛ وفي المناطق المحتلة من قبل القوات السوفييتية، من ضمنها أراضي حلفاء سابقين كبولندا، أنشئت حكومات شيوعية وصفت بأنها شكلية، واعتبر البعض وخاصة في تلك الدول الشرقية بأن ذلك خيانة من قبل قوات الحلفاء لهم. وكان الكثيرون في الغرب قد انتقدوا ذلك معتبرين بأن معاملة روزفلت وتشرتشل لستالين وكأنه حليف ديمقراطي ولاموهم لتعاملهم مع ستالين في إيطاليا بذات الشكل من المهادنة الذي عومل به هتلر قبل الحرب، وبالتالي عدم تعلمهم من الخطأ السابق وتسليمهم شرق أوروبا للشيوعيين.(تشرتشل ذاته قال بعد بدء الحرب الباردة ما معناه "قتلنا الخنزير الخطأ.")
قسمت ألمانيا إلى أربع مناطق محتلة، جمعت الأمريكية والبريطانية والفرنسية لتشكل ما عرف بألمانيا الغربية، وعرفت المنطقة السوفييتية بألمانيا الشرقية. تم فصل النمسا عن ألمانيا وقسمت هي الأخرى لأربعة مناطق محتلة، والتي عادت لتتحد لاحقا مكونة الدولة النمساوية الحالية. وكوريا أيضا تم تقسيمها على خط عرض 38 شمال.
كانت التقسيمات غير رسمية؛ ولكنها كانت توضح مناطق التأثير، وساءت العلاقات بين المنتصرين بشكل مستمر لتصبح خطوط التقسيم أمرا واقعا وتمثل الحدود الدولية. وبدأت الحرب الباردة، وبسرعة أصبح العالم منقسما إلى حلفين، حلف الناتو وحلف وارسو مع بقاء بعض دول المعروفة بدول عدم الانحياز أشهرها مصر والهند.
أثر الحرب العالمية الثانية على الوطن العربي:
خلال الحرب وقفت البلدان العربية بجانب الحلفاء في مواجهة الدول الدكتاتورية، كانت تونس والجزائر وموريتانيا تحت الاستعمار الفرنسي فيما اعتبرت فرنسا الجزائر أرضا فرنسية وقد فرضت فرنسا على الدول العربية التي كانت تسيطر عليها السياسة الفرنسية وجندت شباب العرب في جيشها وظلت فرنسا إلى ما بعد سقوطها بيد الألمان تسيطر على مستعمراتها. أما مصر فقد كانت حرة مستقلة بموجب معاهدة 1936، ولكنها تعرضت لضغوط بريطانية امتدت لتشمل ليبيا بعد طرد الإيطاليين والألمان منها بعد هزيمتهم في معركة العلمين. كانت المملكة العربية السعودية واليمن مستقلتين وظلتا على الحياد فيما كانت بريطانيا تسيطر على جنوب الجزيرة العربية وعلى معظم مناطق الخليج العربي لكن لم تصل الحرب إلى الخليج العربي لكنه أصبح طريق مرور للمساعدات الأمريكية والبريطانية إلى الاتحاد السوفييتي عبر إيران و الكويت.
وقعت بريطانيا مع العراق معاهدة 1930 التي تمنحهم حق إقامة قواعد عسكرية فيه وخلال الحرب قام رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني بثورة أبريل 1941 ضد بريطانيا بالتعاون مع الألمان لكن البريطانيين قضوا على ثورته واحتفظوا بوجودهم في البلاد.
بعد سقوط فرنسا خضع لبنان وسوريا لسيطرة حكومة فيشي الموالية لألمانيا ولكن في مطلع صيف 1941 استولى الحلفاء على البلدين وانتقل الحكم فيهما إلى حركة فرنسا الحرة التي يتزعمها الجنرال ديغول. أعلنت حركة فرنسا الحرة استقلال سوريا في سبتمبر 1941 ثم استقلال لبنان في 26 نوفمبر 1941 لكن هذا الاستقلال ظل اسميا واستمر الحكم الفعلي بيد الفرنسيين وطالب الشعبان باستقلال صحيح فتحقق لهما الاستقلال سنة 1943 واستكمل اللبنانيون والسوريون استقلالهم باستلام المصالح التي يديرها الفرنسيون وتحقيق جلاء الجيوش الفرنسية عن أراضيهم سنة 1946.
وبرغم الظروف العسكرية الضاغطة انتهز العرب فرصة هزيمة الحلفاء في بداية الحرب ليجهروا بمطالبهم الاستقلالية فلجأ الحلفاء في أكثر من منطقة إلى إغداق الوعود إليهم من أجل امتصاص النقمة الداخلية التي لاقت دعما كبيرا من الألمان الذين دخلوا بدورهم بعض المناطق العربية وأحدثوا فيها تغييرات سياسية وعسكرية لمصلحتهم وخصوصا في العراق وشمال أفريقيا.
ومع ظهور انتصار الحلفاء في المرحلة الثانية من الحرب راحت وعودهم للعرب بالاستقلال تتلاشى وازدادت ممارستهم القمعية وتشددوا في حكمهم للمناطق العربية المستعمرة مما كان له أبعد الأثر في ردود فعل العرب المناهضة لهم.
حدثت في العالم بعد الحرب العالمية الثانية تغيرات سياسية كبرى تمثلت في أفول النجم الأوروبي وبروز الجبارين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي الذين سيطرا على المقدرات السياسية للعالم وقامت هيئة دولية جديدة على أسس واضحة ترعى السلام وحقوق الإنسان وتدعم تحرر البلدان الخاضعة للاستعمار.
تلك هي منظمة الأمم المتحدة التي أصبحت منبرا لكل النزاعات الدولية وقد ساعد ذلك الدول المستعمرة ومنها الدول العربية في كفاحها من أجل التحرر والاستقلال فلجأ العرب إلى كافة السبل الدبلوماسية والعسكرية لنيل استقلالها والتحرر من السيطرة الخارجية وانتهى ذلك باستقلال بعض الدول العربية كمصر التي راحت تدعم شقيقاتها التي كانت ما تزال تقاوم الاستعمار.
بدأت تظهر ملامح تضامن عربي فعال عبر التفكير بقيام هيئة عربية توحد الموقف العربي. فدعت حكومة الوفد المصرية إلى اتصالات بين الدول العربية المستقلة في ذلك الوقت وانعقد مؤتمر في الإسكندرية سنة 1944 ضم مصر وسوريا ولبنان والعراق والسعودية واليمن وشرق الأردن وتم على إثره وضع بروتوكول الإسكندرية الذي مهد لقيام جامعة الدول العربية سنة 1945 فجعل مقرها في القاهرة وراحت الدول العربية الأخرى تنضم إليها تباعا بعد استقلالها.
ومن مساوئ الحرب العالمية الثانية على الوطن العربي ظهور قضية جديدة شغلت وما تزال تشغل الحيز الأكبر من اهتمام العرب الذين جندوا لها الكثير من طاقاتهم هي القضية الفلسطينية فقد كانت بريطانيا قد شجعت على دخول اليهود إلى فلسطين خلال فترة الانتداب بهدف تطبيق وعد بلفور الذي نص على إعطائهم وطنيا قوميا في فلسطين فأدى ذلك إلى صراع بين العرب واليهود. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية رفعت بريطانيا النزاع العربي اليهودي في فلسطين إلى هيئة الأمم المتحدة وبدأت مأساة الشعب الفلسطيني عندما أقرت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية في سنة 1947.
وفي سنة 1948 أعلن الصهاينة قيام دولة إسرائيل فهب العرب إلى منع ذلك ودخلت جيوشهم إلى المناطق التي احتلها اليهود لكن مجلس الأمن التابع لالأمم المتحدة أعلن الهدنة بين الطرفين المتقاتلين فسمح ذلك للصهاينة بفرض الأمر الواقع وتكريس الكيان الصهيوني جسما غريبا في قلب الوطن العربي يعمل على تهجير الشعب الفلسطيني وتهديد أمن العرب.
تم الانتهاء