حان الوقت لإعادة التفكير بتموضع الأسطول الخامس في الخليج العربي
4:36 PM 2013-09-4
بلال صعب وجوزيف سينغ* عندما أعلنت البحرية الأمريكية نبأ نشر حاملة الطائرات الثانية هاري ترومان في الخليج العربي، في 23 تموز/ يوليو، كان من المفترض بذلك أن يخفف العبء عن كاهل النقاد الذين يعتبرون أن وجود حاملة طائرات واحدة فقط في مثل تلك المنطقة الحيوية استراتيجياً بمثابة خطر رئيسي على المصالح الأمنية الأميركية في الشرق الأوسط. لكن ذلك لن يتحقق ، لأنه لن تكون هناك حاملتي طائرات في الخليج لفترة طويلة.فقد صرح الأميرال جوناثان غرينيرت، قائد العمليات البحرية، منذ أسبوع واحد فقط، أن البحرية لن تقوم بإرسال حاملة طائرات ثانية إلى الخليج خلال السنة المالية 2014 بسبب مياهه المحصورة.
لذا يجب على النقاد أن يأخذوا نفسا عميقا وأن يرحبوا بهذه الفرصة التي فرضتها الحقائق المالية الصعبة، وإعادة النظر في وجود أميركا العسكري والاستراتيجي في منطقة الخليج العربي. فلقد حان الوقت لإعادة هيكلة وجود سلاح البحرية الأمريكية في الخليج وجعله أكثر قوة ولكن أقل كلفة في الوقت عينه. فليس عدد حاملات الطائرات هو الذي سيؤثر على خطط الولايات المتحدة والمصالح الجماعية في المنطقة بل الإستراتيجية التي ستعتمدها أمريكا في مياه الخليج المضطربة، إذ يجب على هذه الإستراتيجية أن تركز على بناء أسطول خامس بطريقة جديدة تحبذ إرسال المنصات البحرية الصغيرة السريعة الحركة بالإضافة إلى تركيزها على إقامة تعاون عسكري أكبر مع الحلفاء الإقليميين.
بطبيعة الحال، لن ينكر سوى الحمقى القيمة الدبلوماسية والعسكرية والرمزية الهائلة التي يشكلها وجود حاملات الطائرات هناك. ومع ذلك، فإن فوائد عمليات نشر حاملات الطائرات يجب أن لا تجعل المراقبين يفترضوا أن هذه السفن العملاقة قد تعتبر بالضرورة الأداة العسكرية الأسلم والأكثر فعالية التي من الممكن لأمريكا أن تقوم بنشرها في كافة السياقات الإستراتيجية. إنّ ضيق حيز الخليج العربي هو أحد الأمثلة التي قد تعتبر بشكل نسبي من أقل الخيارات مثالية في تلك المنطقة. ولذلك، فإن القرار الذي اتخذته البحرية الأميركية خلال شهر تموز/ يوليو الماضي بالقيام بنشر أسطول من سفن الدورية الساحلية الصغيرة، في الخليج يستحق الإشادة به.
الصعوبات و العقبات
إنّ عدم ملاءمة حاملة الطائرات لمعركة الخليج العربي تنبع من الخصائص الجغرافية للمنطقة – وخاصة في مضيق هرمز - والإستراتيجية العسكرية الإيرانية المعلنة في حالة نشوب نزاع هناك. وتتميز الإستراتيجية الإيرانية المزمعة بشن هجمات متعددة المستويات والطبقات تتضمن الألغام البحرية، والهجمات بالزوارق السريعة وبالصواريخ الجوالة المضادة للسفن التي تطلق من البرّ.
تجدر الإشارة إلى أنه من الممكن للقوات الإيرانية أن تقوم بنشر ترسانة مكونة من أكثر من ألفي لغم بحري لإبطاء وصول سفن البحرية الأميركية العاملة في المضيق. هذا التكتيك يسهل استهداف سفن السطح العائدة للولايات المتحدة من خلال "الهجمات بواسطة حشود من الزوارق الصغيرة " المستخدمة من قبل فيلق الحرس الثوري الإيراني، أي أسطول صغير من الزوارق المسلحة بقذائف الطوربيد وراجمات الصواريخ وغيرها من الأسلحة المضادة للسفن التي تقوم بشن هجمات سريعة وفتاكة في آن. من الممكن أن تقوم قوات الحرس الثوري الإيراني بجعل هذه الزوارق الصغيرة تتمركز في المئات من "نقاط الإطلاق الساحلية" التي تحيط بالخليج، بما في ذلك الجزر الصغيرة والخلجان، وأن تقوم بتوفير الغطاء لها مما سيمكنها من القيام بشن هجمات مفاجئة انطلاقاً من مسافات قصيرة.
ويمكن للقوات الإيرانية، في الوقت نفسه، أن تبدأ بإطلاق الصواريخ الجوالة المضادة للسفن من البر، وأن تستهدف السفن الأميركية البطيئة الحركة وصولاً للسفن الأفضل والأسرع. أما أشد الأسلحة الإيرانية المضادة للسفن فتكاً فهي صواريخ سانبيرن Sunburn الروسية الصنع، التي تنطلق بسرعة تفوق ثلاثة أضعاف سرعة الصوت والتي يمكن أن تحلق على ارتفاع منخفضة يصل إلى حوالي العشرين مترا فقط من سطح الأرض، بالإضافة إلى قدرتها على أداء مناورات للمراوغة لتشتبك بعد ذلك بهدفها بفعالية تامة.
كما يستطيع صاروخ سانبيرن أن يصل في مضيق هرمز، الذي يبلغ عرضه 21 ميلاً في أضيق نقاطه، إلى أي سفينة خلال دقائق قليلة فقط. ومن ناحية أخرى، فإن القيام بضربات مضادة لقواعد راجمات الصواريخ البرية الإيرانية المذكورة تلك، والتي غالباً ما تكون متحركة في معظم الأحيان، سيكون شديد الصعوبة علاوة على أنه سيستغرق وقتاً طويلاً نظراً للسواحل الإيرانية الجبلية المطلة على الخليج. فالتضاريس هناك توفر الغطاء وسبل التخفي لمواقع إطلاق الصواريخ الجوالة بالإضافة إلى توفير نقاط رصد مثالية لاستهداف السفن المعادية.
وباختصار، فإن ضيق الخليج نسبياً سيمكن القوات الإيرانية من التغلب على العديد من مزايا التفوق التكنولوجي التي تتمتع بها القوات الأميركية في مجالات المراقبة والاستهداف.
ففي هذه المياه المحصورة، نجد أن الاشتباكات ما بين القوات الإيرانية والأميركية يمكن أن تتم انطلاقاً من مسافات قريبة جدا.
خطورة التهديدات الإيرانية غير المتكافئة ليست بجديدة بالنسبة للمخططين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة. ففي العام 2002، قام الجيش الأميركي بتنفيذ لعبة حربية بقيمة 250 مليون دولار أطلق عليها اسم "تحدي الألفية" أو Millennium Challenge ، وهي تمرينات قامت خلالها حشود من الزوارق الصغيرة السريعة الحركة، بشن هجمات مكثفة ضد قافلة بحرية واستطاعت إلحاق أضرار مدمرة في مواجهة السفن الأكثر قوة."
ووفقا للتقارير الصادرة عن لعبة التمارين الحربية تلك، فقد تمت هذه العملية في أقل من عشر دقائق، وبعد ذلك نجحت القوات التي تلعب دور " دولة الخليج العربي" بإغراق 16 سفينة الولايات المتحدة، بما في ذلك حاملة طائرات. أما بالنسبة للقوات الأميركية على مستوى المحاكاة، فإن العدد الهائل وسرعة هجمات حشود الزوارق السريعة المجهزة بالصواريخ بالإضافة إلى الصواريخ البرية الجوالة، استطاعت أن تتغلب على السفن الأميركية الأكثر قدرة وتفوقاً.
نحو بصمة حربية اقل ثقلا
يعتبر قرار البنتاغون بنشر أسطول من سفن الدورية الساحلية من فئة سيكلون Cyclone في الخليج العربي من الخطوات المرحب بها فعلاً. فهي أكثر صعوبة للتحديد والاستهداف بالمقارنة مع السفن القتالية الكبيرة مثل الفرقاطات والمدمرات، بالإضافة إلى أنها تستطيع أن تصل إلى مدى أعمق في المناطق المطلة على المضيق للاشتباك بطريقة فاعلة مع أسطول الزوارق الإيرانية السريعة.
ويشكل نشر سفن الدورية الساحلية السريعة المزودة بصواريخ غريفينGriffin القصيرة المدى تغييرا جوهريا في طرق المقاربة التي ستنتهجها الولايات المتحدة الأميركية في إستراتيجيتها الطارئة. فبموجب برنامج سفن القتال الساحلية، تحدث المسؤولون في البحرية الأميركية عن طريقة "القبس والتشغيل"(Plug and Play) المتبعة بالإضافة إلى أنظمة الاستشعار والأسلحة المختلفة التي يتم تجهيز السفن الفردية بها للرد على التهديدات المحددة تمثل الخطة الإستراتيجية الصحيحة للقتال المحتمل في مضيق هرمز. فبدلاً من الاعتماد على السفن الكبيرة والمكلفة لتنفيذ جميع هذه المهام، يمكن للبحرية أن تقوم بنشر وتوزيع هذه القدرات بشكل أكثر فعالية، وبالتالي الحد من الكلفة والخسائر التي قد تتكبدها خلال الصراع.
يمكن لسفن الدورية الساحلية أيضاً، أن تعتبر أكثر عقلانية من الناحية السياسية وأن تقوم بتوفير وتعزيز تعاون أعمق في مجال الدفاع مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة الذين لديهم قوات بحرية صغيرة بقيادة سفن حربية صغيرة نسبيا مما من شأنه أن يقوم بتسهيل تقاسم الأعباء الحقيقية مع الشركاء في المنطقة، والسماح بمزيد من الحريات الفردية والتخصص للقيام بمهام خاصة مثل عمليات المكافحة والتخلص من الألغام. وهذا من شأنه أن يوفر الأموال أيضا.
قد يقوم بعض النقاد بالقول أن مجرد قيام الولايات المتحدة بسحب حاملة الطائرات من مضيق، سيتسبب بانخفاض ملحوظ في قدرتها على سرعة نشر قواتها الجوية في الخليج. فمن المؤكد أن غياب حاملة طائرات قادرة على تشكيل عدد كبير من الطلعات الجوية التكتيكية في الصراع مع إيران في المضيق، سيكون أكثر صعوبة. لكن التقييم المستقبلي الشامل لتوجيه ضربة ضد إيران يشير إلى أن القوات الجوية المنتشرة على الجبهة الأمامية يمكنها أن تقوم بتحقيق هذا الهدف عملياً. وعلاوة عن ذلك، فإن قيام البحرية بإطلاق عدد كبير من الطلعات الجوية لحماية أغلى منصة بحرية لديها قد يعد من الأمور الثانوية.
من ناحية، قد تعكس هذه الحركة ببساطة صعوبة الخيارات التي يتطلبها هذا الأمر. فقد يجد كبار المسؤولين في البحرية أن سفن الدورية الساحلية كافية للردع، لكن من الممكن أيضاً أن تأخذ الأمور منحىً مختلفاً في استراتيجيات الانتشار في زمن الحرب. في الواقع، وفي كافة الأحوال، فإن سفن الدورية الساحلية هي من القرارات الجيدة لكلي الاحتمالين. إذ يتعين على صناع القرار تبني هذه التغييرات، بغض النظر عما دفعهم القيام باتخاذها والقيام بذلك بجزء صغير من الكلفة. إذ يمكن للبحرية الأميركية، في هذه الحالة، أن تلتهم كعكتها وتحتفظ بها في آن معاً.
* بلال صعب: المدير التنفيذي ورئيس قسم الأبحاث في مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (INEGMA) في أمريكا الشمالية.
*جوزيف سينغ : مساعد أبحاث لدى مؤسسة INEGMA في أميركا الشمالية.
http://www.sdarabia.com/preview_news.php?id=30273&cat=9