«المساء» التقت الشبوكي، وهو رجل في منتصف العمر، لا يعمل حاليا ويصرف وقته لتطوير اختارعه، ولو في شقه النظري. كان يتحدث عن اختراعه ومجال ابتكار صواريخ حربية بحماس كبير. «أصبحت الصواريخ سلاح القرن الواحد والعشرين بدون منازع، وباتت عماد الدفاع والهجوم في آن واحد وازدادت دقتها في إصابة أهدافها، حتى إنها أصبحت تؤدي الدور القتالي الذي كانت الطائرات الحربية تقوم به من قبل»، يتحدث الشبوكي بنبرة متحمسة، مستغرقا في شرح أمور تقنية تتعلق بتطور صناعة الصواريخ وتنافس الدول الحديثة على ذلك، «هناك منافسة كبيرة بين الدول المتطورة في مجال صناعة الأسلحة من أجل تطوير صواريخ أكثر دقة وموثوقية من حيث إصابتها للأهداف وقوتها التدميرية، وهذه الصواريخ مكلفة كثيرا ويصرف الجيش المغربي من أجل اقتنائها أموالا طائلة، فصواريخ «الهاوك» مثلا، وهي صواريخ تتجلى وظيفتها في أنها مضادة للطائرات فقط، يصل سعرها إلى نحو 30 ألف دولار للبطارية الواحدة، علما أن البطارية الواحدة تعمل لثلاثة صواريخ. الابتكار الذي تمكنت من تطويره أفضل بكثير من «الهاوك» لأنه متعدد الاستعمالات، جوا وبحرا وبرا، وليس مثل «الهاوك» الخاص فقط بقصف الطائرات، كما أنه أقل تكلفة منه»، يردف الشبوكي.
لكن كيف تمكن هذا البيضاوي البسيط من تطوير سلاح في غاية الدقة كما يدعي؟
سؤال يمكن الإجابة عنه من خلال مسار الشبوكي، الذي طار إلى فرنسا مباشرة بعد حصوله على الباكالوريا بآسفي. وفي مدينة سانتيتيان درس الميكانيك العام قبل أن يهاجر إلى سويسرا لإتمام دراسته بالمدرسة العليا للمهندسين. لأسباب مادية لم يكمل الشبوكي دراسته ليهاجر إلى ألمانيا وينصرف إلى مجال الاختراع. «في سنة 1982 شرعت في مجال الاختراع، وفي سنة 1985 سجلت أول اختراع لي وكان عبارة عن سلاسل بدواليب للسيارات تحل مشكل السير في الثلج»، يقول الشبوكي قبل أن يضيف، «في سنة 1993 ابتكرت أربعة اختراعات في مجال الماء، حصلت كلها على جوائز قبل أن أشارك في مسابقة للاختراعات بالدار البيضاء سنة 1997 بعدما تمكنت من ابتكار جهاز إلكتروني لمراقبة رشاشات مياه الحمام والتحكم فيها بشكل يساعد على اقتصاد الماء، كما اخترعت آلة لمنع تسرب الغازات والحشرات والجرذان والمياه العادمة ومياه الفيضانات عبر قنوات الصرف الصحي إلى المراحيض بالمنازل، كما صنعت آلة لتخزين مياه الأمطار، كما طورت تقنية تحول دون انفجار قنينات الغاز المخصصة للطبخ».
اختراعات الشبوكي هاته كانت تنجز بتزامن مع دراسته التي كانت وراء هوسه المتمثل في صنع صواريخ. هذا الهوس ظل حبيس جدران خطاطات الشبوكي ولم يبارح جذاذاته وما يدونه بها نظرا لارتفاع كلفة الإنجاز فضلا عن منع القيام بتجارب عسكرية في المغرب، «منذ سنة 1987 وأنا أشتغل على مشروع أكثر أهمية وتعقيدا، ويتعلق الأمر بإنجاز نظام رصد عسكري وتتبع للأهداف الثابتة والمتحركة بدقة عالية. بعد 25 سنة من البحث والتنقيب استطعت إنجاز نظام يمكن من استعماله كرأس ذكي للصواريخ ذات الدقة العالية، بل أكثر من هذا، فهذا الاختراع يمكن استخدامه في عدة مجالات للدفاع، أرضا وجوا وبحرا، ولمسافات متفاوتة، قصيرة ومتوسطة وطويلة، وفي جميع أحوال الطقس والمناخ»، يشرح الشبوكي مضيفا: «فكرة هذا الابتكار هي تحقيق تكنولوجيا «اطلق وانس» أو «Fire and forget» التي تجعل الصواريخ أداة دفاع ذكية ذات دقة عالية، فكلما زادت دقة الصواريخ تمت إعادة النظر في المعدات الكبيرة كالطائرات والدبابات والسفن الحربية، والأهم من هذا كله هو أن هذا الابتكار يستطيع رصد وتتبع كل الأهداف التي يصعب رصدها بأجهزة الرادار. هذا النظام الدفاعي المتكامل يشمل القوات البرية والبحرية والجوية لأنه يرصد الطائرات الحربية والمروحيات والدبابات والمركبات العسكرية وكذلك السفن والبوارج الحربية».
خلف هذه التوضيحات العامة تختفي تفاصيل تقنية يشرح من خلالها الشبوكي مشروعه، وتختفي أيضا تفاصيل رحلة بدأها هذا المخترع بطرق أبواب الجيش. انطلقت الرحلة سنة 2006 بالرسالة التي وجهها الشبوكي إلى الملك. لم يتصل به أحد حينها، انتظر حتى سنة 2010 ليتم استقباله قصد عرض مشروعه، «في هذه السنة اتصلت هاتفيا بالإدارة العامة للتسليح العسكري وحصلت على موعد. توجهت إلى تواركة بالرباط حيث توجد الإدارة. سمحوا لي بالدخول بعدما شرحت لهم غايتي، كان الجميع مرتديا بذلات عسكرية، استقبلني أحد الكولونيلات بمكتبه قبل أن ينضم إليه آخر. كان ملفي لديهم وأخبروني أنهم قاموا بدراسته، كما وعدوا بالاهتمام بالموضوع، ولكنهم لم يعاودوا الاتصال بي منذ ذلك الحين»، يبرز الشبوكي.
لم يتوقف هذا المخترع عند هذا الباب بل طرق بابا آخر تجلى في رئاسة الحكومة، «بعد فترة الانتخابات وقبل تعيين الحكومة توجهت عند السيد الحبيب الشوباني، القيادي في حزب العدالة والتنمية، والذي أصبح الآن وزيرا، وعرضت عليه ملفي ووعدني بأن يرفع الملف إلى من يهمه الأمر. وقبل أيام توجهت إلى منزل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، والتقيته وهو خارج من منزله، وعرضت عليه ملفي وأخبرني أن المجال العسكري ليس من اختصاصه، وقال لي إنه سيعرض الأمر على جلالة الملك إذا كانت هناك فرصة»، يستطرد الشبوكي.
لم تحن الفرصة بعد ومازال حلم الشبوكي لم يتحقق، «لقد اكتمل مشروعي الآن بعدما خصصت له كل وقتي، حتى إنني اقترضت مبلغ 8 ملايين سنتيم من البنك لإجراء أبحاثي والآن أنا ملزم بأداء الدين الذي بذمتي. أتذكر عندما كنت في ألمانيا والتقيت بمولاي هاشم العمراني، الذي كان ملحقا عسكريا في مدينة بون الألمانية، وكان هو من شجعني على تطوير الفكرة، ولكن يبدو أنه ليست هناك تشجيعات للصناعة العسكرية في المغرب، وهو ما يضطر الكفاءات إلى أن تغادر المغرب وتعمل بمؤسسات عسكرية أجنبية كبرى»، يخلص الشبوكي.
http://www.almassae.press.ma/node/44543