لم تعد مشكلة بائعات
الهوى في روسيا تقتصر على «فراشات الليل» اللواتي تُصدَر مئات الألوف منهن
سنوياً الى «الأسواق» الداخلية والخارجية، بل امتدت الى مؤسسة الجيش الذي
يعاني مشكلات كبرى لا تخفف سلبياتها الجهود الهائلة التي أطلقتها موسكو
لتطويره واعادة بنائه.
والحديث هذه المرة عن شبكات دعارة حولت كثيرين من المجندين الجدد الى
بائعي هوى، يجبرون على ممارسة البغاء لمصلحة «مافيا» الجنود الأقدم منهم
في الخدمة.
والحادث الذي اطلق شرارة الفضيحة الجديدة شهدته عاصمة الشمال سان
بطرسبورغ، بعدما قدم جندي في الوحدة العسكرية الرقم 3727 التابعة لوحدات
الأمن الداخلي شكوى الى منظمة «امهات الجنود» مؤكداً انه تعرض للضرب
المبرح والتعذيب بالكهرباء لإرغامه على تلبية الأوامر.
الأوامر المقصودة ليست التدريبات العسكرية او المهمات التي ذهب الجندي الى
الخدمة للتدرب عليها، بل أن يتحول الى «بضاعة» تدر مالاً على المشرفين
عليه، وذلك بالتسول في الطرقات العامة! وإذا كان الجندي شحاذاً فاشلاً،
عليه «تدبير» المبلغ المطلوب منه يومياً، بوسيلة اخرى.
وكشفت المسؤولة في منظمة «امهات الجنود» ايللا بولياكوفا، ان الضباط
المسؤولين في النيابة العامة العسكرية وقيادة الوحدة التي تبعد خطوتين عن
متحف الارميتاج، كانوا على علم بما يجرى داخل الوحدة.
اما رسلان بينكوف، وهو مسؤول آخر في المنظمة فكشف تفاصيل مروعة، اذ قال ان
لوائح زبائن بائعي الهوى تضم اسماء ضباط بارزين في وحدات الأمن الداخلي
والأجهزة الامنية، وثمة لوائح لزبائن بينهم جنرالات كبار.
ونقلت اذاعة «صدى موسكو» عن مدافعين عن حقوق الانسان ان شبكات الدعارة
التي أُسست بهذه الطريقة تضم كثيرين، ولدى الجنود - الضحايا دفاتر تلفونات
تحوي ارقام الزبائن الذين يجب التوجه اليهم، وهي تسلم الى المجندين الجدد
جيلاً بعد آخر، في اشارة الى ان المشكلة قديمة ومستفحلة.
وقال ديميتري، وهو احد الفارين اخيراً من وحدة سان بطرسبورغ، انه مارس
التسول لفترة في الباصات العامة، وعندما كان يعود بمبلغ زهيد يعاقب
بحرمانه من النوم ليوم كامل. وأوضح ان «التسعيرة» المطلوبة منه ومن زملائه
تقارب ألف روبل يجب ان تدفع في شكل منتظم الى الجنود الأقدم منهم في
الخدمة، وإذا لم يأتِ المبلغ من التسول فـ «عليك ان تعمل!». وفي مؤشر الى
حجم تفشي الظاهرة قال ديميتري انه في بعض الأيام كان يغيب عن المبيت مرة
واحدة عشرة من اصل 35 مجنداً جديداً، ويؤمّن زعماء الشبكة غيابهم بإصدار
اجازات يومية لهم، في ظل غياب شبه كامل للضباط الذين «نادراً ما يدخلون
الى مهجع الجنود».
واضافة الى الزبائن الدائمين المسجلة اسماؤهم في الدفاتر، يقدم الجنود
«خدماتهم» للمناوبين على حراسة حواجز التفتيش على بوابة الثكنة. فهؤلاء
يشعرون بالملل خلال الحراسة، ولا يندر ان يتصل احدهم طالباً إرسال «فتاة».
وتشير الناشطة الحقوقية فالنتينا ميلنيكوفا الى ان هذه المشكلة تتفاقم لدى
وحدات عسكرية كثيرة، اذ «يكفي ان يراقب المرء بوابة الوحدة 83420 في موسكو
بعد التاسعة مساء، ليرى سيارات كثيرة تأتي لاستلام جنود الليل». واللافت
في حديث ميلنيكوفا ان هذه الثكنة تابعة لوحدة حراسات رئاسة الأركان ووزارة
الدفاع، وعدد من المنشآت الأخرى.
وفي حين ان قسماً من «فتيان الليل» يجبرون على ممارسة البغاء، فإن آخرين
اعتادوا على ذلك وتوصلوا بمرور الوقت الى عقد اتفاق مع المشرفين عليهم
لتقاسم الأرباح. وقال جندي ان عدداً من زملائه اغتصبوه بعد اسابيع على
التحاقه بالخدمة، وفي اليوم التالي جاء ضابط وأمره بأن «يخدم زبونين»
وعندما رفض قدم له صوراً التقطت اثناء عملية الاغتصاب، وقال ان والدة
الجندي «ستحصل على نسخ».
ويفضل كثيرون من المجبرين على ممارسة البغاء الصمت خوفاً من الفضيحة، أو
كما قال أحدهم: «سأنهي خدمتي بعد وقت، ولن أتذكر هذه المأساة أبداً». لكن
آخرين يتحولون الى العنف وربما القتل، وتؤكد النيابة العسكرية ان حوادث
العنف تزداد باضطراد داخل الوحدات العسكرية، والامثلة كثيرة، منها قضية
فيتالي سالوس الذي حوكم لإطلاقه النار على ستة عسكريين بطريقة وحشية، وبعد
صمت طويل خلال المحاكمة اعترف بأنهم اعتدوا عليه مرات. فيتالي حُكِم عليه
بالسجن ثماني سنوات.
وأبلغ مصدر مسؤول في وزارة الدفاع «الحياة» ان تحقيقاً داخلياً يجري
حالياً للتأكد من وقوع انتهاكات من هذا النوع، لافتا الى ان الوزارة تقوم
بتحقيقها بالتوازي مع النيابة العامة العسكرية. واضاف المسؤول انه «لم
يثبت حتى الآن اي شيء لكن التحقيق مستمر واذا تأكدنا من وقوع تجاوزات من
هذا النوع فسيتم فتح تحقيق جنائي وتقديم المسؤولين الى العدالة»، معتبرا
انه من المبكر التعليق على المعلومات التي قدمتها المنظمات الحقوقية وبعض
وسائل الاعلام.
جميع الحقوق محفوظة لدنيا الوطن