أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.

كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»

حفظ البيانات؟
الرئيسية
التسجيل
الدخول
فقدت كلمة المرور
القوانين
البحث فى المنتدى


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول



 

  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Field Marshal Medo

مشرف سابق
لـــواء

مشرف سابق  لـــواء
Field Marshal Medo



الـبلد :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Egypt110
العمر : 39
المهنة : قائد
المزاج : عنيد - شرس - بفتل من الصبر حباااال
التسجيل : 26/08/2012
عدد المساهمات : 2653
معدل النشاط : 2303
التقييم : 108
الدبـــابة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B3337910
الطـــائرة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B91b7610
المروحية :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 5e10ef10

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 111


 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Empty

مُساهمةموضوع: كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»    كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Icon_m10الخميس 26 سبتمبر 2013 - 9:40

«الوطن» تنفرد بنشر مذكرات الرئيس الأسبق «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»

كتب : الوطنالخميس 26-09-2013 09:01


 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 154508_660_4157686_opt
حرب اكتوبر
لماذا تنشر «الوطن» مذكرات محمد حسنى مبارك فى حرب أكتوبر؟!..
 سؤال لابد أن يتبادر إلى الذهن فى ظل الأوضاع السياسية المتوترة منذ ثورة 25 يناير حتى اليوم..
 قد يبدو الأمر للبعض محاولة لإعادة تجميل الرجل القابع فى إقامته الجبرية بمستشفى «المعادى العسكرى»..
غير أن الصحافة تجيب عن هذا السؤال دائماً من مساحة مسئوليتها أمام قرائها: إنها الحقيقة التى ينبغى أن يعرفها الجميع..
الحقيقة من وجهة نظر كاتبها..
 ولكل شخص منا الحق فى اتخاذ وجهة النظر التى يؤمن بها..!
 خاضت «الوطن» منافسة حقيقية وحامية مع صحف عديدة من مصر على هذه «المذكرات».. ولأنها اعتادت الانفراد لقارئها المحترم بالمضمون الحصرى..
 فازت بها وبمقدمة مبارك بخط يده..
ونحن إذ ننشرها إنما نقدمها للقارئ بمناسبة مرور 40 عاماً على نصر أكتوبر المجيد، والذى كان مبارك أحد رموزه..
أياً كان خلافنا أو اتفاقنا معه أو عليه..
 ليس هذا فقط..
 وإنما مع انفرادين آخرين يمثلان إضافة جديدة لذاكرة التوثيق لهذا الحدث العظيم.
الأول هو مذكرات أحمد أبوالغيط وزير الخارجية الأسبق بعنوان «شاهد على الحرب والسلام» والتى بدأنا نشرها حصرياً أمس..
 والثانى المذكرات الشخصية للمشير أحمد إسماعيل وزير الحربية فى حرب أكتوبر والتى دوّنها بخط يده، ولم تُنشر من قبل، وتنفرد «الوطن» بنشر حلقاتها اعتباراً من الأحد المقبل.
إنها حرب أكتوبر وقصة البطولات المصرية التى نوثقها للأجيال الحالية والقادمة..
 وإذا كان الكثيرون -ونحن منهم- نختلف مع فترة حكم مبارك،
 فإن هذا لا يعنى طمس تاريخ هذه الحرب المجيدة التى خاضها الجيش المصرى العظيم،
وكان «مبارك» خلالها قائداً للقوات الجوية التى صنعت أعظم بطولات هذه الحرب. اليوم..
 ننشر قصة كتابة هذه المذكرات ومقدمتها وبناءها..
 واعتباراً من السبت المقبل ننشر حلقاتها كاملة حصرياً.
http://www.elwatannews.com/news/details/330020


و ان شاء الله سيتم ادراج الحلقات بمجرد نشرها علي الصفحة الالكترونيه للجريده
و الحلقات الخاصة بالمشير احمد اسماعيل بموضوع اخر



عدل سابقا من قبل Field Marshal Medo في السبت 28 سبتمبر 2013 - 10:12 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
LittleBird

عمـــيد
عمـــيد
LittleBird



الـبلد :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Egypt110
العمر : 33
المهنة : خير أجناد الأرض
المزاج : رايق
التسجيل : 05/10/2012
عدد المساهمات : 1692
معدل النشاط : 1591
التقييم : 115
الدبـــابة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B3337910
الطـــائرة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 0dbd1310
المروحية :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 5e10ef10

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Empty10

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Empty

مُساهمةموضوع: رد: كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»    كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Icon_m10الخميس 26 سبتمبر 2013 - 9:50

مهما حدث أخي يظل قائد الضربة الجوية الأولي


تحياتي لك

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Field Marshal Medo

مشرف سابق
لـــواء

مشرف سابق  لـــواء
Field Marshal Medo



الـبلد :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Egypt110
العمر : 39
المهنة : قائد
المزاج : عنيد - شرس - بفتل من الصبر حباااال
التسجيل : 26/08/2012
عدد المساهمات : 2653
معدل النشاط : 2303
التقييم : 108
الدبـــابة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B3337910
الطـــائرة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B91b7610
المروحية :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 5e10ef10

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 111


 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Empty

مُساهمةموضوع: رد: كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»    كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Icon_m10الخميس 26 سبتمبر 2013 - 9:59

القصة الكاملة لمذكرات «مبارك» فى حرب أكتوبر «السادات» أوصى بها.. ونائبه أملاها فى 1978
السادات كان مولعاً بالتوثيق لذلك طلب من «مبارك» تسجيل مذكراته فى الحرب.. وكلف رشاد رشدى بكتابتها.. و«رشدى» اعتذر لأنه كتب «البحث عن الذات» ورشح المرحوم محمد الشناوى
كتب : نشوى الحوفيالخميس 26-09-2013 09:01


 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 154509_660_4157082_opt
المذكرات تكشف العلاقة بين السادات ومبارك
لماذا مذكرات مبارك الآن؟ سؤال لا بد أن يكون مطروحاً، وأنت تقرأ كتاب «كلمة السر.. مذكرات محمد حسنى مبارك. يونيو 67 - أكتوبر 73»، والذى يصدر عن دار «نهضة مصر». إن للسؤال إجابات عدة، أولاها: الأقدار التى شاءت أن تخرج تلك المذكرات التى سجلها مبارك فى نهاية السبعينات مع الإعلامى الراحل الأستاذ محمد الشناوى، ولكنها لم تصدر فى حينها حيث احتفظ بها محررها، ونسيها صاحبها.. إلى أن وصلت إلى الكاتب السياسى عبدالله كمال منذ عدة أشهر، فتأكد أنها تخص الرئيس الأسبق، وتولى إعادة تحريرها والتقديم لها.

لقد حاول محرر المذكرات فى 2013 إبلاغ الرئيس الأسبق حسنى مبارك بعثوره على هذا الكنز الخاص الذى كان قد تم الانتهاء من إعداده فى ما بين عامى 1978 و1979.. أرسل لوسطاء مختلفين، ثم كان أن تعرف مبارك على مذكراته المنسية عبر محاميه الأستاذ فريد الديب، إلا أن الإجابة لم تأت إلا بعد إخلاء سبيل مبارك مؤخراً. ومن ثم عرض كمال على دار «نهضة مصر» طباعتها ونشرها فى كتاب، فرحبت بذلك وبشدة.
اقتباس :
«مبارك» كتب مذكراته فى صورة «مبارزة» مع قائد سلاح الجو الإسرائيلى فى حرب 1967
لماذا كان الترحيب من جانبنا؟ ذلك هو السبب الثانى فى قائمة أسباب نشر مذكرات الرئيس الأسبق، إذ نؤمن بأهمية التوثيق وأن نستمع لأبطال الأحداث وشخوصها -سواءً اتفقنا أو اختلفنا معهم- لا نأخذ جانباً على حساب الآخر. ولو كتب الرئيس الأسبق أو من تلاه فى الحكم مذكراته لنشرناها، ويبقى الحكم لكل الناس. وهذا هو السبب الثالث فى اختيار نشر تلك المذكرات التى تمنحك قدراً من الرؤية فى كيفية الحكم على شخصية الرجل. ذلك أن الحكم على مبارك الضابط والقائد قد يختلف عن الحكم على مبارك الرئيس.‬

فى دار نهضة مصر لم يكن نشر مذكرات مبارك الأولى عملاً عادياً، وعابراً، ولكنه جاء فى إطار خطة متكاملة، للاحتفال بذكرى مرور 40 عاماً على حرب أكتوبر 1973.. تلك الحرب التى صنعت مجد مصر، وحررت أرضها، وقام بها جيل قدير لن ينساه التاريخ.. وفى الخطة، بل وفى نفس اللحظة التى تصدر فيها مذكرات مبارك «كلمة السر» سوف ننشر أيضاً كتاب «مشير النصر - الأوراق الخاصة للمشير أحمد إسماعيل»، وزير الدفاع فى حرب أكتوبر، التى كتبها مجدى الجلاد رئيس تحرير جريدة «الوطن».. كما ننشر مذكرات وزير الخارجية الأسبق أحمد أبوالغيط - شاهد على الحرب والسلام.. وهو يبدأها من وقت أن كان مساعداً لمستشار الأمن القومى المرحوم حافظ إسماعيل، حيث كان دبلوماسياً فى غرفة العمليات السياسية للحرب على إسرائيل.. فى أكتوبر 1973، وصولاً إلى مراحل التفاوض السياسى مع إسرائيل بعد ذلك، حيث كان معاصراً ومشاركاً وفاعلاً فى مختلف فتراتها من خلال عمله الدبلوماسى. ‬

نعود إلى مذكرات مبارك الأولى، وهنا أعود إلى ما يرويه عبدالله كمال بعض أجزاء فى تقديمه للكتاب كيف وصلته تلك الوثيقة المهمة تاريخيا: ‬
«قادتنى إلى هذه الوثيقة التاريخية.. صُدفة سعيدة. للدقة وجدتنى فى طريقها، إذ لم أبذل جهداً، ولم أخطط لمسعى كى أحصل عليها.. بل ولم أكن أعرف بوجودها من الأصل.. لم يذكر أحد من قبل أن محمد حسنى مبارك نائب الرئيس أنور السادات قد كتب مذكراته.. حتى مبارك نفسه لم يعلن ذلك وربما لم يكن يتذكره.

كان كل ما أعرفه أن الرئيس مبارك له مذكرات مسجلة تليفزيونياً عن طريق إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة فى ما بعد عام 2000، وأنه قد دوّن مذكراته الأخيرة فى الفترة بين تخليه عن منصبه فى 11 فبراير 2011.. وقبل أن يتم التحقيق معه، ومن ثم احتجازه ومحاكمته بعد ذلك.

الحكاية بسيطة للغاية: تعرفت إلى مخرج سينمائى وتليفزيونى شاب وواعد. كان واحداً من بين مجموعة من الشباب الذى بدأت فى التواصل معه بعد 25 يناير 2011.. كنت ولم أزل أحاول التقرب من جيل جديد لم أكن قد تواصلت معه بقدر كافٍ للاطلاع على أفكاره.

إن كريم هو حفيد المرحوم محمد الشناوى، الرجل الذى كتب تلك المذكرات بعد أن استمع لمبارك شهوراً طويلة، وتفرغ لتدوينها شهوراً أطول. وبين الحفيد والجد كان الأب الذى بقيت المذكرات فى حوزته طوال تلك السنوات.. الأستاذ حازم الشناوى الإعلامى والمذيع المعروف بالتليفزيون المصرى.

قبل سنوات طويلة كنا قد تعارفنا.. أنا وحازم الشناوى، إذ كان يقدم فى نهاية التسعينات برنامجاً شهيراً يذاع على القناة الثالثة، اسمه «غداً تقول الصحافة»، بموازاة برنامج آخر أوسع شهرة اسمه «الكاميرا فى الملعب».

مرت سنوات طويلة منذ آخر لقاء، ربما خمسة عشر عاماً على الأقل، حين زارنى الأستاذ حازم مع ابنه كريم وفى يده «وثيقة أبيه».. التى كتبها على لسان حسنى مبارك.. راوياً قصة القوات الجوية فى حرب أكتوبر، وكيف صنعت هذا المجد العظيم. فى هذا اليوم أولتنى عائلة الشناوى ثقة تمنيت أن أكون على قدرها.

روى لى حازم الشناوى قصة أبيه مع تلك المذكرات. وقد كانت بدورها قصة بسيطة ولكنها شاءت أن تضيف من بساطتها بعضاً من الحكمة إلى وقائع التاريخ.. وادخرها الزمن بطريقة غير متوقعة لكى تكون ذات يوم شهادة موثقة عما تم إغفاله حيناً أو الغضب منه حيناً آخر.

كان المرحوم الرئيس محمد أنور السادات قد أصدر مذكراته الشهيرة «البحث عن الذات» فى أبريل 1978، وقرأها كثير من المصريين.. فى مطلع شبابى ونهاية صباى كنت واحداً من هؤلاء.. النسخة كانت تباع بـ 25 قرشاً. وقد كانت عامرة بتفاصيل كثيرة وسيرة رئيس حكى نفسه وروى عن نفسه.. وكان أهم ما يميز «البحث عن الذات» ما يتعلق بالوقائع التاريخية النابضة والحية وقتها.. تلك التى تخص سجل السادات الأعظم فى حرب أكتوبر المجيدة.. فضلاً عن بدء مسيرته نحو السلام مع إسرائيل.

كان السادات واعياً بأهمية الكتب، وضرورة أن يكتب هو بنفسه، وهو ما عُرف عنه منذ سنوات طويلة.. كان قد بدأ الكتابة خلالها فى عديد من الصحف المصرية أبرزها المصور والهلال فى حدود عام 1948. ثم بعد ثورة 1952 كان أن أصدر مجموعة من الكتب.. هى: قصة الثورة كاملة، يا ولدى هذا عمك جمال، معنى الاتحاد القومى، 30 شهراً فى السجن، نحو بعث جديد، القاعدة الشعبية.. ثم فى نهاية السبعينات أصدر «البحث عن الذات» وفيه روى قصة حياته.

حين صدرت جريدة «مايو» فى نهاية السبعينات، ناطقة باسم الحزب الوطنى الذى أسسه السادات بديلاً لحزب مصر العربى، وعقب بدء التعددية الحزبية، كان أن أملى مجموعة مقالات باسمه عنوانها «عرفت هؤلاء».. وكان معروفاً كذلك أنه يملى مباشرة أو بشكل غير مباشر على الأستاذ أنيس منصور كثيراً من المقالات التى تظهر فى صور حوارات بمجلة أكتوبر. وبنفس الأسلوب مع تفاصيل مختلفة فى الطريقة كان أن كتب المرحوم الدكتور رشاد رشدى أستاذ الأدب والنقد الكبير مذكرات السادات «البحث عن الذات».

كان الرئيس الراحل مولعاً بالتوثيق، ومعنياً بالكتابة، ومهتماً بالكتب، حتى رغم أن الدعاية اليسارية ضده قد رسخت فى الذهنية العامة أنه لا يحب القراءة ويصيبه الملل من التقارير المكتوبة. واحدة من بين الترويجات غير المدققة التى انتشرت فى ثقافتنا دون أن تخضع لأى مراجعة.. ولم يكن اليسار وحده مشاركاً فى مثل تلك الترويجات، بل كان لدى الإخوان ماكينتهم الخاصة.

عين الرئيس الراحل أنور السادات الفريق طيار حسنى مبارك نائباً له فى 1975. وقد كان هذا القرار مثيراً للجدل وقتها، حول أسباب الاختيار، ولماذا مبارك بدلاً من كل العسكريين المجايلين له، وفى صدارتهم قادة حرب أكتوبر زملاؤه.. وفيهم من هم أقدم منه.

ومن الواضح أن تقدير السادات كان قد شمل ما هو أبعد.. إذ كان هو صاحب فكرة تلك المذكرات لكى يروى فيها نائب الرئيس حسنى مبارك قصة ما حدث بعد هزيمة 1967 وصولاً إلى نصر 1973.
اتصل الرئيس السادات بالدكتور رشاد رشدى، وكلفه بأن يكتب مذكرات قائد سلاح الجو، نائب الرئيس، وأن يستمع منه إلى قصة هذا المجد الذى يجب أن تضم تفاصيله دفّتا كتاب للتاريخ.. اعتقد السادات أن الدكتور رشاد باعتباره كاتب مذكراته الناجحة سيكون الأنسب لكى يخوض جولة نجاح إضافية بمذكرات حسنى مبارك.

من المدهش، وإن كان من المنطقى، أن اعتذر الدكتور رشدى.أسبابه يمكن تفهمها. كان تبريره للسادات مبنياً على أساس أنه كتب مذكرات الرئيس ولا يمكنه أن يدوّن بنفس الأسلوب مذكرات نائب الرئيس. اقتنع الرئيس السادات وطلب منه أن يرشح بديلاً.. كان هو الأستاذ محمد الشناوى.

كان الأستاذ الشناوى درعمياً، حصل على ماجستير فى علم النفس، وكان إذاعياً مرموقاً.. فى زمن كانت فيه الإذاعة نجمة وسائل الإعلام، بينما شاشات التليفزيون لم تصل إلى كافة بيوت مصر كما هو الحال الآن. كان قد قطع طريقاً طويلاً فى خبرة العمل كإذاعى قدير.. عمل مذيعاً لسنوات طويلة، وهو صاحب فكرة تأسيس الإذاعات المحلية، وأول مدير لمحطة «القاهرة الكبرى»، ومؤلفاً درامياً فى سجله ما لا يقل عن مائة سهرة وخمسين مسلسلاً، بخلاف التدريس فى المعهد العالى للفنون المسرحية، وكلية ضباط الشرطة المتخصصين.

وفقاً لرواية حازم الشناوى عن والده الراحل فإن محمد الشناوى اجتمع مع نائب الرئيس محمد حسنى مبارك عشرات المرات، روى له فيها كل تفاصيل ودقائق الست سنوات التى قضاها فى عملية إعادة بناء القوات الجوية، منذ كان ضابطاً قيادياً.. تلقى ضربة يونيو وهو لم يزل قائداً لقاعدة بنى سويف الجوية.. وحتى أصبح مديراً للكلية الجوية وإلى أن أصبح قائداً للقوات الجوية، محققاً النصر الجوى الأهم فى تاريخ مصر.

وقد كتب محمد الشناوى النص فى حدود 500 ورقة فلوسكاب بخط اليد، بعض صفحات منها كان قد دوّن عليها مبارك ملاحظات بخط يده بقلم أحمر.. خصوصاً فيما يتعلق بالمعلومات الفنية والعسكرية الدقيقة.. وتمثل هذه الأوراق الوثيقة الأهم حول تلك السنوات وهذا السلاح وهذا البطل.. إذ لا توجد تقريباً غيرها بهذه الدقة وتلك الشمولية وهذا التنظيم.. والأهم على لسان محمد حسنى مبارك.. صانع هذا التاريخ بين كل صناع التاريخ من الجيل البطل الذى حقق نصر أكتوبر.

ليس معروفاً على وجه الدقة ما هو السبب الذى منع نشر تلك المذكرات، وما الذى عطل عملية النشر بعد أن اكتملت الوثيقة.. إذ لم أجد لدى الأستاذ حازم ما يمكن نقله عن والده فى هذا السياق. غير أن المؤكد أنه كان هناك حرص عائلى على الاحتفاظ بالوثيقة إلى أن يحين وقت تنفيذ وصية الوالد الراحل بالنشر، عندما يجد ابنه ذلك مناسباً.

فى بداية 2013 وضع الأستاذ حازم الشناوى ثقته فى كاتب هذه السطور، وسلّمنى صورة من تلك «المذكرات - الوثيقة» لكى تجد طريقها إلى النور، وترك لى -مشكوراً- أسلوب ترتيب ذلك.. توثيقاً وتدقيقاً.
اقتباس :
حرب الاستنزاف كانت «جامعة» التحقنا بها قبل النصر الكبير.. وكان ضرورياً أن يواجه الطيار المصرى عدوه الإسرائيلى فى الجو ليتعرف عليه قبل معركة الثأر.. فالهزيمة ليست قدراً والنصر لم يكن صدفة
للوهلة الأولى، أثبتت قراءة تلك المذكرات، وبما لا يدع مجالاً للشك، أنها لمبارك، سواء من حيث الوقائع الشخصية القليلة التى يرويها، أو من حيث المعلومات الفنية والعسكرية التى تضمنتها، أو من حيث تنظيم المادة المروية عن طريقة إعادة بناء القوات الجوية واستعدادها لحرب أكتوبر ومن ثم تفاصيل ودقائق الضربة الجوية الساحقة لإسرائيل فى أكتوبر 1973.. فضلاً عن الملاحظات الخطية التى وجدتها على جانبى بعض الصفحات وهى بخط أقرب إلى أن يكون ما أعرفه عن خط الرئيس الأسبق لمصر.. إن الأهم قبل كل ذلك هو الوثيقة التى دونها مبارك بخط يده وتنشر هنا، وقدم بها مبارك لمذكراته التى أملاها على المرحوم محمد الشناوى.

فى غضون الأشهر القليلة التى تلت وصول هذا النص إلى يدى، لم تتح فرصة مناسبة لإطلاع الرئيس أو أى من أفراد عائلته على المذكرات: علاء وجمال أو السيدة قرينته. كنت أرغب فى أن تكون هذه الخطوة عملاً مزدوجاً: يحقق أولاً توثيق النص، وثانياً السماح بنشره.

كان يمكن أن أمضى فى إجراءات النشر، وسط مناخ شغوف بأى شىء عن مبارك.. لكنى لم أجد أنه مطابق للمعايير الأخلاقية أن يتم النشر بدون إطلاع أى من أفراد عائلة مبارك على المكتوب منسوباً إليه.. مع كامل التقدير والثقة فى أسرة الشناوى الحائزة للوثيقة نقلاً عن الأستاذ الراحل محمد الشناوى.

فى أغسطس 2013.. بُعيد صدور الحكم بأحقية الرئيس مبارك فى أن يتم الإفراج عنه إجرائياً من الحبس الاحتياطى الذى قيد حريته لسنتين.. كان أن أبلغت الأستاذ فريد الديب المحامى الكبير والمدافع القانونى عن الرئيس مبارك بالأمر.. وتكرم سيادته وعرض الأمر على مبارك حيث كان فى مقر إقامته الجبرية فى مستشفى المعادى.. وكان أن تذكر الرئيس الموقف الممتد بينه وبين المرحوم محمد الشناوى، وطلب أن يقرأ مذكراته.

وتكرم الأستاذ فريد مجدداً ونقل الخبر إلىّ، فبدأت على الفور المرحلة الثانية من التعامل مع هذه المذكرات المهمة، تمهيداً لعرضها على صاحبها الرئيس الأسبق.. وقد عُرضت عليه فى الأسبوع الأخير.. ووافق على النشر.. الذى تنفرد به جريدة «الوطن» بالتزامن مع جريدة «الرأى» الكويتية.

لم تقف المهمة التى كلفت بها نفسى عند مسألة توثيق النص، والتأكد من انتسابه التاريخى للرئيس مبارك، ولا عند تولى إدارة عملية نشره عبر الدار المحترمة «نهضة مصر».. ولا عند كتابة هذا التقديم النقدى الشارح للكتاب والراوى لملابساته. بل آليت على نفسى أن أجعله أكثر حداثة عما كان عليه وأن أحرره بما يلائم سنة صدوره فى 2013.. مع كل التقدير والاحترام للجهد الذى بذله الأستاذ المرحوم محمد الشناوى فى نهاية السبعينات من القرن الماضى أى قبل نحو 40 عاماً.

لقد حافظت على روح الأسلوب، ولغة الكتابة، والاقتباسات التى أوردها محمد الشناوى من تلقاء نفسه كما يمكن أن أخمن مهنياً، أو تلك التى أوصى بها مبارك كما أتوقع من خلال تحليل المضمون.
يمكن توقع أن محرر المذكرات الأول قد اهتم ببعض المأثورات والأحاديث النبوية وبعض المذكرات العسكرية.. وضمّنها الصفحات أثناء صياغته للنص المنقول عما سمعه من نائب الرئيس.. كما يمكن أن يقودنا الحدس إلى أن مبارك قد اهتم بما ذكرته إسرائيل عن العمليات العسكرية وما ورد فى كتبها وتصريحات مسئوليها.. وتوثيق ذلك عبر أدوات المؤسسة العسكرية التى كانت تهتم بذلك منذ زمن بعيد وتتابعه وتعرضه فى تقارير دورية على قيادتها المختلفة.

بخلاف ذلك، فإن تراتبية المذكرات، وتوالى تفاصيلها، ودور القوات والأفرع، ومهام الأفراد والقادة، وسجلات البطولات الشخصية، وغير ذلك هو من صميم شخصية القائد الجوى.. الذى لم يكن يروى مذكراته الشخصية، بقدر ما كان يملى مذكرات القوات الجوية فى الست سنوات التى سبقت أكتوبر 73 وقادت إليه.

فى هذا السياق قمت ببعض الجهد فى عملية تحرير إضافى لهذه المذكرات، يمكن أن أوجزه وفق مقتضيات الأمانة المهنية والتاريخية فيما يلى:
■ تغيير عنوان النص من «كلمة السر.. صِدام - من يونيو 1967 إلى أكتوبر 1973» إلى «كلمة السر - مذكرات حسنى مبارك - يونيو 1967 / أكتوبر 1973». ويمكن فهم لماذا اختار الأستاذ الشناوى عنوانه الأول تخليداً لاسم العملية الهجومية القتالية التى قامت بها القوات الجوية المصرية فى أكتوبر 1973.. على أنه قد لا يبدو العنوان واضحاً الآن، لا سيما أن الكثيرين سيحتاجون إلى تشكيل النطق لكى يكون حرف «الصاد» مكسوراً وينطق صحيحاً بدلاً من أن يشير إلى اسم رئيس العراق الراحل صدام حسين!!

■ قمت بعدد من عمليات التكثيف والاختصار، التى لا تخل بقيمة النص، ولا روح السياق الذى قام به الأستاذ الشناوى. وكان سبب ذلك هو اعتقادى بأن النص الذى وصل إلى يدى كان قيد المراجعة ولم يكن نصاً أخيراً.. فضلاً عن أن الطبيعة الإذاعية للغة الأستاذ المرحوم محمد الشناوى كانت تميل به إلى أن يضع تكرارات من فصل لآخر مذكراً بها، حسب أسلوب العمل الإذاعى، مقارنة بما هو غير معتاد فى أساليب التحرير المقروءة.

■ قمت بإعادة التبويب عن طريق الدمج، وليس بإعادة الترتيب.. بمعنى أننى حافظت على درامية وتاريخية العمل كما دوّنه الأستاذ الشناوى، غير أنى ألغيت التوزيع بطريقة الأبواب الرئيسية المتضمنة لفصول داخلية فرعية، وجعلتها كلها فصولاً متتابعة، ما اقتضى دمج بعض الفصول.

كانت المذكرات موزعة كما يلى: مقدمة، وسبعة أبواب، تتوزع كلها على فصول، بعضها أربعة وبعضها خمسة، باستثناء الباب الرابع فهو كتلة واحدة، وخاتمة.

فى تبويبها الجديد، وبعد دمج عديد من الفصول، صارت هذه المذكرات مكونة من مقدمة و13 فصلاً وخاتمة، بخلاف هذا التقديم.

■ قمت ببعض عمليات إعادة تنظيم الفقرات، وإعادة كتابة بدايتها، محاولاً أن يكون هذا أكثر تناسباً مع لغة تحرير مغايرة.. وبدون إخلال بالجهد المبذول قبل أربعين سنة.

■ حررت هذا التقديم التاريخى - التوثيقى، والنقدى، الإضافى والواجب.

وعلى الرغم من أنه توجد بعض الكتابات هنا أو هناك حول السنوات الثلاثين لحكم مبارك، فإن كثيراً منها لم يهتم بالغوص فى تفاصيل، واكتفى البعض بما يمكنه اعتباره مجاملة لرئيس، ورأى فيه الجيل الجديد أنه نفاقات.. واهتم البعض الآخر بما يمكن اعتباره هجوماً سياسياً على رئيس، رأى فيه مؤيدوه ظلماً له. وحتى لحظة صدور هذا الكتاب فإنه لم توجد بعد مصادر واضحة ودقيقة وشاملة وموضوعية لا عن سنوات حكم مبارك، ولا عنه شخصياً.. لا عن سيرة السياسى الحاكم ولا عن تاريخ العسكرى المقاتل.

هذا تناقض مريع تاريخياً، بين حقيقة أن الرئيس مبارك قد حكم ثلاثين عاماً، وامتد مساره العملى لأكثر من خمسين سنة، وبين كونه الرئيس الذى لم تدون عنه تاريخياً كثير من تفاصيل سيرته.. لا قبل أن يكون رئيساً ولا بعد أن أصبح رئيساً ولا عقب تركه لمنصبه كرئيس.

لقد اكتفى مبارك وحكمه بالمادة الإعلامية السيارة التى كانت تغطى أنشطة يومية ووقائع إخبارية، للدقة هو لم يكتف.. وإنما لم يسع. ولا يوجد بشأن سيرته كتاب تحليلى شامل، أو سيرة موثقة، أو أى منتج ثقافى متعمق آخر. إن الكتاب الذى يمكن أن تعثر عليه بشأن مبارك قد يكون دعائياً أو ألبوماً مصوراً.. أو كتاباً انتقادياً هجومياً رافضاً.

وبالموازاة لمبارك، فإن حرب أكتوبر، وهى تتخطى دور شخص بعينه، وتشمل بطولات ومواقف وأدواراً لمئات الألوف من المصريين، كان بدورها أن لقيت ظلماً تاريخياً ولم تحظ بالقدر الكافى من الاهتمام التفصيلى والدقيق.. حتى مع صدور عدد من مذكرات بعض من كبار قادتها. ربما لأسباب ودواعى السرية التى فُرضت عليها وعلى تفاصيل حقوق المعرفة العسكرية التى أحاط بها الكتمان عقوداً.. وربما لأن النصوص التى صدرت لم تتضمن تفصيلات محددة بالطريقة الاستثنائية الواردة فى هذه المذكرات على لسان نائب الرئيس محمد حسنى مبارك.

باستثناء مذكرات الفريق محمد عبدالغنى الجمسى فإن الصورة التى تصل عن حرب أكتوبر إلى الأجيال الجديدة تبدو غير مكتملة وتحتاج إلى مزيد من التفصيل.. بل إن قائدها الميدانى الأهم، القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع المشير أحمد إسماعيل لم يمنحه الزمن فرصه لكى يروى تجربته ومسيرته وقصة الانتصار الذى سجل فيه اسمه.. وهنا تأتى الصدفة التاريخية المهمة متزامنة مع صدور مذكرات مبارك، عندما ينشر الأستاذ مجدى الجلاد فى الوقت ذاته أوراق المشير أحمد إسماعيل فى كتاب «مشير النصر» الذى تصدره دار «نهضة مصر».

لقد مضت سنوات طويلة على حرب أكتوبر، وبمضى السنوات طوى النسيان مذكرات قادة حرب أكتوبر، الذين لم تنشغل بهم تفصيلاً الحركة النقدية والأعمال البحثية والعملية التى تُبقى قيم تلك الحرب وأهميتها التاريخية يقظة فى ذهن وعقل الأجيال التالية.. لا تحليل ولا دراسات ولا مراجعات.. لم تعد حرب أكتوبر مدرجة أصلاً فى الخطط البحثية للجامعات والمعاهد المصرية.

وبنفاد سنوات هذا الجيل صانع النصر، فإن الأعمال التى تتناول حرب أكتوبر ودقائقها انقطعت، ولا تضم المكتبات العربية والمصرية إلا مؤلفات نادرة عن الوقائع وتحليلها ودراستها وبحث تأثيراتها. ومن هنا فإن صدور تلك المذكرات التى أملاها نائب الرئيس محمد حسنى مبارك يسقى تربة ذاكرة قد جفت، ويرطب اهتماماً قد ذبل.

وليس بعيداً عن هذا الظلم المتراكم أن حرباً معنوية وتاريخية وعلمية قد تم شنها على قيمة حرب أكتوبر ومجدها، تشويهاً وتقليلاً وإضعافاً، بل وتحويلها -استسلاماً للرواية الإسرائيلية- إلى حرب متعادلة فى أفضل الأحوال.. وفى أحوال أخرى وفقاً لروايات غير عربية بدت كما لو أنها هزيمة ناقصة أو نصر غير مكتمل.

هذا أمر جلل وخطير وجدير بالانتباه بالنسبة لاهتمامنا بأجيال صار عليها أن تستسلم لحملات دعائية جعلت من الصمود الخاسر من قبل بعض التنظيمات فى معارك عابرة نوعاً من الانتصار، وأصبح عليها أن تقتنع بأن الجيش المصرى بلا مجد طالما أنه لم يخض حرباً منذ انتهت حرب أكتوبر 1973.

إن أهمية «المذكرات الأولى لحسنى مبارك» لا تكمن فحسب فى صاحبها، بقدر ما تكمن كذلك فيما ترويه عن المؤسسة العظيمة التى كان هو أحد أبطالها، وأبطال انتصارها فى أكتوبر 1973.. ويعزى ذلك إلى الطريقة التى روى بها مبارك تفاصيل عملية إعادة بناء القوات الجوية.. باعتبارها الخاسر الأهم والأكبر فى هزيمة يونيو 1967.. ومن ثم باعتبارها صاحبة ضربة النصر الأولى فى حرب أكتوبر 1973 المجيدة.

لا يمكن اعتبار هذا الكتاب «مذكرات شخصية»، وإن كان «مذكرات» بالتأكيد، ذلك أن نائب الرئيس محمد حسنى مبارك لم يجعل من نفسه محوراً لها، ولم يتطرق إلى ذاته إلا فى مرات نادرة. لقد جعل من الكتاب سجلاً لسنوات تطوير القوات الجوية، وانتقالها من الهزيمة إلى النصر.. وبدا خلال تلك الصفحات شاهداً غير معلن أكثر من تقديمه لنفسه على أنه فاعل رئيسى. من المدهش أنه لا يتوقف عند محطات تاريخية مهمة ليروى تفاصيل كيف أصبح مديراً للكلية الجوية ومن ثم كيف عُين رئيساً للأركان وكيف تم اختياره قائداً للقوات الجوية.

إن الرواية المؤكدة هى أن مبارك كان فى الأساس معلماً مرموقاً فى الكلية الجوية قبل أن يصلح قائداً لقاعدة بنى سويف، ومن ثم يعود بعد حرب 1967 إلى قيادة الكلية الجوية، وصولاً إلى اللحظة التى اقترب فيها من الفريق محمد فوزى وزير الحربية الراحل.. والذى كان أن رشحه للرئيس الراحل جمال عبدالناصر قائداً لأركان القوات الجوية.. فترقى مبارك من رتبة عميد إلى رتبة لواء فى وقت قياسى، وكان قرار عبدالناصر بتعيينه فى منصب رئيس الأركان مدوياً فى القوات المسلحة وله تأثيرات مختلفة.

مشهدان يركز عليهما حسنى مبارك بشأن نفسه فى تلك المذكرات، الأول وهو مهزوم.. يشعر بالظلم الفادح لأنه لم يقاتل.. عاكساً تلك الصورة على كافة الأفراد والقادة فى القوات الجوية خصوصاً والقوات المسلحة عموماً. والثانى وهو منتصر يثبت بروايته لا بالحديث عن عمله الشخصى كيف أثبت المقاتل المصرى جدارته وكيف تمكن من أخذ أسباب العلم والقوة لكى يثأر لنفسه ولأمته.

بدا مبارك حريصاً على عدم التفاخر فى هذه الوثيقة، ليس لأنه أصر على أن يكون ملتزماً إلى حد بعيد بالغرض الذى وجد أن الرئيس السادات قد استهدفه.. أى أن يروى قصة الضربة الجوية، ومن ثم تباعد عن أن يكتب سيرة صاحب الضربة الجوية.. ولكن أيضاً لأن تحليل المضمون يثبت أنه ابتعد عن منطق «التفاخر القومى».. وانتهج منذ الصفحات الأولى، وبإصرار، أسلوب التحليل العلمى والواقعى.. وصولاً إلى نتيجة محددة وهى أن ما تحقق من القوات الجوية لم يكن «معجزة» أو «أسطورة».

كان منطق مبارك المعلن لتبرير ذلك، هو أنها إذا كانت «معجزة» أو «أسطورة» فإنها تكون بذلك حدثاً استثنائياً، منحة عابرة، بينما أراد أن يثبت طوال صفحات ذلك الكتاب.. كما فعل توثيقاً.. أن العملية الجوية «صِدام» كانت نتاج تقييم وتخطيط ودراسات وتدريب وإصرار وإرادة.. يمكن أن يتكرر إذا تكرر ذات الجهد الذى تم بذله من أجل الوصول إلى هذا النصر.. وإذا تكررت المبررات الداعية لحدوثه.

لقد أخفى مبارك نفسه من مذكراته الأولى، من حيث أنه لم يكتبها بطريقة أنه فى يوم ما استدعى أو قابل أو وجّه بأمر معين، وفى يوم آخر اجتمع بهذا أو ذاك.. ومن حيث أنه لم يقل قابلت وسمعت وفكرت وقررت وقرأت.. وإنما دوّنها بطريقة «مسيرة فريق» من الأفراد والقادة، فى مختلف قواعد وألوية وأفرع القوات الجوية، وفى سياق منظومة القوات المسلحة برمتها.

فى هذه المذكرات لم يكتب مبارك عن مبارك، مباشرة، إلا ثلاث مرات تقريباً، الأولى حين تحدث عن مشهد معاناته من الهزيمة، والثانية حين روى واقعة لجنة التحقيق التى فوجئ بأن شاهدة أمامها قد ذكرت عنه رواية غير صحيحة دون أن تعرف أنه يرأس لجنة التحقيق التى تستمع إليها، تلك الشاهدة كانت فنانة جامعية حضرت حفلاً ساهراً فى القوات المسلحة قبل هزيمة يونيو 1967.. وروت لمبارك ما عرفته عن قائد قاعدة بنى سويف الجوية.. وكيف أنه لم يكن موجوداً وقت الحرب دون أن تدرى أن الذى يحقق معها هو نفسه الشخص الذى تروى عنه تلك الأكذوبة.. وكانت الواقعة الثالثة عندما روى مبارك كيف شارك فى خطة الخداع الاستراتيجى لمفاجأة الحرب.

عوضاً عن هذا، جعل مبارك من تلك المذكرات مبارزة منهجية متصاعدة بينه وبين القائد الإسرائيلى الجنرال موردخاى هود مخطط وقائد الضربة الجوية الإسرائيلية التى أوقعت الهزيمة بمصر فى صباح يوم 5 يونيو 1967. وقد كان هذا الأسلوب اللافت مهماً للغاية فى التعبير عن فكرة الكتاب من حيث أنه جعل هذه المواجهة تحقق ما يلى:
1- إكساب المذكرات بعداً درامياً صراعياً، يمزج ما بين الشخصى والعام، من حيث أن المواجهة كانت بين قائدين.. أحدهما كسب جولة والثانى يخطط للثأر، ومن حيث أنها كانت بين اثنتين من القوات الجوية المتحاربة، ومن حيث أنها كانت كذلك صراعاً بين بلدين وشعبين.. بين مصر وإسرائيل.

2- منحت هذه المواجهة التى صنعها مبارك لمؤلفه فرصة أن يحلل ما قام به خصمه، وأن يعطيه بداية الاعتراف بأنه قد حقق مكسباً، ثم يسحب هذا الاعتراف ويهدم هذا المنهج بتأكيد كونه لا يعبر عن ابتكار خاص، ولا يمثل إنجازاً، ويفتقد إلى الشرف، ويستند إلى عوامل مساعدة لو لم تكن متوافرة ما أمكن لموردخاى هود أن يحقق نصره.

3- أعطت المواجهة بهذا الشكل للقائد المصرى حسنى مبارك فرصة أن يأخذ قارئه خطوة تلو أخرى نحو إعلان انتصاره على القائد الإسرائيلى.. بقصد إبلاغ رسالته الأساسية وهى أن «الإسرائيلى» وما يمثله ليست لديه أية ميزات استثنائية.. وأن «المصرى» هُزم لأنه واجه عيوباً نتجت عن «تقصير» وليس لأنه مهزوم بالفطرة، أو لأنه يعانى من «قصور» مولود به كما أرادت هزيمة يونيو -من جانب إسرائيل- أن تقول وتروّج.

4- استخدم مبارك هذه المواجهة، بدهاء مبهر، لكى يؤكد على جِدة وحداثة الضربة الجوية التى خطط لها ونفذها، وكيف أنها كانت مبتكرة ومبدعة، ونتاج العقل المصرى، وتمثل إضافة حقيقية فى تاريخ القتال الجوى.. مقارناً بين أداء القوات المصرية فى 1973 والقوات الإسرائيلية فى يونيو 1976.

بمقاييس المقروئية العادية تبدو صفحات هذه المذكرات أقرب إلى أن تكون جافة، لأنها لا تتضمن مشهيات القراءة المتوقعة.. فهى لا تتضمن قصصاً وحكايات ومشاهد طريفة.. إلا حين تصل إلى فصلها الأخير.. عندما يحرص مبارك على ذكر عديد من أمثلة البطولات التى قدمها الطيارون والمقاتلون فى القوات الجوية.. وكلها احتوت على قيم ملهمة ومآثر خالدة.

فى النص الأصلى الذى حرره الأستاذ الشناوى كان أن ضم كل تلك القصص فى فصول تحت الباب السابع، ووزع قصص الأفراد بحسب كل فرع فى القوات الجوية.

تحريرياً كان يمكننى أن أوزع القصص الإنسانية والبطولات المميزة لأفراد وقادة القوات الجوية التى أوردها الفريق طيار محمد حسنى مبارك على مختلف فصول الكتاب.. كان هذا سيوفر فرصاً لمزيد من أساليب الإمتاع أثناء القراءة.. غير أن هذا كان سيخل بالترتيب الأصلى للنص المكتوب، والذى بُنى ترابطياً انتقالاً من محور إلى آخر، ومن مرحلة إلى غيرها، ثم توج فى النهاية بالفصل الأخير الذى يحكى قصص الأمجاد الشخصية.. وبمنتهى الحرص على أن يبدو ذلك فى سياق روح فريق واحد.

لقد نقل الفريق طيار حسنى مبارك الحرب إلى صفحات مذكراته، كما لو أنه كان فى غرفة عمليات القوات الجوية، يخطط، وينفذ، ويأمر بالتدريب، ويرقى مستوى التسليح، إلى أن حانت لحظة القتال.. فى كل صفحة أو للدقة كل فصل كان يسير بالتفاصيل عبر هذا المسار ونحو هذا الاتجاه.

رسالة ومنطق الكتاب هو أن: الهزيمة ليست قدراً، والنصر ليس صدفة.. وفى سبيل ذلك، ووفق التزامه بمعايير السرية التى كانت مفروضة وقتها حتى على نائب رئيس الجمهورية، فإن محمد حسنى مبارك يشرح فى فصول متتابعة كيف تحقق النصر.. وكيف تم التغلب على الهزيمة. وقبل ذلك فإنه بمنهج القوات المسلحة المصرية يقيم ما وقع وأسبابه والدروس المستفادة منه، وطرق علاج الأخطاء، وكيف أمكن امتلاك أدوات الانتصار.
اقتباس :
محرر المذكرات فى نهاية السبعينات إذاعى كبير ومؤلف درامى.. استمع لمبارك ستة أشهر وسلمه نسخة راجعها ثم احتفظت عائلته بالوثيقة طوال 35 سنة
لم يكن الطريق إلى النصر سهلاً ويسيراً، كما لم تمر السنوات من 1967 إلى 1973 بسلاسة.. وبقدر ما تبدو مروية الأعوام المريرة عادية وبسيطة ونحن نقرأها الآن بعد أربعين عاماً من النصر، بقدر ما كمنت فيها عوامل قسوة المهمة وعبء الثأر وضخامة العمل وحجم التضحيات. وفى هذه الصفحات كان أن قدم حسنى مبارك ذلك العمل التاريخى، وهو جانب من بين جوانب العملية العسكرية كلها فى أكتوبر 1973 كما لو أنه يمكن لأى أحد أن يقوم به.. فى حين أنه لم يكن كذلك على الإطلاق.. ولعلنا نلاحظ بالاطلاع على هذه المذكرات ما يلى:
1- قبل بناء المقاتل بدناً وتسليحاً وتدريباً كانت المهمة الأصعب والأهم هى إعادة بنائه نفسياً ومعنوياً. فى مذكراته أعطى مبارك جهداً عميقاً ومثابراً لكى يشرح ذلك وأهميته ودوره فى تأصيل وترسيخ عقيدة القتال، واستنهاض المصرى من هزيمته، فى ضوء أن الهدف الذى رأى مبارك أنه كان مخططاً من قبل إسرائيل فى يونيو 1967 هو قهر المواطن المصرى خصوصاً والعربى عموماً نفسياً وتنكيس ذاته بحيث لا تقوم لها قائمة من جديد.

2- بخلاف البناء المعنوى، فإن المقاتل بُنى معرفياً، ومن اللافت أن القائد حسنى مبارك ركز على أن ردود أفعال المقاتلين وقراراتهم القتالية لا تكون متحصلة فقط من عمليات تدريبهم وتسليحهم وتجهيزهم معنوياً.. بل رأى أنها تعود فى الأصل إلى تراكم حضارى يتجمع فى لحظة المواجهة ويكون أن ينتج قرارات المقاتل التى تؤدى لانتصار.

3- لم يذهب المصريون إلى حرب أكتوبر فجأة، كما أنهم لم يكونوا قادرين عليها فى وقت قصير.. ولم تكن التدريبات وحدها كافية لاكتساب المهارات ونمو القدرات.. وكان المقاتلون بحاجة إلى أن يواجهوا الطيارين الإسرائيليين ليعرفوهم قبل أن يقاتلوهم فى معركة الثأر. ومن هنا تبدو فى المذكرات أهمية وفلسفة حرب الاستنزاف التى يشرح مبارك مبررها التكتيكى بطريقة لم تكتب من قبل، ويصفها بأنها «جامعة» كان لا بد من الالتحاق بها قبل التقدم إلى نصر أكتوبر.

4- إن مشاركة أكثر من مائتى طائرة فى أولى طلعات الضربة الجوية فى الساعة الثانية وخمس دقائق يوم 6 أكتوبر لم يكن سوى قمة جبل الجليد.. وحتى يسيطر المقاتل على عنان السماء وهو فى مواجهة خصمه فإن عشرات من التفاصيل المعقدة على الأرض، وبين السماء والأرض، لا بد أن تكون قد تمت.. بدءًا من إعادة بناء المطارات وتوزيعها وحمايتها وطريقة التجهيز الفنى للطائرات وإعادة تطويرها وتحديثها وتدريب الأطقم المعاونة.. ومن أهمية هذه المذكرات أنها تشرح ذلك تفصيلاً.

5- لأول مرة يذكر مبارك تفاصيل الدور الذى قام به علمياً فى مرحلة توليه إدارة الكلية الجوية.. ويوثق ما أنتجه الفكر العسكرى العلمى المصرى خلال الست سنوات ظهيراً للضربة الجوية وفى الطريق إليها. وعلى الرغم من أنه اهتم فى مواضع مختلفة من تلك المذكرات بانتقاد الفكر العسكرى القديم والبالى الذى أدى إلى هزيمة 1967 فإنه يدهش قارئه بذكر فائدة إعادة إحياء أفكار عسكرية قديمة وتوظيفها فى ضوء الإمكانات المحدودة لتحقيق أهداف جديدة. مثال ذلك استحياء الدفاع الجوى بأسلوب البالون ودراسة ذلك فى الكلية الجوية.
http://www.elwatannews.com/news/details/330021

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Field Marshal Medo

مشرف سابق
لـــواء

مشرف سابق  لـــواء
Field Marshal Medo



الـبلد :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Egypt110
العمر : 39
المهنة : قائد
المزاج : عنيد - شرس - بفتل من الصبر حباااال
التسجيل : 26/08/2012
عدد المساهمات : 2653
معدل النشاط : 2303
التقييم : 108
الدبـــابة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B3337910
الطـــائرة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B91b7610
المروحية :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 5e10ef10

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 111


 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Empty

مُساهمةموضوع: رد: كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»    كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Icon_m10السبت 28 سبتمبر 2013 - 8:59

«مبارك» فى مذكراته : ضربوا طائراتى أمام عينى.. فأقسمت أن يشربوا من نفس الكأس
«الوطن» تنفرد بنشر مذكرات «مبارك» عن سنوات الحرب والصراع مع إسرائيل «الحلقة الثانية»
كتب : نشوى الحوفىمنذ 55 دقيقة



 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Egypt%20Daily%20News%20hero%20mubarak1]
مبارك
لا يمكن المضىُّ قدماً نحو تفاصيل العمليات التى قام بها سلاح الجو المصرى فى حرب أكتوبر بقيادة محمد حسنى مبارك، دون الاطلاع على رؤية مبارك للحظة التى تعرّض فيها سلاح الجو هذا للتدمير الكامل فى هزيمة يونيو.. إن مبارك فى مذكراته «كلمة السر» التى تنشرها دار «نهضة مصر» وتنظم حفلاً لتوقيعها يوم 2 أكتوبر القادم يروى، فى فصل خاص، ماذا حدث له وكيف تلقى هذا الخبر الصاعقة، وأين كان، وكيف تصرف، ثم يحلل أسبابه.

إن المذكرات التى أملاها مبارك على المرحوم الإذاعى القدير محمد الشناوى، وحرر نسختها الأولى فى 1978، ثم عثر عليها وحققها وحرر نسختها الجديدة وكتب مقدمتها فى 2013 الكاتب السياسى عبدالله كمال، لا تذهب مباشرة إلى انتصار 6 أكتوبر، وحقيقة الضربة الجوية التى قادها مبارك؛ دون أن تمر على عملية إعادة البناء التى تمت خلال ست سنوات.. بدءاً من اللحظة التالية لهزيمة 5 يونيو.

يقول مبارك فى مذكراته: «فى هذا اليوم، الأشد حزناً فى مراحل حياتى، وقعت أعظم هزائمى الوطنية والشخصية، فقدتُ سلاحى أمام عينى، وخسرت بلادى سلاحها الجوى ومُنيت بهزيمة عسكرية كبرى.. فى هذا اليوم أيضاً تحقق أهم مكاسبنا وواحد من أكبر انتصاراتنا على أنفسنا».

يعود صاحب المذكرات إلى هذا اليوم، بينما يسجل مذكراته بعد تسع سنوات من حرب يونيو إلى ما حدث حقاً يوم الهزيمة:
الوقت: الساعة السادسة من صباح الاثنين، الذى قُدّر له أن يحمل فيما بعد ولبضع سنوات، على امتداد الوطن العربى كله، صفة «يوم الاثنين الحزين».
المكان: قاعدة بنى سويف الجوية. كانت حتى ذلك التاريخ، مقر لواء القاذفات الثقيلة المكونة من طائرات «ت ى 16».
 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 155066_660_4174205_opt
الجندي المصري تجاوز اثار النكسة
بعد ليلة من النوم المتقطع، هاجمنى خلالها أرق غريب، لم أدرك سببه على وجه التحديد. لقد أرجعت هذا الأرق إلى إحساس بتوتر الموقف العسكرى بيننا وبين العدو، وما قد يؤدى إليه من تتابعات محتملة. كنت أشك أننا حسبنا بدقة ما سوف يُؤمّن قواتنا المسلحة عموماً، وقواتنا الجوية بالذات إذا ما وقعت مفاجأة مؤسفة. لقد تحول هذا الشك فيما بعد إلى يقين، أيّدته الأحداث والوقائع.

كنت منذ عودتى من بعثتى الدراسية إلى الاتحاد السوفيتى، أتولى قيادة لواء قاذفات ثقيلة، وهو منصب كان يجرّ علىّ الكثير من المتاعب التى تخلقها «الشللية»، التى كانت منتشرة بشكل مرَضى على مستوى القيادة قبل 5 يونيو 1967. كان سلاحى الوحيد فى مواجهة هذا الوباء (الشللية) هو الانهماك فى العمل إلى الحد الذى لا يسمح لى أنا شخصياً بالوقت الكافى للتفكير فى تصرفات الشلل المحدقة بى، أو محاولة الرد على «المكائد» التى تُحاك ضدى، طمعاً فى الموقع القيادى الذى أتولاه.

إيجابياً، كان هذا الانهماك فى العمل من جانبى يؤدى بالضرورة إلى تحقيق نتائج عسكرية، لا يستطيع أشد الطامعين أن ينكر أثرها على الارتفاع بمستوى القدرة القتالية للواء الذى أتولى قيادته.

أذكر، بينما أستعيد شريط الأحداث التى عبرتها فى تلك الفترة المؤلمة، أننى أمضيت على سبيل المثال، ستة أشهر كاملة فى بدء تشكيل اللواء وإعداده، لا أغادر مقر قيادتى على الإطلاق، ولا أذهب إلى بيتى ولو لحظات عابرة.. وكنت أقضى ساعات النهار وجزءاً كبيراً من الليل فى عمل متواصل، لا أسمح خلاله لنفسى إلا بوقت محدود من النوم الخاطف، الذى يهيئ لى متابعة العمل من جديد.

رغم هذا الجهد المتواصل فإننى كنت أفاجأ مع بالغ أسفى بأن الشلل التى تحاصرنى فى كل مكان أوجد فيه، كانت تنتهز أى فرصة يتصورون خلالها بأننى غفلت لحظة واحدة عن ألاعيبهم المعرقلة.

فى مثل هذا المناخ المؤسف، كنت أتابع بقلق بالغ، أخبار التطور السريع فى الموقف العسكرى، وبجهد كبير كنت أسيطر على القلق الذى لو استسلمت له فإنه يؤدى بالمقاتل إلى أوخم العواقب، خصوصاً إذا كان يتولى موقعاً قيادياً له أهمية خاصة. وبمواصلة العمل، لا أعتقد أن أحداً قد فوجئ فى مقر قيادة اللواء، عندما رأونى أباشر مهمتى بمكتبى فى تلك الساعة المبكرة جداً من صباح الاثنين 5 يونيو عام 1967.

ويتكلم مبارك عن طبيعة المهام التى كان يكلف بها نفسه فى هذا المناخ: كانت أمامى يومياً مهمة قد يعتبرها غيرى من الزملاء قادة الألوية الجوية، مهمة عادية، بل ودون مستوى اهتمام قائد اللواء شخصياً، وهى مصاحبة مجموعة من الطيارين فى طلعة تدريب عادية. فى منهجى كان الأمر مختلفاً تمام الاختلاف: إن القائد الذى لا يُعنَى بالتدريب المستمر، الذى يحفظ لرجاله مستوى دائم الارتفاع والتجديد من القدرة القتالية، ولا يُشرف بنفسه على هذه المسئولية، ويتولى متابعتها شخصياً، قائد مقصر فى أداء واجبه.. أو هو لا يعرف حدوده ومسئولياته القيادية.
هكذا كنت فى غاية السعادة، وأنا أستقبل خمسة من طيارى القاعدة فى بنى سويف جاءوا يعلنون رغبتهم فى الطيران، لأنه مضى عليهم وقت طويل لم يطيروا. استجبت على الفوز لرغبة المقاتلين الخمسة، ووعدتهم بالاشتراك معهم، وتحددت بالفعل الساعة 9:5 (التاسعة وخمس دقائق) من صباح الاثنين 5 يونيو موعد الطلعة التدريبية المرتقبة.

كان كل شىء يبدو هادئاً وعادياً فى هذا اليوم. ولم يلُح فى الأفق العسكرى على الأقل ما ينذر أو يشير مجرد إشارة إلى احتمال وقوع الكارثة أو ما هو قريب منها.. ولم يرد للقاعدة من القيادة الجوية فى القاهرة، أى توجيه بمهام غير عادية، لهذا مضت الأمور فى مجراها الطبيعى بالنسبة لنا.

أقلعت الطائرة الأولى فى الموعد المحدد تماماً ودون تأخير أو تقديم ثانية واحدة. كان بعض الزملاء يعتقدون أن تلك الدقة نوع من «الحذلقة أو الحنبلية».. لم يكن الأمر كذلك. وهذه الدقة الزائدة فى احترام الجداول الزمنية للعمليات الجوية يعود إلى أن الحرب الحديثة، أثبتت، بتجاربها المتعددة، أن احترام الطيار المقاتل للجدول الزمنى المحدد لتفاصيل مهمته القتالية أمر لا فكاك منه، بل إن هذا الالتزام الحرفى هو الضمان الوحيد لنجاح المهمة التى عُهد للطيار بإتمامها.. وربما كان احترام الطيار المقاتل لهذا الجدول الزمنى، هو مفتاح النجاة، لا بالنسبة له وحده، بل بالنسبة لقواته الجوية بأسرها. لا أبالغ حين أقول إن تأخر الطيار دقيقة واحدة أو تقدمه عن الموعد المحدد له، قد يتسبب فى حدوث كارثة على المستوى الاستراتيجى للشعب الذى سلم للطيار أمانة الدفاع عن سمائه ضد العدو الجوى.

فى الساعة 9:15 كنا نصعد بطائراتنا الخمس، فوق سحاب منخفض لم يتجاوز ارتفاعه ثلاثمائة متر.. بعد خمس دقائق اهتزت أجهزة اللاسلكى فى طائرتى، بخبر وقع علىّ كالصاعقة. تم إبلاغى بأن القاعدة الجوية التى أقلعت منها منذ لحظات قد هوجمت. فعلتها إسرائيل إذن. قاعدتى الجوية تُضرب وأنا معلق فى الجو، عاجز عن صنع أى شىء، وقاذفاتنا الثقيلة التى يعرف العدو جيداً قدرتها التدريبية الرهيبة، تُدمر الآن وهى جاثمة على الأرض لا حول لها. وأبشع من هذا.. تلك الصفوة من خيرة الرجال، الذين أجهدت نفسى، وأجهدوا أنفسهم معى فى تدريبهم تدريباً متواصلاً للارتفاع بمستوى قدراتهم القتالية، استعداداً للحظة اللقاء بالعدو.. وها هى اللحظة قد حلت.. ولكن فى غير وقتها المناسب، وفى الظروف التى اختارها العدو، ورتب لها.. تُرى ما مصير هؤلاء المقاتلين الشجعان، الذين فاجأتهم طائرات العدو، وهم على الأرض؟

كان هذا بعد وقوع أول ضربة جوية معادية بخمس وثلاثين دقيقة كاملة. تساءلت: كيف ولماذا أضاع مركز العمليات الرئيسى هذا الوقت الثمين، دون أن ينذر باقى المطارات التى لم تكن قد تعرضت للقصف، فى أولى موجات الضربة الإسرائيلية التى بدأت فى التاسعة إلا الربع؟ خمس وثلاثون دقيقة بالكمال والتمام، كانت كافية لإنقاذ جزء لا يستهان به من قواتنا الجوية، بل كانت كافية مع حسن القيادة وسلامة التخطيط والتوجيه لتغيير نتيجة الضربة الجوية القاصمة، وبالتالى تغيير سير المعارك كلها، سواء فى الجو أو على مسرح العمليات البرى.

يأكلنى الغيظ والكمد، وأستغيث بجهاز اللاسلكى فى طائرتى، ولكن الجهاز لا ينطق. لا أحد يسمعنى. لا أحد يسعفنى حتى ولو بأطيب التمنيات. إن مركز العمليات صامت تماماً، وبرج المراقبة فى قاعدتى الجوية التى غادرتها مع رجالى الخمسة كان هو الوحيد الذى يرد علىّ محذراً من الهبوط بسبب تدمير الممرات معلناً عجزه عن إعطائى أية تعليمات بالاتجاه إلى مطار آخر يكون ما زال صالحاً للهبوط.

مرت بنا لحظات من الصمت الكئيب، ونحن نطير بلا هدف.. إلى أين نذهب؟ وفى أى مطار يستقر بنا المطاف؟ لم نكن نعرف، ولم يكن أمامنا وقتها إلا أن نطير ونطير حتى يفرغ الوقود من طائراتنا فتقع كارثة أو معجزة.. وفجأة دبت الحياة فى جهاز اللاسلكى.. اتصال من مركز العمليات، وكان يطلب طلباً غريباً، بدا لى وقتها، وكأنه نوع من السخرية المرة، ونحن معلّقون فى الجو، بلا هدف نسعى إليه، وبلا مطار نثق فى بقاء ممراته سليمة وصالحة.

كان مركز العمليات قد ظن أنه بدأ يستجمع شتات «قدرته» على السيطرة، أو لعله فقدها نهائياً، فإذا به يطلب منا تنفيذ الخطة «فهد». كدت ألعن محدثى. أى «فهد» هذا الذى يطلبون منى تنفيذه بعد أن ضُربت قاعدتى الجوية، وطائراتها على الأرض، وأنا معلق فى الجو مع زملائى؟! ولم أجد فى هذا الطلب الهازل ما يستحق عناء التفكير فى مجرد الرد عليه حتى بالرفض.

كان غضبى ساعتها هائلاً من هذه القيادة التى تذكرتْ فجأة، ولكن بعد فوات الأوان، أن هناك خطة اسمها «فهد» وأن هذه الخطة يُمكن تنفيذها، ويُمكن عن طريقها أن نلقّن العدو درساً قاسياً.. ولكن متى.. وكيف؟ لقد ضاع الوقت.

مجدداً، سيطرت على الغضب، وبتفكير فورى، حسمت أمرى.. هؤلاء الرجال الخمسة يجب الحفاظ على سلامتهم، والاحتفاظ بطائراتهم إن أمكن. إن الضربة التى دمرت قاعدتنا الجوية فى بنى سويف تعنى كذلك أن المطارات المتقدمة فى القاهرة والدلتا وسيناء قد دُمرت تماماً.. ولكن لا مجال لليأس، فلنسرع بالصعود إلى مصر العليا. وأغلب الظن أن مطار الأقصر لا يزال سليماً، فليكن هو محطة الوصول التى نلجأ إليها مؤقتاً لكى نتزود بالوقود والذخيرة اللازمة، ثم نعاود الطيران، أملاً فى الإسهام بجهد فى المعركة بهذه الطائرات الخمس.

أصدرت أمرى بالاتجاه إلى الأقصر، لأفاجأ بعد هبوطنا بتعذّر إمدادنا بالوقود لعدم وجود المعدات اللازمة للتموين واستحالة إمدادنا بالذخيرة اللازمة، لأنه لا توجد بالمطار ذخيرة. وضاع الوقت فى محاولة استخدام وسائل بدائية لتزويد الطائرات بالوقود، وفى الاستعانة بمركز العمليات للبحث عن وسيلة لإمدادنا بالذخيرة اللازمة لاشتراكنا فى المعركة، إن كانت لا تزال هناك فرصة للاشتراك فيها.

وبينما نحن فى هذا الوضع المزرى أقبلت الطائرات الإسرائيلية، وبدأت عملية قصف المطار. كان هناك عدد من الطائرات المدنية التابعة لشركة مصر للطيران وبعض طائرات النقل الثقيلة التابعة للقوات الجوية.. وقد بدأت الطائرات المعادية بتدمير طائراتنا الخمس القاذفة الثقيلة لكى تُفرّغ من قدرتها التدميرية، ثم تحولوا إلى باقى الطائرات ومنشآت المطار لقصفها.

إن الحرب عمل مرير، مختلفة فى واقعها عما يمكن أن يقرأه عنها إنسان فى كتاب، أو يشاهدها فى فيلم سينمائى. لقد عشت الحرب فى تلك الساعة الكئيبة من صباح 5 يونيو الحزين بطريقة سلبية بشعة على نفسى كطيار مقاتل.. رأيت بعينى طائراتى الخمس، وهى سلاحى فى الحرب، تُدمر أمامى على الأرض وأنا عاجز عن استعمالها، عاجز عن حمايتها من الدمار.. كانت لحظة رهيبة لا تُنسى. وأحسست ساعتها أن فؤادى يتمزق تماماً، مثل الطائرات الخمس التى تمزقت أشلاء على أرض المطار.. إن الحزن الذى شملنى أنا ورجالى الخمسة لا يقدر على وصفه أو الإحساس به سوى طيار مقاتل فقد سلاحه مثلنا، دون أن يتمكن من استعماله.

اقتباس :
فى صباح 5 يونيو تلقيت إشارة على اللاسلكى من مركز العمليات يأمرنى بتنفيذ الخطة «فهد»
بإرادة البقاء وحدها تحول الحزن الذى اجتاحنى إلى غضب لا حدود له.. ثم إلى قسم على الأخذ بالثأر. كان احتراق طائراتنا أمام أعيننا إهانة لا يغفرها إلا الجبان، ولا يمحوها الثأر.. لا بد أن نسقى إسرائيل من نفس الكأس، ولا بد لنا مهما طال المدى، أن نجرد طياريها من سلاحهم قبل أن يتمكنوا من استعماله.. ولا بد أن تذوق على أيدينا مرارة تدمير طائراتها وهى جاثمة على الأرض فى ضربة جوية قاصمة، لا تعرف الرحمة ولا تسمح للخصم بالإفلات من مصيره المحتوم.

بينما تؤلمنى هذه الذكرى، قد يكون مدهشاً أن أقول إن تلك الضربة المدمرة قد سببت لنا نحن الطيارين المصريين عكس ما اعتقدت إسرائيل. تصور العدو أن هذه الضربة القاصمة ستؤدى إلى حالة من اليأس يعجز المقاتل المصرى عن احتمالها، وتؤدى به فى النهاية إلى الإقلاع نهائياً، أو مرحلياً، ولفترة طويلة، عن التفكير فى خوض مواجهة جوية مع هذا الشبح المخيف الذى تطلقه إسرائيل فى الجو على هيئة شياطين لا يعرف أحد من أين تأتى، ولكنه يتعذب من وقع ضرباتها الملتهبة القاصمة.

هذا الحلم الإسرائيلى الكبير تحول إلى وهم أكبر تبدد فى نفس اللحظة التى تمت فيها الضربة المفاجئة للطيران المصرى فى جميع المطارات المصرية التى تلقت الضربة الجوية، كان جميع الطيارين الذين شاهدوا بأعينهم طائراتهم تحترق أمامهم وهى جاثمة على الأرض يرددون نفس القسم الذى تعاهدتُ عليه مع رجالى الخمسة فى مطار الأقصر: الثأر.. ولا شىء غير الثأر يمحو الإهانة التى تلقاها نسور مصر الذين حُرموا من أجنحتهم فى ذلك اليوم.

لم يكن الذى احترق يوم 5 يونيو هو الجزء الأكبر من سلاحنا الجوى وحده، ولكن الذى احترق بالفعل، وكما أثبتت عمليات أكتوبر المجيدة، هو الأسلوب القديم فى قيادة الطيران المصرى، تخطيطاً وتنفيذاً على جميع المستويات التكتيكية والاستراتيجية.

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 85678_660_2231243
محمد أنور السادات
لقد نسفت قنابل الطائرات الإسرائيلية، التى تساقطت فوق مطاراتنا يوم 5 يونيو «الشللية»، والأخطاء الكبيرة، والتستر على تلك الأخطاء.. كما أنها حرقت الجهل بفنون القتال الحديث لكى تفسح الطريق، دون قصد منها طبعاً، لجيل جديد من الرجال يملك العلم والقدرة المرتفعة على التخطيط والتنفيذ على أعلى مستوى قتالى معاصر، ويملك قبل كل شىء الرغبة فى الانتقام. ورب ضارة نافعة. وصدق الله عز وجل حين قال فى كتابة العزيز «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم».

فى مذكراته «كلمة السر» يعود مبارك إلى الأسباب التى دعته إلى كتابة يوميات سلاح الجو بين عامى 1967 و1973.. ويفسر لماذا قرر ذلك فى عام 1978: أكتب هذه المذكرات انطلاقاً من شعورى بالمسئولية تجاه المواطن المصرى، والقوات الجوية، والقوات المسلحة المصرية كلها، واستجابة لمسئوليتى تجاه التاريخ والحقائق التى يجب أن يطلع عليها الجميع.

وأشعر بفداحة تلك المسئولية منذ نبتت فكرة هذا الكتاب الذى يحكى ملحمة الطيران المصرى كاملة، بدءاً من ضربة الخامس من يونيو عام 1967، حتى ضربة «صدام» التى استعاد بها الطيار المصرى سمعته كمقاتل جرىء ومقتدر، فى الثانية من بعد ظهر السادس من أكتوبر عام 1973. إن المرجع الأساسى لذلك الإحساس هو ذلك الرصيد الهائل من الإعلام الإسرائيلى، الذى امتزج فيه قدر محدود من الحقائق بقدر لا محدود من الأكاذيب والخيالات التى صيغت بذكاء شديد.

وفى أغلب فصول مذكراته يبدو مبارك مهتماً للغاية بالتأثيرات النفسية والمعنوية لهزيمة 5 يونيو كما لو أن الضربة الجوية التى جهز لها فى يوم 6 أكتوبر كانت تستهدف تحقيق الانتصار المعنوى والنفسى قبل أن تحقق الانتصار العسكرى.. يقول: لقد نجح الإعلام الإسرائيلى فى تحويل ضربة إسرائيل للطيران المصرى صباح 5 يونيو 1967 من مجرد خطة عادية -إذا قيست بالمقاييس العسكرية المحايدة والموضوعية- فى إطار الظروف التى تمت خلالها الضربة على جانبى الصراع، إلى أسطورة خيالية تروى أمجاداً خرافية لواضع الخطة «مردخاى هود» وهيئة عملياته العسكرية.

لقد عُرفت تلك الضربة فى الملفات السرية لوزارة الدفاع الإسرائيلية باسم «طوق الحمامة»، ويعود القدر الأكبر من النجاح الذى حققته إلى هذه الصدمة النفسية التى أصابت جماهير شعبنا المصرى، وأمتنا العربية كلها، وهى ترى «أكبر قوة جوية ضاربة فى الشرق الأوسط» -كما كانت القيادات العسكرية المصرية السابقة تُصرح دائماً- تتحطم وهى جاثمة على الأرض، فى ضربة سريعة لم تتجاوز منذ بدايتها فى الساعة 8:45 صباحاً إلى نهايتها نحو الساعة العاشرة، ساعتين فقط.

عامل آخر ساعد على إشاعة الجو الأسطورى حول ضربة إسرائيل للطيران المصرى، وهو الأقاصيص والحكايات المبالغ فيها كثيراً، والتى رواها الجنود العائدون -على أقدامهم- عبر سيناء، تنفيذاً لقرار الانسحاب الذى أصدرته القيادة العسكرية للقوات البرية فى الوقت الذى فقدت فيه هذه القوات أى حماية جوية، فأصبحت خلال عمليات الانسحاب المتسرع غير المنظم مكشوفة تماماً للعدو الجوى، ومعرضة لطيرانه الذى أسكرته نشوة النصر المذهل -حتى بالنسبة لأكبر المتفائلين فى قيادة الطيران الإسرائيلى- فمضى الطيارون الإسرائيليون يعربدون فى سماء سيناء، ويعبثون بالقوات البرية المصرية العائدة، وهم فى مأمن من أى حساب أو عقاب رادع.

ويُضاف إلى ذلك عامل أخير، لعله فى تقديرى أخطر هذه العوامل جميعاً، وهو تلك الأعداد الهائلة من أبناء مصر -سكان مدن القناة- الذين تحولوا مع تصاعد العمليات القتالية على جبهة السويس إلى مُهجّرين، موزعين فى معظم مدن مصر وقراها، وما حمله معهم هؤلاء الإخوة من قصص العدوان الإسرائيلى المتغطرس، والذى كان طيران إسرائيل يمثل رأس الحربة فى كل عملياته.

إن رؤية المواطن المستقر فى داره وعمله، وسط أهله وأصحابه الذين عاش عمره بينهم، لأخ له فى الوطن، وقد أُرغم على ترك مسقط رأسه ومسرح حياته العملية والاجتماعية، ثم تحول رغماً عنه -وتحت وطأة عمليات عسكرية عدوانية- إلى مُهجّر يعيش فى معسكر أو مخيم، ويعيش على إعانة مهما تعاظم قدرها، فهى بالقياس إلى دخله الأصلى محدودة، ودون ما اعتاد أن ينفق على نفسه وذويه؛ هذه الصورة القاسية، حين يشاهدها المواطن المصرى -ويسمع بها أو يراها الإنسان العربى- بعد 5 يونيو 1967، كان لها فعل السحر الأسود فى نفسه، وربما بعثت إلى ذهنه ووجدانه على الفور، بصورة مماثلة طالما قرأ عنها أو سمع بها عام 1948، حين نجحت إسرائيل عشية إعلان قيامها كدولة، فى طرد الملايين من عرب فلسطين وأصحابها الشرعيين، وتحويلهم إلى لاجئين يعيشون فى المخيمات، على صدقات المجتمع الدولى.

وقد تضافرت مع هذه العوامل فى تحقيق الهدف النهائى، الذى سعى الإعلام الإسرائيلى عقب 5 يونيو إلى تحقيقه فى نفسية الإنسان العربى، وهو التهويل لهذه العملية العسكرية التى لا تخرج فى التحليل العلمى عن منهج من الفكر العسكرى الألمانى والإنجليزى -مع بعض الإضافات اليسيرة التى تتفق مع طبيعة وتكوين العقلية العدوانية المسيطرة على قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية- وحصيلة كل هذا أن تحول الطيران الإسرائيلى إلى خرافة وتحول الطيار الإسرائيلى إلى شبح، تنسج مخابرات العدو حوله الأساطير، وتشيعها عبر أجهزة الإعلام العالمى.

وإذا كنا -نحن العرب بوجه عام والمصريين بوجه خاص- نعيب على الإسرائيليين، عسكريين وساسة، تلك المستويات الرهيبة من الغرور والغطرسة التى لا تطاق، والتى استولت عليهم فكراً وسلوكاً، عقب انتصارهم المفاجئ والمذهل، الذى حققوه بأبخس الأثمان، فإننا لا نرضى لأنفسنا -نحن المصريين بالذات- أن يؤخذ علينا ما عبناه على خصمنا، فنستسلم لنشوة النصر الذى حققته قواتنا المسلحة -بجميع أفرعها- يوم 6 أكتوبر، بحيث قضت فى ست ساعات على أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يُقهر، فإذا به، بشهادة العدو قبل الصديق، وبعد ست ساعات فقط يترنح من هول الضربات التى كالها له المقاتل المصرى جواً وبراً وبحراً.

ومع يقظتنا الكاملة لهذا المنزلق العاطفى الخطر، الذى يمكن أن يجرنا إليه الإحساس القوى بالنصر الساحق الذى زلزل كيان العسكرية الإسرائيلية.. فإننا -مع كل التواضع الذى تمليه الثقة الكاملة بالنفس، والإيمان الراسخ بالقدرة القتالية الهائلة للجندى المصرى- لا يسعنا إلا أن نشير إلى حقيقة مهمة، وهى أن إسرائيل تؤمن إيماناً راسخاً، بأن عدوها الأول، وخصمها الأخطر شأناً، والأثقل وزناً، هو مصر، وشعبها الأمين.. ذلك الشعب الذى ظل ثابتاً على أرضه كالطود الراسخ يحمى حضارته التى زرعها فى وادى النيل، وحماها ضد موجات الغزو الأجنبى، التى تكسرت على شاطئ صلابة المصريين طوال عصور التاريخ القديم والوسيط والحديث.

فى مذكراته المهمة تلك يؤصل مبارك، نائب الرئيس الأسبق وقت كتابتها، للأسباب التى يعتقد أنها أدت إلى تعامل إسرائيل مع مصر باعتبارها الخصم الأخطر.. يقول: السبب الأول عسكرى بحت، تمثل فى تكثيف الضربة الموجهة إلى جيش مصر وطيرانها، بحيث أدى هذا التكثيف فى حجم الضربة والعناصر التى استُخدمت فيها -حيث ألقت إسرائيل بكل ثقلها العسكرى تقريباً جواً وبراً على الجبهة المصرية- إلى إحداث شلل مفاجئ فى القيادة المصرية. إن هذا أدى، مع عنصر المفاجأة، إلى ما أدى إليه من هزيمة ساحقة، وغير طبيعية فى نفس الوقت، خرجت بها مصر مهزومة من معركة لم تقم فى الواقع. وكانت النتيجة الحتمية، بعد أن خلا مسرح العمليات من الوجود المصرى الذى تحسب له إسرائيل ألف حساب، أن تفرغت العسكرية الإسرائيلية لباقى أطراف الصراع، على الجبهتين السورية والأردنية، وهى واثقة تماماً من تحقيق النصر، بعد أن فرغت من خصمها الألدّ، وعدوها الأخطر: مصر وجيشها.

المنطق الثانى أخذ شكل الحرب النفسية المسعورة، التى شنّها الإعلام الإسرائيلى بلا هوادة أو رحمة، واستهدف بها تحطيم معنويات الإنسان المصرى -باعتباره الركيزة الأولى فى الصراع العربى- الإسرائيلى، فإذا نجح هذا الإعلام فى زعزعة هذا الإنسان المصرى، وخلخلة بنائه النفسى الصلب، فإنه يفقد ثقته بنفسه وثقته بقواته المسلحة، وبقدرة هذه القوات على شن هجوم مضاد، لتحرير أرضه المحتلة، وبالتالى ينهزم نفسياً حتى النخاع، بعد هزيمة عسكرية لا مجال للتشكيك فيها، ومن ثم سينطوى على نفسه، ثم تتجه حركته -إذا قُدر له أن يتحرك- فى اتجاهين مدمرين، أولهما: فقدان الثقة فى قيادته السياسية التى انتهت به إلى هزيمة ساحقة، وما يتبع فقدان الثقة من تمزق وانفجارات تؤدى فى النهاية إلى انهيار الجبهة الداخلية التى أذهلت كل الخبراء والمحللين العالميين بصلابتها الأسطورية عام 1967 وما تلاها من سنوات الصمود.

إن الخطر الأكثر تدميراً هو موقف الإنسان المصرى فى قضية الصراع العربى- الإسرائيلى كان يكمن فى احتمال عاشت إسرائيل، ولعلها لا تزال تحلم به، بأن تؤدى الخسائر التى مُنى بها الشعب المصرى كنتيجة حتمية لضربة 5 يونيو، إلى وقوفه موقف المتشكك المرتاب فى القضية كلها، وأن ينتهى به هذا الموقف المتردد إلى رفض كامل فى النهاية، يعقبه انعزال مصر عن القضية برمتها. وتلك أعذب أمنيات الفكر الإسرائيلى؛ أن تنجح فى الوقيعة بين الإنسان المصرى وبين أمته العربية جمعاء، وقيعة تنتهى إلى انعزال مصر وخروجها من حلبة الصراع نهائياً، لكى يخلو الجو لإسرائيل، تعربد فيه كما تشاء، وتصنع بالمنطقة ما تريد، وتعيد رسم خريطة المشرق العربى على هواها.

لعل هذا يفسر لنا ضراوة الإعلام الإسرائيلى فى هجومه المخطط المدروس بإحكام ودقة بالغين، على عقل الإنسان المصرى وعاطفته معاً، هجوماً استخدمت فيه كل وسائل الإعلام الحديث، وجندت له كل أساليب الحرب النفسية الحديثة.

عشرات الكتب والمؤلفات التى تتحدث عن «حرب الأيام الستة» قدمت لها وزارات الدفاع والخارجية والإعلام الإسرائيلى كل الإمكانيات والتسهيلات الوثائقية والمادية، وعشرات الأفلام (التسجيلية والروائية) التى تم إنتاجها ببذخ خرافى، وبحرفية سينمائية بالغة الدقة والذكاء، تصور كلها بطولات جيش الدفاع الإسرائيلى، وتتغنى بأمجاد «طيران إسرائيل»؛ ذراعها الطويلة ذات المخالب الجهنمية القادرة على سحق أى هدف فى أعمق أعماق الوطن العربى، وخاصة فى ربوع خصمها اللدود الخطير؛ مصر. مئات -ولا نبالغ إذا قلنا آلاف- المقالات والأبحاث العلمية والندوات التى تنشرها أو تذيعها وتعرضها وسائل الإعلام يتغنى كتّابها ومذيعوها «المحايدون» -كما يسمون أنفسهم- بأمجاد العسكرية الإسرائيلية، من ناحية، ويسخرون بهزال العرب وضعفهم وتخلفهم من ناحية أخرى.

اقتباس :
أى «فهد» هذا الذى يطلبون منى تنفيذه بعد أن ضُربت قاعدتى وطائراتها وأنا معلق فى الجو؟
ثم.. أخيراً وليس آخراً؛ هذا السيل الرهيب من الأقاصيص المصنوعة -داخل مكاتب المخابرات الإسرائيلية- عن بطولات رهيبة، وقدرات أسطورية لجيش «الدفاع» الإسرائيلى وطيرانه الرهيب. ولعل هذا اللون الأخير من ألوان الحرب النفسية التى شنّها العدو ضدنا، عقب 5 يونيو، كان أخبث وسائلها على الإطلاق، لأنه كان يسعى إلى تحقيق هدفين واضحين منذ البداية:-

غرس الفزع فى نفس الإنسان المصرى -مدنياً كان أو عسكرياً- من هذه المقولة الخرافية «الذى لا يُهزم أبداً»، ثم قتل الثقة والاحترام اللذين يكنّهما المواطن المصرى لجيشه، عن طريق سيل متلاحق من النكت المرّة التى تسخر من المقاتل المصرى ومن قدرته على الصمود فى الميدان وعجزه عن مواجهة المقاتل الإسرائيلى، سواء تمت هذه المواجهة على الأرض أو فى السماء.

من الحقائق المسلم بها -فى الفكر العسكرى قديمه وحديثه- أن العدو الذى ينجح، عن طريق الحرب النفسية، فى نشر الفزع فى صفوف المدنيين على الجهة المعادية، ثم تصعيد هذا الفزع إلى احتقار للجيش الوطنى والسخرية منه وعدم الثقة به؛ يضمن فى النهاية النصر الكامل والساحق لقواته عند أول مواجهة له مع الخصم الذى نجح فى تدمير معنويات شعبه.

هذه الحقيقة التى جرت الآن مجرى البديهيات فى الفكر العسكرى، كانت نقطة البداية -كما سيتضح فى تلك المذكرات- عندما تحركت العسكرية المصرية بقيادتها الجديدة -بعد 5 يونيو مباشرة- لتحقيق الصمود النفسى أولاً للمقاتل والإنسان المصرى، قبل أى خطوة على الطريق الشاق الطويل الذى انتهى إلى معارك السادس من أكتوبر المجيدة.

ورغم ما حققه جيش مصر البطل -بكل أنواعه وأسلحته- من بطولات فى السادس من أكتوبر تُعتبر، كما قال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، «معجزة عسكرية بأى مقياس من مقاييس الفكر العسكرى» فإن ضراوة الحرب النفسية التى شنها علينا العدو عقب 5 يونيو وقبل 6 أكتوبر كانت مثار اهتمام كل مصرى، سواء فى أعلى مستوى من مستويات القيادة السياسية والعسكرية، أو لدى المواطن المصرى العادى.

وفى كتابه هذا، يصر مبارك على ألا يعتبر ما حدث فى يوم 5 يونيو «معجزه» أو ضربة «أسطورية» كما حاولت إسرائيل أن تصورها.. يقول: كنا كعسكريين نعرف جيداً على الطبيعة -ودون تأثر بعوامل التحامل أو التحيز الوطنى ضد عدونا أو لصالح قواتنا المسلحة- أن ما حدث فى 5 يونيو، ليس معجزة مطلقاً، ولا هو خارقة من الخوارق التى تستحيل مجاراتها أو اللحاق بها. 

وكانت القيادة العسكرية المصرية، التى تولت مسئولية وشرف الإعداد للسادس من أكتوبر، تعرف بحكم دراساتها العليا، وتمكنها من فنون الفكر العسكرى -سواء فى معاهد الغرب أو الشرق- أن ما حدث فى معارك 5 يونيو، مجرد استغلال جيد لظروف معينة وُجدت على جانبى جبهة الصراع، وهو أمر لا يشكل عبقرية عسكرية، ولا يستأهل كل ما نُسج حوله من أساطير وخرافات، بلغ من شيوعها أن الإسرائيليين أنفسهم وهم الذين صنعوها لكى يرعبوا بها العرب ويخدّروهم عن واقعهم، وقعوا فى نفس المصيدة، والتقطوا بغباء غريب عليهم فعلاً، نفس الطعم الذى أجهدوا خبراءهم فى صنعه واختلاقه لكى تلتقطه شعوب الأمة العربية، وفى مقدمتها شعب مصر.

ولقد وصل بهم خداع النفس -القائم على الغرور والغطرسة والاستسلام دون وعى لنشوة النصر غير الطبيعى بينما قادة إسرائيل يعرفون بينهم وبين أنفسهم أن نصرهم فى 5 يونيو كان غير طبيعى فى مجمله- أقول: وصل بهم خداع النفس إلى الحد الذى دفع بأحد قادتهم العسكريين الكبار (رئيس الأركان ديفيد أليعازر) إلى أن يصرح قبيل 6 أكتوبر، للصحافة العالمية، بأن «البحر الأحمر قد أصبح -بفضل الطيران الإسرائيلى ذراع إسرائيل الطويلة القوية- بحيرة إسرائيلية.. وعلى العرب جميعاً أن يوطنوا أنفسهم على هذا كأمر واقع يتصرفون على ضوئه».

لو أننا وزنّا هذا التصريح لقائد عسكرى كبير -مفروض فيه أنه يحترم نفسه ويحترم كلامه- بموازين الفكر العسكرى السليم وقواعده العلمية لوجدنا أنفسنا أمام احتمالين لا ثالث لهما:
الأول: أن يكون «أليعازر»، حين ألقى بهذا التصريح، قد استوثق تماماً من وصوله بقواته -بجميع أسلحتها- إلى المستوى الذى يستحيل معه أن تلحق بها أية هزيمة عسكرية، سواء من حيث مستوى الإعداد والتدريب، أو من حيث مستوى التسليح كماً وكيفاً.. كما أن عليه فى نفس الوقت أن يستوثق -عن طريق استخباراته العسكرية- من أن قوة خصمه لم تتصاعد بأى حال إلى المستوى الذى يُشكل لجيشه تهديداً أو شبه تهديد عند حدوث أى اشتباك.

وإذا صح للقائد العسكرى -الذى يحترم نفسه، ويحترم عقل قواته- أن يفاخر بارتفاع قدراته القتالية، فإن مسئوليته كقائد ومفكر عسكرى تفرض عليه أن يتناول كل ما يتصل بخصمه بحذر شديد، لأن التجارب العملية أثبتت دائماً أن أى خصم مهما كان شأنه عنده دائماً ما يخفيه عن أكثر العيون قدرة على التلصص وأكثر الآذان تدريباً على التسمُّع. فإذا أغفل القائد العسكرى هذه الحقيقة البسيطة فقد وضع بنفسه أول طوبة فى بناء بشع اسمه «الفشل».

الاحتمال الثانى، الذى يُمكن تفسير كلام القائد الإسرائيلى على ضوئه: أن تكون أجهزة الحرب النفسية فى إسرائيل قد وصلت فى ممارستها فى مهمتها ضد العرب عموماً ومصر وشعبها خصوصاً، إلى درجة التشبع، بحيث تحولت بمهامها الدعائية -دون أن تدرى- إلى عقول القادة الإسرائيليين أنفسهم، فإذا بهم يصدقون الأكاذيب التى اختلقوها حول القوة الأسطورية لجيشهم الذى لا يُغلب.. وإذا بكبيرهم -فى ذلك الوقت- «ديفيد أليعازر» يدلى بتصريحه الغريب.

ولم يكن أليعازر وحده الذى أُصيب بحمى الغرور، فقد كان هناك سباق عجيب بين قادة إسرائيل -العسكريين والسياسيين على السواء- فى إلقاء مثل هذه التصريحات الخالية من أى تعقُّل، لو وزنّاها بأى ميزان فكرى سليم على المستويين العسكرى والسياسى.

إن «حاييم بارليف» -صاحب الخط الشهير الذى أنفقت إسرائيل على إقامته وتحصينه مئات الملايين من الدولارات ثم انهار بعد ساعات ست من الضربات القاسية التى كالها له المقاتل المصرى الشجاع المدرَّب جيداً، المسلَّح جيداً- «حاييم» هذا، يصرح يوم 5 فبراير 1971 لوكالة الأنباء الفرنسية، بقوله: «ليست لدى المصريين أدنى فرصة للنجاح، إذا هم حاولوا عبور القناة، من المؤكد أن لديهم الوسائل اللازمة لمثل هذه المهمة، ولديهم خطط للعمل، ولكن ما ينقص مصر هو الجيش الذى يستطيع أن يخطط، وينفذ، ويقاتل».

ثم يعود فى 8 مارس عام 1973 ليصرح بقوله: «أقول باختصار: إذا استأنفت مصر القتال، فإن إسرائيل لن تخسر موقعاً واحداً».

وقد كان «موشى ديان»، فيلسوف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، الذى تحطم هو وكل نظرياته عن «الأمن الإسرائيلى» فوق صخرة 6 أكتوبر، يؤكد دائماً وفى كل مناسبة بأن «مصر لن تحارب قبل عشر سنوات إذا هى فكرت فى الحرب فعلاً».. وهو أيضاً القائل: «إن الجبهة المصرية لا تستحق من جهد جيش إسرائيل أكثر من ستين دقيقة».

فى تقديمه لكتابه يعلق مبارك على مجموعة التصريحات والأحاديث الإسرائيلية التى انهمرت على مصر والدول العربية.. يقول عنها: لم تكن هذه التصريحات تعنى عند العسكرية المصرية سوى معنى واحد؛ أنه حدثت بالتدريج، وبدون قصد من العدو -وبقصد كامل من جانبنا- عملية تبادل للمواقع النفسية. وإذا سلمنا بأن السلوك البشرى -كما هو فى الواقع والتحليل العلمى- رد فعل عملى للدوافع النفسية والاقتناعات العقلية؛ فإن تصريحات قادة إسرائيل، بكل صلفها وغرورها، كانت تعنى بالنسبة لنا نحن المصريين، أننا -قبيل معارك 6 أكتوبر- قد نجحنا فى تبادل المواقع النفسية التى كنا نحتلها -قبل 5 يونيو- فتركنا موقع الغرور والتفاخر والمظاهرات السياسية الهوجاء للإسرائيليين، وأخذنا بدلاً منها موقع الحذر، والعمل الدائب فى صمت، والتخطيط العلمى المدروس فى الخفاء.

كانوا يدركون قوتهم، ويبالغون فى إحساسهم بهذه القوة فى الإعلام -بل الإعلان- عنها، وكنا نصمت غالباً.. وإذا اضطررنا للكلام، فبالقدر الذى لا يشيع اليأس فى نفس المواطن المصرى والعربى، ولكنه لا يساعد فى نفس الوقت على تنبيه العدو إلى مستوى خطر -بالنسبة له- من مستويات التدريب أو التسليح، نكون قد نجحنا فى تحقيقه.

وكانت حمى التصريحات التى انتابت قادة إسرائيل متفقة تماماً مع الأهداف الخفية للعسكرية المصرية، ولكن خطرها الذى كنا نعمل له ألف حساب، هو تأثيرها على المواطن المدنى، الذى لا يعلم ما نعلمه -نحن العسكريين- سواء بالنسبة لقوة العدو، أو لقوتنا المتزايدة باستمرار.

ومن هنا كان الإحساس الخطير بالمسئولية، عن ضرورة نجاح إعلامنا العسكرى بالذات فى تحقيق المعادلة الصعبة التى تتمثل فى الاستمرار فى خداع العدو المغتر بقوته، المنتشى بنصره السريع فى 5 يونيو 1967، مع الحفاظ فى نفس الوقت على الدعائم الضرورية لسلامة نفسية المواطن المدنى، والاحتفاظ له بالقدر الكافى من الثقة فى قواته المسلحة، ثقة تصد عنه الهجمات الضارية التى تشنها عليه أجهزة الحرب النفسية لدى إسرائيل.

وللحقيقة والتاريخ؛ فقد كانت تلك عملية شاقة على جميع الأطراف، سواء بالنسبة لأجهزة الإعلام عامة، والإعلام العسكرى خاصة، أو بالنسبة للمواطن المصرى الذى استمد من شجاعته وصلابته الأصيلة القدرة على الصمود فى مواجهة الحرب الدعائية للعدو، وعدم الاستسلام للسموم الخبيثة التى كانت أجهزة العدو المدرّبة، تبثها بجميع الوسائل المستحدثة.

وأخيراً.. حلت ساعة الصفر، التى استبعد العدو مجيئها، بينما عاشت الملايين فى مصر والأمة العربية كلها تتحرق شوقاً للقائها. وفى الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من أكتوبر عام 1973، وتنفيذاً لأمر القائد الأعلى الرئيس السادات، عبرت مائتان وعشرون من طائراتنا القاذفة الثقيلة، والقاذفة، والقاذفة المقاتلة، عدا طائرات الحماية والاعتراض.. عبرت كلها وفى ثانية واحدة، وطبقاً للخطة، «صدام» الخط «س» فى نفس اللحظة، لتنطلق بعده إلى مواقع العدو وشرقى القناة كى ترد له الدَّين الذى فاجأها به منذ ستة أعوام فى الخامس من يونيو عام 1967.

وفى الثانية والثلث -وبعد مُضىّ عشرين دقيقة تقريباً، كنت فى غرفة العمليات، أستقبل «التمام» من مختلف القواعد الجوية، لكى أعيد إبلاغه فى نفس اللحظة للقائد الأعلى فى غرفة العمليات المركزية. لقد نجحت الضربة «صدام» فى تحقيق أهدافها ضد العدو بنسبة تجاوزت 95٪ ولم تتجاوز خسائر قواتنا الجوية فى هذه العملية المركزة، نسبة 1٪ فقط، رغم أن عدد الطائرات المشتركة فيها قارب الثلاثمائة.. وهى نتائج تُعتبر وسام شرف لأية قوة جوية فى العالم، لأنها حطمت جميع الأرقام القياسية العالمية السابقة، سواء فى عدد الطائرات المشتركة فى ضربة واحدة، أو فى نسبة تحقيق الأهداف ضد العدو، أو هبوط نسبة الخسائر بين القوة المهاجمة.

وبمجرد أن تأكدت القيادة العليا من نجاح الضربة الجوية المكثفة «صدام» دارت آلة الحرب الجهنمية، وتحركت جحافل المقاتلين المصريين تعبر القناة، وتلتحم بجنود الجيش الذى كان لا يُقهر. وتتوالى المعارك لتؤكد بطولة وفعالية المقاتل المصرى الذى يشعر بالأمن والثقة لأن قواته الجوية، التى أخذت الدرس والعبرة من أخطاء 1967، قد صممت على الانتقام. ولقد اعترف العدو نفسه، وشهد العالم أجمع: المراسلون الحربيون، والخبراء العسكريون، بأن الطيار المصرى المقاتل أثبت وجوده بجدارة وفاعلية -خلال معارك أكتوبر- سواء فى الضربة الأولى التى فاجأت العدو وحطمت له مراكز القيادة والسيطرة، ومراكز الإعاقة والتشويش، ومواقع بطاريات الصواريخ «هوك» المنتشرة شرقى القناة، أو فى طلعات المعاونة الجوية للقوات البرية فى زحفها المنتشر على أرض سيناء، أو فى معارك الاعتراض والقتال الجوى، ضد طيران العدو، الذى حاول اختراق مجالنا الجوى طوال أيام القتال.

وفى كل هذه المجالات كان الطيار المصرى المقاتل حريصاً على أن يكتب بعرقه ودمه -بل وبحياته شهيداً- لوحة جديدة فى ملحمة الطيران المصرى، التى كانت بدايتها صدمة 5 يونيو 1967، ونقطة الوصول السعيدة ظهر السادس من أكتوبر 1973.

وهنا أستطيع أن أجيب عن السؤال الذى طرحته فى بداية هذه المقدمة: هذا الكتاب.. لماذا ؟!

لقد عمدت أجهزة الإعلام الإسرائيلية عشية «حرب الأيام الستة» -كما سموا معارك 5 يونيو- إلى التهويل الأسطورى الذى يقترب من حد الخرافة، فى حديثهم عن الضربة الإسرائيلية للطيران المصرى.. ولولا صلابة الإنسان المصرى عقلاً وعاطفة، لانهار بناؤه النفسى أيام هذه الحرب النفسية الضارية. وإذا كان الطيران المصرى قد استطاع أن ينتقم لنفسه فى 6 أكتوبر، وأن يرد الصفعة بصفعات أشد عنفاً وقسوة على العدو المتغطرس؛ فإن الواجب نحو الطيار المصرى المقاتل، الذى كتب خاتمة سعيدة ومشوقة لملحمة بدأت بداية حزينة فى 5 يونيو 1967، يحتّم أن يعرف أهله وذووه، ماذا فعل لهم ومن أجلهم.. فى معارك السادس من أكتوبر.

هذا الكتاب أيضاً يفرضه الواجب نحو المواطن المصرى العادى الذى عاش سنوات وسنوات، وهو أسير خوف غامض، من عدو أسطورى له ألف ذراع اسمه الطيران الإسرائيلى الذى صورته الدعاية الإسرائيلية، على أنه تنين خرافى له مخالب لا نهاية لطولها، ولا راد لقوتها، ولا مُعقب لحكمها وإذا كان هذا المواطن المصرى الشجاع -الصلب الإرادة صلابة تحطمت على جدرانها كل دعايات العدو وسمومه- قد صمد فإن ما حققه الطيران المصرى من نجاح فى المعركة، يمثل جانباً من الجزاء لصبر هذا المواطن الصبور، ولكن جزاءه الأوفى يتمثل فى اطلاعه على الصورة الكاملة لملحمة طيران

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Field Marshal Medo

مشرف سابق
لـــواء

مشرف سابق  لـــواء
Field Marshal Medo



الـبلد :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Egypt110
العمر : 39
المهنة : قائد
المزاج : عنيد - شرس - بفتل من الصبر حباااال
التسجيل : 26/08/2012
عدد المساهمات : 2653
معدل النشاط : 2303
التقييم : 108
الدبـــابة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B3337910
الطـــائرة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B91b7610
المروحية :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 5e10ef10

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 111


 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Empty

مُساهمةموضوع: رد: كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»    كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Icon_m10الأحد 29 سبتمبر 2013 - 10:20

الحلقة الثالثه
«مبارك» فى مذكراته: مطارات مصر كانت «مكشوفة» لإسرائيل.. وضربة 67 لم تكن عبقرية أو معجزة

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 155370_660_4179263_opt
مبارك والسادات
قبل أن يذهب الفريق طيار حسنى مبارك فى مذكراته «كلمة السر» إلى الفصول التى يشرح فيها كيف تحقق نصر أكتوبر، فإنه يحلل تفاصيل العملية العسكرية الإسرائيلية ضد مصر يوم 5 يونيو 1967، ويجرى مبارزة مع قائد سلاح الجو الإسرائيلى مردخاى هود، كاشفا عن أن خطته كانت من وضع خبراء العسكرية الفرنسية البريطانية.

وفى الكتاب الذى تنشره دار نهضة مصر يوم 2 أكتوبر، وحرر نسخته الأولى فى 1978 المرحوم الأستاذ محمد الشناوى، وحرر نسخته الأحدث فى 2013 وكتب تقديم الكتاب الكاتب الصحفى عبدالله كمال، يكشف «مبارك» سرا تاريخيا عن أن مطارات مصر كلها كانت مكشوفة لإسرائيل معلوماتيا بسبب خدمة القائد الإسرائيلى عيزرا وايزمان فى الجيش البريطانى خلال احتلاله لمصر.

يقول «مبارك» فى هذا الجزء من مذكراته: إن إسرائيل تعرف -بلا شك- أن كاتب هذه المذكرات طيار مقاتل، درس ومارس التخطيط والقتال الجوى، بالمستوى الذى يجعله قادراً على الحديث عن أى خطة جوية، حديث من يعرف دقائق العملية وأسرارها، بكل ما فيها من نواحى الامتياز والقصور، وبكل ما حوت من تقليد أو تجديد.

وإذا كان هناك احتمال للتعصب من جانبى ضد خطة الجنرال الإسرائيلى مردخاى هود -كما رُسمت ونُفذت- بحكم العاطفة الوطنية، فإن الضمان الوحيد لكشف الحقيقة، والحقيقة وحدها -فى تلك الخطة التى تحولت بفعل الدعاية إلى أسطورة- هو الاتفاق منذ البداية على أسس موضوعية للتحليل، وقواعد ثابتة معترف بها فى جميع مدارس الفكر العسكرى ومناهجه، شرقية كانت أم غربية. ثم ننطلق من هذه الأسس والقواعد المتفق عليها علميا، إلى تطبيق صحيح لدقائق الضربة الإسرائيلية لطيران مصر.

إذا سرنا خطوة أبعد -على طريق التقييم العلمى للخطة العسكرية- لكى نسمح لأنفسنا بوصفها بأنها عبقرية أو معجزة، يجب أن يكون واضع الخطة نفسه قد أعطانا المبرر العملى لهذا الوصف، وذلك بتحقيق شرطين أساسيين:
1- الابتكار والتجديد فى وضع عناصر العملية القتالية كلها، سواء من ناحية التوقيت للضربة الأولى، أو وسائل تجميع العناصر المشتركة فى القتال.

2- وضع الحلول الممكنة -والمبتكرة فى نفس الوقت- للمشاكل القائمة على الجانبين، سواء بالنسبة لجبهة واضع الخطة نفسه، أو المشاكل الناجمة عن موقف جيد يتمتع به الخصم.

ويضاف إلى هذين الشرطين عنصر مهم لا بد من توافره -فى الخطة الممتازة، فضلاً عن العبقرية أو المعجزة- هو الإعداد المسبق للحلول العاجلة والبسيطة، لجميع المواقف المعوقة التى يمكن أن يفكر الخصم فى اللجوء إليها، عملاً بمبدأ عسكرى متعارف عليه، هو أن القائد الناجح هو الذى يؤمن بأن العدو عنده دائماً ما يخفيه.

اقتباس :
المساحة الهائلة لأراضينا تحتاج لإمكانات ضخمة من وسائل الإنذار المبكر لقطع الطريق على أى عمليات هجومية مفاجئة
إن أصول «النقد الموضوعى» لأى خُطة قتالية تحتم علينا -تطبيقاً لمبادئ الفكر العسكرى السليم- أن نلقى بنظرة فاحصة على الظروف السياسية والنفسية والعسكرية المتوافرة على الجانبين المتحاربين.. سواء قبيل العملية القتالية، أو خلال تنفيذها، أو بعد الفراغ منها.. واضعين فى الاعتبار جميع الاحتمالات التى يُمكن أن تؤدى إليها العملية القتالية موضوع الخطة.

فى القاهرة، كانت الأحداث تتلاحق بسرعة مذهلة، ويتصاعد الموقف بشكل لا يترك فرصة لالتقاط الأنفاس:
1- رؤساء الوحدات وقادة الأسلحة المختلفة فى الجيش المصرى، يتلقون الأمر اليومى رقم «1» الذى يقول: «أعلنت حالة الاستعداد القصوى ابتداءً من يوم 15 مايو، الساعة 1430، وتغادر الفرق والوحدات التى أعدت للعمليات مراكزها الحالية، وتتحرك نحو مناطق التجمع والانتشار التى خُصصت لها، وتستعد القوات المسلحة للانتقال للقتال على الجبهة الإسرائيلية، طبقاً لسير العمليات».

2- قرار مصرى بسحب قوات الطوارئ الدولية المتمركزة على الجانب المصرى من الحدود الفاصلة بين مصر وإسرائيل.. ثم إغلاق مضيق تيران فى المدخل الجنوبى لخليج العقبة -وهو شريان الحياة الوحيد للعلاقات النامية بين إسرائيل ودول أفريقيا والشرق الأقصى ومنابع البترول مصدر الطاقة الذى لا حياة لها من دونه.

3- مؤتمر صحفى عالمى يعقده المرحوم الرئيس السابق جمال عبدالناصر، ويعلن فيه -أمام المئات من الصحفيين ومراسلى وكالات الأنباء العالمية- تهديده لإسرائيل بإلقائها فى البحر، إذا نشبت الحرب بينها وبين مصر، أو إذا جازفت بالهجوم على سوريا.

4- لقاء بين جمال عبدالناصر وبين أعضاء «اللجنة المركزية لاتحاد النقابات العربية» يعلن فيه أنه «إذا هاجمت إسرائيل سوريا أو مصر، فإننا جميعاً سندخل الحرب ضدها، وسيكون هدفنا الأساسى هو تدمير إسرائيل.. إننى لم أكن أستطيع أن أقول مثل هذا الكلام منذ ثلاث سنوات أو خمس، وليس من عادتى أن أعد بشىء لست قادرا على تحقيقه.. أما اليوم فإننى مقتنع بانتصارنا.. إن مصر تتوقع فى كل لحظة هجوم إسرائيل، الذى سيتيح لنا الفرصة لتدميرها».

إن الجانب السياسى فى خطة مردخاى هود كان بالنسبة له جانباً قهرياً، لا فضل له فى تحديد معالمه، ولم نبعد دوره فى الاستفادة من خطأ قائم بالفعل على الجانب المصرى.. ومن ثم نسأل: هل كان الجنرال الإسرائيلى يستطيع أن يحدد لتنفيذ خطته الهجومية -لضرب الطيران المصرى- موعداً يسبق 5 يونيو ببضعة أشهر، أو يتأخر بضعة أشهر وحتى بضعة أيام عن الموعد الذى نفذت فيه بالفعل؟
أنتقل الآن إلى الموقف العسكرى نفسه لكل من طرفى الصراع، لنلقى نظرة فاحصة على هذا الجانب؛ لأن التعرف على هذا الموقف، قبل العملية أو بعدها، ضرورى لإصدار حكم منصف، سواء بالنسبة لقواتنا المسلحة -خاصة قواتنا الجوية.. الهدف الأول لضربة 5 يونيو- أو بالنسبة للعدو نفسه.

ونظرا لاتساع رقعة «الموقف العسكرى» -الذى يشمل عادة القوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوى- فإننا سنتجه فى هذا التحليل إلى موقف القوات الجوية وظروفها على جانبى جهة الصراع لتحليل عناصر الضربة الإسرائيلية للطيران المصرى صباح 5 يونيو، ورد هذه الخطة إلى حجمها الصحيح، المتواضع للغاية من ناحية التخطيط العسكرى السليم.

أتوجه بسؤال أولىّ ومهم للغاية إلى واضع الخطة الإسرائيلية -الجنرال مردخاى هود- وهو السؤال الذى لا شك أن الجنرال الإسرائيلى قد ووجه به من خبراء القتال والتخطيط الجوى القائم على القواعد المتعارف عليها فى الفكر العسكرى -بعيداً عن كل ضوضاء ودعايات الحرب النفسية- التى شنتها إسرائيل ضدنا بضراوة لا تعرف الرحمة، والسؤال الذى أعنيه يقول ببساطة:

إذا كان مردخاى هود يعرف -بحكم منصبه كقائد لسلاح الطيران الإسرائيلى فى عام 1967- كل شىء عن إمكانات هذا السلاح عدداً وعتاداً وتدريباً.. فماذا كان يعرف بالضبط عن قدرات العدو الذى يخطط لضربه؟ ثم ما البدائل التى كان من المحتم عليه أن يعدها، أو -على الأقل- يُفكر فيها، لو فاجأه العدو الجوى -المصرى- بما لم يتوقعه، عملاً بالقاعدة المعروفة التى تقول «إن العدو عنده دائما ما يخفيه»؟
توضيحا لأهمية هذا السؤال، نطرح المبادئ الثلاثة الأولية فى التخطيط لأى عملية قتالية، خاصة فى القتال الجوى، وهى:

1- أن يطمئن واضع الخطة إلى أنه يملك القوات الضاربة التى تستطيع تنفيذ الخطة فى أسرع وقت، وبدقة كاملة، وبأقل قدر من الخسائر.

2- أن تكون لدى واضع الخطة صورة دقيقة -أو أقرب ما تكون للدقة- عن إمكانية العدو الجوى ودفاعاته، خاصة فى الساعة «س» التى يحددها المخطط العسكرى لتنفيذ عمليته الهجومية.

3- التفكير فى كل «البدائل» الممكنة فى مواجهة جميع «الاحتمالات» المفاجئة، التى يُمكن أن يلجأ إليها العدو، سواء لتحويل الضربة عن هدفها أو للتقليل من حجم الخسائر الناجمة عنها، أو ردها على العدو المهاجم، للإيقاع به فى شرك خداعى لم يحسب حسابه.. والمبدأ الأخير بالذات يصرخ بالتحذير فى أذن المخطط العسكرى: لا تستهِن بالخصم مهما بدا لك من ضعفه -الذى قد يكون ظاهرياً- ولا تغتر بقوتك التى قد تؤدى بك إلى الهلاك.

هذه القواعد الأساسية فى التخطيط القتالى -والتى تمثل فى نفس الوقت لب السؤال الخطير الذى وُجه ولا يزال يوجه للجنرال هود- لا بد من تطبيقها على الجانبين المصرى والإسرائيلى لتعرف حقيقة ما حدث فى الساعة 8,45 من صباح الاثنين 5 يونيو 1967 وهل كان معجزة كبرى أم أسطورة كبرى؟

ولكى نطبق تلك القواعد على الجانب المعادى، لا بد من نظرة سريعة على تاريخ نشأة السلاح الجوى الإسرائيلى والظروف النفسية التى تأسس فى ظلها والعقيدة القتالية التى عاش أفراد هذا السلاح يستنشقونها كالهواء. إلقاء هذه النظرة التاريخية أمر حيوى فى التحليل المنصف لعملية «طوق الحمامة» التى رسمها «هود»، سواء من حيث التخطيط أو التنفيذ.

وأول ما يطالعنا فى تاريخ «الطيران الإسرائيلى» عبارة أطلقها ذات يوم أحد أدباء إسرائيل ووصف فيها طيران بلاده، بأنه «طيران يملك دولة».

ورغم ما يبدو فى هذه العبارة من «تهريج» ظاهرى ودعاية لاذعة.. فإنها فى حقيقة الأمر تعبر عن واقع مؤسف يعيشه الإسرائيليون ويخضعون له طوعاً أو كرهاً؛ لأنه نابع من طبيعة الظروف المكونة لإسرائيل كدولة ومجتمع يقومان على تبنى نظرية متعصبة تؤمن -من جهة- بتفوق الجنس.. وتحلم -من جهة أخرى- بالتوسع والاستعمار الاستيطانى لأجزاء من الوطن العربى.

هذا التعصب العنصرى والإيمان بتفوق «الجنس»، إلى جانب الحلم الأسطورى بانتزاع أجزاء من أراضى الدول العربية المجاورة، جعلا وضع إسرائيل منذ قيامها -كشعب ودولة- فى حالة حصار دائم، تمارسه من حولها الدول العربية المحيطة بها.. ولما كانت إسرائيل من جانبها، وبحكم قلتها العددية، بالقياس إلى الكثرة العربية الهائلة من حولها، غير قادرة على رفع هذا الحصار عملياً فقد اتجهت إلى رفعه نفسياً.

بل إن إسرائيل تجاوزت هذا إلى التفكير فى تحويل الحصار العددى -المفروض عليها من العرب- إلى حصار نفسى، تفرضه هى على الدول العربية مجتمعة، عن طريق إنشاء قوة ضاربة ذات قدرة قتالية مرتفعة، تستطيع عن طريقها أن تغرس الرعب فى قلب الإنسان العربى، وتحقق بها فى نفس الوقت التوازن النفسى بين أحلام التوسع العدوانى التى تعشش فى عقل الإسرائيلى، كما تصور هالة أبواق العسكرية الإسرائيلية، وبين الفزع الطبيعى الذى يهاجم هذا المواطن التعس -ليل نهار- وهو يحس برياح الخطر والعداء تهب عليه وتحاصره من كل جانب.

فإذا عرفنا أن سكان إسرائيل -بملايينهم الثلاثة المحدودة- لا يمكن أن يشكلوا -عدديا على الأقل- القوة «البرية» المسلحة التى لا تغرق فى محيط الكثرة السكانية العربية الرهيبة من حولها.. يتضح لنا السر الحقيقى فى التركيز على الطيران بالنسبة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وهى بعقيدتها العدوانية تضمن العدوان على الغير كما تتوقعه من الغير بنفس الدرجة.

هكذا تحول الطيران الإسرائيلى إلى «وهم كبير» فى عقول الإسرائيليين أنفسهم، قبل أن يكون وحشاً خرافياً طائراً بالنسبة للإنسان العربى، بل إن واجب الإنصاف والأمانة العلمية -حتى بالنسبة لخصم لا يتوقف كثيراً عن الأمانة إذا لم تخدم أهدافه العدوانية- يفرض علينا أن نقول إن الشخص الإسرائيلى -سواء كان مواطناً عادياً أم واحداً من أكبر قادة المؤسسة العسكرية فى إسرائيل- هو أولاً وأخيراً ضحية لخرافة «الوحش الإسرائيلى الطائر» قبل أن يكون صانعاً لهذه الخرافة أو مروجاً لها.

فى الفترة الواقعة بين مايو عام 1948 ويناير 1949، كان هذا السلاح الجوى الناشئ يقوم بدور لا بأس به فى العمليات القتالية التى نشبت بين قوات الدولة الوليدة و«الجيوش العربية» التى اشتركت فيما سُمى وقتها «حرب التحرير لفلسطين العربية».. ورغم ضآلة حجم وقدرات الطيران الإسرائيلى آنذاك، فإن نشاطه بالذات ضد القوات المصرية -التى اقتربت أيامها إلى مسافة 35 كيلومترا من تل أبيب- كان ملحوظاً.

منذ ذلك التاريخ، استطاع «تولكوفسكى» -أول قائد لهذا السلاح- أن يقنع قادة إسرائيل -مدنيين وعسكريين- بضرورة العناية بالطيران وتحويله من مجرد سلاح من أسلحة الجيش إلى وحش طائر قادر على حماية إسرائيل والدفاع عنها بعيداً عن أرض إسرائيل ذاتها -التى لا تسمح بحكم مساحتها الضئيلة بأى عمليات قتالية برية تدور على أرضها المحدودة، وتؤدى إلى اختراقها، أو شطرها- ومعنى هذا: ضرورة توفير عنصرين أساسيين فى عملية تكوين هذا السلاح، أولهما: السرعة، التى توفرها الأنواع الجيدة والأكثر حداثة والأكبر قوة توفر له فى عالم الطيران المقاتل، بحيث تصل الطائرة إلى أبعد مدى، فى أسرع وقت ممكن.

ثانيهما: الفعالية، الناشئة عن التركيز الشديد، سواء فى التدريب الجيد أو فى تناغم الأجهزة المختلفة المشتركة فى عمليات هذا السلاح.

وجاءت حرب 1956 -التى أخذت فيها إسرائيل دور الشريك الأصغر فى العمليات الهجومية التى قامت بها القوات الإنجليزية والفرنسية ضد مصر- وأثبتت هذه العمليات مرة ثانية أهمية، بل وحيوية، الطيران المقاتل لإسرائيل؛ لأن الضربة «الأنجلوفرنسية» عام 1956 -للطيران المصرى- عجلت بإخراجه من المعركة، وكانت من أخطر العوامل التى دفعت القيادة المصرية العليا إلى اتخاذ قرارها بسحب القوات البرية المنتشرة فى سيناء.

لقد أطلق عيزرا وايزمان -خليفة «تولكوفسكى» فى قيادة سلاح الجو الإسرائيلى- شعاره المعروف «إسرائيل يجب حراستها على ارتفاع أربعين ألف قدم»، ثم أتبعه بشعار آخر أكثر صراحة يقول فيه: «إن الدفاع عن إسرائيل يجب أن يبدأ من سماء القاهرة».

وقد صادف الشعاران هوى فى نفس المسيطرين من قادة المؤسسة العسكرية فى تل أبيب، وسرعان ما استجابوا بسخاء غير محدود لطلبات سلاح الطيران؛ بحيث نمت قدرات هذا السلاح نمواً زائداً على المعدل الطبيعى لأى سلاح طيران آخر، بالقياس إلى حجم الجيش الإسرائيلى كله، وإلى إمكانات إسرائيل ذاتها كدولة.

إن الذى كان من المحتم على الجنرال الإسرائيلى «هود» أن يضعه نصب عينيه، وهو يضع الخطوط الأولية لعمليته الهجومية، هو عنصر التأمين لقواته الجوية التى ستقوم بالتنفيذ، سواء فى ذلك الطائرات القاذفة أو المقاتلة القاذفة، أو حتى طائرات الاعتراض والحماية، التى تصحب القوة القاذفة المكلفة بالهجوم على الأهداف الأرضية للعدو. والعناية المسبقة بعنصر التأمين أثناء تنفيذ عمليات الهجوم الجوى -وهو العنصر الذى يُعرف علمياً باسم الدفاع السلبى المسبق- أمر حيوى يتوقف عليه نجاح أو فشل أى خطة جوية.

ومن المعروف أن التأمين الإيجابى للقوات الجوية، أثناء قيامها بمهاجمة العدو الأرضى، يعتمد على طائرات الحماية -المقاتلة- التى تصحب الطائرات القاذفة أثناء تنفيذها مهامها الهجومية، التى تمثل الجانب الإيجابى فى عنصر التأمين، الذى يتوقف على ما تملكه الدولة من طائرات الحماية عدداً ونوعاً.

إلا أن الجانب السلبى فى عنصر التأمين السابق لعمليات الهجوم الجوى أكثر خطورة على العدو المستهدف بالضربة الجوية، رغم أنه لا يكلف واضع الخطة عبئاً مادياً يثقل كاهل قواته الجوية؛ لأن التأمين السلبى يعتمد أولاً وأخيراً على تعطيل أو تحاشى أجهزة الإنذار المبكر، التى يملكها العدو المستهدف بالضرب، والتى يستطيع عن طريقها أن يعرف مسبقاً -ولو لبضع دقائق تسبق الهجوم- أن هناك عدواً جوياً فى الطريق إليه. هذه الدقائق القليلة التى تفصل بين صيحات التحذير التى تطلقها أجهزة الإنذار المبكر، وبين وقوع الضربة الجوية، هى التى يتوقف عليها نجاح أو فشل العدو الجوى المغير، من جهة، ونجاة أو دمار العدو المستهدف بالهجوم من جهة أخرى.

وفى خطة الجنرال مردخاى هود سنجد عنصر التأمين -الإيجابى والسلبى- موجودين.. لكننا نترك الحديث عن الجانب الإيجابى فى التأمين، لنتناوله بالعرض، عند تحليلنا لتفاصيل العملية ذاتها. ونقصر حديثنا هنا على الجانب السلبى فى عملية التأمين، وهو الدفاع السلبى الذى كان على الجنرال هود أن يوفره لقواته الجوية، عن طريق تعطيل أو تحاشى أجهزة الإنذار المبكر، على الجبهة المصرية، ضماناً لمفاجأة وسائل الدفاع الجوى المصرى -الثابت والمتحرك منها على السواء- وهنا تتضح لنا الحقائق التالية:

أولاً: أن مساحة جمهورية مصر العربية تبلغ 386 ألف ميل مربع، من الرقعة الأرضية الثابتة، فإذا أضيفت إليها، طبقاً لأحكام القانون الدولى العام والقانون البحرى الدولى، المساحات التى تخضع للسيادة المصرية من المياه الإقليمية فى البحر الأحمر -الذى يشكل معظم الحدود الشرقية لمصر- والبحر الأبيض -الذى يشكل ساحله الجنوبى الحدود الشمالية لمصر كلها- فإن المساحة الخاضعة لسيادة جمهورية مصر العربية ترتفع إلى ما يقرب من نصف مليون ميل مربع تقريباً.. ومثل هذه المساحة الهائلة تتطلب إمكانات ضخمة من وسائل الإنذار المبكر، التى يجب انتشارها على الحدود الشرقية -سواء فى سيناء أو على سواحل البحر الأحمر، شرقاً- وعلى امتداد الساحل المصرى للبحر الأبيض -من حدود قطاع غزة شرقاً، إلى مطروح والسلوم غرباً- لقطع الطريق على أى عمليات هجومية مفاجئة يقوم بها العدو الجوى معتمداً على هذا الامتداد الهائل لحدودنا الشرقية والشمالية.

ثانيا: لكى يتوافر لهذه الحدود بالغة الطول حزام الأمان المحكم، من أى عمليات هجومية جوية مفاجئة، يجب تنويع وسائل الإنذار المبكر من أجهزة رادار متقدمة ووسائل إنذار بشرى -تعتمد على الرؤية المباشرة- إلى جانب وسائل الإنذار المتحركة، الممثلة فى مظلات طائرات الحماية والاعتراض، التى يجب أن تظل أسرابها معلقة فى الجو طوال الأربع والعشرين ساعة، خاصة فى مواجهة عدو يهرب دائماً من المواجهة، ويتحين الفرص باستمرار لاقتناص الفرص للضربات المفاجئة التى يقدر أنها تحقق له أكبر قدر من النجاح بأقل قدر من الجهد والخسائر.

ثالثاً: كان من الواجب على العسكرية المصرية -فى عام 1967، وقد تحملت مسئولية حماية الأرض المصرية- فضلاً عن التفكير فى عملية ردع للغزو العسكرى وجنون التوسع العدوانى، الذى يمثل صلب العقيدة القتالية للمؤسسة العسكرية فى إسرائيل.. أقول: كان واجباً على العسكرية المصرية فى مواجهة كل هذه التحديات، التى تمثلت فى حدود مصرية بالغة الطول، وفى حاجة ماسة للتأمين ضد الهجوم الجوى من عدو يفاخر بأنه يملك ذراعاً طويلة اسمها «الطيران الإسرائيلى» يعتمد عليها فى تنفيذ مخططه العدوانى، أن تضع نصب عينيها، وهى تخطط للدفاع عن مصر، ما حققه الطيران الحربى فى العالم، من خطوات واسعة المدى على طريق التقدم، سواء من حيث التسليح أو كمية الذخائر المحمولة بالنسبة للطائرات القاذفة -أو القدرة على المناورة والطيران على ارتفاعات بالغة الانخفاض- بالنسبة لكل أنواع الطائرات الحربية بوجه عام.

لقد كان هذا يقتضى، بالضرورة، الاستماتة فى الحصول على أحدث أجهزة الرادار القادرة على كشف الأهداف المعادية التى تتحرك على ارتفاعات منخفضة، ونشر هذه الأجهزة فى أنساق متتالية على امتداد الحدود الشرقية والشمالية لمصر، التى يمكن أن يفكر العدو فى اختراقها، للقيام بضربة جوية مفاجئة.. وإلى جانب حزام أجهزة الكشف الرادارى -القادرة على إرسال موجاتها على ارتفاعات منخفضة- كان من المحتم، أيضا، العناية بأسلوب الإنذار البشرى بالعين المجردة، وهو -رغم ما قد يبدو من بدائيته- أسلوب أثبت فعاليته فى كثير من الأحوال وقدرته على سد الثغرات فى حزام الأمان الذى تكونه أجهزة الرادار الحديثة.

اقتباس :
العقيدة القتالية للقوات الإسرائيلية تضمن لها العدوان على الغير كما تتوقعه من الغير بنفس الدرجة
الحقيقة الرابعة التى كان من الواجب وضعها فى الحسبان، إذا أرادت العسكرية المصرية فى عام 1967 أن تقى بها مصر جيشاً وشعباً أى مفاجأة غادرة، خاصة مع تصاعد التوتر فى الموقفين السياسى والعسكرى مع العدو، قبيل ضربة الخامس من يونيو، هى المرونة فى وضع خطط الإنذار المتحرك، الخاصة بمظلات طائرات الحماية والاعتراض، التى أثبتت التجارب العملية نجاحها فى التغلب على كثير من الصعوبات التى تواجه أجهزة الإنذار الأرضية الثابتة كعمليات التشويش والإعاقة والتمويه التى قد يلجأ إليها العدو ليعطل بها أجهزة الرادار، أو يصيبها بالعمى، فتعجز عن القيام بمهمتها الخطيرة فى الإنذار المبكر باقتراب العدو الجوى.

ومن هنا كان وجود أسراب طائرات الحماية والاعتراض، معلقة فى الأجواء المصرية -وعلى طلعات متفاوتة المواعيد طوال الأربع والعشرين ساعة- هو الضمان الحتمى لمواجهة أى احتمال لتعطيل أجهزة الرادار أو تضليلها.. ومعنى هذا بالضرورة هو المرونة فى مواعيد إقلاع هذه المظلة الجوية وهبوطها وعدم ثبات هذه المواعيد، بحيث لا يأخذ العدو فرصة لالتقاط أنفاسه ولا يستطيع تحديد وقت معين تخلو فيه السماء المصرية من طائرات الحماية، يستطيع خلاله أن يضرب ضربته الجوية المفاجئة.

هذه الحقائق الأربع، التى كان من المحتم على العسكرية المصرية لو أنها أخذت بالقواعد العلمية فى وضع خططها العسكرية للدفاع عن مصر جواً وأرضاً أن تعتبرها ركائزها الأساسية، هى نفسها الثغرات الأربع التى نفذ منها الجنرال الإسرائيلى مردخاى هود وهو يضع خطة عمليته الهجومية «طوق الحمامة».

ونجد أنفسنا أمام أخطر سؤالين طرحهما خبراء التخطيط للعمليات الهجومية الجوية فى معاهد الدراسات الاستراتيجية العالمية، كما طرح نفس السؤالين على الجنرال هود ومعاونيه الملحقين العسكريين الأجانب فى تل أبيب، عقب ضربة 5 يونيو 1967.

السؤال الأول يقول: لماذا حددت إسرائيل ساعة الصفر لتنفيذ عمليتها الجوية لضرب الطيران المصرى فى الساعة الثامنة إلا الربع بتوقيت تل أبيب، التاسعة إلا الربع بتوقيت القاهرة؟ مثلاً لِم لم يبدأ الهجوم قبل ذلك الموعد أو بعده بساعة؟

السؤال الثانى يتناول جانبين مهمين من العملية الهجومية الإسرائيلية، هما: تحقيق عنصر المفاجأة الكاملة تقريباً لسلاح الجو المصرى، ثم ارتفاع عدد الطلعات التى قامت بها الطائرات المغيرة فى اليوم الواحد يوم 5 يونيو؛ بحيث حققت سلسلة متصلة الحلقات من الغارات شبه المستمرة على المطارات المصرية، جعلت منها طوقاً، أشبه بطوق الحمامة، وهو نفس الاسم الكودى للعملية الإسرائيلية.

وبالنسبة للسؤال الأول الخاص بتحديد ساعة الصفر فى التاسعة إلا الربع بتوقيت القاهرة فقد اضطرت قيادة سلاح الجو الإسرائيلى وبعيداً عن كل الدعاية وأساطير الحرب النفسية إلى الاعتراف بالحقيقة، وهى أن الجنرال الإسرائيلى «هود» استفاد من خطأ القيادة المصرية التى كانت طبقاً للنظرية العسكرية المتخلفة التى أشرنا إليها من قبل تحدد ساعة الخطر المرتقب بـ«أول ضوء».

لم يكن على «هود» سوى الابتعاد عن هذه الساعة الخطرة من وجهة النظر المصرية، التى تبلغ فيها الدفاعات المصرية الثابتة والمتحركة أقصى مدى لها.. وهذا ما فعله بالضبط؛ فقد ابتعد عن تلك اللحظة الحرجة بالنسبة لطياريه، التى يحتمل أن يواجهوا فيها طائرات الحماية والاعتراض التى تحلق فى الأجواء المصرية عقب أول ضوء ثم تهبط إلى قواعدها عند زوال الخطر كما تتصوره قياداتنا السابقة، كما أن الجنرال الإسرائيلى استفاد من تقارير الأرصاد الجوية التى أكدت أن الممرات التى كان قد حددها كمسار لطائرات الموجة الأولى من موجات الضربة الجوية، وتقع فى المدخل الشمالى للدلتا من ناحية البحر الأبيض، ستكون مغطاة بضباب لن ينقشع قبل الساعة الثامنة صباحاً، وسيكتمل انقشاع هذا الضباب بعد ذلك بنحو نصف الساعة، فإذا بدأت الموجة هجومها فى التاسعة إلا الربع، فإن طياريها سيضمنون رؤية واضحة تماماً لأهدافهم من ناحية، واسترخاء مداهم الجوى الذى تحكم قياداته نظرية بالية من مخلفات الحرب العالمية الثانية من ناحية أخرى.

بالنسبة للسؤال الثانى الخاص بتحقيق الطيران الإسرائيلى للمفاجأة الكاملة لسلاح الجو المصرى، من ناحية، وارتفاع عدد الطلعات التى قامت بها الطائرات الإسرائيلية فى اليوم الواحد، فإن الأمر لم يكن بحاجة إلى كل هذه الأساطير التى نسجتها أبواق الدعاية وأجهزة الحرب النفسية الإسرائيلية، لتضخم ما حدث يوم 5 يونيو؛ ذلك أن نجاح الطيران الإسرائيلى فى مفاجأة الطيران المصرى فى ذلك اليوم لا يرجع إطلاقاً إلى عبقرية عسكرية فذة، وليس معجزة يستحيل تكرارها.. الأمر أبسط من هذا، وأكاد أقول: أكثر سذاجة مما صورته الدعايات الإسرائيلية.. وهو لا يخرج عن استفادة جيدة من الإمكانات المتاحة للجنرال هود وسلاحه الجوى من ناحية، واستغلال الخطأ فى التفكير العسكرى والقصور فى العتاد، خاصة فى أجهزة وأساليب الإنذار المبكر على الجانب المصرى.

ولو أننا استعدنا تفاصيل العملية الهجومية ذاتها كما خطط لها «هود» ونفذها طياروه لوجدنا أمامنا الدليل القاطع، الذى لا يقبل المناقشة على صحة ما ذهبنا إليه من بساطة وتقليدية خطة العملية الإسرائيلية وخلوها من أى ملمح من ملامح العبقرية والإعجاز العسكرى، إلا إذا جاز لنا أن نصف التلميذ الذى يحفظ جدول الضرب بأنه عبقرى معجزة، إذا استطاع أن يعرف أن الرقم 144 مثلا هو حاصل ضرب الرقمين 12 فى 12.

إن مردخاى هود فى تخطيطه لعملية 5 يونيو كان تلميذاً مجدّاً للعسكرية «الأنجلوفرنسية»، التى خططت لضرب سلاح الجو المصرى عام 1956 التى عُرفت باسم العدوان الثلاثى.. والتى أخذت فيها إسرائيل دور الشريك الأصغر، الذى تعلق بذيل العربة التى يقودها الشريكان الأكبر سناً والأكثر ثراءً ومقدرة.
ففى العملية الأولى التى نفذها الطيران الإنجليزى بالاشتراك مع الطيران الفرنسى، أتت الطائرات المغيرة من البحر الأبيض، ودخلت الأجواء المصرية من شمال الدلتا لتهاجم المطارات المصرية، التى كانت معروفة تماماً بكل تفاصيلها وتجهيزاتها للطيارين الإنجليز، الذين لم يكن قد مضى على مغادرتهم لهذه القواعد الجوية سوى فترة زمنية قصيرة لم تكن تسمح بتغيير معالم هذه المطارات، أو إنشاء مطارات أخرى غيرها، تكون مجهولة تماماً من العدو المغير.

وقد ساعد الطيران الفرنسى والإنجليزى على إحداث عنصر المفاجآت عام 1956 لسلاح الجو المصرى، عملية التخدير السياسى التى لعبتها السياسة البريطانية، على عهد «إيدن» بإحكام ومهارة، بحيث رسَّبت عند القيادة المصرية على أعلى مستوى سياسى وعسكرى فى ذلك الوقت إحساساً قوياً باستبعاد قيام الدولتين الشريكتين، إنجلترا إيدن، وفرنسا جى موليه، بأى عمل مسلح لعرض وجهة نظرهما بالقوة فى قضية تأميم القناة التى تفجر الصراع المسلح.

اقتباس :
إسرائيل لم تكن قادرة على رفع حصار العرب لها بسبب قلة عدد سكانها فاتجهت إلى حصارهم نفسياً بواسطة القوة العسكرية
وكنتيجة لهذا الاطمئنان السياسى، حدث نوع من الاسترخاء العسكرى امتد أثره بالضرورة إلى سلاح الجو المصرى الذى لم تكن عنده أوامر بالدخول فى حرب أو احتمال دخولها بسرعة.. هذا هو ما حدث بالضبط فى عام 1956، وبتخطيط سياسى وعسكرى من العسكرية «الأنجلوفرنسية».. وكانت النتيجة ما نعرفه جميعاً من إصابة سلاحنا الجوى بضربة قاصمة وطائراته جاثمة على الأرض.

ماذا حدث فى 5 يونيو وبتخطيط وتنفيذ إسرائيلى بحت؟ نفس الشىء تماما ونفس الخطة نجدها كاملة، ونفس المسارين السياسى والعسكرى بلا أدنى إضافة توحى بعبقرية، أو حتى بتجديد ذكى.

والدراسة المقارنة لكل من الضربتين اللتين وُجهتا لسلاح الجو المصرى فى عام 1956 ثم فى عام 1967، تؤكد أن الإسرائيليين لم يكونوا أكثر من تلامذة مجتهدين حفظوا الدرس الذى لقنه لهم أساتذتهم من قادة العسكرية البريطانية والفرنسية فى عملية 1956، التى عُرفت فى المراجع العسكرية ومعاهد الدراسات الاستراتيجية باسم حرب أو عملية السويس.

وقد أعاد الإسرائيليون تنفيذ هذه العمليات «الأنجلوفرنسية» بحذافيرها وبلا أدنى محاولة للخلق أو الابتكار تخطيطًَا أو تنفيذاً، مع فارق واحد بين العمليتين، هو أن طيارى بريطانيا وفرنسا فى عملية 1956 كان يملأهم الغرور والثقة بالنفس؛ لأنهم الأجنحة الطائرة لدولتين من كبريات دول أوروبا الغربية من ناحية، ولأنهم يعرفون دقائق وتفاصيل المطارات المصرية التى يقصفونها، والتى كانت إلى عهد قريب قواعد جوية بريطانية، حتى وقعت اتفاقية الجلاء فى يونيو عام 1954.

أما التلامذة الجدد «مردخاى» وطياروه فقد كانوا عند تنفيذ عمليتهم الهجومية، أو بمعنى أدق، عندما كانوا يعيدون تنفيذ نفس العملية فى 5 يونيو 1967 كانوا يدركون تماماً أن اللعبة أكبر بكثير من حجمهم وأكبر بكثير من حجم إسرائيل ذاتها، وأن أى احتمال للفشل فى إعادة تنفيذهم للخطة «الأنجلوفرنسية» يعنى شيئاً رهيباً بالنسبة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية التى تتحكم فى كل شىء فى تل أبيب. وقد أخذوا أنفسهم بمنتهى الجدية فى التدريب الشاق على تنفيذ العملية التى شاهدوا أساتذتهم ينفذونها عام 1956 واتبعوا نفس التخطيط السياسى والعسكرى للتمهيد للعملية ثم تنفيذها.

على الجانب العسكرى لكلتا العمليتين فى 1956 و1967 نجد نفس التقليد الحرفى، يقوم به التلميذ الإسرائيلى مردخاى هود لخطة أساتذته من قادة الطيران «الأنجلوفرنسى» الذين خططوا لضرب سلاح الجو المصرى فى عملية 1956.

1- فى الساعة الخامسة من بعد ظهر الحادى والثلاثين من أكتوبر عام 1956، أقلعت الطائرات البريطانية والفرنسية، المخصصة للعملية، من قواعدها محلقة شرقا فوق البحر الأبيض المتوسط، وعندما وصلت إلى محاذاة وسط الدلتا انحرفت جنوباً واخترقت المجال المصرى فى المنطقة الواقعة بين غرب بورسعيد وشرق دمياط، وهى المنطقة التى تمثل بتكوينها الجغرافى ثغرة طبيعية فى حزام الأمن الذى تقيمه أجهزة الإنذار المبكر.. بسبب بحيرة المنزلة التى تمتد شمال الدلتا وتغطى مساحة ضخمة لا يفصلها عن مياه البحر الأبيض سوى شريط ساحلى بالغ الضيق.

ومن هذا الممر الآمن، شقت الطائرات المغيرة طريقها فى سماء مصر، لتصل بعد لحظات إلى قواعدنا الجوية المحدودة فى ذلك الوقت فى كل من منطقة القنال والدلتا والقاهرة، وهى قواعد ومطارات معروفة جيداً للطيارين الذين تولوا تنفيذ العملية الهجومية؛ حيث كانوا يقيمون بها قبل أن يرحلوا منها عقب تنفيذ اتفاقية الجلاء التى وُقعت عام 1954.

ما قد يبدو وللوهلة الأولى وكأنه ابتكار أو إضافات خلاقة أضافها واضع النسخة الإسرائيلية من الخطة البريطانية الفرنسية لعملية ضرب الطيران المصرى وهو جاثم على الأرض لا يخرج فى حقيقته عن استفادة جيدة من ظروف مواتية، أو ابتكارات استحدثت فى مجال الطيران الحربى، ولم تكن موجودة أثناء تنفيذ الأصل «الأنجلوفرنسى» للعملية عام 1956.

إن السنوات الإحدى عشرة التى تفصل بين عملية 1956 «الأنجلوفرنسية» والنسخة الإسرائيلية المكررة لنفس الضربة عام 1967، هذه السنوات الطويلة، حدث فيها تطور هائل فى مجال الطيران العسكرى، واستحدثت خلالها ابتكارات شبه أسطورية فى تصميم وبناء الطائرة الحربية وأعطتها إمكانات هائلة، وقدرات قتالية لم تكن تخطر على بال أحد.. وأبسط هذه الإمكانات قدرة الطيار المقاتل على التحكم فى طائرته وهو يُحلق على ارتفاعات بالغة الانخفاض وهو آمن تماماً من أى مفاجآت؛ لأنه يطير فى حماية أجهزة إلكترونية معاونة، تيسر له التحكم فى طائرته على أى ارتفاع، أثناء طيرانه المنخفض، وكأجهزة الإنذار الموجودة بالطائرة والتى تنبه الطيار إلى وجود خطر يلاحقه أو يهدده.

كما أن التطور الذى لحق طوال السنوات التى تفصل بين العمليتين، الأصل «الأنجلوفرنسى» والتقليد الإسرائيلى، استحدثت فى مجال الإنذار المبكر، خاصة فى أجهزة الكشف الرادارى، ابتكارات متلاحقة، جعلت من هذه الأجهزة خطراً ساحقاً يهدد الطائرات المغيرة، بحيث لا تكون هناك فرصة للطيار المقاتل لكى يفلت من هذه الأجهزة إلا بالاستفادة من الفرصة الوحيدة، المتاحة أمامه، وذلك باستغلال قدرات طائرته على المناورة والطيران المنخفض.

من هاتين الحقيقتين، يتضح لنا أن اتخاذ أسلوب الطيران المنخفض الذى لجأ له طيارو إسرائيل فى 5 يونيو، ليس دليلاً على عبقرية فى التخطيط أو التنفيذ، بل هو استفادة من إمكانات أتيحت لهم وقت تنفيذهم لعملية خططها أساتذتهم الإنجليز والفرنسيون، ولم تكن متاحة من قبل.. بل هو رضوخ حتمى اضطروا إليه، ولكى ينجوا بأنفسهم وبطائراتهم من الوقوع فى مصيدة الكشف الرادارى الذى يرسل نبضاته المتلصصة على ارتفاعات عالية، ومن ثم اضطروا للطيران المنخفض فى المستوى الذى يعرفون أن مصر لا تملك أجهزة الكشف الرادارى القادرة على اكتشافهم فيه.
http://www.elwatannews.com/news/details/331630

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Field Marshal Medo

مشرف سابق
لـــواء

مشرف سابق  لـــواء
Field Marshal Medo



الـبلد :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Egypt110
العمر : 39
المهنة : قائد
المزاج : عنيد - شرس - بفتل من الصبر حباااال
التسجيل : 26/08/2012
عدد المساهمات : 2653
معدل النشاط : 2303
التقييم : 108
الدبـــابة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B3337910
الطـــائرة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B91b7610
المروحية :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 5e10ef10

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 111


 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Empty

مُساهمةموضوع: رد: كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»    كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Icon_m10الثلاثاء 1 أكتوبر 2013 - 8:57


الحلقة الرابعة
«مبارك» فى مذكراته: حقيقة وتفاصيل «الحفل الساهر» بمطار أنشاص الحربى.. ليلة النكسة




 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 83764_660_2367412
مبارك والرئيس السادات

شائعات النكسة

لا يمل مبارك من الدفاع عن المقاتل المصرى فى مواجهته مع العدو، يستحضر الأدلة والبراهين ليؤكد أنه ظُلم فى كل حلقات الصراع العربى الإسرائيلى، التى سبقت حرب السادس من أكتوبر 1973. ينسب الظلم إلى الظروف التى أيدت خصمه والظروف التى عادته.

 وهو ما يفسره مبارك بالقول: «لقد ظلمه خصومه حين أشاعوا ما أشاعوا من نقص فى قدراته القتالية، وفى الوقت الذى كانت أجهزة الحرب النفسية المعادية تنسج فيه الأساطير والقصص التى تقترب من الخرافات حول بطولات وهمية للمقاتل الإسرائيلى الذى لا يُقهر.. تفتق الوجدان المصرى الأصيل عن حيلة بالغة الذكاء والبراعة، يبرر بها -بينه وبين نفسه على الأقل- ما لحق بمقاتله المصرى من هزائم غير مقبولة ولا معقولة.. تمثلت فى موجة النكات التى اجتاحت الشارع المصرى، عقب هزيمة الخامس من يونيو، والتى اجتر بها الإنسان المصرى إحساسه المؤلم بهذه الهزيمة، وغضبه الساحق ممن تسببوا فى إلحاقها به، كما تمثلت هذه الحيلة -التى لجأ إليها الإنسان المصرى ليبرر بها هزيمة مقاتله- فى موجة القصص التى انتشرت حول «أخطاء بعض القيادات وتقصيرها فى أداء واجبها.

 ورغم ما فى كثير من هذه الأقاصيص من مبالغات وقسوة، فإنها فى النهاية تؤكد أحدث ما وصلت إليه دراسات علم النفس الاجتماعى من نتائج، وتؤكد فى نفس الوقت سلامة البناء النفسى للمجتمع المصرى، وأصالته وعراقته».

اقتباس :
كنت رئيساً للجنة التحقيق العسكرية فى الواقعة لمعرفة ما جرى يوم 4 يونيو بتكليف من قائد القوات الجوية الجديد.. واستمعت إلى العسكريين والمدنيين والفنانين المشاركين فى الحفل
يدهشك فهم مبارك لطبيعة المصريين النفسية كقائد عسكرى، يمتلك المبررات لما أشاعوه من حكايات عقب نكسة يونيو، ليبرروا بها ما أحاط بهم.

 وتتساءل ولم لم يدرك أن صبرهم على غياب العدالة لن يطول؟ تتجاوز تساؤلاتك وتنتقل مع سطور المذكرات لترى كاتبها يستعرض ما تناقله المجتمع من حكايات وشائعات بعد هزيمة يونيو عام 1967. مؤكداً أن من يدقق فيها ويحللها يكتشف أن بها ملامح موجة دفاع غريزى عن النفس، قام بها المجتمع المصرى البالغ الأصالة بضراوة وإصرار.

وهو ما يوضحه مبارك بالقول: «كان الشعب يقول من خلال هذه القصص الشبيهة فى مبالغاتها وقسوتها، إننا نحن الشعب المصرى الشجاع، لا نعرف الضعف ولا نعرف الخوف من المواجهة الصريحة مع الخصم، ولهذا فإننا أبرياء من هذه الهزيمة التى حلت بمقاتلينا، لأنها فرضت عليهم بسبب تقصير من قصروا وأخطاء من وقعوا فى الخطأ».

حكاية حفل أنشاص

ثم يتوقف مبارك ليحكى موقفا شخصيا وقع معه عقب النكسة، حين اكتشف أنه بطل لإحدى الشائعات التى تناقلها المصريون عن أخطاء قادتهم فى تلك الهزيمة، فيقول: «فى صباح أحد الأيام العصيبة التى أعقبت ضربة الخامس من يونيو، أُخطرت بقرار تعيينى رئيسا للجنة التحقيق العسكرية، التى شكلتها القيادة الجديدة لسلاح الجو المصرى، لمعرفة ما حدث فى «قاعدة أنشاص» الجوية مساء الأحد 4 يونيو. أى فى الليلة السابقة مباشرة لعملية 5 يونيو ضد المطارات المصرية.

 وكان أمر الحفل الساهر الذى أقيم فى «قاعدة أنشاص» فى تلك الليلة، قد انتشر بين جماهير الشارع المصرى، بشكل روائى مثير، وتلقفته أجهزة الحرب النفسية المعادية بذكاء بارع، ونسجت حوله ما شاء لها خيالها الخبيث من مزاعم، وصلت فى الكتاب الذى نُشر خصيصاً حول هذا الموضوع إلى حد الزعم بأن هذا الحفل الساهر، كان السبب الرئيسى فى النجاح الذى حققته الضربة التى وجهها ضدنا طيارو «موردخاى هود» وأن هذا الحفل أُقيم بتدبير محكم من المخابرات الإسرائيلية، نفذه تاجر صهيونى، استطاع أن يكسب ود كبار القادة فى سلاح الجو المصرى، واستطاع إقناعهم بإقامة هذا الحفل الساهر، الذى دعا إليه جميع قادة المطارات والقواعد الجوية المصرية، كما زعم كتاب المخابرات الإسرائيلية.

 ويمضى الكاتب الإسرائيلى فيقول: إنه فى هذا الحفل الصاخب، الذى سهر فيه الجميع وسكروا حتى مطلع الفجر، نجح العميل الإسرائيلى فى أن يحرم معظم الطيارين المصريين الذين احتشدوا جميعاً كما زعمت سطوره من لياقتهم للطيران، ولو ليوم واحد فقط هو يوم 5 يونيو، بحيث تلقوا الضربة الإسرائيلية الساحقة، وهم عاجزون تماماً عن مقاومتها».

هكذا يحكى مبارك ما قيل عن حفل أنشاص داخل مصر وخارجها عبر دعاية صهيونية زادت من التفاصيل، لتزيد إحساس العجز داخل نفوس المصريين. ولعل هذا ما دفع بقيادة سلاح الجو المصرى الجديدة للمسارعة بتشكيل لجنة تحقيق عاجل فى هذا الموضوع.

لمعرفة حقيقة ما حدث فى تلك الليلة، وتم اختيار مبارك لرئاسة هذه اللجنة. وهو ما يقول عنه: «بدأت المهمة الشاقة، ولم يكد التحقيق يبدأ سواء مع العسكريين أو المدنيين من الفنانين الذين حضروا الحفل ليسهروا فى الترفيه عن رجال القاعدة الجوية حتى تأكد لى بما لا يدع مجالاً للشك، أن الصورة لم تكن بالسواد الذى لونتها به الدعاية المعادية وأن الصورة المصاحبة المزعومة، لم تخرج عن حفل ترفيهى عادى، تقوم به أفرع التوجيه المعنوى والشئون العامة، فى مختلف وحدات القوات المسلحة وأسلحتها.

وبالتدريج، ومع تقدم التحقيق، وتوالى الشهود، بدأت اللجنة ترى الصورة على حقيقتها، وأخذت الأقاصيص المخترعة، والأساطير الفلكلورية التى نُسجت حول الحفل، تتهاوى واحدة تلو أخرى.. حتى جاء ذلك اليوم الذى وقفت فيه عاجزاً عن تحديد مشاعرى وأنا أستمع لإحدى الشاهدات وقد تملكتنى الحيرة، بين الإحساس بالسخرية لسذاجة القصة التى روتها الشاهدة، وبين الحزن لقسوة القصة وضراوة نسيجها ضد الضحية الذى حكيت القصة حوله.

 كانت واحدة من المطربات اللائى اشتركن فى إحياء حفل «أنشاص» الشهير، وفوجئت بالمطربة المثقفة، تقول فى نهاية أقوالها فى التحقيق، وقد بلغ بها الانفعال قمته: إننى واثقة من أن ما حدث لنا فى 5 يونيو، لم يحدث نتيجة لضعف المحارب المصرى أو عجزه عن مواجهة عدوه.

سألتها بهدوء: وما هو السبب إذن من وجهة نظرك فى حدوث ما حدث لنا من هزيمة؟ أجابت الشاهدة بأسف وحزن واضحين: ماذا يصنع أشجع الرجال، إذا لم تكن لديهم القيادة القادرة على مواجهة الموقف والارتفاع إلى مستوى المسئولية؟ عدت أسأل الشاهدة بنفس الهدوء، لكى أدفعها للإفصاح عن مشاعرها وتفصيل ما أجملت: ماذا تقصدين يا سيدتى بحديثك عن انتقاد القيادة؟ وعاودت الشاهدة الإحساس بالأسف والحزن وهى تستطرد: إذا كان ما حدث فى حفل أنشاص وقد شاهدته بنفسى وشاركت فى إحيائه أمراً عادياً، فإن طيارينا فى مختلف المطارات والقواعد الجوية، كانوا مع الأسف تحت قيادة رجال أقل من الموقف، وأدنى من المسئولية التى كانوا يواجهونها.

كتمت غيظى لهذا التعميم القاسى، وقلت للشاهدة: أريد مثالاً محدداً.. هذا التعميم فى الحكم على القيادات، فيه قسوة بالغة، وهو مرفوض تماماً.

نظرت إلىَّ الشاهدة فى دهشة، وقد امتزج فى عينيها الإشفاق علىَّ والشك فى مدى جديتى وأنا أرفض اتهامها الذى أسقطته على رأس الجميع دون أن تدرى.

فسارعت أقول لها: أرجوك أن تصارحى اللجنة بكل ما عندك من معلومات قد تساعدنا فى كشف الحقيقة، ولا تنسى أنك فنانة مثقفة، ومسئولة عن كل ما تقولينه.. ثم.. إن هذا الحكم الشامل لكل القيادات، فيه إهانة وظلم للشخصية المصرية لا ترضاه مواطنة مثلك، مفروض فيها بحكم دراستها الجامعية للقانون، أن تلتزم بميزان العدالة الصارم، وحين تلقى باتهام معين، يجب أن تحدد المقصود به بالذات، ولا تتركه معلقاً فوق رؤوس الجميع.

 وأجابتنى الشاهدة بغضب، وقد هز ضميرها القومى، دفاعى عن الشخصية المصرية: إذا كنت يا سيدى تريد مثالاً محدداً، فيكفى أن تعرف ما حدث فى قاعدة بنى سويف الجوية، صباح 5 يونيو.

 حبست أنفاسى، وتغلبت على مشاعر الدهشة التى تملكتنى وأنا أسمع الشاهدة تتحدث عن قاعدة بنى سويف، وسألتها بهدوء مفتعل: ما الذى حدث فى بنى سويف فى ذلك اليوم؟ فاندفعت تقول فى عبارات أقرب إلى الصراخ: تصور يا سيدى، أنه فى الوقت الذى كانت كل الدلائل تشير فيه إلى قرب اشتعال الحرب بيننا وبين إسرائيل، الأمر الذى يُحتم على كل قائد أن يعيش بين رجاله ليل نهار، يدرس معهم الموقف، ويستعد لكل احتمال، كان قائد مطار بنى سويف ينام ليلة 5 يونيو فى شقة خاصة استأجرها بعاصمة المحافظة، بعيداً عن رجاله، وعندما وقعت الكارثة فى الصباح، استيقظ القائد على صوت القنابل والصواريخ التى وصل صوت انفجارها المدمر، إلى المدينة، وبدلا من أن يستجمع شجاعته ويسارع بالذهاب إلى قاعدته الجوية التى أحرقها العدو، ليحاول عمل شىء، إذا به يفقد صوابه، ويندفع جارياً فى الشوارع «بجلابية النوم»، ما اضطر المسئولين فى محافظة بنى سويف إلى الجرى وراءه فى الشوارع للإمساك به ووضعه فى سيارة ابتعدت به بسرعة عن الجماهير التى أذهلها وأثار غضبها هذا المنظر المؤلم لواحد من قيادات الطيران، كان من المفروض فى تلك الساعة، أن يكون فى مقر قيادته الجوية.

 ليقوم بتوجيه رجاله لرد اللطمة للعدو، الذى صنع بنا ما صنع، لأنه يوجد بيننا مثل هذا القائد... قبل أن تنطق الشاهدة باللفظ الجارح، الذى كان من المحتم أن تقذف به فى أسماع اللجنة، بعد أن استبد بها الغضب، أسرعت أسألها: هل شاهدت هذ الواقعة بنفسك؟! أجابت الشاهدة فى إصرار: لقد شاهدها كل سكان مدينة بنى سويف يا سيدى، وهى منتشرة ومعروفة لكل مواطن فى مصر.. صدقنى يا سيدى، أعرف طبعا أنها قصة مؤلمة ولكنها حقيقية.

تبادلت ابتسامة سريعة مع أعضاء اللجنة، ثم عُدت أسأل الشاهدة وقد انتابتنى نوبة مفاجئة من المرح والرغبة الأصيلة التى تتملكنا نحن المصريين فى إلقاء النكتة، كلما وجدنا أنفسنا أمام موقف نعجز عن التعبير عنه بغير النكتة التى اشتهرنا بها: وهل تعرفين اسم هذا القائد، الذى يجيد الجرى فى الشوارع أكثر مما يجيد قيادة رجاله؟ فاندفعت الشاهدة تقول فى غضب: ماذا يعنينى اسم هذا القائد يا سيدى.

المهم عندى كمصرية، أنه ترك قاعدته تُضرب وهو بعيد عنها، وحين فاجأه العدو فقد صوابه، لم يفكر فى تصرف ينقذ به ما يمكن إنقاده، بل سارع إلى الجرى فى الشوارع بملابس النوم بشكل مؤسف ومحزن.

وجدت نفسى -ربما دون قصد منى- أقول للشاهدة فى عتاب هادئ: لكننى أؤكد للشاهدة، أن قائد قاعدة بنى سويف، مظلوم تماماً، وبرىء تماماً من كل ما أُلصق به من تهم.. فلم يحدث أن كانت له شقة فى المدينة، ولم يحدث أن ضُربت قاعدته وهو بعيد عنها، ولم يحدث أن جرى فى الشوارع بملابس النوم حين ضربت قاعدته، والذى أعرفه عنه وتعرفه كل قيادات الطيران أنه متزمت إلى حد الصرامة، فى تنفيذ قواعد الضبط والربط العسكريين، بين رجاله، وأنه على سبيل المثال لم يكن يسمح لرجاله من طيارى قاعدة بنى سويف بالنزول إلى المدينة إلاَّ فى حالات الضرورة القصوى، فضلاً عن إصراره الحاسم على عدم السماح لأى منهم باستئجار سكن فى عاصمة المحافظة، ولو لقضاء إجازته الأسبوعية، وليس من المعقول أن يتمكن من فرض هذه التعليمات على رجاله، إلَّا إذا كان يُنفذها على نفسه بصرامة أشد.

 لم تستسلم الشاهدة بسهولة وعاجلتنى بالسؤال فى سخرية سخيفة. هل وجد الجرأة ليُكذب ما حدث.. وهل صدقته يا سيدى؟ قلت لها بهدوء وأنا أبتسم فى إشفاق وأسف وعتاب حزين: نعم يا سيدتى صدقته.. لأننى أنا هذا القائد الذى تتحدثين عنه.

 فغرت الشاهدة فمها دهشة وذهولاً لهول المفاجأة، وضاعف ذهولها ما سمعته وعرفت منه، أن قائد قاعدة بنى سويف، لم يكن نائماً فى مدينة بنى سويف بعيداً عن مقر قيادته ولم يجر فى الشوارع هلعاً وقت تدمير قاعدته الجوية، لسبب بسيط وهو أن هذا القائد الذى هو أنا، كان مُعلقاً فى الجو ضمن الطائرات الخمس من طراز «ت/ى/16 القاذفة الثقيلة» التى تقرر قيامها بطلعة تدريب بطياريها الخمسة كما ذكرت».

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 156104_660_4191494_opt
الجنود اثناء نقل السلاح والمعدات
محلاك يا مصرى!

مرة أخرى يعود مبارك ليسوق مثالا على قوة المقاتل المصرى وشجاعته، حينما تتهيأ له ظروف القتال مهما كانت قلة الإمكانيات، وهو مثال ساقه فى هذه الجزئية من مذكراته، ليؤكد على رفض ما أشاعته المخابرات الإسرائيلية عن المصريين فى عام 1967 وأثبت الجيش المصرى عكسه فى أكتوبر 73.

فيحكى إحدى بطولات أكتوبر قائلاً: «يوم الأحد السابع من أكتوبر عام 1973 وهو ثانى أيام حرب رمضان أقلع تشكيل جوى، بقيادة المقاتل طيار «نجيب.. ».

لمهاجمة «قول» إسرائيلى مدرع، كان يتحرك على الطريق الشمالى بأقصى ما يملك من سرعة، مستهدفا نجدة القوات الإسرائيلية البرية المشتركة فى معركة دامية مع قوات الجيش الثانى، التى كانت تتقدم فى زحفها المنتصر شرقا، بعد أن تمكنت بنجاح ساحق من إقامة رءوس الكبارى والمعابر اللازمة للتدفق إلى سيناء.

فى هذه المرحلة المبكرة من المعركة، كان طوق النجاة الوحيد أمام العدو الإسرائيلى، هو تدعيم الأنساق الأولى من قواته التى تواجه الضربات الساحقة التى تكيلها له قواتنا الزاحفة، خصوصا بعد أن انهارت الخطوط الإسرائيلية الأولى، وتمزق معظمها.

أدرك الطيارون المصريون أن حرمان العدو من وصول النجدة إليه، يحتل رأس القائمة فى المهام التى سارعوا للقيام بها، ولم يكد «القول» الإسرائيلى المدرع ينكشف، حتى هاجمته طائرات التشكيل الذى يقوده المقاتل «نجيب» بضراوة، وبكل حمولة الطائرات من القنابل والصواريخ، بحيث قضى على معظم «القول» المعادى. وعندما لاحظ قائد التشكيل، أن بعض وحدات «القول» لا تزال سليمة لم تدمر، وهى مستمرة فى السير غربا، أملا فى نجدة الخطوط الإسرائيلية المنهارة، أمر طياريه على الفور، باكتساح هذه الوحدات الهاربة بالمدافع، ونجح التشكيل الشجاع بالفعل فى تحقيق مهمته بنسبة مائة فى المائة، حيث قضى على جميع وحدات «القول» المدرع، ولكنه فوجئ بمشكلة طارئة من نوع غريب، تسبب فى خلقها حماس التشكيل وإصرار قائده على عدم إفلات مدرعة واحدة من مدرعات العدو من الصواريخ المصرية المدمرة.

ظهر تشكيل من مقاتلات العدو، ليعترضه فى الجو، فى الوقت الذى لا يملك فيه الدفاع عن نفسه، بعد أن فقد ذخيرة مدافعه التى قد أفرغها فى جسد المدرعات الإسرائيلية التى حاولت الإفلات من الدمار.. يتقدم التشكيل المصرى، يحمل فى صدره رجالا، طالما عذبهم الإحساس بالإهانة التى لحقت بسلاحهم الجوى عـام 1956، ثم فى عام 1967، وهم مصرون على محو هذه الإهانة عن جبين قواتهم الجوية، مهما كان الثمن، ومهما عظُمت التضحيات، ومهما تضاءلت إمكانيات العتاد المتاح لهم.

كانت المواجهة المفزعة تتم فى الجو، بين تشكيلين، أحدهما يملك ذخيرة وفيرة، بينما يحلق الآخر فى الجو، وقد فقد ذخيرته كلها، بعد أن أفرغها فى بقايا المدرعات الهاربة.

فى الأحوال العادية، فإن القواعد التقليدية المتبعة فى القتال الجوى، تقضى بابتكار وسائل بارعة لمحاولة الإفلات بأى شكل، والهرب بأقصى ما يتاح للطائرة العزلاء من سرعة ممكنة.

ولو أن الطيار «نجيب» اختار لتشكيله هذا الحل، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من طائراته، لما كان مخطئاً أو مقصراً، ولكنه اتخذ قراراً مفاجئاً وغريباً، بل يبدو مناقضاً لكل ما يحيط به من ظروف.

 لقد أصدر أمره فجأة بمهاجمة العدو للاشتباك معه.. وبلا تردد انفرط عقد التشكيل المصرى، وراح كل من مقاتلينا الطيارين، يتصيد إحدى طائرات العدو مناوراً، ليركبها ويمسك بها من ذيلها.. وبروح التصميم على تحقيق المعجزة، أبدى كل طيار مصرى إصراراً فذًّا فى المناورة ومتابعة خصمه، وكأنما هو مزود بالذخيرة الكافية لتدمير عدوه والقضاء عليه.

وبروح الخذلان التى تملكت العدو بعد أن فوجئ بضربة السادس من أكتوبر أسرع طيارو التشكيل الإسرائيلى المعادى، بالهرب فجأة بأنفسهم من فوهات المدافع المصرية التى تطاردهم وهى خالية تماماً من أى ذخيرة.

 لقد كان الحل المبتكر الذى توصل إليه المقاتل الطيار «نجيب» فى ساعة الخطر مغامرة بكل ما فى الكلمة من معنى».

وتواصل المذكرات الحكى عن معجزات المقاتلين المصريين، نافية عنهم تهم العجز والتقصير وقلة الحيلة، تؤكد أن ما يملكونه من قوة إيمان وعزيمة وإصرار على نصرة بلادنا أقوى من كل أسلحة العالم، وأن ما يمنحونه لبلادنا من عزة ليس وليد الصدفة على الإطلاق.

فيحكى عن بطولة أخرى شاءت الأقدار أن يكون بطلها يوم الثانى عشر من أكتوبر، هذا «النجيب» الذى لا تأتى المذكرات على اسمه بالكامل، فيقول مبارك: «فى نهاية الأسبوع الأول من حرب رمضان المجيدة، يوم الجمعة الثانى عشر من أكتوبر، اكتشفت قوات الاستطلاع المصرية، ظهور «قول» إمداد إسرائيلى، يتقدم إلى جبهة القتال، حاملا شحنة من صواريخ «س/س 1» الرهيبة، لتدعيم قوات العدو.

 وعلى الفور صدرت الأوامر لأحد تشكيلاتنا الجوية، بالإقلاع لمهاجمة «قول» الصواريخ الإسرائيلى، وتدميره قبل أن يصل إلى جبهة القتال، وشاء القدر أن يكون التشكيل الجديد، هو نفسه التشكيل الذى يقوده الطيار المقاتل «نجيب».

 كرر التشكيل نفس العملية بنفس الخطوات تقريباً.. تدمير «القول» المعادى بضربه بالقنابل والصواريخ، ثم قصف البقية الباقية منه بالمدافع لتدميرها وإحباط محاولتها اليائسة للإفلات بحمولتها الرهيبة.

وفى اللحظة التى يفرغ فيها التشكيل المصرى من تحقيق مهمته الهجومية على الوجه الأكمل، يفاجأ بظهور تشكيل جوى معادٍ، يعترضه بعد أن فرغت ذخيرته تماماً، بلا أدنى تردد وبحسم أكثر، وبإصرار يستمد من نجاح التجربة الأولى يأخذ الطيار «نجيب» نفس القرار، ويأمر بمهاجمة التشكيل الإسرائيلى، وتصيد طائراته، والإمساك بها من الذيل. ومرة ثانية، يتمكن الفزع من قلوب الطيارين الإسرائيليين، ويسرعون بالهرب، نجاة بأنفسهم وبطائراتهم الجيدة التسليح، من فوهات المدافع المصرية التى كانت خالية تماماً من كل ذخيرة. ويعود المقاتل «نجيب» هو وتشكيله، سالماً إلى قاعدته الجوية».

اقتباس :
تحقق «حلمى الكبير».. ويوم اختيارى مديراً للكلية الجوية فى 2 نوفمبر 1967 لن يسقط من ذاكرتى
مديراً للكلية الجوية

يتحدث حسنى مبارك عن يوم اختياره مديرا للكلية الجوية بفخر وقوة، إلى حد وصفه ذلك اليوم بأنه سيظل محفورا فى ذاكرته.

فيحدده بيوم2 نوفمبر 1967، ويصفه بأنه اليوم الذى وجد فيه نفسه فجأة أمام حلمه الكبير الذى كان يتمناه كطيار مصرى مقاتل.

حيث كان يسعى بكل الوسائل لإعداد جيل من مقاتلى الجو المصريين الذين يستندون فى قوتهم على العلم والمعرفة التى لا تقف عند حد، وتتجاوز حدود التمكن من أسرار المهنة، إلى آفاق المعرفة التى تصقل شخصية المقاتل، وتكشف له أسرار عدوه ليسهل عليه مواجهته فى أى معركة.

وهو ما يقول عنه: «كانت الفلسفة التى تحكم منهجى كمدير للكلية الجوية، منذ توليت إدارتها هى: العلم النظرى الواسع بفنون القتال الجوى وأسراره، والتدريب العملى الشاق والمتواصل، لتطبيق العلم النظرى المجرد على أرض الواقع العملى الملموس.. ثم.. الانطلاق بمدلول كلمة العلم، إلى أوسع مدى تيسر الظروف أن تنطلق إليه من آفاق المعرفة الإنسانية الشاملة والإحاطة الدقيقة بالعدو، ككائن بشرى له مكوناته الخاصة، وخلفيته التاريخية المؤثرة فى حاضره المعاصر.. مع دراسة واعية لكل ما يمكن الوصول إليه من أساليب هذا العدو فى الفن العسكرى فكراً وممارسة قتالية.

وطوال الفترة التى عملت خلالها بالكلية الجوية، لم أتهاون لحظة فى تحويل هذه الفلسفة الصارمة، إلى واقع عملى جاد، وأشهد أن كل الزملاء الذين عملوا معى من رجال كليتنا الجوية، كانوا نعم العون على تحقيق هذا الهدف الكبير.

من أحدث طالب مستجد بالكلية الجوية، إلى كبير المعلمين بها، كان الجميع يعملون فى تجانس تام، وبحماس غريب، وكأنهم فريق سيمفونى عميق الدراسة، جيد التدريب، يعزف لحناً عذباً محبباً إلى قلوبهم شخصياً، فهم يتعاونون على إخراج هذا اللحن فى أكمل صوره، ليسعدوا به شخصياً، قبل أن يُسعدوا غيرهم من المستمعين.

خمس دفعات كاملة من أجنحة مصر القوية، القادرة بعلمها الواسع وتدريبها الجيد، ومعرفتها الكاملة بخصمها، تخرجت فى الكلية الجوية، خلال الفترة التى سعدت فيها بإدارتها».

كان العمل يجرى على قدم وساق لإعداد هؤلاء الرجال للحظة مواجهة، كان الجميع يعلم بحتمية مجيئها، الكل يستعد للحظة لا يعلمون توقيتها ولكنهم يبذلون الغالى والرخيص استعدادا لها، وقد جاءت. 

فيحكى مبارك قائد الكلية الجوية عن تركيزه فى تلك الفترة على البحث العلمى ونشر مفاهيمه بين مقاتلى المستقبل، بعدما فند ما حدث فى يونيو 67 وأدرك افتقاد القادة المصريين وقتها لمبادئ العلم الحديث فى إدارة المعارك وحساب حساباته.

فركز على دراسة قدرات العدو، وأساليب قواته المستحدثة، خاصة فى المجالات التى كان يفاخر بها، باعتبارها مجال تفوقه التكنولوجى، كالإعاقة الإلكترونية، وأساليبها المستحدثة، والتطورات التى يدخلها عليها أولاً بأول، والبالونات الخداعية، التى تستعملها القوات الإسرائيلية، ودراسة نواحى القوة والضعف فى الأسلحة الإسرائيلية بشكل عام.

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 156105_660_4157686_opt2
حرب أكتوبر
إبداعات العزيمة

دون الخوض فى تفاصيل أسرار عسكرية، يسوق للقارئ بعضا من نماذج البحوث العلمية التى عكفوا على دراستها فى الكلية الجوية، فى فترة الإعداد للحرب، ومنها على سبيل المثال دراسة دقيقة لمواصفات وخصائص الطائرات والأسلحة، والمعدات المستخدمة فى القوات الجوية.

 لفهم إمكانياتها ونقاط الضعف بها وإمكانية تطويرها، وضع تصور تخطيطى للتكوين القتالى للقوات الجوية، خلال عشر سنوات «1967-1977».

بحث لأسلوب تطوير الطائرات والمعدات فى القوات الجوية. وغيرها من الدراسات والأبحاث التى ساعدت على خوض حرب أكتوبر بإمكانيات لا تصل لنصف قدرات العدو، ولكن طورها وقادها رجال لا يعرفون المستحيل.

ونجح العقل المصرى فى تأكيد إبداعه حين وجد الطلاب والمعلمون والباحثون فى الكلية الجوية بقيادة مديرها محمد حسنى مبارك، حلولا لمشكلات كانوا يتوقعونها عند بدء المواجهة. ومنها ما يقول عنه مبارك: «نجح باحثونا فى إنتاج «قنابل الممرات» وتصنيعها محلياً، وبمواصفات مصرية وتنفيذ مصرى بحت، ولقد كان لهذه القنابل، أثر قوى بالغ الفعالية، فى العمليات التى استخدمت فيها خلال حرب أكتوبر، خاصة فى تدمير ممرات العدو، وشل حركة مطاراته التى تم قصفها بقنبلة الممرات المصرية، فى الضربة الجوية المركزة التى قام بها سلاح الجو المصرى فى الساعة الثانية ظهر السبت، السادس من أكتوبر 1973.

كما توصل باحثونا إلى تصنيع قنابل محلية، كان لها أثرها البالغ فى زيادة فعالية التسليح التى تتمتع بها طائرات تشكيلاتنا الجوية، وعلى الأخص فى طلعات عمليات قذف القنابل من الارتفاعات المنخفضة.

 تصميم خزانات الحريق و«طباتها» وتنفيذها فى مصانعنا الحربية، وتم تحميل هذه الخزانات فى الطائرات المختلفة، واستخدمت بالفعل خلال عمليات أكتوبر 1973، وبأعداد وفيرة، وقد أثبتت هذه الخزانات فعاليتها المؤثرة فى إشعال النيران بمواقع العدو ومعداته، وإحراقها بصورة تدميرية شاملة.

كما انطلق باحثونا فى محاولة جادة لحل المشكلة الأساسية التى كانت تواجه سلاحنا الجوى، والتى تمثلت فى قصر المدى الذى تصل إليه أنواع معينة من الطائرات التى نستخدمها، بسبب قلة الوقود الذى تحمله خزاناتها.. وبالإصرار والمثابرة، تمكن باحثو سلاح الجو المصرى، من إجراء تعديلات جوهرية فى طائرات التشكيلات الجوية، ساعدت على تزويدها بخزانات وقود إضافية، هيأت لهذه الطائرات زيادة ملحوظة فى المدى التكتيكى الذى تحققه فى طيرانها.

كما نجح علماء الجو المصريون، فى إجراء تعديلات على طائرات التشكيلات الجوية، لتحقيق الزيادة المؤثرة فى مجال تسليح هذه الطائرات، وتزويدها بقنابل ممرات مصرية التصميم والتنفيذ، عالية الجهد فى مجال القدرة التدميرية.

وتطوير فعالية استخدام الطائرات الهليكوبتر لاقتحام مجالات جديدة ومتنوعة فى مجال الحرب، سواء منها العمليات الهجومية والقتالية المباشرة أو العمليات المعاونة لمجهود الحرب الأساسى».

اقتباس :
«نجيب» اتخذ قراراً مفاجئاً وغريباً بمهاجمة سرب العدو.. فراح كل من مقاتلينا يلاحق طائرة إسرائيلية من الخلف.. فهربت طائرات العدو من شدة الخوف
طائرة روسية بأجهزة استطلاع غربية

يواصل مبارك الحديث بفخر لا يمكن تجاهله بين السطور عن إبداعات العقل المصرى العسكرى، الباحث عن وسيلة لاستعادة هيبته وإنزال هزيمة بعدو يستند لمخازن السلاح الأمريكى وعتاده.

 فيحكى عن هؤلاء الباحثين الذين وجدوا حلا لواحدة من أعقد المشاكل التى واجهت سلاح الجو المصرى وقتها، سواء فى فترة حرب الاستنزاف أو فى فترة التحضير والإعداد لمعارك السادس من أكتوبر، وتمثلت فى مشكلات الاستطلاع الجوى على العدو لمعرفة مواقعه وتشكيلاته الثابت منها والمتحرك، والحصول على الصور الجوية اللازمة لوضع بيانات دقيقة عن جهد العدو واستعداده.

 لتتمكن القوات المصرية من وضع خططها الاستراتيجية العامة وتفاصيلها التعبوية والتكتيكية على أساس من الحقائق والأرقام التى تصور موقف العدو بدقة.

 فيقول: «لهذا الحل المصرى الصميم قصة طريفة ترجع بدايتها للوقت الذى بدأت فيه القيادة العسكرية العليا فى مصر، التخطيط لعمليات العبور الشامل التى نُفذت بنجاح ساحق فى السادس من أكتوبر 1973، وكان من المحتم على القيادة المصرية الجديدة، أن تجيب عن هذا السؤال الذى يسبق أى تفكير فى وضع خطة حديثة لعملية هجومية واسعة النطاق كعملية العبور العظيم.

وهذا السؤال الذى نعنيه يتلخص فى العمليات القليلة التالية: «ماذا عند العدو؟» وإذا بدا للمواطن العادى أن يستهين بهذا السؤال، فإن المقاتل الذى يحترم قواعد الفكر العسكرى، خاصة فى مجال التخطيط القتالى يعرف جيداً مدى خطورة هذا السؤال وأهميته، والتى تنبع من حتمية التعرف الكامل على ما يملكه العدو من إمكانيات فى الرجال والعتاد، لأن هذه المعرفة الدقيقة لما يملكه العدو، هى التى تحدد الجهد المطلوب من واضع الخطة العسكرية، وتحدد كمية ونوع الرجال والعتاد المطلوب لتحقيق هذا الجهد، بشكل يضمن معه واضع الخطة العسكرية النجاح لرجاله فى تنفيذ مهمتهم، وحمايتهم قدر المستطاع من المفاجآت التى يجدون أنفسهم فى مواجهتها، ومن هذا المنطلق العلمى بدأت قيادة قواتنا المسلحة، فى طلب بيانات معينة من جميع الجهات المتخصصة فى الاستخبار والاستطلاع. وكان على سلاح الجو المصرى، أن يقوم بواجبه الأساسى فى هذا المجال، عن طريق تحقيق «الاستطلاع» المباشر، الذى يحققه التصوير الجوى لمواقع العدو وقواته.

 هنا نشأت المشكلة التى بدت وكأنها مستعصية على الحل ثم انتهت إلى النتيجة المشرفة لكل مصرى وعربى.

فلم نكن حصلنا فى سلاحنا الجوى على طائرات مجهزة بآلات الاستطلاع وأجهزة التصوير الجوى من الاتحاد السوفيتى، فى الوقت الذى كان العدو الإسرائيلى، يملك فيه أحدث الأنواع العالمية من طائرات الاستطلاع المجهزة بأدق وأعقد ما وصل إليه العلم الحديث من وسائل الاستطلاع والتصوير الجوى البعيد المدى.

فلم يقف باحثونا المصريون أمام هذه المشكلة الخطيرة مكتوفى الأيدى، وفكرنا أننا نملك الطائرة السوفيتية الصنع ولكن بعض الدول الغربية الصديقة ليس لديها مانع من أن تبيع لنا أجهزة التصوير والاستطلاع المتطورة التى تُمكن الطائرة السوفيتية من تحقيق الهدف المطلوب.

 فما الذى يمنع من إجراء تعديل فورى على طائرات الاستطلاع السوفيتية الصنع، بحيث يمكن تركيب الأجهزة الغربية، عليها بصورة تجعلها صالحة لتحقيق المهمة؟ ومع ما قد يبدو فى هذا السؤال من بساطة، إلا أن تحويله إلى حقيقة واقعة أمر بالغ الصعوبة، لأن «أجهزة الاستطلاع الغربية» صُممت أساساً لكى توضع فى «طائرات غربية» ذات مواصفات خاصة، تتفق فى الجهد الذى تحققه مع المواصفات التى روعيت فى تصميم هذه «الأجهزة الغربية».. ولكن باحثينا المصريين لم يترددوا وبدأوا فى التجريب والمحاولة وأخذوا يضعون التصميمات، ويحولونها إلى نماذج مجسدة، يجرون عليها تجاربهم الواحدة تلو الأخرى، حتى وصلوا فى النهاية إلى الحل الناجح للمشكلة.

ولأول مرة فى تاريخ الطيران الحربى، حلقت فى الجو طائرة استطلاع سوفيتية الصنع، تعمل عليها أجهزة استطلاع وتصوير جوى تم تصنيعها فى مصانع «غربية».

وتستمر المذكرات فى عرض ابتكارات الباحثين العسكريين المصريين فى إطار إيجاد الحلول لكل عقبات العبور والاستعداد له، كما حدث حينما وضعوا حلا لمشكلة الاتصال المستمر وبكفاءة بالغة الارتفاع، بين التشكيلات الجوية العاملة وبين محطات المراقبة الأرضية وأجهزة الإنذار، من خلال إعادة إذاعة المعلومات باستخدام الطائرات، لزيادة وتوسيع مدى الاتصال وتوضيحه بين التشكيلات الجوية العاملة، وبين محطات المراقبة الأرضية، بحيث تحولت هذه الطائرات المستخدمة فى إعادة الإرسال، كمحطات تقوية لاسلكية معلقة فى الجو.

ليس هذا فحسب بل يحكى مبارك فى مذكراته عن هؤلاء العلماء المصريين الذين ابتكروا وسائل لتحقيق الإنذار المبكر ضد طائرات العدو المهاجمة، وبشكل أعطى وسائل الدفاع الجوى المصرى الثابتة والمتحركة، الفرصة الكافية للتعامل السريع مع الطائرات المهاجمة قبل أن تتاح لها الفرصة لتحقيق أهدافها.

 وهو ما ساعد فى تقليل الخسائر على الجبهة المصرية نتيجة لغارات العدو الجوية أثناء معارك حرب رمضان - أكتوبر.

وهو ما يقول عنه مبارك: «إن نجاح هذه الأجهزة المصرية تصميماً وتنفيذاً فى تحقيق مهامها فى الإنذار الفورى كان ييسر للمواقع المصرية المستهدفة بالهجوم، اتخاذ وسائل التخفى السريع، والتمويه العاجل، التى تزيد من صعوبة الطائرة المعادية التى تجازف باختراق حائط الدفاع الجوى المنيع، الذى بادر إلى العمل بكفاءة بالغة الارتفاع، عقب تلقيه الضوء الأحمر، من أجهزة الإنذار الفورى، التى صممها ونفذها الجيل الجديد من باحثى الجو المصريين».

كل تلك الابتكارات والتعديلات المستحدثة على الطائرات والأسلحة، توصل لها العقل المصرى المدعوم بصلابة لا تكل ولا تمل فى عشق هذا الوطن، وتم تنفيذها فى مصانعنا وورشنا الحربية بأيد مصرية صميمة.
http://www.elwatannews.com/news/details/332753

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abojo

مشرف سابق
لـــواء

مشرف سابق  لـــواء
abojo



الـبلد :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Egypt110
العمر : 43
المزاج : أخيرا متفائل بالمستقبل !!
التسجيل : 31/03/2011
عدد المساهمات : 7146
معدل النشاط : 6446
التقييم : 969
الدبـــابة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B3337910
الطـــائرة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Dab55510
المروحية :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 3e793410

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 910


 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Empty

مُساهمةموضوع: رد: كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»    كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Icon_m10الثلاثاء 1 أكتوبر 2013 - 18:09

شكرا  على سرعة نقل المذكرات للمنتدى
مجهود مشكور لعرض مذكرات شديدة الأهمية
تقبل تقييمي +

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Field Marshal Medo

مشرف سابق
لـــواء

مشرف سابق  لـــواء
Field Marshal Medo



الـبلد :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Egypt110
العمر : 39
المهنة : قائد
المزاج : عنيد - شرس - بفتل من الصبر حباااال
التسجيل : 26/08/2012
عدد المساهمات : 2653
معدل النشاط : 2303
التقييم : 108
الدبـــابة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B3337910
الطـــائرة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B91b7610
المروحية :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 5e10ef10

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 111


 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Empty

مُساهمةموضوع: رد: كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»    كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Icon_m10الأربعاء 2 أكتوبر 2013 - 8:30

abojo كتب:
شكرا  على سرعة نقل المذكرات للمنتدى
مجهود مشكور لعرض مذكرات شديدة الأهمية
تقبل تقييمي +
لا شكر علي واجب استاذ / ابوجو
و رايك في الموضوع يشرفني
و شكرا علي التقييم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Field Marshal Medo

مشرف سابق
لـــواء

مشرف سابق  لـــواء
Field Marshal Medo



الـبلد :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Egypt110
العمر : 39
المهنة : قائد
المزاج : عنيد - شرس - بفتل من الصبر حباااال
التسجيل : 26/08/2012
عدد المساهمات : 2653
معدل النشاط : 2303
التقييم : 108
الدبـــابة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B3337910
الطـــائرة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B91b7610
المروحية :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 5e10ef10

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 111


 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Empty

مُساهمةموضوع: رد: كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»    كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Icon_m10الخميس 3 أكتوبر 2013 - 10:14

الحلقة الخامسه
«مبارك» فى مذكراته: تفاصيل الخطة «صِدَام» لمواجهة طيران الاحتلال بـ«العزيمة والجنون»

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 156721_660_4208559_opt
المعركة
                                                                                                           كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 156719_660_4208558_opt
الجنود اثناء الصلاة
«ما أسهل الهدم، وما أصعب البناء، خاصة لو تعلق الأمر بإعادة ترميم النفوس الجريحة»، هكذا يواصل «مبارك» توثيق كيفية إعادة بناء القوات الجوية بقواتنا المسلحة بعد نكسة الخامس من يونيو عام 1967، يؤكد أن السر فى سرعة شفاء النفوس المقاتلة هو صلابة المصريين التى كانت أقوى من مشاعر الهزيمة، والرغبة فى الثأر التى سكنت فى نفوس المقاتلين فكانت أكثر تجبراً من جبروت العدو. يتحدث فى هذا الجزء عن البناء الذى تم فى كل أرجاء القوات المسلحة المصرية على قدم وساق.

وكيف تركز العمل فى القوات الجوية على ثلاثة محاور أساسية. يواصل «مبارك» فى كتابه «كلمة السر» الصادر عن «نهضة مصر» توثيقه الدقيق الذى سجله فى نهاية سبعينات القرن الماضى بأمر من الرئيس السادات، لنعرف حقيقة الخطة «صدام» التى وضعت من قِبل المخططين العسكريين فى القوات الجوية لتكون مفتاح النصر فى حرب أكتوبر 73، إلى حد أن قال عنها المشير محمد عبدالغنى الجمسى وقتها: «هى التى بدأت الحرب وهى التى أنهتها».

وكيف تعاملت تلك الخطة مع العدو بمهنية منحته قَدْره الطبيعى وإمكانياته التى لا مفر من التعامل معها، فى ذات الوقت الذى حسبت فيه حساب كل ما قد يفاجئنا به العدو فى رد فعله على مبادرتنا الأولى، ولكن كان سلاح مقاتلينا التدريب والتخطيط والإيمان بالنصر أو الشهادة.

الأولة فى البناء.. المطارات

انصب المحور الأول من خطة إعادة البناء على الإسراع بإصلاح وترميم ما أصيب من المطارات ومنشآتها المعاونة، مع العمل السريع على استعادة ما تم تدميره أو إصابته من طائرات السلاح، لتجد القوة البشرية من الطيارين والمهندسين والفنيين، ما يحتاجون له لاستئناف التدريب.

وهو ما يقول عنه مبارك: «كانت قيادة السلاح الجوى تدرك أن عدد المطارات الموجودة قليل جداً بالنسبة لاحتياجات رقعة واسعة كمصر، كما كانوا يدركون أن ما لدينا من مطارات بكل تفاصيلها ومنشآتها معروفة لسلاح الجو الملكى البريطانى الذى أنشأ معظمها أيام وجوده فى مصر قبل توقيع اتفاقية الجلاء عام 1954، الأمر الذى يجعل من هذه المطارات سراً غير حصين بالنسبة لسلاح الجو الإسرائيلى، وقد كان من قادته مَن عمل بمطارات القنال قبل رحيل القوات البريطانية عنها، لكن القيادة المصرية الجديدة لم يكن أمامها فرصة للاختيار. كان من الواجب أن تبدأ ولو من نقطة الصفر.. وكانت المطارات القديمة هى نقطة الصفر التى بدأ العمل بإصلاحها لتستقبل الأفواج الجديدة من الطائرات التى بدأ وصولها لتعويض الخسائر الفادحة التى لحقت بطائراتنا».

لم تكن مشكلة المطارات العسكرية المصرية متعلقة فقط بعدم سرية تفاصيلها للعدو، ولكن أيضاً فى تقليدية تخطيطها، وما بها من منشآت معاونة ملحقة بها، فحظائر الطائرات الموجودة بها كانت معدنية وثبت عدم فاعليتها فى حماية الطائرات من القصف الجوى فى نكسة يونيو. لم يكن من الممكن التخلى كلية عن تلك المطارات ولكن كان على القيادة التفكير فى كيفية استغلالها الاستغلال الصحيح. ولذا تم اعتبارها مقرا لتجميع وتركيب الطائرات الجديدة، ومحطات تدريب أولى للأفواج الجديدة من الرجال الذين بدأ تدريبهم بسرعات قياسية على مختلف تخصصات الحرب الجوية من ناحية أخرى. وهو ما يضيف عليه مبارك القول: «للحقيقة والتاريخ فقد أدت هذه المطارات القديمة بعد إصلاحها، جميع المهام التى نيطت بها على أكمل وجه، كما أن وجود هذه المطارات العتيقة فى تصميمها ومنشآتها، قدم لقيادة الجو المصرية الجديدة خدمة رائعة، لأن وجود هذه المطارات بقلة عددها، وانتشار تفاصيلها وذيوع هذه التفاصيل، كان يقدم للقيادة الجديدة باستمرار، الدليل الحى على الأخطاء التى يجب عليها أن تتجنب الوقوع فى حبائلها، وفى سبيل إعادة بناء قواتنا الجوية».
وهكذا كان على القوات الجوية التغلب على قلة عدد المطارات، والقصور فى تجهيزاتها، خاصة فيما يتعلق بأجهزة الإنذار المبكر العاملة بها أو فى الأماكن المحيطة بها. وضعف وسائل الاتصال بين غرف العمليات الفرعية بالمطارات القديمة، وغرفة العمليات المركزية بقيادة السلاح الجوى المصرى.
الممرات الجوية
وهكذا تمثل المحور الثانى فى خطة إعادة البناء للقوات الجوية، فى زيادة عدد المطارات والممرات الجوية بالقدر اللازم، الذى يغطى الاحتياجات الحقيقية لسلاحنا الجوى. وهو ما يقول عنه مبارك: «قد يتصور البعض أن هذه العملية من السهولة بمكان، وأنها لا تخرج عن كونها عملية إمكانيات مادية تيسر القيام ببناء أى عدد من المطارات، ما دامت الرسوم موجودة، وما دامت الأموال والأيدى العاملة موجودة. لكن الأمر فى حقيقته أكثر صعوبة وتعقيداً.. ولا أكون مغالياً إن قلت إن عملية زيادة المطارات المصرية إلى العدد المطلوب بسلاح جوى، له ظروف السلاح المصرى وعليه واجباته، كانت من أروع الملاحم التى كتبها الشعب المصرى فى تاريخه الحديث.

وقد بدأت تلك الملحمة عشية النكسة باستطلاع جوى شامل، جمع أراضى جمهورية مصر العربية، وعلى ضوء هذا الاستطلاع الواسع المدى، تم وضع الخرائط المساحية الدقيقة، التى تحدد بدقة بالغة أنسب المواقع لإقامة المطارات والممرات الجديدة، التى رُوعى فى تحديد أماكنها عدد من العوامل المؤثرة، بعضها استراتيجى وبعضها تعبوى، وبعضها تكتيكى، بحيث تؤدى الصورة النهائية لخريطة المطارات الجديدة بعد الإفراغ من إنشائها لإقامة كيان متكامل من القواعد الجوية، القادرة على أداء لحن متناسق عندما يصدر إليها الأمر المرتقب».

وهكذا بدأت الملحمة المصرية فى أعقاب هزيمة قاسية، وفى ظل احتلال العدو لجزء لا يستهان به من الأرض. فبعد وضع الخرائط التفصيلية بدأت عملية استطلاع أرضى على الطبيعية لكل موقع على حدة، لتقرير الصلاحية النهائية. وسرعان ما تصدر إشارة البدء، العمل الذى لم يتوقف لحظة من نهار أو ليل.

أقسم الرجال ألا يهنأوا بلحظة راحة إلا ومصر محررة آمنة. كان العمل فى إقامة شبكة المطارات الجديدة يجرى تحت الهجمات المتكررة لطائرات العدو المغيرة على سمائنا، ولكن لم يؤثر ذلك على عزيمة الرجال. وهو ما يتحدث عنه مبارك قائلاً: «كلما ازداد العدو الجوى شراسة فى قصفه لمواقع بناء هذه القواعد كان أبناء مصر الشجعان عسكريين ومدنيين من العاملين فى هذه المواقع يزدادون إصراراً على إنجاز المهمة، ويزدادون شراسة فى أدائها، لأنهم كانوا على يقين، من أنهم فى سباق تاريخى مع الزمن، ومع العدو الذى يريد أن يثبط همتهم، وهو سباق رهيب جائزته الحياة والنجاة وإقامة درع الأمان لمصر كلها، وخسارته رهيبة أيضاً، لا معنى لها سوى تأكيد سيطرة العدو الجوية على سماء المنطقة كلها.

ولكننا فزنا من جوف الأرض، وعلى امتداد رقعة الأرض المصرية الغالية لتشييد شبكة هائلة من القواعد والمطارات والممرات الجوية الحديثة فى تصميمها وتنفيذها، وفى المنشآت الحديثة التى زودت بها».

اقتباس :
رجال المدفعية أثبتوا «مقدرة فائقة» على إصابة الهدف بدقة بالغة.. وطيارو المقاتلات القاذفة استطاعوا أن يدمروا أكثر من دبابة فى «هجمة واحدة»
الدشم الخرسانية

يصل مبارك للمحور الثالث فى عملية إعادة بناء السلاح الجوى، والمتعلق بتشييد الدشم الخرسانية المسلحة وملاجئ حماية الطائرات، الذى يصفه بأنه من أروع انتصارات الإنسان المصرى فكراً وعملاً، فى سنوات الإعداد للمعركة، فيرد الفضل فيه للفكر الهندسى المصرى الصميم، وللتنفيذ المصرى الذى يبلغ حد الإعجاز فى دقته.

كان لا بد من البحث عن بديل سريع للحظائر المعدنية بشكل يضمن السلامة للطائرات، ويكمل حمايتها فى حالة إفلات العدو الجوى من حائط الدفاع الجوى الثابت، ومظلة الدفاع الجوى المتحركة، ومن هنا، كما تقول المذكرات، جاءت فكرة الدشم الخرسانية التى تولتها مجموعة من العقول المصرية المتخصصة فى هندسة الإنشاءات، والمهندسين العسكريين، وخبراء جهاز إنشاء المطارات، إلى جانب عدد من أساتذة الهندسة بالجامعات المصرية، وهو ما يكمل عليه «مبارك» بالقول: «عندما أعلن مهندسونا وخبراؤنا، أنهم توصلوا إلى تصميم (الدشمة الخرسانية المسلحة) التى تضمن تحقيق الهدف المطلوب، فوجئوا بقيادة الجو المصرية، تطلب منهم أن يتولوا الإجابة الدقيقة عن مجموعة محددة من الأسئلة هى: ما هو على وجه الدقة الموقع الذى يرشحونه لإقامة الدشم بالنسبة لكل ممر من ممرات المطار، وبشكل يضمن سلامة وضع الطائرات موضع الاستعداد فى حالتيه الأولى والثانية؟ وما تصورهم عند تنفيذ التصميم المقترح للأسلوب السليم لخروج ودخول الطائرة من الدشمة وإليها، علاوة على طريقة الجر أو الدفع الذاتى؟ وما الوسائل التى تضمن تأمين وسلامة أطقم الفنيين الأرضيين المسئولين عن تجهيز وإعداد الطائرة داخل الدشمة، خاصة بالنسبة لعادم الطائرة، عند دوران محركها قبل خروجها من الدشمة؟ ما وسائل تأمين الطائرة داخل الدشمة ضد العوامل الجوية والأثرية؟ وما وسائل حماية الطائرة وعدم إصابتها عن طريق المداخل المكشوفة بدون بوابات؟ وتوالت التصميمات والتعديلات، حتى قدر للجميع أن يعلوا فى النهاية كلمة العلم بموضوعية صارمة، ونجح العقل المصرى الخلاق فى تحقيق المعجزة، وظهرت الدشمة المسلحة إلى الوجود، تحدياً عملياً صارخاً، لكل ما أشاعه العدو عن تفوقه فى مجال العالم الحديث والتكنولوجيا، وعجز العقل العربى عن اللحاق به، فضلاً عن منافسته أو التفوق عليه».

يتوقف مبارك عن السرد العلمى لعملية إنشاء الدشم الخرسانية، ليحكى عن واقعة حدثت يوم الأحد، السابع من أكتوبر عام 1973، أى ثانى أيام الحرب، وأظهرت فيها الدشم الخرسانية قوتها وصمودها فى المعركة ودورها الذى بان أثره بقوة، حيث سعى العدو للتقليل من خطورة الهجمات الجوية المصرية، وانتشار المشاة والمدفعية بعد تحقق العبور يوم السادس من أكتوبر، فلجأ لاستخدام الطيران أو ما كان يسميه بذراع إسرائيل الطويلة عبر عملية هجومية مركزة استهدفت ضرب أكبر عدد ممكن من المطارات والقواعد الجوية المصرية، محاولاً تكرار ما قام به فى الخامس من يونيو عام 1967 لإحداث شلل كامل لسلاح الجو المصرى، تمهيداً لإخراجه من المعركة، لولا أن حمت الدشم طائراتنا، وهو ما يقول عنه مبارك -فى عودة لروح تفنيد خطة ورؤى العدو-: «إن العملية الهجومية التى حاول سلاح الجو الإسرائيلى القيام بها صباح الأحد 7 أكتوبر 1973 كانت مجرد «مغامرة مجنونة» ولا يمكن أن ترقى حتى إلى وصفها بأنها مهمة انتحارية وذلك للأسباب الآتية: أولاً إن العملية التى يقوم بها أى سلاح جوى مهاجم ضد خصمه لكى تكتسب احترام الخبراء فى التخطيط للحرب الجوية من جهة، ولكى توصف بأنها عملية سليمة من جهة ثانية، يجب أن يتوفر فيها تحديد الهدف المطلوب تحقيقه من الضربة الجوية تحديداً كاملاً، فلا يترك فرصة أمام الطيارين المقاتلين المكلفين بالمهمة للوقوع فى براثن الارتجال، أو الاجتهاد السريع، وأن تكون لدى واضع الخطة المعلومات الدقيقة عن دفاعات العدو الثابتة والمتحركة المتوقعة للتصدى للعملية واعتراضها ومحاولة إجهاضها.

 ولذا، فإن التطبيق الموضوعى المحايد، لهذه القواعد النظرية على العملية الهجومية التى قام بها سلاح الطيران الإسرائىلى.. ضد مجموعة من المطارات المصرية، يوم الأحد 7 أكتوبر 1973 يؤكد أن هذه العملية، لم تكن بأى حال من الأحوال عملية هجومية سليمة من وجهة النظر العلمية لقواعد التخطيط للحرب الجوية، كما لا يُمكن وصفها ولو من باب التجاوز، بأنها عملية انتحارية، قامت بها جماعة من الفدائيين، فإذا لم تكن هذه العملية، هجوماً جوياً جرى تخطيطه وتنفيذه، على أسس سليمة، وإذا لم تكن أيضاً عملية انتحارية، فلم يبق أمامنا ودون أدنى استسلام لدواعى التعصب القومى، أو تجاهل النظرة العلمية المحايدة إلا أن نصف هذه العملية بوصفها الصحيح، وهى أنها مجرد مغامرة مجنونة، اندفع إليها قادة سلاح الجو الإسرائيلى، بالطيش، والاستهتار حتى بأرواح طياريهم المقاتلين واندفعوا إليها بأخطر ما يقع فيه المقاتل الحديث، وهو الغرور بالنفس والاستهانة بالخصم».

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 156720_660_4157686_opt3
مقاتلة مصرية في حرب اكتوبر
لا يكتفى مبارك بتوصيف تلك الخطوة بالجنون من قبل عدو أعماه الغرور، لكنه يذكره بما قامت به قواتنا المسلحة يوم السادس من أكتوبر ليدرك حمق خطوته، وندرك نحن حجم إنجازنا، فيقول: «كان على القائد الإسرائىلى الذى أصدر أمره بالهجوم على المطارات المصرية صباح الأحد 7 أكتوبر أن يتوقف أمام حقيقتين هما: فى الساعة «205» الثانية وخمس دقائق من بعد ظهر السبت 6 أكتوبر، عبرت مائتان واثنتان وعشرون طائرة مصرية قناة السويس، لتقوم بضربة جوية مركزة على مختلف القواعد والمواقع الإسرائيلية فى سيناء، وتنجح فى أداء مهمتها نجاحاً ساحقاً، أكده انخفاض نسبة الخسائر بين الطائرات المصرية المهاجمة إلى واحد فى المائة، تمثل رقماً قياسياً عالمياً، لم يحدث من قبل فى تاريخ الحروب الجوية، كما أكد هذا النجاح الساحق، ارتفاع نسبة إصابة الأهداف إلى رقم يجاوز الخمسة والتسعين فى المائة، بالإضافة إلى نجاح هذا العدد الضخم من الطائرات المهاجمة فى العودة بسلام بعد تنفيذ المهمة، واختراق حائط الجحيم الذى أشعلته المدفعية المصرية المرابطة -وقتها- على الضفة الغربية للقناة، دون أن تسقط طائرة مصرية واحدة -ولو من باب الإصابة الخطأ- وهى تحلق على ارتفاع منخفض، لا يجاوز ارتفاع السد الترابى الذى أقامته إسرائىل على الضفة الشرقية للقناة إلا ببضعة أمتار قليلة».

يا الله أنت وحدك من يعلم ما فى النفوس، وتعلم أن هؤلاء الجند وقد قال عنهم نبيك وآخر مرسليك إنهم خير أجناد الأرض-ولو كره الكارهون وكذب المدعون- أنت من تعلم كيف عادت هذه الطائرات المصرية بعد نجاح ضربتها على خطوط العدو، سليمة لتخترق جحيم المدفعية المصرية التى كانت تصب غضبها قبل نارها على جبهة العدو، دون أن تسقط منها طائرة واحدة، وهو ما يضفى ملامح الإعجاز على رجال المدفعية الذين لم يخطئوا أهدافهم ولو قيد أنملة، وكذلك مهارة الطيار المصرى المقاتل، فى إصابة أهدافه والتصويب عليها بدقة بالغة، ثم قدرته العالية الكفاءة، على التحكم فى طائرته، والمناورة بها، وتحديد مسارها يميناً ويساراً، وارتفاعاً وانخفاضاً بصورة مشرفة وضحت آثارها فى عودته سالماً، بالإضافة إلى ما كانت تتمتع به الجبهة المصرية من نظام إنذار مبكر ودفاع جوى بكفاءة عالية الارتفاع يسرت للقوات المسلحة المصرية بجميع أفرعها البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوى أن تأخذ حذرها فى وقت مبكر جداً ضد أى هجوم متوقع.

 يستشهد مبارك هنا باعترافات عدوه، فيذكر تصريحات موشى ديان نفسه، وزير الدفاع الإسرائيلى، الذى قال: «هذه حرب صعبة.. معارك المدرعات قاسية.. ومعارك الجو فيها مريرة.. إنها حرب مريرة بأيامها، وثقيلة بدمائها»، كما يستعين بمانشيتات صحيفة نيويورك تايمز المعنونة بالهزيمة: «إسرائيل فقدت لحظة اندلاع الحرب نحو خمس ما كانت تملكه من طائرات.. وتتمثل هذه الخسائر فى المقاتلات الفانتوم، وقاذفات القنابل الهجومية من طراز سكاى هوك».

يتوقف مبارك مرة أخرى ليطرح تساؤله حول كيفية إعادة بناء قوات جوية فى ست سنوات وبتلك الكفاءة؟ فيجيب ذاته بالقول إن السبب يكمن فى درس النكسة فى يونيو 1967 والذى حول عمل القوات المسلحة كلها من حرب شعارات لحرب إرادة، تم بناؤها على أسس العلم والتسليح، أما السبب الثانى فيكمن كما يقول فى حرب الاستنزاف التى كانت محطة تدريب لا يستهان بها للمقاتل المصرى فى كل أفرع القوات المسلحة، مشيراً إلى أن حرب الاستنزاف مرت بثلاث مراحل هى: الصمود، والدفاع النشط، ثم الاستنزاف.

«الميج» فى مواجهة «الفانتوم»

مرة أخرى يسلط مبارك القائد العسكرى الضوء على بطولة لأحد نسور الجو المصرى فى حرب الاستنزاف، التى تمكن فيها طيار مقاتل مصرى يقود طائرة من طراز «ميج» من تحقيق المعجزة حين حطم دعايات العدو وأسقط طائرة «فانتوم» أمريكية كانوا يطلقون عليها «الشبح».

يذكر مبارك القصة بقوله: «كانت المنطقة الساحلية الواقعة غرب «بورسعيد» و«شرق رأس البر»، نقطة التسلل للطائرات المعادية التى تستهدف ضرب المطارات المصرية.. وفى يوم 9 ديسمبر 1969 التقطت شاشات الرادار المصرية، أهدافاً غريبة تتحرك فوق مياه البحر الأبيض على ارتفاعات منخفضة فى اتجاه المنطقة الخطرة من سواحلنا الشمالية، وعلى الفور صدرت الأوامر لمقاتلاتنا المصرية من طراز «ميج 21» بالتصدى للطائرات الإسرائيلية المغيرة، وكانت من طراز «فانتوم».

كانت المواجهة الفريدة يقودها من الجانب المصرى بطل من أبطال السلاح الجوى المصرى هو الرائد طيار سامح، الذى دخل هذه المعركة مشبّعاً بروح الانتقام والثأر لزميله فى السلاح وصديق عمره النقيب طيار «نورالدين» الذى كُتبت له سعادة الاستشهاد، بفعل كمين جوى نصبته له المقاتلات الإسرائيلية فى يوليو 1969.

 كانت طريقة الانتقام فى غاية البساطة والجرأة فى وقت واحد. كان بين طيارى التشكيل المصرى الملازم طيار عاطف، فأصدر الرائد سامح أمره لتلميذه عاطف لكى يأخذ وضع الاستعداد اللازم، ثم قام سامح بنفسه وبمعاونة باقى طائرات التشكيل المصرى بالمناورات السريعة المُحكَمة التى جعلت إحدى طائرات «الفانتوم» فى مرمى نيران الطيار عاطف الذى كان يتلقى توجيهات قائده، وينفذها بدقة، يسّرت له أن يصيب صيده الثمين. فسقطت «الفانتوم» وكان هذا اليوم بمثابة ناقوس الإنذار المدوى وانتبه سلاحها الجوى إلى حقيقة الخطر الداهم، الذى يعنيه نجاح الطيار المصرى المقاتل فى إسقاط أحدث أنواع الطائرات».

يعرج مبارك من حديثه عن البناء المادى للقوات الجوية، إلى البناء المعنوى لرجالها ليؤكد أن الروح المعنوية القوية المؤمنة برسالتها هى أساس سلامة العقيدة القتالية التى تقود إلى ارتفاع الكفاءة النفسية للمقاتل.

فيؤكد أن المقاتل المصرى الذى تعرض للهزيمة فى يوم 5 يونيو هو نفسه المقاتل الذى حقّق النصر الساحق فى يوم 6 أكتوبر بعد ست سنوات ليصعد من قاع الهزيمة ليرتقى قمة النصر، وهو يحمل نفس السلاح الروسى.

وهو ما دفع بإسرائيل إلى القول إن المصريين تعاطوا دواءً كيميائياً للشجاعة! وهو قول هراء بالطبع يعبر عنه مبارك بالقول: «إذا كان هناك من سر غير كيميائى بالتأكيد فإن مكمنه هو إيمان المقاتل المصرى مع قيادته الجديدة بأن السلاح بالرجل وليس الرجل بالسلاح. من هذا الإيمان الأساسى، استمد المقاتل المصرى المكوّنات السليمة لعقيدته القتالية الجديدة، التى وصلت به إلى مستوى من ارتفاع الكفاءة النفسية والقتالية، أذهل الخصم، وجعله يبحث عن سر «حبوب الشجاعة» التى يتعاطها هذا المقاتل المصرى الجديد».

ثم يبدأ مبارك فى شرح الكيفية التى تم بها دعم الروح المعنوية للمقاتل المصرى بعد نكسة الخامس من يونيو عبر منهج علمى ونفسى مع الاعتماد على طبيعة المقاتل المصرى الصلبة المستندة إلى جذور ممتدة ضاربة فى التاريخ ومؤمنة بالأرض.

 لتستبدل القيادة بالقوات المسلحة بنظريات إدخال السرور عن طريق حفلات الترفيه وتوزيع الحلوى والسجائر الإضافية على الضباط والجنود، والتى كانت سائدة حتى يونيو 1967، نظريات العلم الحديث فى التدريب وهدم دعاية العدو لنفسه من أنه يمتلك اليد الطولى والأقوى وأنه الجيش إلى لا يُهزم، من داخل نفوس مقاتلينا. لا من خلال الشعارات والعبارات الرنانة ولكن من خلال تفنيد أساليب العدو وإبراز ما بها من ضعف وقوة وسبل مواجهتها.

 وهو ما يقول عنه مبارك: «لم تكن المهمة الجديدة سهلة بأى حال من الأحوال، فقد كان على الجهاز الجديد الذى كانت مسئوليته الإعداد المعنوى للمقاتل الجوى، أن يضع خطته على أسس مدروسة، وأن ينفذها بأسلوب عملى، لا يقتصر على التوجيهات المكتوبة فى نشرات التوجيه المعنوى التقليدية.. بل تنوع أسلوب «الجهاز الجديد»، فشمل كل وسائل الاتصال الجماهيرى -المعترف بها فى فلسفة الإعلام الحديث- كالهوايات، والتدريب، والترفيه، ونشر المعلومات. كانت هذه الوسائل جميعها، تتحرك فى تعاملها مع المقاتل، مستهدفة تزويده بألوان من المعرفة، التى يمثل كل منها، عنصراً أساسياً، من مكونات «العقيدة القتالية السليمة»، بحيث تعيد بناء هذا المقاتل نفسياً على أساس صلب، فيكتسب الثقة بالنفس وفنون القتال».

** قل «جيش مصر» ولا تقل «عسكر»

من يقرأ تلك الجزئية فى مذكرات مبارك يدرك حقيقة ومفهوم العقيدة لدى جيشنا الذى يسميه البعض جهلاً أو حقداً بكلمة «عسكر»، حيث يشرح مبارك كيف أن جيشنا فى إعادة إصلاح ما خسره فى عام 1967 اعتمد على أكثر من مسار.

فيتحدث عن القوات الجوية كمثال، قائلاً: «كان علينا دعم عقيدة القتال لإعداد المقاتل الجوى المصرى من الوجهة النفسية إعداداً سليماً، لنمزج داخل نفسية هذا المقاتل بين أمرين، أنه لا يقاتل حين يقاتل، رغبة فى العدوان، بل يخوض أهوال الحرب، لصد العدوان عن أرضه وعرضه، فهو مقاتل، وليس قاتلاً مأجوراً.

 والثانى: أن الجزاء الحقيقى الذى ينتظر المقاتل المؤمن هو النصر على عدوه، وردعه عن العدوان.. أو.. الاستشهاد فى سبيل الوطن. كانت النتيجة الرائعة هى نقطة الوصول على المحور الأول.. فى عملية البناء الكبير لقواتنا الجوية. وصدق العالم أجمع، ما أراد المقاتل المصرى أن يقوله ببساطة، من أن «السلاح بالرجل».. وليس الرجل بالسلاح، فى ذات الوقت كان العمل لرفع الكفاءة القتالية للمقاتل المصرى. وتم تعيين الرؤساء المناسبين، والمسلحين بالتخصصات المتقدمة، فى أفرع التدريب المختلفة، لإعداد الخطط الجيدة للتدريب القتالى، على أسس واقعية».

وهكذا شملت عمليات التدريب دراسة ما حدث من أخطاء فى يونيو 67 لمنع تكرارها، والتدريب على عمليات القتال الجوى بجميع أنواعه فى مختلف الارتفاعات، والظروف الجوية المتباينة، وإجراء الرماية فى ميادين تكتيكية، والتصويب على أهداف هيكلية، تشبه الأهداف الحقيقية لدى العدو. وإعداد الطيارين والملاحين والموجهين، والفنيين والأطقم الأرضية بأساليب متكاملة.. تمكنهم من استخدام الأساليب الفنية الحديثة، والوصول بهم إلى المستوى العلمى، الذى يسمح لهم بالتعامل مع أحدث الآلات، وأكثر أنواع الطائرات تعقيداً.

وإعداد المتخصصين فى مجال الاتصالات والإصلاح الهندسى للطائرات والملاحة الجوية، والاستطلاع والتصوير الجوى وتفسير وقراءة الصور الجوية، وتشغيل المعدات الفنية الخاصة التى تكمل عمل الطائرة.

أتى هذا بثماره -كما يقول مبارك- عن تحقيق أرقام قياسية لدى المقاتل المصرى فى حرب أكتوبر، فيضيف: «بعد ست سنوات من هذه التدريبات المكثفة، فى مختلف المستويات والمجالات، كان أن حققنا كثيراً من الأرقام القياسية. فقد حقق كثير من الطيارين بين «6» و«7» طلعات طائرة فى اليوم، محطمين بذلك الرقم القياسى العالمى وهو «4» طلعات يومية. ودامت بعض الاشتباكات الجوية، خلال حرب أكتوبر، ما يقرب من «50» دقيقة، رغم أن الزمن التقليدى لأى اشتباك جوى لا يتعدى من «7» إلى «10» دقائق. وكان تدمير الدبابة الواحدة فى جداول التدمير النظرية، يستلزم من «2» إلى «3» هجمات طائرة.. غير أن طيارى المقاتلات القاذفة المصريين حققوا إمكان تدمير أكثر من دبابة بهجمة طائرة واحدة».

كلمة السر.. «صِدام»

حملت خطة القوات الجوية فى حرب السادس من أكتوبر اسم «صدام» لتعبر عن مضمونها الذى يتحتم فيه الاصطدام بالعدو وإلحاق أكبر قدر من الخسائر فى قواته البشرية والآلية.

 ويبقى السؤال الذى يطرحه مبارك فى مذكراته شارحاً تلك الخطة وما حدث فيها هو: ما حقيقة ما حدث فى الثانية وخمس دقائق من بعد ظهر السادس من أكتوبر عام 1973؟ وكيف نفذ طيارونا المقاتلون الضربة الجوية المصرية المركزة «صِدام» ضد أهداف العدو؟ كيف حققوا بدقتهم فى تنفيذها، وبانخفاض نسبة الخسائر بين طائراتهم، وارتفاع نسبة إصاباتهم للأهداف المعادية، مستويات قياسية جديدة لم يسبقهم إليها أحد فى تاريخ الحروب الجوية؟ يقول مبارك: «فى هذه الحرب أثبت مقاتلونا بنجاحهم الساحق أن الطيار المصرى المقاتل ليس قادراً على الانتقام من عدوه الطيار الإسرائيلى فحسب، ولكنه قادر على تحقيق انتقامه الجوى، بأعلى قدر من الكفاءة فى التخطيط، والإحكام فى التنفيذ، بمستوى يجعل من ضرباته الانتقامية مثالاً يُحتذى به».

يسترجع مبارك قبل استدراكه فى شرح الخطة الهجومية للقوات الجوية فى أكتوبر 73، ذلك الاجتماع الذى دعا له الرئيس السادات فى 24 أكتوبر عام 1972 فى القيادة العامة للقوات المسلحة، عارضا بعضا من فقراته نتوقف نحن أمام تلك الفقرة التى قال فيها السادات لرجاله من قادة القوات المسلحة: «إحنا أمام امتحان قدام شعبنا فى المقام الأول.. قدام رجولتنا.. تاريخنا كله.. قدام أجيالنا اللى جاية.. هل إحنا موجودين، ولّا مش موجودين.. ربنا يوفقكم». وهكذا تدرك حجم التحديات التى كان يواجهها هذا الجيش العريق.

يعرف حجم المعوقات ويعرف دوره ويصر على تحمل مسئوليته. يشرح مبارك مشاعره أمام كلمات السادات بالقول: «أرجو ألا أكون مبالغا فى إحساسى إذا قلت إننى شعرت ليلتها بأن حديث القائد الأعلى عن اختبار القدر الذى نواجهه، وتساؤله حول إحنا موجودين ولا مش موجودين، ثم إحساسه بالألم وهو يقول: كفاية سمعنا كلام كتير.. وتجريح كتير.. ولحظة لازم نواجهها.. محكوم علينا من الكل إن إحنا ناس لا قدرة لنا.. خلاص.. مشلولين».

 أحسست بأنه تعبير عن مشاعر الرجال فى القوات الجوية، التى تحملت ما لم يتحمله سلاح جوى فى العالم من اتهامات ظالمة، أراد العدو بها أن يهز ثقة مصر فى سلاحها الجوى، وفى طيارها المقاتل. أوجز السادات المعنى: «إحنا أمام امتحان قدام شعبنا فى المقام الأول.. قدام رجولتنا.. تاريخنا كله.. قدام أجيالنا اللى جاية.. هل إحنا موجودين ولا مش موجودين». وإذا كان المنطق الجدلى يسمح بوجود أكثر من إجابة للسؤال الواحد، فإن هذا السؤال بالذات لم تكن له إلا إجابة واحدة.. أن نثبت للعالم ولشعبنا المصري -ولأمتنا العربية- أننا موجودون».

ويحكى مبارك كيف دخل سلاحنا الجوى المعركة وهو محمل بأوزار ضربتين جويتين فى عامى 1956 و1967، وكيف رأى أن يكون الثأر لهذا السلاح بالرد على العدو بنفس اللغة التى يفهمها، عبر قيام رجال السلاح الجوى بضربة جوية مركزة ضد مطارات العدو ومواقعه العسكرية المؤثرة، ضربة ذات حجم هائل، وغير متوقعة سواء على مستوى التخطيط المحكم، أو التنفيذ الدقيق.

سعى مبارك للثأر والانتقام من عدوه وتلقينه درساً فى كيفية احترام قدرات الطيار المصرى. وهكذا ولدت الفكرة الأولى للضربة «صدام».. بمعناها وأبعادها وفلسفتها وأهدافها.

اقتباس :
222 طائرة مصرية عبرت قناة السويس.. ونفذت «هجمة مركزة» على القواعد والمواقع الإسرائيلية فى سيناء
هنا لا بد أن تستمع لمبارك وهو يشرح خطته «صدام» التى استعاد بها الطيار المصرى سمعته بين جيوش العالم، حين يقول: فى بداية تحليلنا للعملية «صدام» لا بد من الإشارة إلى بعض الحقائق المهمة، أولها تحديد موقفها من العدو الجوى موضوعيا، يصل إلى حد الصرامة فى واقعيته، دون تهوين أمر هذا العدو أو انتقاص من قدراته الحقيقية، ودون تهويل أو مبالغة فى تقدير ما يملكه العدو من عتاد وخبرة قتالية.

 لقد تحركت قيادة الجو المصرية وهى تخطط للعملية «صدام» على أساس أن الطيار المصرى المقاتل سيواجه عدوا مدربا تدريبا جيدا، ووراءه رصيد من الخبرة والممارسة القتالية، بالإضافة إلى ذلك هناك حقيقة ما يملكه العدو من إمكانيات عالية المستوى فى العتاد والسلاح الجوى، تجعل الطيار الإسرائيلى مزوداً -من الناحية النفسية على الأقل- بكفاءة معنوية عالية، يمده بها إحساسه بالاطمئنان الكامل إلى طائرته وإمكانياتها العالية.

 هذه الواقعية فى النظرة إلى العدو التى تمثل أعلى مستويات الصدق مع النفس هى التى حمت الطيار المصرى المقاتل، ظهر السادس من أكتوبر، من التعرض لمفاجآت غير محسوبة، وهى التى ضمنت لسلاحنا الجوى الاستمرار فى القيام بواجباته القتالية والهجومية طوال أيام المعارك، بحيث كانت قواتنا الجوية، كما قال الفريق أول محمد عبدالغنى الجمسى القائد العام للقوات المسلحة ونائب رئيس الوزراء ووزير الحربية، «هى التى بدأت الحرب وهى التى أنهتها».

 نعم لقد كان لهذا الحساب الدقيق للمخاطر والمفاجآت المحتملة من جانب العدو الفضل فى نجاح الطائرات المصرية فى تنفيذ ضربتها المركزة «صدام»، وعجز العدو عن التصدى لهذا العدد المخيف من الطائرات -الذى لم يسبق أن اشترك مثله فى عملية هجومية واحدة- بل إن كثافة عدد الطائرات المصرية المغيرة، فضلا عن قدرتها على إحداث أكبر قدر من التدمير للعدو بسرعة وفى وقت واحد، أدت أيضاً إلى نتيجة رائعة كانت محسوبة تماما، وهى إصابة طيارى العدو بالفزع والرعب، وهم يشاهدون سلاحنا الجوى يهاجمهم بهذه الكثافة والإصرار، الأمر الذى أدى إلى اهتزاز ثقتهم بقيادتهم التى خدعتهم طويلا، وهونت لهم كثيرا من أمر سلاح الجو المصرى وأمر طياريه.

ويواصل مبارك حديثه عن الخطة «صدام» قائلاً: «الحقيقة الثانية هى توقع المفاجآت من العدو، احتراما لمبدأ أن العدو عنده دائما ما يخفيه، وضمانا للوصول بالخطة المصرية إلى تحقيق الهدف المحدد لها، حتى لو تعرض التنفيذ لأى مفاجآت يكون العدو قد أحكم إخفاءها فى الفترة السابقة للعمليات، وما يمكن أن ينتج عن هذه المفاجآت من تعويق ولو جزئى لأهداف الضربة الجوية.

وحددنا خطوات خطتنا فى الآتى:
1- فى الموعد المحدد لبدء العملية «صدام» أى الساعة 2.05، تندفع الطائرات المصرية، المكلفة بالمهمة، شرقا، وتخترق خط الجبهة، حيث تقوم وفى وقت واحد، تم حسابه بالثانية، بقصف مركز للأهداف والمواقع المعادية، التى رؤى على مستوى التخطيط المتخصص للقوات الجوية، والتخطيط الشامل لقواتنا المسلحة كلها، ضرورة تدميرها وإسكاتها تماما قبل اندلاع الحرب، حتى نوفر لقواتنا التى ستعبر القناة بعد نجاح الضربة الجوية، أقصى ما يمكن توفيره من ضمانات الأمن، وعدم التعويق المؤثر لمجهودها الرئيسى فى العمليات. ووضعنا فى حسابات خطتنا احتمال نجاح العدو فى استخدام ما قد يكون عنده من إمكانيات غير معروفة لنا، بحيث يتمكن من امتصاص جزء كبير من تأثير الضربة الجوية التى سنوجهها لمواقعه وأهدافه المؤثرة، ففكرنا فى الحل السريع الذى يضمن تحقيق أهداف الضربة الجوية بأعلى نسبة من إصابة الأهداف، وبأقل قدر من الخسائر بين طائراتنا، وهذا الحل الذى نزيح الستار عنه الآن يتمثل فى الملمح الثانى من الخطة.

اقتباس :
الخطة كانت «مفتاح النصر» قبل حرب أكتوبر لأنها تعاملت مع «القدر الطبيعى» لإمكانياتنا والمشير «الجمسى» قال عنها: القوات الجوية بدأت الحرب ضد العدو.. وأنهتها أيضاً
2- أن تقوم قواتنا الجوية، فى تمام الساعة الرابعة والنصف بعد ظهر 6 أكتوبر، أى بعد مرور نحو الساعتين والنصف، بتوجيه ضربة جوية ثانية، بنفس المستوى العالى من التركيز، وعلى الأهداف نفسها التى تم قصفها فى الضربة الأولى.لمواجهة أى تعويق من العدو لأهداف الضربة الأولى.

إن قصر المساحة الزمنية التى تفصل بين الوقت المحدد للضربة الأولى، ووقت توجيه الضربة الثانية، لا يسمح للعدو بالتقاط أنفاسه، وإعادة أهدافه التى أصيبت فى الضربة الأولى -أو دُمرت- إلى مستوى الصلاحية المؤثر فى مقاومة الضربة الثانية، فضلا عن أن القوات الميدانية العاملة فى المواقع التى دمرت -أو أصيبت- فى الضربة الأولى، تكون كفاءتهم النفسية، قد هبطت بشكل فعال، يؤثر على كفاءتهم القتالية، التى لن تسعفهم فى مقاومة الضربة الثانية.

كما أنه فى حالة نجاح العدو فى امتصاص الجزء الأكبر من الآثار التدميرية التى أحدثتها الضربة المركزة الأولى، فالأمر المؤكد أن الجانب الأكبر من اهتمامات العدو، عقب تلقيه لهذه الضربة المفاجئة، وبالكثافة التى تمت بها، سيتجه إلى محاولة إصلاح ما أعطب أو أصيب من أجهزته وعتاده -إن كانت هناك إمكانية لإصلاحه- ومعنى هذا أن العدو سيكون مشغولا طوال هذه الفترة فى محاولة حصر الخسائر، وإصلاح ما يمكن إصلاحه من أعطاب، ولن يتجه بمجهوده الرئيسى إلى محاولة الرد بضربة جوية انتقامية، قبل الاطمئنان إلى سلامة موقفه، والعودة بهذا الموقف إلى ما هو قريب من المستوى السابق للضربة التى تلقاها».

كان التخطيط يسير وفقا لرؤية علمية محددة، كان كل شىء قد تم حسابه حتى نتائج العمليات الجوية والهدف منها.

 وهو ما يقول عنه مبارك: كانت الخطة «صدام» تضمن تحقيق عدد من النتائج هى:
1- استمر التصاعد فى الخط البيانى الذى يمثل تدمير أهداف العدو، بحيث نصل بهذا الخط إلى أقصى نقطة ممكنة تمثل الهدف النهائى لخطة العملية «صِدام».
2- حرمان العدو من الهدوء الذى قد يساعده على تعويض ما خسره من عتاد ومقاتلين، أو إصلاح ما أُعطب من أجهزته ومنشآته نتيجة للضربة الأولى.
3- منع طيران العدو من استخدام المطارات القريبة فى توجيه ضربة انتقامية، سواء ضد قواتنا الزاحفة أو ضد أهدافنا العسكرية أو المدنية.
4- توفير الحماية اللازمة لقواتنا البرية فى ساعات العبور الأولى، وذلك بمنع طيران العدو الذى دمرت أو أعطبت مطاراته القريبة ومواقعه المؤثرة من القيام بأى عمليات هجومية تعوق المجهود الرئيسى لهذه القوات، خصوصاً فى لحظات إنشاء رؤوس الكبارى وتأمينها، والتى تُعتبر أخطر مراحل العبور».

وتظهر بشائر النصر بعد الضربة الجوية الأولى فى حرب السادس من أكتوبر حينما ثبت تحقيق الأهداف المطلوبة فيها بشكل يؤدى للاستغناء عن توجيه الضربة المركزة الثانية التى كانت موضوعة فى الخطة.

وهو ما يدفع مبارك للعودة إلى عدوه الذى حطم طائرته فى يونيو 1967 «موردخاى هود» قائد القوات الجوية الإسرائيلية وصاحب عملية طوق اليمامة التى حطمت قواتنا على الأرض فى 1967. فيوجه له الحديث قائلاً: «تُرى ما رأى جنرال الجو الإسرائيلى «موردخاى هود» صاحب عملية «طوق الحمامة» - التى كادت العسكرية الإسرائيلية أن تفرضها على التاريخ العسكرى، باعتبارها خطة إسرائيلية، وهى لا تعدو فى حقيقتها، أن تكون نسخة مقلدة من الأصل الأنجلوفرنسى، الذى نُفذ ضدنا عام 1956؟ ترى ما رأى الجنرال «هود» فى هذا التمهيد العلمى الدقيق الذى اعتبره المخطط الجوى المصرى نقطة البداية الأولى فى إعداده لخطة الضربة الجوية المصرية «صِدام»؟ وما رأى «موردخاى هود» -ومن ورائه كل جنرالات الجو الإسرائيليين وكل صقور المؤسسة العسكرية الإسرائيلية- فى ذكاء المخطط الجوى المصرى وفى قدرته الواضحة على الاستفادة إلى أقصى حد من نظريات وقواعد القتال الجوى الحديث لكى يضمن لخطته الهجومية أكبر قدر من النجاح، ويوفر لطياريه -عن طريق الدراسة الجادة- كل ما يستطيع توفيره من ضمانات ضد المفاجآت غير المحسوبة وعمليات الإجهاض المضاد التى تعوق الضربة المصرية وتنحرف بمجهودها الرئيسى عن أهدافه الأساسية.

 ألا يعتبر «الجنرال هود» كل هذا دعوة غير مباشرة للفكر، يوجهها الطيار المصرى المقاتل -الذى أُعيدت صياغته على أحدث ما تكون صياغة وإعداد الطيار المقاتل- لكى يفيق خصومه من أحلام اليقظة الكاذبة التى نعترف بأنها أفادتنا كثيراً، لأنها ساعدتنا على العمل فى صمت، ولسنوات طوال، كان العدو فيها مشغولاً باجترار إحساسه البالغ بالنصر، وكنا منصرفين خلالها إلى العمل والتدريب والإعداد، حتى وصلنا إلى اللحظة التى أقسمنا -عام 1967- على الوصول إليها مهما كان الثمن ومهما كانت التضحية».

ثم يواصل مبارك تحذيره الذى يصل لمرحلة التهديد لهذا العدو بقوله: «إن مصير أى مغامرة جنونية قد يفكر العدو فى الإقدام عليها تقليداً لما حدث فى 5 يونيو 1967 ليس مصيراً افتراضياً مبعثه الوهم، لكن المصير المحتوم سيكون نتيجة حتمية لما يستطيع سلاحنا الجوى أن يصنعه بعدوه -جواً وبراً وبحراً- بعد أن وصل إلى ما وصل إليه من مستوى بالغ الارتفاع، كسلاح جوى بالغ العصرية على جميع مستويات التخطيط، والتنظيم، والإعداد، والتدريب، ذلك المستوى الذى تفصح عنه تفاصيل العملية «صِدام».

http://www.elwatannews.com/news/details/334000

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Field Marshal Medo

مشرف سابق
لـــواء

مشرف سابق  لـــواء
Field Marshal Medo



الـبلد :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Egypt110
العمر : 39
المهنة : قائد
المزاج : عنيد - شرس - بفتل من الصبر حباااال
التسجيل : 26/08/2012
عدد المساهمات : 2653
معدل النشاط : 2303
التقييم : 108
الدبـــابة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B3337910
الطـــائرة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B91b7610
المروحية :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 5e10ef10

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 111


 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Empty

مُساهمةموضوع: رد: كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»    كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Icon_m10الأحد 6 أكتوبر 2013 - 12:55

الحلقة السادسة
لصدام الرهيب» مع طيران العدو فى حرب أكتوبر
مواجهات فى الجو.. لم تعرف المستحيل

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 157676_660_15940
مبارك
يصل بك «مبارك» لنهاية ما كتب فى كتابه «كلمة السر» الصادر عن «نهضة مصر»، الذى يحكى فيه كيفية إعادة بناء القوات الجوية بعد نكسة يونيو 67، مؤكداً أنه تعمد ألا يصف ما قامت به القوات الجوية فى حرب أكتوبر بأنه معجزة عسكرية يستحيل تكرارها، أو أنها كانت عبقرية نادرة الحدوث فى مجال الحرب الجوية.


لأن عصر المعجزات انتهى، ولأن الطريق الوحيد لتحقيق النجاح والأهداف المخطط لها فى أى مجال هو الإيمان بالعلم واستيعاب تكنولوجيا العصر وإتقان العمل الجاد.


وهو ما يوضحه بالقول: «إذا كان عدونا الجوى قد وقع فى خطيئة الوهم بأن عملية (طوق الحمامة) -التى نفذها ضدنا صباح 5 يونيو 1967- كانت معجزة عبقرية نادرة التكرار.. فإننا -نحن الطيارين المقاتلين المصريين- قد رفضنا ذلك الزعم المغرور حين صدره العدو للعالم عقب معارك 1967، ورفضنا الاستسلام لدواعى اليأس الذى كنا معرضين له -لو أننا سلمنا بأن ما فعله العدو يومها معجزة- وانطلاقا من هذا الرفض، وإيمانا منا بأن باب العلم مفتوح للجميع، سرنا على الدرب الموصل للهدف، بعد أن وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح الذى انتهى بنا إلى تحقيق الضربة (صدام)».


ويستشهد «مبارك» بما دار فى ندوة عقدتها أكاديمية ناصر العسكرية العليا لدراسة حرب أكتوبر، وتحدث فيها الجنرال «أندريه بوفر»، خبير الاستراتيجية القتالية، عن رأيه العلمى فى قواتنا الجوية فى هذه الحرب بقوله: «لقد كان الدرس المهم فى حرب رمضان هو أن القوات الجوية المصرية أحسنت انتشارها وحمايتها، فتمكنت من الاستمرار فى العمليات وحرمت الخصم بذلك من التمتع بميزة كبرى هى التفوق الجوى، أو السيطرة الجوية».


ثم ينتقل مبارك للحديث عن رجال القوات الجوية الذين أفرد لهم فصلا كاملا فى كتابه شارحا ما قاموا به وكيف أنهم أصحاب الفضل فى ذلك النصر الجوى، فيقول: «عندما نتحدث عن دور التشكيلات الجوية فى حرب أكتوبر، فإننا نعنى أسلحة الطيران بأنواعها المختلفة. ونتحدث عن البطولة والإقدام والتضحية والفداء.. نتحدث عن الرجال الذين صنعوا التاريخ بجسارتهم وأرواحهم.. عن الطيارين والفنيين وأطقم وأفراد التشكيلات الجوية الذين ضحوا بأرواحهم لنصرة الوطن، ولرفعة شأن قواتهم الجوية.


إنهم المنفذون لأعمال القتال والبطولة.. العاملون فى صمت.. المنفذون لما أمرتهم به قيادتهم.. الواثقون من أن قيادتهم تعمل وتخطط وتقودهم للنصر.. للعزة.. للكرامة.


إنهم المنتظرون لساعة الصفر بشوق زائد، وعلى أحر من الجمر.. ليثأروا وليثبتوا المعدن الأصيل للطيار المصرى.


أعنى هنا تشكيلات القوات الجوية بأنواعها، وحدات المقاتلات، وحدات المقاتلات القاذفة، وحدات القاذفات، وحدات الاستطلاع، وحدات النقل والهليكوبتر.


من شاهد ما فعله هؤلاء الأبطال، خلال جميع المراحل التى سبقت استعدادهم للحرب، يفخر بأبناء مصر، الذين عملوا بتفانٍ وإتقان فى نظام دقيق وتعاون وثيق.. لقد كان لهم هدف واحد، محدد وواضح.. هو النصر».


كان على القوات الجوية فى حرب أكتوبر العمل على تحقيق عدة أهداف، أهمها:
1- توفير الحماية الجوية للقوات البرية والأهداف الحيوية بالدولة، ضد ضربات العدو الجوى وطائرات استطلاعه، بالتعاون مع قوات الدفاع الجوى المصرى.
2- القتال من أجل الحصول على التفوق الجوى المحلى.
3- تأمين أعمال قتال الأنواع الأخرى من طائراتنا ضد تدخل مقاتلات العدو طوال فترة العمليات.
4- تدمير قوات العدو المنقولة جوا.


ولذا ومع فجر يوم الأحد 7 أكتوبر، كانت قواتنا الجوية على يقين من أن العدو سيوجه هجماته الجوية ضد قواعدنا الجوية، وكانت مقاتلاتنا جاهزة ومستعدة تماما، بالتعاون مع وسائل الدفاع الجوى.


وهو ما يحكى عنه «مبارك» قائلاً: «بالفعل حدثت الهجمة الجوية المعادية الأولى فى الساعة السابعة صباح يوم 7 أكتوبر، بقوة تزيد على ثمانين طائرة، جاءت على ارتفاعات منخفضة جدا؛ إذ كان العدو يظن أنه قادر فى عام 1973 على تحقيق النجاح الذى حققه عام 1967.. لكنه فوجئ بأعداد ضخمة من مقاتلاتنا يقودها الطيارون المصريون الأبطال، تهاجمه بعنف من كل اتجاه، وتمكنت مقاتلاتنا بالتعاون الرائع مع وسائل دفاعنا الجوى من شل العدو ومنعه من تحقيق أى هدف من أهدافه، وأجبرته على التخلص من قنابله وصواريخه مع ذرى الريح فى الحقول والصحارى، وعاد الجزء الذى نجا من طائرات العدو بالخيبة، مكتفيا بالفرار ذعرا.


فى هذه الضربة الانتقامية، كان العدو يوجه هجومه ضد سبعة مطارات وضد وسائل دفاعنا الجوى فى العمق، لكنه فشل فى الوصول إلى أهدافه.. عدا عدد محدود من طائراته، أمكنها الوصول إلى مطارين فقط من مطاراتنا وتلقفتها وسائل دفاعنا الجوى، من صواريخ ومدفعية مضادة للطائرات، ولقنتها درسا قاسيا، لاذت على أثره الطائرات المعادية بالفرار.


ثم نفذ العدو هجمة جوية أخرى فى الواحدة والنصف من اليوم نفسه، ولقنته مقاتلاتنا درسا آخر، فلم تصل هذه المرة طائرة واحدة معادية إلى هدفها، وعادت كالقطيع المذعور دون تنظيم، مخلفة وراءها خسائرها الكبيرة من طائرات الفانتوم».


 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 157679_660_4235348_opt

حرب أكتوبر 1973
 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 157679_660_4235348_opt

ومر يوم 8 أكتوبر دون أن يجرؤ العدو الإسرائيلى على تكرار الهجوم الجوى على مطاراتنا، لكنه عاد لضربها يوم الثلاثاء 9 أكتوبر، غير أنه لم يقوَ إلا على ضرب مطارين فقط.


بعدئذ تركز مجهود مقاتلاتنا المصرية فى صد الهجمات الجوية المركزة للعدو.


التى تكثفت من اتجاه الشمال والشمال الشرقى والجنوب الشرقى، التى كان العدو يحاول القيام بها بغرض شل قواعدنا الجوية ومطاراتنا، لإخراج قواتنا الجوية من المعركة، حتى يتسنى للعدو التعامل بحرية، باستخدام قواته الجوية ضد قواتنا البرية، وضد شبكة دفاعنا الجوى للقضاء عليها تدريجيا من الأجناب اتجاهى الشمال والجنوب.


لكن لعبت المقاتلات أروع أدوارها فى سد الثغرات التى أحدثها العدو فى شبكة الدفاع الجوى، خصوصا فى قطاع بورسعيد، حتى استعادت كفاءتها القتالية، ثم فى منطقة الثغرة فى الدفرسوار وعلى الجانب الأيمن للجيش الثالث فى فترات محددة، كما نجحت مقاتلاتنا فى تنفيذ هذه المهمة بصورة منقطعة النظير، بفضل وسائل الإنذار المتوافرة، ولم تستطِع طائرات العدو إصابة طائرة واحدة من طائراتنا على الأرض، ولم يتعطل أى من مطاراتنا إلا لفترات محدودة للغاية على الرغم من سبع محاولات حاولها العدو حتى يوم الاثنين 15 أكتوبر لقصف مطاراتنا، لكنها فشلت جميعا.


يقول «مبارك» فى مذكراته الصادرة عن دار نهضة مصر «كلمة السر»: «لم تحدث إلا بعض الخسائر الطفيفة، حدثت فى ممرات قواعدنا الجوية، وسرعان ما حاصرها مهندسو المطارات وأفراد مجموعات إصلاح الممرات وإزالة القنابل، وأعادوا مطاراتنا لحالتها الطبيعية، وليس من المبالغة فى شىء إذا قلنا إن مطاراتنا جميعها، وبلا استثناء، ظلت صالحة للطيران طوال فترة العمليات. وخلال الفترة من 16 أكتوبر حتى 22 أكتوبر قام العدو الجوى بتنفيذ ثلاث محاولات فقط وضد مطار واحد فقط فى كل مرة. 


وكان من الواضح أن العدو قد أيقن وتأكد من فشله فى إخراج قواتنا الجوية من المعركة الكبرى كما حدث فى حرب 1967.


واستمرت وحداتنا المقاتلة فى تنفيذ مهامها بكفاءة عالية وبجرأة تفوق الوصف، طوال 22 يوما فى قتال شرس. وبعد فشل العدو المتتالى، ومع تطور الجيب المعادى (الثغرة) فى الدفرسوار، وبعد أن تم للعدو استعواض خسائر طائراته من أمريكا، حاول الحصول على التفوق الجوى المحلى بالمنطقة، لمعاونة قواته بالجيب وحمايتها، وضرب قواتنا البرية.


إلا أنه وجد فى مقاتلاتنا خصماً عنيداً منعه من تحقيق أهدافه، وقاتلته بإصرار وعزم، وكثرت فى تلك الفترة المعارك الجوية، وزادت وطأتها، حتى إن بعضها استمر لأزمنة قياسية».


حدث هذا رغم فارق القدرات فى الطائرات وعددها، لكن كان مقاتلونا يتعاملون بمبدأ الند بالند.


على سبيل المثال رغم الفارق الكبير بين قدرات «الميراج» و«الميج 17» فإن الأخيرة تمكنت من إسقاط عدد من طائرات «الميراج»، ونشرت الصحف العالمية وقتها صور هذه الطائرات «الميراج» وهى تتهاوى مشتعلة بنيران «الميج 17».


ليس هذا فقط، لكن إسرائيل عوّضت خسائرها الضخمة فى الطائرات والمعدات من خزانة السلاح الأمريكية التى أمدتها بطائرات «فانتوم» معدلة وصواريخ وقنابل موجهة ذات كفاءة عالية، فى الوقت الذى لم تعوض قواتنا الجوية بشىء من خسائرها، وهو ما ساعد القوات الإسرائيلية على التسلل إلى منطقة الثغرة بالدفرسوار، كما يقول «مبارك»، وهو ما زاد الطيارين المصريين تمسكا بإيمانهم وصمموا على الصمود والتغلب على هذا التفوق الآلى بروحهم العالية، وكان القتال مستميتا.. وكان التنسيق بين مقاتلاتنا القاذفة، ومقاتلاتنا فعالا ودقيقا.. وكانت ضرباتنا مركزة اعترف العدو بعنفها ونتيجة هذا القصف، تم تدمير أعداد ضخمة من الدبابات المعادية، وفقد العدو أعداداً كبيرة من القتلى ومعبرين من معابره فى منطقة الدفرسوار.


ويشير «مبارك» إلى مقال كتبه أحد مراسلى الصحف الإسرائيلية، أثناء وجوده بمنطقة الثغرة، ذاكراً فيه العبارة التالية:
 «أما قصف المدفعية فشىء تعوّدنا عليه، وأما هذا القصف الجوى فشىء مفزع».


وينتقل «مبارك» للحديث عن الدور الذى لعبته الطائرات الهليكوبتر فى حرب أكتوبر، مؤكداً أنها لعبت دوراً فعالاً بعد ساعات قليلة من بدء المعركة عبر نقل كتائب بأكملها لإسقاطها خلف الخطوط الإسرائيلية، وكانت هذه الوحدات من الكوماندوز المصريين، شأنها فى ذلك شأن قوات المشاة على طول القناة، مجهزة بالصواريخ المضادة للدبابات. وإمداد القوات الخاصة فى منطقة البحر الأحمر أيام 8 و11 و12 و14 أكتوبر بشكل سمح لهذه الوحدات بالاستمرار فى قتال العدو وإرباك خطوطه الخلفية. بالإضافة لاستطلاع العدو والتعامل مع دباباته فى أيام 16 و17 و18 و27 أكتوبر.


وإمداد قوات الجيش الثالث الميدانى، شرق قناة السويس، بجميع ما يلزمه من احتياجات، خلال الأيام الأخيرة من عملية «الثغرة» فى الدفرسوار.. وذلك خلال يومى 25 و27 أكتوبر وقصف مستودعات بترول بلاعيم.


ثم ينتقل «مبارك» فى حديثه لتخليد أعمال ومواقف بطولية شهدتها حرب أكتوبر؛ فيقول:
 «إذا أردنا أن نسجل تلك الأعمال البطولية جميعها فإن الأمر سيحتاج إلى مجلدات ومجلدات حتى يمكن إعطاء كل ذى حق حقه.


إن استعراض عدد من صور البطولة، لا على سبيل الحصر، بل كمجرد نماذج لما حققه مقاتلونا الطيارون خلال عمليات السادس من أكتوبر، والوفاء بالعهد الذى قطعه الرجال على أنفسهم، أن يكون لمصرهم الغالية -ولأمتهم العربية جمعاء- درع جوية تحميها. 


لا بد من وقفة أمام التاريخ.. ليس فيها افتعال.. أو تصنع.. فأمام الموت.. وأمام التضحية بالنفس يصعب ذلك كله. لا بد من وقفة إجلال أمام موقف لا ينسى، لبعده الإنسانى أولاً، ولمدلوله الحضارى والقومى ثانياً».


يتوقف «مبارك»، القائد العسكرى، هنا ليحكى لنا كيفية تلقيه نتائج الضربة الجوية الأولى فى يوم السادس من أكتوبر، فيقول:
 «كنت أتلقى التمام من القواعد الجوية والمطارات، التى اشتركت فى تنفيذ الضربة الأولى (صدام)، 
وعلمت أن شهيدى هذه الضربة الناجحة هما:


المقدم طيار كمال والرائد طيار عاطف.


ورغم سعادتى البالغة بالنتائج الرائعة التى حققتها (صدام) ضد العدو، فقد كان ألمى بالغا لفقد الطيارين اللذين كانا -رحمهما الله- من أكفأ طيارى القتال المصريين.


أسرعت بإبلاغ نتائج (صدام) للقيادة العامة للقوات المسلحة، وكنت أعلم أن الرئيس السادات -بوصفه القائد الأعلى- قد اتخذ مكانه على رأس هيئة القيادة فى مركز العمليات الرئيسى لقواتنا المسلحة قبل أن تبدأ عمليات السادس من أكتوبر، وكان علمى بهذه الحقيقة سببا فى إحساسى بالحرج وأنا أبلغ المغفور له المشير أحمد إسماعيل بنتائج الضربة الجوية وباسمىّ الشهيدين».


اقتباس :
تشكيلات القوات الجوية كانت تعمل فى صمت وجدية.. وتنتظر «ساعة الصفر» على أحر من الجمر.. الجزاء للطيار الذى يرتكب أى خطأ أثناء الحرب كان «الحرمان من طلعة أو أكثر من طلعات القتال»
عاطف السادات

يقول «مبارك» فى كتابه «كلمة السر»
: «إن عاطف السادات، فى البدء والنهاية، طيار قاتل كغيره من رجال سلاح الجو المصرى له ما لهم من حقوق وعليه ما عليهم من واجبات، وألمنا لفقده هو نفس الألم الذى يعتصرنا لفقد غيره من شهداء قواتنا الجوية، لكن أنور السادات بشر فى النهاية، ومن حقه أن يشعر بأحاسيس غيره من البشر، عندما يفاجَأ الأخ الأكبر بنبأ استشهاد أخيه الأصغر، الذى كان بالنسبة له فى مكانة الابن العزيز.. لا شك أن هذا الإحساس بالحرج، والفهم الإنسانى للطبيعة البشرية، والتقدير المرهف لحساسية الموقف، هو الذى دفع المشير إلى احتباس خبر استشهاد عاطف السادات عن شقيقه أنور السادات بضعة أيام. موقف إنسانى من المشير أحمد إسماعيل، لعله أراد به أن يجنب القائد الأعلى امتحانا صعبا فى اللحظة التى كان على الرئيس السادات أن يتحمل فيها مسئوليته التاريخية وهو يقود خير الجنود وأشرف الرجال، فى اللحظة التى يواجهون فيها قدرهم وقدر أمتهم العربية وشعبهم المصرى، ليجيبوا عن السؤال الرهيب، الذى ظل يتردد -منذ عام 1967- فى أعماق الشخصية العربية،
سؤال رهيب يقول: هل نحن موجودون، أم غير موجودين؟ وفى مواجهة هذا السؤال المصيرى، فليس من الحكمة أن يتعرض القائد الأعلى لأى اهتزاز -حتى لو كان عاطفيا تمليه الطبيعة البشرية، ورابطة التراحم الأسرى بين الأخ الأكبر وأخيه الأصغر- هكذا قرر المشير أن يحبس الخبر عن قائده الأعلى حتى تتضح معالم الموقف العسكرى على الجبهة تماما، وعندما سنحت الفرصة، أعلن المشير الخبر لقائده الأعلى، ليجد نفسه أمام تصرف لا يصدر إلا عن إنسان له عمق أنور السادات، وشخصيته متكاملة العناصر، عميقة الأبعاد.


حزن الرئيس حين أُبلغ بخبر استشهاد عاطف السادات فى الضربة الأولى.


لقد كان حزن الأخ الأكبر (أنور) على أخيه الأصغر (عاطف) عميقا.. لكن لمحة الحزن التى أطلت من عينيه يومها -وشهدها كل الحاضرين فى غرفة العمليات الرئيسية- خالطها، ثم طغى عليها فى النهاية، إشعاع من العاطفة الأبوية الشاملة، التى ظللت كل المقاتلين واحتضنت كل الشهداء، وأطلقها الرئيس فى عبارته المؤثرة: «كلهم أولادى».


بطولات الرجال

ينتقل «مبارك» بعد الحديث عن عاطف السادات وخبر استشهاده، فى اليوم الأول للحرب، للحديث عن بطولات رجال القوات الجوية التى هدمت الغرور الإسرائيلى.


فيقول: فى السادس من أكتوبر، وأثناء الضربة الأولى المركزة التى حطمت روح الطيران الإسرائيلى وأعادته إلى حجمه الطبيعى، أصيبت طائرة المقاتل الطيار (نجيب...) بدانة مدفع مضاد أطارت غطاء كابينة الطائرة وأصابته هو بجروح سطحية فى وجهه، لكنه لم يبلغ عن الحادث ولم يطلب العلاج، بل بدأ بمجرد هبوطه فى قاعدته إجراءات التزود بالوقود والذخيرة ليشترك فى باقى طلعات ذلك اليوم، ولم يكتشف أمره إلا بعد أن حققت الضربة أهدافها وسمح للطيارين بالقليل من الوقت والراحة قبل بدء المهمة التالية.


وفى نفس اليوم أيضا وفى نفس العملية، حدث نفس الشىء للمقاتل الطيار (فوزى...) أثناء عودته بعد ضرب مطار بير تمادا، لكن أمره اكتُشف لحسن الحظ فصدرت له الأوامر الصارمة بالراحة جبريا، لكنه بعد 24 ساعة تقدم بتظلم أقرب إلى الرفض منه إلى الرجاء، نوه فيه بأنه سيقضى ما بقى من حياته فاقدا احترامه لنفسه لمرور يوم وليلة من عمر المعركة دون أن يفعل شيئا، حتى إذا ما أجيب إلى طلبه، حرص بعد عودته من كل عملية على المشاركة فى العملية التى تليها، وكأنما يعوض ما فاته من عمليات.


ويحدث نفس الشىء، وما أكثر ما حدث للمقاتل الطيار (حسن...) فى الثامن من أكتوبر؛ فبعد أن تمكن من إسقاط طائرة للعدو، أصيبت طائرته بصاروخ معادٍ أثناء عودته، فوثب بالمظلة وعاد سيرا على قدميه إلى حيث التقطته قواتنا الأرضية وأعادته سالما إلى قاعدته قبل الغروب. وكان حتماً أن يحال إلى القومسيون الطبى ليحدد المدة الكافية لعلاج الكدمات والجروح التى أصيب بها.. وأحيل فعلا رغم إلحاحه فى طلب إعفائه من ذلك، لكنه لم يكف عن التوسل للأطباء حتى يطلقوا سراحه كما كان يقول فأجيب إلى طلبه بعد 24 ساعة ليشترك فى عدة عمليات ناجحة قبل أن يحظى -بعد ذلك- بلقاء ربه شهيد إيمانه وحبه لوطنه.


 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 157678_660_4235349_opt
حرب أكتوبر 1973
 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 157678_660_4235349_opt


ويحكى «مبارك» عن لون آخر من ألوان الإصرار وروح القتال التى جعلت من مقاتلى القوات الجوية مضربا للأمثال قائلاً: «عندما رزق المقاتل الطيار (فهمى...) بمولودته الأولى، وبادرت قيادته بمنحه إذناً ليراها ويطمئن على سلامة الأم، رفض ابن السادسة والعشرين أن يبعد عن قاعدته ولو لساعات، خشية أن تفوته المساهمة فى إحياء مهرجان الانتصارات الذى أقامه مع زملائه ابتداء من السادس من أكتوبر. وتمخض هذا التكالب على الاشتراك فى العمليات، من جانب الطيارين، عن ابتكار الكثير من الحلول لبعض المشكلات؛ فالمخالفات الصغيرة مثلا، التى لا تخلو منها قاعدة جوية أو غير جوية، أمكن القضاء عليها تماما، وبين الطيارين بالذات، بجزاء طريف ابتكره أحد قادة القواعد لينتشر بين القواعد جميعا، هو الحرمان من طلعة أو أكثر من طلعات القتال.


كانت المشكلة الدقيقة التى عاناها القادة أثناء الحروب الجوية ممثلة فى حتمية اختيار الطيار المناسب للعملية المناسبة من حيث هى تدمير أهداف جوية أو اكتساح مدرعات أو ما إلى ذلك، حتى ابتكر قادة القواعد حلا طريفا للمشكلة يتلخص فى استدعاء الطيارين جميعا إلى غرفة عمليات القاعدة لتلقينهم تفاصيل العملية، فى نفس الوقت الذى يجرى فيه تجهيز العدد المطلوب فقط من الطائرات للطلعة وهى داخل دشمها، حتى إذا ما انتهى التلقين وهرع الطيارون كلٌّ إلى دشمه، حظى البعض بالمهمة وعاد الباقون ضاحكين حيث يجدون الدشم التى حددت لهم خالية بلا طائرات».


إلى هذا الحد هانت الأرواح فى سبيل الحصول على المجد للبلاد.


إلى هذا الحد كان الرجال يسارعون للشهادة أو النصر يعرفون مسئولياتهم الواجب أداؤها؛ لذا لم يكن ابتكار حل المشكلات وقفاً على القادة؛ فقد ابتكر المقاتلون الطيارون لأنفسهم حلا لمشكلة المشكلات فى القتال الجوى، هى مواجهة العدو والدخول فى المعركة الجوية بلا ذخيرة.


وهو ما يقول عنه «مبارك»: «الحل المبتكر جاء عفواً، وأما السبيل إليه فكان روح القتال الكامنة فى طيارينا؛ إذ اهتدى طيارونا المصريون إليها فى أول مناسبة برزت فيها المشكلة بالمناورة فى الجو وركوب الطائرات المعادية بتشكيل الطائرات المصرية فكانت طائرات العدو تسارع بالهرب من صواريخ لا وجود لها.


وهو الحل الذى قام به الطيار نجيب وسبق الحديث عنه فى ابتكار تمتزج فيه الشجاعة بالسخرية المصرية اللاذعة من العدو».


ويواصل «مبارك» حكيه عن بطولات الرجال فيقول: «فى الثامن عشر من أكتوبر خرج تشكيل من 4 طائرات بقيادة المقاتل الطيار (حيدر) ومعه كل من (محب ورضا وفتحى)، فى مهمة لتدمير عدد من الأهداف الحيوية فى عمق سيناء، لتعترضه أثناء العودة بعد أدائه لمهمته مقاتلات العدو، وهو على بُعد 40 كيلومترا شمال العريش، وإذا كان التشكيل المصرى قد بوغت وهو بلا ذخيرة للدفاع؛ فقد كان فى هذه المرة بلا وقود يكفى للمناورة الخداعية ثم العودة إلى قاعدته؛ لذا أصدر قائد التشكيل، المقاتل الطيار (حيدر...) أمره إلى زملائه بمواصلة العودة إلى القاعدة دون اشتباك، وانفصل هو عن التشكيل واتجه رأسا صوب العدو، وراح يشغله بالكر والفر وهو أعزل تماما، حتى تمكنت مقاتلات العدو منه بعد عناء، فأسقطته شهيدا مضحيا بحياته ثمنا لحياة زملائه».


العمليات الخاصة

يقول «مبارك» فى كتابه «كلمة السر»: كثير من الناس لا يعرف عن العمليات الخاصة إلا اسمها.


قد لا يعرف الكثيرون أنها واجبات ينفرد كل منها بوضع خاص، سواء من حيث التعرض للمخاطر أو من حيث الآثار المترتبة على النجاح أو الفشل فى أداء العمليات الخاصة بالبر أو البحر.


مسئوليات جسام تتطلب من المقاتل الطيار أسمى مستويات الإخلاص للعمل والصدق فى الأداء والشجاعة فى مواجهة الخطر. تلك عناصر توافرت بغزارة فى مقاتلينا الطيارين طوال معارك أكتوبر التى قامت أكثر ما قامت على العمليات الخاصة التى عُهد بها لسلاحنا الجوى فأثبت كفاءة عالية فى هذا النوع من عمليات القتال التى خضناها للمرة الأولى فى تاريخنا؛ ففى السادس من أكتوبر، وبينما الضربة المركزة الأولى تفتح أبواب الجحيم وتصلى العدو ناراً من الجو، كانت عدة تشكيلات من تسع عشرة طائرة هليكوبتر ضخمة، بقيادة المقاتلين الطيارين «شمس...» و«رفيق...» و«زكى...» و«محمود...» و«سعيد...» و«عمر...» و«حسن...» و«سمير...»، تسقط جنود الصاعقة البواسل شمال قلعة الجندى وشرق رأس سدر ووراء الممرات، للعمل خلف خطوط العدو بما يربكه ويوقعه فى الحيرة التى حطت من روحه.


تلك القوات التى تم إنزالها لا يزال العالم يتغنى بإنجازاتها؛ لأن معظمها لم يعد إلا بعد شهور ثلاثة من بدء العمليات، وقد كانت نقطة الانطلاق الأولى فى هذه العملية البطولية هى نجاح طائراتنا فى توصيل هذه القوات إلى أهدافها.


كان بديهياً أن تجد هذه القوات الخاصة حاجتها من الذخيرة والغذاء والماء، وكان الحل عند سلاحنا الجوى الجديد، الهليكوبتر؛ فعن طريق العمليات الخاصة أقام هذا السلاح جسرا لإمداد قواتنا البرية الخاصة حيثما وُجدت عبر طرق جوية عجز العدو عن اكتشافها، ابتداء من الثامن من أكتوبر، وفى تشكيلات سريعة الحركة بقيادة مقاتلين طيارين كانت خبرتهم بهذه العمليات جليلة الأثر تتصاعد باستمرار، من أمثال المقاتلين الطيارين «عمر...» و«حسن...» و«بهى...» و«أبوشهبة...» و«سمير...» وغيرهم.


 نوع آخر من العمليات الخاصة اضطلعت به طائراتنا الهليكوبتر، تجاوز مجرد إبرار القوات الخاصة وإمدادها، إلى تدمير الأهداف أيضا؛ ففى الحادى عشر من أكتوبر عندما تقرر الحد إلى أقصى درجة ممكنة من نشاط مدرعات العدو بحرمانها من البترول، عصب الحرب الميكانيكية.. انطلقت أربعة تشكيلات من طائرات الهليكوبتر بقيادة كل من المقاتلين الطيارين «شمس...» و«رفيق...» و«أحمد...» و«على...» فى الصباح، ثم تلتها أربعة تشكيلات أخرى بقيادة كل من «جلال...» و«محمد...» و«سيد...» و«محسن...» إلى حيث دمرت مستودعات البترول بسيناء، فحرمت العدو بهذه العملية التدميرية الناجحة من مصدر حيوى للوقود.


اقتباس :
علمت باستشهاد «عاطف السادات» وشعرت بالحرج وأنا أبلغ «المشير» نبأ استشهاده و«السادات» قال: «كل المقاتلين أولادى»
بمثل تلك الروح فى القتال بين طيارينا وذلك المستوى من التدريب والكفاءة، تمكن هؤلاء الطيارون من تحقيق أعمال تعتبر قياسية فى مجال الحروب الجوية.


منها على سبيل المثال عدد الطلعات الجوية فى اليوم الواحد.


كان الرقم القياسى 4 طلعات حققها طيارو سلاح الطيران البريطانى، أثناء مطاردة قوات المحور، وهى فى انسحابها التاريخى من شمال أفريقيا. وقد تخطت قواتنا الجوية المصرية هذا الرقم ولأكثر من مرة بعدد من الطلعات وصل إلى 6 طلعات كان يحققها الطيار الواحد فى اليوم الواحد، دون أى بادرة من بوادر الإجهاد أو الإرهاق.


كذلك فى مجال إسقاط الطائرات الأكثر تفوقا أثناء القتال الجوى، بلغ طيارونا الذروة، لا فى عدد ما أسقطوا من طائرات معادية أكثر تفوقا من طائراتهم فحسب، بل على مدار حرب بدأت دون أن يدرى أحد متى سيقدر لها أن تنتهى.


كما حقق العشرات من طيارينا أرقاما قياسية فى عدد إسقاط الطائرات المعادية الأكثر تفوقا.


ويتحدث «مبارك» عمّا يعتبره قياسا فى أكثر من مجال من مجالات الحروب الجوية، فيقول: كان ينتاب بعض الطيارين حالة من فقدان الصبر، والاستجابة للحماس وروح القتال، عندما ينجح العدو فى الوصول إلى إحدى قواعدنا الجوية، فما من مرة هوجمت القاعدة التى يعمل منها كل من المقاتلين الطيارين «ضيف الله...» و«المنصورى...»، إلا وهرعا إلى طائرتيهما وانطلقا تحت القصف، إلى حيث يشتبكان مع العدو الجوى فى معركة إن لم تنته بإسقاطه، فبإرغامه على التخلص من حمولته المدمرة بإلقائها فوق الحقول، والعودة هاربا دون أن يحقق أهدافه ضدنا.


ولا أنسى ما دأب عليه كل من المقاتل الطيار: «فهمى...» و«نصر...» و«عادل...» و«تحسين...» و«شكرى...» من عدم فتح نيرانه على عدوه، بعد التمكن منه، إلا وهو على أقرب مسافة ممكنة منه، لدرجة أن شظايا العدو فى كثير من المرات، إثر انفجارها فى الجو، أصابت طائراتهم إصابات لم تعقها عن مواصلة الطيران.


لا ينسى «مبارك» الإشارة لقوات كانت مهمتها تسهيل مهام هؤلاء الطيارين فيشير إلى معلومة حربية مفادها أن كل طيار يطير فى الجو، يقابله بين 18 و20 مهنة تخدمه على الأرض.


بين متخصصين فى الإعداد الهندسى للطائرة، وآخرين لتأكيد سلامتها وتحميل لأسلحتها وتزويدها بالوقود والذخيرة وصيانة أجهزتها المختلفة.


كما يسهر على تأمين سلامة الطائرة ملاح لتوجيهها على شاشات الرادار، ومراقب جوى لتنظيم إقلاعها وهبوطها من برج المراقبة، وخلف هؤلاء مهندسون وميكانيكيون وعمال فى مهن فنية عديدة يصلحون ما يصيب كل طائرة من أعطال.


وآخرون قابعون فى مخازنهم، لإمداد الأسراب والورش بما يلزمهم من عتاد أو مهمات أو قطع غيار، وآخرون فى مكاتبهم، يديرون دولاب العمل فى أجهزة التخطيط ووحدات التنفيذ.


وهو ما يقول عنه: كل هؤلاء كانوا بمثابة خلية النحل، لا يكل فرد فيها عن العمل، وشأن كل خلية لها طلائع.. يصنعون النصر بالتضحية بأرواحهم، ويعطون الحياة صفة الاستمرار بهذه التضحيات. كان كل من هؤلاء يفكر فى سلامة الطائرة وسلامة الطيار وسلامة الممر قبل أن يفكر فى نفسه، ومن ثم شحذت هممهم، فجاءت نتيجة الأعمال التى قاموا بها خلال المعارك وفق ما نعرف الآن. وكما ذكرت المقاتلين الطيارين فإننى أذكر بعضا من بطولات غيرهم، لا من باب الفخر والإعجاب، ولكن من باب التذكرة والاستفادة.. كان الأعداء يستهدفون دشم الطائرات، وكانوا يستهدفون الممرات لتعطيلها توهماً منهم أنهم قادرون على تكرار ما حدث فى 5 يونيو 1967، وتساقطت بعض القنابل على الممرات، وتساقط الكثير من صواريخ العدو وقنابله بعيدا عن الممرات والدشم.


لكن لم يتعطل مطار واحد أكثر من ساعات معدودة، استكمل بعدها قدرته على الدفع بطائراته إلى سماء المعركة التى فوجئت بها إسرائيل.


ولقد تمخضت خسة إسرائيل فى لحظات اليأس عن استخدام القنابل الاهتزازية، التى تنفجر بمجرد حدوث أى حركة بجوارها؛ لذا لعبت البسالة المصرية دورها، حتى لا تهتز القنابل أو تنفجر أمام طائرة أو أمام دشمة بجوارها.


كمثال على بطولات أبنائنا أذكر رئيس الوحدة المسئول عن إزالة القنابل وتطهير الممرات منها، وهو يغادر مكتبه فى القاهرة، وينطلق إلى إحدى القواعد الجوية التى تساقطت فيها القنابل حول الممر، ليباشر التطهير بنفسه، ويظل يواصل الليل بالنهار لأن القنابل كانت تعد بالعشرات، وكان بعضها غائصا فى الطين على بُعد أمتار، فظل يواصل الحفر وراءها حتى تم نزع كل ما أسقطه العدو من قنابل، وتم تأمين المطار.


قائد وحدة تطهير آخر تقدم نحو موقع سقطت فيه قنبلة، فتنفجر فيه لأنها كانت من النوع الاهتزازى، ويتقدم من يليه فى الرتبة، فيلقى نفس المصير، ثم يتقدم من يليه، وهكذا.. حتى أصبحت الوحدة تحت قيادة ملازم.. وأخيرا تم التطهير، دون أن تتوقف العمليات؛ لأن الجميع كانوا مؤمنين بحتمية مبدأ جديد اسمه «الاستمرار».


أذكر سائق وحدة ميكانيكية تقدم من الممر، وعرف أن عددا من زملائه لقوا حتفهم وهم يطهرون الممر من قنابل اهتزازية، فيسرع بعربته نحو قنبلة باقية كانوا يشيرون إليها، ويلقى نفس مصيرهم، حتى لا يستمر تعطيل الممر عن الطيران.


ويتمزق جسده، مع أجزاء العربة، وتتوقف حياة البطل الشهيد، لكى تستمر قواته الجوية فى الحياة.


ويواصل «مبارك» الحديث عن همم الرجال الأبطال الحقيقيين الذين لا يذكر أسماءهم كاملة، أو لا يذكرها على الإطلاق، لكنه يعلم بما قاموا به فيخلد مواقفهم. 


فيحكى عن دور أبطال آخرين كانوا خلف عدم تعطل أى مطار أكثر من بضع ساعات، فيقول: كانت هناك عملية إعداد فورى واستعدادات وتحضيرات خاصة يطلق عليها مهندسو الممرات «الخلطة الساخنة»، والأسمنت سريع الشك.


لم يكن العدو يدرى أن مصر كلها تحارب، وأن مصر كلها تساند جيشها.


كانت الخلطة الساخنة تُصنع فى كل موقع وبجوار كل مطار، وتقوم بتجهيزها شركات ومواقع عمل مدنية كانت على أهبة الاستعداد، وسواعد مدنية كان أصحابها لا يقلون فدائية واستعدادا للبذل عن المقاتلين الرسميين.


وكانت أجهزة نقل متخصصة تعمل لإحضار هذه «الخلطة الساخنة» على وجه السرعة، لردم ما فى الممرات من حفر، وفى كل قاعدة جوية أو مطار توجد وحدة لديها آلاتها ومعداتها وضباطها وجنودها، المسئولون عن إعادة تجهيز الممرات.


هؤلاء ضربوا أروع أمثلة النشاط، ومواصلة الليل بالنهار، لجعل الممرات جاهزة لإقلاع الطائرات وهبوطها باستمرار، وخلال ثغرة «الدفرسوار» تركزت غارات الأعداء على أحد مطارات شرق الدلتا، وتساقطت عليه مئات القنابل، وتعطلت ممراته أحيانا، لكن كان العدو يعطله ليلا، ليصبح فيجده وقد عاد صالحا، وأقلعت منه الطائرات لتهاجمه.


لقد كان مهندسو المطارات يعملون ليلا على أضواء العربات.


كم كانت تعوق أعمالهم القنابل المهتزة، لكنهم كانوا دائما ذوى عزيمة، وكان نتاج ذلك كله ممرات صالحة على الدوام، تضمن لسلاحهم الجوى تحقيق شبح يرعب إسرائيل اسمه «الاستمرار» فى المعركة من بدايتها إلى نهايتها.


ويأتى الكتاب على ذكر سلاح آخر للعدو تمثل فى إلقاء قنابل تحوى مئات من الكرات المعدنية، التى تتناثر فى شتى الاتجاهات عند حدوث الانفجار، فتصيب عددا كبيرا من الأفراد.


وهى القنابل التى أطلق عليها جنودنا اسم «قنابل الجوافة»، تشبيها لكراتها ببذور هذه الثمار. ورغم إصابتها لعدد كبير من رجالنا فإن حركة العمل فى أى قاعدة أو مطار لم تتوقف ولو للحظات.


كانت تلك القنابل تسقط بالقرب من حظائر الطائرات ودشمها، لكن كان الرجال أقوى منها.


وعندما وُجد كثير منهم أن بعض البلى المتناثر يمكن أن يصيب الطائرات داخل الدشم، تمخضت أذهانهم عن أفكار مبتكرة غاية فى البساطة، تمثلت فى بعض شكاير الرمل وصناديق الخشب المملوءة بالرمال، وحموا بها الطائرات. ولقد ضرب كثيرون منهم أروع المثل فى التضحيات.


اقتباس :
مقاتلونا نجحوا فى إدخال «الرعب» فى نفوس طيارى العدو.. وأجبروهم على إلقاء حمولاتهم من الذخيرة فى البحر أو الصحراء والهروب من المواجهة بـ«غنيمة السلامة»
يقول «مبارك»: كان من هؤلاء: المقاتل «شاكر...»، الذى لمح قنبلة تتدحرج فى منزلق نحو إحدى الدشم، دون أن تنفجر، فهَمَّ فى سرعة خاطفة إلى التقاطها بيديه، وجرى بعيدا عن الدشمة إلى أرض فضاء مجاورة ليلقى بها، وهو يعلم أن انفجارها موقوت، وما كاد يعطيها ظهره، بعد أن أبعد الخطر، حتى دوى صوت الانفجار عاليا، وهو لم يكد ينبطح على وجهه ليتفادى الشظايا إلا فى اللحظة الأخيرة، والمقاتل «شبل...» الذى كان يتعاون مع لفيف من زملائه على إدخال إحدى الطائرات إلى دشمتها، ليحكموا إغلاق الباب عليها حماية لها من قنابل الجوافة، لكن القنابل لاحقتهم، وسقطت إحداها قرب الدشمة، فأصر المقاتل «شبل» على أن يتقدم زملاؤه حتى يغلقوا الباب على الطائرة وبقى هو ليسحب القنبلة بحبل بعيدا عن الطائرة. أما المقاتل «شافعى...» فقد كانت له هواية غريبة، وهى جمع قنابل الجوافة، ولقد أفلح فى جمع ما يزيد على ستمائة قنبلة منها بعد نزع مفجراتها، وبذلك أصبح سرها معروفا، ولم تخِفه القنابل المهتزة ونجح فى نزع طبات سبع منها. وذاع صيته فى المنطقة، إلى حد أن استدعته إحدى وحدات الدفاع الجوى القريبة لتأمين قنبلة كبيرة زنة الألف رطل، سقطت بجوارها على عمق أكثر من مترين فى الأرض.
وأسرع العملاق المصرى «شبل» ليؤمن وحدة الدفاع الجوى، التى تسهم بجهدها الحيوى فى خلق الشبح الذى أطار النوم من عيون جنرالات الجو الإسرائيليين.


وينتقل «مبارك» للحكى عن مهام الصيانة للطائرات خلال حرب أكتوبرفيقول:
لم يكن غريبا علىّ، وأنا أباشر مهمتى -كقائد للقوات الجوية خلال حرب أكتوبر- أن ألاحظ أن عمليات «التمام» التى كانت تتلقاها قيادة القوات الجوية لم يكن بينها فى أى يوم «بند» عدم صلاحية للطائرات بسبب تأخر الإصلاح لمدد طويلة.


ومن ثم كانت نسبة صلاحية الطائرات على الدوام أعلى من المتوقع باستمرار.


كان وراء هذا عيون ساهرة من مهندسى الصيانة وميكانيكيى وعمال ورش الإصلاح، سواء فى القواعد الجوية والمطارات أو فى الورش الخلفية.


هؤلاء واصلوا الليل بالنهار فى إنجاز الإصلاحات، وليس فى ذلك فى حد ذاته بطولة؛ لأن ذلك عملهم وواجبهم، لكن عنصر البطولة يكمن فى إنجاز هذه الإصلاحات فى أوقات أقل ما توصف به أنها غاية فى القِصَر إلى حد يصعب تصديقه.


استخدم مهندسو الصيانة وسائل مبتكرة فى إصلاح الطائرات، منها على سبيل المثال ما حدث فى إصلاح الثقوب الصغيرة التى أحدثتها الشظايا فى الطائرة، فلم تكن تعالج بالسمكرة بل باستخدام لدائن لاصقة. 


ومعدات الرفع والتحميل التى لا تتوافر إلا فى الورش الرئيسية المجهزة، أمكن ابتكار ما يقوم بعملها داخل دشم الإصلاح وورش المطارات بوسائل لا تتسم إلا بالبساطة، لكنها تؤدى إلى تحقيق نفس الفعالية المطلوبة والمؤدية إلى سرعة الإنجاز فى أقصر حيز زمنى ممكن.


ويحكى «مبارك» عن مواقف يتضح فيها حجم الإحساس بالمسئولية وأهمية عنصر التوقيت والفداء فيقول:
وصل بلاغ من إحدى القواعد ليلا بأن طائرة غير صالحة فى حاجة إلى قطعة غيار صغيرة الحجم، وأن صلاحية الطائرة متوقفة عليها، وبعد أن تم صرف القطعة المطلوبة، تحرك أحد المقاتلين بها لتوصيلها، وكان لزاما عليه أن ينتقل بعربة وعلى بعد 4 كيلومترات من القاعدة، وتعطلت العربة فواصل الجرى حتى بلغ القاعدة لتكون الطائرة صالحة قبل مطلع الشمس. كذلك سقطت قنبلة أمام باب دشمة كان المقاتل «حمدى...» يجرى فيها إصلاح طائرة، فيتفتق ذهنه عن سحب الطائرة من الباب الخلفى للدشمة بواسطة عربة التزويد بالوقود.


وعندما يحدث الانفجار، تكون نتيجته إتلاف بعض الجدران فقط.


والمقاتل «زناتى...» تسقط قرب ورشته قنابل صغيرة كثيرة العدد، ويعرف أنها ستنفجر بعد قليل، لكنه يمضى فى جمعها فى خوذته بسرعة ويسرع إلى إلقائها فى حفرة حتى لا يتعطل إصلاح الطائرات. أما المقاتل «أبوناسو...» فقد كان متخصصا فى إصلاح كوابل التليفونات، وتحت قصف من وابل القنابل لم يتأخر عن إصلاح كل الكوابل الموصلة إلى الدشم، لتكون الطائرات دائما جاهزة لتلقى أوامر الإقلاع فور صدورها.


بهذا استحقت قواتنا الجوية التقييم المنصف الذى أعلنه الفريق أول محمد عبدالغنى الجمسى، نائب رئيس الوزراء وزير الحربية القائد العام لقواتنا المسلحة، عندما أعلن أن «القوات الجوية هى التى بدأت الحرب وهى التى أنهتها».



http://www.elwatannews.com/news/details/335639

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Field Marshal Medo

مشرف سابق
لـــواء

مشرف سابق  لـــواء
Field Marshal Medo



الـبلد :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Egypt110
العمر : 39
المهنة : قائد
المزاج : عنيد - شرس - بفتل من الصبر حباااال
التسجيل : 26/08/2012
عدد المساهمات : 2653
معدل النشاط : 2303
التقييم : 108
الدبـــابة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B3337910
الطـــائرة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B91b7610
المروحية :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 5e10ef10

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 111


 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Empty

مُساهمةموضوع: رد: كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»    كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Icon_m10الأحد 6 أكتوبر 2013 - 13:13

بيان الفريق محمد حسني مبارك عن الضربه الجويه

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Field Marshal Medo

مشرف سابق
لـــواء

مشرف سابق  لـــواء
Field Marshal Medo



الـبلد :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Egypt110
العمر : 39
المهنة : قائد
المزاج : عنيد - شرس - بفتل من الصبر حباااال
التسجيل : 26/08/2012
عدد المساهمات : 2653
معدل النشاط : 2303
التقييم : 108
الدبـــابة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B3337910
الطـــائرة :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» B91b7610
المروحية :  كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 5e10ef10

 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» 111


 كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Empty

مُساهمةموضوع: رد: كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»    كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر» Icon_m10الأحد 13 أبريل 2014 - 13:46

حكآيه وطن كتب:
من آكثر المواضيع إللي شدتني لقرائتهآ
شكرآ لنقلك المذكرات ومجهودك متعوب فيه
وبآلنسبه لمبآرك رغم كثره آخطائه فكآن يوجد له كثير كويس يذكر
وشئنآ أم ابينا سيظل التاريخ يذكره
يكفي آنه قآئد الضربه الجويه .

لا شكر علي واجب

و مهما فعل مبارك في حياتة السياسية لن يقلل مما فعلة مبارك المقاتل و هذا بيت القصيد

فلكل انسان مواقف حسنة و اخري غير موفقة

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

كلمة السر - مذكرات الرئيس مبارك «بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر»

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» ننشر كلمة الرئيس بمناسبة نصر أكتوبر.. منصور: بَدأَ طَريقُنَا الحَقيقِىُ لِلنَّصرِ حِينَ خُضْنَا حَرباً لِلاستنزَافِ.. أكدت مصر من خلالها أن إرادتها لم ولن تنكس
» كلمة السر: Open Architecture
» قانونيون : مبارك وعائلته لديهم خبرة فى نقل الأموال وغسلها وتهريبها و دعوة لتحقيق فوري حول كلمة مبارك
» مذكرات حرب أكتوبر للفريق سعد الشاذلى
» كلمة السر الصين --- دول شرق افريقيا واستراتيجية التوسع فى شبكات السكك الحديدية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الأقســـام الاداريـــة :: الأرشيف-
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة الموقع ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر

Powered by Arab Army. Copyright © 2019