خطاب العلماء ومواقفهم
تشرئب أعناق الأمة بحثا عن العز بن عبد السلام - بائع الملوك- في ظل هذا العدوان اللئيم على العباد والبلاد في غزة، وتبحث في الفضائيات عن العلماء الذين يقفون مواقف الرجال الرجال. فهل تجد ؟
لا يشك صاحب حس سليم أننا نعيش حالة استعباد تستشري في الحكام، فهذه أنظمة عربية تقف تتفرّج على مشاهد القتل بينما تختلف على تفاصيل المسرح الذي ستتابع من خلالها المشهد: هل يكون تلفازا فرديا أم من خلال شاشات القمة العربية ؟ أما عدا عن أبعاد تلك المشاهدة والمتابعة فلا يرجى منها شيء، إلا مزيدا من التآمر على الضحية حتى يتم إسكاتها فلا يقض صراخها مضاجع الحكام.
إذن هذه أنظمة مسلوبة الإرادة وينطبق عليها الوصف بأنها “مماليك” لمن يتصرف بأمرها. والمملوك لا يصح أن يحكم لأنه يباع ويشترى ولا يملك إرادته. وكان العز بن عبد السلام قد قام ببيع “المماليك” حتى يحررهم فيستعيدوا الإرادة، ومن ثم كانوا رجال دولة حاربوا المحتل، فسطروا نماذج خالدة في الوعي التاريخي للأمة.
وهذه المماليك، اليوم، المسمّاة ملوكا ورؤساء، لا تملك إرادتها، وهي تدرك ذلك. ولذلك فهي بحاجة لأمثال العز بن عبد السلام ليبيعها، ولكنها لن تجد من يشتريها إلا أصحاب عملة الدولار، لأنها ليست من معادن الرجال الذين يتحملون مسؤوليات التحرير، ولن تصلح أن تكون رجال دولة بعد أن فسد فيها الحس والوعي، وصارت منحازة للعدو تبرر مجازره وتلوم الضحية في غزة على أنها لم تصغ لنداء الاستخذاء الذي أطلقته الأنظمة.
تعج الفضائيات بعلماء أتقنت فنّ الغزل السياسي وأصول اللعبة الإعلامية، وهي تدرك مستوى الخطاب المسموح به في ظل هذا العدوان، فلا تتجاوز سقف المطالبة بوقف هذا العدوان، وفك الحصار، وجمع التبرعات، لأن أي إضافة، ولو بسيطة باستبدال صد العدوان بدل وقفه، تعني توجيه الخطاب إلى الجيوش وهذا خطاب حرام في لغة الحكام. وإن استخدام تعبير الجهاد فيه خروج على قواعد الشرعة الدولية وتأهيل للإدراج في لائحة الإرهاب.
هل هنالك طفل درس سيرة صلاح الدين الأيوبي، أو شاهد فيلم عمر المختار، لا يدرك الرد الطبيعي على الاحتلال، ولا يفهم المطلوب في هذا الموقف؟
فالحدث لا يحتاج “معرفة” العلماء بل “مواقف” العلماء.
إن توجيه الخطاب للناس المقهورة من أجل التبرعات ليس خطاب استنفار؟
وإن توجيه الخطاب إلى مجلس الأمن الذي شرّع الاحتلال ليس خطاب استنفار؟
وإن توجيه الأنظار إلى نتائج قمة المتفرجين على مآسي الأمة أو صانعيها ليس خطاب استنفار.
ولا حاجة للأمة بمعرفة لا تتجسد حية في رجال، وخصوصا في ظل قواعد بيانات رقمية تزخر بالمعرفة، وقد أغنت عن علماء يكون دورها مجرّد حفظ بطون الكتب.
فأين علماء المواقف ومواقف العلماء ؟
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
http://www.al-aqsa.org/index.php/articles/show/1212/